آخر 10 مشاركات
أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          52 - عودة الغائب - شريف شوقي (الكاتـب : MooNy87 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          605-زوجة الأحلام -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          غيث أيلول -ج5 سلسلة عائلة ريتشي(121)غربية - للكاتبة:أميرة الحب - الفصل الــ 44*مميزة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ترافيس وايلد (120) للكاتبة: Sandra Marton [ج3 من سلسلة الأخوة وايلد] *كاملة بالرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-08-21, 07:08 PM   #3161

Hoba82

? العضوٌ??? » 456696
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 66
?  نُقآطِيْ » Hoba82 is on a distinguished road
افتراضي




Hoba82 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-08-21, 07:09 PM   #3162

Hoba82

? العضوٌ??? » 456696
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 66
?  نُقآطِيْ » Hoba82 is on a distinguished road
افتراضي



Hoba82 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-08-21, 07:09 PM   #3163

mawa elsafty

? العضوٌ??? » 367216
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 67
?  نُقآطِيْ » mawa elsafty is on a distinguished road
افتراضي

مفيش كلمات تعبر عن اللي جوايا يا نيمو بجد كلمه مبدعه قليله عليك انا فالفصل ده عرفت المعني الحرفي لجملة حبس الأنفاس فعليا كنت بقرأ مشهد فهمي وانا بحبس أنفاسي ومشهد حسام مع ديمه وسند حاجه ولا أروع سلمتم يا نيمو وسلم إبداعك حبيبتي

mawa elsafty غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-08-21, 05:56 PM   #3164

ارثيريا

? العضوٌ??? » 485412
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » ارثيريا is on a distinguished road
افتراضي

انا كذا الحمدلله تقريبا نسيت بعض احداث الجزء الاول وان شاء الله انساهم تماما حتى اعيدها مرة ثانية😩

ارثيريا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-08-21, 12:58 AM   #3165

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

شكرا حبايبي لكل تعليقاتكم الداعمة 💙
تم تأجيل فصل اليوم للسبت صباحا باذن الله بصورة استثنائية لهذا الاسبوع فقط 🙏


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-08-21, 01:09 PM   #3166

هالة الذكرى
 
الصورة الرمزية هالة الذكرى

? العضوٌ??? » 439522
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 313
?  نُقآطِيْ » هالة الذكرى is on a distinguished road
افتراضي

🤔🤔🤔🤔🤔🤔🤔🤔🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺🥺

هالة الذكرى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-08-21, 02:32 PM   #3167

أماني محمود عبد الواحد

? العضوٌ??? » 473254
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 58
?  نُقآطِيْ » أماني محمود عبد الواحد is on a distinguished road
افتراضي

هو النهاردة فيه فصل ولا ايه

أماني محمود عبد الواحد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-08-21, 02:41 PM   #3168

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,966
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

نيمو العسل في فصل اليوم باذن الله

Ektimal yasine متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-08-21, 03:01 PM   #3169

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف التاسع والثلاثون
======
*بنفسجي*
======

في صالة البيت الساحلي تقف ديمة مكانها تغزل على النول بحماس منفعل كأنها تقاوم هذا الصراع داخلها بكل قوتها..
صوت هدير البحر من الخارج يثير خوفها فتكتم شهقات بكائها وهي تترك ما بيدها لتغلق النافذة ثم تشد ستارها بقوة كي لا تسمع..
لكن الصوت يدوي في أذنيها أكثر كأنه ينبعث من داخلها..
البحر.. القارب.. الدم..

يرتجف جسدها بدموع تكتمها وهي تعود للنول تحاول أن تعيد الغزل لكن طوفان الماضي يجرفها من جديد..
أناملها ترتجف بعصبية وهي تقاوم بكل طاقتها لتخذلها دموع خوفها في النهاية!
لكن..
زخة عطر!
زخة عطر تفوح جوار عنقها مع شعورها بكفه على كتفها لتلتفت نحوه بلهفة..
الرائحة المميزة تداعب أنفها فتتذكر ما قاله لها يوماً عن هذا العطر بالذات..
ابتسامة يعرفها قلبها ولا تصل لشفتيها وهي تستعيد كلماته عن هذا العطر الذي سماه (عطر الأمان)..
لا تعرف من أين أتته الفكرة وهل هي من نصائح كنان أم لا..
لكن ما تثق به أنه كل مرة يجد أثره في روحها كلما تشبعت به حناياها..ليكون لها حقاً عطر الأمان!
تأخذ نفساً عميقاً مغمضة عينيها كأنما تتخذ منه درعاً تقاوم به هواجسها!

_لماذا أغلقت النافذة؟!
يسألها بحنان قلق وهو يمسح بقايا دموعها لكن جرحها النازف يجعلها ترد بتحفز مفاجئ لم تملكه:
_كنت تدعي النوم؟! كنت تراقبني خلسة؟! تخاف أن تؤذيك المجنونة من جديد؟!

تقولها وهي تبتعد بعصبية لتعطيه ظهرها لكنه يدير كتفها نحوه وقد بدا متفهماً لهذه الانفعالات ليرد بهدوء:
_لا أراقبك خوفاً منك بل عليكِ.. ظننتنا تجاوزنا هذا منذ زمن!
_لا.. لم نتجاوزه.. ليس قبل أن تسمع.. قبل أن أحكي.. أصرخ بكل هذا الذي يشتعل في قلبي..
تهتف بها بانفعال ولا تزال تبتعد بحركاتها العصبية..
لكنه يجزيها عن البعد قرباً وهو يتحكم في انفعالاته بقوة يحسد عليها قائلاً:
_وما يمنعك؟!

تتوقف مكانها فجأة لتشتعل حلقة الزعفران في عينيها كأنما أضرمت في روحها النيران..

_ما يمنعني؟! ما يمنعني؟!

تتمتم بها مراراً بشرود بدا وكأنه عاد يلتهم كيانها كله قبل أن تتلفت حولها لتشير بسبابة مرتجفة نحو مرآة بعيدة..

_تريدين أن أبعدها من هنا؟!

يسألها بقلق حذر لتهز رأسها نفياً وهي تتمتم بخفوت كأنما تكلم نفسها :
_سأفعلها! .. أنا قوية كما كان يقول جدي.. قلبي يعرف خريطة كنز سكينته كما تقول هالة.. الشمس لا تنطفئ كما تقول أنت.. سأفعلها.. سأفعلها..

يقترب منها أكثر بقلق ليراها تتحرك نحو المرآة لتتوقف على بعد خطوة منها كأنها تخشى أن تواجه صورتها فيها..
يقف مكانه بتردد بين أن يدعمها أو يتركها لتتخذ قرارها وحدها..
لكنها تلتفت نحوه لتمد كفها إليه!

تغمض عينيها بانفعال وهي تشعر بعناق كفه يمنحها ما تنشده من القوة لتأخذ الخطوة و.. تواجه المرآة!

صرخة قصيرة تطلقها وهي تغطي وجهها لأول وهلة لكنها تشعر به حولها.. يغمرها..
ظهرها يستند لصدره.. ذراعاه يطوقانها ككهف دافئ في ليلة باردة..
خفقات قلبه الداعمة تؤازر خفقات قلبها الملتاعة..
رائحة (عطر الأمان) لا تزال تهدهد خوفها..
أنامله تلملم شعث شعرها.. وروحها..
وهمسه القوي مثله.. الحنون مثله.. يسري في أذنيها كنهر من عسل :
_أنا معك.

أناملها تنزاح عن وجهها ببطء لتميز عيناها صورتها..
صورتها وحدها منذ زمن بعيد..
لا.. ليست وحدها.. هو معها.. خلفها..أمامها.. داخلها..
حولها!

هل هكذا صار يبدو شكلها؟!!
منذ متي لم تميز ملامحها بهذا الوضوح؟!!

_أنا!

تشير نحو صورة المرآة بسبابة مرتجفة ليرتجف قلبه بتأثر من دلالة كلمتها فيضمها إليه أكثر..

_هذه أنا.. أنا.. وحدي.. دون أشباح..
يسند رأسه على كتفها من الخلف مكتفيا بضمته القوية لها فلا يدري هل يمنحها حرية البوح دون تدخل صورته..
أم يخفي شعوره هو بالذنب.. وبالغضب..
المزيج الغريب الذي لم يعرفه إلا معها!

_أنا.. أنا ديمة ضرغام.. سورية.. اثنان وعشرون عاماً.. ولدت في (...).. أبي هو(...).. وجدي..

يرتعد قلبه في ضلوعه بقوة وهو يسمعها تتمتم بها بهذه الطريقة كأنها طفلة تستعيد هويتها..
تذكر عنوانها بالتفصيل.. اسم مدرستها.. أسماء صديقاتها.. هواياتها.. يختلج صوتها أكثر وهي تحكي عن موت أبيها.. الظروف التي دعتها لترك بلدها..
يختلج صوتها أكثر وأكثر وهي تحكي عن البحر.. موت أمها..
رحلة القارب..
وصولها لمصر..
السجن..تشردها في الشارع.. هالة.. الصعيد.. غازي.. زواجها منه.. محاولتها قتله.. أديم.. السجن من جديد.. حريتها التي زعموا أنهم منحوها إياها..

_كانوا كاذبين.. لم يمنحوني حريتي.. القضبان كانت دوماَ حولي.. البحر لم يكن يوماَ ببعيد.. زرقة موجه كانت دوماً تغرقني.. الدم لم يكن يوماَ ببعيد.. حمرة ألمه كانت دوماً تلوث روحي.. ظننت نجاتي وقتها أن أشبههم.. أن أؤذي كما أوذيت.. أن أجرح كما جُرحت.. وكنت أنت.. أنت الصورة التي غرست فيها كل سنان وجعي.. لهذا.. لهذا..

كلماتها تنقطع بدموعها وأظافرها تنغرس في لحم ذراعيه حولها..
ليشعر بروحه تتفتت مع بقايا اعترافها الذي لم يحتج لسماعه..

_لكنني عندما اقتربت.. وجدت معك هذا الشيء الذي كان ينقصني.. وجدتني أستعيد معك نفسي التي فقدتها هناك.. لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة.. تلك المرة عندما تجرأت أناملك لتمسني.. تمسني بتلك الطريقة .. شعرت وقتها أن غازي عاد.. عاد بكل..

يكز علي أسنانه بقوة وهو يكمم شفتيها بسرعة كي لا تكمل عبارتها..
بركان انفعالاته الآن يوشك أن يطيح بهما معاً وهو يستعيد ما حدث بينهما ذاك اليوم وما تلاه..
فلا يدري هل يلعنها أم يلعن نفسه؟!

لكنها تزيح كفه عن شفتيها لتهتف بانفعال ولا تزال تواجه صورة المرآة:
_لا.. لن تمنعني.. لن يمنعني أحدهم الكلام بعد الآن.. سأتكلم.. سأقول كل ما بداخلي ولن أخاف.. لن أسكت.. لن أخاف..

يرفع وجهه أخيراً ليواجه صورتها عبر المرآة فلا يدري أيهما أكثر انتفاضاً بين ذراعي صاحبه..
كأنهما الآن كتلتان من نار ينذر لقاؤهما بجحيم قريب!!
كل ذرة من كيانه القديم تناديه بالهرب من جديد..
الهرب من كل هذا الذي يجبر نفسه أن يعيشه معها..
لكنه يتذكر وعده لأمه.. ولنفسه..
لا مزيد من الوجوه..
هو وجه واحد.. لها ولسند!!

لهذا يعود ليشدد ضمته الرفيقة لها حتى يشعر باستكانة جسدها من جديد وهي تعود لتحكي..
تحكي عن شعورها العظيم بالذنب الذي يحرمها النوم.. عن إحساسها المتخبط به.. عن حاجتها إليه.. عن خوفها من انتقامه.. من فقده.. خوفها على سند..وخوفها من نفسها..

تنتهي أخيراً لتطلق تنهيدة حارقة كأنما نزفت معها بقايا جرحها..
قبل أن تهمس بضحكة مختنقة كأنما حققت أعظم انتصاراتها:
_أنا.. تكلمت.. حقاً.

شبح ابتسامة يطوف بشفتيه وهو يديرها نحوه..
آلاف القبلات ترسلها روحه لعينيها وإن بقيت شفتاه عاجزتين عن منحها..

فقط أنامله تمتد ليستخرج من جيبه سلسلة بحجر كريم ليلكي لفها حول عنقها ليلبسها إياها هامساً بهدوء خادع لا يفضح كل هذه الفوضى داخله:
_كنت أدخر هذا لهذه اللحظة بالذات.. لحظة تكوني قادرة على البوح.. لا تكتمي وجعك بعد الآن أبداً.. لا تخنقي به روحك.. الآن أعرف أنك وجدت أول الطريق..

أناملها تتلمس الحجر لتقلبه في راحة كفها لتجده يتلون بين الوردي والبنفسجي في إضاءة الغرفة الخافتة ليردف هو :
_اسمه حجر الكونزيت.. تزداد قيمته كلما ازدادت قتامة لونه البنفسجي.. لا ينصح بارتدائه في الشمس كي لا يفقد لونه.. الليل يظهر جماله.. هكذا تدركين أن الظلمة قد تحمل جمالاً تخفيه الشمس.. قد تحمل الأشياء عكس ظاهرها كثيراً.

تبتسم لطرافة التشبيه ولمغزاه وهي تتأمل الحجر الكريم في راحتها للحظات قبل أن تعود لتواجه صورتها في المرآة..
لماذا تشعر بنفسها أجمل؟!
أغلى؟!
أقوى؟!

هل منحها "الكونزيت" المزيد من السحر حقاً أم أن السحر يخصه هو؟!

نظراتها تحيد نحو ذراعيه اللذين عادا يطوقانها من الخلف فترفع أحدهما نحو وجهها..
تراقب هذه الندوب التي ذكرها لها يوماً بدلالتها فلا تشعر بنفسها إلا وشفتاها تنسابان فوق كل ندبة على حدة..
لا لم تكن قبلات..
بل وكأنها تتمنى لو كان ل"مسّة شفتيها" نفس أثر السحر الذي أحدثه فيها هذا الرجل!
نفس الأثر الذي يشفي ندوبه كما يسعى هو في شفاء ندوبها!

وفي مكانه كان يشعر هو بمس شفتيها كجمر وثلج!
لو كان أحدهم أخبره أن رجلاً تشعله قبلة.. وتطفئه قبلة لاتهمه بالجنون..
وهاهو ذا الآن اول من يعتنق الجنون!

_ديمة!

بالكاد تغادر شفتيه بعذاب يخنق حروفه وهو يجبر نفسه على سحب ذراعه منها لترفع إليه عينيها..
يالله..
كيف يمكن أن تكون عينان هكذا متخمتين بكل هذه البراءة.. وبكل هذه الغواية؟!


لكنه ينتزع نفسه من فيض شعوره بها وهو يشيح بوجهه في صمت قصير لفهما..
قبل أن يصله همسها :
_كيف أجعلك تعود لتحب صورتك في المرآة مثلي؟!

فيلوح طيف ابتسامة علي شفتيه وهو يعود ببصره نحو صورتهما في المرآة هامساً دون وعي:
_الآن أفعل.

_حقاً؟!
تسأله بعينين متسعتين وزرقة عينيها تعده بفيض يغدق ولا يغرق..
حلقة الزعفران تتسع..تنتفش.. تزهو.. حتى تكاد تحتل زرقة عينيها كاملة..

لكنه من جديد ينتزع نفسه من طوفان مشاعره وهو يتجاوز الحديث لآخر بينما يجذبها من كفها نحو الخارج..

_تعالي.. لا تخافي.. انظري لوجهي ولا تبالي لشيء آخر!


الرمال الناعمة تداعب قدميها الحافيتين فلا تمنحها الشعور بالأمان بل بالخوف ..
الخوف من جديد..
كم من مظاهر ناعمة أخفت وخز الشوك في ماضيها !
تعطي ظهرها للبحر فلا تزال عاجزة عن مواجهة طوفانه ..
تنظر لوجهه كما أمرها ..
ورغم شعورها بقوة قبضتيه المحكمتين بأمان على خصرها لكنها تتشبث بقميصه بكل قوتها ..

_تقدمي ..لا تخافي ..تقدمي حتى تشعري بلمس الموج .

طغيانه الحاني لا يزال يجد أثره في روحها ..
تبدو مثيرة للشفقة بكل هذا الرعب الذي يغشى ملامحها وهي تتحرك بظهرها للخلف مستجيبة لدفعاته الرفيقة ..
المزيد من الخوف يشعله ماضيها ..
والمزيد والمزيد من الأمان تمطر به نظراته ..
وأخيرا
تخبو النار ..وينتصر المطر !

تتراجع بظهرها أكثر ولا تزال تنظر في عينيه ..
يوما ما قد تخبره أنها في هذه اللحظة بالذات لم تر سماء ولا شمسا ولا شاطئا ..
فقط حدقتاه تسعان الدنيا بأسرها !

_يمكنك الآن الاستدارة ؟! يمكنك مواجهة البحر ؟!

همسه الحذر يقابل إغماضة عينيها الخائفتين ..
لكنه يمنحها من الصبر ما يكفيها للحظات ..قبل أن تفاجئه بفعلتها وهي تنحني لتحمل في كفيها بعضا من ماء البحر ألقته برفق على رأسه قبل أن تمسد أناملها وجهه ببطء كأنما ترسمه !

يزدرد ريقه بارتباك وهو يشعر بلمساتها تزكي نيرانه فيرمقها بنظرة متسائلة لتهمس بخفوت ولا يزال خوفها الطفولي يخنق حروفها :
_ربما ..ربما ..لن أرى البحر بعد الآن إلا وأتذكر رسم وجهك عليه ..ساعتها ..ربما ..ربما ..لن أخاف .

يغلق جفنيه على دمعة تأثر ترهب كبرياء رجل مثله ليعاود فتحهما بعد لحظات قائلا بصوت متحشرج:
_ربما .

تتلاقى عيونهما بفيض من حديث تكتمه الشفاه ليكون هو أول من يقطعه وهو يديرها ببطء حذر لتواجه البحر ..

شهقتها الوجلة توازي تشبث أناملها بذراعيه وهي تلفهما بخوف حول خصرها رغم يقينها أنه هو الآخر يتشبث بها ..

مشهد الموج الأزرق يغزوها بعنف ليمتزج بحمرة الدم والماضي يعود ليقصف حصون تماسكها ...
البحر ..الدم ..القارب ..!

شهقاتها المكتومة تفضح بكاءها المكبوت فيزيد من قوة ضمها له حتى يكاد يلصقها به...
خفقاتها تعوي في صدره فيهم بالتراجع ..
يمكنه الآن العودة بها لكنه يريدها أن تقاوم ..
أن تواجه ..
أن تنسى ..!

تشعر بضغط ذراعيه على خصرها يخف تدريجيا فتلتفت نحوه بجزع لكنه يقبل رأسها قبلة مطمئنة قبل أن يدفعها برفق ..
قدماها تتشبثان بموضعهما لأول وهلة قبل أن تتجرآ لخطوة !

دفعة منه خلف دفعة ..
وخطوة منها خلف خطوة ..

يحل ذراعيه عن خصرها أخيرا بحذر لتستمر هي في تقدمها البطيء..

الشمس البعيدة تبتسم لها ..
تخبرها أنها أخيرا ستظهر في الصورة ..ربما هذا ما سيغير المشهد!

سيبقى البحر أزرق إنما دون غدر ..
دون دم ..
دون قارب يتوعدها بغربة!

يخفق قلبها بقوة تدفعها للتقدم أكثر وابتسامة دامعة تطوف فوق ملامحها ..
ابتسامة تطرد خوفها وأناملها لا تزال تذكر مذاق ملامحه هو كتميمة أمان كفيلة بطرد كل هواجسها ..
فلتتقدم أكثر ..وأكثر ..

وفي مكانه ظل هو واقفا يتنازعه شعوران متناقضان ..
أحدهما فرحته ب"ابنة قلبه" التي هزمت "صورة الماضي" وتمكنت من تقدمها دونه ..
والآخر ..لوعته وهو يدرك أنها قريبا لن تعود بحاجته ..وأن "صورة الغد" يقينا ستخلو منه .

لكنها تلتفت نحوه من مكانها لترمقه بنظرة طويلة قبل أن تندفع نحوه من جديد لتهوي على صدره كعصفور عاد بعد طول رحلته ل"عشه"!
========














*نيلي*
=======
_عظيم! تقدم ملحوظ.. نشكر صهيب لأنه من أقنعك بالاستجابة للتقنية الجديدة في العلاج.
يقولها بروفيسور "روبرت" وهو يستقبل زهرة في غرفته لترد الأخيرة بصوت منهك :
_لا تبالغ سيدي.. لا تنسَ ماذا كانت مهنتي..مجرد تقدم بسيط لا يذكر.
_بسيط لكنه يكفي كبداية.. لا تفقدي الأمل..
يقولها الرجل بسماحة ليردف وهو يشير للخارج قائلاً :
_صهيب بالخارج يمارس إحدي جلساته النفسية مع المرضى.. يمكنك مشاركتهم..تجربة العلاج الجماعي هذه مثمرة جداً كي لا تستسلمي للعزلة وتدركي أن هناك من يشاركك ظروفك وألمك.

_عفواً.. لا أحب هذا.. سأعود لغرفتي.

تقولها لتغادر الغرفة هاربة وهي تشعر أن مجرد "الأمل" صار يمزقها..
لماذا لا يأتي الموت سريعاً فحسب؟!

_علمت أن لن تأتي ككل مرة.. فجئتك أنا.

صوته المميز خلفها يستدعي ابتسامة ممتنة علي شفتيها رغماً عنها فتلتفت نحوه بنظرة ودود ناسبت مرحها الشاحب:
_تتحدث وكأنني أهرب منك!
_أنت تهربين من الدنيا كلها!
يقولها بعتاب متفهم فتسبل جفنيها ليردف:
_لا أريد الإلحاح لكن صدقيني.. ستكون جلسة جيدة.

تتردد قليلاً لكنها تجد نفسها مدفوعة للسير جواره.. شعورها بالوحدة قاتل.. لقد ظنت أنها ستحب وحدتها مرحبة بالموت.. لكن لحظات الألم التي تقضيها بمفردها أقسى بكثير مما توقعت..
لكن.. ليس هذا هو السبب الوحيد.. ربما رغبتها الأخري في شكره بعدما كان بينهما في آخر لقاء..
لهذا تنحنحت لتقول بخفوت :
_شكراً لأنك نصحتني بالتجربة.
_بل شكراً لك أنت لأنك منحتني فرصة لمساعدتك.
تطرق برأسها دون رد وأسلوبه المهذب يؤتي ثماره في قلبها..
تسير جواره في الرواق المؤدي للحديقة الكبيرة حيث علمت أنهم يجلسون كالعادة يتشاركون أحاديثهم الجماعية..

_هل ستكتفين بالاستماع في الجلسة أم ستشاركيننا الحديث؟!
يسألها باهتمام لترد بفتور :
_لن أكذبك قولاً.. أنا لست متحمسة لأي شيء.. ولولا بداية شعوري بالوحشة من غرفتي لما قبلت المجيئ.
_لماذا كل هذا اليأس؟! بروفيسور روبرت أخبرني أنك تستجيبين لتقنية العلاج الحديثة!
_اليأس أرحم بنا من الأمل.. الأمل مخدر قوي ينتزع منا حذرنا حتى تصطدم أعناقنا بصخور الحقيقة فتتكسر..
يحدق فيها بإشفاق ونظراته معلقة بأناملها التي تتلاعب بسلسلة عنقها الملونة بألوان علم فلسطين..
لتنساب كلماتها دون وعي وشرودها يختطفها لذكرياتها العامرة مع جهاد فتشعر وكأنها عاشت عمراً بأسره بعده :
_يوماً ما اعتنقت "الأمل" هذا الذي تتكلم عنه..سلمت له أمري وأنا أجتهد في دراستي رغم قسوة ظروفي.. وأنا أترك أهلي وبلدي لأسافر لبلد غريب كي أكسب رزقي وأبني - ما ظننته مستقبلي-.. وأنا أمنح قلبي لرجل أحببته بكل جوارحي دون أن أنتظر منه المقابل.. وأنا أتلقى هدايا القدر واحدة تلو الأخرى.. حتى وصلت لقمة ما تدعوه "الأمل" هذا..وأنا أسمع عرض الزواج الذي طالما انتظرته بأفضل طريقة قد تتمناها امرأة. . وأنا أمتلك أروع ثوب زفاف قد تراه عيني..
تقطع عبارتها بضحكة ساخرة مكتومة تشبه البكاء وهي تكتف ساعديها مردفة:
_تعلم أين يستقر ثوب الزفاف هذا الآن؟! يرقد هنا في خزانة ملابسي ك" كفن" يعد نفسه لعناق الموت معي.. ترى أين أوصلني الأمل يا سيدي؟!

لكنه يصدر همهمة متفهمة وهو يسألها بحذر :
_هو كان نذلاً؟! تخلى عنك بعد علمه بمرضك؟!
_لا! حاشاه!
اللهفة الحمائية التي تتحدث بها عنه ترسم ابتسامة على شفتيه لتزدرد هي ريقها بارتباك مردفة:
_هو لا يعلم.. أنا من أعفيته من مشاق طريقي.. هو يستحق الأفضل.
_ولماذا قررتِ الاختيار عنه؟! هل هو قاصر؟! لماذا حرمتِه حق البقاء معك ولو كانت أيامك الأخيرة كما تظنين؟!
_أنا عشت كل هذه المراحل من قبل مع خالتي رحمها الله.. رأيتها كيف تذوي وتذبل.. كيف احترق قلبي معها لحظة بلحظة حتى واراها التراب.. وهو رجل عانى الفقد طوال حياته.. هل من العدل أن أترك له جرحاً جديداً؟!
_وهل من العدل أن تحرميه حتى حق المعرفة.. حق القرار.. حق الاختيار؟!

تسبل جفنيها دون رد وهي تكتف ساعديها النحيلين..
ليردف هو بأسف:
_لو كنت مكانه لما سامحتك على إخفاء الأمر أبداً.. لحظة واحدة مع حبيبتي تساوي عمراً بأكمله.. من يدري ما الذي يخفيه الغد ومن سيسبق الآخر للموت؟!

يهيأ إليها أن صوته يختنق رغماَ عنه في عبارته الأخيرة فترفع إليه عينيها بترقب لكنها تبتسم عفوياً وهي تميز الطفل الصغير الذي ظهر فجأة عند الممر المؤدي للحديقة والذي ركض نحو صهيب..

_بابا!
_ابنك؟!
تهتف بها بود وهي تتفحص ملامح الصغير التي بدت لها عربية مختلفة عن ملامح أبيه ليرد صهيب بإيماءة رأس فيما يتناول الصغير كف زهرة ليقبله بخفة قائلاً:
_شفاكِ الله وعافاكِ.

تنحني زهرة كي تقبل وجنته لكنها تترنح مكانها فتستقيم واقفة وهي تخفي شعورها بالدوار.. هذا الذي يتفهمه صهيب وهو يحمل صغيره بنفسه ليرفعه إليها.. فتربت على رأسه بحب وأناملها ترتجف برهبة..

إلى هذه الدرجة افتقدت تواصلها مع البشر؟!
لماذا لا تعود لغرفتها الآمنة فحسب؟!

لكن صهيب يقرأها في نظراتها فيصرف الصغير نحو الحديقة بكلمات مرحة.. ثم يلتفت نحوها قائلاً:
_معاذ.. ابني.. أحضره معي هنا أحياناً.
_لا تخاف عليه؟!
تسأله ببعض الدهشة ليلمع حزن غامض في عينيه وهو يرد بخفوت:
_مماذا؟! هو معتاد على هذا من وقت طويل.. على العكس هو يحب المكان والنزلاء وبالذات الأطفال منهم.
_لو كنت مكان أمه لما وافقت على حضوره لهنا.. لماذا تصفع طفولته بقسوة الواقع هنا!
تقولها باستنكار رقيق ليرد بابتسامته المتفهمة:
_هي لا تعترض..على العكس تعرف قيمة دورنا هنا.. هي فهمت منذ زمن بعيد غاية العيش.. هي التي علمتني أن دورة الحياة لا تكتمل إلا بالأخذ والعطاء.. لولاها هي لما كنت أنا وهو هنا.
_هل تأتي معك إلى هنا هي الأخرى؟!
_كانت تفعل.. لكن ظروفها تمنعها الآن.

يقولها ببساطة وقد وصل بها للحديقة حيث ارتصت بعض الكراسي في شكل دائرة حول منضدة صغيرة زينها معاذ الصغير بالزهور الملونة وبعض الصناديق المغلقة التي بدت كهدايا..

تتوقف زهرة مكانها وهي تراقب زملاءها من النزلاء في حالات تشبهها وربما أشد قسوة..
بعضهم تساقط شعر رأسه كله.. وبعضهم لم يعد يقوى على المشي إلا بصعوبة.. لكنهم بدوا في ابتسامتهم و صيحات مرحهم مع صهيب والصغير كأنهم قد نسوا معاناتهم..

يبدأ معاذ في توزيع زهوره و هداياه البسيطة عليهم قبل أن يركض إليها بصندوق صغير مغلق ليسألها:
_لن تجلسي؟!

تكاد تجيبه بالنفي وهي تشعر بالخوف أكثر!
الجو حولها يثير الأمل.. الأمل الذي صارت تخافه!
هي بالكاد تكيفت مع فكرة النهاية فلماذا تعود لنقطة الصفر؟!
فلترجع لغرفتها فحسب تنتظر الموت دون تذمر!

لكن الصغير يجذب كفها ليشدها برفق نحو الجمع هناك فتستجيب خطواتها مرغمة..
تجلس مكانها بتردد وهي تتحاشى نظرات الجميع مطرقة برأسها..
كم تحب هذا الوقت من النهار.. عند العصر قبل الغروب بساعة أو ما يزيد..
تحب هذا الشعور براحة "منتصف الطريق" بين أمل سعي الشروق وحزن نهاية الغروب..
ربما لهذا رفعت عينيها للسماء حولها بشجن..
من رحمة الله أن السماء لا تغيرها غربة.. ولا تعترف بحدود وطن..
تظللنا جميعاً دون تمييز!

تسمع صهيب يعرفها بهم فتعرف الدماء طريقها لبشرتها الشاحبة وهي تشعر بالخجل الذي أذابته عباراتهم المرحة ببساطتها..
تراه يتخذ مجلسه بينهم ليبدأوا جلستهم التي ظنتها في البداية مجرد محاضرة مملة..
لكنها وجدت نفسها تنجذب لحواراتهم.. أحزانهم التي يسردونها دون محاذير.. آلامهم.. مخاوفهم.. آمالهم..
ورغم معرفتها المحدودة بالألمانية لكنها كانت تسعفها قليلاً هاهنا فتتسع عيناها مع حكاياتهم التي يسردونها بانطلاق لتشعر بالمزيد من الاندماج معهم..
تستمع لنصائحه إليهم فتبتسم ابتسامة باهتة لهذه الحكمة التي يتحدث بها والتي يمزجها بمرحه فتجد طريقها لقلوبهم..
ابتسامة اتسعت رويداً رويداً مع شرودها وأناملها تنسحب رغماً عنها لتتحسس سلسلة عنقها بدبلته..
(أنت بدربك في جهاد.. وأنا بحبك في جهاد)
تراه لا يزال على دربه كما هي على حبه في جهاد؟!


_ابتسامتك جميلة.

تسمعها بصوت معاذ الذي يقولها بالألمانية ثم يكررها بالعربية فتلتفت نحوه لتعانق ملامحه بعينيها دون كلام..
لو كانت بطبيعتها لعانقته وأشبعت وجهه تقبيلاً لكنها لا تزال تخشى هذا الاختلاط الذي يفتح باب الأمل..
تغمض عينيها بقوة لكنها تشعر بالصغير يلف شيئاً ما حول معصمها فتفتحهما بسرعة لتتسع عيناها وهي تميز ما يفعله..

_سمعت أمي تقول أن النساء يعشقن اللؤلؤ.. وأبي أخبرني أنك تحبين علم فلسطين.. فصنعت لك هذا.

تملأ الدموع عينيها وهي تميز هذا السوار المطاطي البسيط من اللؤلؤ والذي تضافر مع شريط قماشي بألوان علم فلسطين..
فتتخلى عن كل حذرها وهي تجد نفسها تعانق الصغير بقوة ليبادلها العناق بدوره وهو يردف بابتسامة تشبه ابتسامة أبيه:
_هكذا أعرف أن الهدية أعجبتك.

ابتسامتها تمتزج بدموعها وهي ترفع عينيها نحو صهيب الذي رمقها بنظرة راضية وهو يشير لها بكفه قائلاً بمزيج حنانه وحزمه المدهش:
_دورك يا زهرة.. ما الذي تحبين الحديث عنه؟!

أنياب اليأس الباردة توشك أن تقضم روحها من جديد فتقف مكانها بوهن وهي تهم بالعودة لغرفتها لكن الصغير يربت على كفها برفق فتحين منها التفاتة لمعصمها حيث تستقر هديته تلوح لقلبها براية من أمل..
راية حركها بعض النسيم لتنفرج شفتاها بتردد قبل أن تتخذ قرارها لتعاود الجلوس و تشاركهم الحديث عن أكثر ما صارت تحتاجه بقدر ما تخشاه..
الأمل!
======








=======
*فرنسا.. آنسي*
======
_هاهي ذي.. لارا!

تهتف بها يولاند بلهفة وهي تنتفض واقفة مكانها في المطعم وقد لمحتها من بعيد قادمة مع إيلان.. ليزدرد جهاد ريقه بتوتر لا يعرف سببه..
بل يعرفه وينكره!

هل هو ضيقه من إيلان ذاك الذي عرف أنه حبيب يولاند القديم وأنه يريد منها العودة إليه.. ليس إليه هو فحسب بل ل"كل ما كانت عليه قبل ريان"؟!
هل هو شعوره باليأس الذي يزداد كل يوم هنا وهو يرى الدنيا كلها تتآمر عليه وتضطهده بغير ذنب جناه؟!
هل هي رغبته في الانتقام من ريان؟؟ من كل ما يمثله له من خيانة وغدر وحقارة؟!
هل هو افتقاده لزهرة؟!
الشوق الذي يهلكه قلبه فيه رغماً عنه وهو يشعر بالتيه دونها؟؟
الشوق الذي لم تحرقه لعنات غضبه ولا اتهاماته لها بالخذلان؟!

أم هو افتقاده لجهاد.. لنفسه؟!
ل"راية حقيقية" يرفعها ويدافع عنها بكل يقين حتى يموت دونها..
راية سقطت منه.. أسقطها الخذلان واليأس.. وما عاد يتبين ألوانها وسط كل هذا الزحام؟!!


_شكراً إيلان.. وفيت بوعدك..

صوت يولاند الغارق بفرحته ينتزعه من شروده ليلتفت نحوها بشبح ابتسامة..
هذه هي المرة الأولى التي يراها فيها بهذه السعادة منذ وقت طويل لكنه يقدر تشبثها بما بقي لها في هذا العالم.. شقيقتها..

_لارا!
تقولها لارا نفسها وهي تمد يدها بمصافحة نحو جهاد ليستجيب لها الأخير وعيناه شاردتان في وادٍ غير واديها..
لكنها تضغط كفه قليلاً مردفة:
_التقينا من قبل منذ سنوات.. ألا تذكر ؟!

يلتفت نحوها من شروده ليتفحص ملامحها رغماً عنه.. جمالها الغربي يشبه جمال يولاند.. يولاند القديمة بعنفوانها وقوة عزيمتها.. لكنه يمتزج بلمحة طفولية محببة.. خاصة مع ابتسامتها العصبية التي تظهر غمازتيها العميقتين وهي تهز كتفيها قائلة:
_لا تقل إنك نسيت فأنا سريعة الغضب ولا أتسامح مع إهانة كهذه!

يبتسم بمجاملة فيما تبدو ضحكة يولاند مبالغة فيها وهي تعاود عناق شقيقتها هاتفة بمرح :
_وأنا أشهد على طبيعتك النارية.. تماماً كما أشهد.. على طيبة قلبك.

تبادلها لارا عناقها بعاطفة ليرمقهما جهاد بنظرة راضية..
يعرف أن انفعالات يولاند لا تزال غير متزنة.. كمن تحاول أن تبحث لقدميها المتعثرتين على أرض تستقر فوقها..
تماماً مثله هو!

فيما تعود لارا لمخاطبة جهاد بقولها الذي حمل انفعالاً ظاهراً :
_التقيتك مرة مع يولاند في باريس.. كنا لا نزال أصغر سناً.. يولاند كانت مبهورة بك ويبدو أنها نقلت انبهارها لي.. تعلم كم كانت يولاند شخصية قوية ملهمة.. قبل أن يطفئها صاحبك.

تقول عبارتها الأخيرة بغضب مكتوم رغم المرح الذي حاولت صبغ نبرتها به منذ بداية اللقاء فيتوتر الوضع وقد بدت كلماتها كحفنة تراب ألقيت على شعلة عاطفتها الأخوية منذ قليل..

لكن إيلان يتدخل في الحوار ليبدو أثره القوي على لارا وهو يغمغم ببطء عاتب:
_لارا.. اتفقنا ألا نتحدث في الماضي.

تزم لارا شفتيها بطاعة وهي تهز رأسها ليجلس أربعتهم على المائدة..
يرمقهم جهاد بنظرة ضائعة وهو يشعر بالمزيد من الغربة..
ثلاثتهم يتحدثون الفرنسية ويضطر هو لمجاراتهم فيشعر أنه ينسلخ من هويته أكثر..
لماذا لا يترك كل هذا خلفه؟!
لماذا يصر على البقاء مع يولاند؟!
هل هو مجرد شعوره بالمسئولية نحوها؟! خوفه عليها أن ترتد؟!
إشفاقه على حالها الذي تزيده الضغوط صعوبة؟!
قلقه من إيلان وماذا يريد منها بالضبط؟!
أو لعله..
إحساسه أنها آخر ما بقي له من حياته السابقة التي تبدو له الآن كحلم بعيد؟!

يطرق برأسه وهو يتحسس ميدالية حنظلة التي صارت حبيسة جيبه.. مثلما صار هو حبيس يأسه وخذلانه..
الفارس المشهود فوق جواده.. لا يزال يقع!



_ماذا تشرب؟!

يسأله إيلان بنبرته الودود ليلتفت نحوه من شروده فيردف الأخير بما بدا عفوياً:
_أنا ولارا سنأخذ (...)..أظن يولاند ستحب مشاركتنا.. ماذا عنك؟!
يقولها ذاكراً اسم نوع شهير من الخمور ليلتفت جهاد نحو يولاند بنظرة زاجرة أربكتها وهي تنقل بصرها بينهم ليبدو التردد جلياً على ملامحها..
فتهتف لارا بانفعالها الذي بدا جزءاً من شخصيتها:
_لا تكوني سخيفة.. أعرف أنك تحبين (...) مثلي.. ألا تزعمين أنك تودين العودة بعلاقتنا كما كنا في الماضي؟!

_العودة بعلاقتكما لا تعني العودة ل(أشياء أخرى).. أرجو أن تتفهمي هذا آنستي.

يقولها جهاد بنبرة قوية وهو يكاد يعتصر ميدالية حنظلة في جيبه فتتعلق عيونهم جميعاً بيولاند التي تغتصب ضحكة تبدو شديدة الافتعال قائلة:
_أعتذر.. ليس اليوم على الأقل.. أنا ممتنعة عن الخمور منذ وقت طويل ومعدتي ليست على ما يرام منذ الصباح.

تشيح لارا بوجهها فيما يتبادل إيلان وجهاد نظرة عدائية ناقضت قول إيلان المداهن:
_لا بأس حبيبتي.. غداً تعتادين الرجوع لكل ما افتقدته هنا.

لكن يولاند تعاود اصطناع المرح كأنها تتشبث بما تظنه حبل نجاتها الأخير لتقول:
_جهاد يحب الشاي الأخضر.. وأظنني سأشاركه.. بدأت منذ فترة حمية غذائية سيناسبها.

يعود جهاد ليطرق برأسه وهو يشعر ببعض الانتصار.. ربما لم يستطع دعم يولاند كلياً في موقفها المتذبذب من دينها بعد ما كان.. لكنه لن يتركها لتغرق كلية من جديد خاصة بعد ظهور شقيقتها وذاك اللزج الذي لا يفهم ماذا يريد منها بالضبط!
لقد دعاها "حبيبتي".. تراه يفكر في الزواج منها؟!
وهل تقبل؟!
ولو قبلت.. كيف سيمنعها هو؟!
وهل له السلطة ليفعل؟!

المزيد من الأسئلة تجذبه في دواماتها حتى يصل "المشروب الساحر"!
فتتحول كل فوضاه لسَكينة..كانت يوماً ما تشبهها!
لحن قديم لفيروز يداعب حواسه فلا يدري هل يسمعه حقاً بأذنيه أم تعزفه روحه اشتياقاً لها..
كيف نسيته بهذه السهولة؟!
كيف تبخر حبها المزعوم له في لحظات؟!
كيف خدعه قلبه في "وطنه الثاني" بعدما حرموه" وطنه الأول"؟!

_هل أنت دوماً كثير الشرود هكذا؟!

نبرة لارا المنفعلة تجبره على النظر إليها لينتبه لوجوده معها على المائدة وحدهما بعدما انفرد إيلان بيولاند على المائدة المجاورة فيرمقهما من بعيد بنظرة متحفزة ضائقة تجعل لارا تقول بعينين ضيقتين تتفرسان ملامحه:
_هل تحب يولاند؟! هل تغار عليها من إيلان؟!

يلتفت نحوها بحدة ليرد بعفوية تامة :
_بماذا تهذين؟! يولاند زوجة صديقي.
_كانت..
تقولها لتضغط على حروفها مردفة:
_"كانت" زوجة" من كان " صديقك!

ينعقد حاجباه بالمزيد من الضيق لتهز كتفيها ثم تقترب منه عبر حدود المائدة الفاصلة بينهما قائلة:
_إيلان أخبرني بكل شيء.. لماذا تظنني سامحتها وقررت فتح صفحة جديدة معها إذن؟! والآن أخبرني بصراحة.. ماذا تريد من شقيقتي؟!

يشيح بوجهه دون رد فترق نبرتها نوعاً ما قائلة:
_تبدو من هؤلاء العاطفيين الذين ينفعلون بسهولة ولا يتحكمون في مشاعرهم.. تشبهني في هذا.. وبقدر ما تكون هذه ميزة رائعة لأن طبيعتنا هذه تجعلنا نعيش مشاعرنا بكل عنفواننا لكنها عيب خطير لأننا لا نقف بسهولة عندما تسقط قلوبنا فنسقط خلفها.. أعتذر لو بدوت لك عدائية بعض الشيء.. لكن.. هل تعلم أنني كنت أتتبعك طوال هذه السنوات؟!

يعاود التفاته لها بدهشة حذرة لتزم شفتيها ثم تقول بشرود :
_نحن هنا نعرف عن "علاء الدين" أسطورة الشرق.. اللص اللطيف الذي خطف أميرته على بساط سحري.. أنت كنت في عيني "علاء الدين" اللص الذي اختطف شقيقتي.. ليس لنفسه إنما لصديقه.. عندما التقيتك أول مرة منذ سنوات كنت مبهورة بك مثل يولاند.. حتى أنني كنت أتعجب لماذا أحبت ريان وتركتك أنت؟! كنت شبه واثقة أنها أحبته لأنها ظنته نسخة منك.. لهذا لا تتعجب لو أخبرتك أنني طوال هذه السنوات لا أحقد على ريان بل عليك أنت.. لا تتعجب لو علمت أنني كنت أتتبع أخبارك بل و حسابك الالكتروني باهتمام.. أنت الساحر الغريب الذي حرمني من شقيقتي كل هذه السنوات وتمنيت لو أعرف أين يكمن هذا السحر الذي جعلها تنقلب على كل شيء وتتركنا خلفه..

يزداد انعقاد حاجبيه وهو يشعر بنبرتها العاطفية تناقض الحقد الظاهر في حروفها خاصة عندما التفتت نحوه من شرودها لتردف:
_لهذا أسألك وأرجوك أن تجيبني بصراحة.. ما الذي تريده من شقيقتي؟! لماذا لا تتركها وشأنها؟!

_لأنها تحتاجني.. لأنني أشعر بمسئوليتي عما حدث لها.. لأنني أخاف عليها .. ولأنني حقاً أعتبرها أختي.. ليست لدي عائلة.. وعائلة يولاند كانت ما بقي لي.. لهذا لن أتخلى عنها أبداً.. هل تكفيك هذه كإجابات؟!

يقولها بانفعال عاطفي اكتسب حرارة بركانه الداخلي لتكتسي ملامحها شبه العدائية بالإعجاب رويداً رويداً حتى ينتهي من كلماته فتميل رأسها لتقول بابتسامة رقيقة:
_هكذا أنت كما رأيتك من سنوات.. وعذرت يولاند في تأثرها بك.

يطرق برأسه دون رد وهو يكذب حدسه بالإعجاب الظاهر في عينيها اللتين رغم فتنتهما لا يكاد يميزهما..
كل عيون النساء بعد حبيبته متشابهات..
وحدهما عيناها جنته وناره!






وعلى المائدة القريبة كان إيلان يخاطب يولاند بصوته الدافئ:
_هاهي ذي لارا تقبلت أن تسامحك وتطويا معاً صفحة الماضي.. أنا وفيت بوعدي.. ولا أزال مستعداً للوفاء بالمزيد..يولاند.. هل تسمعينني؟!

يكرر عبارته الأخيرة ببعض القلق وهو يميز شرودها حتى يتبين وجهة عينيها..
ثلاثة أطفال يجلسون جوار أمهم على مائدة قريبة يتشاكسون ويتضاحكون..

تشير نحوهم بسبابتها المرتجفة لتهمس بخفوت والألم يحفر أخاديده فوق ملامحها:
_أولادي نائمون الآن.. ينتظرونني لأوقظهم.. عندما يستيقظون سنشبه هؤلاء.. بل سنكون أكثر سعادة.

لكنه يتناول كفها بين راحتيه ليهمس بحزم :
_لا أريد أن أكون فظاً لكن ليس هكذا تعالج الأمور حبيبتي.. انسي هذا الماضي وعودي لي.. عودي يولاند التي أحببتها.. أعلم أنني خذلتك يوماً لكنني مستعد للتكفير عن ذنبي بأي طريقة.

تسحب كفها منه وهي تجبر عينيها على تجاوز النظر للأطفال لتحدق بهما في الفراغ..

(عودي يولاند التي أحببتها.. أعلم أنتي خذلتك يوماً لكنني مستعد للتكفير عن ذنبي بأي طريقة)

هذه هي الكلمات التي تود سماعها بالضبط!
ليس من إيلان.. بل من ريان!!
ستسمعها!
ستجبره أن يقولها قبل أن تسحق قلبه وتجعله يخسر كل شيء!
ولو دفعت عمرها كله في المقابل!!
لهذا عادت تنظر لإيلان قائلة بحزم :
_لن أعود قبل أن آخذ من ذاك الرجل حقي.. ثأر أولادي.. ثمن عمري الذي ضاع معه.
_ستعودين يولاند.. ستعودين لكل شيء..

يقولها ضاغطاً حروفه ثم يرمقها بنظرة طويلة غامضة لم تفهمها للحظات قبل أن يتناول هاتفه ليريها بعض الصور :
_انظري لهذه الصور..
تمط شفتيها باستياء وهي تتوقع ما سيقوله كعهده القديم منذ سنوات :
_انظري ما الذي وصلت إليه اسرائيل..انظري كيف صرنا مبدعين وملهمين..انظري كيف صارت جنة الله على الأرض.. هذا رائد فضاء اسرائيلي سيحمل في رحلته للفضاء عملة نقدية يهودية يعود تاريخها لاكثر من ألف وتسعمائة عام.. وهذه صورة لباحثين اسرائليين تمكنوا من طباعة ورم قاتل بثلاثة أبعاد يحاكي سلوك الخلايا السرطانية في بيئتها الطبيعية كي يتمكنوا من التغلب عليه بتطوير علاجات ضده..انظري.. ثلاث جامعات اسرائلية من بين أفضل مائة جامعة في العالم.. وانظري لهذه الصور التي..

_إيلان!
تقاطعه بها بصرامة قائلة:
_تعلم كم نختلف في هذا الأمر منذ سنوات بعيدة.. ما حدث لم يغير من مبادئي ضد الصهيونية شيئاً.. أعرف أنك اخترت المعسكر الآخر فلا تحاول إقناعي لأنني لن أحيد عن رأيي..لو كانت مساعدتك لي مرهونة بقبول السفر معك لاسرائيل فأعتذر.. لن أفعل.

تقولها وهي تهم بالوقوف لكنه يمسك كفها بقسوة آلمتها للحظة قبل أن تلين ملامحه وهو يقول :
_لا تزالين متسرعة تلهثين خلف قلبك..تمهلي حبيبتي.. واسمعيني.
تزفر بنفاد صبر ليردف بحماس :
_ الأمور لم تعد كالسابق.. صدقيني.. مستقبلنا الحقيقي معهم.. هي أرض الميعاد والحلم.. تعلمين مدى الصلاحيات التي أملكها أنا كطبيب اسرائيلي؟! تعلمين كم باباً مفتوحاً لي؟!
_وما الثمن يا ايلان؟! ما الثمن؟! دم أبرياء اغتصبنا أرضهم كي نلهث خلف حلمنا المزعوم بوعد الأرض؟!
تقولها بانفعال ليربت على كفها مهدئاً بقوله :
_كان هذا في الماضي.. مضت عهود الدم والحرب حبيبتي.. والأن وقت التعايش.. وقت السلام..
ترمقه بنظرة غير مقتنعة ليتنهد قائلاً بابتسامة كبيرة :
لن أقنعك بالسفر لاسرائيل..لم نعد نحتاج لهذا.. اسرائيل لم تعد لدى العالم - بل و العرب- العدو قبيح الوجه الذي ينبذونه في بقعة بعيدة يزعمون أنها ليست من حقنا.. اسرائيل صارت كياناً قاهراً رغم أنوفهم..العرب هم من صاروا يخطبون ودنا.. حلم السلام الجميل الذي طالما تمنيناه الآن يتحقق .. انظري لهذه الصورة.. انها لأحد أصدقائي وزوجته.. أصرا أن يلدا ابنتهما في بلد (...) العربية لتكون أول اسرائيلية تولد في بلد عربي كشاهدة على عودة السلام بيننا.. انظري لهذه الصور للسياحة الاسرائيلية في هذه الدول العربية.. انظري كيف صارت الأمور طبيعية بين الحكومات العربية وبيننا.. انظري كم هي جميلة جناحات السلام التي صارت ترفرف بنا معا دون تفريق.. العالم يتغير حبيبتي فلماذا تصرين أن تبقي أسيرة الماضي!

يقولها وهو يستعرض لها المزيد من الصور والأخبار عن المزيد من تطبيع الدول العربية للعلاقات مع دولته لتزوغ نظراتها بحيرة وهي تلاحظ الوئام الظاهر لها فتزدرد ريقها بتوتر وهي تختلس نظرة جانبية نحو جهاد الجالس مكانه على مائدته ثم تعود ببصرها نحو إيلان قائلة :
_ما الذي تريده بالضبط؟! ألق أوراقك كاملة.

فتتسع ابتسامته أكثر وهو يلقي عرضه:
_تريدين الثأر من ذاك الوغد.. وأنا أريد أن أقنعكِ بالكيان الصهيوني الذي أفتخر بالانتماء إليه.. فلماذا لا نضرب العصفورين بحجر واحد؟!

تضيق عيناها بتساؤل ثم تتسعان بانفعال وهي تستمع منه لتفاصيل عرضه الذي جعل قلبها يخفق بجنون قبل أن تلتمع عيناها بظفر..
فقط.. لو يوافق جهاد.. ساعتها ستكون الضربة قاصمة بحق لتنال انتقامها من ريان على طبق بارد!
========
_نمت يا ريان؟!
تهتف بها رفيدة زوجته بتذمر وهي تلكزه في كتفه فوق الفراش ليرد بصوت منهك وهو يدفن وجهه في وسادته:
_ساعة واحدة يا رفيدة.. لدي عملية جراحية بعد ساعتين وأريد أن أذهب صافي الذهن.

لكنها تسحب وسادته منه لتهتف بضيق:
_أنا أنتظر عودتك من عملك بفارغ الصبر كي تهتم بي وأنت لا تتحدث إلا عن النوم.

_حرام عليك! أنا بالكاد انام!
يهتف بها بانفعال وهو ينتزع الوسادة منها لتهتف بحدة :
_كنت متفرغاً لي أكثر عندما كنت متزوجاً ب"جوال القطن" تلك! والآن لا تجد وقتاً لتهتم بي؟!!

_فكري قليلاً أبعد من حدود نفسك! أنتِ لا تتصورين كم الضغط النفسي عليّ في المشفى.. كلهم يتحدثون أنني حصلت على صلاحيات منصبي الجديد بسبب وساطة زوجتي بعدما خنت صديقي وكنت سبباً في تركه العمل.. وأريد أن أثبت للجميع صلاحيتي وأنني فعلاً أستحق المنصب الجديد.. لهذا أبحث خلف كل صغيرة وكبيرة في إداريات المشفى بالإضافة لعملي كطبيب..ومع هذا أحاول مجاراة أسلوب حياتك ومشاوير تسوقك وحضور حفلاتك التي لا تنتهي.. لا أنام سوى ثلاث ساعات في اليوم ومتفرقة أيضاً.. وتتحدثين عن إهمالي لك؟!

_هذا هو دورك الطبيعي كزوج.. وليس ذنبي أن "جوال القطن" التي تزوجتها قبلي كانت حمقاء تترك لك الحبل على الغارب كما يقولون.. أنا لم أتزوجك لأدفن نفسي معك حية.. أنت..

تصرخ بها بعصبية فيتأفف بضجر مقاطعاً سيلها الغاضب وهو يضع الوسادة على رأسه مانعاً نفسه من سماع المزيد..
البيت صار قطعة من الجحيم!

وهج خافت من ضميره يتدخل في الصورة.. يجلده بصورة من الماضي لامرأة ضحت بكل ما تملكه لأجله.. خفقة غادرة من قلبه يشعر بها كطعنة نافذة وهو يستعيد مشهد عودته لبيته ليجد يولاند تنتظره مع أولاده وقد أعدت لهم طعاماً دافئاً..
هل كان الطعام وحده هو الدافئ؟!
تلحق به للفراش لتغمره بفيض أنوثتها بعدما تستمع منه لحكايا يوم عمله الطويل.. اليوم الذي ينتهي بقبلاتها وابتسامتها الحلوة..
هل كانت ابتسامتها فقط هي الحلوة؟!

جلدة أخرى من ضميره وهو يتجاوز المشهد لآخر..مشهده وهو يجلس مع جهاد في الحديقة القريبة للمشفى.. يتضاحكان وهما يتشاركان ذكريات الماضي.. هموم الحاضر.. وأحلام الغد..
يواسيه جهاد بمروءته وحماسه الذي كان يبدو خالداً لا ينضب.. كفه الذي كان يرتكز دوماً على كتفه بتلك الحركة الداعمة..
هل كانت حركته وحدها هي الداعمة؟!

يغلق عينيه على دمعة خنقها شعوره بالذنب وهو يشعر بالوحشة!
لا يزال يشعر بذبذبات جسدها الغاضبة حوله حتى وهو يسد أذنه بوسادته..
تماماً كما لا يزال يشعر بوخز ضميره حتى وهو يكاد يقتل نفسه في العمل هرباً من التفكير في خسارته..!!

لا!
لن يخسر!!
لقد سأم تسلط رفيدة عليه!
حتى وليدهما الذي ينتظره يشعر بتجمد قلبه نحوه..
ربما لأنه يذكره بذنب يولاند وأولادهما الذي - رغم إنكاره- لا يزال يجد ثقله في عنقه!!
ماذا يصنع ؟!

زفرة حانقة يكتمها في وسادته وهو يتذكر العرض الذي وصله صباحاً من أحد معارفه..
العرض الذي لا يمكن رفضه كما يقولون..
والذي لا يمكنه قبوله بما تبقى له من أعمدة هويته!!

العمل في مركز طبي شهير في العاصمة بمرتب يفوق أحلامه بكثير..
مشفى كبير يعمل بالتعاون مع مركز طبي اسرائيلي!

كاد يرفض في البداية بصورة قاطعة وقد انتابت جسده قشعريرة رهبة بمجرد ذكر الأمر..
لكنه.. تراجع ليطلب مهلة للتفكير في الأمر!

الطمع الذي لا يريد الاعتراف به مبرراً إياه بالتعقل والطموح!
ربما هي فرصته ليتخلص من تسلط رفيدة!
يعلم أنها ستصرخ في وجهه رافضة الأمر ليس بوازع من أخلاقيات أو دين إنما لتبقى محكمة طوقها على عنقه..
لهذا يفكر أن يخفي الأمر عنها حتى..

مهلاً..!
هل يعني هذا أنه سيوافق؟!!
اسرائيل!!
العدو الذي تربى من صغره على كراهيته!!
الآن يضع يده في يده!!

_ليس في يده!. . هو مشفى يعالج البشر من جميع الجنسيات والأديان.. ما يعنيه هو بجنسية مالكيه أو ديانتهم؟! أنت تقدم عملاً نبيلاً ورسالة سامية.. تؤدي دورك كطبيب دون تمييز.. علامَ يحاسبك ضميرك؟! أنت لا تخالف قانوناً ولا تفعل منكراً!

صوته الداخلى يطغى على ما سواه..
يزيح كل المشاهد التي يجلده بها ضميره فلا يبقي له سوى مشهد واحد..
مشهده وهو ناجح.. متفوق.. له اليد العليا فوق رفيدة التي تتعلم كيف تبتلع لسانها في حضرته وتنظر له باحترام!
ويبدو أن المشهد الأخير منحه بعض الراحة ليرخي الستار على ما تبقى من وعيه وهو يغرق في النوم..

وفي مكانها هبت رفيدة واقفة وقد سمعت صوت شخيره الخافت بعدما انتزعت الوسادة من فوقه لتزفر بحنق وهي تلقيها جانباً..

تتحرك نحو الخارج لتصفق باب الغرفة بعنف غير آبهة بأنه قد يوقظه..
تطالع صورتها في المرآة المقابلة لتلتمع عيناها بتحسر وهي تتحسس جسدها بأناملها..
نظرات إعجاب بفتنتها الظاهرة عبر قميص نومها المغوي.. ثم حنق على تجاهل ذاك النائم له.. حنق يزداد وهي تمسد بطنها بأناملها..

_ما الذي فعلته بنفسي؟!
تخاطب بها نفسها وأناملها تكاد تعتصر حرير قميص نومها بغيظ له في نفسها ما يبرره!!

ريان لم يكن الرجل الأول في حياتها!!
تزوجت قبله مرتين وفي كل مرة كان الأمر يبدو لها ك"ميدالية ذهبية" ستضيفها لدولاب انتصاراتها!
سباق ممتع ينتهي بمكسبها وتجاوزها الشريط الأحمر!
في كل مرة كانت تنجح في طمس صورة النساء اللائي سبقنها لقلوبهم..
لكن.. لماذا تورطت في الحمل هذه المرة؟!
لماذا تركت لنفسها الفرصة؟!
ألأنها كانت ترى في الحمل كذلك سباقاً آخر تريد كسبه أمام يولاند؟!!
غريمتها الحمقاء التي تشعر أنها لا تزال تنافسها على قلب ريان الأكثر حماقة!!

تطلق زفرة ساخطة تحمل في طياتها الجواب وهي تشعر بالمزيد من الغضب..
متى صار ريان الطبيب الوسيم الجذاب الناجح مجرد صورة باردة باهتة من كل الرجال الذين سبقوه؟!

تطلق زفرة أخرى وهي تتحرك قريباً نحو أحد الأدراج لتفتحه ثم تستخرج منه علبة قطيفية فتحتها ليغشي عينيها بريق الخاتم الذي حواه..
الهدية نفسها لا تعني امرأة بثرائها وعلاقاتها.. إنما هي نشوة المغامرة!

أجل.. الهدية وصلتها صباحاً من مرسل مجهول مع باقة من زهورها المفضلة ونوع الشيكولاتة الذي تحبه..ترافقها بطاقة تقول :
(إلى ملكة النساء)

تفتقد الغزل!
الشرارة الأولى التي تنذر باشتعال النار!
رجفة جسدها الملهوفة وهي تترقب "السباق" الجديد!!

تباً لك يا ريان!
بل تباً لي أنا!!
لماذا تسرعت ؟!!

تخاطب بها نفسها من جديد وهي تخبط بطنها بقبضتها بخفة قبل أن تجلس على الأريكة..
تشعر بغثيان الحمل المعهود يكدر صفو مزاجها فتلعن نفسها من جديد قبل أن تفتح حاسوبها المحمول بحثاَ عن رسالة..
حدسها يخبرها أن "صاحب السباق" الذي أرسل هديته سيحاول الاتصال..
صحيح أنها تحب أن تكون دوماً المبادرة باختيار حلبة السباق لكن..
لماذا لا تجرب الجديد هذه المرة؟!
تبحث في صندوق رسائلها فلا تجد بغيتها للحظات وهي تحاول التفكير في هوية "صاحب السباق" الجديد..
مجموعة من الصور تجول بذهنها فتبتسم ابتسامة عابثة وأناملها تتلاعب بطرف قميصها..
تغمض عينيها على خيالات أعجبتها قبل أن تعاود فتحهما بجذل!

لو لم يظهر بنفسه فستثيره ليفعل!

ترمق باب الغرفة المغلق بنظرة استخفاف قبل أن تعود لحاسوبها..
تشغل الكاميرا لتلتقط لنفسها صورة حرصت ألا يظهر فيها سوى وجهها وكتفيها مع تعليق بمقطع من أغنية شهيرة تصف شعورها بالحزن!

تعلم أن ريان سيغضب لو رآها.. لكنها ستمسحها قبل استيقاظه..
ولو علم فستخبره أنها كانت مجرد "خطأ"!

تضع الصورة على حسابها الشخصي.. تنتظر لدقائق بدت لها طويلة قبل أن تطلق ضحكة انتصار وهي تميز وصول رسالة..

_سلامة قلبك من الحزن.. يا ملكة النساء!

تعاود أناملها تلمس طرف قميصها بعبث وهي تدير الشاشة لتقربها منها أكثر..
كي تبدأ.. (السباق الجديد)!
========
_سأوقع العقد اليوم.. هل تسمعينني؟!
يقولها ريان بحذر مخاطباً رفيدة المنشغلة بحاسوبها المحمول كعهدها منذ أيام لتصدر همهمة شاردة..
فيخبط شاشة الحاسوب بحدة هاتفاً :
_انتبهي لما أقول!

تطلق صيحة غاضبة وهي تقف مكانها هاتفة :
_ومن قال لك أنني لا أسمع؟! أنا نصحتك بالحفاظ على منصبك في مشفاك وأنت تصر على هذا العمل الجديد..إذن افعل ما تشاء!

يرمقها بنظرة متشككة وهو يشعر بغرابة تصرفها..
شخصيتها العنيدة المتسلطة لا تتسق وهذه اللامبالاة التي تعامله بها مؤخراً!
لقد ظن أنه سيحتاج الكثير من الوقت ليقنعها بالموافقة!!

_لماذا تنظر إلي هكذا؟!
تسأله بضيق وعيناها تنشغلان بما ينشغل به عقلها.. وقلبها..
"شاشة الحاسوب"!

ليرد وهو يمسك كتفيها بقبضتيه :
_اسمعيني يا رفيدة.. أعرف أننا نتشاجر كثيراَ هذه الأيام.. وأعرف أننا نمر بالكثير من الضغوط..لكن آخر ما أفكر فيه أن تفشل زيجتنا هذه.. أنا متمسك بهذا الزواج وسأفعل أي شيء كي ننجح معاً..

يقولها بعزم حقيقي وهو يمسد بطنها الذي انتفخ قليلاً ليلمح هذه النظرة الغريبة في عينيها..
لقد توقع أن تسعدها كلماته لكنه يشعر بها باردة بين ذراعيه..
لهذا مال علي شفتيها بقبلة خفيفة ليردف بنبرة أكثر عاطفية:
_أنا أفعل كل ما بوسعي كي تفخري بي.. أنت.. وابننا القادم!

هل مطت شفتيها باستخفاف أم أنه فقط يهيأ إليه؟!!

يزداد انعقاد حاجبيه وهو يميز صمتها المريب لكن عينيها تلتمعان فجأة بالسبب الذي لم يعرفه..
اشعار برسالة جديدة على الشاشة!

هذا الذي جعلها تبتسم بافتعال وهي تعانقه قائلة بعاطفة مصطنعة:
_دوماً فخورة بك.. فقط لو تهتم بي قليلاً.

يبتسم لدلالها المعهود وهي تجيد العزف علي أوتار رجولته بآدائها الخبير..
لكنه يبعدها وهو يقبل وجنتها بخفة قائلاً:
_أعرف أنني مدين لك بالكثير.. لكنني أعدك ان أفي بديوني كلها عندما أعود.
يغمزها بها بخفة لتطلق ضحكة دلال مصطنعة وهي تلوح له بكفها مودعة..
تطمئن لإغلاقه الباب خلفه قبل أن تعود بلهفة للشاشة تراقب نتيجة (السباق)!

بينما يستقل هو سيارته ليتوجه نحو المقر المختار للمشفي الجديد والذي هو تعاون مشترك بين مجموعة طبية عربية مع أحد المراكز الطبية الاسرائيلية بهدف تقديم خدمات طبية وعلاجات استشارية في المكان أو عن بعد..
المكان الذي يلقى اهتماماً كبيراً بحكم كونه أول تعاون مع اسرائيل في مظهر معلن صريح للتطبيع.

يقف بالسيارة أمام المبنى الذي بدا شديد الأناقة كما توقع..
ينقبض قلبه بنفور لم يملكه وهو يميز الحروف العبرية التي كتبت بها اليافتة..
لكنه يجبر نفسه على التبسم بسخرية..
مادام الجميع يقبلون الوضع.. فمن هو ليرفض؟!

يترجل من السيارة ليدلف إلى داخل المكان..
عيناه تتسعان بانبهار وهو يميز ضخامة المبنى من الداخل مع كل هذه الشاشات التي تعرض امكانيات أقسامه الداخلية..!
فرصة ثمينة لا يدري كيف سقطت هكذا في حجره دون حول منه ولا قوة!
تراه القدر يكافئه بعد مصابه في أولاده!!
الخاطر الأخير المدلس يطفئ المزيد من وهج ضميره وهو يعود لمراقبة الشاشات بانبهار يتزايد لحظة بلحظة..

_(عيرف توف)!

ومن جديد لا يملك انقباضة النفور وهو يميز التحية باللغة العبرية والتي تعني (مساء الخير)..
يلتفت نحو صاحبها ليهدأ نوعاً وهو يميز ملامح الرجل الودود الذي صافحه بتوقير مرحباً ليردف بالعربية :
_مرحباً بك دكتور ريان.. سعيد للتعاون بيننا.. هل تفضل المرور في جولة في أقسام المركز أولاً..أم توقيع العقد قبل هذا؟!

شعوره بالانبهار بما يراه حوله مع علمه المسبق بقيمة العقد تجعله يرد بلياقة لم تخفِ لهفته:
_اتفقنا على التفاصيل خلال الأيام السابقة.. لا أظنني بحاجة للمزيد.. التعاون معكم شرف لي.

يهز الرجل رأسه برضا وهو يتحرك به نحو المصعد القريب.. يصلان لمكتب الرجل لتصطدم عينا ريان بالراية البيضاء ذات النجمة السداسية الزرقاء والتي استوت مفتخرة بشكل مغيظ على سارية ذهبية جوار مكتب الرجل..

ومن جديد يقاوم شعوره بالنفور وهو يستمع للرجل الذي يجلس أمامه علي مكتبه ليقول ببشاشة ظاهرة :
_فخور جداً بالعقليات المتفتحة مثلك..نحن عانينا كثيراً من الفكر الارهابي المتطرف الذي نشر الحروب بين اسرائيل وجيرانها من البلاد العربية.. لكن آن الأوان أن يتغير كل هذا..

يقولها ليردف وهو يشير لإحدي الشاشات التي تبث صوراً متقطعة :
_هذه مجموعة صور للتعاون المثمر بين حكومتنا وبعض الحكومات العربية..والبقية في الطريق.. السلام بيننا لم يعد خياراً بل ضرورة تفرضها أصول التعايش.. هذا الذي فهمته حكومتنا الرشيدة منذ زمن بعيد.. ونسعى إليه بكل طاقتنا..

يمط ريان شفتيه بابتسامة مجاملة مصطنعة وهو يشعر أن كلام الرجل لا يزيد عما يسمعه من اسطوانات متكررة من أحاديث الساسة..

لكن الرجل يبدو مبرمجا كآلة وهو يشير للمزيد من الصور التي تتابع علي الشاشة :

_هذا مثلا مسجد حسن بك.. واحد من أكثر من اربعمائة مسجد في اسرائيل.. يقع بارتفاعه الشاهق في مدينة تل أبيب-يافا على ساحل البحر الأبيض المتوسط..لا نزال نأمل أن يكون الجيل القادم أكثر تسامحاً مع الأديان.. وهذه صورة لواجهة أحد المحلات الاسرائيلية في رمضان وقد علقت الزينة المميزة للشهر المقدس علي زجاجها.. وهذه صورة من مشهد من عطلة عيد الأضحى المبارك حيث تمتع الفلسطينيون من يهودا والسامرة بنسيم البحر ومياهه الدافئة علي شواطئ تل أبيب.. أما هذا الخبر مثلاً فلن تقرأه في الإعلام العربي عن اسرائيل الانسانية..

يقولها مشيراً لمشهد ما لما يبدو كقافلة إنقاذ وهو يستطرد بتأثر :
_هذان شابان من رام الله وبيت لحم.. جرفتهمت مياه البحر الميت المالحة مسافة كيلومترين ولمدة ثماني ساعات ونجحت طواقم الإنقاذ الاسرائيلية بمساعدة أفراد الجيش والشرطة والمتطوعين والهليوكبتر في إسعافهما ونقلهما للمشفى..

يعقد ريان حاجبيه بشك ليكن الرجل يردف بحرارة:
_جاء في الكتاب المقدس من أنقذ نفساً واحدة كمن أنقذ الناس جميعا.

يزدرد ريان ريقه باضطراب وهو يحاول السيطرة على الصراع بين رهبة نفوره ووهج طمعه..

بينما الرجل يغلق الشاشة أخيراً علي صورة لطفلة منكبة على ما ترسمه ليقول بفخر :
_هذه صورة فتاة عربية ترسم علم بلادها جوار العلم الاسرائيلي لتعكس أجزاء السلام والحب والتعايش الذي تحلم به.. هذه الفتاة تم علاجها في اسرائيل بعد اصابتها في بلدها في اطار مشروع حسن الجوار الاسرائيلي الذي يستهدف مساعدة اهل البلدان العربية المجاورة وانقاذهم في مستشفيات الدولة.. وهذا ما جعل الفتاة تعترف بفضل اسرائيل عليها وهو الذي تعبر عنه في هذه الصورة بكل براءة وحب.

يبتسم له ريان بمداهنة ليردف الرجل وهو يفتح ذراعيه بمودة :
_هذا هو السلام الذي نرجوه والذي سنسعى أن نكمل مسيرته في البلاد المجاورة كلها.. لهذا لك أن تفخر أن تكون جزءاً من هذه المنظومة..الحرب لا تجلب إلا الدمار.. التعايش هو توأم السلام في المنطقة.. أعتذر لهذه المقدمة الطويلة لكنني أدرك المخاوف التي تنتاب من هو مثلك بفعل الأفكار المتخلفة القديمة لهذا وددت لو أطمئنك.

يقولها ليتناول الأوراق من الجوار ليقربها من ريان بابتسامة واسعة..

أنامل الأخير ترتجف ببعض التردد وهو يشعر رغماً عنه بالخيانة..
تباً لهذه الأفلام والمسلسلات القديمة التي أفسدت عقله..
هل سيخرج رأفت الهجان أو جمعة الشوان من الجوار مثلاً يتهمونه بالتواطؤ؟!
أم سيسمع موسيقا وطنية لجنود يعبرون خط بارليف ويستعيدون أرضهم المفقودة؟!
الرجل محق!
مضى هذا الزمن وولى..
السلام الآن هو خيار العقل.. وهو عاقل.. جداً!

يخرس بها ما بقي من تردده وهو يوقع العقد ليناوله للرجل الذي قال بالعبرية :
_(مازال توف) ..( كل هاكافود).

(مبارك.. كل الاحترام)
يفهمها من تعاملاته السابقة معه ليردف الرجل بغرور بدأ يطفو على السطح:
_من الأفضل أن تتعلم العبرية.. ستفيدك كثيراً الفترة القادمة.. قيمة اللغة من قيمة وطنها.. وأظنك تعلم قيمة اسرائيل الآن!

يهز رأسه باستسلام ليقف الرجل وهو يلوح بكفه قائلاً :
_من شروط العقد أنك ملزم بالعمل معنا لعشر سنوات قابلة للتجديد ولا يسمح لك بالعمل في مكان آخر.. أخبرتني أنك تركت عملك السابق؟

يومئ ريان برأسه بالإيجاب وهو يقف بدوره ليهز الرجل رأسه برضا قائلاً:
_لنذهب للقسم الخاص بك كي تتعرف على طبيعة عملك.

يسير جوار الرجل والمزيد من الانبهار بما حوله يطغى على ما تبقى من نفور..

الباب الداخلي للقسم يفتح أوتوماتيكياً ليتم تعقيمهما آليا قبل أن يتقدما للداخل لتتسع عينا ريان بصدمة وهو يميز المعطفين الأبيضين اللذين يتقدمان منه عبر هذه الملامح الحاقدة..

_يولاند! جهاد!

يتمتم بها مصعوقاً وهو يحدق فيهما بذهول لينقل بصره بينهما وبين الرجل الذي بدا هادئ الملامح..
ليهتف بعدها بانفعال حاد وهو يوجه بصره لجهاد :
_أنت! أنت بالذات هنا!!

يهيأ إليه أن وجه جهاد قد استحال لجمرة من نار.. عيناه الزرقاوان تشتعلان بوعيد ترجمته سخريته المريرة بحسرتها وبعبارته التي كانت تظلل صداقتهما القديمة :
_"روق يا ضاوي"! ها نحن ذا التقينا من جديد!


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-08-21, 05:26 PM   #3170

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

حتة قفله نار يانيمو

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:27 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.