آخر 10 مشاركات
130-كلمة السر لا-أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          عروس من الخيال (75) للكاتبة: آنا ديبالو (الجزء 2 من سلسلة عرسان أرستقراطيين) *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          604 -الحب أولاً وأخيراً - ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          إغواء البريئة (67) للكاتبة: جيني لوكاس .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          عذراء فالينتي (135) للكاتبة:Maisey Yates(الجزء 3 سلسلة ورثة قبل العهود) *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          العاطفة الانتقامية (19) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          264 - جزيرة مادرونا - اليرابيت غراهام - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          الملاك والوحش الايطالي (6) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          صبراً يا غازية (3) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          عرض مغرى (148) للكاتبة Michelle Conder .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree30Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-03-18, 03:28 AM   #421

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الخامس


كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع وكل واقع متعلق بالحكمة المطلقة والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق. - محمد راتب النابلسي







المدينة السياحية ....... العاشرة ليلا .....

يقف على حافة جرف مطل على واد جاف مخيف بظلمته.
تنفسه حاد!!
بدنه يرتعش!!
دموعه مدرارا!!
عينيه جاحظتين، زائغتين!!
يكاد لا يرى أمامه من هول أحاسيسه الجارفة، يده على الهاتف فوق أذنه، ينتظر، لا يعلم ماذا ومن؟!.... لكنه ينتظر.
الأمل؟!
الشفاء؟!
حياة اخرى؟!
الموت؟!
الحياة؟!
لكنه ينتظر، لتأتي كلمة واحدة، وتنسف كل بؤسه مرة واحدة، جعلته يستيقظ من كابوس سراب ابتلعه مرة واحدة،
انها كلمة جعلته يفتح فمه ليشهق، ليتنفس، كلمة أعادته الى رشدٍ فقده في ظل معركة ليست عادلة بالمرة، معركة شعر أنه خسر فيها الكثير، ودون فرصة حتى للمقاومة، ليعي على خسارة أضخم، كانت ستكشف الستار عن مدى حقارة كل خسارة أمامها. كلمة هزت أحشائه كما لم يفعل أي حديث، أو أمر قبله، كلمة واحدة، وما أثقلها وأعظمها من حروف تشكلت لتكون اسما كان ولا يزال وسيبقى فردا منفردا بذاته..... الله ....

قبلها ..... بساعتين .....



أجفل على حس زغرودة شقت صمت البناية، لينظر إلى والدته، التي ابتسمت له بتوتر، فأشفق عليها وعلى نفسه.
همست أخته نزيهة، وهي تلمح تلصص الجيران، الذين لم يحتاجوا لزغرودة والدتها ليخرجوا من جحورهم فضولا، فموكب العرس المشكل من عشرات السيارات مرفقين بفرقة فلكلورية لا تنقطع أهازيجها، قد قامت بالواجب.....
(أمي....الدنيا كلها علمت بزواج أخي ... فلا تتعبي حنجرتك ....)... قد تكون نزيهة غير عابئة بما نطقت به، أو حتى لم تقصد به بشاعة، او سخرية، لكن السكاكين لا تنفك تطعن كبريائه آلاف من الطعنات، وهو يلتقط نظرة التوتر تلك تهز مقلتي والدته كل لحظة، تكاد توقف كل شخص تخبره عن زواجه، لم يرضها الحفل الضخم، ولا الحاضرين الذين تعدوا الألفين، أغلبهم لا يعرفهم ولم يسبق له أن قابلهم. ولم يكفها سيل من السيارات جابوا بهم المدينة تتصدرهم سيارة العروس، مكتوب عليه اسمه واسم عروسه.
عروسه ... رمى تصلب أطرافها بنظرة عميقة، تضم ذراعيها الى صدرها، ترمق السراب بجمود، ثيابها بيضاء فخمة أنيقة.
عروس ....رغم اختفائها وهروبها منه خلال الأيام الماضية، سوى لحظة اللقاء مع قاضي العدل، لعقد قرانهما. ورغم تحجر قسمات وجهها، ورفضها الذي لا يخطئه أحد، لكنهم يتجاهلونه، وهو من ضمنهم... إلا أنها عروس من الدرجة الأولى كالحفل تماما.
فأين هو من كل هذا؟!
اكتفى بالتسمُّر جوار مدخل الرواق المفضي إلى قعر البيت، يشاهد آخر مشاهد المسرحية، قلبه متيقن من كونها ختام الزيف، والستارة ستنسدل أخيرا، وقد حدث حين همست نوران بشيء شحب له وجه والدتها، التي سحبت أختها بنفس التوتر اللعين، تقول بحروف مرتبكة بوضوح...
(هيا أختي .... لندع العروسين لحالهما ... يكفينا تطفلا ...)... قطبت تومئ بحيرة، ونزيهة تقول بريبة وهي تنظر إلى نوران ....
(ألن نساعد العروس في تغيير قفطانها ؟!.... إنه تقليدي ...معقد بطرحته لن ....)... بترت كلماتها، وهي تُسحب من كف والدتها التي من الظاهر أنها تفهمت قلق شقيقتها، ترد بتسرع ...
(زوجها سيساعدها .... هيا بنا ....)... تحركن على مضض، وقلق، بينما غالية تتلكأ جوار ابنها تهمس بتوسل قضى على كل ذرة تحمُّل عالقة في جوفه المحروق.
(لا تخذلني بني ... بارك الله لكما وعليكما .... )... انسحبت يشيع خطواتها المتقهقرة بحسرة، وتعب، بلى يشعر بنفسه مستنزف، مرهق، خائرة قواه.
رمش بجفنيه على اثر صوت الباب، فتنهد بأسى والتفت إلى الجامدة مكانها، تتفحص البيت بطريقة أشعرته بمدى تقززها، فعقد جبينه وقد لفتت انتباهه نحوها كليا.
مدت كفيها إلى طرفي طرحتها المثبتة أعلى رأسها بتاج ذهبي رقيق، وضمته الى صدرها تشعر ببشرة جسدها تقشعر خوفا، وقرف، تتكالب عليها الأفكار والتخيلات من كل اتجاه، بين خوفها منه ومن شيئ قد ينتظره منها، وبين ما سمعته عنه من إشاعات لا تعلم مدى صدقها، لكنها ستستغلها شر استغلال، فهي في حرب وكل شيئ مباح في الحرب، خصوصا حربها هي.
تنهد مجددا، وعقله يأمره بالانسحاب في تلك اللحظة، على الأقل من أجل تعبه، بالرغم من حاجته الملحة للتحدث معها، وبحثه عنها طوال الأيام السابقة، يجد نفسه لا طاقة لديه للتحدث، للمواجهة. هم بالجلوس على إحدى الكراسي الجلدية الموزعة في المساحة الواسعة وسط الشقة، لتتجمد أطرافه قبل أن يصل جسده المنهك إلى غايته، يدير رأسه إليها جاحظا بمقلتيه ....
(هل كنت تحضرهم إلى هنا؟؟).... بلع ريقه وهو يعود مستقيما ببدنه، يمنحها نظرةً تتساءل باستجداء أن تخيب فهمه، أن لا تؤكد ما فطنه، لكنها كانت الحرب، بل طوفان لا تمانع في الانضمام لضحاياه ....
(أنا أعرف كل شيئ..... فلا تحاول النكران.....)... احتدمت أنفاسه يرد بجفاء ....
(وماذا تعرفين أنت؟؟).... ارتعدت وذراعيها لا يزالان مضمومين إلى صدرها، تقول بتلجلج ......
(ما يكفي .... لنعلم أن كل ما حدث حتى هذه اللحظة ... مجرد مسرحية ساخرة .... حاولوا جهدهم اقناع الناس بها ... لدرجة أنهم صدقوا هم .... كذبتهم ....)... مسح أسامة على وجهه، ثم رمقها بنظرة كانت كل شيئ، سوى التهكم، كل شيئ سوى السخرية، او التشفي، يسأل .....
(بما أنك كشفت الستارة عن الحقيقة ..... فلا داعي لمناقشة أسبابي التي **تعرفينها** ...ولننتقل لما هو مبهم ....ولا ...**أعرفه**...)...... كان يضغط على الكلمات المعينة، وهي تنظر إليه بحدة ....
(ما هي أسبابك كي تقبلين ... القيام بدورك في هذه المهزلة؟؟ ... ما الذي يدفع بفتاة شابة جميلة؟! ... كاملة بالنسبة للمعايير المجتمعية؟! .... إلى الزواج من .... )... أسدل جفنيه يضغط عليهما بشدة، حتى اسودت ملامحه، لدرجة كانت ستدفع بها للبكاء.
فقد اكتشفت في نفسها قدرة على البكاء كانت قد فقدتها في مرحلة ما في حياتها، لكنها شدت ازرها بقوتها الواهية، تضع أساسا لما هو قادم حسب تفكيرها العقيم، فأنى لها من تفكير سوي، وسط الحرب؟!.
تشنجت ملامح وجهها، تنطق من بين أسنانها بغل، ضغطت به على السكين حتى أعمق نقطة في أحشائه....
(مهما يكن ....ليس بالقذارة التي تلفك من رأسك إلى أخمص قدميك ...)... فغر شفتيه صدمة، وقد تصلبت كل عضلة في جسمه، ينصت لما ظل يشعر به طوال حياته، لما يهرب منه طوال حياته، ليجده كجدار من حديد يصدم رأسه بقوة زعزعته ودمرت الباقية المتبقية من مقاومته، لتنهار جميع دفاعاته مرة واحدة.
وهي مسترسلة دون رحمة، دون شفقة....
(من الأفضل لو اتفقنا ... أنت في حالك وأنا في حالي.... ودعهم يكملون المسرحية كما يشاءون .... ففي النهاية ... الجمهور ليس له سوى ما يعرض فوق الخشبة .....) ....
اندفع التهكم صارخا، يغشى ملامح وجهه، وهو يقول ....
(متأكدة من موافقتي أنت يا ابنة الخالة..... ).. اختلجت عضلة جانب أنفها، وهي تبلع ريقها، وتشد على قبضتيها المندستين تحت إبطيها، فتهربت منه تلحظ ما حوله دونه، وتجيبه غير مدركة لما تقوله، أو تمنع عقلها من الإدراك في نوع من التهرب ونكران الذات، بل نكران الذنب.
(أنت مجبور ... أو ...س ... س ...)... ترددت، فحثها بوجوم ....
(ماذا ستفعلين يا نوران؟!) .... رفعت رأسها فجأة، وردت بتصميم ....
(سأثبت ما كان مجرد أقاويل ... فمن أصدق من زوجة مفجوعة ... حزينة ... على حال زوجها ال ....؟!....).... فقد صدره أنفاسه اللاهثة، يستفسر بصدمة لا تغادره ....
(أوا تفعلين ذلك بعائلتك ؟!... بخالتك يا نوران؟!)....
حبست أنفسها، وضغطت على صدرها، ترمقه بنظرات فارغة، تائهة..... ترد ....
(عائلتي؟!....لقد رأيتهم.... لا يهتمون سوى بالمظاهر ...)... لا يحيد عنها بظلمة مقلتيه المصدومتين، وهي تكمل بشيء من التيه والهدر ....
(فلنمنحهم ما يردونه .... رجل سوي .... وفتاة طبيعية ... زواج ناجح ....وأسرة عادية .... فقط ... أخبرني بالله عليك ...)... شهق بخفوت يدخل الهواء إلى جحيم رئتيه، يترقب اشمئزازها وهي تتوسل الجواب ....
(هل كنت تحضرهم هنا؟؟.... لن أستطيع البقاء هنا ...لقد كانت شقتك قبل سنين .... قد تكون ....)...
(لا!!)... نطقها قاطعة، فاصلة، حادة كالسيف. فانحنت أخيرا والانفاس تتلاحق بين خروج وولوج، لكنه لم يكترث، حقا لم يفعل.
أطلق سراح الحروف ممزقة ما تبقى من كبرياء احتسبه لنفسه وَهْما، قبل ان ينطلق هاربا من طوفان سيبلعه لا محالة ...
(لم يدخل هذه الشقة .... سوى أمي غالية ... وجارح مرة واحدة ... ولا أظنك ستقرفين منه .... فأنت أعلم بطبعه ...)...
...............



..... **الله***
رفع وجهه للسماء لتظهر له النجوم الساطعات تبرق بنور شعر به مرسلا إليه خالصا، وسط ظلمة شبيهة بخاصته، فعاد خطوة الى الخلف، ترافقه تنهيدة حارة قطعت مئات من الكيلومترات لتصل عبر الأثير في ثوان معدودات، فنطق البروفيسور بهمس حذر ....
(أنت معي؟!!)... صمت فاحترم الآخر صمته، ومنحه مساحة من الحرية مرغما، ومستغلا إياها في التضرع إلى الله، أن لا يفقده، ومحاولا تمالك دقات قلبه المتسارعة في سباق قاتل.
)لماذا يفعل بي هذا؟!).... بلل البروفيسور شفتيه وهو يجلس على أريكة الردهة، يجيب سؤاله البائس ....
)أنا لا أعرف وضعك .... لكنني أثق في عدالة الله ... وحكمته ....)... مسد البروفيسور على جبينه منتظرا رده، وقد هدأ قليلا يستعيد ثقته ببراعته.
)أنا لا أعني الآن.... ).. قطب، وفتح فمه ليتحدث لكنه آثر الصمت، حتى قال أسامة ....
)لقد كنت طفلا صغيرا .... لماذا سمح بما حدث لي؟؟...)... تنفس بعمق وهو يريح ظهره على مسند الأريكة، يقول بحزن ...
)ما يحدث في الصغر ... يكون نتيجة اختيار الوالدين.... ليس للطفل فيه أي ذنب ...والله يمنح للطفل فرصا كثيرة ...على مر مراحل عمره كي يعود إلى فطرته ....ويجد نفسه التي أضاعها من يفترض بهما أن يحافظا عليها.... ).... حل الصمت، فاستدرك البروفيسور بتعمد ....
)وأنت خير دليل ....)... ابتسم بإشفاق، حين أتاه السؤال بلهفة ....
)كيف ذلك ؟!)....
)بحثك عن العلاج ... وطلبك للمساعدة .... فلو كان الله لا يكترث بك .... كنت الآن ميتا على سوء خاتمة .... فقتل النفس حرام .... لكنك تراجعت واتصلت .... من تظن هداك لذلك ؟!...)...
أطرق سمعه لوتيرة أنفاسه المتوترة، فأضاف .....
)ألن تقص علي ما يضنيك ؟... وأوصلك لظلم نفسك؟!)....
صمت أسامة وهو يهوي على الأرض وسط الظلمة الحالكة، في نفس اللحظة التي جاءت صباح تحمل صغيرتها وتخبر زوجها بنبرة التقطها الآخر رغم خفوتها ...
)ترفض النوم من دونك حبيبي ... )... ابتسم البروفيسور وقد نسي كل بؤس الآخر، يتلقفها بيد واحدة ويدسها داخل حضنه وهي تنطق بحب ....
)با ... با ... دعا... با با ...)... كان البائس متجمد وسط الخلاء ينصت بتركيز فاجأه، بينما البروفيسور يهمس بعشق أبوي فطري لابنته .....
)مهجة القلب ..... آسف لأنني تأخرت عليك .... سأتلو عليك الدعاء حبيبتي ... يمكنك النوم بسلام يا قلب ابيك ....)... لم يرى الدموع كيف انطلقت كقطرات تنذر بسيل عرم، تلاه شهقات حارقة جمدت الدماء في عروق البروفيسور، فطوق صغيرته يهدهدها، هامسا لها بآية الكرسي، متعمدا ذلك حتى هدأت شهقات البائس، وغطت صغيرته في نوم عميق آمن.
(هل نامت ؟؟)... سأل أسامة بنبرة فارغة، بعد صمت امتد للحظات ملحوظة، فرد البروفيسور بحذر ....
(لا أريد التحدث عن ابنتي .... فأنا لا أعرفك ....)... ضحك أسامة بمرار، ثم قال ....
(هل تخاف عليها ؟؟).... رد بتلقائية....
(من الطبيعي أن أخاف عليها ...فهي ابنتي ...)...عاد يضحك بمرارة اختلطت بالسخرية، يقول ...
(ممن تخاف عليها أكثر؟؟).... جعد البروفيسور جبينه حيرة وتفكير، في نفس اللحظة التي يجيب فيها ...
(أخاف عليها من كل شيئ .... من كل شر ... من كل أذى ...)...
(وأنت ؟؟)... قاطعه فرد بريبة ....
(ماذا عني؟؟).... جمع أسامة ركبتيه يضمهما إلى صدره، يقول بحقد لمع ببريق مخيف، وسط الظلمة الحالكة ...
(ألا تخاف عليها منك أنت؟؟)... جف حلق البروفيسور، وأنزل مقلتيه إلى ابنته بتمهل، الرعب والخوف قد تشكل فيهما بذكرى أليمة تركت ندبة رغم بهوتها إلا أنها لازالت تحتل مكانها. ......
وقال بوجوم ...
(بلى .... أنا أول من أخاف منه عليها .....)... شهق أسامة يسأل بصدمة .....
(هل يمكنك أذيتها ؟؟).... منح صغيرته قبلة على خدها يرد بثقة .....
(أسأل الله الموت قبل أن أتسبب في أذى لها .... ).... تنفس بحدة يقول ....
(كيف تكون واثقا ؟؟.... أم لأنك لم تجرب الظلم من أقرب الناس اليك ؟؟).... اتسعت مقلتي البروفيسور فجأة بإدراك، فسأل ليتأكد ....
(من منهما قام بأذيتك ؟!... والدك أم والدتك ؟!)... كان رده أنفاس عنيفة تشي بمدى انفعال صاحبها، فقام مع ابنته متوجها إلى غرفتها، يمنح نفسه لحظة استجماع لمشاعره التي تبعثرت لوهلة.
وضعها بحذر دون أن يترك الهاتف المثبت بين عنقه وكتفه، ثم اتكأ على سريرها يتأمل براءة وصغر ملامحها.
كائن صغير لا حول له ولا قوة، سوى سحر خصه الله به ينثره على ذوي القلوب الرحيمة، إلا أن السحر قد لا يصل تأثيره إلى قلوب مرضت وفقدت آدميتها، وانحرفت عن الفطرة السليمة، لتصبح وحوشا مفترسة لا تفرق بين صغير أو كبير، ولا قريب أو غريب.
استجمع أنفاسه اللاهثة، وقال بنبرة غاصت إلى قاع فؤاده، الذي كان يوما معلولا. ويده لا تفارق خد الصغيرة في لمسات حنونة، قد تظهر خفيفة لكنها في الأصل ذات تأثير عظيم.
(كل إنسان مسؤول عن نفسه .... يا غريب .... قد تكون تعرضت للظلم في الصغر .... لكنك كبرت ... و نضجت بما يكفي لتخرج نفسك من العذاب ... ابحث عن نفسك التائهة منك ... وجدها فهي تستحق ... أن تحارب من أجلها...)... عاد الصمت يجثم بثقل هيبته، ليقول بعدها بكمد ...
(لقد كان ..... والدي ....)...
أسدل البروفسور جفنيه بأسى، وسحب كفه من على خد ابنته، ليمسح بها دمعة يتيمة من بقايا فيضان كان يوما وولى ليحل محله الربيع بخضرته.
ثم أخبره بما جعل الآخر يشهق بحدة، بينما بياض مقلتيه يبرق وسط الظلمة من شدة الجحوظ.
(وأنا كانت ..... والدتي ...).


......................................

اليوم التالي .....

مدينة الجبل ..... المشفى .... القسم النفسي ...

ربتت طائعة على ركبتيها مشجعة، فنطقت على مضض، وهي تضغط على قبضتيها بينما المفتش طارق ينتظر بصبر، لا يريد استعجالها مخافة انتكاسة مفاجئة، إذ لم يصدق حظه حين اتصل به اسماعيل يخبره عن استعداد الضحية للبوح.
(كل شيئ بدأ حين وجدت ... طرفا من ثوب أبيض باهت... عليه نقاط حمراء ...محشو بأمور غريبة ... وسط ثيابي....)... صمتت تومئ سلبا، وهي تقول بغل ...
(بل قبل ذلك ..... منذ ان قرر عمي أنني ... من نصيب بكريه ... )... نظر طارق إلى الدكتورة، التي أومأت له بالصبر، فعاد إلى بلسم التي رفعت رأسها، تكمل بألم...
(لم أكن رافضة.... أقسم على ذلك.... فأنا كنت صغيرة ... لا أفهم حتى معنى الزواج... فكيف أخشى ما لا أعرفه؟! ... لكن ...)...
احتدت مقلتيها، تكمل بغضب ....
(منذ أن حاصرتني زوجة عمي ... لتهددني ... خفت ...بل أصبت بالرعب.... وكل يوم تراني فيها تهددني .... بالحرق أنا وامي ... إن لم ...ابتعد عن طريق أولادها.... كرهتها ... وكرهت ابن عمي ...والزواج برمته...والآن...)... ذرفت الدموع، وهي تضيف بحرقة ....
(صرت أكره ...والدي... (والدي)... بسبب إهماله .... وأمي .... (أمي) .... التي عاندت زوجة عمي ...واقسمت على كسب حرب نساء .... دون أن تكترث بي .... أنا ..ابنتها وحيدتها ...).... شهقت تلقي بالوجع من جوفها، فتحدث طارق بهدوء مشفق ....
(كيف حدث .... ما حدث لك ؟؟)... مسحت خديها بعنف، ترد بحقد ....
(الجميع يعلم عن مكان الدجالين في بئر السواد .... كما مكان العاهرات... تتوسطهم ...مقبرة المدينة ..... يا له من تناقض غريب ..... موجع ... والأغرب صمت الجميع .....واستمرار نكران الأمر.... وكأنهم يتوقعون اختفاء البئر ... والتحامه بالقبور .... ).... مططت شفتيها في بسمة ساخرة، تكمل بتهكم مشمئز ...
(لا يعلمون ... أن من لم يوقظه ذكر الموت ...ورؤيته .... فلا قلب له ... لا يعلمون أن قلوب أولئك قد ماتت وانتهى الأمر.... فما الذي سيوقظ قلوبهم .... بعد مقبرة ... تُشَيَّع إليها الجثمان كل يوم أمام ناظريهم ....أو حتى كل نصف يوم ؟!....)...
(وكيف حدث الأمر؟!).... تشنجت وهي تنكمش على نفسها، فمنح الطبيبة نظرة استجداء، استجابت لها تربت على ظهرها بخفة، وتهمس لها برقة ....
(لا تخافي ... فقط اذكري ما ليس صعبا عليك ....)... بلعت ريقها، وشدت على ضم نفسها كي تتمالك ارتعاشها، تقول ببؤس دون ان ترفع رأسها .....
(قصدنا اثنين قبل ذلك الحقير ... امرأة ورجل ... كل منهما كان يطلب أمورا غالية وغريبة .... ثم يرسلنا للثاني .... إلى أن اخبرنا الحقير... أن زوجة عمي قد دفنت سحرا أسود لي تحت التراب في المقبرة ... ولن يطلق سراح الجن المربوط به ...إلا إذا بتُّ ليلة كاملة ..... في قبر مفتوح.... )... صمتت تغمض عينيها بشدة، وهي تكمل بنوع من الهدر ...
(كنت خائفة .... أقسم أنني توسلت أمي أن لا نكمل في الأمر...رجوتها ... وبلّغت أبي برفضي للزواج من ابن عمي... لكنهما أصرا على الأمر.... وترك أبي أمري لأمي ...كعادته ....فلا حضور له في البيت بمجمله .... )... بدأت تنحني على بطنها التي طوقتها بذراعيها، وتعود في حركات رتيبة في قعودها، فعاود طارق النظر الى طائعة التي أشارت له بالصمت والصبر.....
(رافقت امرأتين ... الى غرفة فيها سرير حديدي لعين وحيد ... وأسقتني احداهما دواء ..... اخبرتني أنه للاسترخاء ... كي لا أصاب بالخوف حين أنزل للقبر .... شعرت بالدوار.... فلجأت إلى السرير... وبعدها ..... حدث كل شيئ ... دون أي قدرة لي على المقاومة.... وعيٌ حاضر وإن أصابه الدوار ... لكن باقي بدني ... مخدر ... ).... صمتت عن الكلام، عن البكاء، فقط تتحرك برتابة، وقد تاهت مقلتيها الى السراب.
زفر طارق وهو يمسح على عنقه، يود لو يتحول الى عنق الحقير، كي يفصله عن باقي بدنه، وسأل بوجوم ....
(هل ستعرفينه إن رأيته؟!).... تجمدت مكانها، فقطبت طائعة تحبس أنفاسها، لكنها كانت أقوى وهي ترفع رأسها ترد بتوحش لا يليق برقة ملامحها ...
(أعرفه بلحيته المزيفة .... ودون لحيته.... أستطيع لمحه وسط ملاين من البشر .... )... ابتسم طارق بظفر يقول وهو قائم .....
(جيد إذن ... سنحضر لك الصور في ما بعد ... استريحي الآن... شكرا لك ....)... لم تنظر إليه، بينما هو يلتفت مثل طائعة إلى الباب الذي فتح بحدة، يعبره ثلاث رجال يتبعهم الأمن يصيحون بغضب ....
(ليس من حقكم الدخول.... رئيس القسم قادم ... والشرطة هنا... )... هم الرجل الممتلئ بالحديث، فقاطعه الأكبر منه سنا ذو الطلة المهيبة في جلبابه الأبيض، يقول بهدوء مهدد....
(الزم حدودك ... فنحن هنا من أجل ابنتنا .... ولدينا كل الحق .....)... كانت بلسم قد انتفضت منذ دخولهم العاصف، تختفي خلف ظهر طائعة، وكلها يرتجف.
اقترب طارق قائلا بتبرة جافة، حازمة ....
(ماذا يحدث هنا ؟؟.... كيف تقاطعون جلسة تحقيق رسمي ؟!)... بلع الرجل الأول الذي تعرف عليه طارق مذ لمحه، ريقه توترا، بينما الآخر تابت مكانه لا يتقهقر، ليرد الشاب بينهم قائلا بمجاملة...
(نحن آسفون ... لكنه خطأ المشفى .... فهم يرفضون السماح لنا بلقاءٍ مع قريبتنا .... كما لا يخبروننا عنها أي شيئ ....)... هز طارق رأسه ولم يتخلى عن الحزم وهو يقول ....
(هذا لا يمنع ...أنكم اقتحمتم المكان دون اذن من الجهات المسؤولة ... وأنا في خضم تحقيق مع الضحية ....)..
تحدث والد بلسم يقول بتلجلج ...
(هل حققت مع ابنتي ؟؟... ماذا قالت ؟! .... أقصد لا تصدق أي مما ستقوله ... فهي في حالة شائكة ... )... رفع طارق حاجبه يرميه بنظرات ساخرة، وبلسم تظهر من خلف طبيبتها المراقبة للوضع بدهشة تصرخ بوحشية ...
(أنا لست مجنونة .... هل سمعت لست مجنونة!!)... التفت حولها الأنظار، فبسط والدها كفه إليها يقول بإشفاق أصاب قلبه بسبب هيئنها المزرية....
(ابنتي .... تعالي إلى أبيك ...لا تخافي ...).... تكمشت على نفسها وعادت تختفي خلف طائعة، ليقول جاسر المبهوت، من تلك الزهرة الرقيقة التي قد ذبلت ألوانها وانطفئ بريقها ...
(بلسم كيف حالك؟؟)... لم يلمحوا ارتفاع زاوية شفتها العليا تهكما، وعمها يقول بنبرة لا تفضي لأي تفسير ....
(اسمعي وعي ما سأقوله .... يكفي ما لحق بنا من فضائح ...بسبب تهورك ووالدتك .... رافقينا إلى البيت ...وأقفلي فمك ... قبل أن تتسببي في مزيد من المصائب .....)... تدخل طارق يهتف بجفاء ....
(وما هي هذه المصائب .... يا سيد ؟!.... ولما تريدها أن تقفل فمها ....فهي الضحية ...ويجب أن نعيد إليها حقها ....ونقتص من الظالم ...)... نظر إليه الحاج مسعود عدنان، يرد بنفس الجفاء ....
(أنا عمها .... ونحن لا نعلم من الظالم ؟؟.... لذا نريد التستر على ابنتنا ... يكفي ما لحق بنا من عار حتى الآن....)... ضم طارق ذراعيه الى صدره يسأل بسماجة متعمدة ....
(وكيف ستتستر عليها ....يا حاج عدنان ؟!)... أشار الآخر إلى الشاب الذي عبست ملامحه، يجيب بثقة ....
(ستتزوج من خطيبها ....كما خطط له منذ البداية....)... زفر طارق بضجر، يرد بقنوط ....
(طبعا كي تضمنوا إخراسها إلى الأبد.... ويلوذ المجرم بالفرار .... يا إلهي!! .... إن كان هناك من يستحق دفع الثمن ... فهو المجرم ...وليست ابنتكم....)... هتف والد الفتاة بحنق، بينما يلمح تشبث ابنته بطائعة ....
(ماذا تقول يا حضرة المفتش ؟؟.... ابنتي لن تدفع ثمن اي شيئ.... فابن عمها سيصونها .... ونقفل أفواه الناس ...)... (وماذا عن فيه حماتها ؟!).... عقدوا حواجهم بريبة، فاستطرد بسخرية ....
(فما فهمته أن كل ما حدث ... نتيجة حرب نساء شعواء.. وإهمال رجال أصحاب فخر ... أطرافها عم قرر ...ووالد وافق .... وزوجة عم رافضة ... تهدد بلا حسيب ولا رقيب ... ثم والدة أنانية ... أقسمت على كسب الحرب حتى وإن كان الثمن ابنتها...
أين العريس والعروس ... من كل هذا؟!)....
حل الصمت وجاسر يناظر والده، الذي نطق بنبرة توشك على الانفلات ....
(العريس موافق... أخبره يا عريس ....)... استدار جاسر بعد ان منح بلسم نظرة غامضة، يهم بالرد فمنعه طارق يقول بدلا منه ....
(لا تتعب نفسك ... فالعروس غير موافقة ... سبق وأخبرتنا .... كما أخبرت والدها ..... لكنه على ما يبدو حسبه مجرد دلال فتيات ....أليس كذلك يا سيد عدنان؟؟)... احمرت أذناه توترا، وإحراجا، ليتدخل الحاج بغضب طار لجامه .....
(ليس لها الحق في الرفض.... لقد فقدته .... حين فقدت شرفها ...وشرف العائلة... ومرغته في الوحل .... يكفي تعنتا !!... )... تأهب طارق، بينما جاسر وعمه يحاولان تهدئة الثائر المسترسل ساخطا، وبلسم ترتعد بشدة بين يدي طائعة .....
(سمعتها ساءت بسبب الفضيحة ....فضحت نفسها وفضحتنا . ..... فمن سيقبلها كزوجة بعد الذي حدث ؟؟)....
(أنا !!)... وقع عليهم الصمت كصاعقة، أخرست الألسن، وجمدت الدماء في العروق، ليجحظ الحاج بمقلتيه ويتحرك اللسان كاسرا الحجر الذي جثم عليه بثقله ينطق بصدمة ....
(ج....ارح)....
......................

بئر السواد ....

ما إن أغلقن باب البناية خلفهن حتى أسرع الى غرفة والدته.
الظنون تتآكله طوال ساعات الليل الممتدة على غير عادتها تطيل من عذابه. لمحها في مكانها تمسد على القط اللعين الذي يشعر بنفسه سيرتكب جريمة في حقه، وفي حق الأسود الذي وقف متأهبا يكشر عن أنيابه، كأنه حارسها الخاص.
رفعت عينيها ذات الخلطة السحرية من الغموض، وتلك الابتسامة الزاحفة بين ثنايا التجعيدات المحيطة بشفتيها.
(هل سمعت الدرويش؟؟؟)..... زمت تلك الشفتين لتتضاعف الثنايا تجيب ببساطة ...
(لا ... )....عقد جبينه واقترب متجاهلا القط الأسود الذي لا يكف عن الخرخرة بوحشية، ثم جلس القرفصاء أمامها يقول بجدية .....
(قال حديثا غريبا ... حفظته كلمة ....كلمة .... لم أفهم منه .... سوى الكثير من الأطماع والحقد .... والانتقام .... وأخيرا العودة إلى أصلي .... هل تعلمين ماذا يعني هذا؟!)... تنظر إليه بتمعن وكأنها تبحث فيه عن شخص، أو أمر ما. ليضيف بحنق....
(يعني أن أعود إلى والدي .... فما الذي يعرفه لا تعرفينه أنت ؟!....وما علاقة الدرويش بأبي؟! ... أخبريني ....)... أدارت رأسها إلى القط دون الكف عن تمسيد فروته بحنو، ثم قالت بنبرة متباعدة ....
(أنت من رفض العودة إلى أهلك .... وتريد الحقيقة كلها .... فابحث عنها .... وأجمع الشهود عليها .... فلا خير في كلمة .... تصدر من غير أهلها....)... زفر ثم رد بحنق ....
(لا مزيد من الألغاز.... تحدثي ... )... لم ترفع عينيها عن قطها تسأل بحيرة مزيفة ...
(لما لا تذهب إلى والدك وتسأله ؟!)..... سحب القط المسكين من بين يديها ووضعه على الأرض، يهتف بغضب ....
(أنظري إلي... وتحدثي معي!! .... أنا لا أريد مقابلته هو!! ....)... ضربت ذراعه بتأنيب تجيبه بجفاء ...
(ارحم هري الصغير ... لا ذنب له في ما يحدث معك ...)
(وما ذنبي أنا ؟!)... سأل مفاجئا نفسه قبلها، فنظر إليها بترقب، وهي تمنحه نظرة نادرة من الحنو والرقة، سريعا ما وأدتها، تجيب بوجوم ....
(ذنبك أنك لا تريد العودة إلى عائلتك ... فتحمل النتائج .... )... تنفس بحدة، وهو يستقيم واقفا، بينما هي تعيد هرها البني الى حضنها.
(لن تخبريني بشيء .... حسنا ... سأقصد السجن في زيارة... فلا أحد سيثنيني عن ما أريد الوصول إليه .... لا أحد ...)...
انصرف بخطوات عنيفة، وهي تهمس لقطها بحقد وتشفي لا يخصان ابن بطنها ...
(لن تكون ابن بطني .... إن لم تحقق هدفك ... أنا أعلم ... وأنا انتظر .....).....
........................

**دار الجبل **

تجولت بين الأقسام هاربة من ضغط مشاعرها، لا تستطيع ادعاء التجاهل اكثر من ذلك. وكأن انسانيتها التي ظنتها فُقِدت على يد الوحوش قد عادت تتفتح مجددا تزهر بحنانها، وهي ترى مظلومين أكثر منها، وفي عمر البراءة. تلك النظرة من مقلهم تقتلها، تجلد لحمها بسياط اللوم والتأنيب.
توقفت حين التقطت مقلتيها احدى الكلمات المكتوبة على باب القسم، لتعيد قراءتها مجددا. **نادي ضحايا الاغتصاب**... تحته مباشرة ...**مجموعات المساعدة الذاتية**...
عادت خطوة إلى الخلف تهم بالفرار من المكان برمته، ليوقفها صوت يقطر بؤسا تتبعت مصدره، فاتجهت نحو نافذة أطلت منها لتلمح حلقة شكلت من كراسي حديدية، وسط القاعة تشغلها فتيات متفاوتة الأعمار. قطبت تطرق السمع للتي تبكي بحرقة وهي تتحدث بينما الباقي ينصت بتركيز أغلبهن دمعت مقلهن....
(كان يهددني .... ولم أستطع الدفاع عن نفسي ... كان يعرف طباع والدي .... عصبي ويحملني مسؤولية أي شيئ يحدث معي ... أحيانا أشعر أنه يكرهني لمجرد أنني فتاة ... تسلل الى البيت في غياب أهلي ... واعتدى علي ... وبعدها هددني ... مرة تلوى الأخرى... حتى حملت ... )... جحظت مقلتي رباب، وتحجرت مكانها تقاتل لتفارق بين ضربات قلبها ونبرة الفتاة البائسة ....
(افتضح أمري .... وأجهز علي أبي بالضرب.... حتى غبت عن الوعي ...لأجد نفسي في المشفى ... وقد اجهضت ... )... ربتت عليها التي جوارها، تقول بحنو ..
(هوني عليك حبيبتي .... نحن معك ... ولله معنا ... أكملي ولا تخافي ...)... شهقت الفتاة بكمد، ومسحت دموعها تكمل بوجوم ....
(في النهاية ... زوجوني إياه... ليبدأ جحيما من نوع آخر ... كنت على وشك قتل نفسي ... فقط كي أرتاح من العذاب ... أو حتى الهرب من الجحيم .... لكنني كنت جبانة .... أجبن من ان أنفد ذلك ....)... تدخلت سيدة أنيقة، بعيدة عنها نسبيا، تقول بهدوء ....
(لا ....لست جبانة ....بل قوية جدا .... )... رفعت الفتاة البائسة وجهها، تنتبه لقولها المسترسل بقوة ....
(لو استسلمت للشيطان ...وقتلت نفسك .... حينها فقط ...ستكونين جبانة ....خاسرة .. القوة في التصميم على إيجاد الحل ... التصميم على تغيير الحال ... القوة في إيجاد النفس... والعيش بكرامة .... انت قوية ...لأنك سعيت وبحثت عن نفسك ...ولم تستسلمي للسوء ... وتقولين بتخاذل ...إنها حياتك ....أو إنها ظروفك ....)... أشارت للفتاة ما، ولأخرى وأخرى ... تكمل بإعجاب....
(هي قوية..... لأنها تحدت ظالمها ....ولم تستسلم لتهديده وتنحرف عن الطريق السوي .... وهي قوية ...لأنها فضحت الظالم ولم تتستر عليه خوفا او خجلا .... وأنا ....)... أشارت لنفسها تضيف بقوة .....
(وأنا قوية .... لأنني سجنت الحقير ... وتعالجت ... ولم أمكنه من تدمير حياتي ....بل أكملت دراستي ...وسخّرت جهودي في مساعدة الأخريات... في مثل حالتي .... واصبحت طبيبة نفسية من أجلهن .... )... انتشرت البسمات الزارعة للأمل على الثغور، وهن يراقبن قوة قولها وكلماتها الراسخة في الأدهان .....
(كن قويات من أجلكن .... كن قويات كي تعشن حيواتكن ... كن قويات لتدرسن .... وتبنين أسرا سليمة .... فأنتن ركيزة المجتمع .... المرأة من تربي ... وتبني المجتمع ... تجنبن أخطاء أهاليكن ... واجعلن تعاليم رب العالمين ...أساس حياتكن اليومية ....وقاعدة بناء أسركن ...وحياتكن بصفة عامة .... كن قويات بالله .... يكن الله قوة لكن ....)...
تركت النافذة وهوت على الأرض تبكي بحرقة، وهي تغطي فمها كي تكتم شهقاتها الحارقة. تلك الكلمات، تلك المرأة تحدثها هي، من تخاذلت واستسلمت..... وسلمت.
......................

غير بعيد عنها ...

اقتربت من السيدة حليمة تعبس في وجهها، فابتسمت الأخيرة بدفئ، وأمسكت كفيها تضعهم على قلب الرضيع، ثم أشارت لها كي تغمض مقلتيها وتنصت.
قطبت سهر تقول بتبرم ....
(و ما علاقة دقات قلب الطفل ...بقصة لسانك المقطوع ؟؟)... عبست الأخرى بخفة تنهرها، فسارعت سهر تستدرك بحنق طفولي ...
(حسنا .. حسنا .. سأفعل ...)... وضعت كفها على صدر الصغير، وأغمضت مقلتيها تنصت لدقات قلبه المسرعة، وتقول بحيرة ....
(تك تك تك .. دقات الطفل ... تكون مسرعة بشكل طبيعي ... ما الجديد في ذلك ؟؟)... فتحت مقلتيها لتجد السيدة حليمة محافظة على بسمتها الدافئة، تشير لها، فلم تفهم لتسأل بنفاد صبر ....
(أنا لا أفهم لغة الإشارة....)... زفرت حليمة وهي تستدير لتسحب ورقة من حقيبتها وقلما، كتبت شيئا ما، ثم سلمته لها ...
(كيف سأحكي لك عن قصتي ...وأنت لا تفهمين لغتي ؟!)... زمت سهر شفتيها تفكر، ثم هتفت بظفر ....
(اكتبي ...وأنا أقرأ....)... أومأت حليمة بيأس، ثم عادت تكتب ....
(لن أستطيع كتابة كل ما أريد قوله ...الأسهل... أن تتعلمي ... بعض الإشارات... ومع الوقت ...ستفهمين ....)... جعدت دقنها تفكر مجددا، ثم قالت باسترسال مقيت، بينما الأخرى تراقبها بسأم ....
(لا أعلم إن كنت سأتعلم ....فأنا بطيئة الفهم .... والداي يقولان ذلك باستمرار ... حتى أنهما يظنان أن ذلك سبب تأخر زواجي ... وصديقتي أيضا ... ضجرت مني وابتعدت عني ... ليس معنى ذلك أنهم محقون ... لكن لا أعلم ... فصديقتي مذ تزوجت ابتعدت عني ... وتعللت بذلك ...لكنني أظنها تخاف على زوجها مني ... والآن أخي ايضا مل مني ... وألقى بي على جارته سترة ... تعرفينها التي أحضرتني هنا ... لا اعلم ماذا أفعل هنا؟!... لكنه أفضل من الفراغ المميت الذي أعانيه ... هو ليس فراغا بمعنى الكلمة ... لكنه روتين قاتل .... خصوصا وقد تزوجن أغلب فتيات العائلة .... منهن من لا ادري حقا ... كيف وجدن ازواجهن ... فمنهن الكسولة ... والغبية ...والساذجة ... واللئيمة .... على العموم ... سأحاول التعلم ... لكن من فضلك ... اعطيني خلاصة ... جملة من كلمتين ... لا ... تلات كلمات ... بل خمسة !!... خمسة فقط ... كي أفهم جيدا ... اكتبي جملة من خمس كلمات كخلاصة لقصة لسانك .....)... ابتسمت لها بسماجة، فتأملتها حليمة بحزن لبرهة، قبل أن تومئ موافقة، وتمسك الورقة كي تكتب عليها، ما جعل الأولى تبلع لسانها شاهقة بصدمة. ....
(لأنني١.... كنت٢...... أملك٣.... لسانا٤... ثرثاااارا٥... ..)...
...................................


المدينة السياحية .... شقة أسامة ....

فتح باب الغرفة، وبحث عنها ليلمحها متكومة على الأريكة المقابلة لسريره الذي لم يحظى بفرصة لتوديعه. لا زالت بثيابها والطرحة تغطيها بالكامل. استرجع كلماتها الموجعة له فهتف ببرود ...
(نوران استيقظي !!!)... انتفضت مكانها بفزع، ورفعت وجهها للسقف تتفحص المكان حولها بسهو، فأخفى بسمته الماكرة وهو يتوغل داخلا.
رمشت مرات عدة، كي تستوضح الرؤية، لتنهال عليها الذكرى مرة واحدة فتهتز واقفة تجيب بغضب ....
(ماذا تفعل هنا ؟؟)... تخصر يرد بامتعاض ....
(أستجيب لتهديدك .... وألعب دور العريس المحظوظ .... )... ارتبكت تفرك كلتا كفيها، فقطب متمعنا في انتفاخ مقلتيها يسأل بقلق ...
(هل كنت تبكين؟؟)... رمته بنظرة رافضة، ترد بسخط ...
(لا ... لماذا أبكي ... إنه التعب جراء الحفل الغبي ... )... أومأ بشك، ثم قال . ..
(هاتفتني أمي ... سيأتين بعد ساعة ... من الأفضل لك ...أن تسرعي ... إن أردت اقناعهن بدور العروس السعيدة ... )... بللت شفتيها تقول بحنق ....
(لماذا الزيارة باكرا هكذا ؟!.... قلة ذوق ...)... ضحك أسامة في عمق وجومه، يجيب ساخرا....
(لقد انتصف النهار يا نوران....)... عقدت جبينها بقوة، ثم نظرت حولها كأنها تبحث عن شيئ ما، فسأل ....
(عما تبحثين ؟؟)... رفعت إليه رأسها، ثم قالت ...
(أخرج من هنا ...ماذا تنتظر؟؟)... مطط شفتيه واتجه نحو خزانة ملابسه، يبرطم بسخط ...
(نسيت أن هذه غرفتي ...واستولت عليها .. حتى دون إذني ... مجمد بارد ...)... اخذ ملابسه وانصرف تحت أنظار نوران المدهوشة، تهمس بصدمة ...
(مجمد بارد؟!)... اغمضت مقلتيها وتنفست بعمق مرات عدة، حتى تمالكت نفسها، ثم تقدمت إلى منضدة الزينة، تمنح نفسها نظرة عامة، فعبست غير راضية عن شكلها المزري، لترفع كفيها تبحث عن مكان تبدأ منه بنزع طرحتها.
مرت نصف ساعة دون جدوى، فزمجرت بغل، تسقط ذراعيها إلى جانبيها تعبا. لتسمع دقات على باب الغرفة، تلاها نبرته المتسائلة ....
(هل أنت بخير؟؟.... بقي نصف ساعة ... لقد جهزت بعض العصائر ... لكن يجب أن أعيد ملابسي ... داخلا ... )... ضمت شفتيها بحيرة ساخطة، ثم قالت على مضض ...
(أدخل)... لم يفعل يقول بدل ذلك ...
(هل أنت متأكدة؟!.... لقد طردتني لتوك ...)... رفعت راسها تنفخ بضجر، فتأوهت حين آذت نفسها من الدبابيس، لتهتف بنفاد صبر ...
(أسامة !!... لا وقت لمزاحك الثقيل!!)... دفع الباب بخفة، يطل برأسه مبتسما بسماجة متعمدة وهو يقول ..
(إن لم تغيري ملابسك ... سيُنفّدُ تهديدك ... اليوم ... ولن يعد للمسرحية من داع ....)... تخصرت تخبره بجمود ....
(تعال وساعدني في فك هذه المعضلة ... صنع الصاروخ ...لن يكون بهكذا تعقيد .... )... لاحت بسمة حقيقية على شفتيه الغليظتين، وتقدم نحوها غير غافل عن الارتعاش الذي أصابها وهي ترمق انعكاسه في المرآة.
لأول مرة تراه في حلة منزلية، سروال رياضي وكنزة ذات فتحة عنق دائرية. فرت منه بمقلتيها، حين بادلها النظرة في المرآة، ثم قال ....
(كيف أساعدك بالضبط ...)... بلعت توترها مع ريقها، تنظر إلى طرحتها بقلة حيلة... ترد ...
(لا أعلم ....)... هم بمد كفيه، فتراجعت تلقائيا، ليعيد كلتا كفيه إلى مكانهما، ينظر الى انعكاسهما معا.
هي في قفطانها الأبيض. طرحتها ذات التاج الذهبي، وهو في حلته الرياضية كشاب وشابة محبين تزوجا حديثا.
تشكلت المرارة على ملامحه، يقول بوجع ....
(حقا .... المظاهر خداعة .... لو فقط يعلم....)... سألت ترمقه في المرآة....
(من؟!)... عاد يبتسم بتهكم، يجيب في نفس اللحظة التي سحب فيها التاج بحركة خاطفة، لتقع الطرحة برمتها على الأرض، وتسترسل خصلاتها المصففة دفعة واحدة عبر طول نصف ظهرها ....
(الإنسان ....)... شهقت بخفة وهي تمسد على شعرها، بينما هو يستدير خارجا بعد أن وضع التاج على سطح المنضدة، يقول بجفاء تمكن منه ......
(أسرعي ... لا وقت لدينا ....)... جمعت الطرحة من على الأرض، وهي تهمس بسخط ....
(إنهم محقون ... فهو لم يمنحني نظرة واحدة ... ).. تجمدت خطوتها أمام الخزانة، تتساءل بحنق ناهرة نفسها ....
(وأنت ما حاجتك لنظرة منه ؟!... حمقاء... التعب سيقضي على تعقلك .....)....
..............................

مدينة الجبل .... المشفى ....

(أنا!!)....
هل تلجلج والده في وقفته أم أنه فقط ظن ذلك؟!.
(أنا سأتزوج بلسم .... وسنسجن الحقير .. الذي تحاولون التستر عليه ....).... مسح عمه على وجهه توترا، ووالده قد تحجرت أطرافه، عينيه تأبى الطاعة والانصراف عن ولده الثاني، الذي فقده بتعنته، لا!! بل ما فعله لأجل مصلحته، لأجل تقويمه، فما الذي حدث حتى فقده؟!.
(أخي ... لماذا تحمل نفسك مسؤولية ليست لك ؟؟)... تمالك أنفاسه يلجم ظلمتيه من الفرار لمن كان يوما جبلا صامدا من الأمان والسند، ليكون أول من خذله ويرميه للوحوش.
يقول بنبرة متهكمة جافة ...
(ولمن تكون تلك المسؤولية؟... لك ؟!...أم لهما ؟!... لأن لا أحد منكم اتخذ خطوة نحو الحقير ....وكل ما تفعلونه هو درء الفضيحة ...حتى لو كانت النتيجة تحميل الضحية ذنب الجريمة...) ..... حاول التحدث ولم يستطيع، لسانه شل داخل فمه، تماما كمقلتيه الرافضتين التوقف عن النهل من قسمات فلذة كبده. فاكتفى بالمراقبة، بينما شقيقه يتدخل بارتباك....
(يا بني أعلم ...أنك تقصد مصلحة ابنتي ... لكن ...)...
قاطعه الجارح يقول بحدة ....
(لا ... أنا سأتزوجها... لأحميها ليس فقط من الوحوش التي سلمتموها لهم بحمق ... بل منكم أيضا ....)... كان اسماعيل قد وصل خلفه تماما، يلوذ بالصمت يراقب الوضع بتركيز، وهو يلمح زوجته تضم بلسم الجاحظة بعينيها لا تصدق ما يحدث.
استرسل الجارح بعصبية يغطي بها خيبته، وحسرته. فكانت له فرصة لا تعوض ليبث فيها بعضا من آلامه وأوجاعه.
(أحميها من خطيب لم يحبها يوما !!....)... أطرق جاسر بخزي، فمن يعرفه أكثر من أخ كان كالتوءم بالنسبة له، حتى لو غاب عنه لسنين؟!
(ومن حماة رفضتها!!.... ومن والدين لم يهتما بمشاعرها... ولا رأيها في أمر عليه يبنى باقي حياتها !!... وأصلحوا خطأ بمصيبة أكبر ....)...نظرت طائعة الى بلسم التي أرخت قبضتيها بعد تشبثها الحاد، أنفاسها تتوالى بسرعة طاغية، وهي ترمق الجارح بصدمة.
(دائما ما تفعلون ذلك .... تدَّعون الاهتمام ...والتقويم ... وعند أول امتحان حقيقي... ينكشف المستور لتظهر حقيقتكم ... أن كل ما يهمكم المظاهر ... وإلى الجحيم بالباقي!!).. اتسعت عيون شقيقه وعمه، بينما والده يقول أخيرا، وقد استطاع تطويع لسانه ....
(بعد كل هذه السنوات من الغياب.... هذا ما يحمله قلبك لأهلك....الجحود ونكران الجميل ....)... استجاب لحاجة داخلية أنكرها، ونظر إلى والده فلم يستطع حبس السيل من الخيبة، منه هو خصيصا، يقول بوجوم .....
(ليس غيابا ....بل طردا .... أنت من طردني ...وألقى بي خارج بيته ..... أم أنك نسيت يا .... والدي...)... اسودت ملامح والده، رافضا ما يجول به خاطره من ندم، ليجدد عليه الشيطان الذكرى ويؤجج من غضبه اللعين، يصيح بغضب ...
(ما فعلته كان فعلا شنيعا ... اشكر ربك أنني لم أزهق روحيكما معا .... وكنت سأفعلها لولا رحمة ربي ...فطردتكما كي لا أفعلها!!)... لم يتحمل جارح وقد توالت على خياله الصور بقبحها، يصيح بدوره، والباقي يراقب بصمت ....
(يا ليتك فعلتها .... يا ليتك قتلتني ... ولم تلقي بي إلى الوحوش ليفعلوا بي .... ما هو أشد من القتل!!)... شهق والده بخفوت، وابيضت بشرة وجهه، بينما اسماعيل يطرق السمع كالصقر، وشقيقه قد لمعت مقلتيه غير متحمل الوضع برمته.
بلسم، هوت على كرسيها من هول ما تسمعه، وذكرى كل ما أخبرها به لا تفارقها، بل ظلت تنقش بمعالم معانيها في عقلها، حتى أنها رأته في كابوسها بدلا منها، وهو يضرب الحقير في رأسه بالحجر.
لم يفت والده ذلك القفازين الساترين لكفي ولده كجلد ثان، وهو يشوح بهما في الهواء، يكمل بنظرة خذلان يخصه به ....
(لقد تمنيت فعلا الموت على يديك ... حين واجهت ما هو أبشع... وفي وسط كل ذلك القبح ... كنت أفكر ان كونك والدي سيشفع لي عندك ... وكنت سترحمني حتى وأنت تزهق روحي ... كنت صبيا ساذجا غرا !!.... ولم أفهم أنكم دائما ما تصلحون الخطأ بكارثة!!) ..... حل الصمت سوى من هسيس أنفاس عنيفة، فرفع رأسه بإباء يضيف .....
(سأتزوج ابنة عمي بلسم ...وهي موافقة ....).... احتدت نبرة عمه يقول بغضب ....
(وهل ستتزوج بها رغما عني يا جارح ؟؟)... نظر إليه يقول بنبرة ذات معنى ....
(غريب يا عمي ... ألم تكن تبحث لها عن زوج ؟؟.... على الأقل ... أنا أطلبها بنفسي ....وليست مفروضة علي ... أليس كذلك يا جاسر ؟؟)... فر منه شقيقه يبلل شفتيه بارتباك، فقال عمه يقصد ابنته ...
(إن وافقت لن تكوني ابنتي ولا علاقة لك بالعائلة ....بعد اليوم...)..... علت ضحكة جارح بقسوة، حتى التفت حوله الأنظار المدهوشة، ليقول ساخرا وقد اختفى أي اثر للضحك ...
(غريب أمرك يا عمي... تتبرأ من ابنتك وتطردها خارج عائلتك.... بدل ان تحتضنها وتعلمها الصواب من الخطأ.... لكن ماذا أقول... إنها من قواعد دمك ....)... منح والده نظرة قاسية، مع آخر كلماته، فتحدث الأخير بجفاء ....
(هي لك ....تزوجها .... ولنرى ماذا ستفعل ؟؟.... فبالنهاية أنت تدّعي الرجولة.... لنرى ماذا علمتك الحياة.... ولن استطع تلقينه لك ؟؟)... انصرف ومن خلفه شقيقه يرغي ويزبد، بينما جاسر متسمر مكانه ينظر إليه بذنب واعتذار.
ربت اسماعيل على كتفه، فاستدار إليه...
(حاول أن تهدأ .... )... هز رأسه على مضض، ليولي انتباهه، لشقيقه الذي قال بتوسل ....
(أنا آسف أخي .... أعلم أنها متأخرة ... لكنها لم تتأخر سوى لخزي ... احتل جوفي من فعلتي ... إن قررت مسامحتي يوما ... فأخبرني ... وسآتي اليك بنفسي .... )... لم يجبه يرسل عينيه في رحلة حوله دونه، فأطرق رأسه بحزن وخطى مغادرا، ويقف مجددا حين نطق جارح بقوة ....
(أخبرهم أنني سأتزوج بها اليوم... الساعة .... إن أراد والدها أو عمها أن يكونا وكيلاها ....).... أومأ بتفهم، وانصرف.
تحدث طارق بشيء من الامتعاض يقول .....
(أعلم أن سبب زواجك منها الحماية ... لكن موافقتها واجبة ... وآسف لن أسمح لك بذلك ...إن لم تمنحك قبولها أمامي ... )... هم بالرد بغضب، لينخرس لسانه حين نطقت بنبرة مرتعشة، لكن وثقة ....
(أنا موافقة ....)... نظروا إليها، بينهم جارح الذي رغم كل ما مر به في يومه ذاك، اتخذت بسمة شاحبة طريقها إلى ثغره، لتبادله نظراته الممتنة بأخرى، مستجديه، متوسلة، .... أن لا تخذلني.
................................

سجن الجبل .....

تساءل في سره مجددا، عن سبب تواجده في أكره مكان إلى قلبه، لتصدح نبرة الدرويش تشق الفوضى في رأسه، وتعود الكلمات كما نطقها لا تغادر فكره. طوال طريقه والجدال في جوفه لا يهدأ، لقد وعد نفسه بنسيان كل ماضيه يوما ما، بالتحديد حين قرر تسليم والده، وانقاذ أخيه. لكن الماضي أبى نسيانه هو ليبعث له في السجن من يبث الشكوك في رأسه، ويعيد إشعال جذوة النار في أحشائه، ليقرر البحث من جديد.
وها هو يقف موقفا، هرب منه سابقا، حتى انه رفض لقاء والده داخل العنابر، وكان من حظه أنهما حُجزا في قسمين مختلفين، ليسوقه القدر حتى يأتيه برجليه، ويطلب زيارته بنفسه.
تأهبت حواسه حين فُتحت الأبواب الحديدية، ورفع بصره باحثا، لتتسع بقوة كما قفز الحاجبين فوقهما صدمة.
هربت منه شهقاته، ورجل مسن نحيف أبيض الشعر، مجعد البشرة الشاحبة، يتقدم نحوه بتعب ووهن واضحين.
اخذت منه الصدمة لحظات ممتدة حتى جلس والده ومنح نفسه برهة ليريح صدره الذي توالى عليه السعال، ثم نظر إليه يقول بتهكم....
(ما بك ؟؟.... وكأنك قابلت الموت!!).... لم يغير من قسمات وجهه يسأل بدهشة ...
(من أنت؟؟)... ارتفعت زاوية فمه بسخرية، لم تظهر بسبب اللحية والشوارب الكثيفة، يرد بنفس التهكم ....
(أنا يونس آل عيسى ....يا ..... يونس آل عيسى .... اسمين متطابقين .... لكن شتان ما بين صاحبيهما .... أحدهما قوي الشكيمة .....والثاني جبان ضعيف.... باع والده الذي أنجبه ...)... انفعل يونس، وقد عادت عليه السنوات كأنها لم تمضي، فتى تتقاذفه الأقدار بين والدين مهملين كل بطريقته، يهتف بسخط ....
(لست جبانا ولا ضعيفا ... يا والدي ... ولم أبعك .... بل أنقذتك من جريمة لو كنت اقترفتها ... ما سامحتَ نفسك ما تبقى من حياتك ....)... رفع أحد حاجبيه، وارخى ظهره على مسند المقعد يقول بمرار طفى على سطح بؤبؤيه السوداوين ...
(كلكم خائنون ... لا فائدة من الدم ...ولا العائلة .... كلكم جاحدون ... حتى أنت ... من جعلته قربي ... ولم أقبل ببعده مهما كلفني.... علمتك كيف تعتمد على نفسك ...وكيف لا تثق إلا في نفسك ... كي لا يطعنك احد ... كما فعلو بي ... لكنك طعنتني أنا ....والدك .... ومن أجل من؟؟)... هتف يونس بعدم تصديق ..
(من اجل أخي .... بكري آل عيسى ... بكريك ... ابنك ...)
(لا تقل ذلك ..... انه ليس أبني !! ابن تلك الخائنة ...لم يكن يوما ابني!!....)... قاطعه منتفضا، فتجمد يونس مكانه يلهث، بينما والده قد هجمت عليه نوبة سعال قوية، لم تأبى تركه، فتدخل الحارسين أحدهما أسنده بعد ان فقد وعيه، والآخر سحب هاتفه اللاسلكي يطلب سيارة إسعاف.
.........................

المدينة السياحية ..... شقة أسامة ....

واضعا رجلا على أخرى، ذراعيه مضمومتين إلى صدره يرمق جلسة كل واحدة منهما إلى جانب العروس، التي تبدو كدمية فزعة، بشحوب بشرتها ومقلتيها المتسعتين بلونهما الفريد.
يكاد لا يلمح حركة صدرها من جمودها، كأنها لا تتنفس...
(هل هذا ما ترتديه العروس في صباحها الأول؟؟)... تحدثت والدتها بانزعاج، وهي تتأمل حلتها الرياضية التي لا تختلف كثيرا عن حلة زوجها حتى في اللون الأسود، فقالت خالتها بإشفاق....
(لا يهم ما ترتديه يا راجية .... مادامت تعجب زوجها .... أليس كذلك يا بني ؟؟....).. نظر إليها مستفسرا ببلاهة، فاستدركت من بين أنيابها ....
(أنتما الاثنان ترتديان نفس الملابس ... أليس هذا توافقا ؟؟)... تناظر العريسان في ما بينهما، فابتسم اسامة بمرح مزعوم وهو يقول .....
(بلى يا خالتي .... أنا ونوران ... نتشارك في الأذواق...ليس لديكما اي فكرة ...عن مدى توافق أفكارنا.. ).. رمشت مجفلة، والجميع ينتظر منها تأكيدا على ما يبدو، فقالت مغيرة الموضوع ....
(لما لم يأتي الجميع؟ ....أبي ...واخي .. وملك ...لقد اشتقت إليها؟؟).... مططت والدتها شفتيها برفض ترد ....
(والدك رفض حتى قدومنا أنا وخالتك .... لكنه وافق بعد اصرار مني ..... كي أطمئن عليك .... أما ملك ففي المدرسة ...)....
(لم يكن هناك داع يا امي ... )... نطقت بتهور، فاحتدت نظرات والدتها، لتستدرك بارتباك ....
(أقصد .... أنا بخير ... نحن بخير ... أسامة !! لنحضر العصير...)... قامت تفر هاربة، من محاصرة والدتها، فقام الآخر في أثرها، لتقول غالية مؤنبة شقيقتها.
(على رسلك يا راجية .... لا تضغطي عليها ....)... احمرت غضبا، وهي تجيبها بحسرة....
(أنا متأكدة.... لم يحصل بينهما شيئ .....سأفقد عقلي ... بسبب طيشها ...لما لا تكون كباقي الفتيات ؟؟؟)... تلقفت كفها بين يديها تقول بمهادنة ....
(لا تقلقي يا راجية ... كل شيئ سيكون بخير .... لم نكن نحلم حتى في تزويجهما .... والآن.... ها هما يتفقان ... حتى لو كان علينا... لا بأس ... إنها بداية الطريق ... لندعهما يثقان في بعضهما ....)... صمتت راجية غير متأكدة، فشدت على كفها تبثها ثقة لا تملك منها الكثير.
رصت الكؤوس تهمس بعنف ....
(لما لم تتحدث ؟؟...لقد اتفقنا ....)... سحب قنينة العصير من المُبرد، يجيب بنفس همسها ....
(لقد تحدث ...وأنت تهربت ... كأي عروس طبيعية مستحية ... فأين المشكلة؟؟)... زمت شفتيها بحنق، تشير بالسكين في وجهه....
(المشكلة ان أمي... تعرفني جيدا ....ولست من النوع الذي يستحي ...)...
(بلى أصدق...)... قطب يشير إلى السكين قرب وجهه، فنظرت إليه هي الأخرى، قبل أن تسحبه تهمس بحنق ....
(يجب أن نفعل شيئا ما .... كي يصدقوا ... ويبتعدوا ....)... قالت وهي تقسم قالب الحلوى إلى قطع مربعة، فأجابها بحيرة ...
(ك.. ماذا مثلا؟؟؟).... زمجرت باستنكار تهتف بخفوت ...
(لا أعلم ...فكر بشيء ما .....)... عبس يقول بامتعاض ...
(أنت حقا مُجَمد متنقل ....)... رفعت السكين في وجهه مرة اخرى، فرفع يديه باستسلام يحذرها ....
(قتلي ليس في مصلحتك .... دعي الزيارة تمر بسلام .... وسنبحث عن الحلول لاحقا ... )... جعدت جبينها بتشكك، فأشار إلى باب المطبخ يضيف ببسمة مزيفة ...
(إن لم تسرعي .... ستجدينهما فوق رأسك .... )... استدارت مجفلة، فضحك ساخرا يستدرك ....
(مجمد متنقل جبان ....)... تشنجت ملامح وجهها بسخط، لكنه كان قد فر بطبق الحلوى، يكمل بتهكم....
(وأنا أجبن منك ...... )....حملت العصير، وتنفست بعمق كي تكتم بسمة فُرِضت على صدرها قبل ثغرها، تقاتل لتهل بنورها الأخاذ.


...................
منزل آل عيسى ....

وقفت الخالة شمة تردها من على الباب الداخلي، تهتف بسخط ...
(لن تخرجي .... وانتهى الأمر ... إبراهيم أوصاني وهو قادم الآن....).... ضمت ذراعيها إلى صدرها تنفخ بحنق وضجر، بينما حق تشير لرواح كي تأخذ الأولاد إلى غرفة الجلوس.
(تغريد .... حبيبتي ... اصبري قليلا ... ابراهيم في الطريق... تحدثي معه بهدوء .... )... التفتت إليها تجيب بغيض ...
(أريد أن أفهم .... ما العيب في استقبال خطيبي ووالده في المطار ؟؟... ها؟!).... ضمت حق شفتيها بقلق، ليأتي الجواب على لسان إبراهيم، الذي دخل لتوه ....
(العيب أنك تماطلين ... والناس هنا ... لا يفهمون كل ما ينتابك من مخاوف .. بل يحسبون عليه ... عدد خرجاتك مع الشاب الذي لا يربطك به ...سوى وعد بالزواج .... هل فهمت الآن ما العيب في الأمر؟؟)... عبست برفض، تقول ...
(لا يهمني الناس ....)... مطط شفتيه يجيب بنفس عبوسها، فهو قد اعتاد على شطحاتها، وأصبح يساير كل جملة تنطقها فقط كي يغلبها في النقاش بالمنطق، فتصمت وتستسلم له في النهاية ....
(أنا أيضا لا يهمونني ... لكنك أنت من يهمني...)... رقت مقلتيها للحظة وجيزة، ثم هتفت بمكر ....
(ان كنت أهمك حقا ... فدعني أفعل ما اشاء ..)... أرغم نفسه عن عدم الضحك، وهو يقول بجدية مزعومة ....
(بل إن كنت أحبك حقا ...سأحميك من نفسك ...ورغباتك ... لأنها ستدمرك في النهاية .... وانا لا ارضى لك بذلك ...)... تنفست بحنق، وهي تنظر إليه، فأضاف بلطف وهو يربت على وجنتها ...
(لذا .... لا لقاءات مجددا ... مع الخطيب ... إلا إذا قررت عقد القران على الأقل ....)... هتفت بدهشة ....
(عقد القران في بلدنا .. يعني الزواج يا اخي ... فلا تتآمر علي مع الغريب ...)... رمت شمة بنظرة ذات معنى، قبل ان تنتفض تحاول التخفي خلف ابراهيم الذي أطلق سراح قهقهته، من هجوم الأولى، بَلْغتها في يدها تهم بضربها ....
(أنا الغريب .. يا قليلة الأدب.... يا ابن الزعطوط.....)... رفع ذراعيه وحق تراقب ببسمة رائقة، معجبة ببهجة زوجها....
(اهدئي يا خالة ... أنت الأقرب لكل فرد منا ... أوّلنا هي ... لا تستطيع الاستغناء عليك ....)... عبست الخالة وهي تعيد البلغة إلى رجلها، وتغريد تكمل عن أخيها ....
(بلى حبي .. أنا كنت أمزح فقط ... فأنت أمي ...)... رفعت رأسها باستعلاء، وانصرفت تقول بسخط ....
(لست ام أحد... ابتعدي عني ...)... أسرعت تغريد في اثرها، بينما ابراهيم يقترب من زوجته يهمس بحب ...
(أحب مراقبتك لي بتلك الطريقة ...)... ابتسمت بحياء، ترد عليه بنفس همسه ...
(وأنا أحب حين تكون مسرورا ...)... تأملها بحب قوي، ينبض من قوة اتصالهما العميق، رابط راعاه كلاهما بحب ووفاء صادق متبادل، لينمو بينهما كزهرة فواحة، أريجها من عبير الجنة الغناء. أمسك يدها بحنو، فربتت عليه بكفها الأخرى، ليقاطع تواصلهما العاشق، رنين هاتفه.
لم يترك يدها وهو يعيد قراءة الرقم الغريب، وشيء ما يلح عليه ليرد على غير عادته، ففعل.
عقدت جبينها من الوجع فنظرت إلى يده التي شدت على كفها بقسوة، لم تعدها منه، ثم الى مقلتيه التين اكتستا بظلمة قديمة لم تلمح لها أثرا طوال العشر سنوات الماضية.
لكنها صمتت واحتوت كفه بحنان ناقض قسوته، ليعي على فعلته بصدمة، جعلته يرتد مبتعدا عن يدها المحمرة فلم تسمح له بل تمسكت به واقتربت ترمقه برجاء.
أسدل جفنيه ومال على أعلى رأسها يتنفس هناك، شهيق... زفير، والهاتف على أذنه مستقر، لينطق أخيرا بنبرة باردة متباعدة....
(أنا قادم.... لا تتركه ...)... تنهد فرفعت رأسها ليصبح وجهها المحبوب قريب الى عينيه، وزرع كل ظلمته داخل بحريها الواسعين، الكريمين باحتوائهما الرحيم واستدك باستسلام ....
(إنه أخي يونس .... بلغني بأن والدي في المشفى ... وأصر علي للحضور ... لأن لديه ما يخبرني به....)...
.....................

المطار..... مدينة الجبل .....

زفر بضجر من الانتظار، فأعاد ثقله على رجله الأخرى يتفقد ساعة يده. رفع رأسه حين سمع ضجيج القادمين يحتلون صالة الانتظار، فبحث بينهم حتى لمح صديقه برفقة والده.
أشار لهما فاتجها نحوه، وصافح والد صديقه ثم الأخير الذي تلفت باحث عن شخص ما....
(هل تبحث عن أحد؟؟؟)... سأل عيسى ببسمة ماكرة، فقلب منصف شفتيه بترم، ليستطرد الأول بنفس المكر ....
(تبدو على وجه ابنك الخيبة يا عمي .... هل أنا بشع لهذه الدرجة؟؟)... ضحك والد منصف، يربت على كتفه قائلا بمرح ....
(بل خيرة الناس يا بني ....كيف حالك وحال أهلك ؟؟)... أشار لهما إلى السيارة مجيبا بلطف ...
(بخير يا عمي .... الجميع في انتظاركما على العشاء ... ).... اتسعت بسمة منصف، وقد لمعت مقلتيه سرورا، والوالد يقول بمجاملة...
(شكرا لكم بني ... لماذا كلفتم أنفسكم؟!...)...
(لا تقل ذلك عمي ... نحن أهل..... ما رأيك يا منصف ؟؟)... سأله ضاحكا، فتلقى منه ضربة على ظهره يقول بسخط مدعى ....
(كف عن ازعاجي ... واخبرني لمَ لم تأتي خطيبتي ؟!)... تلاعب بحاجبيه الكثين، يرد بمرح ...
(الخالة شمة وابراهيم وضعا خطة .... وهما بصدد تطبقيها على أرض الواقع ....) .... ضم شفتيه تفكيرا، وهما في السيارة فقال والده بحكمة ....
(السيدة شمة لها طرقها المؤثرة على تغريد .... وأظنها الوحيدة التي تستطيع اقناعها ....).... عاد يبتسم قائلا، ليضحكا ثلاثتهم، بينما عيسى ينطلق بالسيارة....
(إن كان كذلك ....فلا مشكلة لدي ...وسأصبر على خطط الخالة شمة ....بل وأساعدها ....).....
................


أمام المشفى .....


انطلقت خارجة من المشفى، تسرع عائدة الى الدار كي ترافق سهر ورباب، تدعو ربها أن تتأثرا بالناس في الدار، بأحوالهم ومختلف مشاكلهم.
انتظرت خلو الشارع لتعبره، في نفس اللحظة التي مرت بها سيارة اسماعيل وزوجته، التي هتفت توقفه ....
(انتظر إنها سترة!!)... اهتز قلب اسماعيل، يتلفت حوله متتبعا نظرات زوجته، التي ابتسمت وهي تنزل بلور النافذة تنادي عليها ....
(سترة ؟!....)... انتبهت إليها، وسارت نحوها مهرولة تبتسم بدفئ...
(كيف حالك دكتورة ؟؟)... فغر اسماعيل فمه صدمة، يبحلق فيها بطريقة أربكتها فتراجعت، لتستدير طائعة إلى اسماعيل وترفع حاجبها مستغربة من بحلقته الغير معتادة....
(اسماعيل ؟!).... أجفل على نظرات زوجته المرتابة، فأقفل فمه وعاد ينظر إلى المقود يقول ...
(هل سنوصلها إلى مكان ما؟؟)... قطبت زوجته بحيرة، لكنها التفتت إلى سترة تمنحها بسمة هادئة وهي تقول ...
(هيا حبيبتي.... لنوصلك إلى وجهتك ....) ..... اعتذرت بلطف، لكن طائعة أصرت، فاستسلمت والدكتور يراقب بصمت.
ظل ساهما في التي خلفه، تتقاذفه الظنون، حتى سأل بفضول...
(أين تسكنين يا آنسة سترة؟!).... ترددت في الرد خجلا، فقالت طائعة والحيرة لم تغادرها بعد ....
(تسكن في بئر السواد ... لقد اخبرتك من قبل ....)... تنحنح اسماعيل ونظر إليها يقول بتأنيب مبطن ....
(لم تخبريني عن اسمها يوما ... )...
(لأنك لم تسألني يوما ....)... ردت بنبرة فيها من التساؤل ما جعله يومئ لها، فصمتت، والتي في الخلف، تراقبهما باستغراب تسلل الى صدرها هي الأخرى، فقالت ..
(هنا من فضلكما ..... انه قريب من وجهتي ... )... استدارت اليها طائعة تسأل بريبة .....
(بئر السواد بعيد عن هنا.... لا تخجلي سترة ... سنوصلك ...)... ابتسمت لها بامتنان تجيب....
(شكرا لك دكتورة.... لكنني بالفعل سأمر على دار الجبل ..... لأصطحب صديقتاي من هناك .....)..... هزت رأسها، واسماعيل يوقف السيارة أمام الدار مباشرة.
ترجلت بعد أن شكرتهما، فقالت طائعة بلهفة تستفسر ...
(ما بك إسماعيل؟؟.. لقد أخفت الفتاة ...وأثرت غيرتي ... لو لم أكن أعرفك جيدا .... لظننت أنك معجب بها ....)... ابتسم يومئ بيأس، ثم قال ....
(لحسن الحظ أنك تعرفينني جيدا ... آسف حبيبتي فعلا ... لكن حدسي لو صدق ... ستكون صدفة ... لا ...بل قدر إلهي بحت ...)... لا زالت على حيرتها، وهو يقول بينما هاتفه يرن ...
(سأخبرك كل شيئ لا تقلقي ....أجل ابراهيم ...ماذا هناك؟؟)... اسود وجهه وتجمدت ملامحه، فربتت على فخده خوفا، تسأل بقلق.....
(ماذا هناك؟؟... هل هو شيئ متعلق بولداي ؟؟)... نطق كلمة حسنا، ثم أقفل الهاتف يرد بجمود ....
(والدي في المشفى ....وإبراهيم يطلب حضوري بإلحاح عجيب ...)... أمسكت بكفه تربت عليه بحنو، تجيب برقة .....
(حبيبي ... هون عليك .... الآن هو رجل مريض ... انسى من يكون.... وقم بواجبك تجاه ربك ....)... التفت إليها يخبرها بقلق، ما جعل قلبها ينقبض ...
(أنت لم تفهميني ... إنه ابراهيم من يشغل بالي .... نبرته لا تسر أبدا .....)....



انتهى الفصل ... اسفة ان وجدتم خطأ او تقصير ... أنا مضغوطة هذه الأيام
أسأل الله ان يتقبل صالح عملي ... ويتجاوز عن سيئه .... طبعا كما لاحظتم لقد أضفت إلى اسمي كنية ... هي كنية زوجي ... كي اتفادى اي شبه في الاسماء ... وسيضاف الى كل كتابة لي من الأن فصاعدا .... شكرا لكم ... واطلب من احباء ابراهيم لا تتسرعوا .... فأنا دائما أعلمكم الثقة بالله وحكمته ...
استغفر الله العظيم واتوب اليه....🌷🌷🌷







noor elhuda and Abeer flower like this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 12-07-20 الساعة 11:42 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 11-03-18, 04:32 AM   #422

زهرة الغردينيا

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 377544
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,778
?  نُقآطِيْ » زهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعتقد أن هناك من جعل يونس يشك فى زوجتة و أن إبراهيم
ليس ولدة.
الكلام الذي سوف يقولة يونس خطير جدا و سوف يسبب
المشاكل فى العائلة .
جارح دافع عن حق بلسم و سوف يتزوج منها لكى يحميها
إسماعيل استطاع معرفة مشكلة جارح من خلال مواجتة
مع عائلتة و سوف يحاول مساعدتة.
أسامة شعر بالراحة بعد حديثة مع البروفيسور و قرر
العلاج وأعتقد وجود نوران معة سوف يساعدة
على ذلك.
فصل رائع
سلمت يداك💖💜


زهرة الغردينيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-18, 08:44 AM   #423

الجميله2

? العضوٌ??? » 315137
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 2,977
?  نُقآطِيْ » الجميله2 has a reputation beyond reputeالجميله2 has a reputation beyond reputeالجميله2 has a reputation beyond reputeالجميله2 has a reputation beyond reputeالجميله2 has a reputation beyond reputeالجميله2 has a reputation beyond reputeالجميله2 has a reputation beyond reputeالجميله2 has a reputation beyond reputeالجميله2 has a reputation beyond reputeالجميله2 has a reputation beyond reputeالجميله2 has a reputation beyond repute
افتراضي

تسلمي فصل جميل جدا كالعاده

الجميله2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-18, 09:27 AM   #424

م ام زياد

مشرفة منتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية م ام زياد

? العضوٌ??? » 389344
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,607
?  نُقآطِيْ » م ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond repute
افتراضي

بجد مش عارفه أقول ايه إنت خطيره وربنا يخفف عنك الضغوط ايلي إنت فيها
أسامه ونوران أكيد هيكون فيه حلقه وصل بينهم إن شاء الله
لأن القلوب المجروحه بتتلاقي
بنت الزعطوط شكلها عندها القفص برجلها بعد خطه الخاله
جارح وبلسم ياتري الجرح هيكون علاجه بالبلسم
مشاعر قويه وكلمات صداها أقوي بجد أحسنت 👏👏👏👏👏
كل الحب والتقدير لشخصك وعقلك


م ام زياد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-18, 09:35 AM   #425

bambolina

مشرفةمنتدى الـروايــات الـعـربـيـةوكاتبةفي منتدى قصص من وحي الأعضاء وشاعرة متألقة وحكواتي روايتي وألتراس الأدبي وقلم ذهبي برسائل أنثى وملكة اتقابلنا فين؟

alkap ~
 
الصورة الرمزية bambolina

? العضوٌ??? » 296721
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 8,275
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » bambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond reputebambolina has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   freez
¬» قناتك max
افتراضي

استمتعت واستمتعت واستمتعت
فصل مذهل وانت اكثر اذهالا الله يعينك كيف قدرت تكتبي هالفصل
الفصل اليوم غييييييير
رغم انه قلبي كان مقبوض من اسامة ونوران
يعني اثنين كل واحد منهم يحمل داخل نفسه عقده كبييييرة كيف سيعينان بعضهما
اشفقت على اسامة بشكل خااااص
فتهمته ليست بالهينة
لكن ارجو ان المجمد سيفصل قليلا ويريح قلب اسامة
اهل بلسم ناس متخلفين وجدا سعيدة انه الجارح راح يريحها منهم
اسماعيل يبدو انه اخييييييرا سيجد سترة
التي احسنت باختيار الدار لرباب وسهر
وبالنهاية ابراهيييييييييم ليس ابن يونس
شو يعني اجة شو عاملة ولا هاي كذبة ولا شووو
يبدو ان يونس الكبير يقع في شر اعماله
متشوقة جداااااااااااا
تسلم ايدك



bambolina غير متواجد حالياً  
التوقيع


الجزء الثالث من سلسلة مغتربون في الحب
https://www.rewity.com/forum/t402401.html
رد مع اقتباس
قديم 11-03-18, 09:58 AM   #426

smsm nono

? العضوٌ??? » 331371
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 370
?  نُقآطِيْ » smsm nono is on a distinguished road
افتراضي

استأذة مني لطيفي دي مش قفلة خالص
ثم فين مشاهد يونس??
احنا متفقين تكتبي الرواية النص ليونس والنص التاني لباقي الابطال
شوية جد
اسامة صعب عليا جدا مشهده مع مختار عبقري ومشاهده مع نوران هايلة هدوبي التلج قريب بالنظام ده
الجارح بطل هروب وواجه ورجع حامي ومنقذ
يونس بيدور في دائرته والغموض هيجننه وقلة الحنان تعباه
حلقة النساء مناقشة واقعية بسيطة محفزة تمنح قوة للوثوق بالله
شكرا يا منمون


smsm nono غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-18, 10:56 AM   #427

mona1987
 
الصورة الرمزية mona1987

? العضوٌ??? » 359939
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 2,088
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » mona1987 has a reputation beyond reputemona1987 has a reputation beyond reputemona1987 has a reputation beyond reputemona1987 has a reputation beyond reputemona1987 has a reputation beyond reputemona1987 has a reputation beyond reputemona1987 has a reputation beyond reputemona1987 has a reputation beyond reputemona1987 has a reputation beyond reputemona1987 has a reputation beyond reputemona1987 has a reputation beyond repute
?? ??? ~
أحبب حبيبك هوناً ...... عسي أن يكون بغيضك يوماً ما وأبغض عدوك هوناً ...... عسي أن بكون حبيبك يوماً ما علي بن ابي طالب وتسأليني : ما الحب ؟! الحب : أن اكتفي بك ولا أ
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

مهما يكن ....ليس بالقذارة التي تلفك من رأسك إلى أخمص قدميك ...).

مواجهة الحقيقة ....... حتي وان كنا نعلمها تكون كواجهة بشعة للنفس وقاتلة للعقل الذي كان يهرب منها فمواجهة الحقيقة تحطم كل السد التي كانت تحافظ علي شيء يسير من توازن النتفس لترسلها الي جحيم جلد الذات واحتقارها وربما التخلص منها


mona1987 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-18, 11:12 AM   #428

عبيركك

نجم روايتي وفراشة الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية عبيركك

? العضوٌ??? » 308350
?  التسِجيلٌ » Nov 2013
? مشَارَ?اتْي » 7,127
?  نُقآطِيْ » عبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond repute
افتراضي

منى مازالت ببدايه الفصل ولكني لم استطع مااعلق لانك ابكيتيني موقف من اقوى ماكتبتيه انت كاتبه مبدعه الله يقويك روعه لي عوده بعد الانتهاء ولالملم مشاعري

عبيركك غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 11-03-18, 12:08 PM   #429

داليا انور
 
الصورة الرمزية داليا انور

? العضوٌ??? » 368081
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,195
?  نُقآطِيْ » داليا انور is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله. فصل ايه دا تحبس له اﻻنفاس بس اعتقد ان فى سر ورا يونس او فهم خاطئ حولين ابراهيم.نوران واسامة اعتقد انهم هما اللى هيخرجوا عقد بعض من خﻻل عشرتهم ومساعدة البروفيسور. جارح مجروح من ابوه لو ابوه كان عاقبه باى عقاب غير النفى والضياع كان افضل دى مهمة الوالدين عقاب اوﻻدهم عند الخطأ ﻻنه نابع من حبهم وخوفهم عليهم.دومتى مبدعة

داليا انور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-03-18, 12:14 PM   #430

ندى المطر

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 377861
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,332
?  نُقآطِيْ » ندى المطر has a reputation beyond reputeندى المطر has a reputation beyond reputeندى المطر has a reputation beyond reputeندى المطر has a reputation beyond reputeندى المطر has a reputation beyond reputeندى المطر has a reputation beyond reputeندى المطر has a reputation beyond reputeندى المطر has a reputation beyond reputeندى المطر has a reputation beyond reputeندى المطر has a reputation beyond reputeندى المطر has a reputation beyond repute
افتراضي

((كن قويات من أجلكن .... كن قويات كي تعشن حيواتكن ... كن قويات لتدرسن .... وتبنين أسرا سليمة .... فأنتن ركيزة المجتمع .... المرأة من تربي ... وتبني المجتمع ... تجنبن أخطاء أهاليكن ... واجعلن تعاليم رب العالمين ...أساس حياتكن اليومية ....وقاعدة بناء أسركن ...وحياتكن بصفة عامة .... كن قويات بالله ))

كل فصل هناك عدة نقاط قوة .. توجهنا لحياة ومستقبل افضل
المرأة يجب ان تكون قوية بالحق .. من اجلها واجل اسرتها واولادها

بارك الله لك في قلمك .. وجعله حجة لك يوم القيامة ..
بارك الله فيك مرة اخرى يا اخيه ...


ندى المطر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:16 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.