آخر 10 مشاركات
وَرِيث موريتي(102) للكاتبة:Katherine Garbera(الجزء1 من سلسلة ميراث آل موريتي) كاملة (الكاتـب : Gege86 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          حكاية قلبين (باللهجة العراقية) *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : شوق2012 - )           »          دموع تبتسم (38) للكاتبة: شارلوت ... كاملة ... (الكاتـب : najima - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          533 - مطلوب زوجة وام - بربارة ماكماهون - قلوب عبير دار النحاس ( كتابة - كاملة ) (الكاتـب : samahss - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          323-ضاع قلبها -دارسي ماجوير -(كتابة/ كاملة) (الكاتـب : Just Faith - )           »          جئت إلى قلبك لاجئة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : آمال يسري - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree2Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-12-17, 11:53 PM   #1

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile25 الرحيل ...إليه، للكاتبة / نغم الغروب ، فصحى (مكتملة )




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعضاء روايتي الغالين نقدم لكم رواية

(( الرحيل ...إليه ))

للكاتبة/ نغم الغروب



قراءة ممتعة لكم ......



التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 22-12-17 الساعة 01:12 AM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 18-12-17, 11:57 PM   #2

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

رابط لتحميل الرواية
https://www.rewity.com/forum/t398579.html#post12896014

الرحيل ...إليه


الفصل الأول : غرباء أم رفقاء؟



وصل إلى مشارف المدينة بعد مضي الهزيع الأول من اليل. كان المكان مألوفا تماما له و كان قادرا على استحضار خطته بأصغر تفاصيلها. لكنه رغم ذلك كان قلقا متوجسا. فلو حاد أي شيء عن مساره فمن الممكن أن يضيع تعب أشهر من التخطيط و معه سنوات من الصبر و المعاناة. اتجه نحو الخان الذي اعتاد أن ينزل فيه.كان مكانا متوسط الحال والخدمة، معظم رواده من التجار الصغار و عابري السبيل. خاطب نفسه قائلا :
- أول شيء أضع الجواد في الإسطبل ثم أبحث لي عن فتاة مناسبة.
ترجل عن صهوة جواده و ربت على عنقه قائلا :
- الآن تبدأ رحلتنا بحق يا صاحبي
غادر الخان ليسير في طريق رصّت على جانبيه بيوت غير متناسقة ، في آخره كان هناك مكان متسع و مضيء يتصاعد منه صخب شديد ما بين أصوات الرجال و صهيل خيولهم.
وصل إلى ساحة واسعة تتوسطها حانة كبيرة. كان المكان مجمعا لممارسة جميع أنواع الموبقات من شراب و ميسر و بغاء و حتى القتل أحيانا. تمتم لنفسه بسخرية :
- المكان المنشود لذوي الشرف المفقود
و لعن السبب الذي جعله يتواجد في هكذا مكان و لعن من وراء السبب. تذكرعندما قابل الرجل الثمل في المرة لأخيرة لتي كان فيها هنا و أخبره أن هذا هو أكثر مكان تتجمع فيه بائعات المتعة. شاهد العديد من الفتيات ذوات الضحكات الرقيعة و النظرات الخاوية. تنقلت عيناه بينهن بسرعة و ازداد شعوره بالتوتر حين وجد جميعهن مشغولات. تأفف قائلا :
- يبدو أنني وصلت متأخرا. لم يدر في خلدي أن ساقِطَات هذه المدينة مبكرات في العمل.
أسرع خارجا من جو الخمارة الخانق و قرر أن يمكث أمام المبنى و يصطاد فتاة من غير المبكرات. كان قد بدأ يتململ من الانتظار حين رأى بغيته تأتي من بعيد بخطوات متسارعة. بدت امرأة معتدلة الطول ، ترتدي لباسا فضفاضا. لاحظ أنها كثيرة الالتفات كأنما تبحث عن أحدهم. ما إن راودته هذه الفكرة حتى أسرع يعترض طريقها قبل أن يقتنصها أحد غيره.
- أيتها الفتاة، ناداها بصوت جهوري و هو يسد الطريق أمامها.
أجفلت المرأة و تراجعت خطوتين إلى الوراء. تأملت ثيابه البسيطة ثم رفعت عينيها إلي وجهه ، كان قد أرخى عمامته فتسربلت ملامحه بالظلال. دلتها هيئته على أنه من تجار المناطق المجاورة، غير أن شكل نعليه أثار اهتمامها ذلك لأنها لم تشاهد مثلهما في حياتها. استنتجت أنه ليس كما يدعي، إنه ليس مجرد تاجر بسيط، فلربما كان لصا ، قاطع طريق أو قاتلا مأجورا. أيقظ الخاطر الأخير مخاوف كامنة داخلها فتراجعت خطوة أخرى إلى الخلف و سألته بلهجة متعالية تخفي توترها :
- ما حاجتك أيها الغريب؟
"الغريب" كره الكلمة كما كره الطريقة التي قالتها بها. " فاجِرَة و متكبرة" هكذا فكر في نفسه. لابد أنها حكمت عليه من بساطة مظهره و ظنت أنه لن يستطيع أن يدفع لها ما تريد. قال لها ببطء :
- أنت تعلمين تماما ما أريده منك.
ازداد قلقها و توجسها منه : من هو؟ من الذي أرسله خلفها؟ هل رآها أحدهم و هي تغادر؟ ولكن كيف عرفها و خمارها يخفي معظم وجهها، لا شك أنها مخطئة.
- ليس لدى من هي مثلي ما قد يريده من هو مثلك.
شعر بكل ذرة احتقار تلونت بها كلماتها فأجابها باحتقار مماثل:
- لا تعتقدي أن البضاعة التي تبيعينها أغلي من أن أشتريها. صعدها بنظره ثم أضاف :
- أنت تبيعين أرخص بضاعة على وجه الأرض.
رددت وراءه بعدم فهم :
- البضاعة التي أبيعها هي أرخص بضاعة علي وجه الأرض ؟!
مال نحوها قليلا و أضاف باشمئزاز :
- و كلما زاد عدد المشترين كلما ازدادت رخصا.
"ما الذي يقصده هذا المأفون تساءلت في سرها. و في إجابة سريعة على تساؤلها قال و هو يعقد ذراعيه على صدره :
- عموما لا حاجة لي بجسدك، ما أريده منك هو خدمة أخرى و تأكدي أنك ستنالين أجرك المعتاد و ربما يزيد.
شحب وجهها من الغضب تحت خمارها و شدت على يديها بقوة و قالت له بصوت يرتجف من الغيظ : أنا لست ما تظن و كما سبق و أخبرتك لا شيء لدي لمن هو مثلك. و حرصت على أن تضع كل احتقار الدنيا في الكلمة الأخيرة.
اقترب منها و قال لها بتعال : إن لم تكوني بائعة هوى فأنا واثق أنك لست بذات حسب أو نسب فأي ديوث هو أبوك أو زوجك حتى يتركك تسيرين في مكان كهذا في ساعة كهذه.
لم يكد يكمل كلماته حتى فوجئ بصفعة منها ارتج لها خده الأيسر. ظل واضعا يده على خده للحظات ذاهلا غير مصدق لما حصل. بينما استغلت هي شلل فكره فأخذت في الابتعاد و لكن هيهات فما إن استعاد رشده حتى لحقها في خطوتين و قام بلوي ذراعها اليمنى خلف ظهرها. كان الألم شديدا و لكنها تحملت و لم تصرخ، حاولت أن تفلت ، داست على قدمه بعقب حذائها عدة مرات و لكنّ قبضته لم تلن.
سمعت صوته قاسيا يقول : لشد ما أرغب في كسر ذراعك. تصفعينني أنا يا فاجِرَة ، تصفعينني و أنا من أنا.
قالت بصوت كالفحيح : لست بفاجرة ، ثم من أنت ، أنت رجل يبحث عن مومس فأي شرف تدّعيه ؟؟
لانت قبضته قليلا فأمرته بصوت يملأه الانفعال : اتركني و إلا صرخت و استنجدت بالمارة، اتركني حالا.
ضحك بصوت خافت : أعتقد أن آخر ما تريدينه هو لفت الأنظار إليك، و على أية حال اصرخي مهما شئت فلن أتركك حتى تطلبي العفو.
للأسف كان محقا فنجاح مهمتها كان يعتمد بشكل تام على سريتها. كلا لن تصرخ بالطبع . لم تفكر كثيرا لأن قبضته عادت و اشتدت على ذراعها فأرغمت نفسها علي ابتلاع الإهانة و الاعتذار بصوت خافت و لكنه قال لها آمرا : لم أسمعك يا امرأة، ارفعي صوتك.
قالت له بهدوء مصطنع : أرجو أن تعفو عما بدر مني في حقك أيها الغريب
ضلّ واقفا وراءها للحظات ثم أرخى قبضته و سمعت خطواته تبتعد مسرعة. أمسكت ذراعها متأوهة و استدارت تراقبه بغضب حتى ابتلعه الظلام.
- يا لسوء الطالع تمتمت بحنق
- يا لسوء الحظ تمتم لنفسه و هو يتخذ له ركنا يراقب منه المارة عسى أن يحظى بفتاة ليل حقيقية هذه المرة. رغما عنه تعلقت نظراته بالفتاة و ظل يراقبها.
رآها تتجه إلى بيت في الشارع الجانبي للخمـّارة. طرقت الباب و انتظرت و ما لبث أن خرج لها رجل ضخم الجثة. ظلا يتحدثان لبضع دقائق ثم فجأة امتدّت ذراع الرجل ليحيط كتفيها، رآها تحاول التملص منه و لكن بدا واضحا أن الرجل لن يتركها تفلت من قبضته. بل تطور الأمر فبدأ يسحبها إلي الداخل. لاحظ أنه رغم مقاومتها له فإنها لم تحاول أن تصرخ أو تطلب المساعدة، و ما أثار غيظه أنها لم تحاول حتى أن تصفعه مثلما فعلت معه. كان الموقف قد احتدم بينهما و بدأ يتحرك ليتدخل عندما شاهد الفتاة تغير من موقفها و تتجه مع الرجل لتدخل معه. هز رأسه بأسف و هو يتمتم :
- إذن فهي امرأة رخيصة في النهاية.
شعر بخيبة أمل كبيرة و غيظ عميق لم يعرف له سببا. "فلتذهب إلى الجحيم" فكر في نفسه و تأهب ليغادر مكانه و يعود للحانة حينما سمع صرخة الرجل و شاهد الفتاة تلوذ بالفرار.
"ما الذي فعلته يا ترى" تساءل باستغراب، كانت قد وصلت قرب مكانه و رأى الرجل يخرج ليلاحقها و هو يمسك أعلى ذراعه اليمنى. برز من مكمنه و قال للفتاة بصوت آمر : تعالي معي و لا تلتفتي إلى الخلف.
رغم عظمة دهشتها إلا أنها أطاعته فورا. تبعته إلى زقاق ضيق مظلم و هي تستغرب من الأمان الذي تشعر به في وجوده مع أنه غريب مجهول. ظلت تسير خلفه صامتة حتى توقفا غير بعيد عن الخان الذي ينزل فيه. كان الرجل الآخر قد غاب تماما عن ناظريهما و لن يخطر له حتما أنها اتجهت إلى هذا المكان.
وقفت أمام الغريب لا تدري ماذا تقول أو تفعل. لقد سدت جميع الأبواب في وجهها وأظلم أفقها تماما. سمعت صوته العميق يأمرها بالرحيل : تستطيعين العودة إلي بيتك ، أنت في أمان الآن ، كنت أود أن أوصلك و لكني مشغول بما هو أهم
استدارت لتغادر بخطى ثقيلة حين خطر لها خاطر مفاجئ جعلها تعود إليه بسرعة و تسأله بلهفة : أيها الغريب أخبرني هل ستغادر مدينتنا هذه قريبا؟؟
أجابها ببرود : مع أنه ليس من شأنك إلا أني سأرحل غدا قبل طلوع الفجر.
شعرت بالأمل ينعش قلبها فهي شبه واثقه أن دياره بعيدة، واثقة لأن لهجته و كذلك شكل نعليه ميزاه عن جميع الرجال اللذين عرفتهم خلال أسفارها العديدة.
قالت له برجاء : ما رأيك أن تقلني معك و سأدفع لك مبلغا مجزيا
أجابها بسرعة و بلهجة قاطعة : انسي هذا الأمر تماما فأنا لا أقل أحدا و لا أسافر إلا مع من أعرف.
أضاف بغلظة : ارحلي الآن فأنا في غنى عنك و عن متاعبك، ارحلي و لا تجعليني أندم على مساعدتي لك.
و لكنها لم تستسلم ، كان هو القشّة و كانت هي الغريق.
قالت تحثه على الموافقة : سأدفع لك أضعاف ما تحصل عليه من تجارتك أو أيا كان عملك. سأدفع لك بأي عملة تختارها ذهبا، فضة أو أحجارا كريمة.
أجابها و هو ينظر لها بشفقة : مسكينة أنت ألا تفهمين، فلتعلمي أني لن آخذك معي و لو دفعت لي وزنك ذهبا.
لكنها لم تيأس و واصلت تقول بصوت ليّن : حتى لو وافقت أن أؤدي لك الخدمة التي كنت ستطلبها مني
أجابها و هو يحث خطاه نحو النزل : حتى لو فعلت فلن آخذك معي و الآن فلتنصرفي يا امرأة
ترددت قليلا ثم رمت بآخر سهامها : حتى لو أخبرتك أني أود الرحيل فرارا من الموت قتلا
توقف و هو يتأملها بعدم تصديق فأسرعت تقول بصوت هامس و هي تلتفت يمنة و يسرة : صدقني أحدهم يريد قتلي
تفكّر في أمرها للحظات و لكنه قرر أخيرا أنه من الأسلم الالتزام بخطته بدون أي تغييرات. قال و هو يستدير ليبتعد :
- للأسف لا أستطيع مساعدتك
لحقت به شبه راكضة و وقفت أمامه و هي تقول له بصوت خفيض مليء بالازدراء :
- لقد كنت متأكدة أن المروءة ماتت مع أبي غير أني أريدك أن تفقه كلامي جيدا: أنت رفضت مساعدتي و أنا امرأة لا سند لي لذلك كن واثقا أنه سيأتي يوم تحتاج فيه ابنتك أو إحدى نسائك إلي أحد يساعدها و لن تجد. أوتعلم لماذا؟ لأنك كما تدين تدان.
ما إن أتمت كلامها حتى أولته ظهرها و سارعت بالابتعاد. تنهد بغيظ ، لقد عرفت الأفعى ماذا تقول و كيف تقوله. و استطاعت بحديثها أن تلمس وترا حساسا بداخله. وجد نفسه يلحقها مرغما و يقول لها بصلابة :
- لسوف أستمع إلي روايتك و حينها فقط حينها سأقرر إن كنت تستحقين أن آخذك معي أم لا. هيا معي الآن.
سألته بصوت خافت : إلى أين؟
أجابها بنفاذ صبر : إلى غرفتي طبعا، أين عسانا نتحدث في هذا الوقت من الليل
همست قائلة : غرفتك؟
و لكنه كان قد غادر فلم يسعها إلا أن تتبعه في استسلام.
.



التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 19-12-17 الساعة 04:25 AM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 18-12-17, 11:59 PM   #3

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثاني : مكاشفة و قرار


دخلت خلفه إلى غرفته على استحياء. لأول مرة في حياتها تتواجد في غرفة رجل غريب عنها. رجل تملؤه الشكوك في شخصها وخلقها. تنهدت في سرها و كررت لنفسها أنها ليست لديها العديد من الخيارات.
تأملت الغرفة البسيطة بنظرات سريعة ثم جلست على أحد الكرسيين بينما اختار هو الوقوف متكئا على الحائط. عقد ذراعيه على صدره و انتظرها لتبدأ حديثها.
لأول مرة منذ قابلته تتاح لها فرصة تأمل ملامحه بشكل واضح. كان الفانوس بجانبه بينما كانت هي نسبيا في الظلام إضافة إلى أن خمارها كان مازال مسدلا على وجهها ، لذلك لم يكن في استطاعته تبين نظراتها إليه.
بدا لها مختلفا عن أي رجل رأته من قبل و اعترفت لنفسها أنه كان رجلا وسيما جدا ، كانت وسامته لا تكمن فقط في تناسق ملامحه بل في قوتها و جاذبيتها. و رغم طيف الحزن الذي كان يغلف نظراته و قسماته إلا أن ذلك لم ينقص شيئًا من السحر الذي ينساب منه. شعرت بالضعف وهي تحدق في عينيه. كانتا سوداوين تتلألأن في وجهه العريض، كجزيرتين غامضتين تأسران كل من يقترب من شواطئهما. شعرت بإدراكها يتعطل شيئًا فشيئًا و لأول مرة في حياتها تعجز تماما عن فهم أحاسيسها.
أما هو فقد انتظرها عبثا لتبدأ بالكلام فلما طال صمتها بادرها قائلا بصوته العميق : لا داعي للعجلة أبدا يا فتاة ، لدينا الليل بأكمله كما تعلمين.
أحست بحرج شديد فأسرعت تقول مبررة : كنت فقط أحاول استيعاب الأحداث الأخيرة التي مرت بي.
علق بخشونة : إذن فلتوقيظيني حين تكونين مستعدة للكلام.
تنهدت و بدأت في سرد قصتها بقدر ما يمكنها من إيجاز. انبعث صوتها الرخيم و هي تقول :
- كان أبي تاجرا معروفا موفور الثراء و كنت أنا ابنته الوحيدة إلى أمد غير بعيد. عندما بلغت السادسة عشر أنجبت أمي ولدا ذكرا و ما لبثت قليلا حتى وافتها المنية. ساءت حالة أبي كثيرا بعد موت أمي و لم يعد بقادر على القيام برحلات تجارية كما في السابق فتوليت أمرها بنفسي بمساعدة صديقه الأقرب إليه. بعد أربع سنوات من وفاة والدتي و إثر عودتي من رحلة طويلة، وجدت أبي قد عقد قرانه على إحدى النساء. كانت امرأة قد ترملت حديثا وقررت أن تعود لتقضي بقية عمرها في مدينتنا حيث ولدت و شبت. جاءت مع ولدها الأصغر الذي كان لا يزال أعزبا. و على قدر ما كانت هي ظريفة المعشر و لطيفة الطبع على قدر ما كان ابنها ثقيل الظل كريها و لزجا. منذ أن دخل حياتنا و هو يفرض نفسه علي يريد الزواج مني. و ما زاد الأمر سوءًا أنه اتخذ لنفسه منزلا غير بعيد عنا فأصبح ضيفا شبه دائم لدينا.
صمتت قليلا لتلتقط أنفاسها ثم واصلت بلهجة خاوية:
- بعد مضي عامين على زواجه الثاني بدأ والدي يتعرض لنوبات مرضية متتالية انتهت بوفاته. في إحدى الليالي التي تلت موت أبي غفوت في الحديقة و لم أصح إلا في النصف الأخير من الليل، سرت إلى البيت بهدوء حتى لا أوقظ أحدا. حين اقتربت من نافذة المطبخ سمعت همسا ، اقتربت و أصخت السمع فميزت صوت "أسعد" ابن زوجة أبي يكلم امرأة. كان صوته واضحا لقربه من النافذة بينما كانت المرأة بجانب باب المطبخ لتراقب باقي المنزل، كان يخبرها أنني لو لم أوافق على الزواج منه قريبا فإنه سيقوم باختطاف أخي بعد أن قام بقتل أبي و سيستغل فرصة انشغالي في البحث عنه و يقوم بنهب ما يستطيع نهبه من أموالنا.
قاطعها متسائلا : و أي حق له في أن يتصرف في مال ابيك.
أجابته بحزن : كان أبي رحمه الله بناءًا على طلب زوجته جعله شريكا صغيرا له. كنت أنا شريكة أيضا و كان صديق أبي يتابع الوضع بين فترة و أخرى و لذلك فهو يستطيع بغيابي أن يستولي على الكثير.
صمتت فأمرها أن تكمل. أجابته بأسى : هذا كل شيء. مادام وغد مثله ينوي اختطاف أخي و ربما قتلي من بعده فلن أستطيع منعه خاصة و أنا أعيش في هذه المدينة التي يكثر فيها أصحاب الأنفس الوضيعة.
مهما حاولت إخفاء أخي فسوف يصل إليه. صدقني لو كان الأمر متعلقا بي لما اكترثت فلم يعد لي أي مبالاة بالحياة بعد أبي و أمي. و لكني مسؤولة عن سلامة أخي و لن يرتاح لي بال إلا حين أرحل به بعيدا.
سألها باهتمام: لماذا لم تحاولي قتله انتقاما لأبيك و اتقاءًا لشره؟؟
أجابت بعد تنهدة عميقة : أتظن أني لم أفكر في هذا الأمر، كن واثقا أني فكرت كثيرا بذلك و تأكد أني سأعود يوما ما لأنتقم منه. لكن المشكلة أني لم أعرف شريكته فلم أستطع تمييز صوتها في تلك الليلة و لم أتوصل إليها إلى هذه اللحظة.
قاطعها متسائلا : و من عساها تكون سوى والدته!؟؟
أجابت بحيرة : لا أكاد أصدق أنها هي. أشك بذلك كثيرا ، الأرجح أن تكون شريكته هي إحدى وصيفتي أمه و أخشى إن قتلته أن تقوم شريكته باستكمال خطته انتقاما مني. و لعلك لا ترى أن أقتلهن جميعا درءًا للشك.
صمت قليلا ثم سألها و قد تذكر شيئًا ما : لم تخبريني عن قصة ذلك الرجل الذي حاول إرغامك على الدخول إلى بيته.
أجابت بمرارة : عديم الشرف ذاك؟ القصة و ما فيها هي أن صديق أبي الذي أخبرتك عنه و الوحيد الذي بإمكاني الوثوق فيه سافر في رحلة طويلة لن يعود منها قبل شهر. لذلك وجدتُني بلا سند. و كنت ملزمة أن أرحل مع رجل خبير بالسفر لأني إن استطعت أن أرعى نفسي فلن أقوى على حماية أخي.فبدأت أسعى إلى رجل موثوق به.
صمتت وهي تتذكر كيف ذهبت إلي ماشطتها و ألفت قصة من نسج خيالها عن صديقة لها تريد الهروب لتقابل محبوبها في إحدى المدن البعيدة و تتزوجه فرارا من سطوة أبيها و إخوتها . طلبت من الماشطة أن تدلها على رجل ذي مروءة لا يطمع في الفتاة حين تسافر معه وحيدة. تذكرت كيف شعرت بقرب الخلاص حين بشرتها المرأة بعثورها على الرجل المنشود و كيف طلبت منها عربونا تقدمه له.
أخرجت نفسها من ذكرياتها لتكمل موضحة : عندما قابلتني هذه الليلة كنت متوجهة إلى بيت الرجل الذي دلوني عليه لأتفق معه على تفاصيل الرحيل. حين طرقت الباب خرج لي صاحب له و أخبرني أن رفيقه ذهب ليثمل بعد أن حصل على مبلغ من المال. ثم أخذ يدعوني إلى الدخول و قال لي ما معناه أنه و صاحبه واحد و يبدو أنه ظن في نفس ما ظننته أنت. عندما لم أر في طاقة بمقاومته تظاهرت بالانصياع له و حين استدار ليغلق الباب طعنته بخنجري في ذراعه و لذت بالفرار.
علق باقتضاب : خيرا فعلت.
ثم تساءل بصوت هادئ : اذن لهذا تريدين الرحيل؟
أومأت بالإيجاب فواصل موجها الحديث لنفسه أكثر مما إليها : و بما أنك ستصطحبين أخاك معك فهذا يعني شخصين إضافيين يرافقانني.
صححت له بصوت خجول: ثلاثة
كرر كلمتها باستنكار : ثلاثة!!! ماذا تعنين؟
أجابته بصوت مرتجف : أنا و أخي و مربيته
أكمل هازئا : و أصدقاؤه و جيرانه و جميع معارفكم.
انتصبت واقفة وهي تقول : أرجوك إنه لا يستطيع العيش بدون مربيته و أنا لا أعرف شيئا عن تربية الأطفال. ثم إني سوف أدفع لك أجرة كل منا على حدة. أرجوك لا ترفض و إن كنت لا تستطيع فدلني على من تثق فيه و يستطيع مساعدتي.
شبكت أصابعها في توتر و هي تنتظر إجابته. كانت تكاد تسمع وجيب قلبها و هي تراقبه مستغرقا في التفكير ثم التفت إليها أخيرا و قال لها بإيجاز : سآخذكم معي
قبل أن تطلق تنهدة ارتياح فاجأها بطلب غريب حين أمرها قائلا : و الآن أريني وجهك
تبعثرت الكلمات من عقلها للحظات ثم سألته حائرة : لماذا ؟ ما الغرض من رؤيتك لوجهي؟؟!
شرح لها بصبر : حتى أرى إن كنت مناسبة لأداء المهمة التي وعدتِ بتنفيذها مقابل مساعدتي لك.
ظلت مترددة لبعض الوقت، و رغم أنها في العادة لا تغطي سوى شعرها. لكن كشف وجهها أمام هذا الرجل الغريب و في هذا المكان الغير مألوف بدا لها صعبا بشكل لا يصدق.
تهكم منها قائلا : صدقيني سواءًا كنت قبيحة كالأبالسة أو جميلة كالحوريات فلن أقع مغشيا علي.
قالت و هي ترفع خمارها ببطء : لست بهذه ولا تلك...
عندما كشفت عن وجهها ظل يتأملها لبرهة . فاجأه جمالها و حرك فيه مشاعر ظن أنها ماتت منذ زمن. لم تكن حتما أجمل امرأة رآها في حياته لكنَّ شيئا في قسماتها كان يجعلها تبدو مألوفة، عذبة و قريبة من القلب. نفض عنه هذا الخاطر بعنف فلا مكان لأي امرأة في قلبه.
كانت ما تزال تحدق في الأرض فسألها ساخرا ليبدد حرج تلك اللحظات: عمّ تبحثين في الأسفل؟
- عفوا؟ سألته و هي ترفع عيناها إليه لأول مرة. حبس أنفاسه عندما التقت نظراتهما. كانت عيناها عالما كاملا، تخفيان الكثير و تقولان الكثير في الآن ذاته. صافيتان، صريحتان، خلابتان . عندما أسبلت الفتاة جفنيها أخيرا خجلا من تحديقه فيها شعر باستياء شديد و أحس أنه لم يكد يرتوي من رقة نظراتها. أغمض عينيه قليلا ليتمالك نفسه ثم خاطبها بصوت حاول أن يكون هادئا :
- سنخرج من هنا الآن و سأشرح لك المهمة في الطريق . إن رأيت أنك تستطيعين أداءها فليكن و إن وجدت أنها عسيرة الأداء سأبحث عن فتاة أخرى.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-12-17, 12:01 AM   #4

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثالث : الخطة



حين طرقت الباب الخارجي للمنزل الذي دلها عليه الغريب بدأت تستحضر كلماته في ذهنها. " سيفتح لك الباب رجل كهل، حين يسألك عما تريدين لا تجيبي مباشرة بل افعلي أي شيء حتى يدخلك البيت. و لا تنسي أن تتركي الباب مواربا خلفك"
فتح الباب و ظهر الكهل و قبل أن ينبس بكلمة اندفعت نحوه و هي تقول بدلال : بيتك بعيد جدا ، لشد ما أشعر بالعطش الآن، هل أطمع في أن تسقيني شربة ماء
حين تبدى للرجل محياها الجميل فغر فاه إعجابا. "إنه ضعيف أمام النساء الجميلات " رنت كلماته في ذهنها فواصلت قائلة : ما أقسى قلبك ، أتترك امرأة ساعية إليك عطشى أمام بابك!
أخيرا استطاع الكهل أن يتكلم فقال بصوت يرتجف إعجابا: كم أنت جميلة أيتها الشابة، ادخلي ادخلي و لكن أخفضي صوتك فامرأتي نائمة في مخدعها.
ضربت على صدرها و شهقت قائلة : أتدعوني إليك و امرأتك في البيت
ناولها كوبا من الماء ثم قال لها بصوت خافت : الحق أني لم أدعوك و لكن دعاك حظي السعيد، لا بد أنك أخطأت العنوان، من الرجل؟
أجابته وهي تدعي الحيرة : يقال له مروان الصائغ، أو لست هو؟
أجابها و هو يكاد يلتهمها بنظراته : كلا يا جميلة الجميلات لست هو، سوف أطلعك على بيته و لكن بشرط
قالت بسرعة : و شرطك مقبول يا ذا الكلام المعسول
قال و هو يفرك يديه : شرطي أن نتواعد أنا و أنت في أقرب الآجال
تظاهرت بالتفكير قليلا ثم قالت : إذا كنت مثلي مشتاقا مشتاقا ألقاك غدا و إذا كنت تطيق صبرا علي فبعد أسبوع موعدنا.
قال بلهفة : بل مشتاق مشتاق
بعد قليل خرجت من عنده و وصف لها بيت من يدعى مروان الصائغ و ابتعدت متأنية إلى وجهتها المزعومة. حين تأكدت أنه لم يعد يتبينها غيرت وجهتها إلى حيث كان الغريب ينتظرها.
بادرته قائلة : لم تخبرني باسمك حتى الآن. بم أدعوك؟
أجابها بلا مبالاة: ناديني عاصم
لاحظت أنه لم يكترث بمعرفة اسمها على الإطلاق. فقط سألها باهتمام إن كانت الخطة سارت كما رتب لها. أجابته بهدوء : واعدته الغد و أخبرته أني سأقابله في غرفة في الخان الذي تنزل فيه.
بدا على وجهه الارتياح ثم غادرا ليتوجها إلى منزلها

............................... ......
حين اقتربا من مكان سكنها، أشارت له إلى حيث يقع بيتها و التفتت إليه لتشكره , لكنه كان قد أسرع بالابتعاد. منذ أن غادرا غرفته، أصبحت تصرفاته شديدة الغرابة. من صوته الجافي إلى عدم نظره إليها البتة حتى عندما يكلمها إلى عدم اهتمامه بمعرفة اسمها، لم تستطع فهم سر فظاظته الشديدة معها. مع أنها تكاد تقسم أنها رأت الإعجاب الصريح في عينيه حينما رآها لأول مرة.
- إلى حيث ألقت، تمتمت لنفسها ، من يظن نفسه ، لولا حلكة الظروف التي أمر بها الآن لما ألقيت عليه نصف نظرة.
ما إن دخلت غرفتها حتى ألقت بجسدها على الفراش دون تغيير ملابسها. تمتمت بصوت مرهق : لشد ما أنا متعبة ، أمضيت اليل بأسره و أنا أمشي على قدميّ، جميع عظامي تئن من الألم.
لم تستطع أن تستمر في شكواها فقد انطبق جفناها و ارتخى فكاها رغما عنها و غاصت في نوم عميق بلا أحلام لم تستيقظ منه إلا حين دخل عليها أخوها و بدأ يهزها في غير رفق : لقد تأخرت في النوم اليوم ،انهضي ، هيا انهضي يا ميسون لقد وعدتني بأن تأخذيني في جولة على الفرس هذا الصباح.
فتحت عينيها بصعوبة و أمرته بين تثاؤباتها : اخرس الآن يا أسامة، دعني أغير ملابسي على الأقل
تباكى بنفاذ صبر : و لكنك ترتدين ملابسك بالفعل.
نظرت إلى نفسها و تذكرت فجأة جميع أحداث اليلة السابقة. شعرت بغيظ شديد يملأها فنظرت إلى أخيها شذرا و أمرته بانفعال : اخرج من هنا حالا، سألحق بك حين أكون جاهزة

..............................

بعد أن عادت من نزهتها مع أخيها، تركته في رعاية إحدى الوصيفات و أرسلت إلى مربيته تستدعيها إلى غرفتها. بعد وقت يسير دخلت عليها هذه الأخيرة و وجهها الطيب يحمل ابتسامتها الوادعة التي ألفتها منذ وعت وجودها في هذه الدنيا فقد كانت مربيتها قبل أن تكون مربية أخيها. رغم الابتسامة كان هناك قلق يلوح في عيني السيدة المسنة. سألتها بلهجة حانية : خيرا يا بنيتي؟
"بنيتي" ، أعادتها الكلمة إلى زمن بعيد بعيد، زمن جميل لم تكن فيه تحمل أي هم على كاهلها الصغير. و تمنت أن تعود طفلة، و لو للحظة و ترمي نفسها بين ذراعي مربيتها فتربت على ظهرها بيديها الدافئتين و تطيب خاطرها بألفاظها الرقيقة. ولكن هيهات فهي لم تعد طفلة.
- خيرا إنا شاء الله ، أجابت بابتسامة ضعيفة
سكتت قليلا ثم أخبرتها بكل ما حصل منذ تلك الليلة التي عرفت فيها الحقيقة
ظلت المربية صامتة ، خافضة عينيها، كانت قسماتها جامدة إلا من اختلاجة صغيرة في طرف شفتيها.
لما طال صمتها مدّت ميسون يديها إليها لتحضن كفيها قائلة بهدوء :
- أنت تعرفين كم أحبك و كم أحترمك و أنت فعلا أمي بعد أمي و لكني لن أرغمك على فعل شيء إلا ما ترتضينه وترينه مناسبا. كل ما أريده منك الآن هو أن يبقى ما قلتله لك سرا بيننا.
نظرت إليها كأنها تلومها على كلماتها الأخيرة ثم قالت متنهدة : إذا فقد عقدت العزم على الرحيل؟
أجابتها بتصميم : و لن يثنيني إلا ظرف لا أطيقه
قامت المرأة و قالت بلهجتها المعتادة : إذا لم الانتظار؟ فلنبدأ بتجهيز ما قد نحتاجه في سفرنا
قفزت ميسون و هي تصفق بفرحة : هل سترافقيننا حقا؟
أجابتها بعتاب : ربما أكون أمك بعد أمك و لكنك و أخيك ابناي اللذان لا أبناء لي سواهما.
دون أن تفكر رمت ميسون نفسها في حضن مربيتها و عادت طفلة في تلك اللحظة. مررت السيدة يدها على شعرها الناعم في حنان ثم أبعدتها فجأة و هي تسألها باهتمام: و الرجل الذي سنرحل معه، أهو من أهل الشرف و المروءة فأنت يا بنيتي شابة و جميلة و أخشى أن يطمع فيك.
أجابتها بابتسامة ساخرة : اطمئني إنه رجل أمين، و لتعلمي أنه لا يكاد يطيقني
اتسعت عينا السيدة و قالت باستنكار : ما هذا الهراء يا ابنتي الحبيبة ، لا يوجد رجل لا يطيقك
حاولت ميسون أن تعترض و لكنها أسكتتها بإشارة من يدها : و إن كان يدعي ذلك فهو يكذب
………………………………
ما إن حل وقت العصر حتى كانتا قد أتمتا التجهيز بكل سرية لرحلتهما المرتقبة. كان ابن زوجة أبيها قد تغذى معهم و حاولت ميسون قدر الإمكان أن تتصرف معه بطريقة طبيعية حتى لا تثير لديه أية شكوك. بل أرغمت نفسها على أن تبتسم لدعاباته السمجة.
عند الغروب تظاهرت أنها متوعكة و انسحبت إلى غرفتها. هنالك ارتدت عباءتها الواسعة فوق ثوبها ثم خرجت من الباب الخلفي. كانت مربيتها قد دعت الجميع إلى الحديقة ليتناولوا الحلويات التي أعدتها لهم خصيصا لتوفر لها فرصة الخروج سرا.
اتجهت إلى الخان الذي ينزل فيه ذلك المدعو عاصم و اتخذت لها ركنا غارقا في الظلام لتنتظر مجيئ الرجل الكهل. أثناء ترقبها له، استرجعت حوارهما بشأن هذا الأخير. كانت قد التفتت له أثناء إيصاله لها إلى منزلها متسائلة : ماذا تنوي فعله بالرجل بعد أن أستدرجه إلى غرفتك؟
قال دون أن يلتفت إليها : هذا ليس من شأنك
أصرت قائلة بحدة : لا أريد أن أساعدك على قتله، أخبرني على الأقل أنك لن تقتله
أكمل سيره قائلا بجفاء : اسمعي يا فتاة عليك أن تكتفي دائما بما أخبرك إياه، سترافقينني في السفر و كونك امرأة فهذا أمر لا يساعد أما كونك كثيرة الفضول فهذا سيحيل الحياة جحيما.
تذكرت كيف قالت له و هي تزفر بغيظ : كم أتمنى لو رفضت أن أساعدك، لا أدري كيف سولت لي نفسي أن أقوم بمثل هذا الأمر.
نفضت عنها أفكارها و أسرعت تقابل الكهل الذي لمحته قادما يتهادى من بعيد. حين وصلت إليه قالت بصوت معسول : لقد تأخرت علي. هلا تبعتني
قال بلهفة و هو يلحقها : لم أنم البارحة و أنا أتخيل لحظة وصالك أيتها الحبيبة.
اشمأزت نفسها منه، و رغم أنه لم يلمسها لمسة واحدة إلا أنها شعرت انتقص شيئا من حيائها و لطخ شرفها. لعنت عاصم في سرها و تمنت لو أنها رفضت هذا الدور.
أخرجت المفتاح الذي ناولها إياه عاصم ثم تباطأت في فتح الباب كما أمرها. خطت إلى الغرفة التي بدت خالية و ولج الرجل وراءها ، حين استدار ليغلق الباب فوجئ بضربة من عاصم بجانب يده على عنقه.
تهاوى الرجل ككيس خاو و شهقت هي فزعا و انحنت على جسمه لتجس نبضه، تنفست الصعداء حين وجدته ما يزال حيا و ما لبثت حتى شعرت بذراع عاصم تدفعها بغلظة عن الجسم الغائب عن الوعي و يبدأ في تفتيشه بدقة. رأته يبتسم في ظفر و هو يخرج مفتاحا من قميص الرجل و يتمتم لنفسه : و أخيرا
لم تستطع أن تتمالك نفسها و اندفعت تقول له باحتقار :
- إذا أنت لص، مجرد لص، لقد عرفت حقيقتك منذ أن رأيتك أول مرة و لكنك خدعتني بمروءتك الزائفة و الآن استعملتني و استغليت ظروفي لأساعدك في سرقة هذا الرجل المسكين. وطبعا لن تأخذني معك إلى أي مكان بل ربما تنوي أن تفقدني وعيي مثلما فعلت معه.
كانت ترتجف انفعالا و هي تتكلم بينما كان هو ينظر إليها و كأنه لا يسمعها. حين أحس أنها اكتفت قال كأنه يتسلى بغضبها :
- لحسن حظك أني منتش بالسعادة الآن لذلك لن ألقي بالا إلى اتهاماتك. إن كنت مازلت ترغبين في الرحيل معي فلتذهبي و تحضري أخاك و مربيته و تنتظريني هنا. إن لم تحضري خلال نصف الساعة فسأكون قد رحلت.
حين ظلت في مكانها و هي تحدق فيه بجمود، صاح فيها بنفاذ صبر: هل تريدين أن أرشدك إلى الباب ؟
وجهت إليه نظرة قاتلة ثم رفعت رأسها و خرجت بشموخ. خرج خلفها تماما و سار بخطى سريعة و لم يحاول حتى الالتفات إليها.
تمتمت و هي تصر على أسنانها : اللص ، الحقير ، السافل، أكرهه أكرهه.




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-12-17, 12:04 AM   #5

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الرابع : الرحيل




حين وصلت إلى منزلها كان المكان غارقا في السكون. دخلت من الباب الخلفي بخطى متسللة إلى أن وصلت غرفتها. فتحت الباب فوجدت مربيتها بانتظارها و هي تضع رأس الطفل النائم على حجرها.
سألتها بنظراتها فأجابتها مطمئنة : لقد أعطى الدواء الذي ناولك إياه الرجل مفعوله بسرعة.
سألتها بقلق : هل أنت متأكدة أنهم نائمون فقط ؟؟
- اطمئني لن يحصل لهم أي مكروه
نظرت إليها بحزن و قالت بصوت مرتجف : إذا فقط حان موعد الرحيل، فلنبدأ بإخراج جميع متاعنا ثم سأجلب فرسي كي نحمّل عليها.
بدأت المرأة في إخراج أشيائهما و ما إن وجدت ميسون نفسها وحدها حتى سمحت لعبراتها بالتدفق على خديها، أخذت تلمس الحائط والأثاث و الستائر و دموعها تزداد غزارة.
لسبب ما كانت تشعر يقينا أنها لن تعود لتعيش في هذا البيت بعد اليوم. و تمنت لو تستطيع إخفاءه و حمله معها إلى كل مكان تذهب إليه. فهذا البيت ليس مجرد حيطان و غرف و أثاث. بل كان كل ركن من أركانه يحمل ذكريات و ذكريات , ذكريات ملكها و تخصها , سعيدة كانت أو حزينة و لن تستطيع أبدا استرجاعها كما تفعل في هذا البيت، نعم هذا البيت الذي لو تكلمت جدرانه لحكت قصة حياتها بجميع تفاصيلها و لرددت رنين ضحكاتها و لو نطقت زواياه لكشفت صوت آهاتها و دموعها التي خبأتها عن الجميع. هذا البيت الذي كانت فيه أولى خطواتها و أولى كلماتها و فيه كانت تحس إحساسا مطلقا بالأمان.
لكن الآن ضاع الأمان و ضاع معه الاطمئنان و وجب عليها الرحيل.
" ترى هل سأشعر يوما بالانتماء اللذي أشعر به هنا أم سأظل بقية عمري طريدة ذكرياتي" تساءلت و هي تشعر بالأسف لحالها. تقلب أخوها في نومه فنظرت إلى وجهه بحنان ثم بدأت توقظه في رفق. فتح عينيه و نظر إليها بحيرة فقالت له بلطف : هيا قم الآن فسآخذك في جولة على ظهر فرسي.
قال متكاسلا : جولة في هذا الوقت ، الظلام دامس و لن أستطيع رؤية شيء.
طمأنته قائلة : لا تقلق ، أنت ستركب بينما أنا أسير و أمسك بلجام الفرس. هيا انهض و كفاك كسلا.
بعد وقت قصير كانت هي و مربيتها تجدان السير و قد حملتا ما تستطيعان حمله واضعتان الباقي مع الطفل على ظهر الفرس. لم تشأ ميسون الالتفات إلى الوراء و لو للحظة، أحست أنها إن التفتت فستعدل عن الرحيل ، فالهروب هكذا هو ضعف و جبن وهي لم تكن أبدا جبانة و لكن للضرورة أحكام أقوى من الجميع.
نظرت إلى وجه أخيها المبتسم الخالي من جميع هموم الدنيا و واصلت السير.


………………………….


كان عاصم قد وصل إلى بيت الرجل، دخل مسرعا و ملهوفا. ما إن فتح الباب و ولج إلي الداخل حتى هبت فتاة في مقتبل العمر كانت جالسة في منتصف الغرفة إلى لقائه.تطلعت إليه بعينيها الخائفتين الحزينتين للحظات ثم قالت له بصوت مرتجف مختنق بالعبرات : لقد تأخرت، تأخرت كثير، مضى وقت طويل منذ أن غادر، وقت طويل حتى كدت أيأس من الخلاص.
ارتجف جسدها تحت طوفان من الدموع فأخذ يربت على ظهرها بحنان و هو يردد بصوت هادئ : لا بأس عليك بعد اليوم،أنت بخير الآن ، أنت بخير.
نظرت إليه بحزن و سألته بصوت مليء بالعتاب : لماذا تأخرت؟؟
أجابها بلطف : أنت تعرفين الرجل العجوز، عندما يسير يتمايل كالنساء
ابتسمت له من خلال دموعها و قالت : لقد قمت بكل شيء أمرتني به، خدرت زوجته حتى لا تفتقده و جهزت حاجياتنا.
سألها ملهوفا : و الطفلة، أهي في غرفتها؟
ما إن أجابت بالإيجاب حتى اتجه إليها يسابقه قلبه. و أخيرا سيملأ عينيه من ملامحها ، أخيرا سيستطيع ضمها إلى صدره و احتضانها ، سيحملها عاليا بين ذراعيه، أخيرا سيستطيع أن يناديها ابنتي، طفلتي ، أميرتي الصغيرة. دخل الغرفة بهدوء حتى لا يفزعها ، كانت نائمة بعمق و وجهها الجميل يحمل وداعة و براءة لم ير مثلهما في حياته. فكر أنه لو قضى عمرا كاملا و هو يتأملها فلن يمل. أخرج نفسه عنوة من فورة مشاعره و حمل الطفلة برفق، تأكد من أنها متدثرة و دافئة ثم حمل المتاع على كتفه و خرج إلى الطريق حيث كانت تنتظره الفتاة.
عندما وصل إلى النزل تذكر الشابة الثانية و استرجع آخر كلماتها حين ظنته لصا. فكر بقلق هل تراها ستعدل عن الذهاب معه. ماذا يفعل إن لم يجدها في انتظاره، هل يرحل و ينسى أمرها أم يذهب إلى بيتها ليتأكد. كان قد وصل إلى باب غرفته فتردد قليلا ثم فتحه، شعر براحة كبيرة عندما قابلت نظراته وجهها الجميل. هبت واقفة ما إن دخل الغرفة و قلت بصوت هادئ لا يكاد يخفي توترها :
- لقد تأخرت كثيرا
لم يستطع أن يمنع نفسه من الابتسام لتكرر نفس الموقف و لكن مع اختلاف المرأة. " يا للنساء مختلفات و لكن كلهن واحدة" تعجب في سره.
قالت ممتعضة : حقا ,لا أرى ما يدعو للابتسام
نظر إليها متفحصا فلم تفته آثار الدموع في عينيها الواسعتين أو على محياها الحزين. شعر برغبة كبيرة في ضمها بين ذراعيه و محو جميع آلامها و لكنه سرعان ما تراجع و أنب نفسه قائلا " عليك أن تبقيها بعيدا عنك أو لا تلومن إلا نفسك"
قال لها بصوت محايد : قبل أن نغادر يجب أن تعلمي أني لا أسافر وحدي ، أنا أصطحب معي ابنتي و مربيتها.
حدقت فيه بدهشة بينما واصل مفسرا : كانت ابنتي محتجزة عند هذا الرجل ، و أشار إلى الجسم المغشي عليه، و الليلة بعد عامين ونيف من الفراق استرجعتها. ربما يوما ما ستعرفين أكثر لكن الآن حان وقت رحيلنا.
كانت ما تزال تحت وقع المفاجأة الأولى حين صدمت بمفاجأة ثانية . عندما دخلت العربة لتقبل أخيها و تطمئنه ، فوجئت برؤية الفتاة الشابة جالسة بجانب الطفلة النائمة. عندما أخبرها عن مربية لابنته ظنت أنها أي شيء إلا أن تكون فتاة بهذا الجمال. كانت فاتنة تماما. أحست بانقباض في قلبها و هي تتأملها و لكنها سرعان ما تجاهلته و هي تحيي الفتاة بصوت خافت.
ثم خرجت لتمتطي فرسها ، نظر إليها عاصم متسائلا فقالت له بهدوء : المكان لن يسعنا جميعا في الداخل، لذلك من الأفضل أن أسافر راكبة
- هل أنت فارسة متمرسة
أومأت برأسها فأشار لها بيده للتحرك بينما همز بطن جواده بكعبيه و انطلق. و هكذا بدأت رحلتها المجهولة. إلى أين ؟ لا تدري ، كم ستدوم ؟ لا تعرف ، كيف ستكون؟ لا علم لها. واست نفسها بأنها على الأقل تثق بهذا الرجل. ابتسمت بمرارة و هي تتذكر خوف مربيتها عليها منه، ترى ما شعورها الآن و هي تراه يصطحب معه الفتاة الأخرى التي تفوقها جمالا؟




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-12-17, 12:05 AM   #6

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الخامس لماذا الجفاء؟




ظلوا يرتحلون طوال اليل و جزءًا كبيرا من الصباح حتى وصلا إلى أول مدينة تقابلهما. ما إن دخلت ميسون غرفتها في الخان الذي اختاره عاصم ، حتى غطت في نوم عميق و لم تستيقظ إلا حين أتتها مربيتها بالطعام. و أثناء الأكل أخذت تحدثها بما فعلوه أثناء نومها.
قالت في معرض حديثها : لو تعلمين يا ابنتي ما عانته تلك الفتاة التي تدعى "عزة" لبدا لك ما أنت فيه هينا.
قالت ضاحكة : ما أسرعك يا خالتي في اكتشاف خبايا الناس. إذا فقد أخبرتك باسمها و بمكنون قلبها كذلك.
قالت المرأة بتواضع : لقد إِطْمَأنَّت إلي فحدثتني بقصتها، أتريدين أن أخبرك إياها
هزت كتفيها متظاهرة بعدم الاكتراث : إذا كانت ليست سرّا
أجابتها مربيتها بحماس : كلا ليست بسر طبعا، ثم بدأت تقص عليها بتأن شديد كعادتها دائما : حسنا اسمعي حكايتها كما روتها لي. أولا الرجل و المرأة اللذان كانت الطفلة لديهما هما جداها والدا أمها التي هي كما لا شك فهمتِ زوجة عاصم أو بالأحرى كانت كذلك لأنها قد توفاها الله. أما الفتاة عزّة فهي ابنة خالة الزوجة. توفي عنها أبواها و تركاها شبه معدمة و بدون عائل فأتت لتعيش لدى خالتها منذ حوالي سنة. كانت في السابعة عشر عندما بدأت تسكن عندهما فجعلاها مربية لحفيدتهما. ورغم أن الطفلة سرعان ما تآلفت معها و أحبتها إلا أن المسكينة كانت في غاية البؤس و التعاسة.
قالت ميسون متأسفة : لا شك أنهما كانا يعاملانها كخادمة
أجابت المربية و هي تتنهد : يا ليت الأمر كان كذلك فحسب , ما زاد في شقائها هو زوج خالتها عديم المروءة فقد كان يراودها عن نفسها ليل نهار و لولا خوفه من زوجته و خشيته من كلام الناس لما نجت منه.
صمتت ثم سرعان ما أكملت بعد أن تذكرت شيئا ما : أتعلمين لماذا باحت لي بكل هذا؟
- لماذا يا خالة؟
لأنها كانت قد أفاقت من كابوس رأته فيه وهو يخنقها خنقا بيديه و هي تستغيث و لا تغاث. لو رأيت منظرها المسكينة عندما استيقظت مفزوعة و هي تردد " العصافير العصافير" حتى خفت و ظننت أن بها مسا. ظللت أسمّي عليها و أحضنها حتى هدأت.
هزت ميسون رأسها و هي تقول بإشفاق : يا إلاهي، لذلك بدت لي نظراتها تموج بالفزع.
صمتت قليلا ثم سألت مربيتها باهتمام : خالتي "جميلة" أخبريني عن الطفلين ، كيف هما ، ألا يشعران بالحزن لمفارقة الديار.
ضحكت المرأة و هي تنفي بثقة : يشعران بالحزن ؟ أبدا يا ابنتي بل العكس تماما، لقد تآلفا تماما كأنهما عاشا معا طوال حياتهما. لكن أتعلمين ما الشيء المحزن بحق؟
تطلعت إليها ميسون متسائلة فردت بأناة : الشيء المحزن هو أن الطفلة لم تتذكر أباها إطلاقا فقد فارقها و هي بالكاد تبلغ الثالثة. المسكين لم تدعه يلمسها أو حتى يقترب منها، بل عندما استأذن و دخل علينا الغرفة ليحضر لنا الطعام سارعت الطفلة بالاختباء ورائي.
- ألفتك و لم تألف أباها
- نعم يا للمسكين
.................................................. ..........
بعد أن ركب الجميع العربة سارعت ميسون إلى عاصم قبل أن يعتلي صهوة جواده و مدّت إليه يدها بكيس من المال قائلة : أنا آسفة لتأخري عليك
ترك يدها معلقة في الهواء قائلا لها بصرامة : ما هذا اللذي تفعلينه؟
أعادت يدها إلى جانبها و هي تقول بارتباك : هذا أجرك الذي اتفقنا عليه في مقابل أن تأخذنا معك
قال لها بصوت قاس : اسمعي يا امرأة، أنا لا آخذ أجرا من لدن أحد. لقد أخذتكم معي مشفقا لا طامعا في ذهب أو مال
رغما عنها جالت نظراتها بملابسه البسيطة و قالت له بشك : و لكني أخشى أن ترهقك نفقاتنا فنحن ثلاثة أشخاص إضافيين و لا أريد أن أثقل عليك
للمرة الثانية منذ أن قابلها لاحظ أنها تحكم عليه من هيئته. الحق أن كلهن سواء خاويات و متكبرات.
قفز على ظهر جواده برشاقة و خاطبها من الأعلى بصوت جليدي : إن كنت لا تريدين إثقالا علي فلتشتري طعامك بنفسك
همز الجواد بكعبيه و انطلق تاركا إياها لا تحير جوابا. أسرعت بركوب فرسها للحاق به و هي تغلي غيظا.
" دائما ما تكون له الكلمة الأخيرة معي ، الفظّ ، الفجّ ، الجلف، لكم أمقته "

………………………………………
في الأيام التي تلت لم يترك لها الفرصة لتشتري أي شيء ، كان دائما يستيقظ قبلها و يشتري الأكل لهم جميعا و لكنه رغم ذلك لم يكن يكلمها إلا لماما. لم تستطع أن تفهم أبدا سرّ جفائه الشديد معها . في البداية ظنت أنه يكره النساء جميعا و لكن عندما رأت طريقة كلامه و تصرفه مع تلك الفتاة عزة ، تيقنت أنه ينفر منها هي بالذات. و لأول مرة و هي الفتاة الجميلة التي تعودت بالرجال يطلبون ودها تقابل من يكاد لا ينظر إليها.
كانت جالسة وحدها مع أفكارها تحت إحدى الأشجار عندما رأته قادما نحوها. شعرت بالاستغراب الشديد و تساءلت عن السبب وراء قدومه. رفعت عينيها إلى وجهه فقابلت نظراته الباردة إليها. وجهت له نظرة يمتزج فيها الحزن بالعتاب ثم قامت واقفة تنتظر دنوه منها و هي تنظر إلى الأرض لتتلافى عينيه القاسيتين .
توقف على بعد خطوات منها و سألها بصوته العميق : لم نتفق أين سأُنزلك؟
رفعت عينيها إليه في دهشة ثم عادت فخفضتهما بسرعة. فاجأها سؤاله للغاية فلقد ظنت بداهة أنه سيأخذها معه إلى مدينته حيث ستتخذ منها موطنا جديدا. لكن الآن فهمت أنه لم ينو أبدا هذا بل أراد تركها وراءه في إحدى المدن التي تقع في طريقه.
لا تدري لم داهمها إحساس عنيف بالهوان، شعرت و كأنها حمل غير مرغوب فيه يسعى صاحبه للتخلص منه. زمت شفتيها و ظغطت على أسنانها بقوة لتمنع عبارات أرادت التدفق و فضح ضعفها أمام هذ الرجل اللامبالي.
بذلت مجهودا كبيرا لتقول له بصوت خفيض : هلا انتظرتني قليلا ، سأحضر غرضا و أعود
أشار لها بالموافقة فانطلقت راكضة إلى العربة و قد تركت العنان لدموعها الدافئة تنسكب على خديها و تغسل ألمها.
عندما عادت إليه بعد برهة، كانت قد تمالكت نفسها تماما. كانت قد أحضرت معها لوحا و بعض الأوراق و الأقلام. سألته بأدب : هل يسمح لك وقتك بأن تصف لي الطريق حتى أرسم خريطة و أختار أنسب مكان تُنزلنا فيه.
صمت قليلا ثم جلس متكئا علي جذع الشجرة و هو يقول لها بعدم اكتراث : فليكن
جلست غير بعيد عنه و وضعت لوحها على حجرها و بسطت أوراقها عليه. بدأ يصف لها مختلف معالم الطريق و كانت توقفه أحيانا لتسأله عن بعض التفاصيل ثم تعود للرسم. عندما أكمل وصفه لها، نهض من مجلسه و نظر إليها من أعلى . كانت أناملها الرقيقة تنهي آخر لمساتها على الخريطة التي بدت مرسومة ببراعة متناهية.
قال لها بإعجاب لم يستطع إخفاءه : أنت ترسمين بحذق ، من علمك الرسم بهذه الطريقة
قالت بفخر و هي ترفع الخريطة أماها و تتأملها : إنه عمي صديق أبي. فكما أخبرتك كنا نسافر طوال الوقت إلى أماكن كثيرة لذلك كنا دائما نحتاج إلى الخرائط.
نظرت له و واصلت تقول : و لكنها ليست بعسيرة كما قد تتصور. كل ما يحتاجه المرء هو القليل من الصبر حتى يتقن الأمر.
ساد الصمت بينهما و عجزت هي عن خفض عينيها فورا ، ربما لأنها رأت شيئا آخر غير القسوة في عينيه، شيئا أبعد ما يكون عن البرود و الجفاء. خيل إليها أنها تلمح في نظراته شيئا من الدفء و رأت شفتيه تنفرجان كأنه يهم بقول شئ ما عندما تمت مقاطعتهما باقتراب الطفلين منهما.
توقفا يلهثان بعد ركضهما، و حين استعادا أنفاسهما تقدمت الطفلة سائلة و هي تحدق في الخريطة بإعجاب : ما هذه الرسمة الجميلة
أجابتها ميسون بابتسامة هادئة : ندعوها خريطة، و الغرض منها هو أن نعرف أين نحن و أين سنتجه
قربتها منها ثم أخذت تشرح لها بتمهل : الآن نحن بجانب هذا الجبل، فيما بعد سنمر بهذه المدن الصغيرة حتى نصل إلى هذه المدينة التي تقع قبل هذا النهر، سننزل نحن هناك بينما تكملون أنتم رحلتكم فتعبرون النهر حتى تصلوا إلى وجهتكم.
ظلت الطفلة صامتة ثم سألتها بحيرة : هل تعنين أنكم ستفترقون عنا؟!
عندما رأت الأسف في عيني ميسون التفتت إلى صديقها الحديث قائلة : لماذا كذبت علي يا أسامه ، لماذا قلت لي أننا سنظل معا إلى الأبد. لن نلعب معا بعد الآن.
و انفجرت بالبكاء فأجابها باكيا هو الآخر : لم أكن أعلم ، صدقيني
ثم التفت إلى أخته صارخا : لماذا لم تخبريني؟ لماذا كذبت علي كما كذبت من قبل عندما مات أبي و أخبرتني أنه سافر في رحلة. كاذبة ، كاذبة ، كاذبة و أنا أكرهك أكرهك
تركته يفرغ ما في جعبته من ألم ثم احتضنته بقوة وهي تهمس له بكلمات رقيقة. عندما هدأ أخيرا ركعت على ركبتيها و وضعت ذراعا على كتفي كل من الطفلين و قالت لهما بهدوء : عندما يقرر الكبار شيئا ما فيجب أن تنصاعا له ذلك لأن الكبير يعرف أكثر من الصغير، أتفهمان؟
قالا باحتجاج: و لكننا لا نريد أن نفترق، نود أن نبقى معا ، ما الضير في ذلك؟
أجابتهما بابتسامة حزينة : بعد كل فراق يأتي لقاء
التفتت إلى الطفلة و داعبت شعرها برفق و هي تقول : و الآن لا أريد الدموع أن تفسد جمال وجهك يا زهراء ، كفي عن البكاء الآن و سأعلمك كيف ترسمين.
راقبتهما يبتعدان بخطوات بطيئة ثم لملمت أغراضها و قامت تتبعهما.
استوقفها عاصم متسائلا : هل أنت واثقة من اختيارك تلك المدينة؟
تمتمت في سرها " كلا لست واثقة أيها الجلف لكنك لم تترك لي الخيار" . أجابته بهدوء دون أن تلتفت إليه :
- إنها تقع على مسافة معقولة ثم إنها الأكبر مساحة بين ما قبلها من مدن ، سنذوب في زحامها و حتى لو تعقبني ذلك الحقير أسعد فلن يعرف لي طريقا فيها.
غادرته دون أن تترك له الفرصة ليقول شيئا آخر. كان قد أخبرها أن المدينة التي اختارتها تقع على بعد عشر ليال سفر. و قد قررت أنها ستتجاهله تماما طوال المدة الباقية. أسرعت في سيرها و هي تكلم نفسها بصوت خافت :
- سأرد لك الصاع صاعين أيها الفظ ، سأعلمك من هي ميسون



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-12-17, 12:10 AM   #7

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل السادس لهيبها




ابتعدت ميسون عن طريق عاصم تماما. أصبحت تنام فترة أطول بالنهار و تقضي بقية الوقت تلاعب الطفلين و تعلمهما الرسم. لكنها رغم سخطها على عاصم لم تستطع أن تمنع نفسها من الشعور بالشفقة عليه و هي ترى محاولاته المستمرة و الفاشلة في كسب ود ابنته.
لذلك بدأت تسعى بكل طاقتها لتجعل الطفلة تتعلق بأبيها، خاصة و أنه لم يبدو أن أحدا غيرها سيفعل. حتى عزة كانت تبدو مستريحة لتعلق الطفلة الشديد بها و نفورها من أبيها. ربما كانت تريد استعمال الطفلة كورقة ظغط على الأب الذي لا تكاد تخفي شغفها بحبه. لذلك وجب عليها هي التدخل فالطفلة لا ينبغي أن تكون لعبة للعشاق. و الشابة الأخرى عليها أن تكتفي بسلاح جمالها حتى تجعله مدلّها في حبها.
و عندما أثمرت مجهوداتها أخيرا و رأوا الطفلة تجلس لأول مرة في حجر والدها و هي تريه رسوماتها ، التفتت إليها مربيتها قائلة : على عاصم أن يشكرك فأنت لم تدخري جهدا لتجعلي ابنته تألفه من جديد.
ردت ميسون و هي منكبة على الخريطة تدرسها : لا أريد منه شكرا فلم أفعل هذا لأجله بل لأجل الزهراء.
أما عن عزة فقد شعرت بارتياح عظيم عندما علمت أن رفقاء سفرهم لي يكملوا معهم كل الطريق. كانت بغريزة الأنثى قد عرفت أن ما بين عاصم و ميسون ليس سوى رماد يغطي لهيبا ساخنا. و أن الامر لن يحتاج أكثر من ريح خفيفة حتى تبدو حقيقة ما يشعران به لجميع من حولهما و لهما هما بالطبع.
كانت قد ازدادت ارتياحا عندما لاحظت مجافاة ميسون لعاصم، لم تهتم كثيرا بمعرفة السبب ما دامت النتيجة كانت في صالحها تماما و الأمور تجري كما تمنت منذ ذلك اليوم الذي رأته فيه. أغمضت عينيها و استرجعت تفاصيل ذلك اللقاء في ذهنها.
كان الوقت أصيلا و كانت عائدة من عند بائع الأقمشة بعد أن أخذت منه بعض العينات لتريها لخالتها. كانت قد اختارت السير في طريق شبه خال بعد أن ضايقتها نظرات المارة بسبب ثيابها البالية التي لا تتناسب مع جمالها الملفت.
كانت تتفكر في حياتها و حالها حين سمعت صوتا عميقا واثقا يناديها باسمها. عندما التفتت إليه أسرها سحر رجولته على الفور و احتارت كيف تتصرف و أخيرا أسدلت جفنيها و قالت بصوت خجول : هل تعرفني أيها السيد اعذرني فأنا لم أعرفك مع أنك تبدو مألوفا
أجابها ووهو يبتسم بلطف : أنت لا تتذكرينني حتما و أما عني فإن آخر مرة رأيتك فيها كنت ما تزالين طفلة
حين أخبرها أنه والد الزهراء تذكرته بغموض ذاكرة الأطفال : رجلا طويلا ، أسمر، شعره الفاحم يبدو ناشزا وسط الشقرة السائدة. أما هذه المرة فهي تتأمله بعيني صبية كاملة الأنوثة و لشد ما أعجبها. تذكرت كيف شعرت أنه الحل لجميع مشاكلها و أنه أتى استجابة لدعائها . لذلك عندما عرض عليها أن تساعده على استرجاع ابنته و عرض عليها أن يأخذها معه لتقيم مع عمته الأرملة و بنتيها، وافقت فورا. و منّت نفسها أنه سيكتشف أثناء سفرهما معا أنه لن يجد أفضل منها زوجة له و أما لابنته.
و سار كل شيء تماما كما خططت له حتى اللحظة التي أطلت فيها ميسون عليها في العربة. كانت ملامحها من أرق الملامح التي وقعت عليها عيناها و شعرت فورا أن هذه الفتاة هي غريمتها في هذا الرجل.
عندما أحيطت علما بسبب مرافقة ميسون لهم في سفرهم ، تأكدت أن هذه الأخيرة لم تكن لتفعل شيئا لتستميل عاصم إليها. لكنها كانت تعلم في قرارة نفسها أنها لم تكن لتحتاج لتقوم بأي شيء فعاصم كان يميل إليها بالفعل. لم تكن متأكدة من درجة عمق مشاعره ، لكن لم يخف عليها نظرة الاهتمام في عينيه كلما رأى ميسون أو حتى سمع اسمها. لم يخف عليها بحثه عنها في الأنحاء حين تغيب طويلا عن ناظريه.
أما أكثر شيء كشف لها عن ولعه بميسون كان نظراته إليها حين كانت جالسة بجانبه ترسم ما يدعونه بالخريطة. تذكرت عزة كيف جلست وحدها في العربة تراقبهما بانتباه. كانت ميسون مستغرقة كلية في ما تفعله، لذلك لم تلاحظ نظرات عاصم إليها. كان هذا الأخير يتأملها كما لو كان يراها لأول مرة أو كما لو كان سيراها لآخر مرة. لم ينزل نظره من على وجهها و لو للحظة. أحست حينها أن كل آمالها ذهبت أدراج الرياح لذلك كم كان شديدا ارتياحها عند سماعها أنهم سينفصلون عنهم في الطريق.
" كم بودّي لو تنتهي اليلتان الباقيتان في غمضة عين، حينها لن يجد عاصم أمامه غيري"، أرسلت ناظريها تبحث عنه حتى إذا وقعت عيناها عليه أخذت تتأمله بشغف.
أما عاصم فقد كان يحس إحساس عميقا بالضيق و التبرّم و لولا وجود ابنته حواليه لأضحت الحياة لا تطاق. كان متضايقا منذ بداية الرحلة و لكن ضيقه بلغ منتهاه بعد أن قررت ميسون النزول في تلك المدينة. اعترف لنفسه أن القرار لم يكن قرارها بل كان بإيعاز منه و لام نفسه عشرات المرات على حديثه معها في ذلك اليوم. لم يدر أي شيء اعتراه حتى اقترح عليها ذلك الأمر. و الآن وجد نفسه في غاية الندم و الغم. كثرت هواجسه و هو يفكر فيها ، كيف سيتحمل أن يتركها وحدها في تلك المدينة الغريبة التي لا تعرف فيها أحدا. كيف يتركها بلا حماية و بلا سند سوى طفل صغير و امرأة كبيرة في السن. كان يحاول إقناع نفسه بأن هذا ما كانت تنتويه هي منذ البداية ، ألم تكن تنوي السفر مع رجل غيره و الاستقرار في مدينة مجهولة؟
- و لكن أين المروءة يا رجل ؟ زفر مكلما نفسه بغيظ.
كان قد بحث عن ألف طريقة يقنعها بها بالعدول عن قرارها، لكنه كان سيبدو أحمقا في جميع الحالات خاصة مع مقاطعتها التامة له. فمنذ ذلك اليوم لاحظ أنها عزفت عن الكلام معه. حتى عندما كانت تحتاج شيئا منه كانت تطلبه عن طريق مربيتها. حتى في الليل و بعد أن كانت تبادله بعض الكلمات فقد أضحت تغرق في صمت تام. و في المرات القليلة التي خاطبها فيها تظاهرت بعدم سماعه.
كان تصرفها معه بعيدا عن الأدب لكنه لم يستطع لومها. اعترف لنفسه بأنه كان شديد القسوة معها بدون سبب واضح ، إلا ما كان يعتمل في نفسه من مشاعر أوقدتها ذكريات الماضي الأليمة. قيّم الفتاة و بنى أحكامه عليها مستندا على أهوائه لا على عقله. ربما كانت الشابة متعالية قليلا ، تترفع عن الحديث مع الغرباء ذوي الهيئة الرثة. لكن كل هذا لا يجعلها متكبّرة و خاوية العقل كما تخيلها. كانت فقط فتاة حذرة، حريصة على الاهتمام بكل التفاصيل. حتى أنها منعت أخاها منعا باتا من الخروج من غرفته في كل خان ينزلون فيه. كما كانت قليلة الكلام حتى مع مربيتها و أخيها. ولم يفته محاولاتها الحثيثة المستمرة لتقريب ابنته منه مما دله أنها تخفي الكثير تحت قناع التعالي و البرود الذي ترتديه.
غير أن أشد ما أثار استغرابه هو عدم شكواها. فعلى عكس عزة التي كثر تبرمها في الأيام الأخيرة و هذا من حقها فإن ميسون منعها إباؤها من لفظ كلمة شكوى واحدة رغم وضوح علامات التعب على وجهها الرقيق.
يا لهذه الفتاة ميسون و يا لغرابة تصاريف القدر الذي وضعها في طريقه هو بالذات! و تمنى أن يحصل أي شيء في الليلتين الباقيتين يجعلها تعدل عن قرارها.
"لماذا؟ ، انبعث الصوت بداخله ، لماذا لا تريد لها المغادرة ؟ أهي فقط مروءة منك أم أنك أصبحت لا تطيق فراقها؟ "
أخرس الصوت بداخله قائلا بصوت خافت : إنها مجرد امرأة غريبة، غريبة عني و أكمل قائلا بإصرار : و سوف تظل كذلك. كل ما في الأمر أني مسؤول عن سلامتها لأنها تسافر معي
قام من مجلسه و توجه إليهم ليخبرهم بأنه قد حان وقت الرحيل. قبل أن يغادروا ليبدؤوا الاستعداد استوقفهم بصوت فيه نبرة اعتذار : هناك أمر نسيت أن أعلمكم به
رفع الجميع أعينهم إليه متسائلين ،ما عدا ميسون التي تشاغلت بالعبث بشعر الطفلين بينما واصل هو قائلا : في المدينة المقبلة التي سنصل إليها ينتظرني ثلاثة من أصحابي ليرافقونا بقية الطريق.
عندما غادرهم رفعت ميسون عينيها و تأملت ظهره العريض بحزن عميق. في تلك اللحظة قالت عزة شيئا ما جعلته يلتفت ليجيبها. قابلت عيناه عيناها و لم تقو على الإشاحة بنظرها بعيدا. كان يقول شيئا ما لم تسمعه و لم تعيه بل بدا أن حواسها كلها تعطلت إلا بصرها المتعلق به. شعرت و كأنها تود أن تملأ عينيها و ذاكرتها و وجدانها من ملامحه قبل أن يطويها النسيان. أما هو فقد بادل نظراتها بنظرات عميقة حارت في فهم معناها. و لم تستطع تحويل عينيها عنه إلا حين بدأ أخوها يشد ثوبها بعنف حتى توليه اهتمامها.
ما إن التفتت إليه لتنهره حتى أولاهم عاصم ظهره و أسرع مغادرا. تأملته بوله و هو يكاد يهز الأرض بخطواته القوية. تنهدت بعمق و اعترفت لنفسها أنه لو طُلب منها تفصيل رجل على مقاس أحلامها لما اختارت أفضل من عاصم. كان كل ما فيه يخلب لبها. من نظرات عينيه القويتين العميقتين ، إلى قسماته النابضة بالرجولة ، إلى كتفيه العريضتين ، إلى جسده المفتول العضلات ، إلى طوله الفارع في غير شطط ، إلى شعره الفاحم الكثيف الذي طالما تمنت أن تمرر أصابعها من خلاله. تنهدت مرة أخرى و هي تعترف لنفسها أنها وقعت تماما في غرام هذا الرجل. لم يكن هيامها سببه الوحيد هو جاذبيته الجسدية الجارفة فقد قابلت من قبل من يضاهيه وسامة. لكن أكثر ما جعلها تعشقه هو رجولته، مروءته و كرمه الذي لم تر مثله إلا في قلة من الرجال. تذكرت و هي تشاهده يربت على ظهر جواده كيف أرسلت مربيتها بمبلغ من المال ليشتري لها سرجا جديدا، و كيف أنه أحضر لها ما تبغي دون أن يلمس شيئا من المبلغ. تذكرت أيضا كيف كان دائما يكتفي بالبسيط من الطعام و يشتري لهم كل ما قد تشتهيه أنفسهم. لكن أكثر ما أثر فيها هو عدم تفرقته في المعاملة بين ابنته و أخيها رغم أنه غريب عنه. كان يشتري له نفس ما يشتري لها سواءًا كانت ألعابا أو حلوى. بل كان أحيانا يفضله عليها. و كان الفتى قد تعلق به كثيرا حتى فكرت في نفسها قائلة : " لو تزوجت رجلا مثله لما أحس أخي مرارة اليتم". لكنها سرعان ما أزاحت هذه الفكرة بعيدا فأولا لا يوجد رجل مثله و ثانيا هي و هو لايكادان يتكلمان فكيف يتزوجان و ثالثا لن يلبثا حتى يفترقا إلى الأبد.
خفق قلبها بعنف عند هذا الخاطر، تنفست بعمق و لكن الخفقان ازداد سرعة . أظلمت الدنيا في عينيها فأغمضتهما و وضعت يدها على موضع قلبها كأنما لتمنعه من أن يثب من مكانه. و ما لبثت حتى وقعت مغشيا عليها بين ذراعي مربيتها.





فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-12-17, 12:11 AM   #8

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل السابع هل تخضع يا قلب ؟



لم تعرف ميسون كم لبثت في الظلام حين استيقظت على صوت بكاء مربيتها و الطفلين. ظلت برهة غير قادرة على الحراك و لكنها كانت تسمع ما يدور بوضوح. كانت مربيتها تقول بصوت باك : بنيتي الحبيبة كدت تهلكين من التعب و لم تنبسي بكلمة شكوى واحدة و أخيرا خانك جسدك. هيا استيقظي يا ابنتي و لا تحيرينا معك.
سمعت أخاها يقول بين شهقاته : قولي لها أن لا تموت هي الأخرى وتتركني وحيدا
استجمعت ما تبقى من قواها و همست باسمه فأسرع يعانقها و يمطرها تقبيلا وهو يقول بسعادة : أنت مازلت حية، مازلت حية
قالت و هي تبتسم بصعوبة : ذكي كعهدي بك
رأت وجه مربيتها ينحني عليها و هي تحمد الله على سلامتها ثم سألتها إن كانت تحتاج شيئا ما.
- فقط شربة ماء ، أجابتها بوهن
بعدما شربت ظلت مربيتها تمسح بيدها الدافئة على جبينها البارد ثم استأذنت منها قائلة : بنيتي سأذهب الآن لأطمئن عاصم وعزة فهما في غاية الانشغال عليك. هل تحتاجين شيئا آخر؟؟
هزت رأسها نافية فانطلقت المرأة لتبلغ الآخرين باستيقاظها.
بعد قليل سمعت لغطا بجانب العربة تم ما لبثت أن دخلت عزة عليها. لاحظت الانزعاج الصادق على وجهها فكرت في سرها " إنها تغار مني بلا شك ، لكنها على الأقل لا تتمنى لي الموت."
سألتها الفتاة عن حالها فطمأنتها و هي تبتسم لها ابتسامة رقيقة. سألتها إن كانت تحتاج إلى شيء فلما نفت خرجت و خرج الطفلان معها.
بعد لحظات دخل عليها عاصم. لاحظت رغم جلوسه أن جسده القوي ملأ العربة. لم تجرؤ على النظر في عينيه ، خشيت ألا تجد ما تتوقعه من قلق عليها و تصدم بالجفاء ، بالقسوة أو ربما الغضب ، فهو رجل لا يمكنها توقع ردة فعله.
ساد صمت شبه ملموس بينهما قطعه أخيرا و هو يقول بصوت أجش لا يكاد يخفي انفعاله : كيف أنت الآن؟
أجابته بتهذيب : أفضل و الحمد لله
عاد الصمت ليخيم عليهما قبل أن يقول لها بخفوت : ألن تنظري إلي؟؟
مال نحوها قليلا ثم أضاف بصوت دافئ : هل أنت غاضبة مني ؟؟
رفعت عينيها إليه ببطء فقابلت نظراته الملتهبة ، ابتلعت ريقها بصعوبة و أجابته بصوت هامس : لست بغاضبة منك
سألها بحنان و هو لا يكف عن التحديق فيها : هل أنت واثقة
ابتسمت بخجل و هي تجيبه بصوت مرتجف : ربما قليلا
مال نحوها أكثر و هو يسألها بلهفة : أخبريني كيف أراضيك؟
طغى عليها الحياء فأخفضت عينيها و لم تنبس ببنت شفة. شعرت بعينيه تكادان تلتهمان وجهها فكست حمرة الخجل خديها و شعرت بالدفء يجتاح قلبها و جسدها. و تواصل الكلام الصامت بينهما لم يقطعه إلا دخول الطفلين عليهما.
ما إن ترجل عاصم من العربة حتى أطل عليها قائلا بصوت حاول أن يكون حازما : ستسافرين من هنا فصاعدا في العربة مع البقية. ستنامين الليلة مع المرأتين و سينام الطفلان معي خارجا.
فتحت شفتيها لتعترض لكنه قاطعها بحزم : و لا أريد أي اعتراض منك
قالت باستسلام : كما تشاء إذن
.............................................
كانت عزة تعيش أسوأ لحظاتها. فقد تيقنت تماما أن عاصم يذوب عشقا في ميسون.
- كلها مسألة وقت ، تمتمت محدثة نفسها
عندما أغمي على ميسون و سمع صرخة المربية، نسي عاصم كل شيء عن رصانته و جاء راكضا و على وجهه علامات القلق البالغ. عندما رأى مسون بين يدي مربيتها كانت تبدو أقرب للموت منها للحياة ، بدت بشرتها بيضاء تماما كأنما خلت من الدماء.
انحنى قربها و رفع معصمها ليجس نبضها ، كان ضعيفا حتى أنه بالكاد استشعره . وضع يده على جبينها و خديها فوجدهما باردين تماما. شعر بالفزع يملأ قلبه و امتقع وجهه، لكنه تمالك نفسه خاصة أنه الرجل الوحيد بينهم.
كان قد رأى رجالا يصابون بهذه الحالة بعد إجهاد كبير في التدريبات أو حين يصاب أحدهم و ينزف كثيرا. رأى البعض يلقى مصرعه، أغمض عينيه ليطرد الفكرة ثم أمرهم أن يحظروا وسادتين و قام برفع قدميها ليضعهما أعلى من مستوى رأسها. التفت إلى مربيتها ليسألها عم إذا كانت أكلت جيدا فلما أجابت بالنفي أمر عزة أن تحضر القليل من الماء المُحلّى ، فتح شفتي الفتاة شبه الميتة و بدأ يسقيها ببطء لكن معظم الماء كان يسيل من جانب فمها. عندما رأت مربيتها هذا المشهد تعالى نحيبها و بدأ الطفلان يشركانها العويل.
كان هذا أقوى من احتماله تماما فأخذ يصرخ فيهم فاقدا رباطة جأشه : اذهبوا جميعا، ابتعدوا ، أريدكم أن تختفوا من أمام ناظري.
عندما لم يبادروا بالتحرك صرخ فيهم بصوت أفزعهم : الآآآآآآن
عندما غادروا التفت إلى الشابة و واصل يسقيها بصبر. ظل يسند رأسها قليلا ثم مددها على الأرض و أخذ يدعك جبينها و كفيها و هو يخاطب جسدها اللاواعي : تعسا لي ، أنا السبب في ما أنت فيه. حملتك أكثر مما تطيقين. خمسة عشر ليلة و أنت تسافرين راكبة، لم ألق بالا إلى كونك امرأة و إلى ضعف بنيتك و إلى الإرهاق البادي على وجهك و جسدك.
أمسك معصمها الرقيق متأملا إياه بإشفاق ثم ضرب جبينه مرتين بكف يده و هو يردد بحنق : تعسا الي، تعسا لي
تنهد بعمق و قال محدثا نفسه : تمالك نفسك يا رجل ، لن تنقذ الفتاة و أنت تولول كالنساء
بدأ في القيام بالخطوات التي اعتاد أن يفعلها عند إغماء أحد رجاله. نزع عنه عباءته و لفها بها جيدا حتى يدفئها. ثم أمال رأسها للخلف ، رفع ذقنها للأعلي ، وضع يده يستشعر أنفاسها و ظل يلاحظ حركة صدرها. شعر ببعض الاطمئنان حين بدأ شيء من اللون يسري في وجهها و كفيها. بعد قليل أصبح تنفسها شبه عادي فتنهد بارتياح لتجاوزها الخطر. قام بحمل جسدها الغائب عن الوعي بين ذراعيه واتجه بها إلى العربة. ما إن اقترب حتى تجمع الجميع حوله يسألون عن حالها. أمرهم بالانتظار ثم دخل و أرقدها و غطاها بنفسه و لم يخرج إلا حين اطمأن ثانية على انتظام أنفاسها.
- لا تقلقوا، قال لهم بهدوء، ستكون بخير إن شاء الله و الآن اتركوها تستريح فهي نائمة.
ثم غادرهم مسرعا، ترددت عزه قليلا ثم لحقته. ما إن أحس بها خلفه حتى التفت إليها قائلا بضيق واضح : خيرا يا عزة، ما حاجتك؟
تألمت لتكلمه معها بتلك الطريقة و لكنها قالت أول كذبة خطرت ببالها : الحق يا عاصم أن الزهراء خافت كثيرا عندما رأت منظر ميسون و هي تفقد الوعي . إنها تشعر باظطراب شديد و لم أستطع أن أسري عنها
سكتت قليلا ثم أضافت بصوت ناعم : ربما تحتاجك أنت والدها
زفر عاصم و هو يجيبها بضجر : الحق يا عزة أني لست في حال تسمح لي أن أسري على أحد
قالت تلومه : حتى ابنتك؟ ابنتك التي طالما انتظرت حتى تراها، ابنتك التي...
قاطعها متأففا : كفاك يا عزة ، كفاك لوما فأنا لا أطيقه. أخبرتك أني لا أستطيع فلتذهبي إليها ولتحاولي ثانية
ثم أضاف بحدة : و الآن أريد أن أترك و شأني و أسرع يمتطى جواده ليجول به في الأنحاء.
تذكرت عزة حالته حينها و قارنت بينها و بين ما هو عليه الآن من ارتياح ظاهر و سعادة بادية.
في الوقت القصير الذي قضته ميسون غائبة عن الوعي، تأكدت عزة بما لا يدعو للشك من قوة مشاعر عاصم و شدة تأججها.
تمتمت لنفسها بحرقة و هي تراه يداعب الطفلين بمرح " يا لسوء حظك يا فتاة، يا لخيبتك و خيبة مسعاك"
ظلت طوال الليل تحترق بلهيب الغيرة. كانت تنام قليلا و تستيقظ على فكرة واحدة " ينبغي علي فعل شيء ما كي أبعدها عن تفكيره ،انا التي عرفته أولا و لن أتركه لها "
في الغد أتاهم عاصم بعد انتهائهم من الغداء، و خاطب ميسون برفق قائلا : ميسون أريد أن أكلمك في أمر ما.
رفعت هذه الأخيرة عينيها إليه متسائلة فقال بنبرة تحمل بعض الحزم : أريد منكم أنتم الثلاثة أن ترافقوني إلى وجهتي. و هذا أمر و ليس طلبا لأني لا أنوي ترككم في مكان أجهله و تجهلونه.
قالت ميسون و ابتسامتها الرقيقة تضيء وجهها : ما دام أمرا فهل بوسعنا الرفض؟
نظر إليها عاصم بوله لم يخف على عزة و أجاب بصوت دافيء : كلا ، ليس بوسعكم
صفق الطفلان جذلا و أمسك يدي بعضهما البعض و أخذا يتقافزان. أما المربية فلم يفتها ما بدا واضحا لكل ذي عينين و بدت في غاية الرضا و السعادة.
الوحيدة التي شعرت أنها تغرد خارج السرب كانت عزة و لكنها كانت قد عقدت العزم على فعل ما تنوي فعله.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-12-17, 12:13 AM   #9

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثامن كَيدُها



استغلت عزة فرصة تواجدها مع المربية على انفراد و قالت لها و هي ترسم على وجهها ابتسامة مشرقة : لو تدرين يا خالة ما أشد سعادتي ببقائكم معنا ، هكذا تستطيعون أن تحضروا زفافي إلى عاصم.
حدقت فيها المرأة المسنة باستغراب و سألتها غير مصدقة : أنت و عاصم ستتزوجان؟!
أجابتها بثقة : و هل تصدقين يا خالة أني كنت لأرضى مرافقة رجل غريب في سفره لمدة ثلاثين ليلة لولا أنه وعدني بالزواج؟
سألتها المرأة الأكبر سنا بلا شك : و لم لم تخبرينا من قبل؟
كانت عزة قد جهزت إجابة لكل سؤال فقالت دون تردد : الحق أن عاصم أوصاني بكتمان الأمر حتى نصل مدينته و يأنس أهله بي. فأنت تعلمين أني ابنة خالة زوجته الأولى لذلك لم يشأ أن يصدمهم حتى يثقوا أن طباعي ليست كطباعها فهي لم تترك لديهم أثرا طيبا.
أضافت و هي تبتسم ابتسامة واسعة : لكني لم أعد أستطيع إخفاء الأمر عنك فأنت يا خالة تحدبين علي و كأني ابنتك. ثم إني أثق أنك لن تنقلي كلامي إلى أحد.
ابتسمت لها المرأة بحنان و قالت لها بصدق : أتمنى لك السعادة يا ابنتي مع من اختاره قلبك.
شدت الفتاة على يديها و هي تنظر إليها في مودة ثم غادرتها وهي تشعر بمزيج من الانتصار و القلق.
أما عاصم فقد بدا شديد الحرص على على ميسون و صحتها . كان يراقبها عن كثب و لا يتركها تجهد نفسها. حتى أنه نهر الطفلين بصوت صلب : لا تطلبا من ميسون اللعب معكما و تنهكا قواها بالجري وراءكما . يجب أن تفهما أنها بحاجة للراحة المطلقة لبضعة أيام أخرى
أضاف و هو يُبرّق لهما عينيه : لا تجعلاني أعيد قولي هذا مرة أخرى و الآن اجريا و هاتا عزة من مكانها ترافقكما في لهوكما.
التفت إلى ميسون و أمرها مترفقا : كفاك يا ميسون فلتذهبي لترتاحي الآن
قالت معترضة : و لكني أشعر أني بخير!
قال يسخر منها بلطف : ألا تجيدين سوى الاعتراض؟
أجابته و هي تنظر له في عينيه : بل أجيد تقديم فروض الطاعة أيضا.
ثم أولته ظهرها و ذهبت لتنضم لمربيتها. أما عاصم فقد استظل تحت إحدى الأشجار و عكف يصنع بخنجره سيفين خشبيين للطفلين. كان بين الفينة و الفينة يجد نفسه مرغما على النظر ناحية ميسون و في مرتين أو ثلاث تعانقت نظراتهما فقرأ في عينيها رسالة واضحة دلته أنها تبادله شوقا بشوق و توقا بتوق.
تنهد بعمق وقال محدثا نفسه بحيرة : و الآن يا رجل خبرني ما هذا الذي أنت فيه؟ كيف تركت الأمر يصل بك إلى هذه الحال؟ ما الذي بوسعي أن أفعله الآن؟
………………………………………
بدت ميسون لمربيتها مشغولة البال، شاردة الخاطر حتى أنها كانت تظطر لإعادة السؤال مرات عديدة كي تظفر منها بجواب. عقدت المرأة حاجبيها وهي تنظر إلى الفتاة مستغربة أمرها. عرفتها دائما رصينة ، قوية ، شديدة في وجه المصائب و المحن. لكنها الآن تكاد تنكر منها أكثر مما تعرف. حقا مازالت بنفس الطبع اللطيف و نفس الحديث الهادئ و لكن شتان ما بين الفتاة الصلبة ذات النظرات المتوقدة التي كانتها و بين هذه الفتاة المهتزة ذات النظرات الذاهلة و الكلمات التائهة. حدثت نفسها بغم "أخشى عليك يا ابنتي أن تكوني عاشقة"
و كأنما لتؤكد لها ظنها التفتت إليها ميسون قائلة بصوت مرتبك :
- خالتي جميلة كيف ترين عاصم؟
حدقت المرأة في عيني الشابة كأنما لتسجوبها لكن هذه الأخيرة هربت بنظراتها منها. أجابتها بصدق :
أراه رجلا غير كل الرجال، صادق الوعد، كريم ذات اليد ، عفيف النفس عزيزها ، قوي جلد، زاهد في ملذات الدنيا ، إضافة إلى أنه طيب المعشر و حسن الخلق ، يحنو على الصغير و يوقر الكبير.
الحق يا بنيتي أني لم أكن لأختار لك أفضل منه زوجا. لكان نعم الرجل لنعم الفتاة لولا أنه...
و سكتت عن الكلام فألحت عليها ميسون سائلة : لولا أنه ماذا يا خالتي؟ لولا أنه ماذا ؟
ترددت المرأة قليلا ثم قالت بأسف : لولا أنه وعد عزة بالزواج منها ، و أنا أعلم أنك ترفضين تماما أن يكون لك ضرة.
رددت ميسون بذهول : وعد عزة بالزواج؟! و لكن ولكن…. ضاعت منها الكلمات فلجأت للصمت.
حدثتها مربيتها بما كان بينها و بين عزة. أُسقط في يد ميسون تماما و بدا لها أن كثيرا من تصرفاته أضحت مفهومة في ظل هذا الواقع الجديد. لهذا كانت عزة دائمة اللحاق به و لذلك كان هو يعاملها منذ البداية بلطف و رفق زائد. لذلك كان يتظاهر بالنفور منها هي و لم يسعى إلى طلب ودها على عكس معظم الرجال الذين عرفتهم.
قاطعت مربيتها سيل أفكارها قائلة : لو أنك فقط تغيرين موقفك يا بنيتي ، لو تقبلين بعزة شريكة لك فيه. كل النساء يقبلن و كل الرجال يفعلونه.
قالت ميسون بحسم : أبي لم يفعل و أمي لم تكن لتقبل و أنا ابنتهما قلبا و قالبا.
سكتت قليلا لتضيف بصوت يحمل رنة حزن : و على العموم فهذا حديث سابق لأوانه فعاصم لم يعرض علي الزواج و لا حتى لمح لي بذلك.
قالت مربيتها بثقة مطلقة : آه يا بنيتي سيفعل سيفعل بالتأكيد فالرجل عاشق متيم بحبك.
ابتسمت ابتسامة واهنة و هي تقول : و هل تعرفين الكثير عن العشق يا خالة؟
أجابتها بسرعة : أعرف ما يكفي لأؤكد لك أن الرجل يهيم بك حبا. أنت لم تري حاله حين أغمي عليك ، كان كالمجنون تماما.
" هذا لا يدل على شيء ، حدثت ميسون نفسها ، كان سيقلق على أي أحد فينا فهو يعتبر نفسه مسؤولا عنا و عن سلامتنا"
كانت واثقة من إعجابه بها و لكنها لم تكن لتعرف هل شعوره نحوها هو حب بحق أم مجرد هوى عابر. و ما دام لم يطلب منها الزواج فلا تستطيع التأكد من شيء.
التزمت الصمت تماما و لم تخرج منه إلا حين أتى الطفلان و بدأا في الثرثرة.
………………………………………
ما إن فارقها الطفلان حتى ذهبت عزة لتنضم إلى عاصم كعادتها. كانت ميسون تراقبهما و هي تتظاهر باللعب مع الطفلين. أما عزة التي كانت واعية تماما لهذه المراقبة فقد بادرت عاصم بالقول : لكم شعرت بالسعادة و الراحة حين قرروا أن يكملوا معنا طريقنا. الحق أني تعلقت بهم كثيرا و أصبحت لا أكاد أطيق فراقهم.
تمتم عاصم موافقا و هو منكب على السيفين و قد أوشك أن ينتهي من صنعهما. أما عزة فقد أكملت بصوت يشوبه بعض القلق : أنا فقط مشغولة البال على ميسون.
رفع عاصم رأسه و سألها باهتمام : ما بال ميسون ؟ ما الذي يقلقك بشأنها؟
قالت و هي تعقد ما بين حاجيها : الحق أني أخشى عليها أن لا تستلذ العيش هناك. أنا شبه واثقة أنها سرعان ما ستشعر بالسأم و الضجر. فتاة ثرية مثلها، منذ نعومة أظفارها و هي ترتع في مباهج الحياة وتسافر من مكان إلى مكان أتظن حقا أنها ستطيق الاستقرار بمدينتك، لا أكاد أتصور ذلك.
و ختمت كلامها بتنهدة عميقة. أما عاصم فقد قطب جبينه و أطرق برأسه. كلماتها فتحت جرحا عميقا لم يندمل. هل تراه أخطأ هذه المرة أيضا، هل سيظل يكرر نفس الغلطة طوال حياته؟
نهض واقفا بعجلة و هو يشعر أنه متبرم بالدنيا و ما فيها . وقفت عزة لوقوفه و بادرته قائلة بحرج و هي مطرقة الرأس : عاصم أود أن أطلب منك شيئا و لكني و لكني
قاطعها قائلا بنفاذ صبر : أوجزي يا عزة و لا تطيلي
قالت بسرعة : كنت أريد القليل من المال حتى أشتري بعض الأشياء التي أحتاجها.
شعر عاصم بالأسف من أجلها و مد يده إلى خصره ليعطيها ما تريد.
و لكنها أوقفته قائلة : ليس هكذا، ليس هنا ، فالجميع يرانا . لننزوي قليلا خلف إحدى الأشجار و تعطيني ما أحتاجه.
تنهد عاصم و تبعها في صمت.
كانت ميسون قد رأت ما حدث و أولته بالظبط كما أرادت لها عزة أن تأوله ، ضاقت بها الدنيا بما رحبت فأسرعت تفر بهمومها إلى العربة.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 19-12-17, 12:18 AM   #10

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل التاسع العاشق



في اليوم التالي ، بدأت عزة تشعر بالارتياح قليلا و هي تقطف ثمار نجاح خطتها. فقد بدا واضحا أن عاصم و ميسون قد تغيرا على بعضهما البعض. لم يعودا بالطبع لما كان عليه من جفاء مصطنع و نفور زائف. غير أن كل منهما بدا كأنما يفضل تلآفي الآخر.

كانت ميسون قد شفيت تماما من إجهاد السفر غير أنها كانت مستاءة من ضيق العربة. فقد كان عليها أن تختار بين وضعين للنوم إما شبه جالسة أو ثانية ركبتيها. و رغم احتمالها و صبرها إلا أنها لم تكن لتطيق هذا الوضع لعشر ليال أخرى.
وصلوا المدينة التي كان ينتظره فيها رفاقه قبل أن ينتصف النهار بقليل. اتجه بهم عاصم إلى الخان الذي ينزل فيه أصحابه ، استقبله ثلاثة رجال يماثلونه حجما وبنية. تبادل معهم كلمات قصيرة ثم أسرع إلى غرفته ليسقط على الفراش شبه مغشي عليه بعد تعب سفر يوم كامل.
تأملت ميسون الرجال من وراء ستار النافذة، كان اثنان منهم قد تجاوزا الأربعين من العمر و ربما شارفا علي الخمسين بينما بدا الشاب الثالث أصغر من عاصم.
بعد قليل أتاهم أحد الرجلين الأكبر سنا و طلب منهم بلطف أن ينزلوا حتى يأخذهم إلى غرفتهم.
قال لهم باعتذار و هو يتقدمهم : لم أعلم أنكم خمسة أنفار لذلك استأجرت لكم غرفة واحدة
لكن لا تقلقوا ، سأتدبر الأمر حالا.

حالما استقرت ميسون في غرفتها أخرجت كيسا من المال و ناولته لمربيتها قائلة لها بلطف : أرجو منك يا خالة أن تذهبي للشاب الأصغر سنا و تطلبي منه شراء عربة جديدة لنا و كذلك بعض الأغطية و الفراش


بعد ساعة من الزمن كانت تتأمل العربة بارتياح . تفقدتها من الداخل و الخارج ثم التفتت للشاب و قالت له بابتسامة مهذبة : أرجو أن تتقبل شكرنا و تعذرنا لأننا أتعبناك معنا
أجابها و هو يتأملها بإعجاب واضح : رجائي أن تتعبيني كل يوم
ابتسمت رغما عنها و التفتت لتغادر لكنه استوقفها قائلا : بم أدعو سيدتي؟
قالت بهدوء : أدعى ميسون و أنت؟
ردد اسمها عدة مرات كأنه يتذوقه ثم قال : أدعى جاسر يا سيدتي ميسون و أنا اسم على مسمى
ابتسمت مرة أخرى ثم قالت مودعة : أشكرك مرة أخرى يا بن أبي جاسر
تمتم محدثا نفسه و هو يراقبها تبتعد : لأول مرة يا ابن عمتي تجيد اختيار رفقاء السفر. و يا له من اختيار!!

عندما علم عاصم بأمر العربة الجديدة، توجه إلى ميسون و عاتبها قائلا :
- لِم لم تنتظري حتى أستيقظ لكنت انتقيت لك واحدة أفضل وأمتن
أجابته دون تردد : لأنك كنت سترفض حتما أن أدفع لك ثمنها. و نحن و الحق يقال أصبحنا نستثقل أنفسنا، فأنت لا تدعنا نساهم معك لا بالكثير و لا بالقليل.
قال بصوت خفيض : لا تستثقلي نفسك معي أبدا يا ميسون ، وددت لو ظللت قائما عليكم أبد الدهر
اتسعت عيناها دهشة و لكنه ما لبث أن تمالك نفسه و واصل بهدوء : أنتم ضيوفي و من واجبي أكرمكم
................................
أمضوا ليلتين في الخان ، استراحوا فيهما من وعثاء السفر و تزودوا للمدة الباقية فلن تعترضهم بعد الآن أي مدن أخرى حتى يصلوا وجهتهم.

في الأيام الثلاثة التالية عرفت ميسون أكثر عن رفاق سفرهم الجدد. كان جاسر رغم قوة بنيته أبعد ما يكون عن الشدة و الصلابة في الطبع. كان طيبا متسامحا ، حاضر البديهة ، دائم الدعابة لا يترك أحدا في شأنه. لذلك لم تستغرب حين رأت الطفلين يولعان به أكثر من أي أحد آخر.
أما الرجلان الآخران فكانا في غاية الدماثة و غاية العزلة عنهم في نفس الوقت. لم تكن تراهما إلا مبتسمين، مستبشرين غير أنهما لا يتكلمان إلا قليلا. كان أحدهما يقضي اليوم و هو يتشمم الجو بأنفه القوي حتى أنها أطلقت عليه لقب "المتشمم" بينما كان الآخر أوفر الرجال نشاطا فكان ينظف الخيل و يسقيها و يطعمها و يجمع لهم الحطب.
أُعجبت بهم جميعا فقد بدوا جد مختلفين عن رجال مدينتها الذين كان معظمهم خاويي العقل ، فاسدي الطوية ، لا يكادون يطيقون أي مشقة.
أيقظها صوت جاسر من تأملاتها. كان يلعن سوء حظه ، التفتت إليه متسائلة فوجدت إحدى قدميه حافية و هو يحمل في يده أحد نعليه. ارتسم على وجهه تعبير آس أضحكها رغما عنها.
قالت له بين ضحكاتها : هاته و سأصحله لك قبل أن تبدأ بالبكاء
نظر إليها باستغراب : حقا ستصلحين لي نعلي، كلا، كلا فهذا لا يليق بمقامك. ناوليني الأدوات و سأقوم بخياطته بنفسي
سألته بشك : و هل تجيد ذلك؟
أجابها متأسفا :ليس فعلا و لكني لن أدع أناملك الرقيقة تلمس نعلي الأعفر الأغبر
قالت و هي تفتعل نفاذ الصبر : هات النعل حالا يا ابن أبي جاسر فشكلك مضحك و أنت حافي القدم.
ناولها إياه باستسلام و ظل يراقبها بنظرة عميقة و هي تبتعد.
.......................................
بمرور الأيام ، ازداد تقرب جاسر منهم ، كان يأتيهم يوميا فيجتمعون كلهم باستثناء عاصم و الرجلين الآخرين. و يقضون بعض الوقت في قص الطرائف و ما يتذكرونه من نوادر. كان جاسر يستأثر بمعظم الحديث بينما كانت ميسون أحيانا تحكي لهم عن بعض الغرائب التي رأتها أثناء أسفارها.
كانت شديدة الحيرة في أمر عاصم فهو لم يحاول مرة أن يشاركهم أحاديثهم و مع ذلك كان دائما يظل غير بعيد عنهم. و لم يخف عليها اكفهرار وجهه و قسوة نظراته إليها كلما رآها تتبسط في الحديث مع جاسر. كانت قد لاحظت أن هذا الأخير دائم التودد إليها إلا أنها لم تقل له كلمة تشجيع واحدة بل كانت تتجاهل تلميحاته و تصريحاته. و صعب عليها أن تصده بغلظة لطيبته الشديدة معهم جميعا.
" ما الذي يتوقعه مني عاصم ، أن أجلس مثله منزوية عن الجميع ، لا أشارك في حديث و لا أضحك على دعابة، ما الذي يريده مني " أفاقت من تساؤلاتها على صوت قهقهة عزة و هي تضحك على إحدى فكاهات جاسر. نظرت إليها باستغراب شديد فليست الفتاة بالتي تطلق العنان لضحكاتها. أما عزة فقد وضعت كفها على فمها كأنما أحست بالندم.
نظر إليها جاسر بتسلية ثم قال متهكما منها برفق : لا تخشي من الضحك يا عزة فلو كان يودي بحياة المرء لكنت ميتا منذ زمن.
ابتسمت له عزة في تسامح ثم خفضت عينيها في خجل.
.........................................
في الليلة الخامسة ، أرقت ميسون من نومها ، أغمضت عينيها و حاولت العودة للنوم و لكن بدون جدوى فقد جافاها النعاس تماما. كان الرجال قد اختاروا أن يبيتوا ليلتهم في العراء كي يستريحوا قليلا من عناء السفر. نزلت ميسون من العربة بعدما لفت نفسها جيدا في عباءتها الواسعة، أصاخت السمع قليلا فلم تسمع أي صوت فمضت تتجول في الأنحاء بتمهل عسى أن يعاودها النوم.
سمعت صوت خطى ورائها و ما إن التفتت حتى وجدت جسما قويا طويلا يسد الطريق أمامها ، خفق قلبها بشدة لكن سرعان ما شعرت بخيبة الأمل حين رفعت رأسها و رأت جاسر.
كان ينظر إليها بطريقة غريبة، بدا مشوشا و حائرا. سألته بقلق :
ما بالك يا جاسر، أتشتكي من شيء؟ هل أدعو أحد الرجال؟
أجابها كأنه يلومها : تسألينني مم أشكو يا سيدتي ميسون ، تسألينني و أنت سبب ما أنا فيه؟
قالت له مستنكرة : ويحك يا ابن أبي جاسر و كيف أسأت إليك؟!!
قال لها بصوت ملتهب : آذاني جمالك و جرحتني رموشك و طعنتني نظراتك في صدري أما صوتك ف...
قاطعته و هي لا تكاد تصدق ما تسمع : كفى يا جاسر لم أعهدك بهذه الجراءة. و إني لأتساءل أي شيء بدر مني و هيأ لك أني قد أستعذب مثل هذا الحديث.
رسم تعبيرا مضحكا على وجهه و قال بصوت فيه نبرة أسى : يا لسوء حظك يا جاسر، المرأة الوحيدة التي مال لها فؤادك لا تكاد تطيقك.
حاولت جهدها أن تحافظ على تعبير الحزم الذي يعتلي قسماتها و لكنها فشلت و غالبها الابتسام. فهم جاسر انبساط وجهها على أنه تشجيع منها فصارحها قائلا : اعتقدت أني أستطيع الانتظار حتى الصباح و لكن رؤيتي لوجهك الساحر الجميل الآن أذهبت كل ذرة صبر باقية.
واصل بصوت مظطرب : سيدتي ميسون أتمنى لو تسعدي قلبي وتقبلي أن تكوني زوجتي
شهقت ميسون و هي لا تكاد تصدق أذنيها و قالت في نفسها " حتى أنت يا جاسر و أنا التي عاملتك و كأنك أخ لي؟!" و استدارت لتنصرف من أمامه مسرعة.
لكنه ما لبث أن تبعها و هو يعيد السؤال بلهفة : أرجو أن تحققي مقصدي و تطفئي النار المتوقدة بداخلي.
أجابته بصوت حازم : ليس الآن يا ابن أبي جاسر ، فيما بعد ، فيما بعد
وقف أمامها فقالت له بجدية : أرجوك دعني أذهب الآن
عندما ابتعد جانبا أكملت طريقها و هي تهز رأسها بتعجب " ياللأحمق" ، حدثت نفسها ، فجأة سد الطريق أمامها مرة أخرى أو هذا ما ظنته لأول وهلة حتى رفعت نظراتها فرأت وجه عاصم.




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:01 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.