آخر 10 مشاركات
ليالي صقيلية (119)Notti siciliane ج4من س عائلة ريتشي:بقلمي [مميزة] كاملة و الرابط (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          287 - كذبة العاشق - كاتي ويليامز (الكاتـب : عنووود - )           »          284 - أنت الثمن - هيلين بيانش _ حلوة قوى قوى (الكاتـب : سماالياقوت - )           »          275 - قصر النار - إيما دارسي (الكاتـب : عنووود - )           »          269 - قطار النسيان - آن ميثر (الكاتـب : عنووود - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          التقينـا فأشــرق الفـــؤاد *سلسلة إشراقة الفؤاد* مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-01-21, 12:38 AM   #1841

طابعة الحسن

? العضوٌ??? » 447028
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 131
?  نُقآطِيْ » طابعة الحسن is on a distinguished road
افتراضي


يا حلا أطيافك يا نيمو 💜💜

طابعة الحسن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-01-21, 01:03 AM   #1842

بنت سعاد38

? العضوٌ??? » 403742
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 524
?  نُقآطِيْ » بنت سعاد38 is on a distinguished road
افتراضي

ليه الفصل بقي يتاخر اوي كده

بنت سعاد38 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-01-21, 01:09 AM   #1843

بنت سعاد38

? العضوٌ??? » 403742
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 524
?  نُقآطِيْ » بنت سعاد38 is on a distinguished road
افتراضي

حقراه الصبح وامرى الي الله كان نفسي اقراه قبل ماانام

بنت سعاد38 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-01-21, 01:29 AM   #1844

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي

انا عن نفسي حفضل مستنية

ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-01-21, 01:59 AM   #1845

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف الثاني والعشرون
=====
*أصفر*
=====
_أين ذهبتِ اليوم ؟! خرجتِ دون علمي ثانية ؟!
يهتف بها راغب بضيق وهو يدخل شقتهما لترد رؤى مدافعة :
_خرجت ؟! وهل يسمى الذهاب للمحل على أول الشارع خروجاً؟! رُبَى أرادت بعض الحلوى وخرجت لأبتاعها لها .

_أنا أشتري لكم كل طلبات البيت ..لم تكوني في حاجة لهذا ! كنتِ أرسلتِ أحد أبناء عمها لشرائها !
يهتف بها بالمزيد من الضيق لترد بمكابرة :
_بذمتك هل يستحق الأمر الشجار ؟! ثم من أخبرك أني خرجت ؟! هيام!! يالله!! تلك المرأة لم تكتفِ بإفساد حياة عزة فتنفث سمها في حياتي أنا الأخرى!!

ثورتها المبالغ فيها تدفعه للمزيد من الشك وهو يشعر بتغير طباعها الطفيف في الفترة الأخيرة ..
فرغم ضيقها الدائم من تصرفات هيام الفجة لكنها كانت دوماً تجد لها تبريراً عاطفياً يلائم طبيعتها الوديعة ..فلماذا هذه الثورة الآن ؟!

يتأفف بضيق وهو يشيح بوجهه منتظراً ترضيتها لكنها تهتف به :
_أنا أتقبل كل أوامرك ..أحبس نفسي في البيت لا أكاد أغادره إلا معك ..حتى عبد الله لم أعد أزوره وحدي رغم تعلق ربى بابنته ورغم رجاءات صفا المتكررة لي أن أذهب إليها ..هل ترى وضعي هذا طبيعياً ؟!
_وضعنا لم يكن أبداً طبيعياً لو تذكرين !!

يهتف بها بحدة غلبه فيها طبعه العصبي لتحمّل هي عبارته ما يفوق معناها وهي كالعادة تتحسس بطحة رأسها القديمة هاتفة :
_هذا هو ما كنت أنتظر سماعه! ليتك تملك نفس الشجاعة فتخبرني بالضبط متى سيمكنني العيش بطريقك طبيعية كأي امرأة يثق فيها زوجها؟! متي سأفي بديني ؟! متى؟!

ثورتها الهادرة غير الاعتيادية تنتهي بفيض من دموعها وهي تركض من أمامه نحو غرفة نومهما بما ظاهره غضب وباطنه ..هروب!!

تعرف أنها مخطئة وشعورها بالذنب يتعاظم يوماً بعد يوم ..
المزيد بشعورها بالخوف من غضبه ..
والأدهى شعورها أنه لا يحق له الغضب وأنها تمارس حقها الطبيعي!!
لماذا يفعل بها هذا؟!
لماذا يضطرها للكذب كي تحصل على أبسط حقوقها ؟!
هي لم تفعل ما يشين ..
شركة أعلنت عن حاجتها لمن يصمم لها منشورات دعائية للتسويق "أونلاين" وهي شاركت في المسابقة وربحت ..
تسلمت العمل ..وكل هذا وهي في بيتها لم تغادره ..
لكنها اضطرت لتغادر المنزل اليوم كي تتقاضى الراتب ..خافت أن يرسلوه على حسابها فيعلم هو !!

تود لو تخبره ..
لو ترى في عينيه فخره بها كما تفخر بنفسها لكنه لا يعطيها الفرصة ..
وشعورها أنها تكذب عليه ينغص عليها فرحتها ..

تنقطع أفكارها وهي تراه يدخل الغرفة عليها بنظرة عاتبة طويلة قبل أن يتحرك نحو خزانة ملابسه فيفتحها ليقول باقتضاب:
_سأذهب لقضاء واجب العزاء في والد أحد أصدقائي .

_تناول طعامك أولاً.
تقولها باقتضاب مشابه وقد أخذتها العزة بالإثم لكنه لا يرد وهو يبدل ثيابه بسرعة ليغادر البيت صافقاً الباب خلفه ببعض العنف ..

_بابا غاضب؟! هل تشاجرتما؟!
تسألها ربى بدهشة طفولية وهي تركض نحوها لتضمها رؤى إليها متصنعة ابتسامة :
_نحن نتشاجر ونتصالح لأن أحدنا لا يصبر على خصام الآخر..لا تقلقي .
_لا تُغضبي بابا ! هو يحبك !!

تهتف بها ربى ببراءة لتتنهد رؤى بحرارة ..كأنما ينقصها المزيد من مطارق الذنب ..
تسمع رنين جرس الباب فتهرع ربى لتفتحه ..
أولاد عمها يريدون اللعب معها في غرفتها ب"البلاي ستاشن" الجديد ..

تتخذها رؤى فرصة ليشغلوا الصغيرة ..ثم تتجه نحو مائدة السفرة حيث حاسوبها المحمول ..
تفتحه بسرعة لتتخذ مجلسها وهي تحاول إتمام عملها ..
تنهمك تماماً فيما تفعله لكنها تنتفض مكانها وهي تسمع صوت هيام عند الباب تهتف بحدتها المعهودة :
_أين أولادي؟! بالطبع ابنتك اجتذبتهم لهنا بحجة ذاك الجهاز اللعين !

توترها يدفعها لحدة مشابهة وهي تهتف بها بانفعال :
_ابنتي لها اسم تنادينها به ..يكفي أنني أحتمل ثقل أفعالك ..لماذا توقعين بيني وبين راغب؟!
_أفعالي أم أفعالك أنتِ؟! زوجك يحق له أن يعرف ما يدور خلف ظهره .
_اخرسي ! كأنني ارتكبت جريمة! أنا خرجت ..

تقطع رؤى عبارتها وهي تسمع صرخة ربى من الداخل فتركض نحو الغرفة لتتبين ما حدث ..
تهم هيام باللحاق بها لكن عينيها تصطدمان بشاشة الحاسوب المفتوح ..
تتقدم لتتفحصها ثم تتلاعب أناملها بالأزرار لتلتمع عيناها بفهم ..
قبل أن تشتعلا بحقد ..
تبتسم ابتسامة متشفية وهي تعيد الوضع لما كان عليه قبل أن تحيد ببصرها نحو غرفة ربى حيث اختفت رؤى لتهمس لنفسها بتوعد :
_هاقد عرفت سرك ! أنتِ السبب فيما آل إليه حالي مع شقيقتي ..ولن يهدأ لي بال حتى أكسر قدمك من هذا البيت ..وهاهو ذا غباؤك يمنحني الفرصة !
======
*بنفسجي*
=====
غابات الزيتون تشتعل بغضب قديم حفر تجاعيده فوق صفحة القلب قبل الوجه ..
غضب يشبه مثله في "العينين الصقريتين" وإن اتشح بالذنب ..
المزيد من الحطب فوق الحطب !!

مشهد عاصي والرجال يهددونه مع زوجته الحامل بينما هو يقف متفرجاً ينتظر قصاص مجرم من مجرم -كما كان يظن وقتها -
يقتلونها -مع ابنها في أحشائها- ثم يحتجزون عاصي ليلقوه بسيارته من فوق الجبل فيفقد بصره !!

يغمض حسام عينيه بقوة على نصل الذكرى يكاد يدمي مقلته وقبضته تكاد تتخلى عن مسدسه لكنه يتذكر ديمة وسند خلفه فيتشبث به هاتفاً بصوت متحشرج مخاطباً عاصي :
_لا أعرف سبب ظهورك الغريب هذا الآن ..لكن دع المرأة والصغير خارج حساباتنا .

يقولها بمزيج من ضيق ودهشة وهو لا يدري لماذا حضر عاصي الآن وبهذه الطريقة الغريبة ..طوال هذه السنوات ورغم الصداقة الوثيقة بين حسام وفهد لم يحاول الأخير طرق هذا الباب واقفاً على الحياد بينهما مدركاً حرج الموقف ،لكن حسام كان يعلم إلامَ آل مصير عاصي الرفاعي وكيف ترك الدنيا كلها خلفه ليبدأ من جديد ..فما تفسير ظهوره هذا الآن ؟!
بينما ضاقت عينا عاصي وهو يتفحص ملامحه بتفرس قبل أن يحيد ببصره نحو ديمة التي كانت ترتجف رعباً في السيارة ليهتف بنبرته المهيمنة :
_اهبطا من السيارة كي يعود الرجال بسند للبيت ..لا أريده أن يشهد هذا اللقاء .

_لا تلقِ إليها بالأوامر ! دع حديثك معي أنا ! ما شآنك بهما؟!
يهتف بها حسام بحمائية ليعود عاصي إليه ببصره قائلاً:
_شأني بهما؟! لا تعرف حقاً شأني بهما ؟!

_أرجوك يا سيد عاصي ..سأشرح لك ..أنا ..

تهتف بها ديمة بين دموعها وقد ترجلت من السيارة مع سند تتشبث به بكل قوتها كأنما أدركت قرب حرمانها منه ليلتفت إليها حسام هاتفاً :
_تعرفينه؟!

_تعرفني؟!
يقولها عاصي بتهكم قاسٍ ليلتفت نحو ديمة مردفاً بنبرة أقسى:
_أخبريه ..هل تعرفينني ؟!

تنكمش ديمة على نفسها وهي تنقل بصرها بين الرجلين برعب بينما تتشبث بسند أكثر وجسدها يرتجف ببكاء خفيض ألجم شفتيها ..
لينعقد حاجبا حسام بشدة وهو يشعر بغرابة ما يحدث ..
لكن عاصي يلتفت نحوه هاتفاً:
_إذن أنت لا تعلم حقاً ؟! غريب!!

يزداد انعقاد حاجبي حسام والدم يكاد يفور في عروق وجهه التي برزت مكانها فيما يقترب عاصي من سند ليربت على كتفه لكن الصغير يبتعد عنه بحركة نفور طفيفة وهو يدفن وجهه في ثوب ديمة ..

_سند ابن زوجتي الراحلة ..أظنك ..تذكرها!!

قنبلة !!
قنبلة تنفجر شظاياها في روح حسام وهو يسمع الحقيقة !!
رقبته تكاد تنخلع مكانها وهو يلتفت نحو سند بحدة والحقيقة تسطع في ذهنه فجأة لثوانٍ سقط فيها مسدسه من يده المرتجفة قبل أن يلتفت نحو ديمة ليرفع سبابته المرتعشة نحو قرط أذنها البنفسجي بتساؤل لم يكن حقاً يحتاج لجواب ..لكنها منحته إياه في زخة أخرى من دموعها وهي تتشبث بسند ..
عاصي يرمقها بنظرة ذات مغزى وهو يشير للسيارة القريبة فتنحني لتطمئن سند بابتسامة مصطنعة مسحت معها بقايا دموعها قبل أن تسر إليه ببضع كلمات مهدئة في أذنه لتصطحبه بعدها إلى السيارة التي ركبها لتلوح له بيدها وهي تراه يبتعد بها لتتلاشى صورته من أمام عينيها رويداً رويداً ..

تعود بخطوات متثاقلة إلى الرجلين حيث وقف عاصي يرمقها بنظرة مشتعلة فيما أعطاها حسام ظهره ليبتعد بضع خطوات محاولاً السيطرة على حرائق روحه ..
هذا الطفل هو ابن زوجة عاصي !!
صديقة ديمة التي حكت له عنها !!
هل تعرف ما بقي من الحقيقة إذن ؟!
هل تعرف أنه وقف متفرجاً بينما ..؟!

_أنا كنت أراقبك طوال هذه الأيام وأعرف علاقتك بهذا الرجل ..سمحت لك بلقائه في إطار حريتك الشخصية ..لكن أن تدخلي سند في هذه العلاقة فهو ما لن أسمح لكِ به أبداً !

صوت عاصي يهدر خلفه مخاطباً ديمة ليصله صوت بكائها مكانها فيود لو يلتفت لكنه ..لا يستطيع!!
أغلال جحيمه تقيده ..
المزيد من الحطب فوق الحطب !!

بينما عاصي مستمر في هديره الغاضب:
_بماذا كنتِ تفكرين وأنتِ تلجئين لهذا الرجل بالذات كي يتولى قضيتك؟! بماذا كنتِ تفكرين وأنتِ تخرجين بسند معه ؟! هذا الرجل خذل أختي بدناءة..كسر قلبها وأوهمها بالحب مستغلاً هشاشتها في ذاك الوقت ومتسلياً بمشاعرها البريئة ليلفظها كالنواة بعدها كي يلتقط فرصته مع ابنة رئيسه في العمل ..هذا الرجل نصب نفسه قاضياً عليّ ..ليس عليّ وحدي بل على هالة وابنها في أحشائها ..استغل سلطته وخان قسم وظيفته ليحقق انتقاماً شخصياً ..أخبريني بماذا كنتِ تفكرين ؟!

يكز حسام على أسنانه بغضب مكتوم ولا يزال يعطيهما ظهره ..
ينتظر جوابها مثل عاصي تماماً ..
لو كانت حقاً تعرف كل هذا فلماذا قبلت القرب منه ؟!

وفي مكانها وقفت ديمة ترتجف كريشة في مهب الريح ..
كنملة وقفت حائرة بين جبلين لو مال أحدهما فسيسحقها ..
لا تخاف بطش عاصي الرفاعي ..لكنها تخاف أن يحرمها من سند ..
لا تخاف انتفاضة حسام ..لكنها تخاف أن يحرمها من هذه "النظرة الآدمية" في عينيه ..

الفضاء الفسيح حولها يتحول لمرآة عاكسة كبيرة تتصارع فيها أشباحها ..
صفعة جديدة من شبح غازي الأسود تنال من وجنتها فتصرخ لها روحها ..

_جبانة! فاشلة! ظننتِ أنك يمكنك الانتقام ونسيتِ أنك حشرة لا يسعها إلا أن تدوسها الأقدام .. والآن تخسرين كل شيئ ! احترقي بضعفك ..احترقي!

شبح هالة الأبيض يتخلى عن إعراضه العاتب فيقترب منها مواسياً داعماً ..بنظرتها الصافية وبجملتها التي كانت تلقنها إياها ..

_استفتي قلبك يا ديمة ..قلبك النقي يعرف خريطة كنز سكينته ..

وبينهما يصرخ شبحها الأرجواني بعنف :
_قلبك ما عاد نقياً ..لن يعود إلا لو انتقم ..مرة واحدة فقط انتصري لنفسك ..ربما وقتها تستعيدينها !! اقهري ضعفك ولو بإيذاء غيرك ..

لم يكن لجسدها أن ينتفض أكثر وهي تشعر بالدوار يلفها مع أشباحها ..
تدور ويدورون معها ..

_احترقي بضعفك ..احترقي ..
_استفتي قلبك..
_اقهري ضعفك ولو بإيذاء غيرك ..

ولأول مرة يتداخل طيف حسام وسط جحيم خيالاتها ..لتسمع عبارته كما كانت بصوته يومها ..وبنظرته الآدمية التي تجاهد للخروج بها من مدينة أشباحها..

_أنا معك ولن أسمح لأحد أن يؤذيك ..أنا معك في كل ما تريدين ..أنا معك في كل ما تختارين ..

ذكراها "الحقيقية" تصارع هلاوس أشباحها ..
تتردد حولها كأصداء متتابعة فتطلق صرخة طويلة وهي تسد أذنيها ..
صرخة تجذب إليها نظرات عاصي وحسام الذي التفت نحوها أخيراً لتنساب كلماتها بين فيض دموعها دون تفكير :
_هو ليس سيئاً كما تظن ..قد يكون خذل طيف حقاً لكنها اعترفت لي بما فعلته معه ..هي أوهمته أنه كان سبب انتحارها المزعوم ليعيش بذنبها ..هي أخبرتني أنها تحمل بعض ذنب هالة لأنه ظن وقتها أنه ينتقم منك لأجلها هي ..قد يحمل ذنب هالة حقاً لكن هذا الرجل ساعدني دون مقابل ..فتح لي بيت أمه رغم أنه لا يكاد يعرف عني شيئاً ..لم يطمع فيّ رغم ظروفي ..كان معي في كل مرة احتجته فيها وردّ لي حقي ممن ظلموني ..

لم تكن صدمة حسام بأقل من صدمة عاصي وكلاهما يتطلع إليها بذهول ..
لم يتصور الأول أنها -وهي بهذه الهشاشة - قد تقف في وجه عاصي الرفاعي ..ولأجله هو ..!!

فيما كانت هي لا تزال غارقة في سكرتها وهي تهتف بقوة تناقض سيل دموعها المنهمر :
_أخبرني يا سيد عاصي ..لماذا كان يريد أخو عدنان يومها الانتقام منك ؟! هل كنت خلف قتل أخيه حقاً كما زعم ؟! هل تلوم حسام لأنه شارك في قتل هالة بتخاذله فيما تحمل أنت الذنب الأكبر !!؟

يحمر وجه عاصي بغضب لم يعرفه منذ زمن بعيد وسؤالها يرده لأقسى ذكريات ماضيه ..
خيانة حورية مع عدنان الذي قتله !
السر الذي آثر دفنه مع موتها ليس فقط مداراة لجرح رجولته ..إنما لستر خطيئتها !!

فيما يشعر حسام بشعور غريب وهو يرى في زرقة عينيها بحراً يطفئ نيرانه ..
لا مزيد من الحطب ..على الأقل هذه المرة !!

هنا يتقدم هو ليقف بينها وبين عاصي فيكاد يخفيها خلفه وهو يرد بنبرته الصارمة التي فاح منها شعوره بالذنب رغماً عنه:
_يمكنك ألا ترد فلا أريد التقليب في دفاتر قديمة ..لكنني فقط أريدك أن تفهم كيف كنت أراك وقتها ..مجرد قاتل بدم بارد ..قتل اخته لأنها طالبت بحقها وقتل شقيق ذاك الرجل فأراد الثأر منه ..خطئي أنني لم أحسب حساب أبرياء تورطوا معك في اللعبة لكن رغبتي في القصاص منك وقتها غلبت كل شيء ..الأمر تطور رغماً عني وقتها ولم أستطع التنبؤ بما قد يحدث ..خطأ يصل لمرتبة الجريمة ودفعت ثمنه وظيفتي ..لست بحاجة لتحاسبني فأنا أحاسب نفسي في كل وقت .

لم ينطق عبارته الأخيرة بصوت مسموع بما يلائم شخصية بطباعه لكن عاصي -ربما- قرأها في عينيه !!

_إذن ..أنا الآن شيطان الحكاية؟!

يقولها عاصي بقسوته الباردة ثم يلتفت نحو حسام مردفاً بنفس القسوة التي امتزجت بمرارة :
_هل تعلم أن سند فقد النطق تأثراً بوفاة أمه ؟!

يرتد حسام خطوة للخلف وكأنما أصابته كلمات عاصي كقذيفة!!
كأنما كان ينقصه المزيد من الذنب ..
المزيد من الحطب فوق الحطب!!
لو كان بوسعه أن يجلد نفسه أكثر لفعل!!

فيما يتحرك عاصي قليلاً ليواجه ديمة التي تخلت عنها قوة "أحمرها" ليغلبها خوف "أزرقها" للحظات ..قبل أن تعود للتأرجح في موج أرجوانيتها لتغمغم وهي تمسح دموعها بأنامل مرتجفة :

_لو كان لي أن أشهد بالحق ..كلاكما يحمل ذنب سند ..وهالة !

تشتعل غابات الزيتون في عيني عاصي بهذه النظرة المخيفة فيما يبقى حسام غارقاً في صدمته بكل هذه المفاجآت ..
كأنما أزاح القدر اللثام عن وجه ماضيه كاملاً ليبدو له بهذه البشاعة ..
ورغم وقفته الشامخة التي تليق برجل مثله لكنه كان يشعر أنه يسقط ..ويسقط ..ويسقط!

الصمت الحارق يظلل ثلاثتهم لدقيقة كاملة وقد خيم الظلام على المكان كأنما تمنح الطبيعة المشهد ما يليق ..
ليكون عاصي أول من يقطع الصمت بقوله مخاطباً ديمة :
_اسمعي! أخبرتك من قبل أنني دفعت ثمناً غالياً لأدفن الماضي خلفي ولن أسمح بخطوة واحدة للخلف ..أنا أدخلتك بيتي لأجل سند ولن أقبل أي علاقة لك بهذا الرجل ..سميها كما تشائين ..لكنه الآن وقت الاختيار ..إما سند ..أو هذا الرجل .

يضم حسام قبضتيه جواره بمزيج من غضب وعجز وهو يلتفت نحوها ..
لأول مرة في حياته تخذله خبرته فلا يدري أي قرار ستتخذه ..
حلقة الزعفران في عينيها تتوهج فيتوه فيها أكثر ..
رجفة جسدها تكاد تستصرخه أن يؤويه ..
أن يخفيه عن كل هذه العيون التي صوبت لها سهام الألم ..
لكنه ليس غبياً ليدرك أي جبل الآن يقف بينهما !!

فيما كتفت هي ساعديها كأنها تمنح نفسها الدعم الذي توقن أنه لن يمنحه لها سواها في موقف كهذا ..
قدماها تخونانها فتترنح في وقفتها قليلاً وهي تشعر أن هذه المواجهة استنزفتها ..
أشباحها تنتظرها لتلعنها ..وتصمها بالضعف ..
كيف دافعت عن حسام؟!
كيف تحدت عاصي؟!
والآن ..كيف تخسر سند ؟!

آه !!
آهة عالية تصرخ بها روحها قبل شفتيها وهي ترفع عينيها للسماء المظلمة!!
من لها الآن بقارب كهذا الذي غادرت فيه موطنها ذاك اليوم فيحملها بعيداً عن كل هذا ؟!
تريد وطناً ..تريد بيتاً ..بيتاً دون مرايا تطاردها أشباحها ..
بيتاً لا يمكن أن يسعها وحدها ..
دوماً يجب أن يكون هو فيه ..
هو ..!!

عيناها تحيدان نحو حسام فيعقد عاصي حاجبيه بشدة وقد قرأ في نظرتها قرارها ..
فيما يخفق قلب حسام بجنون وهو يشعر أنه يقف منتظراً نتيجة أصعب اختباراته ..
زرقة عينيها تزداد قتامة ..
حلقة الزعفران تخبو وتخبو كأنها تودع "النظرة الآدمية" في عينيه ..
قبل أن يخفيها جفنان منسدلان هرب عبرهما خيط من الدموع ..

ينتصب عاصي في وقفته وهو يشعر أنه لا يحتاج المزيد ليفهم ..
فيعطيهما ظهره ليتحرك نحو السيارة التي عادت بسائقها وقد وقفت تنتظره ..يفتح الباب ليركب لكن هتافها يشق الصمت ..

_سيد عاصي ..أنا اخترت ..اخترت سند !
======











*أحمر*
=======
_أين أخفيتِه هذه المرة ؟!
صوته الحبيب خلفها يداعب أذنيها وقد عاد لتوه من درس الجمعة الذي يعطيه للصغار كل أسبوع ..بينما تقف يسرا في مطبخ مستر ربيع تعد الغداء فتلتفت نحوه وهي تهرع إليه لتعانقه بقوة تجعله يتأوه ضاحكاً وهو يضمها إليه مقبلاً وجنتها ..قبل أن يردف بمرح :
_اعترفي ..أين أخفيتِه ؟!
_ماذا تقصد ؟!
تسأله بدهشة ليرد :
_هاتفك ؟! لم تشاهدي فيديو الطبخ هذه المرة ؟!
تبتسم وهي تفك حصار أحد ذراعيها حوله بينما يتشبث به الآخر أكثر لتستخرج هاتفها من جيب تنورتها بابتسامة مرحة ثم تعيده مكانه بسرعة لتضع سبابتها على شفتيها في إشارة له بالسكوت قبل أن تغمزه بخفة فيطلق ضحكة صغيرة وهو يربت وجنتها قائلاً:
_لا تخافي ..مستر ربيع سيتأخر قليلاً لدى أحد الجيران ..كوني على راحتك ..نحن وحدنا .

_افتقدتني؟!
تهمس بها بدلال يليق بها فتلتمع عيناه بوهج عاطفته ونظراته تمنحها الجواب قبل شفتيه اللتين حملتا لها عشرات العطايا ..فتعاود عناقه بهذه الطريقة الغريبة بين تملك واستجداء ..تتنفس "رائحته" بعدة شهقات متتابعة وأناملها تغوص بين خصلات شعره ..
_أحب رائحتك!

يهمس بها كلاهما في نفس اللحظة فيضحكان معاً ليهتف هو بمرح عاطفي:
_حفظتها! دوماً تقولينها مع كل عناق!!

يهيأ إليه أن عينيها تدمعان ..لا يزال العندليب الأخرس يتردد في تحليقه فوق غصنه المكسور ..
_تضايقك ؟! تظنني مملة ؟!
همسها لم يكن شاكياً ولا حتى عاتباً ..بل خائفاً!
لهذا لم يملك نفسه وهو يحتضن وجهها براحتيه ليهمس أمام عينيها :
_على العكس ..بل أدمنتها ..ككل شيء فيكِ .

تسبل جفنيها على دمعة كبيرة وهمسها يغادر شفتيها ببوح سجين :
_لا أقولها مجاملة ولا حتى غزلاً ..أنا حقاً أحب رائحتك ..صارت لي مرادفاً للأمان ..للدفء ..للحب ..لكل ما افتقده عالمي قبلك .

إبهامه يمسح هذه الدمعة الخائنة التي تسربت عبر أهدابها المغلقة ليشعر بذراعيها يشتدان حوله من جديد ..شهقاتها العاشقة تبدو وكأنها تبرهن على صدق مقولتها فيربت ظهرها قائلاً بحنان لم يخلُ من عجب :
_لا يبدو لي عناق عاشقة بقدر ما يبدو كعناق أم .

جسدها يرتجف بعمق ذنبها وهي ترفع وجهها إليه فجأة ..
هل تبدو كذبتها واضحة في عينيها هذا الحد ؟!
هل قرأ فيهما اشتياقها لحضن صغيرها الراحل الذي تشم فيه عبير براءته المفقود ؟!
لكنها تخفي انفعالاتها ببراعة لا تنقصها وهي تغير الموضوع فتقرص أذنه بخفة هامسة بحدة مصطنعة:
_وكيف عرفت الفارق؟! خبير أنت؟!

يتأوه ضاحكاً وهو يحرر أذنه منها ليقبل أطراف أناملها واحداً واحداً مسترضياً ثم يعاود عناق وجهها براحتيه هامساً بصدق:
_لا تسألي عن هذا أبداً ..قلبي لم يفتح بابه لامرأة قبلك ولن يفعلها بعدك .

المزيج الغريب ذاته من الفخر والخزي يغرقها فتتحرر منه لتغير الموضوع من جديد وهي تشعل الموقد هاتفة :
_ماذا كنت تقول اليوم عن "الأربعة عيون " ؟! سامي كان يشاكسني في الدرس فلم أسمع !

يبتسم وهو يتذكر ما كان يقوله في درس اليوم ليرد :
_هو قول للامام مجاهد : (لكل إنسان اربع أعين، عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته، فإن عميت عينا رأسه، وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئا، وإن أبصرت عينا راسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئاً)..أعيدها؟!

يقولها بصبر متفهماً ومقدراً لهذه اللهفة التي تتلقى بها دروسه ..ليست دروسه البسيطة فحسب بل إنها طلبت منه ترشيحات لدروس علماء مسموعة وبعض الكتب المقروءة التي تساعدها لفهم دينها وتقربها لله أكثر ..

تهز رأسها نفياً وهي تشير بسبابتها نحو صدغها هاتفة بمرح :
_حفظتها!

فيربت على ظهرها برفق ثم يساعدها بملء القدر بالماء ليضعه فوق الموقد فتهتف وهي تضع الدحاجة داخله :
_اخرج الآن ..سأقطع البصل ولا أريدك أن تتذكر رائحتي به .
لكنه يضحك وهو يضم رأسها لصدره هاتفاً :
_أنا أيضاً أحب رائحتك ..مهما شوشتها روائح دخيلة .

تشرد ببصرها وهي تؤول عبارته لما يفوق معناها ..ليته حقاً يميز رائحتها الحقيقية وسط دخان ماضيها الخانق!

_عصافير الحب ! ذكرتوني بما مضى !! رحمك الله يا "أم حسن"!

يهتف بها ربيع عند الباب وقد عاد لتقفز يسرا مكانها بعاطفة متطرفة لم يعد يتعجبها إبراهيم وهي تندفع نحو أبيه لتلقي نفسها بين ذراعيه هاتفة بترحيب حار استشعره العجوز ليربت على ظهرها بحب فتهتف به باستنكار وهي تميز ملابسه:
_الجو بارد على ثياب كهذه ! لا لا ..هذا تسيب ! إهمال!!..من اليوم عينت نفسي مفتشاً عاماً على ثيابك وصحتك .
يقهقه ربيع ضاحكاً للحظات ثم يقول بمرح خالطه بعض الشجن:
_ألم أقل لك أنك تذكرينني بأم حسن رحمها الله؟!
_لماذا تدعونها أم حسن ؟! إبراهيم أخبرني أنه كان الأكبر ببضع دقائق ؟!
تسأل ليجيبها إبراهيم بسرعة كأن الذكري لا تزال طازجة تضخ الدم في عروقه :
_كي لا ننسى! ..أمي رحمها الله كانت كنيتها تخصني حتى مات حسن ..بعدها صرنا نناديها بكنيته ..أضعف الإيمان كما يقولون أن يبقى اسمه بكنية أمه مادمنا عجزنا أن نقتص من قاتله أو نجبر الناس ألا ينسوه هو ومن شابهه .

تدمع عينا ربيع بقهر بينما تشحب ملامح يسرا وهي تبتلع غصة حلقها المرة ..تبسط أحد كفيها فوق صدر ربيع تربته بمواساة والآخر على صدر إبراهيم الذي أردف بابتسامة شاحبة:
_على ذكر حسن ! تعرف أنني رأيته في رؤيا ليلة زفافي ؟!

يتهلل وجه ربيع بالبشر وهو يسأله عما رآه فيرد إبراهيم :
_كان يمنحني طفلاً ..طفلاً باسمه !
تتلون ابتسامة ربيع بشجن غامض وهو ينقل بصره بين ابنه وزوجته ليقول باعتراض غريب على طبعه الحليم:
_من المبكر جداً أن تفكرا في الإنجاب الآن ! أرى أن تؤخروا الأمر ولو قليلاً .

يقولها بدافع من حدسه الغامض الذي لا يفهمه هو نفسه نحو سمرا ..
الفتاة لا يعيبها شيء ..وعشرتها عن قرب زادته ثقة فيها ..لكن ..لا يزال يشعر بحاجز غير مرئي بينهما ..حاجز لا يفهمه وإن كان يشعر به ..هو الذي دفعه لهذه النصيحة ..

_لماذا؟! لماذا تقول هذا؟! لماذا تنصحنا بهذا ؟! أنا أريد طفلاً من إبراهيم ..أريده اليوم قبل غد ..أريد عائلة حقيقية ..أريد ..

تهتف بها يسرا بانفعال هستيري وكلماتها تنقطع بفيض بكاء مفاجئ..رد الفعل المتطرف لم يعد يدهش إبراهيم على ما يبدو ليقترب منها فيحتضنها مهدئاً فيستغفر ربيع بصوت مسموع ثم يربت كتفها هاتفاً:
_اهدئي يا ابنتي ..لم أقصد مضايقتك ..أنا فقط أحسبها بالعقل ..لم تعرفا بعضكما سوى من وقت قصير ..تمتعا بحياتكما قبل أن تنغص عليكما مسئولية طفل!

يقولها مخفياً غرضه الحقيقي فيصدق إبراهيم على مقولته محاولاً التأليف بينهما ..
تمسح يسرا وجهها لتهز رأسها عدة مرات ثم تهتف وهي تنسحب نحو المطبخ وقد آثرت تغيير الموضوع :
_الطعام على النار!
_دون ملح كما أمر طبيب أبي .
يهتف بها إبراهيم مذكراً إياها لتلتفت نحوه قائلة بصوت باكٍ:
_وهل أنسى شيئاً كهذا؟!

يرمقها إبراهيم بنظرة مشفقة وهو يراقب ظهرها المغادر نحو المطبخ ثم يلتفت لأبيه الذي جذبه من ذراعه نحو الشرفة القريبة بنظرة محرجة ليقول مدافعاً عنها:
_سمرا حساسة جداً ..أحياناً أشعر أنها مهووسة بنا ..تخشى أن تبتعد عنا لأي سبب ..لا أدري من أين يأتيها هذا الخوف ..يشهد الله أنني أحاول دفع هذه الهواجس عنها طوال الوقت لكنها دوماً تشعر بالخطر ..أعتقد أنها تريد الطفل كي تشعر بالأمان أكثر معنا ..وضع غريب لكنه طبيعي لامرأة بظروفها ..صحيح؟!

كانا قد وصلا لسور الشرفة الذي اتكأ عليه ربيع ليسأله باهتمام :
_وما الغريب أيضاً في تصرفاتها؟!

يشرد إبراهيم ببصره في الطريق ليرد :
_لا شيء عدا حبها المبالغ فيه لي ..رغبتها في فعل كل ما يسعدني..عندما تفرح تفرح بكل قوتها كأنها ستحلّق ..عندما تحزن لأقل سبب تنكمش على نفسها كطفلة ضالة باكية ..لكنها تعود وتعانقني باحتواء أم ..أعرف ان مشاعرها متطرفة لكنني اعتدت هذا وأحبه على أي حال ..كما أنها .. هي ..
يبدو متردداً قليلاً في التصريح الأخير ليستحثه أبوه بالاستطراد فيردف :
_عندما أقلق من نومي ليلاً أراها تصلي وتبكي ..لا أسمع حديثها لكنني أدرك أنها تتوسل لله بأمر ما ..في هذه اللحظة بالذات أشعر أن حبها في قلبي يتضاعف ..كما أشعر بالتقصير لأنني عاجز عن منحها الأمان الذي يكفيها .
يتنهد ربيع بحرارة وهو يجود ببصره في الشارع أمامه يتشاغل بمراقبة المارة ..
كلام إبراهيم يطمئنه من ناحية لكنه يخوفه من أخرى ..
ماذا وراؤك يا سمرا ؟! ماذا وراؤك ؟!

السؤال يبقى معلقاً في ذهنه لوقت طويل بعدها ..
يحاول ملاطفتها وقت الغداء مادحاً الطعام فتلتمع عيناها بفرحة طفلة ..كأنها في لحظة نست ما كان !!

ينضم الحرافيش للمائدة فتتعالى ضحكاتهم مع تعليقاتهم المرحة لكنها تبقى شاردة عنهم وابتسامة واهنة تبدو وكأنها تصارع هذا الخوف الحزين داخلها ..

تنهض أخيراً لتجمع بقايا الطعام فيساعدها الشباب لتسأل ربيع أخيراً بصوت منهك :
_تريد شيئاً ؟!
_شكراً يا ابنتي ..اصعدي واستريحي في شقتك !

يقولها ربيع بحنان فتبتسم له وهي تحرك سبابتها محذرة :
_التزم بكلام الطبيب ! لا ممنوعات ! "المخللات ".."البطاطس"..الملح !! سأنظف المطبخ وسأعرف لو خالفت التعليمات !

_("عشنا وشفنا!" ..مستر ربيع جاله اللي ينظّر عليه !!)

يهتف بها قيس بمرح مشاكس فيزجره ربيع بسبة عابرة لتتسع ابتسامة يسرا وهي تنحني فوق كف العجوز تقبله ثم ترفع إليه عينيها بنظرة دافئة قبل أن تصعد للأعلى ..

يهم إبراهيم باللحاق بها لكن عنتر يدركه ليقف قبالته هاتفاً:
_إلى أين؟! افتقدناك يا شيخ الشباب !
_منذ تزوجت ولم نعد نراك !
يهتف بها قيس وهو يقف جواره ليكمل روميو الحلقة وهو يلقي بنفسه فوقه هاتفاً بحرارة مصطنعة مقلداً اللهجة الصعيدية:
_حبيبي يا إبراهيم ! "الشوق قتال يا ولد عمي"!

_ولد ! ولد ! ولد! ابتعدوا عني !
يهتف بها إبراهيم مزمجراً وهو يلكمهم تباعاً بمشاكسة لكنهم يهتفون به راجين إياه أن يشاركهم لعب مباراة كرة قدم في الشارع مع بعض أصدقائهم ..فيستجيب كي يتخلص من إلحاحهم !!

يعود بعد قليل لشقتهما فيستحم بسرعة ليتخلص من أثر اللعب ثم يخرج باحثاً عنها ليجدها في غرفتهما ..
جالسة على الفراش وقد ثنت ساقيها تحتها تقلب في صور الزفاف في الألبوم الكبير وترتدي قميصاً أحمر يذهب بفتنتها الطبيعية لما يفوق حدود احتماله ..
يجلس جوارها ليضمها نحوه ..يظنها ستعاتبه على تأخره فيسبقها بالقول :
_الحرافيش ورطوني في مباراة ! بالكاد تخلصت منهم !
لكنها تبدو شاردة عنه وهي تقلب في الصور هامسة :
_من اخترع الصور هذا عبقري! كيف يمكن أن تحتجز بعض الحياة هكذا في صورة ؟! من جرب شعور الحنين واحترق به يعرف جيداً قيمة أن يدخر بعض الفرحة في لقطة كاميرا !
لكنه يزيح الألبوم جانباً ليحتضن وجهها براحته فيرفعه نحوه هامساً:
_وما حاجتي لصور وأنتِ بين ذراعي ؟!

تدمع عيناها لسبب يسيئ تأويله فيقبلهما بعمق ثم يعيد خصلات شعرها الشقراء للخلف كي يبدو له جبينها الوضاء ناصعاً ..كصفحة بيضاء تنتظر سطور قبلاته ..وأحلامه ..

_غضبتِ من حديث أبي؟!
_أنا لا أغضب منه أبداً ..أنا فقط ..أريد طفلاً ..أريده كما لم أرد شيئاً في حياتي ..أريده وإن كنت لا أستحقه !

همساتها الباكية تجد ملاذها على صدره فيضمها بقوة رفيقة هامساً بحنان :
_حبيبتي تستحق الدنيا كلها ! لا تسيئي فهم أبي ..هو لا يريد لنا إلا الخير ..لا أظنه يعني حقاً ما قاله ..
يقولها ثم يرفع ذقنها نحوه ليقبل شفتيها بنعومة مردفاً:
_أنا لا أوافقه على أي حال ..أنا الآخر أريد طفلاً منك ..أترقب بلهفة بشارة حسن !

ملامحها المنطفئة تتوهج فجأة كأنما سطعت فيها ألف شمس ..كأنه في لحظة رد إليها الأمل والحلم ..
ابتسامتها تشرق في عينيه ..وابتسامته ترسم الجنة في عينيها ..
وكأنما تجدد وهج "الأحمر" في روحها لتستعيد طبيعتها النارية :
_لماذا تأخرت عليّ؟! لماذا تركتني وذهبت معهم رغم علمك بحالي ؟! لا تقل لي "ورطوني" ولا مثل هذه الأشياء! أنت لن تتركني وحدي ..لن تتركني ..لن تتركني ..

هستيريتها كالعادة تثير عاطفته أكثر من دهشته ..لا يبدو له تسلطاً متملكاً بقدر ما يبدو له استجداء وعد ..
هذا الذي منحته قبلاته قبل كلماته وهو يهمس لها باحتواء:
_لن أتركك ..أبداً ..أبداً ..
_سعيد معي؟!
سؤالها الذي أدمنه ككل شيء فيها يجعله يحيط خصرها بكفيه ليرفعها نحوه فيجلسها فوق ساقيه هامساً بدفء عاطفته:
_أخبريني أنتِ يا عاشقتي ..كيف تشعرين بي ؟! سعيد ؟!

عيناها تطاردان هذه الفرحة العاشقة في عينيه كطفل يسعى خلف سرب فراشات ..
فرحته كنزها ..وعذابها !!
آهة كبيرة تود لو تدفنها في صدره ..لو تملك القدرة على البوح ..على الصراخ ..على الاعتراف أن "عيني قلبها " قد أبصرتا أخيرا ولن تسمح لهما بعمى ..لكن ماذا عن "عيني رأسه" هو ؟! هل سيبقى يناظرها بنفس الطريقة لو علم الحقيقة ؟! أم ستحدث المعجزة ويراها ب"عيني قلبه"!

تنقطع أفكارها وهي تراه يمد ذراعه دون أو يفلتها يفتح درج الكومود جوارهما ليستخرج منها "العزيز المغلف بورقته الذهبية" ملوحاً به في وجهها بحركة مغرية فتهتف به ضاحكة :
_"بيمبو"!

تقولها مشيرة لنوع بسكويته المفضل ..تختطفه منه بلهفة طفولية ثم تفضه لتستخرج محتواه ..تمرره ببطء مثير فوق شفتيه هامسة بدلالها الأخاذ :
_منذ علمت أنك تحبه وأنا أحلم بجلسة كهذه أطعمك فيها إياه بيدي فتحتار من بنا الألذ : أنا أم هو !

تتسع عيناه بعمق عاطفته الهادرة وأنفاسه تشتعل تأثراً ..
لا تزال طريقتها في إظهار عاطفتها تبهره ..تثير كل براكينه الخامدة ليسأل نفسه بحيرة كيف كان حقاً يعيش العمر قبلها ؟! كيف اندلعت هذه النيران فجأة وسط أروقة روحه التي طالما ظنها باردة؟!
تراها مجرد غريزة فطرية كانت لتشعلها أي أخرى مكانها لو كانت بنفس فتنتها وطريقتها المغالية هذه في التعبير عن حبها؟!
أم هو شعور يخصها هي .. هي بالذات ..راميته القرمزية التي أتقنت تصويب سهمها نحو قلبه مرة ..ويبدو أنه هو الآخر أجاد تصويب سهامه لقلبها ألف مرة ..

يقضم قطعة صغيرة من البسكويت الجاف مستجيباً لدلالها فتتناثر بعض حبيباته فوق لحيته ،تطاردها شفتاها بالمزيد من الدلال فتزأر عاصفة المشاعر بينهما من جديد بجنون يستجيبان له بنهم ..

حتى إذا ما هدأت أنفاسهما واستقر القارب المجنون فوق شط السكينة استسلمت لعناقها الهانئ بين ذراعيه ..

تراه يغمض عينيه فتسأله هامسة :
_ستنام ؟!
_ليس قبل أن أجدد عهدنا ككل ليلة ..
هنا تمتد أنامله تتحسس وجهه كأنما ترسمه ..تحفر أثرها فوقه ..كأنما تريد ادخار كل لحظة كهذه تسمعها من بين شفتيه ..

_أعدك أن أسمعك عندما يسد الجميع آذانهم ..أن أحنو عندما يقسون ..ان أرحم عندما يرجمون ..أن أبقى حين لا يبقى أحد ..وأن أحبك كما لم يحبك أحد .

يقولها مفتوح العينين كأنه يمنحها وعده قبل أن يغمضهما بإنهاك ليستجيب لنوم سريع بينما تبقى هي تطالعه بنفس النظرات المتولهة ترددها بين وبين نفسها ..

_أحبني ..أحبني كما لم يحبني أحد ..

تنتقل ببصرها لألبوم الصور الذي أسقطاه على الأرض في غمرة عاطفتهما المجنونة لتلتقطه فتتفحصه من جديد بنهم قبل أن تعيده مكانه على الكومود ..لو كان بيدها أن تصور كل هذا النعيم الذي تعيشه هنا لفعلت !
هي حقاً اشترت حياة !!
وياويلها لو انكشف المستور !!
تدمع عيناها بمزيج من خوف وذنب لتتنهد بحرارة وهي تسند رأسها أخيراً على صدره ل..ترتاح ..
ما ضرها لو عرفوا الحقيقة ؟!
هي ستموت في أول لحظة تخرج فيها من هذا المكان !
والميت لا يشعر بما ترك خلفه !!
تغمض عينيها مستسلمة لشجن الخاطر الأخير والمقطع الأول لغنوة حسن الراحل تداعب ذهنها فتؤولها لمعنى يخصها ..

اهو ده اللي صار وادي اللي كان ..
مالكش حق تلوم عليا ..







======
*أبيض*
======
تفيق ماسة من نومها بتثاقل لتتحسس بطنها البارز في شهر حملها الأخير ببعض الألم ..تلتفت جوارها للفراش الذي خلا منه لتطلق زفرة ضائقة وهي تتذكر معاناته مع كابوسه المعهود طيلة الليالي السابقة..
"اليد السوداء الصغيرة" التي تنغص عليه فرحته !
لقدأساءت تأويلها فظنتها ترمز ل"سند" فحسب ..لكنها الآن تدرك أنها ما تبقى من ديون ماضيه وأولها طيف!
"طيف"!!
الاسم وحده يكاد يصيبها بجلطة وهي تتذكر فعلتها الأخيرة !!
سبحان من صبّر عاصي الرفاعي عليها وعلى ذاك الرجل!!

تطلق تنهيدة قلق وهي تنهض من الفراش لتتبين الوقت فتهرع لحمام الغرفة القريب لتدرك صلاة الفجر قبل الشروق ولم تكد تتمها حتى غادرت الغرفة باحثة عنه ..
المرسم خالٍ منه ..وغرفة الطفلين ..غرفك سند كذلك ..غرفة طيف مغلقة عليها وعلى مجد ولا تظنه هناك ..الحديقة؟! ليس هنا..
إذن ..أين هو؟!

ينعقد حاجباها بهاجس غيرة لم تملكه وبصرها يتوجه نحو بيت ديمة المقابل..!!

تستعيذ بالله من سوء ظنها ثم يزداد انعقاد حاجبيها وهي تفكر ..لم يبقَ سوى مكان واحد !!
ترفع عينيها لأعلى لتتنهد بارتياح وهي تميز ظل وجهه الجانبي غافلاً عنها بشروده وقد وقف متكئاً على سور سطح البيت يراقب الشروق ..

_ماستك والشروق ..قصة لن يفهمها سوانا!

تهمس بها أخيراً وقد لحقت به تعانق ظهره لتضمه لصدرها بقوة فيبتسم دون او يغير وقفته وهو يرفع كفيها نحو شفتيه للحظات ..
لم تكن مجرد قبلات ..بل بدا وكأنه يجدد انتماءه لوطن وجده في ماستيها !
لهذا عندما استدار نحوها عادت غابات زيتونه تتمايل بهذا الدفء المستريح ليفيض سيل عاطفته بين حروفه :
_قبل مجيئك كنت أفكر أن الشروق هو المعجزة التي لا تتغير مهما اختلفت الأماكن ..هو نفس الشعاع القاهر الذي يهزم ظلمة الليل أينما حل فلا راد لسلطانه!
_وبعدما جئت؟!
تهمس بها بدلال حانٍ وأناملها تداعب فوديه اللذين غزاهما المزيد من الشيب ليضمها إليه أكثر فيلصقها به هامساً :
_بعدما جئتِ أدركت أن الشروق معجزة تتكرر ..لكنكِ أنتِ معجزتي التي لن تتكرر ابداً ..أبداً..
تتسع ابتسامتها وأناملها تتحرك نحو صدره نحو موضع خافقه قبل أن تحط شفتاها هناك فوق قلبه بهذه الحركة التي يعشقها منها فيهمس بين آهة خافتة وتنهيدة :
_عندما تقبّلين قلبي هذا أشعر أنك تجددين عهد ثقتك فيه .
_أنا حقاً أفعل! قلب "عاصي الرفاعي" طالما كان لي منصفاً عبر كل محطات الطريق .
تهمس بها بيقين وبحار فضتها تموج بهذه الرقصة الناعمة ليرمقها بنظرة طويلة غامضة ناسبت سؤاله:
_مهما حدث؟!
نظرتها تحمل سؤالاً قلقاً وهي تشعر أنه يخفي شيئاً فتزدرد ريقها بتوتر طفيف وأناملها تتشبث بقميصه دون وعي ..لتلتوي شفتاه بابتسامة جانبية ذكرتها بعهده القديم وغابات زيتونه تتوهج بعبارة هي مزيج من جواب وسؤال:
_لم تفتقدي منظر الشروق فوق سطح قصر الرفاعي القديم ؟!

تتسع عيناها بمزيج من مشاعر متباينة وكلماته تعيدها لعهد بعيد ..
قصر الرفاعي ..
كرمة العنب في حديقته ..
غرفتها الصغيرة هناك التي شهدت أصعب لحظات حياتها ..
الساحة التي كان يتمرن فيها على إطلاق النار ..
غرفة مكتبه التي تلقت فيها عرض زواجهما الغريب ..
غرفة نوم عاصي الرفاعي التي لم تسبقها إليها امرأة قبلها ولا بعدها والتي تحررت فيها من كوابيس ماضيها ..
وأخيراً سطحه الفسيح الذي اتسع فضاؤه يوماَ لطائرتها الورقية ..!!

الحنين يكاد يقتلها لكل هذا ..لكنه يكتسي بالشجن وهي تتذكر كيف قام عاصي نفسه بهدمه بعد فجيعته بالحادث الذي فقد فيه بصره وهالة وابنهما..فيتحول لخوف وهي تتحسس بطنها غريزياً لتسأله :
_أنت لا تلقي الكلام جزافاً..أخبرني لماذا تذكر هذا القصر الآن؟!
قبضته تعانق كفها فوق بطنها بحركة مطمئنة وخوف عينيها يقابل شبيهه في عينيه للحظات ..ثم يستخرج هاتفه من جيبه لتتلاعب به أنامله للحظات قبل أن يرفعه أمام عينيها لتشهق متفاجئة !!

_أنت أعدت بناءه !!

صوتها المتحشرج يسابق نظراتها الملهوفة وهي تقلب في الصور ..
لا تشعر بدموعها وهي تغرق وجهها وكل صورة تفجر المزيد من شظايا الحنين ..
لقد أعاد بناءه بنفس الكيفية ..فقط هناك في وسط الحديقة كانت نافورة المياه تتخذ شكل ..ماسة !!

_لا تبكي..ماسة ..لا تبكي ..

يكررها بصوت مختنق وهو يفهم فورة عاطفتها في هذه اللحظة والتي يشاركها إياها منذ اتخذ هذا القرار بإعادة بنائه ..
يضمها إليه بقوة ليخفي وجهه في حنايا عنقها ليصله همسها المنفعل:
_آه يا عاصي!! آه!! الآن أذكر شعوري وقد عدت لأجد القصر تهدم وأنت لست فيه!! يالله !!
جسدها يرتجف بين ذراعيه فيربت على ظهرها برفق مهدئاً قبل أن يصلها صوته :
_كنت خائفاً مثلك من قراري هذا ..أنتِ وحدك من يمكنني الاعتراف لها بهذا ..أنا الذي هدمت قصر الرفاعي الذي كان يورث جبروته لأولاده جيلاً بعد جيل ..وأنا الذي أعدت بناءه كي يكون هديتي لأولادي من بعدي ..كنتِ على حق ..ابني يجب أن يتعلم حمل السلاح كما تعلم الرسم بالفرشاة ..يجب أن يفهم معنى القوة التي تحمي ولا تبطش ..ابني يجب أن يتعلم السيادة ..لا سيادة الجبروت بل سيادة المسئولية ..يجب أن يتعلم الوفاء لجذوره بين عائلة تطيعه طاعة حب لا طاعة خوف ..هذا هو التحدي الحقيقي لي يا ماسة وليس هروبي بعيداً عن الماضي ..ستكون هذه هديتي لأولادي ..ليس أولادي فحسب بل ..أولاد طيف كذلك !

_طيف؟!
تهمس بها بتعجب وهي ترفع عينيها إليه لتلمح هذا الوهج الزيتوني في عينيه يزداد بجوابه :
_نعم ..طيف .
_ماذا تعني؟! هل قررت ما ستفعله بشأنها وشأن ذاك الرجل ؟!
تسأله بتوتر فيمسح بقايا دموعها بأنامله القوية ليرد :
_لقد تأكدت مما يمكن التأكد منه من حكايته ..ولم يبقَ لي إلا لقاوه !
_وما الذي تنتويه؟!
تسأله بالمزيد من القلق ليسودهما صمت قصير سبق جوابه المقتضب :
_دعي كل شيء لوقته !
======
_حبيبة "بابا"!! أنا بخير ..اضطررت فقط للسفر لشأن ضروري ..سأعود قريباً ..لا تقلقي ..أنتِ بخير ؟!
_بألف خير ..طيف معي ..شكراً لأنك سمحت لي بالبقاء معها .
صوت مجد المتحمس يهون عليه شدة موقفه في محبسه فيهتف بها بحرارة :
_أنا أحبك ..انتِ ابنتي الجميلة التي أفخر بها دوماً .
_وأنا أيضاً ..أفتخر بك دوماً ..عد قريباً ..لا تتأخر .
يغلق معها الاتصال ليبتلع غصة حلقه وهو يناول الهاتف لحارسه الذي أخذه منه ليغادر الغرفة مغلقاً بابها خلفه بعنف ..
يخبط يحيى رأسه في الحائط وهو لا يدري كيف كان سيحتمل حبسه هذا هنا دون أن يطمئن على مجد ..
لكن هل تفعلها طيف لأجل أن تطمئنه فحسب ؟!
أم أنها ترسل له رسالة تهديد خفية أن مجد صارت معها ويمكنها فضحه أمامها وحرمانه منها في أي وقت!!

طيف!!
كيف يصف جنونها ؟!
بل كيف تصور يوماً أنه يحيط بكل تفاصيل تلك المرأة ؟!
امرأة اصطدمت بسفينته لتغير مسارها بل ..لتجفف البحر حولها فيتحول معها العالم لشاطئ كبير لا يتسع سوى لها ..وله!!
ماذا عساه يصنع معها؟!
وهل يوافقها على هذا الجنون الذي تنتويه؟!
يتزوجها؟!

الدم يفور في عروقه وهو يتذكر مذاقها بين ذراعيه ..
هل يمكنه حقاً الحلم بهذا؟!
أن يحظى بها للأبد في عالمه ؟!
لكن ..بأي اسم ؟! بأية هوية ؟!
وماذا بعد الزواج ؟!
ليس بهذا الغباء ليصدق أن طيف ستسمح له بمس إظفرها !!
تباً!!
يزمجر بغضب عاجز وهو يلكم الجدار بقبضته شاعراً أنه حقاً مقيد ..
لم يضعه أحدهم يوماً في هذا الموقف ..
أو ..ربما ..هو عاش عمره كله هكذا لكنه فقط كان غافلاً عن الحقيقة التي زينها الوهم !!

صوت طرقات قوية على الباب يقاطع أفكاره فيلتفت نحوه بلهفة وهو يتوقعها مكالمة أخرى من مجد ..
لكنه يتصلب مكانه وهو يفاجأ بالطلة المهيبة للرجل الذي دخل لتوه بنظراته النافذة التي كادت تخترقه ..
والذي أغلق الباب خلفه بعنف ليتقدم منه بخطوات بطيئة واثقة ..
لكن يحيى لم يتزحزح من مكانه وهو يتفحصه بدوره وقد أخبره حدسه بمن يكون ..

_عاصي الرفاعي!
يقولها يحيى بنبرة قوية تشبه وميض نظراته ليعقد عاصي حاجبيه بقوة وهو يفكر ..
حتى ولو لم يسمعهما بأذنيه تلك المرة ليدرك براءة الرجل كانت ستكفيه هذه النظرة في عينيه ..
هذه أبداً ليست نظرة مذنبة !!

_يحيى الأمين.
يقولها عاصي ببروده القاسي ليغمض يحيى عينيه بقوة لأول وهلة والاسم لا يزال يخزه بجرح الماضي ..
لقد كان قد نسي ..لماذا يذكرونه من جديد ؟!

صوت غريب يجعله يفتح عينيه ليزداد انعقاد حاجبيه وهو يميز المسدس في قبضة عاصي مصوباً نحوه وصوت الأخير لا يزال متشحاً ببروده الصارم :
_ما أخبرتني به أختي صحيح؟! هي تحمل طفلاً منك؟!

طفل؟!
هل قال "طفل"؟!!
المخبولة!!!
كيف تزعم هذا ؟!!
يكز يحيى علي أسنانه بغضب مكتوم !!
ذكاؤه يلهمه بأن يقلب المائدة فوق رأسها !!
ماذا لو أخبر أخاها الثائر هذا أنها تستغفله هو ؟!
أنها تستغله لتحقيق رغباتها مبتزة ذنب أبيه القديم؟!
أنه -بأبسط اختبار- يمكنه كشف كذبتها !

لكنه ..لن يفعلها !!
ليس فقط خوفه من أن تفضح حقيقته أمام مجد ..
بل ..خوفه على طيف نفسها!!
هو الذي يدرك أكثر من أي أحد معنى أن تلجأ امرأة مثلها لكذبة كهذه وأمام عاصي الرفاعي بالذات ..
لا ..لن يخذلها من جديد !!
كفاه وجع المرة الأولى!!

لهذا يزم شفتيه بقوة والدم يكاد ينفجر من عروق جبينه مقاوماً كل انفعالاته في هذه اللحظة ..
يقترب منه عاصي أكثر دارساً كل خلجة من خلجاته ليردف بنفس البرود الصارم :
_تنكر؟!

يضم يحيى قبضتيه جواره وهو يشعر بخطورة الموقف ..
لن يلوم عاصي لو قتله في موقف كهذا !!
لكن ..
لكنه ..لن يفعلها !!

عيناه تضيقان بتفحص وهو الآخر يدرس انفعالات عاصي في وقفته ..
لو أراد عاصي الرفاعي قتله فلم يكن لينتظر حتى اليوم !!
ثمة شيء ما غريب هاهنا !!

_لا.
يقولها يحيى باقتضاب ووقفته الثابتة لا تفضح خوفاً فيقترب عاصي أكثر بمسدسه :
_اعتديت عليها ؟! أم برضاها؟!
_هي لا ذنب لها ..أنا الملام .
يقولها يحيى دون تفكير وقد سبق خوفه على تلك المخبولة خوفه على نفسه ..
ليرمقه عاصي بنفس النظرة التي تجمد الدماء في العروق وهو يحرك مسدسه:
_تعرف من أنا وما الذي يمكنني فعله بك هنا ؟!
_أعرف ..وأعرف كذلك من أنا وما الذي يمكنني فعله بك ..فقط لو كنت حراً !
_تهددني بنسبك؟!
يهتف بها عاصي فجأة بحدة تناقض بروده السابق ليصمت يحيى للحظات قبل أن يحسم أمره ليرد :
_لا داعي لهذا ..سأتزوجها !
يطلق عاصي صوتاً ساخراً مشتعلاً كعينيه في هذه اللحظة ليردف يحيى :
_سأتزوجها ونرحل من هنا مع صديقي ومجد .
_خسارة! ظننتك ذكياً!
يقولها عاصي وقد عاد لبروده القاسي ليعقد يحيى حاجبيه بينما يستطرد عاصي بنفس النبرة :
_تعرف ما الذي تعنيه عودة طيف لي الآن؟!
يعتصر يحيى قبضتيه جواره وهو يقرأ الجواب في عيني عاصي المشتعلتين قبل ان يسمعه:
_تظنني سأتركها لك تفعل بها ما تشاء مكتفياً بمجرد زواجك منها ؟! طيف الرفاعي ابنة حماد الرفاعي وأخت عاصي الرفاعي ..بعدما عادت إلي فلا يسعني إلا أن أرفع رأسها أمام الجميع ..أهلي وأهلها ..وأن أفعل ما يضمن لي أمانها معك ..لا لعام ولا عامين ..بل طوال العمر .

ابتسامة كبيرة تفيض بها روح يحيى رغم تصلب شفتيه !!
رغم غيظه منها ورغبته الآن أن يفلق رأسها المختل نصفين..لكنه يود لو كانت هنا ..لو سمعت أخاها وهو يتحدث عنها بهذه الطريقة ..لو علمت أن الطريق الطويل التي سارته وحدها ينتظرها الكثيرون في آخره محملين بهدايا الحب !!
يغمض عينيه متمالكاً فوضى مشاعره للحظات قبل أن يفتحهما من جديد بتساؤله رابط الجأش:
_ما الذي تريده ؟!
_ستتزوج أختي ..لكن ليس هنا ..في الصعيد ..حفل زفاف ضخم يتحدث عنه القاصي والداني ..أعترف فيه بنسبها لحماد الرفاعي أمام الكل ..وأسلمها لك كأي عروس أمام أهلها .
_موافق .
_ستعيش معها هناك في قصر الرفاعي..اختر مجال العمل الذي يناسبك وسأوفره لك ..أي مشروع تريد إقامته ..بشرط ..أن يكون تحت عيني .

تنفرج شفتا يحيى باستنكار وهو يشعر أن الأمر فعلاً يشبه السجن ليهمّ بالرفض لكنه يتذكر مجد فيزم شفتيه بسخط وهو يشيح بوجهه ليقول بعد صمت قصير :
_موافق .
_وستكتب في العقد أنها يجوز لها تطليق نفسها متى شاءت .
_موافق .
_جيد ..بقي إذن شرطي الأخير ..
يقولها عاصي بحذر ليرمقه يحيى بنظرة مترقبة فيردف ببطء :
_عائلتك .
تشحب ملامح يحيى ليخفض عاصي سلاحه متعمداً في هذه اللحظة وهو يردف:
_لن أضع يدي في يدك أنت ..اختر لك "كبيراً" من عائلتك أقدمه لأهلي .

يعطيه يحيى ظهره وهو يشعر بالشرط الأخير كخنجر في صدره ..
عائلته؟!
عائلته!!
لقد نسيهم من زمن وظنه أنهم هم كذلك قد نسوه ..
لا يمكنه العودة ..
السندباد الذي ارتضى الترحال قدراً لن يقامر من جديد على وهم الوطن !!
لكن ..أي عذر يمنحه لعاصي الرفاعي دون أن يكشف سره ؟!

وفي مكانه وقف عاصي مكانه ينتظره بصبر وهو يدرك أنه يضعه أمام التحدي الأصعب ..
لكنها عطيّته له!!
هو الآن يرى فيه نفسه القديمة عندما سلّم ماضيه الفرشاة ليرسم له لوحة سوداء حتى سطع نور ماسته وسط ظلامها ..
والآن يمنحه هو نفس الفرصة ..
يمنعه من الهروب ويجبره على المواجهة ..
وليته لا يخيب رجاءه !!
هو يتفهمه كرجل ذُبح غدراً في نسبه ولا يمكنه حتى الصراخ ..
لهذا سيضعه على أول الطريق ويترك له بقية إكماله !

الدقائق الثقيلة يغزل نسجها الصمت المشتعل بينهما للحظات ..
ليحفزه عاصي أخيراً بقوله :
_واحد فقط !

يقولها مدركاً ثقل الوزر على كتف يحيى لكن الأخير يلتفت نحوه أخيراً بقوله :
_موافق .

يرمقه عاصي بنظرة غامضة لم يفهمها وهو يهز رأسه ليقول اخيراً:
_اتفقنا .

_مجد ونزار! متى يمكنني رؤيتهما ؟!
_مع العرس ..قريباً ..بمجرد وصول قريبك من بغداد .
يقولها عاصي بنبرة ذات مغزى وهو يتحرك ليغادر صافقاً الباب خلفه شاعراً ببعض الرضا ..
هكذا يمنح هذين الاثنين فرصتهما ليرى كيف سيبليان فيها؟!

وفي الغرفة وقف يحيى يشد شعره بأنامله يكاد يقتلعه من جذوره وهو يكاد يطلق صرخة غضب ..
صرخة عجز ..
صرخة غيظ ..

مَن مِن أهله يمكنه استدعاؤه هاهنا وائتمانه على هذا السر ؟!
من ؟!
من؟!
والجواب يأتيه في واحد فقط ..
إلياس!
=======
*العراق..بغداد ..

تغادر سيارتها الفارهة لتتركها للحارس كي يضعها في مكانها المخصص متجاهلة نظراته التي حملت احتراماً كاذباً هي خير من تدركه خاصة بعد دخول زوجها السجن ..
تغمض عينيها رافضة بشاعة الواقع الأخير لتتجه نحو المدخل شديد الأناقة لشركة العائلة ..
"شركة الأمين"!

ترفع رأسها بخيلاء مستمتعة بالنظرات التقييمية لجسدها الذي لم تهزمه السنين وقد بدا قوامه المغري- رغم بدانته النسبية- داخل ثوبها الأنيق بلونه الأرجواني الجذاب ..تتحسس شعرها المصفف بعناية ثم تنتقل أناملها لعقدها الماسي في عنقها بحركة رشيقة وهي تتحرك بخطوات أنثوية متمايلة نحو المصعد الذي فتحه لها الحارس ..

تتفحص شكلها في مرآة المصعد بعناية ..
اجتماع اليوم مهم جداً ..يجب أن تثبت فيه بصمتها ..لن تسمح لغياب زوجها في السجن أن يؤثر على وضعهم في العائلة ..خاصة مع وجود إلياس ..واستبرق ..
تكز على أسنانها بحقد عند الاسم الأخير لكن رنين هاتفها يقاطع أفكارها فتبتسم بحنان أمومي وهي تميز الاسم :
_سراب! كيف حالك يا ابنتي؟!
_بخير ! اتصلت لأطمئن عليكِ..أعرف أنك تتوترين في وجود العمة "استبرق"!
_ومن لا يفعل؟!
تتمتم بها بخفوت يقارب الهمس ليصلها صوت سراب عبر الهاتف بين حسرة وغضب:
_أبي كان يكفيكِ كيدها ..وهاهوذا قد زجوا به في السجن في تهمة ملفقة ..وهاهم ذا يجتمعون ليقرروا من سيخلفه في رئاسة مجلس الإدارة ..لا تتركي مقعده لأحدهم يا أمي ..لا عمي إلياس ولا العمة استبرق .

تتنهد المرأة بقلة حيلة فتردف سراب بعاطفة تسربت عبر حروفها رغماً عنها :
_وحده يحيى يستحقها ..فقط لو يعود .
تمط أمها شفتيها باستياء قائلة:
_كفي عن الحديث عنه بهذه الطريقة ! زوجك شديد الغيرة .
_منذ عهد بعيد لم تعد مشاعري نحوه كالسابق ..صدقيني ..أنا فقط أشعر بالذنب ..هو ترك العائلة والبلد كلها لأجلي ..ليته يعود لأسامح نفسي وأتمتع بحياتي الجديدة دون منغصات .
_كفي عن هذا العبث ..من مصلحتنا ألا يعود يحيى هذا أبداً ..أغلقي الاتصال الآن فقد وصلت .
تقولها باقتضاب وقد غادرت المصعد نحو الرواق المؤدي لقاعة الاجتماعات ..
توترها يجعل بعض العرق الخفيف يتكاثف فوق جبينها خاصة مع المزيد من النظرات الفضولية نحوها ..
تتعثر فجأة في طرف السجادة لكن هذا الذراع يمتد نحوها ليسندها فتلتفت ل..صاحبته !!
استبرق!!

نظرتها الحاقدة التي لا تفهمها لم تتغير طوال هذه السنوات ..
نظرة كراهية تمتزج بالذنب تستشعرها بحدسها الأنثوي ولا يمكنها تفسيرها ..
استبرق دوماً هي الأجمل والأذكى والأكثر نجاحاً ..فماذا عندها هي كي تحسدها عليه؟!
هل تلومها على ابتعاد يحيى عن العائلة بسبب ابنتها؟!
ربما!
لكن الغريب أنها نفسها لم تكن موافقة على هذه الزيجة !!
فلماذا؟!

_فدوة!!كالعادة ترتدين ما لا يناسبك ..منذ متى يناسب الكعب العالي جسماً بوزنك ؟!
كعهدها كلمات استبرق القاسية تناقض هذه النبرة الحنون التي تتحدث بها !!
طالما شعرت بها امرأة المتناقضات!!
كأنها تخفي خلف بساطة مظهرها أسرار الكون كله!!

أجل ..لم تكن استبرق تحتاج لأناقة باهظة كي تخطف الأبصار ..
تكفيها ملامح وجهها الطفولية شديدة الفتنة التي تمنحها عمراً أصغر بكثير من سنها ..
وهذا الجسد الممشوق شديد الرشاقة الذي يناسب فتاة عشرينية لا امرأة بسنها ..
حتى الحُليّ!!
لا تحتاجها استبرق بهذه البشرة العاجية الناعمة التي تلتمع في الضوء كألف نجمة ..
وهاهي ذي ترتدي ثوباً كحلياً بسيطاً لا يظهر منها سوى نصف ذراعيها وبعض جيدها ورقبتها ..ولا ترتدي سوى سلسلة باسم ابنها يحيى ومع هذا تبدو كأميرة خرجت من كتب الأساطير !!

_تقصدين أني بدينة؟!
تهتف بها المرأة بغيرة واضحة لترسم استبرق هذه البسمة على شفتيها ..بسمة تشبه نظرتها بمزيج الكره والذنب ..ولا تزال كلماتها بنبرتها الحنون تناقض قسوة معانيها:
_حبيبتي شجون ! من يجرؤ على وصفك هذا فقأت عينه!! أنا فقط أنصحك ألا تضعي نفسك في غير موضعها!
_ها؟! فهمت! تقصدين رئاسة مجلس إدارة الشركة ! لا يا حبيبتي ..المنصب كان لزوجي وأنا الأحق به بعده .
شراسة شجون المعلنة تقابل نظيرتها المستترة عند استبرق التي ربتت على ظهرها بود ظاهر قائلة:
_وكان لزوجي قبل زوجك ..والمفترض أن يكون لابني الآن !
_ابنك ؟! وأين هو ابنك ؟! ألم يهرب من سنوات كالطفل المدلل الذي غضب لأنهم لم يعطوه لعبته ولا يعلم أحد له طريق ..آه !
تقطع شجون عبارتها بآهة ألم وهي تشعر بقبضتي استبرق تعتصران زنديها بقوة مؤلمة ..والشراسة الفتية تعلن عن نفسها صريحة دون ستر هذه المرة :
_لا تتحدثي عن يحيى بسوء ..ابني سيعود وسيأخذ مكان أبيه ..ولو لَم يفعل فأنا لها !

تحرر شجون ذراعيها منها بعنف وقد بدا الموقف ينذر بكارثة لولا تدخل الرجل ..
الياس!!

_ولا كلمة!! تتعاركان هكذا في منتصف الرواق دون اعتبار لأحد ..ادخلا !
تتبادل المرأتان نظرات نارية قبل أن تستجيب شجون أولاً بطبيعتها الجبانة بعض الشيء وتبقى استبرق تتبادل نظرات متحدية مع إلياس تناقض رقة عباراتها الظاهرة :
_لآخر مرة سأقولها لك ..أنا دخلت بيت شقيقك رحمه الله وأنت مازلت طفلاً ..طوال هذه السنوات وأنا أعتبرك أخي الأصغر بل ابني ..أنا أعرف أن لك كلمة مسموعة في اجتماع اليوم ..لأجل شقيقك احفظ هذا المنصب لي ..وليحيى بعدي!

يرمقها إلياس بنظرة ضائقة وهو يميز أثر ذكر اسم يحيى عليها ..
ليرد بخفوت:
_وأين هو يحيى؟!
تدمع عيناها بقهر تكتمه باقتدار وهي تتذكر ما أخبرها به العم السجين وطلب منها أو تخفيه عن العائلة ..
يحيى زاره !!
يحيى هو من سجنه عقاباً له!!
يحيى يعلم!!
طوال هذه السنوات وهي تشك في هذا !!
يوم كانت مع عمه في مكتبه تحدثه عما بينهما وتعترف بخطيئتهما ..خرجت لتخبرها سكرتيرته ان يحيى كان هناك ..رأت زجاجة العطر المكسورة ..والحقيبة التي تركها خلفه ..
طوال هذه السنوات وهي تكذب نفسها بدعوى أنه لم يعرف الحقيقة ..
هو اعتزلهم غضباً لأنهم حرموه من سراب ..
لا تريد تصديق غير هذا !!
لكنه عاد منتقماً من أبيه الحقيقي !!
فماذا عنها هي ؟!
هل يدخر لها هي الأخرى انتقاماً؟!
أما كفاه حرمانها منه طوال هذه السنوات؟!
ماذا لو عاد ..وفضحها؟!
بل ..ماذا لو ..
لو لم يعد !!
لو كان عقابه لها أن يحرمها منه العمر كله؟!!

_تبكين يا استبرق؟!
يهمس بها بجزع من يراها في موضع كهذا لأول مرة ..فتنتبه لنفسها وهي تمسح دموعها بسرعة متلفتة حولها كأنما ضبطت بالجرم المشهود ..

_لا بأس ..لكِ كلمتي ..المنصب لكِ.
يقولها داعماً بود فتعاود النظر نحوه لتتراقص ابتسامة على شفتيها وهي تتفحص ملامحه :
_كم تشبهه! يحيى!! كأنني أراه هو أمامي !!
_يوماً ما سيعود ! سيعود ليجد مؤسسة الأمين كلها في انتظاره ..مصيبة سجن شقيقي الأخيرة هزت اسمنا في السوق لكننا لن نسمح بالمزيد ..العائلة كلها ستتكاتف كي نتفادى الأزمة !

تهز رأسها بتشتت غريب على طبيعتها وهي تدلف خلفه لقاعة الاجتماعات ..
تتبادل مع شجون نظرات نارية من جديد قبل أن تتخذ مقعدها ..
دقائق تمر بها عاصفة وهي تستمع لاقتراحات الحضور بشأن مناقشة الوضع ..لكنها تترك زمام الأمور لإلياس ..تعرف أنه لن يخذلها ..رغم صغر سنه لكنها تثق في ذكائه ..كيحيى تماماً!!

_مبارك يا "استبرق" ..المنصب لكِ بغالبية الأصوات!!

الهتاف يثلج صدرها أخيراِ فترمق شجون بنظرة ظفر قبل أن تقف مكانها مستقبلة التهاني ..
تتخلص أخيراً من الجمع حولها لتعود لمكتبها فرحة بانتصارها لتفاجأ بالوجه الذي ينتظرها :
_العم مؤيد !

تشحب ملامحها كثيراً لمرأى الرجل العجوز فتصرف مساعدتها بارتباك لتدفعه ببعض العنف نحو غرفة مكتبها التي أغلقتها خلفهما لتهمس به بشراسة:
_هل جننت؟! تأتي للمكتب؟!
_أعتذر ! لم أستطع الاتصال بالرقم الذي تركته لي ..والأخبار عندي خطيرة .
يقولها بوجل ليزداد شحوب ملامحها وهي تسأله بصوت مبحوح:
_هو يحيى؟! هو الذي تتبعته ؟! أنت واثق؟!
يهز الرجل رأسه بيقين قائلاً:
_نعم يا سيدتي ..السيد (...) أرسلني خلفه منذ تعرف عليه في المطار رغم أنه غير ملامحه قليلاً ..وسكنت معه في نفس البناية.
يقولها ليبرز لها صورة يحيى بتنكره الجديد على شاشة هاتفه لتتسع عيناها حد الجحوظ للحظات ويزداد خفقان قلبها بجنون قبل أن تنخرط فجأة في البكاء وهي تقبل شاشة الهاتف بحرقة عدة قبلات متتابعة ..
قبل أن تمسك مؤيد من تلابيبه صارخة بلهفة أنستها حذرها :
_أين هو ؟!
_هذا ما جئت لأجله يا سيدتي ..لقد اختفى هو وصاحبه و"البنت" فجأة ! وبعض الجيران رأوا غرباء يداهمون بيته .
_من صاحبه؟! ومن البنت؟! هل تزوج؟!
يهز الرجل كتفيه بجهل ليرد :
_هذا هو كل ما أعلمه ..صدقيني ..أرجوكِ أن تبلغي السيد (...) أنني لم أقصر .
_كيف كان حاله ؟! صفه لي!!
تهتف بها بلوعة أمومية صادقة ليرد الرجل بإشفاق :
_يشهد الله ما رأيت منه إلا خيراً ..كان يعاملني جيداً هو وصاحبه ..وتلك الفتاة المقعدة ابنته كانت ..
_ابنته؟! ابنته مقعدة ؟!
ترددها بذهول فيزداد إشفاق الرجل وهو يعاود هز كتفيه لتتمالك نفسها أخيراً فتمسح دموعها ..
تتناول هاتفها لتنقل صورة يحيى عليه ثم تصرف الرجل بقولها :
_ستجد مكافأة سخية في انتظارك ..وسأوصي بك السيد (...) خيراً ..لكن ..إياك ..إياك أن يتسرب من فمك حرف يخص ابني .

يهز لها الرجل رأسه بطاعة قبل خروجه وقد غلبته شفقته عليها لتغلق الباب خلفه وتستند عليه ناظرة لصورة يحيى على هاتفها ..
افتقدته!!
افتقدته رغم كل الخوف الذي يملؤها من عودته !!
كيف يمكن أن يتصارعها الآن شعوران ..أحدهما أنها قد تدفع عمرها وتراه ..
والآخر أنها قد تدفعه كذلك كي ..لا يعود !!
عودته تعني ..نهايتها هي!!
يالله!!
أي عذاب تعيشه بخطيئتها ..تحترق به طوال هذه السنوات ؟!!

_أين عساك الآن يا يحيى؟! وما الذي فعلته بك السنين؟! لماذا عدت الآن لبغداد ؟! سجنت أباك الحقيقي فأي انتقام تدخره لي؟!

أناملها المرتعشة تتحسس سلسلة عنقها باسمه بشوق يمتزج بخوفها للحظات سمحت لنفسها فيها بوهن لا تملكه غالباً ..
قبل أن تستعيد رباطة جأشها وهي تمسح وجهها لتحدث صورته على هاتفها :
_تعلم كم أحبك؟؟ ! تعلم كم أفتقدك؟؟ ! أنت ابني ..وحيدي ..عكازي الذي ادخرته لوهن العمر ..لكنني لن أسمح لك لو عدت أن تهدم ما عشت العمر أبنيه ..يقولون إنك ورثت ذكاءك مني ..وأمك دوماً تعد الخطة البديلة لأنها لا تحب المفاجآت !!

الدمع في عينيها يجف رويداً رويداً لتعود نظراتها لتوهجها وأناملها تتلاعب بشاشة هاتفها للحظات ..
تتصل بالسيد (...) ذي النفوذ القوي كي تسأله إن كان يحيى قد غادر بغداد فيطلب منها المزيد من الوقت كي يتأكد ..
تغلق معه الاتصال لتضيق عيناها وهي تبحث عن رقم بعينه ..
أشهر الأطباء النفسيين هناك في بغداد !
تتردد قليلاً لكنها تحسم أمرها وهي تتصل به :

_كن جاهزاً لما اتفقنا عليه لو عاد يحيى ..اطلب المبلغ الذي تريد وسأرسله دون مناقشة ..أنا سأرسل لك بعض التقارير التي كتبها أطباء آخرون تخص طفولته ومراهقته وتكفل أنت بإخراج التقرير النهائي ..ما يهمني أنه لو عاد يحيى للظهور أن يكون في يدي ما يثبت أن له تاريخاً في الهلاوس السمعية والبصرية ..
تصمت للحظات والكذبة الفظيعة تزلزل فطرتها الأمومية للحظات لكنها تهزمها بقوة مردفة بصوت متحشرج :
_وأن قواه العقلية مختلة .
=======






*أخضر*
=======
على فراشهما صباحاً استيقظت عزة لكنها لا تزال تتظاهر بالنوم ..
تضع وسادتها على رأسها تاركةً لعينيها هذه المسافة الصغيرة تراقبه وهو يتم ارتداء ملابسه استعداداً للخروج لعمله ..
كعهده يبدل ملابسه في الحمام الصغير المرفق بالغرفة كي لا ترى أثر عاهته تاركاً إتمام التفاصيل أمام مرآته ..
أناقته صارت متكلفة كأنه يعاند ذوقه القديم ..حتى تصفيفة شعره غيرها لأخرى أكثر عصرية ..
لا يزال يفقد المزيد من الوزن ..ومن نفسه !
لا تزال تذكر تلك الليلة العصيبة التي زارهم فيها إياد ليفجر براكين الماضي من جديد ..
ليلتها بكى إيهاب بين ذراعيها كما لم يفعل من قبل ..وهي لم تخذله ك"صديقة":


_هذا ما كنت أخشاه ..أن يعود شامتاً بعد كل هذه السنوات .
قالها وهو يتوسد صدرها كأنه يدفن فيه خيبته وندمه لتسأله وهي تخشى الجواب:
_أنت فعلت هذا حقاً؟! كل ما يحكيه عن ورد ..

صمت طويلاً كأنه مثلها يخشى الذكرى ليرد :
_ربما كان خطئي أنني لم أصارحه وقتها بما يحدث ..لا تعلمين كيف يشعر المرء عندما يغدر به حبه الأول ..كنت خارجاً لتوي من تجربة فاشلة ..أهرب من الجميع بل ومن نفسي ..أنا حقاً خطبت ورد بأيعاز من عمي كي أدعمها في فترة مرضها الصعبة ..لكنني لا أنكر أنني أردت فعلاً أن أجعل حبيبتي القديمة تغار وتدرك أنني تجاوزتها ..وبين رغبتي في إسعاد ورد وإغاظة الأخرى تماديت في أفعالي ..ونسيته هو !

_نسيته كما نسيته أمه من قبل ؟! كأنكم اعتبرتم هذا حقاً مكتسباً !
ودت لو تقولها وقتها لكنها كتمتها داخلها كي لا تزيد جلده لذاته ..
بينما استطرد هو بانفعال وهو يرفع وجهه إليها :
_من السهل أن تتهميني الآن بخيانته ..أنا نفسي عشت سنوات أفعلها ولازلت أفعلها ..لكنني وقتها لم أحسبها هكذا ..حب ورد المريضة لي من ناحية ..ورجاءات عمي من ناحية..ورغبتي في الثأر واستعادة نفسي من ناحية ..كنت مطوقاً مغيباً كمجذوب بمغناطيس غير مرئي ..وحتي عندما كنت أذكر حب إياد لها كنت أقول لنفسي هو ينبغي أن يبحث عن سعادتها ولو مع غيره كأي عاشق مثالي خاصة في ظروف مرضها .

تنهدت بيأس من عقم الحوار وهي لا تستطيع حقاً الفصل بينهما ..
كلٌ رأى الحكاية بطريقته فحكَم فيها لنفسه !

عطره النفاذ الذي غيّره مؤخراً مع ما غيّره ينتزعها من شرود الذكرى فتسعل رغماً عنها وهي تضطر للتخلي عن تظاهرها بالنوم لترفع الوسادة عنها ..

_آسف ..أيقظتك .

يقولها بحنان لا يدعيه وهو يقترب منها ليقبل وجنتها ..فقط جبينها ووجنتها ..!
نظراته تتفحصها بعاطفة وقد انفتح زرّا منامتها الأوليان فلم تنتبه لهما في نومها لتبدو له بشرتها اللامعة تتلألأ في نور الصباح الذي دخل الغرفة من النافذة بمشهد مثير لم تتعمده ..
محمرة الوجنتين والشفتين بأثر دفء الفراش ..خصلات شعرها الناعمة متناثرة بفوضوية حول وجهها الجذاب ..وعيناها الساحرتان تجيدان غزل خيوطهما حول قلبه ..
حوريته الخضراء التي طالما كانت تسير بتؤدة بين طرقات روحه فتمنحه السكينة ..
والآن تسير معه على شفرة نصل حاد يدمي قدميهما معاً!!

نظراته تستقر أخيراً أمام شفتيها ..يتذكر عذابه بها كل ليلة وهو يجاهد نفسه ليعطيها ظهره ..يخاف الولوج من جديد في جحيم الفشل ..عذاب لا يدري إلى متى سيحتمله هو ..والأدهى ..إلى متى ستحمله هي ؟!
وإن كان هو يرتضيه ظناً منه أنه عقاب عادل لذنب إياد ..فما ذنبها هي؟!
عيناه تدمعان بقهر رجولي لا يدركه إلا من عاشه فتمتد أنامله المرتجفة تلامس شفتيها ببطء وهو يشعر بفورة عاطفته تكاد تودي به ..الدم يكاد يفور في عروقه مطالباً بحقه فيها!
ماذا لو استجاب لجنونه الآن ؟!
لو ..!!
لكنه يغمض عينيه بألم وهو يشعر بجسده يخذله !!
منذ ليلة الزفاف الكارثية ولايزال هذا الحاجز يقف بينهما !!
صورتها وهي تتقيأ أمام مشهد ساقه المبتورة !!
وأمامه كانت هي راجية ..وخائفة ..
خجلها العذري يجعلها لا تفهم حقيقة هذه المشاعر التي تنتابها ..
تود لو تستسلم ..لو ينجح ما بينهما ..
وتود لو تقاوم ..لو ينتهي هذا السلم الطويل من التنازلات ..
وبينهما لا تزال تتراقص هي على حافة المنتصف السخيفة !!
ربما لو كانت امرأة أخرى مكانها لفكرت في إغرائه ..
في دفعه لتجاوز هذا الحاجز اللعين ..
لكنها لم تكن ترى سوى فشلها هي ..
هي لا تملأ عينه ك"أنثى" كما كان الحال مع راغب ومع خطيبها قبله الذي اكتفى منها ببعض تحرشات كثمرة ذاقها فلم يعجبه مذاقها ورماها !!
الخاطر الأخير يذبحها بنصل ثلم فتتجاوزه هاربة ..

تنتبه لتعلق نظراته بمنامتها فتكتم شهقة خجلها وهي تغلق أزرارها بأنامل مرتجفة ليقبض هو كفه جواره بمزيج من عجز وألم فتتنحنح هاتفة بارتباك :

_ صباح الخير ..سأعد لك الإفطار!
تقولها وهي تنهض من على الفراش ليرد بسرعة:
_لا تتعبي نفسك .."خوخة" أعدته وتنتظرني .
_هل صارت بخير ؟!
تسأله بقلق فحالة المرأة الصحية بعد زيارة إياد قد تدهورت نوعاً وارتفع ضغطها حد الخطر ..
لكنه يجيبها مطمئناً وهو يغالب أبواب الجحيم التي شرعت في وجهه فجأة قائلاً:
_الحمد لله ..الوضع مستقر منذ الأمس وأنا قست لها "الضغط" منذ قليل وكان على ما يرام .

تتمتم بحمد الله وهي تبتسم له بينما تشبك أصابعها في كفه قائلة:
_إذن ..نفطر سوياً .

يبتسم لها هذه الابتسامة المرتجفة الغريبة عن ابتسامته الآسرة التي كانت تعشقها فيه قديماً وهو يتحرك بها ليغادرا الغرفة فتستقبلهما خديجة بابتسامة واهنة ..

_لماذا أتعبتِ نفسك ؟! كنت سأعد الإفطار !
تقولها عزة ببعض الحرج لترد خديجة بنبرتها القوية التي غزاها حزن لم تستطع كتمانه :

_لا بأس..كنت أحتاج أن أشعر أنني صرت بخير .

_لا حرمني الله طعامك الشهي يا "خوخة"!
يهتف بها إيهاب بحنان مرح وقد اتخذ مجلسه على المائدة مرتدياً قناع "الفاجومي" باقتدار وهو يطعم أمه بنفسه ..يلمح سؤالها في عينيها لكنه يتجاهله وهو يسألها باهتمام :
_كيف أبدو ؟! "عريس"؟! إنه أول يوم عمل بعد الزفاف .
تطرق عزة برأسها وهي تشعر بالمزيد من الغرابة ..
من يقول أن إيهاب هو الذي يتحدث بهذا الاهتمام عن المظهر ؟!
وهي ..هي التي لم تعد تهتم !!
هي تشعر فقط أنها تهبط سلم التنازلات بصمت مقهور !!

تمنحه أمه جواباً يرضيه ليلتفت نحو عزة فيطعمها بدوره لتبتسم له بود ثم تقول له بتردد :
_مخرج البرنامج كلمني بالأمس يطلب لقائي ..سأخرج بعد الظهر .
_ماذا تظنينه يريد ؟!
يسألها باهتمام لتشيح بوجهها قائلة :
_لا يمكنني تحديد نواياه خاصة بعدما حدث من هيام ليلة الزفاف ..هو كان يعرض عليّ الكثير من التنازلات في الفترة الأخيرة قبل هذا الأمر متذرعاً بتناقص شعبيتي كما أخبرتك..وأظنه سيعرض الأكثر ..أو ربما أقنعهم بفسخ التعاقد معي .

كانت تظن أن نبرتها مهزومة حتى سمعت صوته وهو يقول:
_لا! إلا البرنامج !! تشبثي به قدر استطاعتك مهما كانت التنازلات !!

تلتفت إليه لتلتقي عيناهما فتروعها هذه الغرابة التي صارت تشعر بها نحوه ..
إيهاب القديم لم يكن لينصحها أبداً بهذا ..
فيما يزم هو شفتيه بقوة وهو يخشى الاعتراف ..
هل يحرضها على هذا لأجل الحفاظ على نجاحها الذي صنعته بنفسها طوال هذه السنوات ؟!
أم لأجله هو ؟!
لأجل أن يبقى زوج "النجمة" التي اختارته من وسط الجميع رغم عاهته ؟!

وبينهما كانت خديجة ترمقهما بهذه النظرة الملتاعة وهي تكاد تقرأ حديث نفس كل منهما ..
لتقول أخيراً مخاطبة عزة :
_إيهاب لا يقصد بالتأكيد معنى التنازلات المفهوم ..أنتِ وحدك من يمكنك موازنة الأمور ..واختيار الأفضل !

تقولها محاولة دعمها ودفعها لاتخاذ القرار بنفسها فتهز عزة رأسها وهي تتمتم برد مناسب ..

_آتي معك؟!
يسألها إيهاب لترد بفتور :
_وعملك؟!
_أي عمل؟! غيابي لن يشكل فارقاً ..يمكنني الحصول على تصريح !!
سخريته المريرة تفضح ألمه من حقيقة وضع عمله الإداري البسيط والذي يناقض حيوية عمله السابق فينتابها الشعور بالمزيد من الذنب وهي تربت على ركبته قائلة :
_لا بأس ..يمكنني تدبر الأمر وحدي .

لكنه ينتفض مكانه وأناملها تمس ساقه الاصطناعية ليتنحنح قائلاً:
_سأذهب الآن كي لا أتأخر .
_أنا أيضاً سأخرج .
تقولها خديجة وهي تقف مكانها فيرمقها بنظرة طويلة وهو لا يحتاج لسؤالها عن وجهتها ..
بالتأكيد إياد !!

_هكذا قضي الأمر . لن أذهب للعمل اليوم ..سآتي معك ..أو انتظري للمساء كي ..

لكنها تقاطعه بقولها الحازم :
_لا! دعني أذهب وحدي هذه المرة .

يهم بالاعتراض لكن هذه النظرة الحازمة والراجية في عينيها تلجمه فيهز رأسه أخيراً باستسلام وهو يعطي كلتيهما ظهره ..يرمق غرفة إياد المغلقة بنظرة مختلسة وهو يشعر بحاجته في هذه اللحظة لبوح جديد يبثه إياه عبر شريط صوتي جديد ..لكن حتى هذا يبدو له كراحة لا يستحقها !!

يصفق الباب خلفه بعنف لا يتعمده فتطرق عزة برأسها قليلاً محاولة التماسك قبل أن ترفع بصرها نحو حماتها بتساؤل جبنت عنه شفتاها لترد خديجة بحسم يليق بملامحها :
_سأصلح ما بين ابنيّ ..ليت العمر يسعفني لفعلها .
======
_ما هذا الذي تقوله ؟! أعده ثانية لعلي لم أفهم !
تهتف بها عزة مخاطبة المخرج الذي طلب لقاءها في مكان التصوير وقد منحها هذا بعض الأمل في عودة الأمور لمجاريها ..
لكن هاهو ذا يعيد حديثه الصادم :
_تعلمين أننا لا نحب الرهان على جواد خاسر ..المنتج غاضب للغاية بعد فضيحة شقيقتك ليلة الزفاف ..حتى اقتراح مشاركتك الفقرة مع نجمة محبوبة كي ترفع نسب المشاهدة لم تعد مجدية كالسابق ..

كانت تجلس معه مواجهة لحائط الديكور الذي حمل اسمها وبرنامجها لسنوات .."أكلتين وعافية ..عزة الأنصاري" ..بلونه الأخضر المميز وهذه الأيقونة التي تخصها ..تتكدس الدموع في عينيها وهي تتحسس وشاحها الأخضر الذي يحيط بعنقها ..
فيصلها صوته القوي بنبرته العملية التي اكتست بالود :

_عزة ..نحن صنعنا مجدنا معاً ..ويعز عليّ أن أتركك هكذا في وسط الطريق ..لهذا اسمعي نصيحتي إذا أردتِ أن تحتفظي بالبرنامج وبشعبيتك .

_أي نصيحة هذه ؟!
_اصنعي من الهزيمة نصراً ! فيديو فضيحة زفافك هذا تعلمين كم حصل على مشاهدات في أيام قليلة ؟! تخطى الخمسة ملايين مشاهدة!! لماذا لا تستثمرين الوضع ؟!

ترمقه بنظرة مشوشة ليردف بحماس :
_تعلمين كيف تصير الأمور هذه الأيام ..فيديو صغير كل يوم لكِ مع زوجك على قناتك عبر "اليوتيوب" أو الانستجرام ..يتحدث فيها كيف تحدى ظروفه وتتحدثين أنت كيف تمسكتِ به ! الناس تحب مثل هذه الأمور ..دعيهم يشاركونك تفاصيل حياتكما الخاصة ..مشاهد من شقتكما ..أسفاركما ..مشاهد له في عمله ..في السيارة تتبادلان الحب ..على شاطئ بحر ..كل التفاصيل مهما بدت لك تافهة سيحب الناس مشاركتها معك ..يوماً فيوماً سيتعلقون بكما وينتظران جديدكما بشغف ..لن يعود أحد ليلتفت بعدها لجودة محتوى برنامج عزة الأنصاري ولا ماذا تقدمه لأن عزة الأنصاري نفسها ستكون "المحتوى"!!

_تريدني أن أروج لنفسي وزوجي كسلعة؟! تريدني أن أبيع خصوصيتي وحياتي على المشاع ؟! تريدني أن اتاجر بعاهة زوجي الذي ضحى بنفسه لأجلي ؟!

تهتف بها باستنكار حاد يستجلب نظرات الحضور الفضولية فيعقد حاجبيه بغضب هاتفاً:
_بل أريدك أن تحافظي علي نجاحك ..أن تقفزي من القارب قبل أن يغرق بكِ ! الناس أحبتك وجهاً ضاحكاً منتصراً مشرقاً والآن احترق هذا الوجه منك ..ماذا تنتظرين ؟! انظري للتعليقات علي فيديو زفافك الكارثي كي تقدري حجم خسارتك !!

تدمع عيناها بمزيج من عجز وقهر ..لكن العناد يرسم الرفض فوق ملامحها فيردف وهو يهز رأسه:
_للأسف ..بدأتِ من الصفر ..وستعودين إليه !!

تعدل حمالة حقيبة فوق كتفها وهي تعطيه ظهرها لتغادر المكان لكنه يتحرك ليقف قبالتها قائلاً :
_فكري في كلامي ..لن أعتبر اتفعالك هذا رداً .

تتجاوزه بخطوات سريعة لتلتفت بنظرة أخيرة نحو حائط الديكور الأخضر هناك وقد أطفئت الأنوار حوله ..لينقبض قلبها بلوعة كأنما فقدت ابنها !!
لم تجرب شعور الأمومة لكن هذا البرنامج لسنوات كان صغيرها الذي يكبر بهناءة أمام عينيها بل ..عائلتها كلها !!
والآن تفقده مع كل ما فقدته من أحلامها ..
يصطدم بها أحد الداخلين للمكان فيعتذر لكنها لا تأبه لاعتذاره وهي تشعر بهذا الذي سقط على الأرض تحت قدميها كأنه يمنحها شارة النهاية ..
وشاحها الأخضر !!
======
_أنت واثق أن هذا هو العنوان ؟!
تقولها خديجة بحيرة للسائق الذي توقف بها أمام هذه الفيللا الأنيقة على أطراف المدينة ليرد الرجل بنفاد صبر :
_هو المكتوب في الورقة يا حاجة ! يمكنك سؤال الحارس هناك .

ينعقد حاجباها بشدة وقلبها ينقبض دون سبب بينما تترجل من السيارة لتتوجه نحو حارس الفيللا فتسأله بحرج :
_أريد السؤال عن أحدهم يقيم بالقرب من هنا ..اسمه إياد ال..!
تقطع كلماتها التي بدت لها ساذجة وهي تميز الاسم الصريح المكتوب على باب الفيللا ..
اسم ابنها !!

تشعر برهبة خانقة ومظاهر الترف التي تبدو من الخارج على للمكان تثير حفيظتها ..من أين أتى إياد بكل هذا؟!

_تريدين السيد إياد ؟!
تهز رأسها بتشتت فيسألها الحارس بنبرة مهذبة:
_أتشرف باسمك !

_أنا ..أمه !

واحدة من المرات الكثيرة التي وخزتها فيها الكلمة وهي تقولها ..لشعورها أنها لم ترعها حق رعايتها ..بينما تبدو الدهشة على وجه الحارس للحظات قبل أن يفتح جهاز اللاسلكي ليبلغ الرسالة ..فيصله أمر السماح بالدخول ..

تلج خديجة للداخل حيث المدخل الرخامي لحديقة واسعة تتوسطها نافورة أنيقة ..يستقبلها أحد الخدم حسنو المظهر ليشير لها نحو الداخل فتتسع عيناها بالمزيد من الانبهار ..ويضيق قلبها بالمزيد من الرهبة ..
لم تعرف الفقر يوماً ..بل إنها كانت تعيش مع إيهاب بحكم وظيفته القديمة في رغد من العيش ..لكن هذا المستوى من الترف حولها يجعلها تشعر بالغرابة الممتزجة بالقليل من النفور ..ولا يزال السؤال يفرض نفسه ..
من أين أتى إياد بهذا المال ؟!
شهادته الجامعية العالية مع سفره مثلاً؟!

يشير لها الخادم بالدخول لصالة البيت المتسعة التي حوت أثاثاً لا يقل فخامة عن بقية محتويات المكان ..فتزدرد ريقها بتوتر وهي تتخذ مجلساً قريباً من الباب بصورة عفوية ..

_السيد إياد قادم ..ماذا تشربين ؟!

تهز رأسها برفض ولا تزال عيناها تجوبان المكان حولها بعدم ارتياح فينصرف الخادم تاركاً إياها وحدها ..

وفي غرفته وقف إياد يتفحص شكله بحاجبين منعقدين ..
هاقد أتت بعد أيام ..
عندما رأى لهفتها أول ما لقيته تصور أنها لن تطيق صبراً على الحضور لرؤيته ..
ليمر الوقت بتثاقل ساخراً منه ..كالعادة تأتي خديجة متأخرة !!

يغمض عينيه بقوة على حسرته وهو يتأمل صدره العاري لتتعلق عيناه بأعلى ذراعه فتلتوي شفتاه بابتسامة ساخرة ..
ماذا لو علمت ؟!

لكنه يبتلع سؤاله بمرارته وهو يتناول قميصاً طويل الأكمام ارتداه بسرعة ليغلق أزراره بشرود قبل أن يرمق نفسه بنظرة راضية ليتحرك نحو الأسفل ..

يهبط الدرج نحوها لتقف مكانها وهي ترمقه بنظرة غريبة ..
كأنه ليس ابنها الذي عرفته يوماً!!

بينما يتقدم هو نحوها بنفس النظرة التي كان يحدجها بها منذ سنوات ..
نظرة عتاب مختنقة بحسرتها !!
_عصير ليمون معصور يدوياً لا بالخلاط ..ملعقتان ونصف من السكر بالضبط ..كوب زجاجي وليس كأساً ..مع نثرة بسيطة من الفانيللا .

يقولها بنبرة ذات مغزى للخادم الذي عاد لتوه ليتلقى أمره فتدمع عينا خديجة وهي تفكر ..
لم ينسَ مشروبها المفضل الذي كانت تحبه لسنوات ..وكان يشاطرها حبه ..إيهاب كان يأنف منه مفضلاً غيره لكن إياد بقي يشاركها حبه كأنما سره أن ينفرد معها بشيء دون أخيه !!

يمد لها يده مصافحاً فتبادره بعناق دافئ لكنه يحتفظ بذراعيه جواره وهو يرفع إليها عينيه العاتبتين ..دوماً عاتبتين :
_هل كان الأمر يحتاج لكل هذا الوقت كي تأتي؟!
_رغماً عني ..كنت مريضة .
تقولها معتذرة بابتسامة حانية فيهز رأسه برد تقليدي وهو يجلس جوارها ..
تحاول البحث عن فاتحة حديث لكن غرابة الموقف تلجمها فتبدأ بالسؤال التقليدي :
_فتح الله عليك يا ابني ..من أين أتيت بكل هذا ؟!
_من عملي.
_وماذا تعمل؟!
يبتسم ابتسامة ساخرة وهو يطرق برأسه ليجيب بغموض:
_تظنين كل هذه السنوات يمكن اختزال جوابها في دقائق ؟!

تتنهد بحرارة ثم تمد كفيها لتعانق كفيه قائلة:
_لهذا أتيت اليوم يا ابني ..لم يعد في العمر قدر ما راح ..وأنا أريد أن أقضي بقيته معك وننسى ما كان .

تتسع ابتسامته الساخرة وهو يتأمل تجاعيد كفيها الغائرة ..هذه التي أشار لها بعينيه قائلاً:
_أعشق هذه التجاعيد على كفوف العجائز ..وددت لو كنت معك عندما رسمتها لك الأيام واحداً واحداً ..لكنك كعهدك تدخرين لي العربة الأخيرة في قطارك .

تخز عبارته قلبها بدلالتها فتهتف به بصوت متهدج:
_أنا جئت اليوم لنصلح ما فات ..أخبرني عن الترضية التي تريدها ..كيف أعوضك ؟!

يرفع إليها عينيه بنفس النظرة العاتبة التي اكتست بوميض غريب وهو يسألها :
_أي ترضية ؟!
تهز رأسها بما يشبه الوعد فيشيح بوجهه قائلاً :
_لن أضيع وقتك في عتاب بلا طائل ..لكنني أقدر رغبتك في إرضاء ضميرك ..تسألين عن ترضية تناسبني وأجيبك ..ترضيتي ..هي أنتِ ..

تبتسم له بحنان لكنه يلتفت نحوها قائلاً بانفعال :
_تعالي واسكني معي هنا ..في بيتي .

تتسع عيناها بصدمة للحظة ..لترد بارتباك :
_وأخوك؟!

_كنت أعرف أن هذا سيكون ردك !
يقولها وهو يحرر كفيه منها بإشارة ذات مغزى ليقف مكانه مردفاً :
_ألم أقل لك إنني دوماً العربة الأخيرة في القطار ؟!

تقف بدورها وهي تحتضن ذراعيه بقبضتيها هاتفة بلوعة :
_أقسم بالله العظيم لو كانت ظروف أخيك طبيعية لما ترددت في البقاء هنا معك لحظة واحدة .

_لا يزال المدلل لا يكتفي بزوجة ترعاه ويريد أمه كذلك ؟!
تهكمه المرير لا يفضح غيرة بقدر ما يفضح حرقة قلب حرموه حقاً كهذا منذ سنوات ..
لتهتف هي بنفس اللوعة :
_إيهاب لم يستعد توازنه بعد عقب الحادث ..وظروف زواجه غير مستقرة ..لا آمن أن أتركه وحده مع زوجته لهذا طلبت منهما أن يقيما معي ..لا أستطيع تركه الآن .

يرمقها بنظرة طويلة صامتة ثم يلقي مفاجأته:
_تعالوا كلكم وأقيموا معي هنا !

_ماذا؟!
الصدمة تجتاح ملامحها فيبتسم بسخريته العاتبة قائلاً:
_ما العجب؟! انت لا تريدين ترك ابنك وزوجته في مصابه وأنا لن أعود للسكن في بيته ..فما البديل ؟! والبيت واسع كما ترين ويسع ألفاً من الأحبة !!

_لكن ..إيهاب ربما لن يرضى ..
تقولها بارتباك مصدوم ليقاطعها بقوله:
_لماذا؟! أنا أخوه الأكبر ..ثم إنها فرصتي لأرد فضل أبيه الذي رباني في بيته ..اليوم يتسع بيتي للعائلة كلها ..ولا أحد أفضل من أحد !

تهز رأسها بعجز من مجادلته وهي تفهم سر طلبه الغريب لتهتف برجاء:
_إياد! أخوك مضغوط بما يكفي وزواجه على كف عفريت كما يقولون ..لا تزد الأمر سوءاً .
لكنه يشيح بوجهه هاتفاً بعناد :
_ ليس لدي كلام آخر .

يصل الخادم بالعصير فيضعه أمامها لينصرف ..
تنقل بصرها بينه وبين كوب العصير بتشتت وهي تشعر بالثقل ..
ماذا تفعل؟!
حقه أن يتنعم بحنانها ما بقي لها من عمر ..
وحق إيهاب كذلك ألا تتركه في مصابه ..
فكيف تجمع بينهما ؟!
هل سيوافق إيهاب ؟!
وحتى لو وافق ..عزة لن تفعل !!

_لا تتعبي نفسك في التفكير ..اختاري الأسهل دوماً كما اعتدتِ ..العربة الأخيرة في القطار هي ما يسهل دوماً انفصالها ..

يقولها بخيبة وهو يبتعد عنها لتهتف بانفعال:
_ليس الأمر كما تظن ..أخوك ليس ..

_نوّرتِ بيتي يا خديجة "هانم" ! لو فكرتِ في زيارتي مرة ثانية فمن الأفضل أن تتصلي بي قبلها فلا أضمن أن أكون موجوداً ..لكنني أنصحك بالنسيان ..اقبلي خسارتي هذه المرة كما قبلتِها كل مرة ..
يقولها ثم يلتفت لكوب الليمون مستدركاً بتهكم :
_ولا تشربي الليمون ..أظنه صار مراً ..تعلمين أن عمره قصير .

قسوة كلماته تمتزج بهذه الدمعة العصية في عينيه ..
دمعة طفل لم يكبر طوال هذه السنوات ..بقي حبيس قفص من حرمان !!
تقف مكانها عاجزة تراقبه وهو يتحرك نحو الأعلى صاعداً الدرج من جديد بخطوات راكضة ..
لتعود ببصرها نحو كوب الليمون ثم تمسح دموعها التي فاضت على وجهها وهي تغادر البيت الفخم بخطوات متثاقلة ..

بينما عاد هو لغرفته ليصفق بابها خلفه بعصبية ..
سخريته القاسية تتحول لعنف جمّ وهو يكسر أول ما نالته يده ..
لماذا عادت مادامت سترحل من جديد ؟!
مادامت سترميه بطول ذراعها ككل مرة ؟!
لماذا ؟!
لماذا؟!

يصرخ بها هادراً وهو مستمر في تكسير بعض الحاجيات حوله ..
ليلهث أخيراً بعنف وهو يقف أمام مرآته ليمزق كم قميصه بعنف كي يبدو له هذا الوشم الذي يمنحه بعض العوض ..
وشم "الكوبرا"!
========
انتهى الفصل


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-01-21, 03:00 AM   #1846

مريم ابو السعود

? العضوٌ??? » 477851
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » مريم ابو السعود is on a distinguished road
افتراضي

تحفه تحفه تحفه.....جميل البارت 😍😍😍😍😍 ..تسلم ايديك ....بجد انا فخوره اني من قرائك ⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐⭐

مريم ابو السعود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-01-21, 03:08 AM   #1847

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

ياخبر اياد هو الكوبرا 🤔🤔🤔🤔🤔

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-01-21, 03:09 AM   #1848

نوراااا

? العضوٌ??? » 472437
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 20
?  نُقآطِيْ » نوراااا is on a distinguished road
افتراضي

يالهوووي 😳😳😳😳إياد هو الكوبرا 😳😳😳
كد يانيموو دي قفله 😳


نوراااا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-01-21, 03:19 AM   #1849

المشاغبة

? العضوٌ??? » 406852
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 446
?  نُقآطِيْ » المشاغبة is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايدك ي نيمو فصل فووق الخيال الله يسعدك و يعطيك العافيه

المشاغبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-01-21, 03:35 AM   #1850

داليا انور
 
الصورة الرمزية داليا انور

? العضوٌ??? » 368081
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,195
?  نُقآطِيْ » داليا انور is on a distinguished road
افتراضي

بس ازاى وشم الكوبرا كنت أعتقد أن الكوبرا كبير سنا فصل رائع دومتى مبدعة 💓

داليا انور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:42 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.