الحلم الذى كان ... يراودنى *مميزة ومكتملة *

[MooNy87]

الجزء الثانى





ظلام دامس يحيط به وهو لا يشعر بما حوله , شعر بآلام رهيبة تسيطر على رأسه . استطاع أخير أن يفتح عينيه , فرأى أشخاصا لا يعرفهم ويحيطون به مرددين بتعاطف (( انّا لله وان اليه راجعون , لا حول ولا قوة الا بالله )) , ثم ينظرون للصغير باشفاق وهو لا يدرى لم يتفوهون بهذه الكلمات الغريبة ,وظل يتطلع بعينيه الحائرتين الى ما حوله باحثا عن شعاع أمل يبث فى نفسه المرهقة أمانا افتقده وطال انتظاره .
جاءت سيارة الاسعاف بصفارتها الشهيرة المقبضة ونزل منها مسعفان فى زيهما الرسمى يحملان نقالة متحركة واتجها نحو السيارة الرابضة كشبح فى جنح الليل واختلط به أول تباشير بزوغ الفجر .
نقلا جسدى أمه وأبيه الهامدين , وأخذا يبتعدان عن مرمى بصره , فصاح بصوت ضعيف مهزوم (( أبى , أمى , أرجوكما ألا تذهبا . لا ))
قام مفزوعا وهو يلهث فوجد نفسه فى غرفة غريبة لا تشبه غرفة نومه , ثم هاجمته الذكرى مرة أخرى , وتذكر أنه يقيم فى الفندق المطل على شاطئ البحر المتوسط الذى اعتاد ارتياده كلما سافر الى الاسكندرية ليباشر أعماله هناك .
قام من فراشه لينظر الى الضوء الخافت المتسلل من بين الستائر البيضاء التى تنسدل على النافذة الزجاجية ليعلن ميلاد يوم جديد .
تنفس هواء البحر المنعش بعد أن أزاح الستارة وعالج مصراع النافذة ليمتع بصره بمنظر البحر الهادئ فى مثل هذا الوقت من العام حيث لا نوّات ولا أمطار (( اليوم ستظهر نتيجة أدهم )) قالها لنفسه , انه متلهف لسماع الأخبار السعيدة وهو واثق من تفوّق ابنه وحصوله على أعلى الدرجات , فهو لم يخذله من قبل.
استغرقه العمل كثيرا حتى تطلع الى ميناء ساعته المضئ فوجدها تشير الى ما بعد الخامسة عصرا بعشرة دقائق (( يا الهى , لم أتصل لأعرف النتيجة )) قال مؤنبا لنفسه فأسرع الى الهاتف يطلب رقما يحفظه عن ظهر قلب .
انطلق رنين الجرس وهو يستحثه على الاسراع من شدة لهفته شعر بأنه قد مر دهر كامل حتى سمع الصوت المألوف الرقيق لزوجته الحبيبة وهى تجيبه , سألها بلهفة حتى دون أن يطمئن على حالها فأجابته بما كان يتوق لسماعه (( حمدا لله , وأين هو الآن ؟ أريد أن أهنئه )) استفسر عن ابنه بهدوء فأجابته (( انه يحتفل مع أصدقائة بالمناسبة , أنت تعرف ... )) قاطعها زوجها حتى لا تحاول التبرير (( لا بأس , فليحتفل اليوم كما يشاء ))
وأنهى المحادثة بعد أن أخبرها بعودته فى اليوم التالى ليعود لمباشرة عمله وهو هانئ البال .
******************
(( ماذا تقول ؟؟ )) صرخ الأب بصوت هادر (( هل جننت ؟ ))
نظر له أدهم بثبات لم يهتز وهو يقول (( اننى لا أريد الالتحاق بكلية الطب )) سكت برهة ثم استطرد (( أريد أن أدرس التجارة وادارة الأعمال مثلك يا أبى ))
ثم نقل الفتى نظراته بين والديه ورأى أمه وهى تقف حائرة بينه وبين أبيه عاجزة عن اتخاذ موقف أو ربما خائفة
(( سأعتبر ما قلته الآن يا أدهم وكأنه لم يكن , فليس هذا وقتا مناسبا للمزاح الثقيل )) قالها الأب بصرامة , فلم يتمالك الفتى نفسه من الانفعال قائلا بصوت منخفض فيه الكثير من الحزم (( أنا لا أمزح يا أبى لمَ لا تصدقنى ؟ اننى أكره دراسة الطب ولن ألتحق بها أبدا )) ثم أكمل متجاهلا نظرات أبيه المذهولة (( لقد كنت أحلم ومنذ وقت طويل بأن أكون مثلك ... أسير على خطاك وأسلك منهجك بالحياة , أنت مثلى الأعلى لذا سألتحق بـ ... )) قاطعته صيحة مليئة بغضب يكاد ينفجر من أبيه (( اصمت , أنت لا تعرف ما هى مصلحتك .. لن تلتحق بأى كلية سوى الطب , فما رأيك أيها البطل ؟ ))
احتدم النقاش بين الولد وأبيه فلم تفلح محاولات الأم اليائسة لتهدئة أيا منهما , بدا الاثنين متشابهين لدرجة عميقة فى عنادهما وتشبثهما بالرأى.
تصاعدت حدة التوتر الذى سيطر على أجواء عشهم الهادئ ,وباتت الأيام المتتالية تمر ببطء كئيبة عليهم جميعا ,وصارت الأوقات التى تجمعهم أثناء تناول الوجبات مشحونة تنذر بانفجار وشيك اذا ما صدرت عن ابنهما كلمة أساء والده تفسيرها على أنها تمرد وعصيان على أوامره الصارمة.
*******************
(( هل هذه الورقة تخصك يا أدهم )) كان والده يتساءل وهو ممسكا بمظروف أبيض مفتوح وتطل من ثناياه الداخلية ورقة مطبوع عليها شعار الحكومة الالكترونية ووزارة التعليم العالى ... كانت أعصاب والده كمرجل يغلى على نار ويتصاعد البخار الكثيف من فوهته ..
(( نعم يا أبى .. أليست موجهة الى عنواننا ؟ )) حاول أن يتماسك أمام نظرات أبيه السوداء
(( وكما أنها تحتوى على معلومات مغلوطة حتما ... فمكتب التنسيق يحولك الى كلية التجارة وادارة الأعمال ... لا بد أنه خطأ فادح ))
(( ان هذا صحيح . لقد كتبتها الرغبة الأولى عند التقديم للمكتب ))
(( وكيف حدث منك هذا التصرف .. أتعاندنى يا فتى ؟ ))
(( حاشا لله يا أبى ))
(( لقد وثقت بك وأنت خيّبت آمالى بك ... سنذهب لنغيّر هذا الهراء الذى اخترته ))
(( لن يجدى هذا فكله مسجل وقد وقّعت الأوراق كلها ))
(( حسنا سننتظر حتى أول العام الدراسى لنحوّل ملفك الى كلية الطب ))
كان الرجل يجاهد ليحتفظ بأعصابه مع ايجاد الحل للمعضلة التى وضعه فيها ابنه بعناده وغبائه
بالفعل نفّذ الوالد رغبته وأطاعه الفتى صاغرا واعتقد أنه قد انتصرت ارادته وتغلّب على العقبات فى طريق تحقيق حلمه , فلم يخطر بباله أن الولد سر أبيه ومن شابه أباه فما ظلم , لم يذهب أدهم ولا يوم الى كلية الطب وامتنع عن الخروج من غرفته التى ظل حابسا نفسه بداخلها لا يمس الطعام الا فيما ندر وقد جعل الصمت نديمه , احتار فيما يفعله وبالطبع لم يهنأ باله حتى قامت زوجته ولأول مرة فى تاريخ زواجهما الطويل بمخاصمته ,وقد كان هذا هو أضعف الايمان فهى تدرك مدى عناده وقوة تصميمه على رأيه, فلم تملك أن تساند ابنها الا بهذه الطريقة.
كأنهما اتّحدا سويا ليغلباه على أمره وشعر بنقمة تسيطر عليه .. كان مضطرا الى أن يعترف بالهزيمة .. لن يخسر ما جاهد طوال عمره ليشيّده ويبقيه متكاملا .. نسيج الأسرة المتماسك والذرية الصالحة التى طار بها فرحا ... لم يكتب لهما الله انجاب العديد من الأبناء وقد تقبّلا قضائه بصدر رحب ورضا نادر.
لا بأس من الانحناء للرياح , حتى تمر بهدوء ولين فلا ينكسر, هكذا حدثته نفسه بعقلانية وحكمة
********
(( أريدك أن تصبح طبيبا ... يا ولدى )) تلك الكلمات ظلت تتردد فى عقل الشاب الصغير لسنوات طوال , حتى وهو يدرس ادارة الأعمال لم يكف عن التفكير بها , فأصبح هذا هو هاجسه الذى يشغله ليلا نهارا ويحيا من أجل تحقيقه , كيف يتحقق هذا الحلم ؟ ظل هذا سؤالا تخاصمه الاجابات , الا أن رزقه الله بصبى جميل فرأى الحلم ممكنا , وبات يحلم كل ليلة ذات الحلم المؤجل , سيصبح ولده طبيبا ويحقق الحلم الغالى على نفسه ربما لم يستطع هو أن يحقق تلك الرغبة لأبيه كما لم يستطع أبيه تحقيقها لجدته من قبل , ولكن ابنه الصغير هو أمله فى تحقيق الحلم الذى كان .... عليه أن ينتظر ليكبر ابنه مثلما انتظر والده , وبالرغم من أنه لا يشبه أباه فى طباعه القاسية الا أنه كان يتبع هدى خطاه فى منهج حياته كاملا , فحاول أن يزرع بولده ما حصده من أبيه , وظل السؤال يتكرر ملحّا ... هل سيتحقق الحلم ؟
***********
كان جالسا فى الصف الأول يحتل مقعده بوقار بالغ وهو ينتظر صعود ابنه على المنصة لتكريمه فهو من الأوائل على دفعته ,مالت زوجته نحوه لتهمس ببضعة كلمات حانية:
-ها قد جاء اليوم الذى طال انتظاره أخيرا يا أدهم , لقد نجح بتفوق باهر , ان تقديره ممتاز مع مرتبة الشرف.
ابتسم وهو يقول بكبرياء وفخر لا حدود لهما:
-الولد سر أبيه ,أليس كذلك؟
انتقلت بسمته كعدوى سريعة الانتشار الى وجه زوجته لتشد على يديه بقوة وهى تؤكد باعتزاز:
-طبعا , على الرغم من أنه قد اختار أن يدرس بمجال آخر غيرك.
-لا يهم يا عزيزتى , فهو قد أثبت نجاحه وتفوقه بهذا المجال.
وأضاف فى سره:
-وهذا ما يشفع له.
وانتبه على صوت العميد الرخيم وهو يعلن تخرج الدفعة ( .. ) من كلية الطب جامعة القاهرة , بدأت تتوارد الذكريات البعيدة حتى سمع اسم ابنه يتردد وهو يصعد مبتهجا فخورا بنجاحه ليتم تكريمه ضمن الأوائل المتفوقين ,فقط لحظتها تنهد الأب وهو يشعر بارتياح بالغ وقال بصوت خفيض كأنه يحادث شخصا لا يراه أحد سواه:
-آن الأوان أن ترقد بسلام يا أبى ,فقد تحقق حلمك.
وهب من مقعده يصفق بحرارة وهو ينظر الى ابنه بحب وتقدير.

تمت

[modyblue]

[modyblue]

-الولد سر أبيه ,أليس كذلك؟
حقق الحفيد حلم الجد
والاب نال ما سعي له

[MooNy87]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة modyblue

صباح الفل والورد والياسمين

على احلى ناس منورين

[MooNy87]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة modyblue

-الولد سر أبيه ,أليس كذلك؟
حقق الحفيد حلم الجد
والاب نال ما سعي له

نعم تحقق الحلم أخيرا والأهم أنه كان ارضاءا لجميع الأطراف

منورانى دائما يا مودى تقبلى مودتى وتقديرى

[قمر الليالى44]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة جميلة جدا استمتعت بقرائتها
فقد تحقق حلم والده وجده
وشكرا على الدعوة
وتقبلى مرورى المتاخر

[MooNy87]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمر الليالى44

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة جميلة جدا استمتعت بقرائتها
فقد تحقق حلم والده وجده
وشكرا على الدعوة
وتقبلى مرورى المتاخر

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أسعدنى تواجدك طوال الوقت

فلكِ خالص مودتى وتقديرى

[serenade]

قصة بها عبرة موجزة استمتعت بقرائتها

[MooNy87]

خالص تقديرى واعتزازى بمرورك الكريم

[قصص من وحي الاعضاء]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم تمييز الرواية وتثبيتها بتميز اسلوب كاتبتها اسلوبا وطرحاً

الف مبروك ونتمنى لك دوام التميز ونرجو أن يعجبك الغلاف الاهداء من احدى مصممات فريق وحي الاعضاء




اشراف وحي الاعضاء