هيمنة الصولجان (2) .. سلسلة أحباب الروح * مميزة ومكتملة*

[دنيازادة]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 2 والزوار 1)
‏دنيازادة, ‏حمرا

[Gmb]

حبيت جد حبييييييييييييييييييييييي ت ❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤

[دنيازادة]

الفصل السادس عشر
الجزء الثاني

كانت تالا في مطبخ القصر تسلق في الماء الساخن حبات الباذنجان الصغيرة من أجل أعداد المكدوس.. تناهى لها صوت الخادمات تثرثران بصوت خافت:- ورد اتصال لشريف طلال يبلغه ان الشريفة حياة تم اعتقالها لتورطها في قضية تهدد أمن الدولة.
تصلب جسد تالا مصغية لزميلتها الأخرى تسأل:- ماذا!! وما أدراكِ؟.

ركزت تالا مشدودة بانتباه تام لرد الخادمة:- كنتُ في الردهة ألمع مرايا اللوحات حينما تلقى الشريف أتصال هاتفي فاسترقت السمع للمكالمة.

- ربما ما سمعته مجرد إشاعة.

- حتى وان كانت كذلك فانتشارها سيؤدي لفضيحة كبرى مجلجلة في المجتمع الراقي.

كتمت تالا شهقة كادت تفلت من بين شفتيها، حاولت ضبط أعصابها كي لا تلفت النظر متابعة حوار الخادمتان..
همست أحدهما بعينان تبرقان:- علينا إخبار رنيم ابنة الباشا لنبشرها بالتطورات ونحظى بهداياها الثمينة.

- لا .. دعينا لا نستعجل .. انتظري لنتأكد من صحة الأمر.

هزت الخادمة رأسها تلوم باستياء:- تريدين ان نتمهل حتى يسبقنا غيرنا بنقل الخبر إليها ويحصلوا على المكافآت.

- لنتريث قليلا فقط حتى نعرف رد فعل شهاب بيك..

- من اتصل بالشريف طلال قال له ان شهاب بيك تولى التحقيقات بنفسه معلنا ان من يخالف القانون وتثبت إدانته سيعاقب كان من يكن.

توقفت الخادمتان عن حديثهما مبتعدتان تتظاهران بالانهماك في تنظيف الأواني حينما ولجت تغريد إلى المطبخ مرتديه ملابسها الرسمية كمشرفة للقصر.. سارت بقامتها المستقيمة وتقاسيمها الجادة التي لا تبتسم قائلة لابنة أختها:- تالا أتركي كل شيء وأعدي حالا أبريق من عصير الليمون الطازج.

نظرة واحدة من تالا لوجه خالتها المرتبك كانت كفيلة لتتأكد ان ما سمعته من زميلتيها صحيحا..
أردفت تغريد وهي تتحرك إلى الباب من جديد:- أجلبي ما طلبته منكِ إلى الصالون وقدميه لشريف طلال والشريفة تيتيان لعله يهدأ من توترهما.

أسرعت تالا نحو الثلاجة تخرج منها ثمرات الليمون بيدين مرتجفتان فيما عقلها يدور بالأفكار المريبة، فالشريف شهاب لم يتوانى ولم يتردد باعتقال زوجته الحبيبة!!..
تساءلت بارتعاب عما سيفعله بها إذا ما أكتشف حقيقة من تكون؟ وما تخبأه من أسرار؟..



______________________



أخذ شهاب يذرع الغرفة ذهابا وإيابا بخطى عصبية واسعة متلاحقة وهو يمسك هاتفه النقال يجري مخابرات متتالية.. الحنق بدا ظاهرا جليا بلغة جسده منبثقا في انفعالات حركات وإشارات يديه..
وقفت هدى أمام الطاولة الجانبية في زاوية الغرفة تبحث بين الأغراض المبعثرة، فما أن وجدت حقيبة زويا حتى أخرجت منها علبة بيضاء صغيرة..
استدارت واتجهت نحو زويا الجالسة بضعف فوق الكرسي.. سكبت هدى كوب ماء ومدته مع الدواء إليها.. بأصابع مرتجفة تناولت زويا الحبتين ولشدة عطشها شربت كوب الماء دفعة واحده.
اقتربت هدى من شهاب هامسة:- الأفضل ان تؤجل استجوابك.
قطب جبينه ورد بإيجاز:- لا ..
ألحت:- لا أظنها ستحتمل أكثر.. حالتها لا تسمح بالإجابة عن أي سؤال.
بوجه متجهم راقب شهاب زويا وقد بدت فعلا في حالة سيئة يرثى لها..
لانت ملامحه فاستطردت هدى:- كلنا مجهدين.. لقد أمضينا يوما طويلا مضنيا عصيبا.

تحرك ملتفا وراء المكتب ليجلس فوق كرسيه مخفيا أحاسيسه بمهارة.. قال بصوت بارد حاسم:- هدى يمكنك الانصراف إذا لم ترغبي بمتابعة التحقيق.
تبادلا النظرات للحظات لكن هدى لم تلبث ان أخفضت رأسها للأسفل مستسلمة، وعادت لتستقر في مكانها أمام شاشة جهاز الحاسوب.

أخرج شهاب من الأضابير عدة أوراق.. زفر بضيق وسألها ببرود بصوت أجش:- هل كنتِ على دراية بمخططات تدمير النظام؟
ازداد بهتان لون وجه زويا فالصدمات اكبر من طاقتها، رددت مهمهمة لتستوعب ما تسمعه: - مخططات تدمير النظام !!
هزت رأسها تنفي باستنكار:- بالتأكيد لا.
جف حلقها وتلاشى صوتها عاجزة تماما عن الكلام بشكل مترابط.
بعد لحظات نطقت الكلمات بصعوبة بالغة:- كل تلك الاتهامات ليست صحيحة.. أنها افتراءات كاذبة.. لم ارتكب الأخطاء وليست لي علاقة مع أي جهات مشبوهة.
في خضم استمرار شهاب بتحقيقه وطرح أسئلته بأسلوب عملي محنك مفعم بالسلطة فجأة تعالى رنين الهاتف فوق المكتب، رفعت هدى السماعة لترد فما ان سمعت الصوت قالت بلهفة واضحة:- احتراماتي سيادة الشريف طلال... نعم .. نعم.. شهاب بيك هنا.
اسرعت هدى تناوله السماعة:- الشريف يود التكلم معك.
عقد شهاب حاجبيه عابسا متذمرا:- لما لم تقولي له أني مشغول؟.
- الشريف طلال لا يتصل ألا لضرورة القصوى.
رفع السماعة بامتعاض وأصغى لوالده.. رمق زويا بطرف عينه معلقا:- زميل لها في الصحافة اتصل بكم وأخبركم عن احتجازها في دوائرنا الأمنية.
زويا خمنت فورا ان الزميل يعرب ، لقد وعد أن لا يتركها في أزمتها ويساندها بشتى الطرق، يبدو انه لم يجد وسيلة لنجدتها ألا بالاتصال في العائلة، فهكذا يضمن مساعدتهم لإنقاذها من خلال الضغط على شهاب كي يتم تطويق الأمر والإفراج عنها.

- طلال بيك تدخلك لن يفيد.. علينا استكمال التحقيقات ضمن الإجراءات القانونية.
أنصت للحظات ثم قال بصلابة واستعجال محاولا إنهاء المكالمة بحسم:- أرجو ان تعتذر نيابة عني للخالة تيتيان فلا وقت لدي لأكلمها الآن.

ابعد السماعة ليغلق الخط لكن صوت تيتيان صدح مرتفعا من الطرف الأخر يباغته فلم يفلح بالتملص..
ما قالته عمتها لم يكن واضحا أو مفهوما لزويا، لكن بدا أنه أمرا غاية بالأهمية استأثر بشدة تركيز شهاب وجعله يرفع بصره نحوها محدقا بها مباشرة بعينين أخذت تتسع تدريجيا وهو يتأملها بنظرات عميقة محيرة..
فجأة انتفض بقوة يتملكه التوتر والارتباك.. انقلبت تعابير وجهه وقد تحولت من حال إلى حال.. تنحنح مبتلعا ريقه باضطراب، استدار بكرسيه الدوار وأولاها ظهره وبصوت أجش خافت استفسر:- ليست متأكدة!!.. أهذا ما أجابت به فقط؟

زويا نظرت إليه بترقب وقد خمنت محور الحديث، ما ان عاد شهاب للالتفاف بكرسيه مغلقا سماعة الهاتف انبرت:- العمة تيتيان تتوهم حدوث أمر مستحيل.
التقت نظراتهما فأكملت بأنفاس متلاحقة:- وأنت تعرف هذا جيدا.. بعد خضوعي لكل تلك العلاجات الكيميائية والإشعاعية والعقاقير احتاج لمعجزة ربانية لكي استطيع....

انقطع صوتها بحشرجة غصة من شدة الانفعال، عضت على شفتها دون أتمام جملتها مشيحة بوجهها مبعدة عينيها عنه، نظرة الانكسار في ملامحها ألامت شهاب وحركت عواطفه فاختلج وجهه وهو يتتبع بدقه تعابيرها..

ازدردت ريقها بمرارة ولم تلبث زويا وان استعادت تصلب كبريائها وعنفوانها قائلة:- العمة تحاول التأثير عليك وجدانيا لكي تخلصني من قبضان السجن..

تابعت تجابهه ثائرة بقوة الإرادة والعزيمة:- لكني لا أخاف السجن ولا أحتاج لمن يخرجني بوساطة عليا.. أنا واثقة من نفسي ولستُ مذنبة، تلك الاتهامات لا أساس لها من الصحة.. لا أنتمي لأي حزب أو منظمة خارجية.

استرسلت بصوت يمتلأ بروح النضال:- أشارك في الاعتصامات وأهتف من أجل حقوق المواطنين المغلوبين الذين فاض بهم الكيل من السياسات الاقتصادية ونهج الفسادين.. الناس تعبت من الدفع والدفع دون أن يتلقوا بالمقابل من الحكومات شيئا سوى المزيد من الذل والمهانة... نحن الشعوب علينا ان نكون بولاء ووفاء وليس بطواعية وتبعية عمياء.

رد بنفاذ صبر :- القضايا السياسية لا تدار بالضغط العاطفي والتأثير من الوسائل الإعلامية والمظاهرات العبثية ..

همت بالكلام لكنه رفع يده مستطردا بإسهاب:- نعم .. الإصلاح والتغيير ضرورة لكن نتائج الواقع مخيبة للآمال، ما يحدث فعليا هو صعود أيديولوجيات استحواذية ومذهبيات اقصائيه وأصحاب الاستثمارات السياسية.. ناهيكِ عن الجماعات الإرهابية والخلايا النائمة الذين ينتهزون الفرصة للانتقام من المجتمع بأكمله وكل الأديان السماوية.

- بيد ان ذلك كله رغم قبحه وفداحته لا يتعين ان يحرف بوصلة التغيير المؤجل، أو يطفئ شوقنا للكرامة والعدل وحرية التعبير.
بحت حبالها الصوتية من شدة الانفعال:- أولئك المتنفذين الوصوليين مخطئين إذا ما اعتقدوا أنهم سيكتمون أصواتنا بتوريطنا في اتهامات مغرضة.

لم تستطع السيطرة على ارتعاشه قشعريرة اشمئزاز من مخططات المؤامرات.. غمرها بنظراته المتفحصة مدركا أنها تكابر الألم.. أنحنى إلى الأمام فوق المكتب وقال يبث بها الطمأنينة-: لدينا معلوماتنا الاستخباراتية فأجهزتنا ومخبرينا في كل مكان.. تحقيقاتنا ومصادرنا تؤكد بالقرائن والاستدلالات عدم تورطك بأي اجتماعات مشبوهة.. أننا نملك كافة الدلائل الموثقة التي تثبت براءتك من التهم المنسوبة لكِ.. سنقوم بملاحقة كل العابثين المندسين وتحويلهم للقضاء.

نهض عن كرسيه الدوار، التف حول المكتب ووقف قبالة زويا مضيفا:- نحن مختصين نعمل بمنطق وفق أنظمة أمنية لنحمي الوطن والمواطنين.
استدار شهاب جانبيا نحو مساعدته هدى، أمرها بإقفال الملفات والاستعداد للمغادرة.

فهمت زويا فحوى ما أراد إيصاله لها.. شهاب متيقن بثقة منذ البداية أنها غير متورطة واستكمل التحقيق معها بشكل قانوني دون محاباة أو تعاطف ليعطيها درسا في حقيقة مواجهة الواقع القاسي الأليم الذي كان من الممكن أن تقع فيه.. جموح مجازفتها لإحقاق الحق يدفعها إلى مسارات غامضة دون ان تأخذ فسحة لتفكير بأن الحقيقة لها ملايين الوجوه والجوانب.. الأمور معقدة أكثر من قدرتها على التحليل والتفسير.. هي تحتاج لاكتساب الكثير من الخبرات لتتعلم وتصبح قادرة على التقاط الإشارات التحذيرية..


يتبع ...

[دنيازادة]

كانت دينا تراقب تساقط المطر الخفيف من وراء النافذة عندما دخل الشباب والصبايا إلى غرفة الجدة توجان.. شعرت بعيني ميرزا تخترقانها، وقف بمنتصف الغرفة مبادرا مقترحا:- لنلعب ونتسلى..

لم تتردد دينا من مقاطعته معلنه رفضها:- لا .

أردفت بفظاظة متعمدة :- اللعب لم يعد مسليا يا ميرزا.

سارت نحو سرير توجان تجلس على حافته قائلة:- نريد ان تسرد لنا جدتنا الجواشة الحلوة حكاية عن أجدادنا الأولين.

ابتسمت الجدة بنباهتها وأومأت موافقة:- حسنا .. سأحكي لكم عن شجاعة المرأة الشركسية.. هذه القصة سمعتها وأنا مازلت صغيرة من والدي أنزور رحمة الله عليه.

طلبت دينا من الشباب والصبايا ان يكفوا عن الضجيج ويصمتوا.. رتبت الوسائد وراء ظهر الجدة التي غمرتها بنظرة عطف وقالت مستهله حكايتها بصوت عميق هادئ رتيب:- في ليالِ الشتاء الطويلة، كانوا أجدادنا يجتمعون في مضافة التحمادة حيث تمد على الموائد أوعية الحلفة ساخنة شهية تفوح روائحها وأبخرتها لتحرك الرغبة للإقبال عليها والتهامها بلذة.. كبار السن يجلسون حول تلك الموائد يتسامرون ويتغنون بأمجاد الأبطال يحتسون أقداح شراب الباخسمة القوي فتنفتح القرائح وتنهال المدائح متبادلين الأنخاب.. فيما الشباب يقومون على الخدمة وهم واقفون عند الباب على أتم الاستعداد.. هكذا كانوا الاديغيين يمضون ليالِ فصل الشتاء في الوطن الأم.
وذات ليلة ظلماء غطت السماء غيوم منخفضة لم تترك حتى شقا صغيرا يتسلل منه إشعاع نجمة.. دارت الأحاديث بالمضافة عن الشجاعة والبطولات، فاقترح كبيرهم أن تجري مسابقة بين الشباب لاختبار الشجاعة بهذه الليلة المعتمة الحالكة السواد والتي لا يتبين فيها المرء حتى طرف أنفه..
كان في تلك المنطقة وبأعماق قلب الغابة يوجد جبل معروف بصعوبة مسالكه وكثافة أشجاره وارتفاع قمته.. وعند خاصرة ذاك الجبل كهف عميق نشبت حوله العديد من الأقاويل. ولهذا كثيرا من الناس كانوا يترددون عن ولوج الكهف، ليس فقط بالليل بل حتى في عز النهار يمتنعون الاقتراب منه.. قيل ان الكهف يفضي إلى شلالات نهر البحيرة السوداء المسكونة بالغرائب، وكل من يصل هناك ينتقل إلى العالم الأخر..

قال الكبير مشجعا:- هيا أيها الشباب، ليتقدم من يجد في نفسه الشجاعة الكافية لاقتحام الغابة في هذه الليلة المظلمة، والصعود من قلبها إلى داخل الكهف العميق.. وعلى كل والج أن يغرس خنجرا عليه شارة العائلة في المكان الذي وصل إليه..

توقفت الجدة وخاطبت أحفاد أحفادها:- كما تعرفون يا أحبائي عائلاتنا الشركسية كان لكل منها نياشين، دمغات، أو شعار خاص في الوطن قبل التهجير، بالقديم كانوا يسمو الأطفال بها، وكذلك يضعونها على أبواب البيوت والأدوات المنزلية وكل ما يتعلق بالممتلكات العائلية.. ونحن عبر الأجيال توارثنا تلك الأوسمة ونفتخر باقتنائها لأننا من خلالها نحافظ على الجذور ومعرفة الأصل والأنساب..

تنهدت بعمق واستأنفت الحكاية:- وكما ذكرت كان على كل فارس وضع شارة دمغة عائلته على ان يقوم التحمادة في صباح اليوم التالي بإرسال لجنة تطلع على النتائج، ليتعرفوا على الفرسان الذين دخلوا الكهف، ومن وصل إلى أعمق موقع فيه.

وأمام القوم وعد كبير التحمادة:-الرابح في اختبار الشجاعة سنطلق عليه لقب (أشجع الفرسان) ونؤلف له قصيدة مغناة ننشدها في احتفالاتنا ليعرف عن شجاعته الداني والقاصي في أرجاء البلاد..

أضاف بانشراح:- وإلى حين عودة الفرسان المشاركين سنقيم حفل جوغ يحضره الشباب والصبايا ليرقصوا ويمرحوا.

تقدم أربعة من بين الفرسان للقيام بالمهمة، وكان من بينهم أحد الفرسان المشهود له بالشجاعة والجرأة، وكانت له أخت عرفت بجمالها ورقة شمائلها واخلاقها في كل المنطقة.. وقبل أن ينطلق الفارس كلف صديقه المقرب أبن كبير التحمادة بأن يذهب إلى بيته ليجيء بأخته لكي تشارك بالحفل.

حدد الكبار مسار كل واحد من الفرسان، حتى لا يمشي اثنان منهما في طريق واحد، ولا يلتقي أحدهم بأخر منعا لأي التباس.. كان الهواء يهب جليديا ورذاذ ثلجي ناعم ينهمر مرسلا هسهسة منغمة.. التف الفرسان بعباءة الشاكؤه وأرخوها على ظهور الخيل حتى تدفأت ثم انطلقوا..

ذهب الصديق ابن كبير التحمادة إلى بيت الفارس ونقر على الباب بخفة.. فتحت الفتاة الباب فأخبرها الشاب عما تم الاتفاق عليه فقالت له:- خلال لحظات سأكون جاهزة.

وبعد فترة عادت وهي على أهبة الاستعداد، أركبها الشاب خلفه على الحصان وانطلق بها.. ولكن الطريق طالت ولم يكن هنالك صوت ألا ندف الثلج المتساقط.. لاحظت الفتاة أنهما يتجهان في طريق بعيد عن البيوت يؤدي إلى الخلاء، ولأن العادات الاديغة لا تسمح لها إظهار شكها في صديق أخيها صمتت ولم تقل شيئا، لكن حواسها تنبهت كظبية تستشعر الخطر..

في تلك الأثناء دخل الفرسان الأربعة الغابة متعاركين مع الأغصان المتشابكة للأشجار الكثيفة الضخمة العملاقة الملتصقة في العتمة بسكون كأشباح أسطورية.. الغابة القاتلة ملء مدى البصر.. الأشواك فيها خناجر مسمومة، والضواري مختبئة تكشف عن انيابها القاطعة وتخرج مخالبها المسنونة متأهبة للانقضاض..

وقبل ان يتفرقوا على انفراد باتجاهات مختلفة ليصعدوا إلى الجبل استدار أحد الفرسان وعاد على أعقابه قائلا لأصحابه:- أفضل ان تقولوا أني جبان على أن تهبوني البطولة وتترحموا علي..

عندما لاحظ القوم عودة أحد الفرسان، تبسموا من تحت شواربهم العريضة، غمغم أحدهم:- لن يصمد حتى النهاية سوى فارسا أعصابه من حديد وقلبه من نار..

لم يمضي ألا بعض الوقت حتى عاد ثاني وانضم إلى الشباب والصبايا في الحفل قائلا بشيء من الخجل:- أترك حلة الشجاعة يرتديها غيري.

ضحك القوم وعلقوا بسخرية:- على كل حال لم نفصلها لك.

وبعد فترة قصيرة عاد الثالث، وعندما شاهد رفيقيه قال مازحا:- تركت الراية لمن له قلب أسد ورأس ثور ليغمد في الحائط قرونه.. ولكن أرجو ألا يعلق هناك مع قرونه..

مع كل خطوه أدركت الفتاة ان صديق أخيها يتجه بها إلى طريق الجبل ملتفا حول الغابة، سألته متوجسة:- أين نمضي ؟!.. ألا ترى أنك ابتعدت كثيرا عن القرية.

أجابها :- ألا تثقين بي وأنا صديق أخيكِ وأبن التحمادة الكبير.

ردت عليه بلباقة لا تخلو من الريبة:- بلى .. ولكني أثق بما تراه عيني أكثر.
ضحك واستفسر:- ماذا ترى عيناكِ؟

قالت بهدوء:- أرى أرواح الشر منفلتة متلفعة بالظلام، تتربص عند كل منحنى وخلف كل شجرة.. المنعطفات تدور بنا نحو الأغوار المجهولة المسكونة بوساوس الشياطين.
قهقهة عاليا بنزق:- ولكن لا تنسي.. شدة الظلام تعمي البصر والبصيرة، وتهيج المخيلة.

بفطنة ونباهه راحت تفكر سريعا مجيبه:- صدقت.. صدقت.
كانا قد وصلا للكهف فترجل وساعدها لتهبط عن ظهر الجواد وهو يسألها:- هل أدركت بصيرتك أين نحن؟.. وما أريد منكِ؟..
جالت نظراتها فيما يحيطها من رعب.. أومأت إيجابا:- نعم .. لقد اختطفتني بطريقة محرمة منافية لعادات وتقاليد اديغتنا الخابزة.

ابتلعت ريقها الجاف وقد لمحت بعينية الأذية.. استدركت هامسة برقة لا متناهية:- لكن .. لك ما تريد.

اندفع نحوها لاهثا:- أحقا تقبلين؟!
سايرته بصوت ناعم كالحرير:- وهل أنت ممن يرفض لهم مطلبا!!

ثم أردفت بدلال:- لكن لي طلب صغير.
- لكِ روحي إن شئتِ.

جلست على صخرة داخل الكهف ودعته بغنج:- تعال.. تعال هنا بجانبي.. ولكن أقول لك أكره أن تقاربني وأنت ترتدي أسلحتك.. دعني أنزع عنك هذه الأدوات البغيضة.. العشاق ليسوا بحاجة إلى السلاح.

أخذت تلاهيه بطراوة الكلام وتهامسه بأعذب العبرات وتخدعه بحلاوة حديثها حتى فكت كل ما يمتلكه من أسلحة ووضعتها إلى جانبها.. وحين حاول الاعتداء عليها غافلته وسحبت خنجر القامة ثم غمدته بكل قوتها في صدره عدة طعنات متتالية فسقط صريعا..

حينذاك سمعت من قلب الغابة وعلى الطريق المؤدي إلى الكهف صوت وقع حوافر حصان يمشي خببا.. انتفضت بفزع تتساءل في سرها:- من يكون القادم في مثل هذه الليلة؟..

فكرت بسرعة:- لا أريد الخروج من مصيبة لأقع في أخرى.. يجب أن أحافظ على شرفي لكن دون أن أضطر لقتلة ولهذا سأخيف القادم مهما كان ذا بأس وشجاعة لأمنعه من الوصل لمكان تواجدي بأي طريقة.

توقف الفارس عندما أحس بشيء صلب يرتطم به، ترجل يبحث عن ذلك الشيء، أمسك به يتحسسه فأدرك أنها يد بشرية تنز دما، وضعها بالخرج وامتطى صهوة حصانه منطلقا يصعد في طريق الكهف..

راقبته الفتاة من فوق الجبل فأسرعت وقذفته باليد الثانية.. رأته يضعها في الخرج ويستمر متقدما.. رمته بقدم مدميه وألحقته بالأخرى.. لكنه أستمر يتقدم وهو يلتقط من حوله الأعضاء البشرية المقطعة التي تتقاطر بالدماء..

اقترب من الكهف فارتطم به شيء أتقل, ترجل عن الحصان وربطه بإحدى الأشجار، وبحث في الظلام عن الشيء الذي قذف به متحسسا الأرض فوقعت يداه على رأس بشري لازال دافئا..

دخل إلى وسط الكهف المظلم، صرخ غاضبا:- من ذا الذي يحاول إخافتي بقذفي بأعضاء بشرية تنز دما.. هل أنسي أم أنه من الجن؟!

لم يأته جواب فاستطرد:- مهما يكن، وفي الحالتين لستُ ممن يهاب ويخاف فأظهر وبان عليك الأمان.

سمع صوت أنثوي خافت:- إذا كنت أديغي حقيقي فبحق رب السموات لا تؤذيني كي لا أؤذيك.

من وراء شق الصخور ظهرت الفتاة وبيدها تحمل السيف.. أصغى الفارس بدهشة وألم لقصتها عندما اختطفها صديق أخيها الخائن محاولا اغتصابها.

لفها الفارس بعباءة الشاكؤه وحملها فوق حصانه عائدا بها إلى القرية حيث كان الأهالي مجتمعين لسمر والسهر في حفل الجوغ.. وهناك وقف أمام مجلس الكبار يروى ما حدث معه وعلاقته بالحادث، وتساءل في النهاية:- من منهما يستحق لقب (فارس الفرسان) الشاب أم الفتاة؟..
وقف كبير التحمادة قائلا:- لا شك ان الفارس شجاعته تفوق التصور ويستحق لقب (أشجع الفرسان) فهو فخر رجال الاديغة.. وكذلك الفتاة تستحق ان تكون ( أميرة الفرسان).. في الحقيقة كلاهما يتميزان بالجرأة والشجاعة.

سأل الفارس:- وماذا يكون مصير الفتاة لقتلها الشاب؟..

أجابه كبير التحمادة:- لقد نال ذلك السافل جزاء خيانته الثقة والشرف.. الفتاة بالتأكيد في حل من دمه.. وأننا لنتبرأ من دمه أن كان من قريتنا حتى ولو كان أبني.

أخفض الفارس رأسه بأدب جم قائلا:- دي تحمادة .. نحن لم ننته من المفاجآت بعد.
تقدم نحو الفتاة وأزاح عنها عباءة الشاكؤه فظهرت وهي تحمل رأس الخائن والدماء لا زالت تقطر من عنقه، وضعته على المائدة وهي تقول خافضة الرأس والبصر:- في الحقيقة أنه ولدك يا كبيرنا.

تراجعت إلى الخلف بخطوها دون أن تدبر حتى وصلت إلى الباب، وخرجت وهي كذلك دون أن تتفوه بكلمة.. قال التحمادة الكبير مبتلعا ألمه وجرحه:- خزاه الله لقد خزاني بإتباعه وساوس الشيطان ونزوات الشهوات.
مسح دمعة نفرت من بين أجفانه :- اغفروا لي يا قوم أنه ولدي.


_________________


عندما خرجوا من مبنى التحقيقات وضع شهاب سترته الجلدية الفاخرة فوق كتفيها لتقيها رذاذ المطر وتيارات البرد القارص، سارت زويا بخطوات متعبة للغاية بجواره، أحست بالامتنان لدعم ذراعه المفاجئ وهو يحثها على التقدم باتجاه سيارته..
صاحت هدى بنبرة صوت ممزوجة بدهشة الاستغراب والسرور:- يعرب !!.. نعم أنه يعرب.
شهاب وزويا التفتا الى حيث أشارت هدى دون ان يغفلا عن لمعان عينيها وإشراق وجهها..
كان الليل باردا والجو ماطر ومع ذلك وقف يعرب في الساحة الأمامية من المبنى مستندا على السور لا يبارح مكانه.. ما ان لمحهم أسرع باتجاههم..
شهاب بادر في سؤاله:- لما مازلت ماكثا هنا؟.. لقد أفرجنا عنك منذ ساعات.
- ما كنتُ سأغادر موقعي ألا بعد أخلاء سبيل كل الرفاق الذين تم اعتقالهم باعتصامنا السلمي.

أفصح شهاب:- نظرتي بك لم تخيب يا يعرب.. أنت حقا تمتلك صفات الزعامة وهذا ما يميزك.
استطرد سريعا:- الوقت متأخر ولن تجد وسيلة نقل في هذا الليل.. تعال سأوصلك؟.
تململ يعرب مبديا تردده:- لكن يا بيك لكل منا طريق مغاير.. أنتم طريقكم إلى عمان الغربية وأنا طريقي إلى عمان الشرقية.
هز شهاب رأسه قائلا: - مهما اختلفت المسميات كل المناطق عمان.

داخل السيارة جلس يعرب وهدى في المقعد الخلفي وشرعا يتبادلان الأحاديث الجانبية.. فيما التزمت زويا السكوت منكمشة في المقعد الأمامي منهكة بعد وقع سلسلة الصدمات الصعبة التي واجهتها..

أوصل شهاب يعرب ومن ثم هدى وأكمل الطريق دون ان يحاول كسر حاجز الصمت ..
عندما أوقف السيارة أمام القصر لم يطفئ المحرك.. سألته زويا بصوت خافت مضطرب:- ألن تنزل؟..
رمقها بنظرة قاتمة نافيا:- لا .
أوضح بنبرة خشنة:- هناك أشخاص يجب ان أراهم.
- في هذا الوقت المتأخر!!
رد باقتضاب:- نعم .
ضلت في مكانها مسمرة للحظات ثم قالت:- كل ما أردته الخروج دون حراسة علنية وبلا رقابة خفية لأتنفس الهواء وأعبر دون قيود عن مواقفي المناهضة لظلم والحقوق المنتهكة.. لم أكن أعرف ان المواضيع متداخلة متشابكة مختلطة ببعضها إلى هذا الحد!!.

اختلست نظره جانبية لشهاب فرأته واجم مكفهر الوجه، أشاح بوجهه عنها معلقا:- من الأفضل تأجيل تسوية سوء ما حصل.. لا يمكننا الحديث بهدوء وتعقل فكلانا الآن بمشاعر متضاربة بسبب كل ما مررنا به.

وعلى غير عادتها لم تجادله وتناكفه، لم تستطع المضي بالسجال مدركه ان تراكم نزاعاتهما وعراكهما أحدث شرخا هائلا بينهما وقد يعجزان عن إصلاح علاقتهما بشكل صحيح وصريح.. وربما من الصعب ان تعود الأمور بينهما إلى سابق عهدهما.

فتحت باب السيارة ونزلت ببطء، ما ان مشت خطوة مادت الأرض بها واكتنفها دوار.. غامت عينيها وأحست أن ساقاها المرتعشتان تخذلانها لكنها أبت الانهيار.. اتكأت على السيارة تحاول التماسك بجلادة والتغلب على توعكها.. بدت ذابلة في حالة تشويش ذهني وتعب فظيع.. ظل الشجارات والتهجم الصارخ والضغط النفسي الذي عانت منه أثناء اعتقالها والتحقيق معها استنزفها وأفرغ طاقتها.. شعرت أنها غير قادرة على التحرك بإطرافها المرتجفة.
شهاب أبصر وقفتها الغير ثابتة، اختلال توازنها أنبئه أنها على وشك الإغماء، أسرع بالنزول من السيارة وتقدم منها بخطوات واسعة يخشى فقدانها الوعي وسقوطها أرضا.. طوق خصرها بيديه القويتين ثم رفعها بين ذراعيه فألقت زويا رأسها فوق كتفه بارتخاء..

حملها كأنها لا تزن شيئا وادخلها إلى البيت.. أغمضت عينيها بإنهاك تام وقد لازمها إحساس أنها على شفير الهاوية، بصوت خافت ثقيل كمن تهلوس بهذيان انسلت الكلمات من بين شفتيها:- قريبا سينتهي كل شيء.. دائما شعرت أني لن أعيش طويلا في هذه الحياة.. قد أكون تجاوزت مرحلة خطورة المرض لكن ذاك الإحساس ما زال يراودني وهذا ما يجعلني اقتحم وأغامر دون وجل صوب تحقيق الحق، أقول وأفعل ما أشاء حتى إذا ما حانت لحظة أجلي أريد أن تنطلق روحي بحرية.


نهاية الفصل السادس عشر
بانتظار أرائكم وتعقيباتكم ولايكاتكم

[دنيازادة]

يسعد مساكم منورين احبتي قراءة ممتعة 💜
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 15 ( الأعضاء 6 والزوار 9)
‏دنيازادة, ‏Heyam Raslan, ‏ahmedman2010, ‏اويكو, ‏حمرا, ‏Gmb

[رنا رسلان]

#زويا برغم حبها لشهاب الا ان الحراسة وانها اصبحت زوجه له يجب ان تأخذ بالها من كل كلمه
اصبحت كالعصفور المحبوس في قفص تريد الحريه واكيد مكوثها في المشفي ومرضها جعلها اكتر تمردا تريد الطيران وحبها لوطنها جعلها لا تهاب شيئا
#كلامها لشهاب وانكسارها لشكه في حملها خلاني ادمع 💔
(خافت ثقيل كمن تهلوس بهذيان انسلت الكلمات من بين شفتيها:- قريبا سينتهي كل شيء.. دائما شعرت أني لن أعيش طويلا في هذه الحياة.. قد أكون تجاوزت مرحلة خطورة المرض لكن ذاك الإحساس ما زال يراودني وهذا ما يجعلني اقتحم وأغامر دون وجل صوب تحقيق الحق، أقول وأفعل ما أشاء حتى إذا ما حانت لحظة أجلي أريد أن تنطلق روحي بحرية)
#اما قصة الفتاة الشجاعة وخيانه صديق اخيها
انا مش فاهمه ليه قتلته كانت اصابته وخلاص واصعب جزء قطعها لرأسه 😨
#واللي اعجبني اكتر حاجه كبير التحماده برغم انه ابنه الا انه انكر فعلة ابنه واعطي الفتاه حقها

[Khawla s]

تسلم ايدك ياعسل فصل ممتع ورائع ♥
شهاب كان بعرف عدم تورط زويا بس كان درس لها ولتهورها
زويا وجعت قلبي اغمائها وكلامها وجع وجع حسيت بكل كلمه حكتها 😢😢
حبيت حكايه توجان والفارسه الي حافظت على شرفها
الخادمات الثرثارات تالا سمعتهم انهم بنقلو الاخبار للواطيه ليه ماتخبر عنهم

[موني جابر]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 3 والزوار 4)
‏موني جابر, ‏amowaaj, ‏تارتمارا

[موني جابر]

تطورات كبيرة وهوة عميقة كانت متوقعة بين شهاب باتجاهاته وزويا بحماسها وتمردها
الموقف أعطاها درسًا لن تنساه عما حاول شهاب أن يجنبها إياه فهو معارض بطريقته للفساد ولن يتركوه طويلًا وهي ستكون الوسيلة لولا براعته في التحقيقات
كان شهاب قاسيًا معها صحيح ولكن كان لابد أن يفعل ورغم وجود شرخ كبير بينهما بسبب خداعها للحرس لكن الجرح لابد أن يؤلم حتى يشفى وأعتقد أن بعد الموقف لن تعاند زويا وسيكون هناك جلسة مصارحة قد تطول أو تقصر ولكن النتيجة ستكون إيجابية
زويا قد تكون حاملًا فعلًا والمعجزات هي إرادة الله
تالا لا زالت خائفة من قسوة شهاب المزعومة ومؤكد حين ترى زويا بين يديه سيخف الخوف
الخادمتان الجاسوستان لابد وأن يتم الكشف عنهما واكتشافهما
هل رنيم لها يد في محاولة زج زويا في خلية إرهابية وهي من كان سيذهب إليها ووالدها ؟! محتمل
ميرزا لازال سمجًا
دينا لازالت تقاوم ونارت أطال الغيبة
الجدة توجان وحكاياها الجميلة استمتعت بالقصة
سلمت يداك دندون

[Msamo]

حقيقي زويا شخصية جميلة لكن محتاجة كنترول