آخر 10 مشاركات
زوج لا ينسى (45) للكاتبة: ميشيل ريد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدائلكِ في حلمي (3) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          52 - عودة الغائب - شريف شوقي (الكاتـب : MooNy87 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          605-زوجة الأحلام -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree5716Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-08-21, 10:32 PM   #3061

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي


تسجيل حضور عشان ناكل توووت

ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-08-21, 10:58 PM   #3062

أميرة الساموراي
 
الصورة الرمزية أميرة الساموراي

? العضوٌ??? » 398007
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 763
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » أميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond reputeأميرة الساموراي has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك mbc4
¬» اشجع shabab
?? ??? ~
كن على على ثقة أن الله بسط لك الرزق في أي مكان ذهبت وستذهب اليه
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 55 ( الأعضاء 9 والزوار 46)
‏أميرة الساموراي, ‏أم فروحه, ‏امولة احمدد, ‏ميمو٧٧, ‏هاديةضاهر, ‏basma fateen, ‏رماد قوس قزح, ‏Farah.H, ‏Aysl


أميرة الساموراي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-08-21, 11:00 PM   #3063

هاديةضاهر

? العضوٌ??? » 475412
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 99
?  نُقآطِيْ » هاديةضاهر is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور ومنديلي حدي☺️

هاديةضاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-08-21, 11:38 PM   #3064

بسنت محمود

? العضوٌ??? » 480576
?  التسِجيلٌ » Nov 2020
? مشَارَ?اتْي » 141
?  نُقآطِيْ » بسنت محمود is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور 🚶🚶
لأحلي نيمو ❤️❤️
مش عارفه اجيب عنب اكل عشان فصل العنب 🙈💜
ولا اجيب مناديل عشان لو فيه نكد 😁😂


بسنت محمود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-08-21, 11:54 PM   #3065

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي

لذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 79 ( الأعضاء 18 والزوار 61)
‏ميمو٧٧, ‏د/عين الحياة, ‏dorra24, ‏التوحيد, ‏Aysl, ‏علي9, ‏أم فروحه, ‏نجمة القطب, ‏نوره ام عبدالمجيد, ‏بسنت محمود, ‏n0on11, ‏الاء الصفتى, ‏ام توتا, ‏سميحه سمسم, ‏أميرة الساموراي, ‏Fareeha90, ‏نسيمالحياة, ‏امولة احمدد


ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-08-21, 11:59 PM   #3066

Shadwa.Dy

? العضوٌ??? » 418619
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 627
?  نُقآطِيْ » Shadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond reputeShadwa.Dy has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجيل حضوووووور ❤️❤️❤️

Shadwa.Dy متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-21, 12:07 AM   #3067

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

الطيف السابع والثلاثون
=====
*برتقالي*
======
تراقب طيف ملامحه في نومه جوار مجد بعاطفة هادرة يتخللها قلق عميق لا تسمح له بالظهور في يقظته..
أين أثر القنبلة التي ألقاها؟!
وما سر هذا السكون الغريب حولهما؟!

أنثى العقرب تلك الاستبرق لن تسكت.. بالتأكيد لن تسكت.. شجون الموتورة لن تسكت.. سراب الحمقاء لن تسكت.. عدي المجنون لن يسكت.. العائلة كلها لن تسكت!
هذا البرود مريب.. مريب حد الخطر!

_أراهن أنك تشتمين أحدهم سراً!

يتمتم بها بصوت ناعس وقد فتح عينيه لتوه ملاحظاً شرودها لتلتفت نحوه بشبه ابتسامتها هامسة بعنفوانها الجذاب:
_ولماذا أضطر لأشتمه سراً.. لا مانع لديّ في دس إصبعي في "عين التخين" كما يقولون عندنا في مصر.. مادمت على حق!

يضحك ضحكة قصيرة وهو يعقد ذراعيه خلف رأسه متأملاً سديمه الحبيب في عينيها قائلاً بتهكم:
_حوار شاعري جدا جداً يصلح كبديل ل"صباح الخير"!
ثم يضحك ضحكة مبتورة باستطراده الساخر:
_ويحسدون من يتزوج أديبة!!

فترفع أحد حاجبيها وهي تميل فوقه هامسة بنفس النبرة الجافة المستفزة :
_لولا خوفي من استيقاظ مجد لأريتك المزيد.
_المزيد من ماذا بالضبط؟!
يهمس بها بمكر فلا تدري كيف صار ذراعاه فجأة حول خصرها يضمانها فوقه بهذه القوة لتهمس من بين أسنانها :
_لا تستغل الموقف.. البنت..
ينقطع همسها بين شفتيه وأنامله تثبت رأسها على رأسه في قبلة جامحة بدت كأنها تقاومها للحظات قبل أن تستجيب لها أخيراً بنفس الجموح الذي يحبه..

_هكذا يكون "صباح الخير" حقاً.. صحيح أنه ينقصه الكثير.. وعندما أقول "الكثير" فأنا أعني "الكثير" حقاً.. لكن يكفيني هذا ك"تصبيرة"!

يهمس بها في أذنها وهو يحرر وجهها إنما ليثبته علي صدره متجاهلاً مقاومتها ومردفاً ببطء :
_يوماً ما سأخبرك كم تبدو "لا" منكِ في وضع كهذا أكثر استسلاماً من "نعم".. أكثر استسلاماً وأكثر.. إثارة!

يقولها وهو يضغطها إليه أكثر في ضمة قوية ثم يحررها أخيراً لترمقه بنظرة برية يعشقها وهي تهمس له بنبرة محذرة متحدية كأنما ساءها شعورها بضعفها بين ذراعيه:
_لست رجلي بعد! أظنك تذكر شرطي القديم.
فيرمقها بنظرة ضائقة وكلامها يعيده لحقيقة وضعه هنا ليشيح بوجهه دون رد..
لكنها تتنحنح وقد غلبها شعورها بأمومتها نحوه لتهمس بخشونة ظاهرة :
_وماذا بعد؟! هل سنبقى هكذا نعيش في بيت إلياس؟! ألم تخبرني أنه بصدد توفير بيت خاص لنا؟!
_سيفعل.
يقولها باقتضاب وهو يزيحها عنه برفق ليقبل جبين مجد النائمة بحنان قبل أن يغادر الفراش ليتحرك نحو النافذة القريبة..
فتلحق به وهي تخشى مصارحته بهواجسها.. لتهمس بحذر مخافة إيقاظ مجد :
_لن تذهب للمؤسسة؟!
_أي مؤسسة؟ !
_مؤسسة الأمين؟! هل تملكون سواها؟!
تقولها ببعض الغلظة ليرد بزفرة قصيرة فتردف بعنفوان :
_اسمع! أنا أفهم الأشكال التي تشبه "استبرق" هذه جيداً.. لو شعرت بضعفنا فلن ترحمنا.. اذهب وخذ مكانك.. أنت المجني عليه لا الجاني!
_كيف تتحدثين بهذه البساطة؟! ألا تدركين أي كارثة نحن فيها؟!
_بل أدرك.. لهذا لا يعجبني هذا البرود الذي نعيشه بينما لا نعرف ما الذي تدبره هي لنا سراً! لهذا أنصحك ألا تستمع لنصيحة عمك بالاختفاء عن الجميع حتى تهدأ الأمور.. الأمور لن تهدأ حتى يتضح الصادق من الكاذب.

تقولها بحمية يعذرها فيها.. بل إن عقله يؤيدها فيما تقول.. إنما.. يبقى التنفيذ صعباً..!
هو لا يعرف ما الذي يدور برأس استبرق لكنه يثق أن الجسور بينهما كلها تهدمت.. وأن غريزتها للبقاء ستهزم غريزة أمومتها..

ماذا يفعل؟!
هل يعاود تفجير الوضع من جديد؟!
هل يعاود الجهر بفضيحة للعائلة كلها؟!

_بابا.. ماما..

صوت مجد يصدح خلفه فيندفع نحوها ليعانقها مدللاً إياها وكذلك تفعل طيف قبل أن تهتف مجد برجاء:
_مللت الجلوس في المنزل.. ألا توجد هنا أماكن للنزهة؟!
_أين تريدين الذهاب؟!
يسألها بحنان لتهتف بلهفة:
_سمعت أن هناك شلالاً هنا في العراق.. لم تسبق لي رؤية شلالات من قبل..أريد رؤيته.

فيبتسم وهو يربت على رأسها بكلمته التي تبدو وكأنها تحتكر حنان الكون كله :
_تدللي!
=======
_ما هذا المكان؟!
تسأله طيف بانبهار طغا على طبيعتها الملول وهي تتفحص المكان حولها ليرد يحيى بفخر :
_شلالات "بيخال" .. أجمل الأماكن في كردستان.. رغم أنها ينقصها بعض الاهتمام لكن تبقى بعيني من أجمل ما رأيت.

_رائعة يا "بابا"!
تهتف بها مجد بافتتان وهي تتابع شلالات المياه التي انهمرت من وسط الصخور الجبلية..
زرقة السماء تعانق خضرة الزروع على الجانبين وبينهما يهدر الماء حراً جموحاً بقوة تشبه أهل العراق..
يحيط يحيى خصر طيف بذراعه يضمها إليه ثم يميل على أذنها هامساً بلكنته العراقية القوية :
_كنت أحبها قبلك.. والآن وقد أتيتها معك أشعر أنني أحبها أكثر لأنها تشبهك.. ماؤها المعطاء الجموح الثائر بحرية .. صخورها الجبلية القوية.. نعومة خضرتها البهية.. أنت امرأة كالشلال.. كأنكِ ولدتِ لتعلمي الدنيا كيف يكون الجمال برياً.. وكيف تكون الفتنة بقوة الصخر ونعومة الزهر معاً!

تلتفت نحوه بعينين متوهجتين دون رد.. فقط أحد كفيها يضغط كفه الحر بقوة حانية تشبهها..
والآخر يستند على كتف مجد باحتواء..
كيف تخبره أنه هو الآخر علمها..
علمها كيف يكون الاستسلام ألذ من الانتصار.. كيف يكون العطاء أمتع من الأخذ.. وكيف تكون الغربة آمن من الوطن.. فقط.. مادام هو طرف المعادلة الثاني!
تسند جبينها على كتفه في رد غير منطوق وهي تشعر أنها تود لو تدوم هذه اللحظة للأبد ..؟!
هل هو جمال المكان..؟!
أم هو الخوف الذي تكره ألا تواجهه وهي تتوقع زلزال استبرق؟؟
أم هي حاجتها لهدنة قصيرة لها معه ومع مجد..؟!

هدنة تحتاجها حقاً!

تنقطع أفكارها وهي تميز تعلق بصر مجد بأحد الصبية الذي يتسلق الصخور الجبلية المحيطة بالشلال مع أبيه..
قبل أن تطرق ببصرها في عجز ناظرة لكرسيها!

تظن أنها وحدها من لاحظت لكنه يثبت لها للمرة التي لا تعرف عددها أنه "أب" بالفطرة!

فهاهو ذا ينحني ليحمل مجد فجأة هاتفاً بحنانه المعهود :
_"حبيبة بابا"! ما رأيك لو نتسلق الصخور؟!

تنفرج أسارير الصغيرة وصيحاتها المرحة تحلق حولهما بينما يتحرك ثلاثتهم ليتسلقوا الصخور..

تمد مجد أناملها لتلمس زخات الماء المنهمرة بينما يصعد يحيى بها الصخور تلحقهما طيف وهي تشعر بلذة تجربة كهذه..
يكاد يحيى يتعثر بثقل جسد مجد الذي يحمله لكن طيف تتشبث بصخرتها لتسندهما معاً.. فيغمزها يحيى بمكر هامساً في أذنيها بمواربة:
_كنت أعرف أن هذا الجسد النحيل يخفي أكثر مما يبدي!

ترمقه بنظرة مغتاظة رغم احمرار وجهها خجلاً ليتحول الأمر لسباق فتتقدمهما طيف لتنظر إليه من أعلى قائلة بعنفوانها المعهود :
_سبقتك! هذه إحدى ميزات " الشقا" يا "ابن العز"! لا تستهن بالجسد النحيل!
لكن دورها يأتي لتتعثر هذه المرة فيسندها هو بذراعه الحر بينما الآخر يحمل مجد.. ضحكاتهم تمتزج ليميل على أذنها هامساً بعشق:
_من ذا الذي يستهين بجسد يتلون بين الفصول الأربعة؟! .. يثيرني كالصيف.. يبعثرني كالخريف.. يزينني كالربيع.. وكالشتاء ينبت داخلي الزهر والشجر.. لا أمانع لو تسبقيني دوماً ما دمتِ ستأوين في النهاية بين ذراعيّ!

الخجل "البري" على ملامحها يسفك دم مقاومته!
ثمرة شوكية تثير الشهية وتهدد من يقترب بسنونها!

_بماذا تسرّ لها في أذنها؟! ولماذا لا تفعل المثل لي؟!

تهتف بها مجد بغيرة طفولية فتكتم طيف ضحكتها بينما يميل يحيى على أذن الطفلة كأنه يلبي رغبتها..
لكن مجد تبتعد برأسها هاتفة:
_الاهتمام لا يُطلب!

_بنت! بنت! بدأتِ "حركات النساء" مبكراً!
تهتف بها طيف بمرح حنون رغم خشونة لهجتها الفطرية ليضحك يحيى وهو يضم كليهما لصدره بارتياح..
ارتياح لم يدم كثيراً وهو يسمع رنين هاتفه..

يهبط معهما الصخور من جديد ولم يكد يعيد بمجد فوق كرسيها حتى تناول هاتفه..
إلياس!

يتصل به ليصله صوت عمه الملتاع هادراً بغضب:
_أين أنت؟!
_مع مجد وطيف قرب أربيل.. ما الأمر؟!
يهتف بها بقلق وهو يتبادل النظرات مع طيف التي مدت كفها بحركة تلقائية يعانق كفه بقوة داعمة..
ليصلها هتاف إلياس:
_استبرق تحركت بأسرع مما توقعت.. لقد.. لقد..
يقطع عبارته بتوتر أشعل يحيى ليهتف به بحدة :
_ماذا فعلت؟! انطق!
يصمت إلياس قليلاً ليرد بصوت متحشرج:
_قدمت طلباً لمجلس إدارة المؤسسة اليوم كي يعفوك من أي منصب هنا.. وأرفقت معه صورة من أوراق قضية..
_أي قضية؟!
يسأل يحيى بشحوب ليرد إلياس بانفعال كأنه ما عاد يحتمل المزيد:
_قضية حجر عليك بدعوى الجنون.

يشعر يحيى بالأرض تميد تحت قدميه فيما تعقد طيف حاجبيها وهي تطلق سبة خافتة..
تختطف الهاتف من يحيى لتهتف بشراسة:
_هي المجنونة وأهلها! هبلاء تلك المرأة ؟!! كيف تأتي بفعل كهذا؟! أبسط تحليل dna سيثبت صحة كلام يحيى!
لكن إلياس يهتف بغضب عاجز كاد يشعل الهاتف في يدها:
_هي معها صورة من التحليل بالفعل.. صورة تثبت أن يحيى ليس أخا سراب!

_"بنت ال.. "!
تتمتم بها طيف ممتقعة الملامح لتتبادل مع يحيى نظرات مصدومة لكن إلياس يلقي قنبلته الأقوى:
_ليست هذه هي المصيبة فحسب.. الكارثة أنهم يطلبون إيداع يحيى مصحة نفسية للحكم على قواه العقلية!
=======
_شكرا يا سيد (....).. ما فعلته سيبقى معروفاً لن أنساه.

تقولها استبرق بامتنان عبر الهاتف مخاطبة الرجل المهيب الغامض الذي يرد بمكر :
_تعلمين أنني لا أعترف بما يسمى "المعروف"! هو ديْن! وأظنك تعرفين كيف تردينه.
_أعرف.
تقولها بصوت متحشرج وكفها يتشبث بمقعد رئاستها الخاص في مؤسسة الأمين ليرد الرجل :
_تزوير نتيجة تحليل كهذا مع الاحتفاظ بالسرية ليس أمراً سهلاً.. وكذلك ما تنتظرينه من نتيجة فحص "ابنك" بعد احتجازه في المصحة.. لكنني - كعهدي- أعدك أن تسير الأمور كما ترغبين.. عسى أن تسير الأمور عندك كذلك كما أرغب!

يزداد ارتباك جسدها على "الكرسي" للحظات قبل أن ترد بسرعة خشية إغضابه:
_بالطبع.
_بقي حجر عثرة واحد نحتاج إزاحته.
_إلياس.
_بالضبط! ساعتها تكونين أنت صاحبة الكلمة الأولى.. بما يعني أن نكون "نحن" كذلك..صحيح؟!
_صحيح.
تقولها بآلية مهادنة عبر شرودها ليغلق معها الاتصال بكلمات راضية.. بينما يزداد اعتصارها لكرسيها للحظات قبل أن تمتد أناملها لتتحسس قلادتها في عنقها باسم يحيى..
"ابنها"!
تبتسم بمرارة لم تشأ الاعتراف بها وهي تهمس له كأنها تكلمه:
_لم أخسرك بعد! لا تزال هناك فرصة أن تصدق.. أن تكذب نفسك وتصدقني.. أنا عشت هذا العمر أتعلم كيف أجعل الناس يكذبون أنفسهم.. ويصدقونني أنا!

تنقطع أفكارها وهي ترى باب غرفة مكتبها يفتح بغلظة لتلتفت نحوه بدهشة فيطل منه وجه شجون..
مفعماً بكراهية شرسة وهي تغلق الباب خلفها لتتقدم منها هاتفة:
_تتهمين ابنك بالجنون؟!

تتفحصها استبرق بنظراتها قبل أن تتخير رد الفعل المناسب.. فتنخرط في نحيب مرتفع متمتمة بين دموعها:
_يالله! ماذا فعلت في حياتي كي أستحق عقاباَ كهذا؟! كي أضطر للاختيار بين ابني وشرفي؟! رحمتك بنا يالله! رحمتك بنا!!

تضطرب شجون في وقفتها وهي تتفحصها بدورها قبل أن تندفع نحوها لتنحني فوقها بجسدها متمتمة من بين أسنانها:
_لا تتلوني كالأفعى.. الآن أفهم سر نظرتك التي كانت مشبعة بالذنب كلما رأيتني.. أفهم سر نظرات غيث الغريبة نحوك.. أفهم لماذا رفض زواج يحيى باستبرق.. بل ولا أستبعد أن تكوني أنت من تسبب في قتله في السجن!

نظرة عقرب شرس تلتمع في عيني استبرق للحظة.. لحظة واحدة وقرت في قلب شجون..
قبل أن تكفكف استبرق دمعها وهي تتلفت حولها قائلة بحسرة :
_معك حق! معك حق أن تطعنيني مادام كل الأحبة قد رحلوا وخذلوني.. يحيى وأبوه.. وحتى إلياس.. صرت لقمة سائغة للرائح والغادي.. لن أدعو عليك أن يضعك القدر مكاني فتهجرك سراب وتجربي مرارة فقد الأحبة على الكبر.. بل سأتفهم وضعك.. سامحك الله!

تعود بعدها لتنخرط في البكاء لدقيقة كاملة دافنة وجهها بين كفيها حتى تشعر بعناق شجون المواسي لها فتبتسم داخلها سراً وهي تسمع الأخيرة تهتف بحرقة:
_أستغفر الله العظيم.. أستغفر الله العظيم.. اعذريني! الوضع كله يفوق احتمالي.. سامحيني.. سامحيني..

ترفع عينيها إليه وهي تهز رأسها بمعنى الصفح لتردف شجون برجاء :
_قدّري موقفي.. عدي المجنون يرفض الصلح مع سراب إلا لو هاجر بها لكندا كما يريد.. هو يقتنع برأيك.. أقنعيه أن يصرف نظره عن الفكرة.. أو على الأقل.. لا تشتري منه نصيب سراب.. لو طلق سراب فسيفضحها بزعمه أنه وجدها في غرفة يحيى.. استري ابنتي يسترك الله.

تتنهد استبرق بحزن مصطنع لترد :
_ليست ابنتك وحدك.. يشهد الله أنها عندي في مقام ابنتي كذلك.. لا تحملي هماً.. أنا الآن من سيدير كل شيء بعد مصابنا في يحيى.. أنا.. أنا وحدي..
تخونها لهجتها ليطفو شبح الانتصار على كلماتها الأخيرة فتردف بسرعة:
_لمصلحة العائلة بالطبع.

تبتسم لها شجون بامتنان ثم تعانقها بقوة لتتبدل نظرتها لأخرى غامضة وأناملها تحوم حول رقبة استبرق من الخلف بما بدا كمن يمسك خنجراً يستعد لغرسه!
=======























*أصفر*
=====
_ما الذي أيقظك مبكرة هكذا؟!
يسألها راغب بدهشة وهو يراها جالسة على سجادة صلاتها التي طوتها لتقف رؤى مكانها وهي تخلع عنها إسدال صلاتها قائلة:
_صراخ هيام كالعادة.. لم يعد الأمر يطاق.. حاولت العودة للنوم بعد صلاة الفجر لكن صوتها وهي تصرخ في أولادها أقلق رُبَى..فلم أستطع النوم.. قلت في نفسي أنيم ربى وأصلى الضحى وأنتظر استيقاظك كي أعد لك الفطور.

يقبل وجنتها برقته الخشنة المميزة قائلاً بما يشبه الاعتذار :
_لولا أمي لانتقلت بك من هذا البيت.

لكنها تبتسم وهي تربت على كتفه قائلة بوداعة:
_أنت من علمني أن الهروب ليس حلاً.. لست ضائقة من هيام.. على العكس.. أريد مساعدتها هي وفهمي خاصة بعدما أخبرتني عن تفكيره في تطليقها.. حرام أن يتشرد أطفالهما.

تقولها وهي تتذكر ما أخبرتها به جنة فتعقد العزم عن إخفاء الأمر عليه لكنها..
تتذكر موقفه الأخير مع عملها فتأخذ نفساً عميقاً ثم تقبض بكفها على كفه لتبسط كليهما على صدرها قائلة وهي تنظر في عمق عينيه :
_هل تثق بي بما يكفي؟!
فيرفع أحد حاجبيه بمزيج من مكر ومشاكسة :
_يا فتاح يا عليم! ظننتنا تجاوزنا هذه المرحلة من زمن! هذه المقدمة غير مريحة!

فتتسع ابتسامتها وهي ترفع كفيهما المتعانقين إلى شفتيها فتقبل كفه بقوة هامسة :
_لا تبخل بقولها أبداً.. أحتاج سماعها منك دوماً.

فيضم رأسها لصدره يقبل جبينها بعمق قائلاً:
_لا تشكي بهذا أبداً.. ما بيننا يفوق الثقة بكثير..
ثم يرفع ذقنها نحوه ليقبل "شقه الأثير" مردفاً:
_قولي ما عندك ولا تخافي.
_جنة..
يرمقها بنظرة متسائلة قائلاً:
_صاحبتك القديمة.. ماذا عنها؟!
تشيح بوجهها لتخبره بما طلبته منها جنة آخر مرة لينعقد حاجباه بشدة مع خاتمة كلماتها:
_بالله عليك لا ترفض.. هذا الأمر يعني لي الكثير.. ليس فقط بشأن عزة وهيام.. إنما.. هو دين قديم في رقبتي نحو جنة.. دين يستحق الوفاء.

يطلق زفرة مشتعلة وقبضتاه تشتدان بقوة على كتفيها ليهتف بحدة :
_معنى هذا أن عائلة إيهاب ذاك تخفي ما يشين؟! أخوه ذاك يؤوي رجلاً مخالفاً للقانون مثلاً؟! وإلا ما سعت صاحبتك خلفه؟!
_هي مجرد شكوك.. أنا أثق في نزاهة جنة قبل ذكائها.. ستصل للحقيقة حتماً.. ويسرني لو ساعدتها.. ليس هي فحسب.. فكر في عزة.. هل ستحتمل جرحاً جديداًَ من رجل ثالث؟! سيدمرها الأمر هذه المرة ما لم ننقذها في الوقت المناسب.

تقولها بهدوء حاسم يجعله يشدد ضغط قبضتيه على كتفيها فتردف بابتسامة :
_لا تخف عليّ.. سأكون بعيدة عن الصورة.. أنا حتى لن أقابل عزة.. مجرد مكالمات تليفونية.. كنت أريد فعلها على أي حال كي أصلح بينها وبين هيام.. ما يضيرنا لو استزدنا بمنفعة إضافية؟!

_لا!
يكاد يهتف بها حاسمة مدفوعاً بقوة خوفه عليها لكنه يكتمها في حلقه!!
لو كانت هي حاربت "نفسها القديمة" لتكون بهذه القوة والرغبة في المواجهة ومد يد العون للجميع..
فهو الأولى بأن يحارب نفسه كذلك ويمنحها شعور الثقة الذي تحتاجه..

لهذا يطرق بوجهه دون رد في إشارة تفهمها هي دوماً منه بالموافقة..
فتضحك ضحكة قصيرة وهي تمد ذراعيها لتعانقه بقوة هامسة :
_شكراً لأطيب رجل في الدنيا!

يرفع سبابته في وجهها بوضع تحذير وهو يهم بالحديث لكنها تسبقه وهي تخشن صوتها مقلدة لهجته:
_لن تفعلي شيئاً دون علمي.. ستخبريني بكل التفاصيل أولاً بأول.

فيبتسم وهو يخبطها بخفة على رأسها هاتفاً بخشونة:
_بالضبط! هكذا تعجبينني!
تبتسم بدورها لكن ابتسامتها تتجمد على شفتيها وصراخ هيام من الخارج يعلو من جديد ليتمتم راغب وهو يخبط كفيه ببعضهما:
_كان الله في عونك يا فهمي! حظه أن عمله يستدعي غيابه عنها أغلب الوقت وإلا كان قد جن.
_سأصعد إليها بعد قليل.. ربما أفلح في تهدئتها.. وبعدها سأهاتف عزة كما اتفقنا..
تقولها بوداعتها العذبة فيقبل جبينها باعتزاز هامساً :
_تأسرين القلب بطيبتك يا "ليمونية"! لا حرمني الله منك يا "ست البنات"!
======










*أخضر*
======
_حبيبي..
تهمس بها بأكثر نبراتها إغواء لتراه يفتح لها ذراعيه..
تركض نحوه بلهفة ليعدو إليها بدوره..
يرتدي سروال بحر قصير تبدو منه ساقاه الرياضيتان..
يصل إليها ليحملها فتقفز متعلقة بعنقه قبل أن يركض بها نحو الموج القريب الذي تبتلعهما أمواجه..
تعانق عينيه..أنفه.. شفتيه الضارعتين باعتراف حب..
تلامس خصلات شعره الناعمة فيضمها إليه أكثر لينساب غزله الدافئ نهراً من عسل في أذنيها..
فخرها يغلب خجلها وهي تلصق نفسها به أكثر تهمس باسمه في هيام:
_إيهاب..
_لست إيهاب..
تتسع عيناها بذعر وهي تميز هذا الوشم على أعلى ذراعه.. وشم الكوبرا.. لتشهق بهلع وهي تدفعه عنها بقوة قبل أن تشعر بالموج يجرفها لتصارع الغرق وحدها..

_عزة.. عزة..استيقظي!

صوته القلق بحنانه المعهود يخترق أذنها لتفتح عينيها وهي تنتفض مكانها..
الجدران الخانقة.. الفراش الذي يزف خيباتها كل ليلة..
ورائحته هو..
رائحته التي ما عادت تميز فيها عبق "كريم الحلاقة" القديم.. اندثر تحت عطر نفاذ آخر صار يزكم أنفها..

_لا بأس. لا بأس أنا بخير.. مجرد حلم..
_حلم أم كابوس؟!
_لا فارق الآن بينهما.. لا فارق!

تغمغم بها بكآبة وهي تخفي وجهها بين كفيها فيعاود سؤالها بقلق وهو يزيح شعرها عن وجهها :
_ماذا بك؟! ألن تخبريني؟!

فترفع إليه عينين صارختين بالحسرة والعتاب..

_لو لم تكن لي حبيباً.. فعلى الأقل أعد لي صديقي.

ودت لو تصرخ بها في وجهه..
لو تهز بها جسده الذي فقد "سمنة" كانت تكرهها واكتسب بدلاً منها هذا الزيف الذي تمقته..
لو تهتف به أنها تموت..
تموت اشتياقاً للبوح.. للكلام.. للصراخ.. للبكاء على كتف توقن أنه لن يردها خائبة..
لكنها بطبيعتها الخضراء تستسلم لجبن ترددها ف.. تسكت!

تغادر الفراش بحركة آلية وهي تتوجه نحو خزانة ملابسها القريبة فتنتقي أحد ثيابها لتشعر به خلفها..
ذبذبات تردده تصلها..
تلتفت فجأة ليلتقي وجهاهما عبر هذا القرب..

ألف سؤال وأكثر تتراشقه نظراتهما..
وألف جواب وأكثر يعجز عنه اللسان!

_أنت رجل مثير جداً! أي سر تملكه خلف عينين خطيرتين كهاتين؟! وأي جاذبية تخفي.. هذه.. الثياب ؟!

يتذكرها كما سمعها من بتول في أولى لقاءاتهما التي لا يدري كيف استجاب لها.. ولا كيف تكررت بعدها..
تستعيدها "أذن رجولته المنقوصة" كما سمعها منها وقتها.. حارة.. متباطئة.. مغناجة.. شغوف.. راغبة..
ورغم أنها حاولت وقتها إضفاء المهنية على لقائهما تارة زاعمة أنه مجرد اجتماع عمل رغبة في حلقة جديدة.. أو البساطة تارة أخرى زاعمة أن شخصية بشهرتها تفتقد لصداقة رجل بعقليته..
لكن" الرادار" العاطفي له كرجل لم يخطئ تأويل نظراتها ولا الوعود غير المنطوقة التي منحتها حركات جسدها المدروسة.

لماذا يتذكر هذا الآن؟!

"طفل كبير" داخله يشعر الآن بالذنب.. يود لو يرتمي بين ذراعي حبيبته فيخبرها أنه نادم على تلك اللقاءات..
لكن.. هل هو حقاً نادم؟!
كيف و" ريش رجولته" ينتفش كطاووس متبختر بينما يتذكر تفاصيل مقابلاته معها؟!
كيف وهو وقتها كان لاهثاً خلف نظرات الناس حوله تحسده على صحبتها؟!
كيف يعجز الآن عن فهم نفسه وهو لا يدري..
هل يخون عزة حقاً؟!
أم أنه فقط يستعيد بعض قوته وثقته في نفسه لأجلها؟!

_عيناك دامعتان!

همسها الجزع ينتزعه من شرود أفكاره فينتبه لحاله وهو يغتصب ضحكة مختنقة.. أنامله المرتجفة تضم جسدها إليه برفق مع قوله:
_حساسية الجيوب الأنفية مع تشغيل التكييف مأساة!

يكذب!
تعرف أنه يكذب!
تود لو تصرخ به أنها تفتقده!
أنها لم تشعر في حياتها بالوحدة كما هي الآن!
بالخسارة كما هي الآن!
والأدهى أنها صارت خائنة!
ولو في حلم!!

لماذا لا تهرب؟!
لماذا لا تترك كل هذا خلفها وتمضي؟!
ألا تزال تتشبث ب"بقايا" ما تظنه مكسباً؟!

برودتها بين ذراعيه تروعه!
يمكنه وصف نفسه بالاستقامة فيما يتعلق بشأن النساء عدا بعض العلاقات العابرة التي زلت فيها قدمه في فترة شبابه الأولى..
وعندما التقاها لأول مرة منذ ما يزيد علي ثلاث سنوات شعر أنه يتوق لعناق مثل هذا الأن!
جاذبيتها كأنثى في عينيه كانت أقوى من أن يتجاهلها لكنه اضطر لطمسها خلف جدران "صداقتهما" المزعومة..
فأي حرقة تكوي ضلوعه الآن وهو يشعر بصقيع جسدها يجمده؟؟!
ترى لو كانت بتول مكانها..
هل؟!

_اهرب.. اهرب..

نفس الصوت الداخلي اللعين يجتاحه بقوة قاهرة مغالباً قلبه وضميره..
يجبره أن يدفعها عنه برفق ليقول بمرح مرتجف:
_عندي "مشوار" مع خوخة.. نريد شراء هدية لإياد.. عيد ميلاده اقترب.. تعلمين أهمية الموضوع.. جهزي أنت الأخري هدية!

ينعقد حاجباها بشدة قبل أن يتغضن أنفها وهي تميز عطراً غريباً يضخه قميصه على استحياء..
عطر منفر تثق أنها شمته من قبل..
تكاد تهتف بتساؤلها لكنه لا يمنحها الفرصة وهو يتحرك ليغادر..

عيناها تزوغان في الفراغ للحظات قبل أن تتعلقا بظهره المغادر..
تهبطان لموضع ساقه المبتورة خلف سرواله..
قبل أن تغمضهما برفض..
تتوجه نحو الحمام القريب لتغتسل..
تنزع عنها ثيابها أمام المرآة الكبيرة التي احتلت جدراً بأكمله..
كالعادة تشعر بالخجل من رؤية جسدها عارياً - حتى ولو كانت وحدها- كنتيجة طبيعية لأنثى تربت في بيئة متحفظة..
لكنها الآن تجد بعض الجرأة الاستثنائية تتملكها لتتفحص جسدها بعينيها في المرآة..
هذا الذي يزهده الرجال سواء من اختارها بعقله كراغب أو بقلبه كإيهاب..!
تراه حقاً بخساً إلى هذا الحد؟!

تفرد ذراعيها في وضع استعراضي وهي تتمايل راقصة ببطء..
لا تجيد الرقص كما لا تجيد الإغواء..
ثقيلة ك"برميل" ممتلئ بماء كدر ملقى على قارعة الطريق..

"جهزي أنت الأخرى هدية"

تغزو فكرها فجأة كأنما سمعتها لتوها لتشهق بذعر مع هذا الخاطر الشيطاني الذي ضربها كسوط على ظهر انسانيتها..
(ماذا لو وجد هذا الجسد المنبوذ من يشتهيه؟! ماذا لو كانت هي "الهدية"؟!)
======
_تأخرت!
تهتف بها بتول بدلال وهي تفتح له ذراعيها أمام باب بيتها ليزدرد ريقه بارتباك كرهه وهو يميز ما ترتديه قبل أن يدلف إلي الداخل لتغلق هي الباب خلفه..

_هل وصل المخرج؟!

طقطقة شفتيها ذات الدلال تمنحه معنى الرفض وهي تقترب منه أكثر ليشعر بتفاعل جسده معها ثم يقول بنبرة مرتجفة حاول بها مداراة تأثره :
_لماذا تقولين إذن أنني تأخرت؟!

ضحكتها العالية تصيب سهامها في جدار رجولته وهي تقترب منه أكثر.. تغرس نظراتها في عينيه.. تجازيه عن ابتعاد خطواته المزيد من الاقتراب لتهمس أخيراً وهي تبسط راحتيها على صدره:
_لا تدعي الغباء! تعرف أن المخرج لن يحضر.. تعرف أنها كانت مجرد عذر لتأتي إلى هنا..
يشعر بجفاف حلقه وهو يرى كل ما فيها يحاصره..
عندما هاتفته منذ قليل تطلب منه لقاء المخرج لأجل حلقة جديدة كان يشك أنها كاذبة..
لكنه كان يود التأكد..
المزيد من انتفاش ريش طاووس رجولته..
وهاهو ذا يتأكد!

_تعرف أنني كنت أشتاق للقاء كهذا وحدنا.. وتعرف.. تعرف.. تعرف ماذا أيضاً؟!!

سؤالها بهذه الحرارة الشغوف يجعله يشعر بكفيها كجمرتين مشتعلتين فوق صدره..
خفقاته تتعالى كهدير صاخب وأنامله المرتجفة تزيح كفيها عن صدره ليرد ببرود مصطنع:
_لا.. لا أعرف.

_إذن.. نعرف سوياً.

تهمس بها بذات الدلال المثير وهي تجذبه من كفه نحو الأريكة القريبة لكنه ينفض كفه منها برفض واهن..
لتبتسم وهي تكتف ساعديها قائلة بمكر زاد مع دلال غوايتها:
_تريد لعب هذه اللعبة إذن؟! ظننتك من النوع الذي لا يحب تضييع الوقت في مقدمات.. لكن لا بأس.. أنت تعجبني.. من أول مرة رأيتك فيها وأنا أتوق للقاء مثل هذا.. وأنا امرأة لا تعنيها مسميات بل يعنيها هدفها فحسب..

ينعقد حاجباه بقوة وزئير خفقاته يزداد مع استطرادها :
_وأنا أعجبك.. أكثر بكثير من الإعجاب في الحقيقة.. للمرأة حدس لا يخيب في هذا الشأن.. لهذا.. وبمنتهى العملية.. لو كنت تشاركني رغبتي فدعنا نقض ليلة سعيدة يستكشف كل منا صاحبه..

تتبع عبارتها بغمزة ماجنة يتفاعل معها جسده بضراوة لم يعرفها من قبل ليرتجف مكانه رغم الغضب الذي صرخت به ملامحه..

لتردف وهي تشير بعينيها نحو الباب :
_أو لتعتبرني أهذي فتنسى كل ما قلته وتغادر وتغلق الباب خلفك!

تقولها لتتحرك فتستلقي على الأريكة رافعة أحد ساقيها فوق الأخرى لينحسر قميصها أكثر..
وتنحسر مقاومته أكثر وأكثر..

_لن أخون عزة.. لن أخون..

تصرخ بها حناياه دون صوت وهو يعطيها ظهره ليتحرك نحو الباب..
خطوة..
اثنتان..
قبل أن يتوقف مكانه..

_ليست خيانة.. هو مجرد اختبار.. لعلك حين تجتازه تعود بنصر يعوض خيبات كل ليلة معها.. لا تبالغ في التفكير.. اهرب.. اهرب..

_سأنتظر طويلاً؟!

هتاف بتول المغناج يمتزج بتهديد خفي يزيد أثر فتنتها ليلتفت نحوها..
وتكون الغلبة ل"الصوت اللعين"!

لا يعرف كيف استقر جوارها على الأريكة.. كيف امتدت أناملها الخبيرة تغزو حصونه باقتدار..
ريش الطاووس يزهو أكثر..

يشعر بحرارة الهواء حوله تلفح أنفاسه وحركاتها تزداد جرأة..
ريش الطاووس يزهو أكثر وأكثر..

اللحظة التي يخشاها تصفع عقله وهو يختبر أثر رؤيتها لساقه الصناعية ليرفع عينين مترقبتين نحوها لكنها تبدو خبيرة بما تفعله وهي تغمزه بخفة قبل أن تجثو جالسة أمام الأريكة لتقبل ركبتيه العاريتين بشغف حار..

تنكسر نظراته للحظة وهو يتذكر عزة ليلة زفافهما ليغشاه الصقيع فجأة..
لكنها أجادت إشعال حرائقه من جديد وهي تعاود غزوها الخبير..
ليزهو ريش الطاووس أكثر..
ويسقط هو أكثر وأكثر..
======

_لا تزال مصراً على السفر؟!
يسأله إياد بنبرته الجافة التي طالما تنجح في إخفاء مشاعره لكنها الآن تعجز!
حروفه ترتجف كأنها تتشبث بما بقي له من "وتد" أخوة.. ليرد نزار وهو يغلق حقيبة سفره دون أن يلتفت نحوه:
_لابد أن أسافر.. يحيى يحتاجني بعد كل ما حدث.. لا يمكنني أن أترك مجد وحدها بعد ما صار.

يقولها ثم يلتفت نحوه لتلتمع عيناه ببريق دموع حقيقي :
_لن أغيب طويلاً.. من الصعب أن أفارقك بعدما التقينا..
ثم تغلبه طبيعته المرحة فيردف بلكنته العراقية وهو يفتح له ذراعيه :
_يقولونها بالعراقية (الظفر ما يتبرى من اللحم) وتقولونها في مصر (الضفر ما يطلعش من اللحم).. لا تبتئس هكذا.. سأعود.. حتماً سأعود.

فيبتلع إياد غصة حلقه وهو يشعر ببعض الذنب يحاول إحياء رماد روحه..
هل من مصلحة نزار حقاً أن يعود لعالمه هو الأسود؟!
صحيح أنه لم يكن قديساً عندما التقيا من جديد.. لكن عالم "الكوبرا" أشد سواداً.. أشد بكثير!
أحد ذراعيه يود لو يدفعه.. بعيداً جداً عن ظلمة دنياه القاسية..
والآخر يود لو يستبقيه كي يكون له داعماً وسط حرب أمواجه..
وبينهما يقف هو صامتاً بعجز يناظر ذراعي نزار المفتوحتين..
والذي تقدم منه أخيراً ليعانقه بقوة مردفاً:
_اعتن بحالك..ولو احتجت شيئاً أنت تعرف كيف تحضرني إلى هنا بسرعة البرق .. كلمة السر "ح ر ي م"!
يقولها مبتسماً متقطعة الأحرف وهو يرسم بكفيه في الهواء ما يشبه منحنيات أنثى فتلتوي شفتا إياد بشبه ابتسامة وهو يربت على كتفه ثم يودعه ببصره حتى يغادر البيت..

يخرج إياد إلى الحديقة بعدها وهو يشعر بالاختناق..
يرفع عينيه لشرفة غرفة خديجة..
بالتأكيد مفتوحة الأنوار.. لن تنام حتي يعود إيهاب كي تطمئن عليه..
لا يزال يسأل نفسه ذات السؤال كلما رآها على هذا الحال كل ليلة..
كيف استطابت عيناها النوم وهو بعيد عنها طوال هذه السنوات؟!
أليس ابنها مثله؟!
كيف يمكن أن تكون عين أمومتها عوراء إلى هذا الحد؟!

يفتح هاتفه لينعقد حاجباه وهو يميز الصور التي وصلته لتوها من رجله الذي كلفه بمراقبة بتول..
قلبه يخفق بسرعة وهو يقلبها بسرعة حتى يصل للفيديو الأخير الذي يظهرها وهي تفتح باب شقتها.. ترتدي ثوباً يشبه قميص نوم قصير لا يستره ولو مئزر.. وتفتح معه ذراعيها بترحاب حميمي يفضح أنها ليست المرة الأولى للرجل الذي لم يحتج استدارته كي يميز من هو..
قبل أن يدخل ليغلق الباب خلفه!

_رسبت في اختبارك الأخير يا "حبيب أمك" إذن.. لا تلمني إذن على ما سأفعله!

يتمتم بها من بين أسنانه وهو يعاود النظر للغرفة مضاءة الأنوار قبل أن يلفت نظره صوت غريب من خلف الشجيرات الملتفة أمامه..

يتقدم بخطوات حذرة ليراها مستقرة على الأريكة الرخامية المعدة للجلوس أمام المسبح..
عيناه تلتقطان هاتفها المهشم تحت كعب حذائها قبل أن يميز بكاءها الخفيض وهي تدفن وجهها بين كفيها..
عزة!

وفي مكانها كانت هي قد عادت لتوها من جلسة تصوير لأحد حلقات برنامجها..
لم تعد تطيق ثقل هذا البيت على نفسها بين جحيم خيالاتها الذي تحترق به كل يوم أكثر.. لهذا استجابت لإرهاق جسدها لتجلس على أحد الأرائك في الحديقة..
تفتح هاتفها بهوس صار ملازمها.. وقد صارت الشاشة الصغيرة مرادفاً ل"حصاد" العمر!
الحلقة الجديدة ناجحة..
واحدة أخرى تجاوزت مشاهداتها الحد المُرضي بكثير..
لكنها وجدت نفسها فجأة.. تكسر هاتفها!
تدهسه بقدمها مرة تلو مرة!!
هل أصابها الجنون ؟!
أم الزهد؟!
أم تراه شعورها أنها حقاً لا تملك أي شيء!

إيهاب.. لم يعد الفاجومي.. لم يعد عاشقها.. لم يعد صديقها.. لم يعد أكثر من "واجهة إعلامية براقة على الشاشات.. ومجرد ظل باهت يأوي جوارها ليلاً على الفراش!
لقد ظنت أنها تهبط درج التنازلات كي تحتفظ به.. ويحتفظ هو بنفسه لكن الآن.. يخسر كلاهما!

_ماذا تفعلين هنا وحدك؟!

تشهق للمفاجأة وهي تلتفت نحوه لتراه بعينين متسعين لم يخفهما" شبه الظلام" حولهما بينما يتقدم هو ليجلس جوارها مردفاً بنبرته المحايدة التي تصيبها بالحيرة :
_سؤالي يبدو غريبا خاصة وأنت دوماً وحدك.. وحدك حتى وأنت أمام الكاميرات.. حتى وأنت تراضين حماتك بأحاديث تافهة..
ثم يلتفت نحوها مردفاً ببطء :
_ووحدك وأنت مع زوجك.

تزدرد ريقها بتوتر وهي تهز رأسها متظاهرة بالاستنكار لكنه يردف وهو يغرس نظراته القوية في عينيها :
_لا داعي للإنكار.. أنا أفهم هذا الشعور جيداً.. عندما تكونين وحدك تتنفسين غربتك حتى وسط الجموع.

تطرق برأسها دون رد وهي تشعر بالوهن يغزوها..
فلتصعد لغرفتها.. فلتختبئ بفراشها.. فلتحتمِ بخيالاتها..
فلتهرب لجنتها كعهدها..
لكن حديثه يبدو لها أكثر جاذبية من أن تتجاوزه..
ربما لأنه نوعا ما يذكرها ب"الفاجومي" القديم وعهد صداقتهما!

_لماذا تزوجته؟!

يسألها مباشرة لترفع عينيها نحوه..

_لأنني أحبه.

تكاد تهتف بها لكنه يخرسها قبل أن تغادر شفتيها وهو يرفع سبابته في وجهها قائلاً:
_ولا تدعي أنك تحبينه! التعاسة على ملامحك ليست أبداً لعاشقة تزوجت حبيبها! أخمن أنه مجرد شعورك بالذنب نحوه.. صحيح؟!

يتحشرج صوتها في حلقها وهي تشعر بالتيه..
الكلمات تتعثر فلا يتبقى منها سوى همسها الخفيض:
_هو يحبني.

فيصدر همهمة خافتة وهو يعود ببصره للأمام قائلاً:
_أشهد! أعرف أنه يحبك.. لكن هل وحده حبك يكفيكِ؟!

ينعقد حاجباها بضيق وهي تشعر به يعري دواخلها..
لتهتف بحدة :
_يكفيني.

فيلتفت نحوها بنظرة غاضبة مشتعلة كأنها ميزت فيها حريق روحه القديم ..لكنها لم تلبث أن لانت لنظرة أخري مشفقة لم تفهمها وهو يعاود سؤاله:
_وهو؟! هل يكفيه؟!
_ما الذي تحاول فعله؟! ها؟!
تهتف بها بحدة وهي تقف مكانها لتلوح بسبابتها في وجهه.. الأصفر الحيوي يغلب زرقتها :
_لا تظنني غبية لا أفهم سبب إصرارك على قدومنا للعيش معك.. أنت تريد جلد أمك وأخيك.. تريد قتلهما قتلاً بطيئاً بذنبهما معك.. تريد الإيقاع بيني وبين إيهاب كي..

_ولماذا وافقتِ إذن على القدوم معه لبيتي؟!
يسألها بنفس النبرة المحايدة وهو يقاطع حديثها..
شيء بنظرته يخيفها لكنها لا تزال تحتفظ باشتعال أصفرها :
_لأن "الست الأصيلة" مكانها دوماً جوار زوجها.
_والرجل الأصيل.. أين يكون مكانه؟!

نبرته تزداد سخرية.. تزداد مرارة.. تزداد إرهاباً.. وتزداد إشفاقاً..
كل هذا يهزم أصفرها لتعود لزرقة خوفها وهي تتمتم :
_ماذا تريد أن تقول؟!
_أنا لا أريد أن أقول.. أنا أريدك أن تشاهدي..

يهز بها كتفيه وهو يرفع لها شاشة هاتفه..

تتسع عيناها بعدم استيعاب أولاً قبل أن تتحول نظراتها لخوف.. ثم لغضب..

كيف تحولت هذه الظلمة حولها لنور.. بل نار!!

هو إيهاب.. يدخل شقة بتول!
ربما هو عمل..
حلقة جديدة يعدها لها مفاجأة!!
لكنها تجذب منه الهاتف بعنف.. تعيد تشغيله..
مرة تلو مرة..
رائحة العطر الغريبة التي شمتها على قميصه..
الآن تتذكر..
كانت لبتول!
يسقط الهاتف من يدها.. وتسقط معه!

تنهار مكانها جالسة من جديد تخفي وجهها بين كفيها..
خانها!
ترجم زهده في جسدها لخيانة!
كيف وقد كان يزعم حبها؟!
ألم يشفع لها عنده شيء؟!
لهذه الدرجة زهيدة هي في عينيه؟!

تحرشات خطيبها السابق!
ليلة زواجها الأولى براغب وقد تركها ليهرع إلى رؤى!
خيبات فراشها مع إيهاب كل ليلة!!

كلها تدور في حلقات وتدور هي معها!!
سلم التنازلات وصل لنهايته!!
وها هي ذي في القاع!!
كرامتها!
هل تبكي كرامتها فحسب؟!!
الغريب أنها وسط كل هذا تشعر بهذه الوخزة في قلبها!!
وخزة لم تجربها معه من قبل..
وخزة غيرة!!

_أعذرك في صدمتك فيه.. عرفت يوماً ما مثلها.. هذا هو إيهاب دوماً! أناني! لا يعرف سوى مصلحته.. لا يهمه أي قلب سيطعنه في طريقه.. ما يعنيه هو نفسه فحسب!

بكاؤها يتحول لنحيب مرتفع وهي تشعر بروحها تتمزق..
خيالها يرسم لها آلاف الصور لخيانته..
فلا تدري هل تلعن غدره.. أم تنزوي خجلاً من نفسها هي..!!

_اطلبي منه الطلاق..

ترفع عينيها المحمرتين بالدمع نحوه ليردف بنفس النبرة الجامدة التي تفضح قوة لا يدعيها :
_وتزوجيني!

شهقتها المصدومة تبدو كنصل غائر انغرس غدراً في صدرها..
ليست هي فحسب بل ذاك الذي وصل لتوه ليستمع للجملة الأخيرة من الحديث..
إيهاب!
إيهاب الذي توارى خلف أحد الشجيرات والغضب يشعل نيران صدره..
روحه ممزقة بين صراع الدقائق السابقة.. وصدمة ما يسمعه!!

هو ترك بتول في اللحظة الأخيرة!
تركها قبل أن يسبل رداء الخيانة فوقه كاملاً!!
أي قوة احتاجها كي ينتزع نفسه عنها بعدما كاد يصل معها للمحطة الأخيرة!!
ربما هي روح "الفاجومي" الحقيقية التي طغت علي أي قناع!!
لم تعنه صورته في عيني بتول التي أطلقت وصفاً بذيئاً وهي تراه ينتزع نفسه عنها دون أسباب!
لم يهتم بحقيقة إدراكه أنه ليس معتلاً.. أنها فقط أزمة نفسية تخص عزة..
لم يغره المزيد من زهو بريش طاووس مادام قد لطخ بدم الخيانة!!

_اهرب.. اهرب..

لأول مرة منذ الحادث يعصي الصوت اللعين فيهرب حقاً إنما في الاتجاه الصحيح!

لم يدر في خلده أبداً أن يعود ليجد أخاه وزوجته هكذا!

_لا تتصنعي الصدمة.. لا تظنيني كنت غافلاً عن نظراتك المختلسة نحوي.. أنا صورته المثالية في عينيك المتطلعتين دوماً للأفضل.. الصورة الأكثر ثراء.. الأكثر وسامة.. الأكثر كمالاً.. أراهنك أنك كنت تتمنين لو قابلتني قبله..

كلمات إياد تهوي كالمطارق علي رأسه.. تشعل الأرض تحت قدميه..
يترقب ردها..
لكنه يراها تطرق برأسها في صمت..
لتحترق الدنيا في عينيه أكثر..
بينما يرى إياد يقترب منها خطوة مردفاً بنبرته الجامدة التي زينها شبح انتصار :
_لا حاجة لأن أذكر لك مزايا الزواج برجل مثلي.. نظرة واحدة حولك تكفي.. لكنني لا أعدك بأن أحبك.. فما أظنني سأحب امرأة بعد ورد.. لكنني لا أظن هذا سيشكل فارقاً لديك.. أنت تزوجته دون أن تحبيه.. لن يختلف الوضع كثيراً.

ترفع وجهها أخيراً نحوه وهي تشعر بكلماته كصفعة..
صفعة ترمي بها ذليلة في قاع سلم التنازلات!!

ليردف هو بحقد أسود طغا على جموده المعهود :
_ستوافقين! حتى لو رفضتِ الآن متصنعة الاستنكار.. ستوافقين.. سأرد له ضربته. . سآخذ امرأته كما أخذ امرأتي!

لكنه لم يكد ينهِ عبارته حتى شعر بالصفعة على وجهه لتتسع عيناه بصدمة وهو يميز صاحبها!!
=======
يحمر وجهه بغضب وهو يرى عزة تصفعه بهذه القوة التي جعلته يترنح مكانه!
لم يتصور أن القالب الهش الخانع الذي طالما رآها فيه لم يكن يناسب مقاسها الحقيقي!

_كيف تجرؤ على طلب مثل هذا؟! ماذا تظنني؟! ها؟! ماذا تظنني؟! كرة تتقاذفونها بأقدامكم؟! لو كان أخوك ملوثاً بذنب حبيبتك وكانت أمك ملوثة بذنبك وتريد أنت أن تكون ملوثاً بالذنب معهما فلا تجروني معكم في هذه الحلقة.. لا شأن لي بكم.


صرخاتها الهادرة تشعل سكون الليل حولهما ليفاجأ كلاهما بخديجة تتقدم منهما هاتفة بجزع:
_ماذا يحدث؟! ماذا تفعلان هنا؟!

_يعرض عليها الزواج بعد طلاقها مني.

يقولها إيهاب الذي خرج من مكمنه لتشهق خديجة وهي تكمم شفتها بكفها مصدومة..
فيما يتقابل الأخوان بوجهيهما كأنما قد خلا المكان إلا منهما.. ليهتف إياد بجموده الخادع:

_عظيم جداً أنك قد سمعت!

لكن إيهاب يبدو فاقداً لوعيه تماماً وهو يلكم إياد في وجهه صارخاً :
_تضع عينك علي زوجتي أيها الحقير!
يرد له إياد لكمته بقوة أكبر صارخاً بدوره :
_هلا أخبرت "ست الناظرة" أولاً أين كان ابنها البار الخلوق؟!!
يقولها ليلتفت نحو خديجة المذعورة مردفاً:
_كان بين ذراعي المذيعة الفاتنة يمارس هوايته القديمة في تقمص دور الضحية كي يحصل على مراده!

تلطم خديجة وجهها وهي تنقل بصرها بين إيهاب المشتعل وعزة التي بدت كتمثال صخر..
فيمسك إيهاب بتلابيب قميصه بقوة وهو يرجه بين ذراعيه صارخاً :
_وكيف عرفت أنت؟! كيف عرفت؟! إلا إذا كنت أنت من دفعتها في طريقي لتغويني؟!

يدفعه إياد فجأة بعنف فيترنح إيهاب ليتراجع للخلف عدة خطوات بينما يهتف إياد باحتقار :
_كعهدك يا "حبيب أمك"! تجيد ارتداء ثوب البراءة وإلقاء التهم على الآخرين.. لكن ليس هذه المرة.. أنا لم أفعل شيئاً سوى مراقبتك..لم أفعل شيئاً سوى أن أطلعت زوجتك على حقيقتك.. كنت أعلم أن طبيعتك الأنانية ستخذلك ككل مرة.. كنت أنتظر سقوطك كي أرقص على جثتك.

يهز إيهاب رأسه بعدم تصديق ليرد بذهول:
_ما كل هذا الغل؟! ما كل هذا الحقد؟! لم أتوقع أن يبلغ سواد روحك هذا الحد!
_أنا أيضاً لم أتوقع أن تبلغ أنانيتك هذا الحد! الحياة منحتك فرصة لم تمنحها لمن مثلك.. منحتك العمل الجديد.. والمرأة التي تقبلك على وضعك.. فماذا فعلت ؟! خنتها!

يقولها إياد بازدراء ليلتفت إيهاب نحو عزة التي لا تزال تحتفظ بجمودها كتمثال صخري..
حتى دموعها جفت على وجهها..
فقط عيناها كانتا صارختين بالألم!

يندفع نحوها إيهاب ليمسك كتفيها بقوة هاتفاً بين انفعال ورجاء :
_اسمعيني.. افهمي أولاً.. أنا كنت..
لكنها تقاطعه وهي تزيح قبضتيه عن كتفيها قائلة بصوت متحشرج :
_أنت.. "كنت".. فعلاً!

تشحب ملامحه وهو يتفحص ملامحها ليغمغم :
_ماذا تقصدين؟!

طبيعتها الخضراء تكاد تغلبها..
تكاد تبقيها على حافة المنتصف السخيفة من جديد..
لكنها تقاوم.. تتمرد.. تنتفض..
لو لم يكن الآن فمتى؟!!
ماذا بقي كي تخسره أكثر؟!!


_"كنت".. و" لم تعد"!
تهز بها كتفيها وصوتها - رغم حسمه- يختنق بدمع لم تسمح له بالانهمار.. لتردف بصوت ذبيح:
_كنت صديقي.. ولم تعد.. كنت الكتف الذي لم أستنكف أن تبلله دموعي.. ولم تعد.. كنت تعرف كيف تضمني بذراعين لا يخنقانني.. كنت تعرف كيف تفهمني عندما تخذلني كلماتي ويخذلني قبلها صمتي.. كنت آخر حافة تشبث بها كفي قبل السقوط في الهاوية.. آخر شربة ماء تسربت من بين أناملي الظمآنة.. كنت.. كنت.. ولم تعد..

تقولها ثم ترفع كفها بسرعة نحو وجهه كأنها تهم بصفعه هو الآخر لكنها تتوقف في اللحظة الأخيرة لتقول :
_تستحق هذه "الصفعة".. لكنني لن أفعلها.. أنا كنت سببا في بتر ساقك.. وأنت كنت سبباً في بتر هذا الجزء المشع من روحي.. ذاك الذي جعلني أصمد قبلك..وربما خسرته للأبد بعدك.. هذه بتلك إذن! .. واحدة بواحدة كما يقولون.. ما عاد أحدنا مديناً لصاحبه..!
تدمع عيناه بعجز وهو يعاود حصار كتفيها بقبضتيه هاتفاً بانفعال:
_وهل كان ما بيننا مجرد دين؟! أنا أحبك.
_ربما.
تغمغم بها بصوت متحشرج وهي تغرس وجعها في نظراته ليعاود هزها من جديد هاتفاً:
_وأنتِ تحبينني.
يقولها كأنه يستجديها الجواب لكنها تزيح كفيه عن كتفيه قائلة :
_ربما..
يزداد انعقاد حاجبيه اليائس وهو يراها تنزع وشاحها الأخضر بنفسها عن كتفيها لتلقيه في المسبح القريب مردفة:
_لكن الأكيد أن كلينا.. كان.. ولم يعد! ستطلقني دون مماطلة.. هذه المرة أنا التي أطلب.. وأنت ستنفذ.

_عزة.. عزة..

يصرخ بها بانفعال وهو يراها تركض مغادرة البيت ليركض خلفها لكن إياد يجذبه من كتفه ليقف قبالته هاتفاً بعينين ضاقتا بحقدهما القديم :
_دعني أنظر في عينيك الآن.. دعني أرى خسارتك.. تألم.. توجع.. اصرخ.. ابكِ.. اندم..
_ومن قال لك أنني لم أفعل يا غبي؟!!

يصرخ بها إيهاب وهو يخبطه على كتفيه بقوة مردفاً:
_كيف تظن تلك السنوات مرت علي إذن؟! ولماذا تظنني وافقت على القدوم للعيش معك في بيتك؟!
_كي تتباهى بثراء أخيك أمام الشاشات.
يهتف بها إياد فاتحاً ذراعيه باستعراض قاسٍ لكنه فضح ألمه ليصرخ إيهاب بدوره :
_بل لأكون جوارك.. لأجعلك تشعر بندمي.. باحتياجي أن تسمعني.. برغبتي في التكفير عن ذنبي.
_لم يكن ذنباً بل جريمة.. أنت مجرم.. مجرم.. حرمتني منها في آخر أيامها.. أنا كنت الأولى بصحبتها..
يهتف بها إياد وهو يهوي بطرف راحته علي عنق إيهاب الذي كتم ألمه وهو يبتعد بظهره هاتفاً :
_وتتحدث عن الأنانية؟! من بنا الأناني الآن؟! لو كنت تحبها حقاً كما تزعم لفضلتها علي نفسك.. لرأيت أن تتركها لسعادتها مع الرجل الذي اختارته.. لم يكن ذنبي أنها اختارتني.. تماماَ كما لم يكن ذنبي أن أباك نذل هجرته أمي..

_اخرس.. اخرس..

يصرخ بها إياد وهو يندفع نحوه ليكيل له عدة لكمات على وجهه قبل أن يركله إيهاب بقوة بقدمه السليمة في بطنه وسط صرخات خديجة التي وقفت عاجزة لا تصدق هذا الانفجار الحي أمام عينيها..
صرخاتها الملتاعة تدعوهما للتوقف وهي تحاول التدخل لكن كليهما لم يكن يستمع وشيطان كل منهما يرسم للآخر أبشع صوره..
يتبادلان اللكمات للحظات قبل أن تتعثر قدم إيهاب السليمة لتزل فيسقط في المسبح..ليلقي إياد بنفسه خلفه..

_إياد! المسبح عميق..إيهاب ساقه..
تصرخ بها خديجة وهي تركض نحوهما لتقف على حافة المسبح بعجز وذراعاها يخفقان حولها برعب تفضحه أنفاسها اللاهثة..

_اسكتي أنتِ!

يصرخ بها إياد بحقد ولهفتها على إيهاب تلقي المزيد من الوقود على نيرانه..
قبضته تمتد ليقبض على شعر إيهاب فيدفن رأسه تحت الماء مكبلاً حركته بذراعه الحر ومستغلاً عجز ساقه..
لا يرى الآن سوى شعور حرمانه..
الماء حوله يذكره بموج طالما صارعه وحده..
هو المنبوذ الذي أجبروه أن يلتقم دوماً فتات المائدة!
وعندما تجرأ ليعلن عن رغبة قلبه في الحب..
اختطفوا عروسه ليلقوها علي حصان أخيه!!
المزيد من الغضب يجعله يغرس رأس إيهاب تحت الماء أكثر..
فليختنق كما اختنق..
فليتألم كما تألم..
فليمت..
فليمت..

_أخوك يا إياد.. أخوك.. أخوك.. أخوك..

الكلمة تبدو وكأنها تلقي الماء على نيرانه..!!
شيطان حقده يسول له المزيد وهو يشعر بعجز إيهاب في موقف كهذا قرباناً له..
إنما..
"أخوك"!
الكلمة الموجعة.. والشافية.. تباً لها!
يجد نفسه فجأة يرفع رأس إيهاب من الماء ليسعل الأخير بقوة وهو يبدو على وشك الاختناق..
تلتقي عيناهما الدامعتان بغضب.. وعيد.. عتاب.. ألم..

ألم يغلق كلاهما عليه عينيه كأنه فقط ما بقي له!!

قبل أن يدفع إياد جسد أخيه نحو حافة المسبح ليساعده على الصعود..

ولم يكد إيهاب يضع قدميه على الأرض لتحاول خديجة ضمه حتى دفعها برفق ليمشي بخطوات مترنحة غير مكترث ببلل ثيابه كي يغادر البيت دون كلمة واحدة تلاحقه نظرات خديجة الملتاعة..
ابناها.. كاد أحدهما يقتل أخاه!

_ماذا تنتظرين؟!

هتاف إياد الذي خرج لتوه من الماء خلفها يجعلها تلتفت نحوه ليردف وقطرات الماء على وجهه المبتل تشبه بكاءه بين ذراعيها عندما كان صغيراً :

_اركضي خلفه كعادتك واتركيني.

يقولها ليعطيها ظهره كأنه لا ينتظر منها الجواب قبل أن يركض إلى داخل البيت تاركاً إياها واقفة بعجز..

تسأل نفسها السؤال الذي كان ينبغي أن تعرف جوابه من البداية..
(ما الذي يمكنها أن تفعله؟!)
========
تصعد بتول درج بيته المؤدي للسطح بالكثير من الدهشة..
ما الذي يفعله رجل مثله على سطح البيت؟!

تصل لباب مدخل السطح لتلتوي شفتاها بابتسامة إعجاب وهي تميز وقفته الشامخة بينما يعطيها ظهره ويرفع بندقيته للأعلى..
وشم الكوبرا يمنح ذراعه العضلي المزيد من الإثارة..
يبدو لها كواحد من رعاة البقر الذين كانت تحبهم في صغرها..
لماذا هي مفتونة به إلى هذا الحد؟!

يقولون أنه يجيد غسل الأدمغة!
يقولون أن له فلسفة في الشر تقلبه لسحر غامض يخلب العقول!
يقولون أنه أستاذ في التدبير والسيطرة على النفس..
وتقول هي أنه.. هوسها؟!

منذ نجح في استقطابها للمنظمة التي يعمل معها وهي تتمنى لو تصل لقلبه..
أخبرها مرة أن القلب الذي تحبسه ضلوعه لا يخفق إلا كي يضخ الدم..
وأن المشاعر عنده لا تتجاوز نعل حذائه..
لكنه أخبرها كذلك أن له نقطة ضعف واحدة..
فماذا عساها تكون؟!

تعرف أن اللحظة التي ستعلم عنها فيها ستكون لحظتها الأخيرة..
لهذا تخاف المغامرة.. قدر ما تخافه.. وقدر ما هي مهووسة به!

صوت الطلق الناري الذي أطلقه ينتزعها من شرودها ويكاد يخلع قلبها من مكانه فتشهق مكانها بذعر..
ذعر انقلب للكثير من الاشمئزاز وهي تميز الطائر الذي سقط مضرجاً بالدم على الأرض أمامها وقد انفجرت أشلاؤه!

يلتفت نحوها باسماً ليختلج قلبها برهبة..
كيف يمكن أن تجتمع ابتسامة ساحرة كهذه مع فعل بهذه البشاعة؟!
ربما لهذا أسموه ب"الكوبرا"!

_تخافين من منظر الدم؟!

رقته النادرة هذه تسرق خفقاتها لكنها تخيفها أحياناً!
يتقدم نحوها ليمسك كفها برقة.. يرفعه لشفته يلثمه ببطء ونظراته تحتكر نظراتها.. لتهز رأسها بالإيجاب فيعاود لثم كفها ثم يغطي عينيها بكفه فيما بدت لها كحركة بالغة الرقة تستجلب ابتسامتها ثم يتحرك بها حتى ظنت نفسها تجاوزت جثة الطائر..
لكنها تشهق متفاجئة وهي تشعر به يجذب كفها لأسفل حتى تكاد تسقط..
تشعر بالشيء اللزج على باطن كفها تزامناً مع إزاحته لكفه عن عينيها وهو يجبرها أن تغمس كفها في الدم أكثر..

تصرخ باشمئزاز وهي تتلوى مكانها محاولة تخليص كفها منه دون جدوى..
يدهس به بقايا الطير المذبوح لتستمر صرخاتها ورجاءاتها أن يتركها..
يفعل أخيراً لتكتم سباباً ودت لو تطلقه إنما دفنه خوفها بينما تنظر إليه وهو يشرف عليها من علو بنظرة ظافرة..
تمسح كفها الملطخ بالدم في الأرض لتقف تناظره هاتفة بصوت لاهث :
_لماذا؟!
_هكذا كانوا يعلموننا.. اقهر خوفك بالمواجهة..يبقى الإنسان يخاف الدم حتى يخضب به يده فتحوله النشوة لزينة.. القتل.. السرقة.. التعذيب.. كلها مفاهيم لا أخلاقية على الورق.. لكن في الحقيقة هي شريعة الغاب الذي نحيا فيه.. افهمي هذا جيداً كي تصعدي السلم بسرعة.. هذا هو ما جعلني أتمتع بهذه المكانة رغم كوني لست الأكبر سناً.. مهنتنا هذه مهنة قلب ميت.. لا تزالين لا تعرفين كيف تقتلين قلبك.. ولا أمانع أن أعطيك المزيد من الدروس.

الحكمة الهادئة التي يتحدث بها تناقض فحوى ما يتحدث عنه..
ربما هذا ما يميزه..
أنه يجيد التعايش مع تناقضاته..
لهذا ينجح في "العالميْن" اللذين ينخرط في كل واحد منهما بكل ما فيه فلا يكاد يصدق أحدهم أن هذا الرجل هو ذاك!
خفقات قلبها تهدأ رويداً رويداً وهي تشعر به يضمها إليه برفق فتسند جبينها على صدره..

_إيهاب.. رفضني!

تهمس بها ببعض الخزي وهي تخشى رفع وجهها إليه ليرد بنبرة هادئة :
_التفاصيل يا عزيزتي.. تعلمين كم يضايقني هذا الاقتضاب!

تتأوه بخفوت وضمته تعتصرها فجأة بقوة آلمتها لكنها تبدو معتادة على شذوذه القاسي فينساب لسانها بذكر تفاصيل ما كان بينها وبين إيهاب..

تنتهي أخيراً لتطلق آهة عالية وضمتها تعتصرها حد طقطقة ظهرها..
يتلذذ بإيلامها.. والأسوأ أنه علمها أن تتلذذ به مثله!

يحررها أخيراً فترفع عينيها إليه بترقب هامسة :
_أنا فعلت ما بوسعي.

_لا بأس.. سنجد حلاً آخر.
يتمتم بها بشرود وهو يعطيها ظهره ليعاود تناول بندقيته فتتنحنح لتسأله بتردد :
_لماذا طلبت مني فعل هذا؟!
_إياد لا يزال يحمل بذرة الخير داخله.. ودوري أن أعرف متى أستغلها لتنبت.. ومتى.. أدفنها!

يقولها ببروده الجامد لتغمغم بوجل:
_لا أفهم..

يصمت قليلاً وهو يبحث عن صيد مناسب في السماء ليرد بعدها :
_إياد له نقطتا ضعف.. أخوه إيهاب وأمه.. صحيح أنه ينكر عاطفته نحوهما.. لكنني أعرف عماذا أتحدث.. لو استطعنا ليّ عنق أخيه فسنضمن أن نلوي عنقه هو كذلك.

_عجباً.. ظننتك.. تحبه!

تتمتم بها ببعض الخوف ليلتفت نحوها بابتسامته القاسية :
_أنا حقاً.. أفعل.. هو يذكرني بنفسي في الماضي..
_لماذا إذن.. ؟!
تقطع سؤالها برهبة ليقترب منها قائلاً :
_ماذا قلنا منذ قليل عن المشاعر و شئون القلب؟!

يقولها وهو يداعب ذقنها بطرف بندقيته فتزدرد ريقها بتوتر وهي تبتعد بوجهها ليردف هو :
_أنا ألقيت الطُعم الزائف لحسام القاضي.. رميت له اللعبة التي تلهيه.. ذاك الفتى نزار.. لكن ماذا لو سبقني بخطوة؟! ماذا لو أوصله نزار لإياد؟! حينها سأكون أنا سابقه بخطوتين.. الخيط يجب أن ينقطع عند إياد..يجب أن يكون محطتهم الأخيرة.. لهذا يجب أن أملك دوماً الحبل الذي ألفه حول عنقه كي أحكم وثاقه في الوقت المناسب!

يقطع حديثه وهو يصوب بندقيته فجأة للسماء فيكاد قلبها ينخلع وهي تسمع صوت الطلق الناري..
طائر آخر يسقط..
يرمقها بنظرة آمرة فتدمع عيناها بقهر وهي تجبر نفسها أن تنحني لتلطخ يدها بالدم..
الرهبة تقل حقاً.. يبدو أنه خبير كما زعم!

_ما هي خطوتنا التالية؟!
تغمغم بها بصوت مرتجف وهي تتفحص ملامح وجهه الغامضة لعلها تستبين شيئاً لكنه يربت على رأسها برقة هامساً:
_لا تتعبي نفسك بالتفكير.. سأخبرك في الوقت المناسب...والآن ارحلي.

_ألا تريدني أن أبقى.. قليلاً؟!
بعض الإغواء يصارع الخوف في نبرتها رغم يقينها أنه لن يفيد معه..
ليبتسم لها هامساً ببرود قاس:
_لو كنت أريد بقاءك لما أمرتك بالرحيل.. يزعجني الغباء عزيزتي ويزعجني دلال النساء أكثر.

تبتلع حرجها وهي تهز رأسها لتعطيه ظهرها متسائلة عن هذه الفوضى التي يزرعها فيها رجل مثله..
والسؤال يفرض نفسه عليها..
هل يعرف عن نقطة ضعفها هي الأخرى؟!
هل يعد لها كذلك الحبل الذي يعرف متى يحكمه حول عنقها؟!!


بينما يراقب هو خطواتها بحذر حتى تختفي عن ناظريه فيرفع عينيه نحو السماء التي مالت شمسها للغروب..
قبل أن ينظر لجثتي الطائرين على الأرض..
ينحني جالساً على ركبة واحدة أمامهما ليهمس كأنهما يسمعانه:
_كنتما تعشمان نفسيكما بالعودة للدار.. الوطن هو الوهم الأعظم.. ربما لهذا تستحقان العقاب..لن تشهدا بعد الغروب فجر.

يتهدج صوته بالاسم الأخير رغماً عنه ليغمض عينيه بقوة..
قبل أن ينهض واقفاً مكانه..
يريد رؤيتها الآن بشدة..
رغبته فيها هي الوحيدة التي عجز عن كبح جماح نفسه عنها!
صحيح أنه حماها أن يلوثها بجسده..
لكنه لا يزال عاجزاً عن إطلاق سراحها..
فلتبقَ لوحته النادرة المحفوظة في متحفها البعيد عن العيون.. عدا عينيه فحسب!

يقضي الساعات بعدها في مهامه المكلف بها باهتمام لا ينسيه موعده معها..
دوماً عند الفجر!

تستقبله الخادمة في البيت المنعزل كالعادة ليسألها باهتمام :
_أعطيتِها الدواء؟!

تهز المرأة رأسها بالإيجاب ليلوح بسبابته في وجهها بنبرته المخيفة:
_لو نسيتِ مرة واحدة فسيكون عمرك الثمن!

تهز المرأة رأسها من جديد موقنة من صدق تهديده..
لا تعرف طبيعة الدواء الذي يصر أن تعطيه دوماً لها..
لكنها تطيعه على أي حال!

_لا تزال نائمة.. هل أوقظها؟!

لا يمنحها الجواب وهو يصرفها بصرامة قبل أن يخلع نعليه كالعادة أمام باب غرفتها الذي يدفعه برفق ليدخل ويغلقه خلفه..
يتقدم نحوها ليراقب ملامحها المستكينة بنظرات فقدت صرامتها لتتلون بعاطفة هادئة..
يقترب أكثر ليميز ثيابها البيضاء.. كل ثيابها بيضاء.. هو يأمرهم دوماً بهذا..
غطاؤها منحسر عنها يكشف عن ساقيها فيغمض عينيه عنهما بسرعة وهو يرفع عليها غطاءها محاذراً أن يمسها..
يجلس على الأرض جوار الفراش يراقب ملامحها بسكون..

_تراكِ تغفرين يوماً لو عرفتِ الحقيقة كاملة؟! لن تتذكري شيئا مادمتِ تتناولين الدواء بانتظام. . أنا أفعل ما بوسعي كي أحميكِ من الذكرى.. أنتِ فجري.. فجري الذي أطمع كل يوم أن أعيش لأراه يبدد ظلمتي.. حتى وأنا أوقن أنها ستغلبه وتعود..

يهمس بها دون صوت وهو يشعر بحدسه تجاه الخطر يخبره أنه يقترب..
حسام القاضي!
هل يلتقيان من جديد؟!

فيوض الذكرى تجتاحه لكنه رجل يجيد التحكم حتى في ذهنه!
لتبقَ حضرتها مقدسة.. مثلها.. خاصة بها وحدها!
لهذا يعاود النظر إليها من جديد يراها تتململ في نومتها.. يتغضن أنفها بهذه الطريقة الساحرة.. تبدو وكأنها تعرفت إلى رائحته..

تفتح عينيها دون جدوى لتهمس:
_أنت.. هنا؟!

_عودي لنومك.. ولا تبالي.. كنت راحلاً على أي حال.

_لن تنتظر لأعزف لك ككل مرة؟!
تهتف بها بلهفة وهي تنهض من رقدتها.. لهفة من لا تجد سواه أملاً في وحدتها ليرد بخفوت :
_ليس هذه المرة.
_لماذا؟!

_أعاقب نفسي بالحرمان أحيانا.
_علامَ؟!
_الذنوب كثيرة وأحمق من يسعى خلف عدها.

إجابته مواربة لكنها تشعر أنها تفهم.. رغم يقينها من أنها لا تعرفه!
غريب!
غريب!
تشعر به يبتعد فتهتف بلهفة:
_لا تتأخر كثيراً.. ستعود؟!

_ولمن سواكِ أعود؟!

يهمس بها بخفوت لكنها تسمعها مكانها فيخفق قلبها بقوة..
هذا الصوت..
هل تتذكر؟!!
تباً!
ذهنها كله مشوش خرب!

يغادر بيتها ليستقل سيارته التي يقودها نحو مكان بعينه يقصده كعهده كلما أراد العودة لحياته "الأخرى"!

يبدل ثيابه لأخرى مناسبة لشخصيته الأخرى.. يغير تصفيفة شعره..
يتحكم حتى في ملامحه ليلبسها القناع المنشود..

يغادر ليستقل أحد المواصلات العامة.. واحدة.. خلف واحدة.. خلف واحدة..
كعهده يجيد التخفي والمراوغة تحسباً للمراقبة!

يصل أخيراً لوجهته حيث ما يفترض أن يكون بيته..
يستقبله أهل الحي بالسلام فيجيب بخنوع اعتاده قبل أن يقصد الورشة المقابلة..
ليتلقفه هتاف راغب المرحب:
_عدت مبكراً هذا الأسبوع.. أجازة مفاجئة أم رفدوك يا.. فهمي!
======

انتهى الفصل السابع والثلاثون


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-21, 12:35 AM   #3068

imy88

? العضوٌ??? » 456123
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 111
?  نُقآطِيْ » imy88 is on a distinguished road
افتراضي

رائع الفصل 👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻👍🏻

imy88 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-21, 12:50 AM   #3069

Mai aboelmaged

? العضوٌ??? » 454989
?  التسِجيلٌ » Sep 2019
? مشَارَ?اتْي » 119
?  نُقآطِيْ » Mai aboelmaged is on a distinguished road
افتراضي

احييه دماغي عامله ايرور و الله 🥺🥺😭😭😭😭

Mai aboelmaged غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-21, 12:58 AM   #3070

redrose2014
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 300444
?  التسِجيلٌ » Jun 2013
? مشَارَ?اتْي » 106
?  نُقآطِيْ » redrose2014 is on a distinguished road
افتراضي

استبرق عملت حساب لابنها بس ما عملت حساب لطيف وعاصي ونزار ....اتمنى نهايتها موجعه

redrose2014 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:45 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.