شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   ذات ليل * مميزة ومكتملة * (https://www.rewity.com/forum/t418976.html)

سما صافية 30-08-19 11:52 AM

حمدلله على سلامتك سيا أشتقنالك كتيررر ❤
عودة جديدة لأبطالنا وأحداث حاسمة
أفنان المجنونة مازالت مصرة على الرفض
رغم تمسك عامر بها
شمس مازالت تعانى مماحدث لها لكن معاوية بجانبها
سند وحامى حتى تتجاوز أثار محنتها
ماريا وجدت فى وليد حنان الأب ويزداد القرب بينهم يوماً عن يوم
سلمت أناملك حبيبتى 🌷🌷

affx 30-08-19 05:59 PM

معاوية بشخصيته الحنونة حيقدر يطلع شمس من حالتها ويساعدها لتنسى اللي صار ..🖤🖤
وليد وماريا ما احلاهم كنييير بحب حب واهتمام وليد بماريا ومشاعرها واكيد حيعوضها عن كل شي صار فيها بتمنى بسرعة تتزوجوا وتترك امها البومة .😎😎
افنان هل البنت ما بطيقها غبية وهبلة خسارة عامر يتزوجها 🤦🏻‍♀️🤦🏻‍♀️

ام زياد محمود 31-08-19 02:11 AM

عودا احمد ياجميل وحشتينا

شمس طلعت من تجربة خطفها والحقائق اللى عرفتها عن موت اهلها مصدومة ومدمرة ... عمها حاول يحميها زمان من صدمتها فى موته بس للأسف دلوقتى الماضى اتكشف وهى مدمرة نفسيا اتمنى تفتح قلبها لمعاوية عشان يساعدها تتجاوز اللى حصل

افنان لسه عايشه فى ذنبها ومصرة تبعد عامر عن حياتها اتمنى ما يستسلمش بسهولة

ماريا ووليد علاقتهم كل يوم بتبقى اجمل

تسلم ايدك ياسيا

Siaa 01-09-19 12:08 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود (المشاركة 14455739)
عودا احمد ياجميل وحشتينا

شمس طلعت من تجربة خطفها والحقائق اللى عرفتها عن موت اهلها مصدومة ومدمرة ... عمها حاول يحميها زمان من صدمتها فى موته بس للأسف دلوقتى الماضى اتكشف وهى مدمرة نفسيا اتمنى تفتح قلبها لمعاوية عشان يساعدها تتجاوز اللى حصل

افنان لسه عايشه فى ذنبها ومصرة تبعد عامر عن حياتها اتمنى ما يستسلمش بسهولة

ماريا ووليد علاقتهم كل يوم بتبقى اجمل

تسلم ايدك ياسيا

بالفعل أدق وصف لحالة شمس إنها مدمرة نفسيًا
من جهة صدمتها بالحقائق اللي عرفتها... ومن جهة ثانية اللي صار لها على ايد غسان مو سهل

Siaa 08-09-19 11:45 AM

الفصل الثامن عشر



" نُرشد التائهين ولا نعرف كيف نُغادر المتاهة."

وقفت أفنان أمام باب البيت الضخم بأسواره العالية وارتفاعه الشامخ وكأنه يتحدى أي شخص نيته أن يدمره أو يؤذي من بداخله... هو ذات البيت التي وقفت أمامه قبل فترة ترتجف رعبًا وضعفًا وهي تفكر بالمواجهة المحتومة... لكنها الآن تتأمله وداخلها تُبث قوة عجيبة لا تعرف من أين جاءت... قوة حقيقية مختلفة تمامًا عن تلك القوة التي كانت تدعيها... ربما جاءت من نظرات عامر ليلة أمس وهو يتجاهلها تمامًا عندما مر من جانبها صدفة وكأنها مجرد ريح عابرة... أو ربما جاءت من جلستها مع نفسها ببيت عمها تفكر وتفكر وتسأل نفسها الضعيفة لماذا فعلت بها هذا وخذلتها.... أو ربما من أمور كثيرة خزنتها بقلبها وعقلها على مدار سنوات فجاء وقتها لتخرج وتعبر عن نفسها...
لكن ما تدركه أكثر من أي شيء أنها كانت بكامل وعيها وشجاعتها وهي تأتي لهنا مرة أخرى...!
بهدوء وصلابة رفعت نظراتها للحارس الضخم الذي يقف أمامها وقالت :
" أريد أن أدخل..."

نظر لها الرجل نظرات مرتابة ثم قال :
" سأخبر السيدة علياء أولًا..."

ابتسمت بتهكم... كالعادة ما زالت خالتها تطوق نفسها بقيود حديدية وكأنها تخشى من أي لمسة تفسد العالم الذي بنته لها وأجبرت كل من ترتبط به عليه.... ذهب الحارس من أمامها ثم عاد بعد خمس دقائق يخبرها باقتضاب أن تتفضل....
دخلت البيت ووقفت تتأمل الصالون الواسع الأشبه بقاعة كبيرة.... كان مختلفًا عما تذكره بطفولتها... جدرانه بلون مختلف... وأثاثه يختلف أيضًا...تغير تمامًا ولم يعد يحمل أي رائحة من سنوات مضت...

" أراكِ قد هللتِ علينا مرة أخرى...."

استدارت للصوت القاسي بسرعة وتأملت تلك الملامح الأقسى التي تحمل لمحة ليست بالقليلة من ملامح والدتها... يا للعجب!... كيف يمكن أن يتشابه وجه والدتها فائض الحنان والرقة بملامح خالتها الجامدة!
أسبلت أهدابها وتكتفت متمتمة :
" أهلًا خالتي.. كيف حالك... "

هدر صوت علياء بجبروته المعروف متجاهلة حتى أن تبادلها التحية :
" ماذا تريدين.."

تأملتها بصمت ووجهها هادئ فتقدمت علياء منها ثم أردفت بغضب واضح :
" كنت صريحة معك عندما أخبرتك أنني لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى... فلمَ عدتِ الآن!... ألهذهِ الدرجة لا تملكين أي ذرة كرامة..."

لعجبها المستمر لم تغضب أو حتى تحزن من كلامها المهين بل لم تطرف عينيها عن النظر بقوة لعيني خالتها ثم خرج السؤال من فمها بتلقائية :
" لماذا تكرهينني... "

بدت علياء وكأنها أُخذت على حين غرة... تراجعت للخلف بحركة حادة ثم رمقتها ببرود قائلة :
" جدي الإجابة بنفسك..."

أوجعها أن خالتها لم تنكره كرهها... لم تنكره حقًا... ابتسمت ابتسامة باهتة وهمست :
" أريدها منك..."

بلحظة خاطفة أمسكت علياء ذراعها تشد عليه بقوة شديدة قائلة بفحيح تهديدي :
" عودي لأهلك أفنان... إن كنتِ تظنين بأنك تستطيعين إعادة علاقة كانت مبتورة من الأساس فأنتِ واهمة.... علاقتك التافهة بماريا انتهت وسأحرص على ألا تعود أبدًا.. فأنا لا أريد أن أرى ابنتي تتطبع بطباعك وضعفك البشع هذا... يكفيها ما حصل لها بسببك"

كانت تنظر لجانب وجهها ذاهلة ثم قالت بنفس ذات الذهول وعدم التصديق :
" من يسمع كلامك يظن بأنني قتلت لكِ أحدًا... "

صرخت علياء وهي تهز ذراعها :
" لقد تسببتِ بإعاقة ماريا... أليس هذا كافيًا.. "

لتهمس أفنان :
" لن أصدقك بعد الآن... "

تهتف علياء بقسوة وهي تشد وتحفر أصابعها ببشرة الذراعها المحمية بقماش القميص الخفيف :
" ماذا.... "

كانت لحظة رهيبة بينهما والكلام يخرج من فم أفنان بلا شعور... يخرج بمرارة السنوات التي خزنته داخلها حتى تقرح وتعفن وازكمت رائحته قلبها الموجوع :
" لن أصدقك بعد الآن... لن أصدق اتهامك لي بأنني السبب... لن أصدق واستسلم وأهرب أتجرع هذا الذنب دقيقة بعد دقيقة... ثانية بعد ثانية.... أجلد فيها نفسي وأتمنى لها الموت اليوم قبل غدًا بينما أنتِ تجلسين هنا مطمئنة خالية البال وكل خططك تسير على أكمل وجه.... شركة كبيرة... بيت أكبر... أبناء يمشون على المسطرة دون انحراف... وإن شعرتِ بأن قدمهم زلت ولو قليلًا ماذا تفعلين... "

صمت بثانية وهي ترفع أصبعها المرتجف وتشير لنفسها متابعة كلامها بكل حرقة :
" تبترين سبب الزلة... أنا لم أكن إلا مجرد طفلة تعلقت بابنة خالتها واحبتها كأنها أختها التي لم تنجبها والدتها... تحملت نظراتك وقسوتك وكرهك الغريب لي فقط من أجل أن أبقى بجانب ماريا.... لتستغلين أول صدمة حدثت لي وتلفظيني خارجًا... ليس أنا فقط بل والديّ أيضًا... وكل هذا بسبب ماذا... بسبب أنكِ مريضة بحب السيطرة... بحب المال.. بحب الارتفاع فوقًا دون توقف.. حتى لو قضيتِ على كل من يمر بطريقك فهذا لا يهم... "

صمتت تنهت وهي تستشعر طعم المرارة في فمها.. وكأن حقًا العفن يخرج ويزيل الكتمة عن صدرها... ترنحت قليلًا وهي ترفع نظراتها لخالتها الشاحبة شحوب الموتى ثم همست بضعف :
" هل تعرفين حقًا ماذا حصل يومها... هل رأيتني بأم عينيكِ أدفع ماريا عن السطح أو حتى أحثها على أن تتسلقه.... هل تدري حتى لماذا صعدنا على السطح أصلًا..."

جاء رد علياء بكلمة واحدة كانت القاضية :
" لا..."

لتجد نفسها تنهار بصراخ متوجع ودموعها تتدفق من عينيها أخيراً :
" لماذا فعلتِ بي هذا... كان يمكنك نفيي بأي طريقة إلا هذه الطريقة... إلا تحميلي ذنب كنت أصغر من أقدر على حمله... إلا جعلي أعيش وأكبر على فكرة واحدة... أنني مجرمة.."

تكلمت علياء بكبرياء تحاول أن تعاود التمسك به بعد أن هرب منها كارهًا :
" كنت أحاول حماية ابنتي.. هل تفهمين ماذا يعني ابنتي... "

ارتفعت شفتا أفنان بسخرية وهي تقول بمنتهى الصراحة ودموعها لم تتوقف :
" أرجوكِ.. لا تحاولي ادعاء أمومة لا تشعرين بها حقًا... "

صوت الصفعة القاسية تردد صداه بالصالة الفارغة إلا منهما والذي ترافق ولسوء الحظ مع دخول ماريا تبتسم بانشراح بجانبها وليد وطفلة الصغير... توقفت بغتة وعبست وهي تسأل وليد المصدوم :
" ما هذا الصوت.. ماذا حدث... "

رمش وليد باضطراب وهو ينظر لعلياء التي رآها بوضوح تصفع فتاة لا يعرفها لكنها تبدو بعمر ماريا ... التفتا الاثنتان إليهم بصدمة بينما هو رد بتوتر :
" لا.. لا شيء حدث..."

ثم حاول أن يصبغ على نبرته الهدوء وهو يردف موجهًا كلامه لعياء :
" مرحبًا... لقد عدنا..."

عقدت ماريا حاجبيها تستشعر وجود خطبًا ما ثم أفلتت كفها من كف وليد ووالدتها ترد وهي تجاهد لاستعادة ثباتها :
" أهلًا.. تفضل وليد أجلس لا تبقى واقفًا... "

كانت أفنان تقف بتخاذل وكفها تستريح على وجنتها المصفوعة بينما تنظر لهم بتشتت حتى وقعت نظراتها على ذلك الرجل الذي كان بدوره ينظر لها بفضول واشفاق.... شعرت بالخزي فاطرقت برأسها تتمنى أن تنشق الأرض بمعجزة وتبتلعها.... كيف ستخرج من هنا... حقًا تحتاج معجزة...

لم يتحرك أحد حتى مع محاولات علياء للسيطرة على الوضع إلا أن ماريا قالت بثبات :
" من هنا يا أمي؟ ..."

تقدمت أفنان وقد قررت أخيرًا الظهور قائلة بنبرة غلفتها بأقصى هدوء لا تملكه :
" أنا أفنان... كيف حالك ماريا..."

بدت ابنة خالتها مندهشة بشدة وهي تتعرف على صوتها ثم تقدمت منها حتى أمسكت بكفها تهتف :
" أفنان... أنتِ هنا!... لقد ظنتتك...ظننتك... "

ثم تقلصت ملامح وجهها بألم وصمتت بينما يدها تشد عليها بتشبث... بدت مصدومة لكن بفرح وكأن ظنونها السيئة قد خابت.... ابتسمت أفنان ابتسامة متشنجة ثم قالت بعجلة واعتذار :
" ماريا أنا آسفة ولكن لقد طرأ أمر مهم ويجب أن يذهب الآن... سأتصل بكِ... "

وقفت ماريا عاجزة وهي تصغي لخطوات أفنان المبتعدة... ثم رفعت رأسها مقررة أن تتغاضى الآن عما تريد أن تسأل عنه.... ماذا كانت تفعل أفنان هنا.. وما هذا الصوت الذي سمعته... سمعها لا يخيب أبدًا وهي متأكدة إنها سمعت صوت يشبه الصفعة.... هي متأكدة...
تكلمت بهدوء رغم ملامحها المعقدة :
" تفضل وليد..."

سار معها وليد يملئه الحج مما رآه لكنه لم يشئ أن يستأذن ويغادر فربما يحزن ماريا التي بدأت تأخذ وتعطي معه دون أن واجهتها الباردة المتهمة دائمًا.... تركتهم علياء تتمتم بما لم يسمعه والغضب يبدو على وجهها... فجلس جانب ماريا يهمس بإذن ابنه الذي توتر من الجو حتى استرخى بجانبه يغمض عينيه بنعاس... استدار لماريا التي قالت بشرود :
" إنها ابنة خالتي... أفنان.."

قطب بفضول أكبر لكنه لم ينطق لتتابع بشيٍء من الغضب :
" لقد عادت إلى البلد بعد عشر سنوات... مفاجئ صحيح؟!.."

وجد نفسه يسأل وهو ينظر لعينيها المتباعدتين :
" لماذا..."

وبدلًا من الإجابة سألته سؤال صدمه :
" هل سألت نفسك لماذا أنا بهذه الحالة..؟"

رفع كفه ومررها على خدها بلمسات ناعمة مترددة قبل أن يهمس :
" وإن سألتك أنتِ... هل ستجيبين "

بقيت صامتة وشفتاها ترتعشان بألم فابتسم متمنيًا بل مترجيًا أن يأتي اليوم الذي تخبره فيه بكل شيء بكامل إرادتها....

*************************

طرقت الباب بتردد قبل أن تسمع صوته القوي وهو يسمح لها بالدخول... شيء غريب أنها تضطر لتستأذن للدخول لمكتب زوجها حتى وهو بمنزلهما... لكنها اعتادت على أوامره وتسلطه حتى لو كان يترك بها أثر مؤلم... لا بأس لقد اعتادت كما اعتادت على كل تصرفاته دون أن تجد فيها ذرة من الشجاعة لترفضها!
دخلت الغرفة وأغلقت البابا خلفها وهي تتأمله بصمت... لم يعيرها أدنى نظرة وهو منكب على الأوراق أمامه... تقدمت منه ببطء تناديه بخفوت :
" مصعب..."

قال ببرود :
" نعم.."

ابتلعت ريقها وجلست على المقعد أمامه تقول بتلكؤ :
" هل ستظل مشغولًا طوال الوقت..؟"
تنازل ورفع نظره لها فتتأثر ككل مرة من وسامته... نعم زوجها وسيم.. قوي البنية ذو ملامح خطفت قلبها منذ أول مرة رأته... لكن يبقى قلبه الذي يخالف كل شيء فيه... قلبه قاسٍ كقساوة البلاط تحتها وهي بذلت كل ما تملكه من جهد حتى تلينه ولو قليلًا... حتى تجعله يميل إليها... لكن انتهى الأمر بها منزوعة الكرامة... تُذل كل دقيقة دون أن تتشكى.. ودون أن تجد من تشكي إليه حتى!

" لماذا تسألين... هل هنالك مشكلة.."

نطق تلك الكلمات بصلابته المعتادة فقالت بتعثر :
" لا أبدًا... كنت أفكر بأن نذهب لنرى لبيت عائلتي... مضى زمن لم أزرهم ... اشتقت لهم..."

تأمل ضعفها بسخرية ونفور تام قبل أن يردون بجفاء :
" اذهبي لوحدك... لست متفرغًا لجنابك... "

همست بنبرة متوسلة :
" ألا تستطيع أن ترافقني... لن نتأخر"

فاض به الأمر وهو يشعر أنه لا يطيق النظر لوجهها هذا اليوم فضرب بقضبته على المكتب مما جعلها تنتفض ثم هتف بغضب :
" لا تجعلينني أفقد أعصابي.... أخبرتك بأن تذهبي لوحدك... هل يعمل عقلك الصغير ليستوعب هذه الجملة أم لا"

امتقع وجهها واصفر وهي تستمع لكلامه المهين ثم وقفت على قدميها تقول بنبرات تتقطع من البكاء المكبوت قبل أن تغادر الغرفة :
" حسنًا.. اعتذر..."

دلك رأسه بعصبية وغضب شديد... كل شيء يصير ضد مخططاته... ماريا تضيع منه بسبب ذلك الحقير وليد... وزوجته الضعيفة تلتصق به رغم كل شيء يفعله... جبانة تثير فيه النفور... لم يحبها يومًا... كانت عكس ماريا بكل شيء... ماريا القوية الشجاعة التي وقفت بشموخ حتى في أضعف حالاتها... يتخيل لو ما حصل لها قد حصل لمايا... هه... ربما لن تستحمل أن تعيش دقيقة...
ضرب قبضته عدة مرات على المكتب ينفث غضبًا حاقدًا... لماذا يجب أن يحصل عليها وليد... لقد أحبها قبله... عشقها قبله... واستحمل الكثير فقط من أجلها.. لماذا!... لماذا!

وقف وغادر المكتب بخطوات هائجة ليدخل الغرفة ويجد مايا تجلس باكية على السرير... قال بقسوة وهو يفتح الخزانة :
" انهضي سنذهب معًا..."

نظرت له بذهول وهي جامدة مكانها فصرخ بنفاذ صبر :
" انهضي يا امرأة...."

*******************

تمضي الأيام عليه متشابهة... نفس ذات التوتر الذي يشعره عند كل نوبة انهيار لشمس... نفس ذات الراحة القصيرة عندما تهدأ وتستجيب له أو حتى عندما يراها تتناول طعامها دون رفض... ونفس ذات الألم عندما ينفرد بنفسه آخر الليل يسترجع المشهد عندما رآها.. ممتهنة ترتجف رعبًا وألمًا بينما الدماء تحيطها من كل اتجاه في تلك الغرفة الباردة... شمس... شمس بالذات لم يتخيل أن يراها يومًا بهذه الصورة... بل دائمًا كان يراها نقية تلتف حولها هالة من البياض... بياض فقط دون دم!

تنهد عاجزًا عن النوم ليقرر الخروج لشرفة المنزل الصغيرة المستأجر... كانت تختلف عن شرفة منزلهم.. لكن لا بأس بها..
خرج من الغرفة وتوجه نحوها ظانًا أن الجميع نائم إلاه.... إلا أنه تفاجئ بشمس تجلس هناك بشرود... وقف عند الباب يتأملها صامتًا وملامحه تتغضن بألم ثم تقدم نحوها سائلًا بدفء :
" شمس... أما زلتِ مستيقظة..."

أجفلت قليلًا وهي تلتفت له فابتسم باعتذار لتهمس هي :
" لم أستطع النوم..."

تقدم منها وجلس بجانبها يلامس قدمها المجبورة هامسًا كهمسها :
" أنا أيضًا.... هل أصبحت قدمك بخير أم لا تزال تؤلمك..."
تطلعت معه لقدمها لكن نظراتها تشوبها المرارة بينما ترد :
" بخير..الحمد لله"

تمتم بالحمد وهو يرفع بصره لوجهها الحبيب... لونه الطبيعي قد عاد له وقد اختفى الشحوب الدائم... بينما شعرها مسبل على كتفيها بنعومة... رفع كفه ولامس شعرها بعطف :
" لقد طال شعرك...."

هزت رأسها بينما انزلق كفه لبشرة وجهها يتلمسها ومشاعره تتحول بشكل عجيب حتى على نفسه... اقترب برأسه يضع جبينه على جبينها والحروف تخرج منه بحرارة :
" اشتقت لكِ... وخفت عليكِ أكثر...ظننت بأنكِ ستذهبين للأبد... تتركيني دون... دون أن أخبرك بكم أحبك... وبكم روحي متعلقة بكِ..."

كانت تشهق بوجع لا يطاق وهو يستمر باعترافاته وشفتيه تطبع قبلات صغيرة على وجهها :
" أنا آسف... آسف جدًا لأنك مررتِ بكل هذا... آسف...اقسم بأنني آسف... "

لم تستطع منعه وهو يقبل شفتيها بقوة... كفها على صدره بدلًا من أن تحاول ردعه تمسكت بقميصه ....ذابت بقبلته وطوفان مشاعره ابتلعها ثم شعرت به يبتعد ويخفي وجهه برقبته وذراعاه تضمانها لصدره أكثر... لاهثة متخمًا همس :
" سأبقى هكذا... قليلًا فقط... "

رفعت ذراعيها وأحاطت ظهره فارتجف جسده ... توجعها معاناته ويوجعها أكثر أنها السبب ولا تملك حتى أن تفعل شيئًا...
بعد دقائق قليلة رفع رأسه ونظر لها بعينيه الحمراوين بدموع محبوسة... ثم قال يؤكد لنفسه قبلها :
" ستكونين بخير... سنكون بخير "

وافقته بهزة من رأسها وابتسامة تختلط بدمعة فتآوه وهو يعود ليقبلها باستجداء أن تطمأنه...تمنح قلبه ذرة اطمئنان فقط!

***********************

بعد أسبوع...

تهتز قدمها بتوتر وأصابعها التي تضغط بهم باستمرار على لوحة المفاتيح تتشنجا بتوتر أكبر بينما نظراتها تدور حول القسم الذي انقلب رأسًا على عقب.... الموظفون يتراكضون من مكتب لمكتب... يعملون بسرعة كبيرة طبقًا لأوامر ابن الرئيس الغاضب!
لقد سافر رئيس الشركة في رحلة عمل واستلم مكانه ابنه.... عامر... العمل ومن أول لحظة استلمه بها وكأنه قنبلة وانفجرت في الشركة... غضب ساطع كالبركان أنزله على الجميع وهو يتابع العمل بدقة... غاضبًا من تكاسل وتجاهل البعض.... وهي منذ أن استشعرت منه كل هذه الطاقة السلبية التزمت مكتبها تعمل دون أن تتحرك حتى نهاية اليوم ثم تغادر بهدوء تام... تتحاشى حتى أن يلمحها
الجميع بالشركة مذهول من تعامل السيد عامر الغريب... فهو معروف بلطفه وهدوءه فكيف تحول لهذا الهيجان بيوم وليلة!

طرقة خفيفة على الكتب جعلتها تنتفض فرفعت رأسها لزميلتها التي قالت بعجلة وهي تمدها بعدة أوراق :
" أفنان.. اذهبي الآن لمكتب السيد عامر حتى يوقع هذه الأوراق..."

شحب وجهها وتراجعت تقول باعتراض متعثر :
" ماذا... أنا.. أنا مشغولة فليذهب أحدًا آخر... مشغولة جدًا"

عبست الفتاة ووضعت الأوراق على المكتب أمامها قائلة بتجاهل تام لاعتراضها :
" هيا اذهبي... جميعنا مشغولون "

أمسكت الورق بيدها تنظر لابتعاد الفتاة الباردة فم مفتوح وقلب يرتجف ثم وقفت على قدميها تتحرك إلى الخارج بتردد وخطواتها تتراجع قبل أن تتقدم...
فور أن رأتها السكرتيرة سمحت لها بالدخول فورًا... فطرقت الباب ودخلت لتتوقف هناك كالصنم ويديها ترتعشان...

" تقدمي..."

اهتز قلبها من سماعها لصوته.. لقد اشتاقت لصوته... اشتاقت له كله وهي أضعف من أن تنكر هذا...
رفع نظراته لها... نظرات جامدة بلا أي تعبير... لكنه لا يستطيع أن يخفي الألم عنها.... ألم سببته هي.... أطرقت برأسها وتقدمت منه تمد يدها بالأوراق قائلة بصوت منخفض :
" تفضل... هذه الأوراق تحتاج لتوقيعك...."

لم يقدم على أي حركة... يستمر بالنظر لها بهذه الطريقة التي تؤلمها وفمه مزموم بحنق بينما تتهرب منه بحدقتيها... مد كفه وأخذهم منها يقرؤهم بصمت... بالحقيقة أخذ وقت أكثر من اللازم فبدأت تتململ ليقول :
" اجلسي..."

رفضت وهي تبعد نظراتها عنه :
" لا شكرًا... "
وكأنها رفضه قد أثار بركانه مرة أخرى... أوقع ما بيده بحدة وصرخ :
" لقد قلت لكِ اجلسي.. لمَ يجب أن تعانديني بكل شيء..."

جلست تغالب ارتعاش جسدها ونزول دموعها وهي تطرق برأسها ليعود ويهتف :
" اللعنة... اللعنة ..."

وقف وتوجه نحوها بسرعة شديدة وأوقفها من عضديها صارخًا بوجهها :
" لماذا أريتني وجهك الآن.. لماذا"


انتهى الفصل

زهرة الغردينيا 12-09-19 02:55 PM

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
تسجيل حضور
بانتظار الفصل

Siaa 12-09-19 09:31 PM

سيتم نشر الجزء الأول من الفصل التاسع عشر
اعذروني هذا كل ما استطعت كتابته خلال الأسبوع..
قراءة ممتعة

Siaa 12-09-19 09:34 PM


الفصل التاسع عشر الجزء الأول

" تنسى كأنك لم تكن .. تُنسى كمصرع طائر .. ككنيسة مهجورة تُنسى .. كحُب عابر وكوردة في الليل .. تُنسى"

" لماذا أريتني وجهك الآن.. لماذا "

كان يهز جسدها وهو يتفوه بهذه الكلمات بحرقة شديدة وغضب أشد...بينما هي لم تملك إلا أن تحدق بملامح وجهه المشدودة بعينين تملؤهما الدموع... لو يعلم كم هي آسفة... آسفة جدًا... لم تتمنى له الألم أبدًا... شخص كعامر لا يستحق هذا منها لكنها مجبورة... مجبورة أن ترفض حبه كما هي مجبورة أن لا تقحم نفسها معه حتى لا تسبب له ألم مضاعف بعدها....
توقف عن هز جسدها وسكن وجهه يتأملها بصمت وقهر... قبضته المتشنجة على عضديها تراخت ورأت بذهول رأسه يقترب منها ببطء حتى أسند جبينه على جبينها هامسًا بضعف :
" أفنان..."

همت أن تبتعد لكنه شد منعها وهو يتمسك بذراعيها... لم يكن يشعر بنفسه وهو يقترب أكثر يريد.. يريد أن..

" أرجوك سيد عامر... دعني أذهب..."

جملتها المتوسلة وأنفاسها المتسارعة هلعًا جعلته يفتح عينيه ويترك ذراعيها بقوة أرجعتها للخلف بضع خطوات... مسح على وجهه بانفعال ثم قال دون أن يمنحها نظرة واحدة :
" اخرجي أفنان..."

تقلص قلبها في صدرها ألمًا إلا أنها تكمنت من القول بتعثر شديد :
" و.. والورق!"

رد وهو ما زال مطرقًا برأسه كأن جبل من الهموم يثقله :
" سأبعثهم من إحدى الموظفين بعد قليل.."

أومأت برأسها وهي تحبس شهقتها وتراجعت تخطو تجاه الباب لكنه ناداها مرة أخرى بنبرة غريبة :
" أفنان..."

التفتت له بلهفة فقال وهو يحدق بعينيها بندم و.. ألم :
" أنا آسف..."

هذه المرة لم تستطع من دمعتها من النزول على خدها وهي تشعر بأن الأبواب على وشك الانغلاق بينهما أو ربما.. أُغلقت..!
أخذت نفس عميق ورسمت ابتسامة مرتجفة وهي ترد :
" لا عليك..."

راقبها بقلب مفطور وهي تخرج وتغلق الباب خلفها... وشعر بأنه لن يقدر على التماسك لنهاية اليوم فأمسك بهاتفه وخرج من المكتب قائلًا لسكرتيرته بجمود :
" الغي جميع المواعيد لليوم.."

وصل البيت وصعد لغرفته فورًا دون أن يملك الطاقة ليحي والدته... ارتمى على سريره بملابسه نفسها... يحدق بالسقف عله يجد حلًا لمشكلته هناك... سمع طرقة على الباب فأغمض عينيه وهو يقول :
" ادخلي يا أمي..."

وكما توقع جاءه صوتها المذهول القلق مرحبا تتقدم ناحيته :
" بني هل حصل شيئًا.... هل أنت بخير..."

دون أن يفتح عينيه أو يتحرك رد بهدوء :
" لا تقلقي.. كل شيء بخير"

شعر بها تجلس بجانبه تهمس بصوتها الحنون :
" بل سأقلق... وجهك شاحب.. ما بك "

فتح عينيه يتنهد تنهيدة أوجعتها فلامست وجهه بينما هو يسأل بخفوت :
" متى سيعود أبي... "

ردت بقلق :
" قريبًا... لماذا... هل هناك مشكلة بالعمل.."

لتفاجئ به يقول بنبرة مرتعشة لأول مرة تسمعها منه :
" أنا فقط مرهق... مرهق جدًا وأحتاج لإجازة طويلة.. "

قالت بلوعة وهي تربت عليه :
" لماذا لا تخبرني ما بك... دومًا أغاظني كتمانك لكل شيء... "

ابتسم بوهن وهو يربت على خدها قائلًا بمرح :
" أحب أن أراكِ مهتمة بي هكذا يا جميلة ..."

قالت بنزق :
" عامر..."

انقلب جانبًا وهو يضع رأسه على حجرها هامسًا :
" فقط أريد النوم بحضنك... هل أستطيع"

حضنته وقلبها يتقطع حزنًا وقلقًا عليه.... منذ أسبوع وهو بهذه الحالة من الحزن والغضب بآن واحد.. وكلما أرادت أن تستفسر يتهرب منها بطريقة أو أخرى... تنهدت بهم وهي تربت على رأسه وقد ذهب بنوم عميق وشخيره الذي ارتفع يدل على إجهاده.

************************

بابتسامة صغيرة صادقة ما لبثت أن ترسمُ على وجهها خلال الأيام الماضية... ابتسامة من قلبها... ابتسامة سعيدة.... نعم إنها سعيدة... حتى لو كانت هذه السعادة تزورها بخجل لكنها تبقى سعادة لم تزرها من قبل... لم تطرق أبواب وحدتها وعتمتها... وقد ظنت أنها لن تطرقهم أبدًا.... لكن شخص واحد... بل شخصان لم تعرفهما إلا منذ مدة قصيرة جعلاها تعيش هذه السعادة بكل إرادتها... وليد وفراس.
أخذت نفس عميق وهي ترتب حجابها بحركة عفوية ونسمات الهواء التي تهب من شرفة المنزل جعلتها تشعر بالانتعاش.... لقد أخبرها وليد أنه بالطريق ففضلت أن تأتي هنا وتنتظره... وقد أمرت الخادمة بتجهيز المكان على أكمل وجه...
كل يوم تقابله هو وصغيره التي تعلقت به بشدة.... يلتقيا ويتكلما بشتى المواضيع... يتعرفان على بعضهما كمراهقين خجولين... وإن مر يوم ولم يستطع لقائها فإنه يقضي معظم الليل وهو يتحدث معها بالهاتف.... صوته الدافئ... الحنون... يصل لأذنيها فتكاد تشعر بأنفاسه تلامسها..
شعرت بوجنتيها تحمران من أفكارها فأغمضت عينيها واتكأت برأسها على الحاجز الحديدي وأخذتها الغفوة... شعرت أثناء غفوتها بلمسات على حجابها ووجهها... لمسات غربية!
فتحت عينيها واستقامت بحدة قائلة :
" من..."

لا رد إلا أنفاس سريعة.. بل لاهثة.... شعرت ببعض الرعب يهاجمها على حين غرة فقبضت على عصاها ثم نهضت من على الكرسي... معاودة سؤالها بصلابة :
" من أنت..."

جاءها آخر صوت توقعته يقول بضحكة خافتة :
" كالعادة محاولة إرعابك لم تجدي نفعًا..."

عبست وهي تقول باستدراك :
" مصعب!.."

ابتسم مصعب وعينيه تشتعلان بالعاطفة بينما يلامس أصابعه التي نالت من نعومة بشرتها نصيبًا... أخذ نفس عميق وسأل بمكر :
" هل تنتظرين أحدًا..."

على نفس عبوسها المتحفز ردت بهدوء :
" أنتظر وليد... "

هذه المرة كانت عيناه تشتعلان بالكره والحقد الشديد... تماسك وهو ينظر لوجهها وقال بنبرة ادعى فيها اللامبالاة :
" حقًا خيبتِ ظني بقرارك الارتباط منه..."
رفعت حاجبها ولم تبدو متفاجئة لكنها قالت ببرود :
" لماذا...."

اقترب منها ورغمًا عنه صوته ارتفع بانفعال وهو يبث سمه الحاقد :
" لماذا!... حسنًا إن لم تنتبهي فأن زواجك منه جعلك تبدين مجرد دمية يتبادلوها لأجل المصالح... كلانا نعلم أنه لم يتزوجك إلا لمصلحة تربطه مع والدتك!.... وأنتِ مع ذلك وافقتِ ... وافقتِ أن تحطي من قدر نفسك!"

كلاهما لم يشعرا بالظل القاتم الذي يقف قريبًا ويسمع محادثتهما بغضب مكتوم سينفجر لا محالة.... لكنه صبر عن ألا يذهب ويشبع ذلك الحقير ضربًا... صبر حتى يسمع إجابتها بنفسه... يحتاج أن يسمعها.

تكتفت ماريا وبداخلها تبتسم... فقط تبتسم... ثم قالت بنبرة برودًا بل صقيعًا :
" لا أعلم ما علاقة كل هذا الكلام بك... ببساطة يمكنك تجاهله ما دام لا يؤثر بك..."

توسعت عينيه ومد ذراعه ناحيتها دون أن يلمسها هامسًا بحرارة :
" كيف يمكنني التجاهل!... أنا.. أنا أهتم بكِ... أهتم بأن تكوني راضية ومرتاحة..."

هنا برقت عينيها تحذيرًا وغضبًا... واشمئزازًا أذهله وهي تقول :
" أنا بغاية الرضا بل السعادة... لا تقلق أنت... "

فقد سيطرته وهو يمسك ذراعها وكتفها يكاد يضمها يقول بكره شديد :
" لا تكذبي... ذلك الحقير.... "

لم يكمل كلامه إلا وقبضة قوية تنهال على وجهه وتطيحه أرضًا.... شهقت ماريا التي لم تكد تستوعب إمساكه بها حتى تستوعب ماذا حدث بعدها بينما يأتيها صوت وليد صارخًا :
" أيها الحقير البائس... أيها الدنيء"

تحركت بارتجاف تحاول تخمين موقعه وفور أن وقفت بجانبه مسكت ذراعه التي توشك على ضرب المزيد من اللكمات... قالت بقوة :
" يكفي وليد... توقف..."

لم يرد وهو يحاول أن يفك ذراعه من قبضتها.....أغمضت عينيها بيأس وصوت والدتها وشقيقتها بل والخدم أيضًا ينهال على أذنها... بعدها شعرت بأنها وسط دوامة كبيرة تكاد تبتلعها... وأصوات الجميع تختلط بإذنها... صوت وليد الغاضب ومصعب المتوعد... ووالدتها التي تحاول استيعاب الموضوع وشقيقتها الباكية.... بينما هي وسط كل هذا تتمسك بذراعه وكأنها حبل نجاة!...فجأة هدأت الأصوات واختفى الجميع وشعرت بمن يجلسها على الكرسي وينحني أمامها هامسًا بصوته الذي لم يغب الغضب عنه :
" ماريا..."

اهتاجت وهي ترفع قبضتها تضربها على صدره هاتفة ولمعة عينيها تكشف أنها على وشك البكاء :
" ما الذي فعلته... ما الذي فعلته..."
أمسك قبضتها بنعومة لا تشابه صوته الذي خرج محتدًا :
" يستحق ذلك..."

نظرت له برفض شديد وهي تقول :
" كنت سأتعامل مع الأمر وحدي دون تدخلك... أرأيت ما حصل"

فغر شفتيه ذهولًا ثم أمسك ذراعيها يصرخ مهتاجًا بغيرة عمياء :
" إنه يضع عينيه عليكِ... ألم تلاحظي... ذلك الدنيء يكاد يتحرش بكِ...أنت!... أخت زوجته... هل يجب علي أن أصمت على ذلك أيضًا..."

تكلمت بحدة وهي تبعد يديه عنها :
" أنا أكثر من قادرة على ابعاده... ودون أن يشعر أحدًا بذلك..."

هذه المرة ضحك بعدم تصديق مرددًا :
" أي أنكِ تعلمين نواياه وصامتة!...بدلًا من أن تخبري الجميع بحقارته "

كان صدرها يهبط ويعلو من الانفعال ثم ردت بهدوء استفزه :
" كلانا نعلم أن هذا الإجراء لن ينفع... قلت لك أستطيع التعامل مع... "

قاطعها بعصبية :
" اخرسي..."

قالت بذهول :
" ماذا..."
وضع كفه على فمها يشعر الآن بأنه لا يستحمل أي كلمة غبية منها ثم صاح بعصبية أشد وكل جسده يتشنج :
" اخرسي... اخرسي..."

صمتت وهدأت... أنفاسها المكتومة تصطدم بكفه بينما جفنيها مسبلان بغموض... أبعد كفه ببطء ثم مرر ابهامه على شفتها وهو يهمس بكل ما أستطاع من هدوء :
" منذ متى وهو... هكذا..."

فهمت سؤاله دون أن يشرح وارتعشت شفتاها وهي ترد :
" منذ فترة... قصيرة... "

سأل بقهر وهو يحدق بوجهها :
" لماذا لم تخبريني... لماذا يا ماريا"

قالت وهي تتلاعب بأصابعها بتوتر :
" إنه زوج أختي..."

قال باستغراب من منطقها العجيب :
" وهل كونه زوج أختك يعطيه الحق بذلك... بل العكس هذا يظهر كم هو حقير لا يملك أدنى رجولة... "

رفعت رأسها وتنهدت تقول بألم ترجوه التفهم :
" مايا تحبه... رغم كل ما يحصل تحبه ولا تريد الانفصال عنه..."
لامس خدها موجوع لعجزها بينما هي تتابع بحرقة :
" لا أريدها أن تتألم... لا أريدها أن تكرهني... "

وجد ذراعيه ترتفعان وتسحبانها لصدره يضمها بقوة... يشتم رائحته التي يعشق...يهمس بإذنها بخفوت :
" لا بأس... سنجد طريقة... "

ابتسم عندما شعر بذراعيها تلتفان حول خصره باستيحاء ليعاود الهمس :
" أنا أغاار عليكِ... "

تجمدت بين ذراعيه ولم ترد ليجد نفسه يقول بجرأة ومنظر ذلك التافه يمسك ذراعها لا يفارق مخيلته :
" أريد أن أقبلك..."

شعر بشهقتها على صدره ثم رفعت رأسها له وملامحها تشي بذهولها وخجلها.... تأملها بهيام... كل لمحة من وجهها يعشقها دون استثناء... اقترب من شفتيها وقبلهما بخفة ثم ابتعد وأنفاسه تتسارع... أغمض عينيه متكئًا على جبينها للحظات ثم استقام مرة واحدة ورفعها لتقف برفق قائلًا :
". لندخل... والدتك تنتظرنا... لا تظني بأنها ستتجاهل الموضوع"

أمسك بكفه ثم قال يبثها الدعم :
" أنا معك..."

كانت نظرات علياء قوية بل ثاقبة وهي تحدق بهم جميعًا... بدءًا من مصعب الصامت وملامحه مهتاجة بالحقد والغضب ثم ابنتها مايا المرتبكة في ضعف.. ثم انتقلت نظراتها لابنتها الأخرى التي كانت تجلس في هدوء تام وكفها لا يفارق يد وليد... وليد ذلك الرجل الذي لا يقارب ما رأته منه قبل قليل من غضب وفقدان سيطرة بل بدا الآن مستكينًا ومسيطرًا... لم تملك إلا أن تعجب بشخصيته القوية وداخلها يؤكد أن ما سعت له هو الصحيح... زواجه من ماريا هو الخطوة الصحيحة التي لن تدع أي أحد يشكك من مصداقيتها.
وضعت فنجان القهوة على الطاولة ثم قالت بنبرتها العملية :
" حسنًا... أما من أحد يخبرني ماذا حصل قبل قليل.."

تكلم وليد وهو يرمق ماريا بنظرات جانبية :
" مجرد سوء فهم لا أكثر..."

توسعت عينا مصعب وهو يلتفت له بحدة... لم يكن غبيًا ليدرك أن وليد قرر تجاهل ما حدث ببساطة.... إنه على ما يبدو يخبئ له أمرًا ما.... عاد ليعنف نفسه.... لقد فقد سيطرته... فقدها بأبشع الأوقات.... فقدها وماريا تخبره أنها سعيدة مع ذلك السارق.... لكن لا بأس... لا بأس.... لن يدعها له... لن يتركها...



Siaa 12-09-19 09:40 PM

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 15 ( الأعضاء 3 والزوار 12)
‏Siaa*, ‏الياسمين14, ‏وردة جلنار

زهرة الغردينيا 13-09-19 10:32 AM

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
وليد كشف مصعب على حقيقتة لكن لم يخبر
احد بذلك بناء على رغبة ماريا
عامر غاضب وحزين ولقد قرر اخذ اجازة
والابتعاد عن أفنان
تسلم ايدك ❤❤❤

affx 13-09-19 08:19 PM

هي افنان ليش غبية هيك شو يلي موقف بوجه سعادتها مع عامر؟؟واحد بحبك موت وحيتجنن عليكي ليش هيك بتعملي في يا غبية.🤷🏻‍♀️🤦🏻‍♀️🤷🏻‍♀️
غلط غلط انهم ما يفضحوا مصعب غلط كبيير انهم يسمحولوا يضل متزوج اختها هاد المتحرش لازم ينرمي بالزبالة حتى لو مايا بتحبه رح تنسى بالاخر بدل هل العيشة السودا اللي عايشة فيها بتمنى وليد ما يتركوا بحالوا لهل الحقود 🤨🤨🙍🏻‍♀️

سما صافية 13-09-19 08:54 PM

افنان مصرة علي عندها وعقاب نفسها بدون سبب
والادهي انها بتعذب عامر معها وهو مايستحقش كده
مصعب الندل لازم وقفه حاسمه معاه وكويس ان وليد
شافه وضربه واكيد هيحمي ماريا منه
سلمت اناملك سيا 🌹

ام زياد محمود 14-09-19 12:48 AM

عامر قرر البعد عن طريق افنان

قرر يقف مع نفسه ويديها فرصة للهدوء بالذات بعد انفلات اعصابه فى الشركة .. افنان غبية انها تخرجه من حياتها بدل ما تسعى لدعمه ليها عشان تستعيد قوتها منا تانى

الحقير مصعب مش مطمنه ليه ابدا وقح ومعدوم الضمير

وليد وتصرف فى منتهى الجمال من غيرته على ماريا لوقوفه جمبها ودعمها فى عدم افساد حياة مايا الغبية اللى مش قادرة تشوف حقارة مصعب

اتمنى ان وليد ما يغفل عن مصعب لأنه مش سهل واكيد هيدبر لمصيبه
تسلم ايدك ياقمر وكان الله فى عونك

منال سلامة 14-09-19 10:15 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..



تسلم ايدك احداث مشوقة للقادم 👍👍👍
بداية بعامر الذي تعب ولا زال غاضب ومتألم من افنان وعنادها واصرارها على وضع حواجز بينهم ...قرر ان ياخذ اجازة ليرتاح ويهدئ ...
وليد ضرب مصعب الحقير يستااااهل بعد ان عرف بتحرشه وملاحقته لماريا ...احتفظ لنفسه وماريا بما حدث بعد ان سالت علياء عما حدث ..والحقير مصعب لا يزال مصر على اذية ماريا ...

يعطيكي العافية سيا ...والله يكون بعونك ❤❤❤🌹🌹🌹🌹

امال ابراهيم ابوخليل 15-09-19 11:43 PM

مبارك الروايه وبالتأكيد في أسرار وراء افنان وهروبها للخارج ،وليد وابنه التنمر شئ بشع خصوصا ضد الأطفال ،شمس ومعاويه الحب كله😍😍😍

Siaa 17-09-19 06:00 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة امال ابراهيم ابوخليل (المشاركة 14484841)
مبارك الروايه وبالتأكيد في أسرار وراء افنان وهروبها للخارج ،وليد وابنه التنمر شئ بشع خصوصا ضد الأطفال ،شمس ومعاويه الحب كله😍😍😍

الله يبارك فيكِ عزيزتي
أسعدني مرورك❤️

زهرة الغردينيا 19-09-19 10:58 AM

صباح الورد
تسجيل حضور
بانتظار الفصل

Gigi.E Omar 19-09-19 06:51 PM

أفنان رفضت عامر و دا متوقع منها و هي بتحاول تبني نفسها و تخرج من الذنب اللي خالتها لصقته فيها ... بس عامر هو اللي مستحملش الرفض بس هيعمل ايه ؟؟؟
و هي قفلت الابواب في قصتهم ؟؟؟ هينجح انه يوصلها و لا دي النهاية ؟

معاوية بيحاول يرجع شمس زي ما كانت و شمس هتقدر ترجع من جديد !!!
اللي حصلها صعب و اتوقع مستحييل تنسااه بس هعتعمل ايه عشان خاطر معاوية ؟؟


وليد و ماريا و ارتباطهم و بداية تقربهم من بعض ..بس مش فاهمة ماريا بتفكر في ايه اتجاه وليد ؟؟
مصعب الغبي انكشف و ياريت مايا تسيبه الحقيير داا
علياء ياريت الشركة و الفلوس تعيشها كويس و تفرحها اكتر 😒

Siaa 19-09-19 10:16 PM

آسفة جدًا على التأخير
سيتم تنزيل بقية الفصل حالًا

Siaa 19-09-19 10:17 PM

الجزء الثاني من الفصل التاسع عشر
" مصعب... الحقني على المكتب... أريد أن أتحدث معك..."

أسبل أهدابه يخفي خلفهم غضب حاقد ونبرة علياء المتكبرة بطريقة ما تزيد من وقود هذا الغضب.... أخذ وقته ليتبعها بعد أن سبقته متظاهرًا بالهدوء بل باللامبالاة لكن بداخله نبضات خائفة تلح عليه بشكل يزعجه... علياء لا يمكن أن تمرر ما حدث ببساطة وهو يخشى أن تبعده عن محيط ماريا تمامًا... رفع رأسه وألقى نظرة سريعة عليهما لتقابله نظرات وليد الحادة فزم شفتيه ونهض مبتعدًا بينما تشيعه زوجته بقلق تام وخوف ذليل!
نهضت عن مقعدها بتردد ثم اتجهت بحدقتيها المضطربتين لوليد وماريا لتقول باعتذار ونبراتها تتلكأ ما بين ألم وضعف :
" أنا... أنا أريد أن أعتذر... عما حصل... أعتذر بالنيابة عن زوجي"

احتار وليد بما يرد أو كيف يطمئن هذه المرأة أمامه التي تكاد ترتجف من ضعفها...لم يكن قد تعامل معها مباشرة من قبل... فقط تحيات خافتة تبادلاها وكل ما يعرفه عنها أنها شقيقة ماريا... أيعقل أنها شقيقتها!... إنهما متناقضتان لدرجة كبيرة!!
ابتسم وقال بلطف :
" لا عليكِ..."

توجهت نظرات مايا هذه المرة لشقيقتها الصامتة تتوسلها بعينيها أن تسامحها... على كل شيء...إنها أخطأت بحقها وما زالت! والطامة أنها لا تجد طريقة لتتوقف عن هذا... لا تجد شجاعة تنجدها
قالت ماريا بصلابة وهي ترفع رأسها بإباء حسدتها عليه :
" لا بأس مايا... لا داع للاعتذار"

ابتلعت ريقها ثم بنبرات مرتعشة كانت تستأذن وتغادرهما بخطوات متعثرة خزيًا....

وقفت ماريا عند الباب الخارجي لتودعه... كان وجهها جامدًا على نحو أقلقه وبه بعض الشحوب... يدرك أن ما حصل قبل قليل ألمها حتى لو لم تظهر هذا الألم... أمسك بكفها هامسًا بحنان :
" سأتصل بك مساءً..."

هزت رأسها دون رد فتنهد ولم يشأ أن يذهب وهي بهذه الحالة فأحنى رأسه وطبع قبلة دافئة على وجنتها وعاد يقول :
" لا تقلقي كل شيء سيكون بخير..."

ابتسمت ابتسامة صغيرة مبهمة وقالت ببعض.. التعاسة! :
" نعم كل شيء..."

اقترب منها يهمس بقلق:
" ماريا... "

رآها بوضوح ترفع كفها وتضعها على جبينها وتقول بخفوت حزين :
" لقد مللت... مللت من كل شيء... مللت من هذا البيت.. ومن هذه المشاكل التي تصر على الالتصاق بي... ومللت من تظاهري بعدم اللامبالاة"

أراد يواسيها... أراد أن يمحي تلك النظرة اليائسة وذلك التعبير على وجهها الذي هو أقرب إلى الاستسلام!
رباه! إنها ماريا... تلك الفتاة التي بمهلة قصيرة أصبحت كل شيء لديه... جعلته يخرج نفسه من دائرة الجمود وعدم الاهتمام إلا بابنه... جعلته يشعر بالسعادة التي كانت غائبة عنه طويلًا... جعلته يشعر بالحب...
ولكن أن يراها بهذه الحالة وكأنها لم تعد تستحمل الثوب الخانق من اللامبالاة وكبت المشاعر كان أكبر من قدرته على أن يقف وينظر لها فقط... تجاهل حركتها الرافضة وشد من ذراعيه على جسده يكاد يرفعها عن الأرض بينما فمه قريب من إذنها يهمس بعذوبة شديدة :
"وإن أخبرتك بأنني بجانبك ولن أبتعد؟ ... وإن أخبرتك بأنني أحبك ولن أتوقف؟... هل هذا كافي لأن تعتمدي علي... تثقين بي؟"

سكنت حركتها واسترخى رأسها على كتفه فأعاد سؤاله بإصرار :
" هل هذا كافي ماريا؟.."

بعد لحظات من الانتظار المضني هزت رأسها بخفة وهمست بتنهيدة عميقة :
" نعم... كافي "

ابتسم بسعادة عاطفية وهو يقبل رأسها ليسمعها تسأل وكأنها تذكرت شيئًا :
" أين فراس؟.. "

رد وهو يمسد على رأسها من فوق الحجاب وخاطر برق فجأة بدماغه... إنه لم يرى شعرها لحد الآن :
" تركته في البيت ... لم يأتي معه لأنه نام ولم أحب أن أيقظه...لا تقلقي عليه "

لم ترد بشيء وهي تتحرك تفك نفسها من ذراعيه... دارت حدقتاه على ملامح وجهها الحبيبة وشعر كما يشعر كل مرة ينظر إليها... بالحب


يتبع...

Siaa 19-09-19 10:19 PM

تحركت بخفة وحذر وهي تتكأ على العكازة تمشي ذهابًا وإيابًا في الشرفة الصغيرة... تنهت ببعض المشقة وجبينها يلمع بالعرق لكنها تزم شفتيها بإصرار على تحسين مشيتها وعدم الاعتماد على أحد ليسندها...
مر عليها أسبوع آخر هنا في هذه الشقة ولم يعودوا بعد إلى البيت... لا تعلم لماذا ولم تسأل... إنها فقط تشعر بأنها منفصلة عن الجميع.... مشاعرها بحالة من الحمود بينما عقلها لا يهدأ وما يهون عليها هو وجود معاوية بجانبها... معاوية الذي رغم الألم الرهيب الذي تراه على وجهه وبعينيه لم يبتعد عنها أبدًا.
منذ آخر مرة بالشرفة وما حصل بينهما من انفجار عاطفي حزين... كم كانت قبلته حزينة.. محتاجة... وكأنه يطلب منها أن تساعده وتدعمه... ومنذ هذا الوقت وهو يجلس معها كل يوم يتحدثان أو يصمتان.... يطمأن عليها ويتأكد من أنها تناولت طعامها وكأنها طفلة صغيرة ثم يغيب نصف النهار ويعود ليلًا لتراه عند باب غرفتها يلقي عليها نظرة سريعة ثم يغلق الباب ويذهب.... يظنها نائمة لكنه لا يعرف أن النوم أصبح كمالية لا تسعى إليها.

تنفست بألم وهي ترمي جسدها على المقعد تنظر بعينين باهتتين لجبيرة قدمها ويخيل لها أنها تشعر بنفس قوة الألم الذي شعرته آنذاك.... ارتجفت واغمضت عينيها تبعد الصور التي بدأت بتتابع أمامها كفيلم مخيف ثم تركت العكازة تقع منها على الأرض ورفعت كفيها تغطي بهما وجهها المتغضن.... متى ستنسى... متى ستتخطى كل ما حصل

" شمس حبيبتي..."

رفعت رأسها بسرعة على صوت سناء لتجدها واقفة عند باب الشرفة مبتسمة ابتسامة مرحة قائلة :
" الفطور جاهز... هيا لنأكل"

تلكأت لتنهض ثم أطرقت برأسها ترد بصوت خفيض :
" لا أشعر بالجوع الآن..."

تنهدت سناء بحزن على حالها وحال أخيها الذي لا يسر عدو ثم خطت لداخل الشرفة... جلست بجانبها وقالت بهدوء :
" حسنًا... ما بها جميلتنا"

سارعت تقول باعتراض :
" ليس بي شيئًا... أنا بخير "

ضحكت سناء وداعبتها بالقول :
" لن تضحكِ علي بهذا الكلام... ربما أخي يصدق منقادًا لحاجته بالاطمئنان عليكِ.... لكن أنا لا..."

ثم أطلقت من فمها صوت نافي مضحك.... لكنها لم تضحك.... لم تجد فيها ذرة واحدة تحثها على الابتسام لدعاباتها كما قبل بل قالت بنبرة تنضح بالبؤس :
" حتى معاوية لا يصدقني... يدعي الاطمئنان عليه لكنني أعرف أنه قلق... أعرف أنه يتوجع "

أشفقت سناء عليها وهي تراها تحمل نفسها ما لا طاقة لها به حاليًا ثم وضعت يدها على كتفها المنحني بهم وهمست برقة :
" إذًا أخي ما يجعلك مستاءة هكذا..."

رفعت شمس وجهها المتقلص لها وقالت بحنق وجهته لا لأحد إنما لنفسها... تبوح بما لم تبوح به لأحد
" أنا فقط أتوجع لوجعه... أموت حاجة لأن أخفف عنه... معاوية ليس خطيبي فقط بل رفيق طفولتي الذي وقف بجانبي ولم يفارقني... منحني مشاعره ووقته وكل شيء.... وأنا!... وأنا ماذا منحته؟....فقط الحزن والألم الذي أراه مخطوطًا بقسوة على وجهه..."

سألت دمعة على خدها مسحتها بعنف وهي تهتف بقلب مجروح :
" قولي لي كيف أستطيع إصلاح تأثير ما حصل... ليتني أستطيع... ليتني "
مسحت سناء على وجه شمس الباكية... تمسح دموعها الحارة... ثم مسدت على شعرها الناعم قائلة بقوة وعزم :
" بل تستطيعين... هل تظنين أخي الآن يأبه لغيرك... بل كل ما يوجعه هو رؤيتك منهارة لم تستعيدي قواكِ بعد... أنا أعرف ما يشعر به معاوية... إنه يشعر بالذنب وأنتِ لا تساعدينه بقصي نفسك عنه ومبتعدة بروحك لأبعد مكان تظنين أنه هكذا سينسى"

هزت رأسها مؤكدة لنظراتها المستنكرة وتابعت :
" معاوية وكما قلتِ... أهتم بكِ منذ الطفولة.... أحبك منذ الطفولة... ورؤيتك تبتعدين عنه سيزيده ذنب وحزن.... لا تهربي شمس... لا تهربي وكوني شجاعة ودعيه يعالجك ويعالج نفسه... صدقيني ما تفعلينه خطأ بحقكما... "
تركتها لوحدها ودخلت... تركتها تتخبط بما سمعته وبما تريد أن تفعله... لقد سأمت جلوسها هكذا تنتظر القدر أن يحن عليها... سأمت!
نهضت ببطء وبصمت التقطت عكازها ومشت للداخل ... صوت مفاتيح عند باب الشقة جعلها تقف تراقبه بعينين ثاقبتين.. مرتعبتين... لتطلق نفسها المحبوس عند رؤيتها قامة معاوية تطل من خلفه.. ثم تحول الرعب إلى دهشة وهي تسأل :
" معاوية... أحصل شيئًا... لمَ عدت"

ابتسم لها ابتسامة منهكة ثم اقترب وأمسك بذراعها قائلًا :
" لا أبدًا.. فقط انتهيت من انشغالي باكرًا وعدت إليكِ"

نبرته التي اختلط بها الانهاك بالشوق جعلتها تضطرب ليكمل عليها وهو يهمس :
" اشتقت إليكِ..."

عضت شفتها السفلى دون أن تجد ردًا فرأت ملامحه تشوبها مسحة إحباط لتسارع بالقول دون تفكير :
" وأنا أيضًا..."

رأت وجهه يشرق وهو يمد كفه يلامس خدها ويعود للهمس :
" أنتِ ماذا..."

اغمضت عينيها ولمسته تجعلها بطريقة ما تسترخي وهي تقول :
" اشتقت لك.. "
صمت لم تسمع به شيء فقط تشعر بأنفاسه تلامس وجهها بنعومة فاقت نعومة ملامسته لبشرة وجهها.. وبينما هي غارقة بالغوص بهذا الاسترخاء شعرت بجسدها يرتفع مرة واحدة... شهقت وفتحت عينيها لتجده يحملها بين ذراعيه بابتسامة عريضة... قالت بتوتر :
" ماذا تفعل... أستطيع السير لوحدي..."

تحرك باتجاه المطبخ قائلًا :
"أعلم ذلك..."

أجلسها على الكرسي أمام الطاولة لتطرق بنظراتها بخجل شديد وقهقهات سناء المرحة تصل لمسامعها.... جلس معاوية بجانبها يقول ببعض التوبيخ :
" لماذا لم تأكلي لحد الآن... هل يجب أن أطعمك بيدي "

نظرت لسناء بدهشة فرفعت لها حاجبيها تغيظها وملامحها تخبرها بوضوح بأنها وشت عنها لمعاوية.. همست :
" لم أكن أشعر بالـ...."

قطعت كلامها وهو يضع لقمة صغيرة عند حافة فمها فنظرت له بعجز ليبتسم ابتسامة أوسع وأوسع.. بدا سعيدًا بشكل غريب... فتحت فمها وتناولت اللقمة وأطراف أصابعه تلامس شفتيها عرضيًا فتجعلها تحمر خفرًا.... وسعادته تنتقل إليها... سعيدة لأنها رأت إحدى ابتساماته الصادقة اليوم.... وسعيدة أكثر لأنها كانت سببًا بها.


**************************

نزلت من سيارة الأجرة بعد أن أعطت الرجل أجرته المناسبة وفوقها مبلغ صغير إضافي كشكر لأنه أوصلها بصمت تام عكس جميع سيارات الأجرة التي ركبت بهم طوال حياتها... فهم ما أن يبدؤوا بالكلام حتى ينسون أنفسهم لتجدهم قد وصلوا بالحديث لجدهم التاسع!
نفضت بنطالها الأنيق ومسدت على شعرها وهي تسير الهوينة باتجاه المطعم... لقد دعاها عمها اليوم بشكل استثنائي لتناول الطعام بالخارج وما أدهشها إنه أراد أن يكونا لوحدهم دون عائلته الصغيرة اللطيفة.... دخلت المطعم الفاخر ثم جعلت النادل يدلها على مكان الطاولة... لقد أخبرها عمها قبل قليل بأنه سيأتي بعد عشر دقائق بسبب أزمة الطريق... يا ترى ماذا يريد أن يخبرها

جلست وهي تراقب فخامة المطعم بنظرات هادئة... إنها معتادة على هذه الفخامة.. كانت ترافقها طوال سنين حياتها لكنها لم تعرها ذاك الاهتمام... بل كل المجتمع المخملي والأشخاص ذوات النبرات الارستقراطية والوجوه البارد المستعلية كل هذا لم تعطه الاهتمام ولم تسعى لأن تندمج به.... كانت مطالبها بسيطة كبساطة شخصيتها...أن تحب وأن تُحب... أن تعيش بين عائلتها هادئة مطمئنة... حتى عندما لم تنجب والدتها بعدها عوضت ذلك بماريا... لتضيع أحلامها وسط كل ما حصل وتضيع بساطة شخصيتها وتتحول لتعقيد حتى هي لم تفهمه ولم تستطع فك طلاسيمه.
رفعت كأس الماء لتبل ريقها ثم لاحظت دخول عمها إلى المطعم... ابتسمت له لتتراخى ابتسامتها عند رؤية رجل غريب يصاحبه... وقفت تنتظر وصولهما... تلقت قبلة عمها على خدها وسلمت على الرجل الذي بدا بأواخر الثلاثينات...
جلسوا على الطاولة يشربون القهوة بعد أن أتى بها النادل وهي لحد الآن لم تفهم ماذا يحصل ومن هذا الرجل
" حبيبتي هذا السيد أحمد... شريكي بالتجارة منذ سنوات"

ابتسمت له بمجاملة وعينيها للحظات طرفتا لما خلفه لتتوسعان وهما تبصران هيئة تعرفها... تعرفها جدًا تدخل من باب المطعم... عامر!... رباه أي صدفة قادته إلى هنا!!!
اضطربت واحمر وجهها وهو ينتبه لها أخيرًا فاطرقت برأسها وصوت عمها يأتيه قلقًا :
" ماذا حصل لكِ أفنان..."

حاولت أن تسيطر على ردة فعلها وأجابت بما تملك من هدوء :
" اه.. لا شيء عمي... أنا بخير"

ثم نظرت له مدعية انتظارها لحديثه ليبتسم بطيبته المعهودة وقد صدقها بل فهم اضطرابها على نحو آخر ثم التفت للرجل يقول ببشاشة :
" هذه هي ابنة أخي... سريعة الخجل خصوصًا عندما تتعرف على ناس أغراب عليها..."

قال الرجل بنبرة رزينة :
" بإذن الله لن أكون غريبًا بعد اليوم... طبعًا إذا سمحت الآنسة"

طار كل شيء من رأسها - مؤقتًا - وهي تستشعر بشيء أخافها في نبرة الرجل لتقول بتعثر :
" عفوًا... ماذا.. ماذا تعني "

نظر السيد أحمد لعمها نظرة ذات معنى ليتكلم الأخير قائلًا بنبرة من يتوقع القبول... بل الترحيب :
" السيد أحمد يطلب يدك للزواج... "

شحب وجهها وبدلًا من أن تنظر لهم وجدت عينيها ترتفعان رويدًا ثم تحيطان على عامر الذي يجلس بعيدًا والذي سرعان ما أمسكها بنظرة حادة كالصقر أشعرتها وكأنه قد سمع هذا العرض معها أيضًا!.



انتهى الفصل

Siaa 19-09-19 10:24 PM

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 15 ( الأعضاء 4 والزوار 11)
‏Siaa*, ‏affx, ‏عبير سعد ام احمد, ‏باسم محمد ابراهيم
أدوات الموضوع

Gigi.E Omar 20-09-19 12:51 AM

عرض خطوبة لافنان و عامر موجود 😏 يااين انها هتولع و خصووصا ان عامر على اخره و هينفجر 🤭
بس افنان اللي رفضت عامر هترفض العريس و لا عممها هيكون له راي تاني ؟؟

كلام سناء مع شمس هيخليها تخرج من حالتها و خصوصا و هي حاسة بالذنب اتجاه معاوية .... بس معاوية عايزها تتعالج متحسش بالذنب 🌸

ماريا ووليد ❤️❤️
علياء هتعمل ايه مع مصعب و يا خوفي لتكون عارفة بمشاعر مصعب اتجاه ماريا 🤔 هتبقى كدا كملت !!
مايا ياريت بجد تفوق من ضعفها 🤦‍♀️

Gigi.E Omar 20-09-19 12:54 AM

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 3 والزوار 3) ‏Gigi.E Omar, ‏Soy yo, ‏monefade

ام زياد محمود 20-09-19 02:39 AM

حظك وحش جدا يا افنان ان عرض الجواز يجى ويكون عامر شاهد على كدا

المصيبة انك توفقى عشان تبعديه عن حياتك البائسة

ماريا مسكينة وزهقت من كل اللى بيحصل معاها ووليد بيغرق فى حبها اكتر

ثناء كلامها حلو جدا مع شمس ياريت تبدأ تخرج من الحالة اللى وقعت فيها بعد الصدمة اللى حصلت

تسلم ايدك ياقمر

زهرة الغردينيا 20-09-19 01:59 PM

كلام سناء صحيح ...معاوية يتألم لأنها ليست بخير
و لن يشعر بالراحة الا بعد ان تتعافى شمس نفسيا...
عم افنان احضر لها عريس ..عرض زواج مفاجىء
بحضور عامر
تسلم ايدك على الفصل ❤❤❤❤

سما صافية 20-09-19 09:01 PM

المرة ديه مايا اللي لازم تتشتم متمسكة بمصعب ليه معاملته سيئة ليكي وبيهينك وأكيد انتي فاهمة مشاعرة تجاه أختك....... ضعفها مستفز جدا[*]شمس ابتدت تتجاوب مع معاوية وراغبة في اسعاده خطوه علي الطريق الصحيح[*]أفنان حظك نحس ياضنايا لازم عامر يروح نفس المكان اللي هتقابلي فيه عمك بمفاجأته الرائعة بالعريس الموعود.... الله يكون في عونك بعد نظره عامر ديه هتشوفي المرار[/list]

منال سلامة 21-09-19 03:53 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...


تسلم ايدك سيا فصل ممتع وجميل ..

بداية بماريا ووليد ..
وما حدث من الحقير مصعب واعتذار مايا عنه وضعفها وخنوعها وتمسكها به رغم ما حدث ..
ماريا تعبت من كل ما يحدث ويدور في المنزل لكن وليد وعدها بالا يتركها وسيبقى دائما معها بجانبها ...
علاقتهم في تحسن مستمر مع اعتراف وليد بحبه لماريا ..
علياء لاتزال مسيطرة وتفرض سلطتها على المنزل وحتى مصعب يخشى منها ..


شمس ومعاوية ..
محاولة شمس ان تكون متاونة متجاوبة مع معازية لتشعره انها بخير وسلام خاصة حديث سناء معها
فهي لا تزال غير آمنة لا تشعر بالامان الا وهي بجانب معاوية ...
مزيد من الوقت حتى تشفى وتتعالج جروح روحها مما حدث ..


أفنان ..
وحظ سئ بعرض زواج من صديق عمها على سمع ومرأى من عامر في ذات المطعم ..صدفة غريبة !!!
اعتقد ان افنان لن توافق على ذلك العرض بعد رؤيتها لنظرة عامر ..

يعطيكي العافية وان شاء الله موفقة ❤❤❤

نورالخاقاني 22-09-19 01:05 AM

مساء الانوار

فصل جميل شمس لاتستطيع ان تمسح من ذاكرتها الايام الصعبه

التي عاشتها لكن حب معاويه واهتمامه بها سيمحي كل هذا الألم

ماريا اخير وجدت منقذها

افنان فعلا مفاجئه صادمه عرض الزواج ان يكون مع وجود عامر

سلمت اناملك

تحياتي وحبي وتقديري. 🌺🌺🌺🌺🌺

Siaa 23-09-19 09:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود (المشاركة 14493441)
حظك وحش جدا يا افنان ان عرض الجواز يجى ويكون عامر شاهد على كدا

المصيبة انك توفقى عشان تبعديه عن حياتك البائسة

ماريا مسكينة وزهقت من كل اللى بيحصل معاها ووليد بيغرق فى حبها اكتر

ثناء كلامها حلو جدا مع شمس ياريت تبدأ تخرج من الحالة اللى وقعت فيها بعد الصدمة اللى حصلت

تسلم ايدك ياقمر

سناء فهمانة وفتحت عيون شمس على الوضع الحالي بدل ما تخليها مستسلمة ومتخاذلة
أفنان الله يكون بعونها

Siaa 23-09-19 09:58 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورالخاقاني (المشاركة 14497526)
مساء الانوار

فصل جميل شمس لاتستطيع ان تمسح من ذاكرتها الايام الصعبه

التي عاشتها لكن حب معاويه واهتمامه بها سيمحي كل هذا الألم

ماريا اخير وجدت منقذها

افنان فعلا مفاجئه صادمه عرض الزواج ان يكون مع وجود عامر

سلمت اناملك

تحياتي وحبي وتقديري. 🌺🌺🌺🌺🌺

شكرًا لمرورك عزيزتي ❤️

زهرة الغردينيا 26-09-19 03:02 PM

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
تسجيل حضور
بانتظار الفصل

Siaa 26-09-19 09:28 PM

مساء الخير
لعدم قدرتي على تنزيل الفصل اليوم طلبت من الإشراف أن أنشره غدًا بشكل استثنائي ولحين ردهم علي سأعطيكم تصبيرة صغيرة
وإن لم ينفع ذلك سيتم تأجيله للأسبوع القادم
سأكون ممنونة لتفهمكم



فتحت الباب الحديدي واجتازت العتبة للداخل محدقة بما حولها بابتسامة ضعيفة ونظرة يشوبها الحنين... كم مضى على آخر مرة صعدت إلى هنا... كم مضى على آخر استنشقت هواء نقي لا يختلط بعوادم السيارات... كم مضى على آخر مرة شعرت بأن قلبها يتضخم بشعور منعش وهي على هذا الارتفاع... لطالما كانت تحب الأماكن المرتفعة وعكس معظم الناس لم تكن تخشاهم بل تخوض المغامرات بقلب قوي وكل هذا حتى تحصل على ذلك الشعور المنعش المحبب كما تشعره هنا رغم وقوفها فقط على سطح الشركة.... لقد أحبت هذا المكان... أحبته أكثر من أي مكان مرتفع ذهبت إليه ووقفت على قمته... ولا تعلم ما سر هذا الحب... ربما لأنها لم تجلس به وحيدة... ولم تشعر بالانتعاش وحيدة!

ضحكت بارتعاش وهي تنحني وتجلس على الأرض كما كل مرة تحدق أمامها وما زالت ابتسامتها عالقة على شفتيها اللامعتين أثر مرطب شفاه
لكن هذه الابتسامة ما لبثت أن اضمحلت وهي تتذكر ما حصل أمس... اغمضت عينيها وتركت نفسها تعود لحيث كانت البارحة... تجلس على طاولة المطعم الفاخر مذهولة من عرض زواج أتاها بوقت غير مناسب أبدًا... أبدًا

كانت تراقب عمها وحدقتيها تدور على ملامحه المنشرحة وابتسامته الواسعة علها تجد لمحة تكذب ما أخبرها إياه :
" ماذا.."

رأت ابتسامته تتوسع وهو يقول بحنان :
" السيد أحمد يعمل معي منذ فترة ليست بالقصيرة... وأنا لن أجد من هو أجدر منه بكِ..."

بصعوبة أجبرت نظراتها أن تستقر على عمها ولا تحيد لما خلفه بينما أخفضت رأسها تحاول أن تجد إجابة جيدة لكن عبثًا... همست وهي تنهض :
" عن إذنكم... سأذهب للحمام"

حافظت على هدوء خطواتها وهي تتجه للحمام دون أن تلقي نظرة عليه... هو من هي أكيدة بأنه ينظر لها الآن بإصرار... وقفت أمام المرآة وفتحت حنفية المياه تغسل وجهها ثم أطرقت تقول لنفسها :
" لا أصدق..."

فكرة مجنونة انتابتها بأن تغادر المكان ثم بعدها تبعث برسالة لعمها بأنها توعكت وغادرت مسرعة لكن لم تشأ أن تحرجه مع ضيفه ففركت جبينها بحركة يائسة :
" ماذا أفعل... ماذا أفعل"

كانت هناك مرأة بنفس المكان تنظر لها باستغراب وكأنها مجنونة فاشتعل وجهها حرجًا ثم قررت الخروج والمواجهة...

فور أن خرجت من الحمام كان عامر يقابلها وجهًا لوجه!.. شهقت متراجعة خطوتين للخلف :
" سيد عامر..."

كان وجهه جامد لكن عينيه مشتعلتان بشيء لم تعرفه.. رباه.. كم اشتاقت أن تنظر إليه...هكذا دون هرب أو خجل
" ماذا تفعلين هنا آنسة أفنان..."

رغم ألم قلبها من اللقب الذي أسبقه باسمها وكأنه يضع الحواجز والرسميات بينهما إلا أنها لم تزح نظراتها عنه وهي تجيب بعفوية حاولت تصنعها:
" اه.. أنا مع عمي"

لم يعلق وهو ما زال يحدق بها بنفس ذات الجمود والاشتعال بآن واحد... رمشت باضطراب وأخفضت نظراتها هامسة :
" صدفة جميلة... سأذهب فعمي ينتظرني.."

انعصر قلبها بألم لا يطاق وهو تسير بخطوات ثابتة تجاه طاولة عمها بينما خلفها يقف عامر دون أن يملك ايقافها أو حتى الصراخ بوجهها غضبًا.. وحزنًا... تقلصت قبضته المخبئة بداخل جيبه ثم تحرك خارج المطعم حيث ينتظروه زملائه.... لقد كانت صدفة... صدفة قدر جمعتهما لكنها لم تكن سعيدة كما قالت... بل كما كذبت

حلا المشاعر 27-09-19 07:36 PM

تسجيل حضووووووووووووو

Siaa 27-09-19 11:08 PM

للأسف لم أستطع تنزيل الفصل اليوم لأن هناك الكثير من الروايات وهي أحق بالتنزيل في موعدها
ألقاكم الأسبوع القادم إن شاء الله
آسفة جدًا

ام زياد محمود 28-09-19 03:11 AM

ولا يهمك ياحبيبتى فى انتظارك ان شاء الله

التصبيرة مؤلمة جدا افنان وضعها بيسوء مع عامر

زهرة الغردينيا 28-09-19 10:28 AM

واضح ان عامر علم ب العريس الذي يريد
الزواج من أفنان .
تسلم ايدك ❤❤

زهرة الغردينيا 03-10-19 12:13 PM

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
تسجيل حضور
بانتظار الفصل

Siaa 03-10-19 10:06 PM


الفصل العشرون

" التفاصيل تبدو هادئة جدا.. المعارك تكمن هناك في القلب"

فتحت الباب الحديدي واجتازت العتبة للداخل محدقة بما حولها بابتسامة ضعيفة ونظرة يشوبها الحنين... كم مضى على آخر مرة صعدت إلى هنا... كم مضى على آخر استنشقت هواء نقي لا يختلط بعوادم السيارات... كم مضى على آخر مرة شعرت بأن قلبها يتضخم بشعور منعش وهي على هذا الارتفاع... لطالما كانت تحب الأماكن المرتفعة وعكس معظم الناس لم تكن تخشاهم بل تخوض المغامرات بقلب قوي وكل هذا حتى تحصل على ذلك الشعور المنعش المحبب كما تشعره هنا رغم وقوفها فقط على سطح الشركة.... لقد أحبت هذا المكان... أحبته أكثر من أي مكان مرتفع ذهبت إليه ووقفت على قمته... ولا تعلم ما سر هذا الحب... ربما لأنها لم تجلس به وحيدة... ولم تشعر بالانتعاش وحيدة!

ضحكت بارتعاش وهي تنحني وتجلس على الأرض كما كل مرة تحدق أمامها وما زالت ابتسامتها عالقة على شفتيها اللامعتين أثر مرطب شفاه
لكن هذه الابتسامة ما لبثت أن اضمحلت وهي تتذكر ما حصل أمس... اغمضت عينيها وتركت نفسها تعود لحيث كانت البارحة... تجلس على طاولة المطعم الفاخر مذهولة من عرض زواج أتاها بوقت غير مناسب أبدًا... أبدًا

كانت تراقب عمها وحدقتيها تدور على ملامحه المنشرحة وابتسامته الواسعة علها تجد لمحة تكذب ما أخبرها إياه :
" ماذا.."

رأت ابتسامته تتوسع وهو يقول بحنان :
" السيد أحمد يعمل معي منذ فترة ليست بالقصيرة... وأنا لن أجد من هو أجدر منه بكِ..."

بصعوبة أجبرت نظراتها أن تستقر على عمها ولا تحيد لما خلفه بينما أخفضت رأسها تحاول أن تجد إجابة جيدة لكن عبثًا... همست وهي تنهض :
" عن إذنكم... سأذهب للحمام"

حافظت على هدوء خطواتها وهي تتجه للحمام دون أن تلقي نظرة عليه... هو من هي أكيدة بأنه ينظر لها الآن بإصرار... وقفت أمام المرآة وفتحت حنفية المياه تغسل وجهها ثم أطرقت تقول لنفسها :
" لا أصدق..."

فكرة مجنونة انتابتها بأن تغادر المكان ثم بعدها تبعث برسالة لعمها بأنها توعكت وغادرت مسرعة لكن لم تشأ أن تحرجه مع ضيفه ففركت جبينها بحركة يائسة :
" ماذا أفعل... ماذا أفعل"

كانت هناك مرأة بنفس المكان تنظر لها باستغراب وكأنها مجنونة فاشتعل وجهها حرجًا ثم قررت الخروج والمواجهة...

فور أن خرجت من الحمام كان عامر يقابلها وجهًا لوجه!.. شهقت متراجعة خطوتين للخلف :
" سيد عامر..."

كان وجهه جامد لكن عينيه مشتعلتان بشيء لم تعرفه.. رباه.. كم اشتاقت أن تنظر إليه...هكذا دون هرب أو خجل
" ماذا تفعلين هنا آنسة أفنان..."

رغم ألم قلبها من اللقب الذي أسبقه باسمها وكأنه يضع الحواجز والرسميات بينهما إلا أنها لم تزح نظراتها عنه وهي تجيب بعفوية حاولت تصنعها:
" اه.. أنا مع عمي"

لم يعلق وهو ما زال يحدق بها بنفس ذات الجمود والاشتعال بآن واحد... رمشت باضطراب وأخفضت نظراتها هامسة :
" صدفة جميلة... سأذهب فعمي ينتظرني.."

انعصر قلبها بألم لا يطاق وهو تسير بخطوات ثابتة تجاه طاولة عمها بينما خلفها يقف عامر دون أن يملك ايقافها أو حتى الصراخ بوجهها غضبًا.. وحزنًا... تقلصت قبضته المخبئة بداخل جيبه ثم تحرك خارج المطعم حيث ينتظروه زملائه.... لقد كانت صدفة... صدفة قدر جمعتهما لكنها لم تكن سعيدة كما قالت... بل كما كذبت

عادت أفنان وجلست أمام عمها ورفيقه مبتسمة تستمع لكلام عمها بتشوش بينما تلاحظ اختفاء عامر من المكان... تنهدت وغصة مريرة تجثم على قلبها ثم رفعت نظراتها للرجل الهادئ... كان لطيفًا لكنه استشعرت بعض التحفظ فيه وهو يناقش عمها البشوش...
سألت نفسها بحيرة... من هذا؟ ومتى رآها؟... إنها لأول مرة تراه بحياتها فكيف بحق الله رآها وأصبح يريد الزواج منها أيضًا!
ولمَ هي هنا كضعيفة متخاذلة رفضت الزواج ممن أحبه قلبها بينما تجلس أمام عمها كطفلة خجلة من أن تخبره بكل صراحة بكلمة تطرق عقلها منذ بداية الجلسة... لا.... لا تريد الزواج من صديقه... ولا من أحد آخر
أمسكت كأس الماء لترتشف منه بضع رشفات بللت حلقها ثم قالت بهدوء :
" عمي..."

زوجان من العيون تثبتت عليها وعم الصمت لدقائق لتشحذ كل همتها ويخرج صوتها قويًا واثقًا :
" أنا لا أستطيع الزواج..."

ثم وضعت عينيها بعيني الرجل المتوسعتين صدمة واستنكارًا وشيئًا من الغضب :
" أعتذر منك..."
فتحت أفنان عينيها وهي ترفع رأسها لأعلى تنظر للسماء الزرقاء الصافية هامسة لنفسها :
" ما يهم أنني قلت لا... أنني استطعت قولها"

رن هاتفها على غفلة فأجفلها لتلتقطه من داخل حقيبتها وتبستم فورًا لاسم ماريا. رفعت الهاتف لأذنها وقالت بمرح :
"ماريا تتصل بي!... عجبًا عجبًا"

استمعت لضحكات ابنة خالتها بقلب منشرح.. لقد توطدت علاقتهما خلال هذه الفترة بشكل مقبول... كانتا تتبادلان الاتصالات بشكل شبه يومي لكن لم يتقابلا لحد الآن وكأنهما خائفتان من رؤية بعضهما البعض.. من أن يتفجر العتاب المؤجل بشكل سيء

" كيف حالك أفنان.."

زفرت وهي ترد كاذبة :
" بخير... "

قالت ماريا بمكر :
" وكيف هو حال السيد الغاضب عامر..."

عبست شفتيها بشكل لا إرادي وهمست :
" لم أراه منذ تلك الليلة في المطعم..."

صوت الباب جعلها تفزع لتلتفت له وهناك رأت سيد أفكارها يقف بكامل قوته ينظر إليها بنفس صدمتها وكأنه لم يتوقع وجودها هنا!

" أفنان... أين ذهبتِ"

عادت لماريا وقالت بعجلة :
" أنا آسفة ماريا مضطرة للذهاب الآن.. وداعًا..."

وقفت بشكل سريع بينما تقدم نحوها عامر بخطوات ثابتة.. حسدته لثباته بينما هي تتخبط ما بين الخجل والإحراج

" لم أتوقع وجودك هنا..."

رفعت حاجبها ولم يعجبها كلامه لتجد نفسها ترد ببعض الحدة :
" إنه مكاني المفضل.. "

قال بهدوء أغاظها بشدة :
" ظننته لم يعد كذلك..."

برقت عينيها بغضب ثم انحنت لتمسك حقيبتها متمتمة :
" أنا لا أفقد ولائي لأي مكان أحبه..."

ارتسمت ابتسامة ساخرة لأول مرة تراها على وجهه :
" لكنك بالتأكيد لا تملكين ذات الولاء للأشخاص.. "

المعنى المبطن بكلامه جعل غضبها يتزايد وحنقها يبدأ بالاشتعال... رفعت رأسها ونظرت لوجهه المتصلب رغم سخريته لترتسم نفس بسمته على شفتيها قائلة :
" يجب على الإنسان أن يملك الولاء لنفسه أولًا.. وهذا ما لا أملكه... عذرًا "

تخطته خارجة ليقول من خلفها بنبرة محترقة :
" ماذا كان يريد منك ذلك الرجل في المطعم يا أفنان.."

أصابها الذهول من سؤاله غير المتوقع فالتفتت له لتجده على نفس التصلب وإن زالت السخرية وحل محلها نيران!... أعاد سؤاله عندما قابله صمتها :
" من ذلك الرجل وماذا كان يريد "

فاجئها بأنه تغاضى عن وجود عمها على نفس ذات الطاولة ورغم ذلك أجابته بمرارة :
" لقد كان يريد الزواج مني..."

لتتابع بغصة عندما رأته يتحفز ووجهه يشتعل بغيرة :
" ورفضته... لقد أخبرتك يا عامر... أنا لا أصلح للزواج..."

ثم أدارت ظهرها وابتعدت متجاهلة همسته اليتيمة باسمها.

يتبع...

Siaa 03-10-19 10:08 PM


دخلت علياء بكامل كبريائها وكِبرها.. بكامل قسوتها التي لم تلن مع مرور السنوات بل كل دقيقة تضاف لعمرها كانت تجعلها أكثر صلابة وبرودة... وأقل حنانًا!
لقد احتاجت الكثير من الألم لتدرك أن هذه الدنيا لا تحتاج الرقة... لا تحتاج الرأفة... بل يجب عليك أن تتحول إلى مفترس تقاتل كل من تسوله نفسه للاعتداء على حقك..
لقد اعتادت على هذه الطريقة منذ كانت صبية ومع الوقت أدركت صحتها.. تربيتها على يد أبوين عمليين شقا حياتهما بالكد والتعب حتى تجاوزا كل طبقات المجتمع وصولًا للغنى الفاحش متناسيان إياها فلم ترى منهما قسوة ولم ترى منهما دفئًا... فكبرت وحيدة واشتد عودها حتى أصبح قاسيًا كقسوة قلبها... لم تتعلم منهما إلا شيئًا واحدًا وهو أن المشاعر لا وجود لها بحياتها!

فتحت باب غرفتها ودخلت ثم تخلصت من حقيبتها ومعطفها وبحركات آلية اتسمت بهم كانت توجهت إلى التسريحة الضخمة التي تقبع بمنتصف الغرفة ووقفت أمام المرآة تتأمل وجهها... وجهها الذي لم تزده السنون إلا قسوة حتى أصبح بصلابة الصخر... رمشت ثم أخذت نفس عميق وهي تفتح الجارور لتخرج منه إطار صغير يحمل صورة زوجها الراحل.. رفعت الصورة أمام وجهها تتأمل شكله الذي لم تره منذ سنوات... ابتسامته الهادئة.. بشرته الحنطية المائلة للبياض.. عيناه اللتان تبتسمان معه... كله كان يحمل الكثير من ملامح ماريا... لقد كانا يتشابهان في الشكل والروح...معلقان ببعضهما بشدة... لا زالت تذكر بوضوح عندما أجهش بالبكاء فور أن علم بفقدان ماريا البصر وهي وقتها ماذا فعلت... لم تفعل شيئًا.. تركته وذهبت تلقي كل غضبها ونقمتها على ابنة أختها
ابتسمت ابتسامة صغيرة نادرة وهي تهمس :
" لطالما أغضبني ضعفك... لم تكن ذلك الرجل الذي أردت الزواج منه.... رجل كأبي قاسيًا باردًا لا يهمه في الحياة أي شخص... رجل أستطيع التعامل معه وكأنه شريكي بالعمل وليس زوجي.... لكنك كنت مختلفًا.. لم أستطع فهمك ولم أستطع تقبل عكس ما تربيت عليه واعتدت عليه.."

صمتت وهي تسبل نظراتها وأصابعها تتقلص حول الإطار لتقول بصوت منخفض يحمل رائحة... الندم :
" لكن أتمنى لو أنك تعود... لأخبرك بأنني سعيدة لأنك زوجي... سعيدة وممتنة.... وآسفة "

اجفلت ورنين هاتفها يصدح بالغرفة فوضعت الإطار محله ثم مسحت وجهها وتحركت لترفع الهاتف لأذنها قائلة بهدوء :
"أخبرني... إلى ماذا توصلت..."

جاءها صوت الرجل وهو يرد بعملية :
" أجل سيدتي... لقد رأيت السيد مصعب يتبع الآنسة ماريا لأكثر من مرة وخصوصًا عند ذهابها وإيابها من مركز الأطفال"

برقت عينيها بحدة ثم قالت :
" تابع..."

" لم يكن له تحركات كثيرة... فقط ما أخبرتك به إضافة إلى ذهابه للشركة كالمعتاد"

أغلقت الهاتف بعد حذرته بصوت قاسٍ:
" استمر بمراقبته... إياك أن تغفل عنه ولو لثانية "

توشحت ملامحها بغضب عنيف لم تعبر عنه بينما شفتيها تتحركان بالوعد :
" لقد حذرتك يا مصعب ولم تستمع... بل تجرأت وتجاوزت حدودك!... حسنًا فلترى "

************************

" ماريا... "

انخفضت قليلًا بجسدها وهي تمد ذراعيها بلهفة للصوت الطفولي المحبب لقلبها... تلقفته بيديها ورفعته لصدرها هامسة :
" صغيري... اشتقت لك "

قبلت رقبته وخده وقالت بحب :
" كيف حالك أيها البطل..."

هتف أمام وجهها بحماس وهو يحرك يديه :
" أنا بخير... بابا أنكِ ستأتين لبيتنا لتعيشين معنا... هل هذا صحيح؟.."

خفتت ابتسامتها وتورد وجهها بشكل خفيف وقبل أن ترد عقدت حاجبيها وقدمها العرجاء تقرصها بألم قوي... ربما هذا لأنها حملت الصغير
ترنحت قليلًا لكن يد قوية دافئة حاوطت كتفها وصوت باتت تحب نبراته يقول بلطف :
" هيا صغيري اذهب للعب... "

وضعت الطفل على الأرض ليسارع راكضًا لألعابه بينما التفتت مبتسمة ببعض الحرج وهي تقول بهدوء :
" مرحبًا..."

كان رده قبلة رقيقة على جبينها بينما يده لم تبتعد عن كتفها :
" كيف أنتِ اليوم حبيبتي..."

كلمة حبيبتي والتي تسمعها لأول مرة منه أجفلتها وأفقدتها النطق لبعض لحظات... راقبها وليد برضا وراحة وافتتن باحمرار خديها اللذيذ لكنه لم يقدم على أي حركة تاركًا لها الحرية بأن تقدم هي :
" أنا بخير والحمد لله... وأنت ؟"

" اشتقت لكِ "

قلبه لم يطاوعه على جعلها ترتبك أكثر رغم أنه مغرم بهذا الارتباك.. وهذا التأثر المرسوم على ملامحها ولم تستطع إخفائه... لذا أمسك يدها قائلًا برقة :
" تعالي...أريدك أن تري شيئًا ..."

سارت معه باستسلام... هذه ثاني مرة تأتي إلى بيته... بيته الذي سيصبح بيتها يومًا من الأيام... لم تستطع أن تمانع كثيرًا عندما طلب منها أن يصحبها لهنا لكامل اليوم... تحججت كثيرًا بالبداية لكنها لم تستطع أن تراه يشعر بالخيبة أو الحزن لرفضها.... فاجئها هذا الشعور بقدر ما جعلها تفتح عينيها على كثير من الأشياء في علاقتهما والتي كانت غافلة عنها...

توقف بغتة فتسللت إلى أنفها رائحة طلاء الحائط الحادة... قطبت متسائلة :
" ما هذا المكان؟..."

صوته كان قريبًا منها جدًا وهو يجيب بنبرة غريبة :
" هنا سنقيم حفل زفافنا..."

الدماء انسحبت من وجهها تتراجع خطوة للخلف مرددة ببهوت :
" الزفاف..!"

ابتسم ببعض المرارة وهو ينظر حوله للصالة الكبيرة الملحقة بمنزله حيث قرر أن يعيد طلائها وتزيينها ليقيم بها حفل زفافه... رغم قدرته على إقامة الحفل بأكثر الأماكن فخامة لكنه يعرف أن ماريا لن تحب ذلك... أراد لها شيئًا حميميًا بسيطًا تتذكره كل لحظة
حدث نفسه وهو يراقب وجهها المبهوت :
" لقد كنت تتوقع ردة فعل كهذا فلمَ تشعر بالخيبة الآن!..."

عاد ليبتسم وقال بمرح مصطنع :
" نعم زفافنا... لقد اقترب موعده.. فهو سيأتي بعد أسبوعين من الآن..."
كيف مرت كل هذه الفترة ولم تشعر بها!... كانت تتناسى الزفاف وتحشره بزاوية بعيدة من عقلها متحاشية التفكير به... لكنه اقترب... اقترب دون أن تستعد... دون أن تتقبل
انتفضت قليلًا ويد وليد تمسك كفها بخفة هامسًا :
" ما بكِ... هل أنتِ متعبة... "

رفعت رأسها وتشجعت لتقول وصوتها يرتعش :
" اه... وليد... ألا ترى أن موعد الزفاف قريب جدًا... أظن يجب أن نؤجله قليلًا..."

تجمد وجهه وهو يراقبها وقد ضربت قلبه من الرفض الذي يظهر على وجهها... رفض مخلوط بالخوف... نطق باقتضاب وهو يبتعد :
" لا... "

توسعت عينيها متمتمة :
" لا!... لـ.. لماذا"

جلس على كرسي قريب يحاول بكل قوته أن يسيطر على غضبه الذي بدأ بالفوران... غضب... خيبة... مرارة :
" لا داعٍ للتأجيل... فترة خطبتنا كانت كافية"

تصلبت وهي تغمض عينيها لتعاود إقناعه :
" يجب أن نتعرف على بعضنا أكثر..."

" أنا أعرفك جيدًا... ألا تعرفينني؟... حسنًا بعد الزواج ستتعرفين علي بوضوح أكثر..."

أوجعتها لامبالاته التي تظهر منه لأول مرة...ألا يدرك أنها خائفة بل تكاد تموت رعبًا... يقول بأنه يعرفها!... لو كان يعرفها لفهم رعبها من الزواج... رعبها من تسليم حياتها لشخص آخر....
هتفت بعصبية دون تفكير وبقرار ظنت أنه قاطع :
" لا أريد الزفاف الآن... هذا قراري لك الحق بقبوله أو حتى الانسحاب من هذا الارتباط"

لم تشعر باقترابه بخفة الفهد حتى أمسك ذراعها بقوة ألمتها وهدر أمام وجهها :
" الانسحاب!.. هل هذا ما تريدينه يا ماريا... الهروب...إذًا لماذا أظهرتِ كل هذه المدة قبولك لي... ميلك تجاهي... لم أكن أعرف أنكِ ممثلة بارعة "

سحبت ذراعها منه بينما جبينها يتعرق واستنكرت :
" لست أنا من توجه لها هذا الحديث... إياك"

ضحك بذهول والغضب المجنون يظهر على وجهه ثم رمى كل خيبته بها على شكل كلمات لم يدرك مدة أذاها :
" هيا.. هيا... أظهري وجهك الحقيقي... لا تتخفي تحت ستار الرقة والتقبل بينما أنتِ بداخلك ترفضينني ولا تريني إلا مجرد شخص تزوجك لمصلحة.. هيا... أستطيع رؤية الاتهام بين عينيكِ... لم يستطع فقدانك البصر إخفاؤه..."

الصمت الذي عم الجو كان صمتًا جارحًا... صمتًا يجعل دواخلهما تصرخ وكلًا منهما يقف بالزاوية ينهت.... راقب وجهها الذي بدا في أوج حالاته صدمة وشحوبًا فأطلع آهة خفيفة نادمة... ما هذا الذي قاله... ولمن... لأكثر إنسانة يحبها... لأكثر إنسانة أوجعته وما زالت توجعه...

اقترب منها ببطء وهو يمد ذراعه وفور أن لامس كفها انتفضت ماريا ودفعته صارخة لتخرج من الغرفة وهي تتخبط لكنه لحقها وأمسكها قبل أن تنزل الدرج وتتعثر... ضمها لصدره بينما تقاوم بعنف ليهمس :
" أنا آسف... أنا آسف حبيبتي.."

شهقت وهي تستكين على صدره فقبل رأسها وخدها ثم عاد يهمس بألم :
" حسنًا.. إذا كنتِ تريدين تأجيل الزفاف لا أمانع...فقط لا تبكي.."

هزت رأسها نفيًا ورفعت وجهها إليه قائلة بوجع :
" أرأيت... أنا ألمتك.. ألمتك بخوفي.. بترددي... أنا.. أنا فقط لست معتادة على هذه الحياة الجديدة المقبلة عليها... عشت طوال حياتي على نمط واحد لا غير.. كيف.. كيف سأتعامل مع التغيير... كيف سأتعامل معك دون أن أجرحك..."

احتضن وجهها بين كفيه ثم مسح دمعاتها الغاليات وابتسم لتشهق :
" أنا آسفة... لم أقصد ما قلته... لقد فهمتني بشكل خاطئ "

ضمها من جديد مطمئنًا إياها :
" أهدأي حبيبتي...أنا لم أغضب منك... ولن أفعل "

تمتمت وهي تدفن رأسها بصدره :
" حسنًا... ألن تريني باقي ما جهزته للزفاف"

أبعدها عنه مصدومًا فأهدته أجمل ابتساماتها ليغمض عينيه ويسند رأسه على جبينها دون رد... يشعر بأنه دخل معركة وخرج منها سليمًا... رغم كل الجراح البسيطة... لكنه بقي سليمًا.

يتبع...


الساعة الآن 10:09 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.