هيمنة الصولجان (2) .. سلسلة أحباب الروح * مميزة ومكتملة*

[دنيازادة]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء الورد البنفسجي 🌷🌸
أعزائي بإذن الله ترقبوا الليلة فصل جديد
الف شكر على متابعتكم وان شاء الله بأقرب وقت سأقوم بالرد على جميع تعقيباتكم الغالية على قلبي 💜
دمتم في حفظ الله ورعايته

[ياسمينة الماضي]

فعلا الرواية روعة بجد انت صاحبة قلم رائع
ما اجمل وادي السير وسكانها

[دنيازادة]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 15 ( الأعضاء 9 والزوار 6)
‏دنيازادة, ‏ميشيل 1, ‏ميهاف, ‏اويكو, ‏Reem salama, ‏business student, ‏sou ma, ‏حلا المشاعر, ‏samam1

[دنيازادة]

الفصل السابع عشر


- الحمدلله .. أخيرا وعيتِ يا حبيبتي.
ببطء أدارت زويا رأسها نحو عمتها الجالسة على كرسي قرب السرير، تثاءبت بنعاس :- يبدو أني نمت لفترة طويلة.
- نعم.. لقد قلقنا عليكِ كثيرا، رغم أن الطبيب طمئننا.
تحركت زويا ترفع جدعها مرتكزة على مرفقيها متسائلة:- الطبيب!!
نهضت تيتيان مفسره:- شهاب أصر على استدعاء الطبيب.. وطلب منه أخذ عينه من دمك لإجراء تحاليل مخبريه.
كررت متململة:- تحاليل مخبريه!!
- أجل .
استدركت وهي تسوي الوسائد:- الطبيب أكد بعد فحصك ان لا شيء خطير.. تعانين فقط من الإجهاد والنوم يفيدك لتستعيدي قوتك.

هزت رأسها وتابعت :- لما تفعلين بنفسك هذا؟.. ما الذي يدفعك لدواوير المظاهرات وللاعتصامات!! وضعك الاجتماعي والمالي أفضل من حال نصف البلد.

انتفضت زويا مستجمعة كل إحساس شعرت به منذ كانت صغيرة:- أليس علينا التحرك ضد أنظمة الطغيان ألا إذا كنا معدمين الحال!؟..

استقامت بجلستها مواصله - أشارك بالحراك الشعبي لأني أحب تراب هذا البلد.. أشارك من أجل تأسيس نهضة حقيقية تؤمن حياة كريمة للأجيال القادمة كي لا يعيشوا مضطهدين مظلومين.


فركت تيتيان يداها بجزع:- نحن خائفون عليك .

ردت زويا متشبثة بفكرها:- كل ما نفعله بالحراك أننا نطالب بالعدالة والمساواة، الإصلاح والتغيير والتبديل .. نصرخ بحق الحريات رافضين حكومات رفع الأسعار وتمرير الصفقات.

شهقت تيتيان معتصرة كفيها:- مواقفك المعارضة وإطالة لسانك بانتقادك المستفز لنهج السائد ستوقعك بالمهالك.. ألا يكفي ما حدث؟

عادت تيتيان لتستقر فوق الكرسي معلقة بتوتر:- الخوض في معترك السياسة ليس أمرا يسير لأن فيها محاولات اغتيال الشخصية معنويا وجسديا.

أرجعت زويا ظهرها وغاصت بين الوسائد تغمغم:- للأسف.. الأمور أشد فظاعة ومعقدة بالخبث الجهنمي أكثر بكثير مما توقعته.

سألت بصوت واهن خافت مرتعش:- أين شهاب؟ أظنه غاضب جدا.. لقد وضعته في موقف متأزم.

بسطت تيتيان كفيها أمامها تلومها بحيرة:- حقا لا أدري ما أستطيع فعله لأجلك يا زويا.. نحن عائلتك ومجبورين على تحملك حتى وان أحرجتنا مواقفك وتوجهاتك.. لكن زوجك ليس مضطر، ان لديه موقع حساس ومستقبل باهر زاخر بالترقيات والمناصب.

تنفست بعمق واسترسلت :- شهاب رجل متحضر متفهم وصبور أكثر من غيره.. ولقد حاول كثيرا استيعابك واحتواءك.. الله يعلم كم حاول.. لهذا لا يمكنني لومه إذا ما تصرف معك بخشونة وقسوة، فأنت خارجة عن السيطرة في كثير من الأحيان وتحتاجين إلى بعض الحزم والضبط.. آن الأوان لتتعلمي التحكم بطبعك الهائج..

تلك اللحظة دخل شهاب إلى الغرفة، رفعت زويا نظرها نحوه، بدا مظهره وكأنه لم ينم وغمامة كآبة غشت ملامح..

وقفت عمتها تسألها:- أنت جائعة دون شك؟
هزت زويا رأسها نافية وقبل ان تفتح فمها تهم بالكلام رد شهاب عنها:- أجل.. أنها تحتاج تناول وجبة مغذية فهي لم تأكل شيئا.
اتجهت تيتيان صوب الباب تفتحه:- حالا سأطلب من تالا أن تحضر لها طعاما لذيذ.
بعد خروج تيتيان ساد صمت مطبق لم تجرؤ على قطعه، كانت بين فينه وأخرى ترفع عينيها وتختلس النظرات لشهاب الذي وقف أمام النافذة يراقب هطول المطر..
عندما أحضرت تالا الطعام ووضعته قبالتها أدركت زويا كم هي جائعة، أمسكت الملعقة قائلة بعفوية:- لم تكن لي قابلية للأكل لكني شعرت فجأة بالجوع.
ابتسمت تالا برقة فأردفت:- النكهات التي تضيفينها لطعام لها مفعول قوي ساحر يفتح شهيتي وهذا ما جعل وزني يزداد في الأشهر الأخيرة.

لم تعي زويا لعينان شهاب اللتان طافتا على جسدها..

تنبهت تالا متأخرة لوجود شهاب في الغرفة، ارتدت سريعا إلى الباب حابسة الأنفاس وهرولت خارجة ..

بعد أن أنهت زويا طعامها نامت بشكل متقطع.. كانت كلما فتحت عينيها من غفوتها جالت بنظراتها في الغرفة فرأت شهاب ما زال واقفا أمام النافذة شاردا يتأمل الجو القاتم الماطر..
علقت :- السماء تمطر على وتيرة واحدة ...
استدار واضعا يديه في جيبي سرواله وسألها بصوت مؤثر:- كيف حالك الآن؟
سرها أنه تحدث إليها فأجابته بصدق:- أشعر بالخمول الشديد.. ربما يتوجب ان أتحرك قليلا.
أزاحت الغطاء وببطء أنزلت ساقيها عن السرير، نهضت بتثاقل فما ان وقفت انتابها دوار طفيف جعلها تعاود الجلوس.
قال بقلق:- الأفضل أن تبقي دون حراك.
مدت ذراعها نحو كأس ماء فوق المنضدة الجانبية، لكن يدها ارتخت فجأة ولم تستطع أن تمسك الكأس بثبات فانساب من بين أصابعها ووقع متحطما فوق الأرض بصوت مرتفع..
بلمح البصر تحرك شهاب سريعا مقصرا المسافة الفاصلة بينهما :- هل تأذيتِ.
ردت باضطراب:- لا.
أرادت التقاط قطع الزجاج المتناثرة فابعد يديها محذرا: احترسي.. الخادمة ستنظف الفوضى.

نظر عابسا إلى قدميها العاريتين. أنحنى ورفع ساقيها يتفقدهما بحرص، أحست بدفء يديه وهو يطمئن لعدم إصابتها بخدوش ثم ساعدها بلطف لتتمدد فوق السرير وجلس على طرفه بجوارها..
صب لها كوب أخر من الماء وقربه من شفتيها فشربت بضع قطرات تبلل حلقها الجاف.
تمتمت بضعف:- لا أفهم ما يحدث لي!! أحس بإرهاق شديد!!
- ما زالت أعصابك متوترة.. من الأفضل أن تنامي لترتاحي.

أومأت إيجابا وحاولت أراحت نفسها في الفراش عل أثقال ما عانته تزول عنها.. تأملها شهاب بتنهيدة عميقة، يده ارتفعت بتلقائية لتتلمس خصلات شعر زويا المنثور على الوسادة.. فتحت عينيها ببطء لكن جفناها رفضا البقاء مفتوحتان فأغمضتهما واستغرقت في نوم عميق..


****************


بعد تفكير وتردد أخبرت تالا خالتها عن الخادمات اللواتي يتجسسن في القصر، لامتها تغريد متسائلة:- ولماذا لم تعلميني منذ أول مرة ؟!

جلست تالا على طرف الكرسي بتوتر:- لم أشاء الإبلاغ عنهن كي لا أكون سببا بقطع رزقهن.. قلت لنفسي ربما ينتابهن تأنيب الضمير، ويدركن فداحة غلطتهن فيحاولن الإصلاح من سلوكهن المشين.
علقت تغريد بملامحها الجادة:- من الواضح أنهن لم يرجعن لرشدهن.
نكست تالا رأسها للأسفل:- للأسف هذا ما حصل فعلا.. الأمر تكرر ولا يمكنني التكتم عليهن.. استمراري بالوقوف محايدة يعتبر تواطؤ.. أخشى أن تتماديان وتقومان بتسريب معلومات خاصة سرية عن تفاصيل تحركات الأشراف ويلحقن بهم الضرر.
- لا شيء مستبعد.. هناك نماذج وأصناف كثيرة من الأشخاص لا يرتدعون عن ارتكاب الخطايا والذنوب إلا بالعقاب.
رفعت تالا نظراتها إلى خالتها تستجديها:- مع ذلك أرجوكِ خالتي لا أريد أن يصيبهن الأذى.. ابنة الباشا ربما استغلت ظروف فقرهن ووضعهن المادي لتغريهن بالأموال.

استنكرت تغريد بحزم: - الفقر والعوز لا يبرر عدم الأمانة وسوء التصرف الغير أخلاقي.. واجبي المهني وولائي الخالص يحتم عليي أخبار الشريفة تيتيان حالا بكامل التفاصيل.. ولحضرتها قرار التصرف.
غمغمت تالا :- مع ذلك سوف أشعر بالذنب إذا تمت معاقبتهن بقسوة.
ربتت خالتها على كتفها وقالت مستفيضة بحدة أقل:- يا لقلبك الرقيق .. تالا يا حبيبتي لا يجب ان ندافع أو نتعاطف مع أمثالهن بعد ان عرفنا خباياهن ونفوسهن السيئة فقط لأنهن فقيرات.. الفقراء ليسوا بالضرورة مظلومين ومغلوبين بل ان بعضهم انتهازيين استغلاليين وقد يصيروا أيضا جلادين يحاولون إذلال الآخرين ويستمتعون بقهرهم.
سهمت للحظات تفكر ثم استدركت:- الشريفة تيتيان سيدة رحيمة وحكيمة.. على ما أعتقد ستواجهه تلكما الجاسوستان الخائنتان لتلقنهما درسا بالأخلاق والأمانة.. وقد تكتفي كعقوبة بإنهاء خدمات عملهما في القصر، فهي بالتأكيد لن تقوم بإفشاء ما حدث للعلن حتى تتجنب ذكر أسم رنيم لحساسية ومكانة والدها الباشا..

_________________________________


في المساء حضر الشريف طلال مع تيتيان وأمضيا بعض الوقت مع زويا وشهاب يتبادلون الأحاديث بالعموميات ..
بصوته العميق الرخيم قال الشريف طلال :- الحياة قد تكون رائعة لو اتفقنا على ان الخلاف السياسي ليس صراع خصام بل علاقة تكاملية في سبيل إنعاش وطن نحبه.. قد يكون لكل منا طريقته الخاصة وهذا أمر ايجابي فليس مطلوب التطابق.. المهم ان لا نتمترس خلف معتقدات تدعو للخلاص من الأخر وإخراسه للأبد باستعمال الأدوات المحرمة.. المواقف المتشددة قد تصل بنا لمشاحنات ومنازعات على المحك وحينها سنخوض في غمار هاوية لا قرار لها..
نهض الشريف طلال عن الأريكة مردفا: - سنتركهما الآن لعلكما تتصافيان.
أمسك بيد تيتيان التي قالت وهما يخرجان:- ان لم نستطع تحمل بعضنا في أسوء حالاتنا فنحن لا نستحق ان نعيش الحب.

تلاقت نظرات زويا وشهاب وكلاهما يعلمان ان سجالهما على وشك أن يبدأ.
- بدل ان أكون سببا لراحتك كنتُ دائما سببا لمعاناتك.. ولم أجلب لك ألا المصائب... يبدو أننا لن ننعم معا بالسلام في زواجنا.

تنهدت زويا بعمق مضيفه:- تعلم أني أحبك ولا أريد أن أخسرك يا شهاب لكن ماذا افعل؟.. أنا هكذا .. ومهما حاولت لن أتغير ولن أتعلم التحكم بطبعي أو السيطرة على اندفاعي.. سأموت وأبقى ثائرة متمردة كارهه لكل أشكال قيود القمع وهيمنة منظومة استبداد الصولجان.. ولأكون صادقة معك أكثر أعترف أني لست نادمة على مشاركتي بالمظاهرات والاعتصامات لنصرة الفقراء والمغلوبين على أمرهم، فطبقة الفاسدين يؤكدون دوما بأفعالهم القذرة أنهم بلا ذمة ولا ضمير.

تأملها شهاب بصمت.. فحياة مغروسة بفضائل وأخلاق نادرة تجعلها تفكر في مصلحة الآخرين الأقل حظا قبل نفسها دون تزييف ولا خبث، زاهدة بصفاء منزهة عن رياء النفاق .. أنثى فيها كل الشجاعة والطهارة والنقاء وسط طوفان الدنس والتلوث والانحطاط الذي يحيطه.

استطردت بصوت مرتعش:- لكني بذات الوقت أنا حقا اسفه، لم أكن أتوقع ان هناك من يحاول الإيقاع بك عن طريقي بهذه الطريقة الماكرة الغير أخلاقيه مستخدمين أساليب بالغة الفظاعة والبشاعة..

هزت رأسها يمينا ويسارا :- أبدا لم أتخيل وجود مؤامرة كيدية من خلال التربص لتحركاتي وتوجهاتي!!.. نعم أنت نبهتني لمدى حساسية موقعك ومنصبك.. ظننتك تريد التحكم بي كي لا يتأثر مركزك.

رماها بنظرة معاتبة:- حذرتك لأني أخشى عليكِ، لا أريدكِ ان تكوني مستهدفة وتتعرضي لأي مكروه.. أعلم أنكِ تحتاجين دائما لتفسيرات مفصلة مقنعة وهذا ما لم أفعله، تغاضيت وتجنبت تقديم شرح مفصل عن مخاطر الوضع لأني لم أشاء إرعابك وأخافتك فأزيد مقتك وبغضك لطبيعة الواقع الذي من المفترض ان تعيشي به معي.

أخذ نفسا عميقا شارحا بإسهاب:- ما يجب ان تعرفيه يا حياة ان النية الصادقة والاندفاع بطيبة لقول كلمة الحق لا تكفي لمواجهة القوى الظلامية.. مازلتِ غضه هشة في أبعاد ودهاليز مكائد السياسة.. بكل الأحوال فالاعتصامات والمظاهرات أوصلت صوتكم ولقد تمت الاستجابة لمطالبكم.. الوزارة ستقدم استقالتها بعد أيام معدودات وسيبدأ عهد ديمقراطي جديد.
رددت بتهكم:- عهد ديمقراطي جديد!.
سألته بلهجة صريحة:- هل تعتقد حقا أننا سنقتنع ونصدق هذه الوعود؟.. أتمنى حقا تصديق ان هناك انفراجات وعدم انتهاك لحقوق الإنسان.. غير ان ما سيحدث استراحة بين شوطين.. مجرد مرحلة لتخدير والإلهاء لن تنطلي علينا.. الحكومة ستدعونا للحوار ولكنها لن تترك لنا مجالا للحديث.. لهذا لن نخطئ بارتفاع منسوب التوقعات والآمال كي لا نهبط من جديد إلى القاع.

واصلت انتقادها باستفاضة:- كل التحولات شكلية.. تسكينيه.. ظاهرها ديمقراطي لكن باطنها ديكتاتوري قمعي.. البلد تحكمها الشللية الفاسدة، وتجاوزاتهم بلغت مداها.. أنهم أمام أعيننا يتسلقون ويسرحون دون حسيب ولا رقيب بتعينهم لمن لا يستحقون ليثبتوا أعوانهم الذين يأتمرون بأوامرهم.. أنهم يمارسون أساليبهم الملتوية ليحافظوا على مناصبهم واستثماراتهم.. مطالبنا لا تنحصر بإسقاط حكومة الغلاء والتجويع وعصا القمع الغليظة المصادرة للحريات. فهذا جزء من عدة مطالب شعبية حقوقية وطنية مشروعة لتغيير النهج السياسي الاقتصادي الجائر.. نحن نستحق الأفضل بكثير ولهذا نريد استعادت الوطن من عصابات النهب والسلب الذين ورطونا باتفاقيات ومزادات باعوا بها مؤسسات الشعب وثرواته الطبيعية ومقدراته بأبخس الأثمان..


زفر شهاب بضيق فاستدركت:- أظنك الآن نادم على الساعة التي تزوجت بها من ثائرة مندفعة مثلي تناكدك على الدوام وتصعقك بالمفاجآت الغير متوقعة.. أنت تستحق زوجة تختلف عني.. تكون نقيضي بصفاتها.. إنسانة طبائعها هادئة لينة.. حينما تكلمها تستوعبك وتستجيب لك بسهولة، وإذا طلبت شيئا لا تتحداك أو تناكفك بجدالها ومرافعاتها بل تتفهمك وتطيعك وتلبي كل ما تريده منها وتأمرها به.. لا تتذمر من مرافقتك لسهراتك.. لا تغادر البيت دون استئذانك، لا تناقشك في شؤون السياسة ولا تشارك في المظاهرات والوقفات الاحتجاجية..

تقدم شهاب منها ممسكا بكتفيها:- حياة أنت تعجبيني وتبهريني لأنكِ كذلك.. لا أنكر أن ثمة لحظات أتمنى أن أملكك لأصبح وحدي محور عالمك وفكرك.. لكني أيضا لا أريدك أن تتحولي إلى شخصية أخرى مختلفة، ولهذا لا أحاول ترويضك وإرغامك لتصيري ما لستِ عليه.

جذبها إليه حتى استند رأسها إلى قلبه والتصق وجهها بصدره العريض الدافئ:- أنا احبك على حقيقتك الواضحة، قوة شخصيتك وشجاعتك وإنسانيتك أكثر ما شدني إليكِ ودفعني لأتزوجك.. حياة أنتِ الأنثى الوحيدة التي يحق لها ان تقول وتفعل أشياء تثير جنوني وتخرجني عن طوري ألا أني أبدا لن أفكر يوما بالابتعاد عنها.. بالرغم من كل شيء حدث لكن أنا لا أريد غيرك زوجة لي.

مالت برأسها إلى الوراء تنظر إليه قائلة: لكني لن استطيع تعويضك عن مآسي العذاب الذي تكابده،
رد بتسامحه وقدرته الهائلة على الحب:- كونك معي يكفيني.

أصرت زويا على المكاشفة بواقعية:- تحتاج لمن تؤمن لك حياة أسرية فيها نوع من الاستقرار والوئام والهدوء وهذا ما لا أستطيع ضمان توفيره لك.. أنت بالتأكيد تتمنى أن يكون لديك أبناء.
- أريد أبناء منكِ.
- لكني لا استطيع إنجاب طفل لك.

- وأنا لن أرتضى ألا بكِ أما لأطفالي.. استحالة أن أكون مع إنسانة لا تحمل قلبك.. قلبك الذي أتمنى لو أحبني كما أحبك.

صاحت باستهجان:- شهاب .. تعرف أني أحبك كثيرا.
- ليس بمقدار حبي لكِ.
أمسكت زويا بيده وجذبتها إليها:- كن واثقا ان حبك كالدم يسري في شراييني.
ألصقت كفه فوق صدرها:- هذا القلب سيبقى دائما ينبض بحبك.. لا أحد سيحبك كما يحبك قلبي يا شهاب.

احتوى وجهها بين كفيه هامسا:- آه يا حياة.. أنتِ ملاذي الوحيد ومن أصبو إليها ويجن قلبي عليها.
نظرت إليه مجددا بعينان برقتا بإثارة.. رمت نفسها عليه فضمها بذراعيه وكل منهما يدرك أن بين كيانهما حبل رفيع يشدهما لبعضهما ولا يمكن أن ينقطع.


يتبع ...

[دنيازادة]

في بيت الجدة كالعادة جلسوا جميعا في المساء حول العجوز قائلين:- جدتنا الجواشة توجان أروي لنا حكاية ( منجل النارتيين) .
تمددت توجان بين الوسائد باسترخاء وقالت متنهدة:- الغلال الوفيرة كانت تنبت في حقول شعب النارتيين، وفي موسم الحصاد كانوا يقطعون السنابل بأيديهم سنبلة سنبلة، مما يأخذ وقتا طويلا فتجف معظم هذه السنابل قبل قطافها وتتناثر حبوبا في الأرض. لذلك قرروا ذات يوم ان يستمروا في قطاف السنابل ليلا على ضوء القمر.
عمل النارتيون طوال النهار حتى خيم الليل، جلسوا يستريحون ويأكلون وعندما رأوا الهلال كقوس ذهبي منير في كبد السماء، ابتهجوا وعادوا إلى عملهم في قطف سنابل الحقول، وما كادوا يبدءون حتى خيل إليهم ان الهلال يهوي إلى الأرض، انشدهوا باستغراب وحدقوا مأخوذين بتلك اليد السوداء الطويلة التي تسحب الهلال إلى ما وراء الجبال العالية، وعندما اختفى الهلال عم الظلام الحالك ولم يعودوا قادرين على مواصلة عملهم.
وفي مساء اليوم التالي ظهر الهلال في السماء ولكن ما ان شرع النارتيون قطاف سنابل الحقول حتى امتدت تلك اليد السوداء الطويلة من وراء الجبال وأمسكت بطرف الهلال وأخذت تجره، وصار الأمر يتكرر كل مساء. لذلك لم يتمكن قوم النارتيون من ان يقطفوا سوى نصف سنابل غلالهم، وتناثرت الحبوب من بقية السنابل وضاعت..
الحبوب التي جنوها لم تكفهم في ذلك العام وعانوا من التقنين في طعامهم حتى حل موسم الحصاد في العام التالي.. عمل النارتيون بجد طوال النهار وأرادوا الاستمرار ليلا.. كان الهلال يتلألأ في السماء ولكن كما حدث معهم في العام السابق اليد السوداء الطويلة امتدت من وراء الجبال العالية وأخذت تجره.. أحتار القوم في الأمر وأصابهم القلق، ذهبوا إلى السيدة ستناي وأخبروها فأشارت لهم بعد تفكير قائلة:- اطلبوا من سوسروقة أبني (المولود من الحجر) بان يركب حصانه العجيب، وأرفقوه ببعض الفرسان وأرسلوهم ليستطلعوا.
القوم نفذوا ما قالته لهم أم النارتيين. ركب سوسروقة حصانه العجيب ورافقه بعض الفرسان.. انطلقوا يمشون ويتقافزون حتى وصلوا إلى الجبال، ضرب سوسروقة حصانه الأبيض (تخوجي) ثلاث ضربات واعتلى القمة العليا في طرفة عين. وساعد باقي الفرسان بعضهم بعضا فارتقوا الجبل ووقفوا إلى جانب سوسروقة. انتظروا حتى خيم الليل، فما ان بان الهلال بضيائه حتى نهض رجل عملاق القامة من شاطئ احد الأنهار ووقف على أصابع قدميه، رفع يده الطويلة جدا ومدها لأخرها فأمسك بطرف الهلال ثم أخذ يسحبه نحو الأرض.. هيأ سوسروقة قوسه وصوب نحوه ولكن رفاقه اعترضوا وقالوا:- دعنا نر أولا ما سيفعله.

انزل العملاق الهلال فأضاء البراري وهو يمسك بطرفه، ثم مد يده الأخرى إلى حقل الغلال وحصد به كومة بضربة واحدة. نظر الفرسان إلى وجوه بعضهم بعضا مندهشين مما رأوا.
نكز سوسروقه حصانه تخوجي وهبط من قمة الجبل قائلا:- انتظروني حتى أعود.
ركض سوسروقة بحصانه إلى العملاق وهو يستل سيفه، ما أن أبصره العملاق حتى افلت الهلال من يده فعاد من جديد إلى السماء.. حاول العملاق الفرار هربا ولكن سوسروقة قفز وقطع عليه الطريق، ناشده العملاق:- وحق الاديغة الخابزة دعني وشأني.
توسل إليه مستطردا:- أنا لا اسحب الهلال من السماء إلا مضطرا، من يطعم سكان هذه البلاد هو أنا وأخي الأكبر. أخي يرعى المواشي وأنا أزرع الأرض، وإذا لم أحصد ليلا على نور الهلال فان غلالي سوف تتناثر في الأرض وتضيع وسيموت قومي جوعا.

قال سوسروقة:- لا ، هذا مالا يمكن ان يحصل، فنحن أيضا نجني محصولنا بيدنا سنبلة سنبلة وإذا لم نعمل ليلا ستضيع غلالنا وسنموت جوعا. القمر لنا جميعا، فليسطع نوره عليكم وعلينا. ان اعترضت على ذلك لن يكون بيننا ألا الاقتتال والحرب.

عاد سوسروقة والفرسان واخبروا ستناي بما جرى فقالت لهم:- علينا ان نتجنب منازعات الحروب.. أذهبوا إلى الحداد لبش فلديه الحل بالتأكيد.

سارعوا النارتيون إلى لبش الذي وقف يعمل في محل حدادته وصنع لهم هلالا فولاذيا. فتسألوا مذهولين:- كيف يمكن ان نحصد الغلال بمثل هذا؟!

امسك لبش طرف الهلال الفولاذي وثناه ثم ثبت فيه عصا وقال مفكرا:- يجب ان يكون لهذا الهلال الفولاذي أسنان حتى تمسك بالمحصول.

أكمل لبش صنع اختراعه وسماه منجلا وقدمه للنارتيين قائلا لهم:- اذهبوا واحصدوا.
ووقف في محله وصنع منجلا كبيرا ضخما وأرسله مع سوسروقة إلى العملاق مع رسالة شفوية:- أخبره ان يبتعد عن قمرنا منذ الآن، ولا يدع أطفاله يموتون جوعا.. ولنعيش كلنا مع بعضنا فوق هذه الأرض في أمان وسلام.


_________________________


خرجت زويا إلى الحديقة تتنشق الهواء، مشت بين الممرات المرصوفة بالحجارة.. من بعيد شاهدت تالا تعتني بمزروعاتها، اقتربت من أحواض النباتات العطرية،أخذت تراقبها وهي منحنية الجذع تقلب التربة بضربات خفيفة بالمعول وترش الأسمدة حول الشجيرات ..
بادرتها قائلة:- يمكنك ترك هذا العمل للبستاني؟..
استقامت تالا والتفتت إليها مبتسمة:- بما أني لا أمارس الرياضة فهذا العمل بمثابة تمارين خفيفة تنشطني.. أحب الاهتمام بما أزرعه بنفسي فذلك يسليني بأوقات الفراغ.
تقدمت زويا بخطواتها متسائلة بحيرة:- باستثناء دوامك في أكاديمية الطهي لا أراك تخرجين من القصر لا في العطل ولا بالإجازات؟!
- ولماذا أخرج؟
تعابير الدهشة ظهرت جليه على زويا مردده :- ولماذا أخرج؟!!.. ألا تذهبين إلى الأسواق التجارية؟
خلعت تالا من يديها القفازات الثقيلة التي ترتديها وأجابت:- لست ممن تهتم بالتسوق، مستلزماتي قليلة وبطبعي غير متطلبة، ولهذا نادرا ما أذهب إلى الأسواق.
أردفت وهي ترتب هندامها وتنفض الأتربة العالق بها:- كما أن خالتي تغريد لا تشجعني على شراء الملابس فهي تعتبر اقتناء الكثير من الثياب وتكديسها بالخزانة تبذير وهدر للمال.. تحثني دائما على التوفير والادخار لتأمين المستقبل.. إقامتنا في القصر تخفف علينا ضغط الحاجة المادية، لكننا إذا ما غادرنا، وحتما هذا ما سيحدث ذات يوم سوف نضطر للبحث عن مكان مناسب نعيش به وحينها سنستفيد من الأموال المدخرة لعمل مشروع صغير يدر ربحا نستطيع منه دفع إيجار البيت ومصاريف مستحقات فواتير الكهرباء والمياه والعلاجات الطبية.
أومأت زويا رأسها إيجابا:- في الحقيقة خالتك محقه بتفكيرها، لكن لا بأس أحيانا من الترفيه عن النفس قليلا كذهاب مثلا إلى السينما أو حضور عروض مسرحية في المركز الثقافي.
- لن أجرؤ على الذهاب لهذه الأماكن لوحدي وخالتي تغريد لدبها فوبيا من الأماكن المزدحمة.
استفسرت زويا باستغراب:- أليس لديكِ معارف أو صديقات لترافقيهن؟..
هزت رأسها نافية موضحة:- لا .. خالتي تغريد كل أهلي.. وهي لا تحب العلاقات الاجتماعية.

- وماذا عنكِ أنتِ؟ الا تحبي ان تكوني ناشطة فعالة في المجتمع؟!

سألت تالا بفطنة:- تقصدين ان أشارك في الحراك الشعبي؟..
هزت رأسها نافية:- لا .. ليس لأني لا أكترث ولا أبالي بمن حولي.. لكني مقتنعة ان مهما فعلنا لا شيء سيتغير.

- ألهذا الحد أنتِ فاقدة الأمل بالتغير يا تالا؟..

- منذ قتل هابيل أخاه قابيل بدأ الصراع الأزلي في البشرية بين الخير والشر.. هذا الصراع لن يزول وسوف يستمر حتى يرث الله سبحانه الأرض وما عليها.

أقتربت زويا من تالا قائلة بحماسها:- هذا لا يعني ان نعلن الاستسلام والإذعان لطواغيت، علينا ان نناضل ونقاوم ونحارب لأجل سيادة الخير والعدل.
نظرة تالا إلى البعيد ساهمة وقالت:- نعم.. كل منا يفعل ذلك حسب قدرته وضمن إمكانياته ووضعه.
- اتفق معك.. ولكِ حرية الاختيار والتوجه.
استطردت زويا تعرض عليها:- ما رأيك أن نذهب معا إلى السينما؟..

فجأة تملك التوتر ملامح تالا قائلة:- شهاب بيك قد يستاء منزعجا إذا ما رافقتك إلى مكان عام... ماذا لو صادفنا شخصيات من المجتمع المخملي؟ ليس من ألائق أن يرونا معا.

هتفت زويا منفعلة باستهجان:- شهاب ليس من الارستقراطيين المتأنفين منغلقين الأفاق بالعكس تماما أنه ضد العنصرية والطبقية والألقاب.. أنا وهو ذات مره جلسنا في وسط البلد على سور الرصيف نأكل أكواز الذرة المشوية أمام كل الناس.
أردفت تسأل بهدوء:- هل يناسبك الغد؟
- غدا!!
- إذا كنتِ مشغولة نؤجل الموعد.

أفصحت تالا بأدب جم :- في الحقيقة غدا يصادف ذكرى مناسبة هامة، وسأكون مشغولة طوال اليوم، ولهذا كنتُ سأطلب من حضرتكِ السماح لي بالتغيب عن العمل.

دون تردد وافقت زويا:- طبعا.. بالتأكيد يمكنك الحصول على إجازة مدفوعة الأجر قدر ما تشائين.

- يوم واحد فقط لا غير.
تنحنحت زويا ولم تستطع منع نفسها من الاستفهام:- لا أريد ان أكون متطفلة يا تالا لكني اشعر بالفضول الشديد عن تلك المناسبة التي تستدعي غيابك.
- غدا يصادف ذكرى ميلاد الأميرة رحمها الله وغفرلها.
- تقصدين أم شهاب !!
أومأت تالا إيجابا:- نعم .
استفاضت قائلة:- عندما كنتُ طفلة صغيرة كانت الأميرة في عيد ميلادها تأخذني معها إلى المبرة الخيرية، هناك كانت تحب ان تقضي نهارها كاملا مع الأطفال الأيتام، حيث تشاركهم تناول الغداء ويقام احتفالا ممتعا بهيجا.. وخلال الحفل تقدم الأميرة أم شهاب الهدايا والألعاب للجميع دون استثناء.. أنا قطعت عهدا على نفسي بالذهاب كلما استطعت إلى المبرة لأتطوع بالمساعدة وفي الذكرى السنوية لميلاد الأميرة أقوم بطهي الطعام والحلوى وتقديمه إلى الأطفال الأيتام.

دون تفكير سألت زويا :- تالا هل تأخذيني معك غدا إلى المبرة؟ .


*********

ما أن انطلقت السيارة السوداء الفارهة بسرعة حتى أصاب تالا الفزع، وضعت يدها تضغط فوق صدرها الذي أخذ يعلو ويهبط بقلب خافق مضطرب بدقات غير منتظمة.. بأنفاسها ألاهثة المتقطعة سألت منتفضة ممسكة بالمقعد:- لماذا السرعة الزائدة؟!
غمغمت زويا:- يقولون ان السرعة الزائدة من الدواعي الأمنية.
لاحظت زويا شحوب وجه تالا وضيق تنفسها الشديد.. التقطت قنينة مياه معدنية مدتها لها ثم انحنت للأمام مخاطبة رجل الحماية:- من فضلك اطلب من السائق ان يخفف السرعة. صديقتي غير معتادة على السرعة الفائقة.

التفتت لتطمئن على تالا فوجدتها تفتح حقيبة يدها وتتناول من داخلها علبة بخاخ.. وضعت البخاخة في أنفها واستنشقت بعمق.. رغم التساؤلات التي ودت زويا طرحها لكنها أثرت البقاء صامته طوال الطريق تحترم خصوصية تالا.
في المبرة الخيرية وقفت المديرة بمقدمة صف من المشرفات يستقبلونها بحفاوة وترحاب.. زويا أخذت تصافحهم فيما كانت تالا تعرفها على أسمائهم ووظائفهم.. بعدها قامت المديرة بدعوتها إلى جولة حول مرافق المبرة لرؤية الأقسام والصفوف.. أثناء ذلك استأذنت تالا بالذهاب إلى المطبخ لتتأكد من وصول حمولة المواد الغذائية التي أوصت عليها بما فيها من لحوم حمراء طازجة وخضراوات.. ثم بدأت بكل حماس العمل وتحضير أصناف المأكولات والحلويات بمساعدة طاقم العاملات.
قبل ان يحين موعد الغداء والدخول إلى قاعة الطعام فوجئت زويا بحضور شهاب ووراءه عدد من المرافقين يحملون علب ملونه كبيرة ومتوسطة وأكياس ضخمة تمتلئ بالهدايا والألعاب..
ما أدهشها حقيقة الطريقة التي استقبلت بها المديرة والمشرفات شهاب، لهجة حديثهن فيها نوع من الأريحية دونما تكلف أظهرت مدى أواصر المعرفة الوثيقة..حتى الأطفال ما ان رأوه تركوا أماكنهم وركضوا نحوه ليرحبوا بقدومه بانفعال يصيحون مرحين بصخب وهم يتحلقون حوله بعفوية فقابلهم بذراعين مفتوحتين والفرحة تغمر وجهه..
وجود شهاب أضفى حالة من دفق الابتهاج في الأجواء الاحتفالية، كان منظره مع الأطفال الصغار يكشف جانبه الرقيق العطوف المحب.. تلك اللحظة شعرت زويا بالحسرة عليه وتمنت من كل قلبها ان تحمل طفلا له ليصبح أبا ..
سار ناحيتها ليقف إلى جانبها فأنصتت زويا للحوار الدائر بين شهاب وكادر المشرفات، معلوماته الدقيقة العميقة عن المبرة دل أنه على دراية واطلاع ومتابعة بشؤونها..
ومن خلال حديث جانبي مع المديرة عرفت زويا ان مبنى المبرة في الأساس كانت فيلا فخمة ورثتها الأميرة أم شهاب من عائلتها العريقة ألا أنها لم تستخدمها ولم تقيم بها..
وذات مرة سمعت بالأخبار عن هبوط سقف مأوى للأيتام بسبب تهالك البناء القديم وعدم أجراء الصيانة اللازمة.. في ذات اليوم قامت الأميرة بزيارة المكان ونقلت الأطفال وكل العاملين إلى فيلاتها الخاصة حرصا على حياتهم ليكونوا في أمان..
قالت المديرة بمشاعر فياضة:- من بعد صدمتنا بوفاة الأميرة توجسنا وقلقنا، لكن شهاب بيك رفض استرداد الفيلا منا رغم أنها حقه قانونيا.. قام بالتنازل رسميا عن المكان متبرعا به لصالح الأيتام وأستمر بدعمنا ماديا ومعنويا.


********************

عندما غادروا المبرة همست زويا لتالا أثناء خروجهما إلى الساحة:- كنت قد وصلت لمرحلة اقتنعت بها ان معظم مبادرات الأعمال الخيرية استعراض تباهي وبروزة لزيادة الشهرة والشعبية.. لكن اكتشفت أني مخطئة.
أردفت بامتنان:- أشكرك من أعماق قلبي يا تالا.. منكِ تعلمت الكثير..
فتحت تالا فمها لكن صوتها تلاشى ما أن أبصرت الشريف شهاب يقترب مادا ذراعه ليحيط بها خصر زويا ويحثها لتسير معه باتجاه سيارته..
ابتعدا خطوتان ثم توقفا.. شاهدت زويا تلتفت وتشير بيدها إليها فيما أنحنى شهاب يصغي لما تقوله زوجته.. استدار سريعا وأوعز للمرافقين الاهتمام بإيصال تالا إلى القصر.

جلست زويا في المقعد الأمامي بجوار شهاب. فوجئت به يأمر حرس الحماية بالانصراف. سألته مدهوشة عن السبب فأجابها:- أريد أن نكون معا على انفراد.
أضاف وهو يلتقط جهاز هاتفه النقال:- سأغلقه كي أضمن عدم مقاطعة أحد لنا.
ابتسمت زويا تؤيده بمزاج رائق:- أنا أيضا سأغلق هاتفي.
قاد شهاب السيارة وسط الزحام ثم انعطف في طريق جانبي خارج مدينة عمان، مالت باتجاهه تستفهم:- إلى أين نحن ذاهبان؟..
التفت لها غامزا:- الطقس جميل هذا المساء لنستمتع بالطبيعة في مرتفعات تل الرمان.
- مرتفعات تل الرمان؟
- منطقة جبلية مرتفعة مليئة بالأشجار الحرجية ومن أعلى قمتها يمكننا رؤية أكبر سد مائي بالمملكة.
المطل الذي أختاره شهاب أذهل زويا لروعة رونق جماله.. سألها وهو يوقف المحرك:- هل أعجبك المكان؟
نزلت زويا من السيارة تتمطى فاردة ذراعيها تجيبه:- كل ما حولنا مبهر وخلاب.
انضم أليها شهاب يوافقها:- استطيع الشعور بكِ فهذا ما ينتابني كلما جئت إلى هنا.
لفهما الصمت وهما واقفان متقاربان يتأملان بشغف وجو حالم سحر منظر الوديان والتلال في لحظة غروب الشمس، داعبت النسائم وجنتي زويا فأطلقت تنهيدة عميقة مبتسمة:- كان يوما ممتعا حقا.
أردفت بنبرة هادئة:- الأطفال في المبرة يحبونك كثيرا.
توقفت لثوانِ ثم أكملت :- شهاب أظن انه حان الوقت لمناقشة موضوع الأطفال.
قاطعها :- لقد أتصل بي الطبيب وأطلعني على نتائج التحاليل ألمخبريه..غدا صباحا علينا مراجعته بالعيادة لتستكملي الفحوصات.

- حسنا لن أتفاجئ بشيء.. فأنا منذ فترة أشعر أني على غير ما يرام.
مرر يده على ذراعها ثم انحدرت أصابعه تتحرك بلطف فوق بطنها:- سيكون لنا طفل بعد بضع شهور.
توقف عن الكلام مترقبا رد فعلها.. للحظات بقيت تحدق به مشدوهة، تسارعت أنفاسها دونما قدرة على ضبطها.. تساءلت هامسة بتلعثم:- هل تقصد أني حامل؟!

أومأ برأسه إيجابا :- نعم.
- شهاب لا تمزح معي.
- أمزح !!
- تعرف أن الأمر مستحيل.
- حتى المستحيل يتحقق بإرادة ربانية من الخالق عز وجل.
حملقت في تقاطيع وجهه والدموع تنهال بسخاء من مقلتيها:- سيكون لنا طفل .. طفل دبيب أقدامه الصغيرة وصوت ضحكاته تملأ الدنيا .



نهاية الفصل السابع عشر
بانتظار تعليقاتكم وتوقعاتكم

[za.zaza]

متشوقة لهذا الجزء

[دنيازادة]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 12 ( الأعضاء 5 والزوار 7)
‏دنيازادة, ‏za.zaza, ‏WEDDO, ‏amowaaj, ‏تالا الاموره

[تالا الاموره]

تسلمي ع الفصل الجميل

فعلا شهاب مافي زيه في احتواء زويا،، بحد شهاب اثبت حبه العميق لزويا

فرحت جدا بحملها وبفرحتها به

[رنا رسلان]

#زويا اخيرا حامل وعدم تصديقها للامر في البدايه
#وذهابها مع تالا الي الميتم ومعرفه ان اليوم الذي تريد تالا ان تأخذه اجازه يوم موت الاميرة والده شهاب غير معرفتها باعتناء الاميرة بالايتام وقضاء يوم معهم ومن ثم شهاب من بعد موتها
#بس طريقة كلام تالا عن تغريد مريبه يعني خوفها من التجمعات وانهم سيغادروا القصر يوما ما وعدم السماح لها بالخروج يخليني اشك فيها وغموضها

[منال سلامة]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
بسم الله ما شاء الله ولا قوة الا بالله ..فصل مممتع اكثر من رااااائع ..منتهى الابداع والابهار في الاحداث وتفاصيلها الراقية ...سلمت يمينك على ما خطت وابدعت دنيا 👏👏👏❤❤❤❤


شهاب وحياة واخيرا تم التصالج والتصافي وان بقيت حياة هي نفسها في المطالبة بالساواة وحقوق المظلومين ...وتبقى علافتهم الاجمل والروع برباط الحب القوي والحمد لله طفل قادم في الطريق يزيد ارتباطهم قوة ..وتبقى ارادة الله فوق كل ارادة سبحان الله ...

تالا اخيرا حدثت خالتعا تغريد بما كان من الخادمتين ان شاء الله ينالن عقابهن على ما اقترفن الفقر مش مبرر لان يعض الانسان يد من امتدت اليهم ...وهن سبب قطع رزقهن بطمعهن وخيانتهن لمن يعملن عندهم ..فعقابهن واجب يستحقنه ..

الجدة الحواشة وقصة "منجل النارتيين" حكايا من الحكايا الجميلة استمتعت بها ..😍😍

حياة بعد زيارة المبرة التي اسستها والدة شهاب اكتشفت خطأها بان ليس كل عمل خيري لتباهي والشهرة والشعبية ..
فبعد ان شاهدت مافعل شهاب واستمرار العمل الخيري الذي اسسته والدته لا زال مستمر ورفضه ان يسترجع فيلا والدته وان ستمر المشروع وايضا يقوم هو بدعمهم ماديا فرحت كثيرا بتلك الزيارة للمبرة وشكرت تالا على ذلك ...



شكرا لك وتسلم ايدم على الفصل الابداعي 👏👏👏❤❤❤
بانتظارك في القادم ✋✋✋