25-03-19, 04:23 PM
| #641 | ||||||||
| نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة  
|  اقتباس:
نورتِ وشرفتِ عزيزتي بحضورك 😍😍 سررت كثيرا بقراءتك لروايتي توجان الشركسية وتعرفك على المجتمع الشركسي وبتمنى الجزء الثاني ينال اعجابك🌷🌸 شكرا على روعة كلماتك الجميلة المشجعة لي تسلمي فخورة جدا بمتابعتك دمتِ في حفظ الله ورعايته 💜 | ||||||||
|  |
|
25-03-19, 04:30 PM
| #642 | |||||||||
| نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة
| اقتباس:
اقتباس:
ربي يسعد صباحكم ونهاركم نور وسرور 💞 تسلموا ربي يسعدكم موعدنا بحول الله اليوم مع فصل دسم وطويل جدا فيه أحداث متنوعة ومفاجئات بتمنى ينال اعجابكم 💜 | |||||||||
|
| |
|
25-03-19, 07:13 PM
| #645 | |||||||
| نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة
| الفصل التاسع بدأت الشمس تغرب والشعشعة الأخيرة تتلكأ. وقفت زويا تتأمل بساط العشب الأخضر الممتد والمناظر الجميلة الخلابة المهدئة التي تعطي روح ايجابية، دارت بعينيها تجول في المحيط حتى استقر بصرها على جسر عبدون المعلق.. كل دولة لمواطنيها مكان معين يقصدونه للانتحار، فكما صخرة الروشة في بيروت وجبل قاسيون في دمشق.. مواطنين عمان اختاروا هذا الجسر المعلق الشهير ليلقوا أنفسهم من فوقه.. محاولات وعمليات الانتحار تكررت مما جعل كثيرين يرتابون بطبيعة هذا الجسر المعلق ويشيعون ان له تأثير سيء على نفسية المكتئبين والمحبطين مما يدفعهم للقفز من عليه.. البائسين فاقدين الأمل من الحياة وحتى العاشقين الخائبين جميعهم قرروا ان يكون لهم هذا الجسر منصة لاحتجاجهم والشاهد على ألامهم وعبراتهم وأنفاسهم الأخيرة.. قرارهم ليس صدفه فاغلبهم خططوا وعقدوا العزم مسبقا مصممين على ان يكون الجسر خط النهاية، منهم من يتركون رسالة ورقية، وآخرين يلقون بأجسادهم وهم يرددون بعض العبارات بصوت مرتفع خلال سقوطهم إلى الأرض كمحاولة نهائية لإيصال صوتهم.. اقتربت زويا من حافة الجسر وانثنت فوق الحاجز ترنو لقعر الوادي بالأسفل، تساءلت حائرة عن القوة التي احتاجها أولئك المنتحرين ليقفزوا.. هل اقتنعوا باستحالة التغير فسعوا للموت؟!.. انحنت زويا أكثر تحاول تخمين الشعور الذي راودهم قبل خطوتهم.. ربما تهيأ لهم ان بسقوط جسدهم واستسلامهم تسقط أحزانهم العميقة.. القعر هناك ينتظر جثة.. لكن زويا ترفض الهبوط إلى الأسفل ولن تكون يوما تلك الجثة.. الطريقة الوحيدة لاجتياز أي مرحلة مؤلمة في الحياة هي ان يعيشها الإنسان لا ان يهرب منها.. ان يتقرب من الله سبحانه ويتوكل عليه فهو القادر على بعث الطمأنينة والسكينة في النفوس.. المصاعب والمحن يمكن مواجهتها بقوة الإيمان والعزم والأرادة.. لا بالتخدير ولا بالتجاهل.. لا بالتحايل ولا بالانتحار.. أغمضت عينيها لدقيقة كاملة قبل ان تفتحهما ثانية حين سمعت صوت جهور قوي خشن يناديها باسمها صارخا بخوف:- حياة. التفتت برأسها جانبا وهي منحنية فوق الحاجز.. رأت شهاب يخرج من سيارته الفارهة الواقفة في منتصف الطريق، ترك الباب مفتوحا وركض باتجاهها يقطع المسافة عاصفا كمن يطارد الريح.. عشرات من السيارات توقفت في طابور وراء سيارته السوداء، السائقين أطلقوا العنان لأبواقهم المزعجة بضجة وجلبة الازدحام ثم لم يلبثوا وان التفتوا يحدقون بعيونهم في فضول وترقب.. بعضهم لم يكتفوا بالمشاهدة بل رفعوا هواتفهم المحمولة ليصوروا المشهد.. قبض شهاب معصمها بعصبية وشدها خلفه، ما ان استوعبت زويا صدمتها حاولت الاعتراض. كز على أسنانه متمتما باغتياظ مكتوم وهو ينظر للعيون المحدقة مسرعا بها إلى السيارة:- اصمتِ لا أريد ان نتشاجر بمشادة كلامية أمام الناس.. لا داع لإثارة الفضائح والشائعات. دفعها لتجلس بالسيارة.. بادرت لتقول شيئا فزمجر بصوت مخيف مزلزل لم تعهده منه.. عندما استقر في المقعد وأغلق الباب داهمته نوبة غضب صاعق جعله يضرب مقود القيادة حانقا بانفعال ناري متوحش لم تر زويا له مثيل من قبل.. شهاب لطالما كان قادرا على تمالك نفسه وضبط أعصابه ولهذا قالت ذاهلة باستغراب:- ما الذي يغضبك هكذا؟! أنا حقا لا أفهم!! توعدها صارخا بوجهها وهو يشغل المحرك وينطلق بالسيارة:- حسابك سيكون عسيرا معي. - ماذا تقصد ؟!!! ضغط على المقود حتى ابيضت يديه وبرزت شرايينه، بقيت شفتاه مزمومتان كأنه يمنع نفسه بالقوة من التفوه بألفاظ بذيئة تجول في باله لكن أخلاقه السامية تمنعه من الانحدار إلى ذلك المستوى الحضيض. دون مهابة انبرت زويا بنزق:- لعلمك يا شهاب أنا من يجب ان تكون غاضبة وحانقة.. لأنك تتمادى كثيرا في أهانتك لي وإساءتك لكرامتي. وهذا ما لا أسمح به بتاتا. لم يرد عليها والتزم الصمت المريب الذي يسبق هبوب الإعصار.. عبر البوابة الحديدية الضخمة متجاوزا القصر، قاد السيارة إلى الحديقة باتجاه بيته الخاص وهو يجري اتصال بهاتفه، قال باقتضاب:- حياة معي لا تقلقوا.. اقفل الخط فورا قبل ان يسمع أي كلمة وأعاد الهاتف إلى جيبه. داس على الكابح بقوة فإذا بالسيارة المنطلقة كزوبعة تتوقف فجأة مصدره عجلاتها أنين موجع شق الفضاء بحدته بفعل الاحتكاك القاسي بالأرض. نزل شهاب من السيارة صافقا بابها وتحرك ناحيتها بتعابير رهيبة.. فتح الباب وقبض على ساعدها بشيء لا يخلو من الخشونة جعلتها تطلق صرخة احتجاج، قاومته لتحرر ذراعها من قبضته.. بالقوة أخرجها من السيارة، لم تصدق تعامله العنيف معها:- شهاب أنت تؤلمني بشدة!! ما بك؟ أجابها باغتياظ ناطقا الكلمات من بين أسنانه:- هذا لا شيء أمام ما ينتظرك. بغتة صاح بصوت مرتفع بمجموعة الحرس المنتشرين حول أسوار القصر يأمرهم بمغادرة مواقعهم ومنع اقتراب أي كائن من محيط بيته الذي أجبر زويا على ان تدخله.. رفس بقدمه الباب وراءه يغلقه بقوة فاهتز وتخلخل.. دفعها من ذراعها للأمام ببعض القسوة ثم تركها وأولها ظهره.. ترنحت ذاهلة قبل ان تسقط فوق الأريكة تصيح:- لما تعاملني بهمجية؟!! التفت إليها يحدجها بنظراته وعيناه تقدحان شررا.. بحثت زويا في وجهه الصارم عن الندم لتصرفه القاسي، لكنها لم تلمح ألا الصلابة وقدرته على تمريغها بالإذلال. بدا شهاب طافحا بغضب جامح افقده تعقله ورشده.. استحوذت عليه حالة غريبة مبهمة التفسير.. تحول إلى شخص مثير حقا لرهبة.. هزت رأسها مقطبة جبينها مرتابة:- لماذا تتصرف بهذه الطريقة؟!.. أكاد لا أعرفك؟!! تلفتت حولها وأضافت بتوجس بصوت مرتعش:- لماذا أتيت بي إلى هنا؟!! لم تستطع استيعاب دوافع سلوكه وضاعت في متاهات الأسئلة.. انفجر كمدا:- إلى متى هذا الاستهتار بمشاعري؟. نظرت إليه لاهثة مضطربة مستنكره اتهاماته تردد بذهول:- أستهتر بمشاعرك!! صرخ بحدة:- تعنتك وعنادك يجعلك تفضلين الانتحار على ان تبادليني الحب لليلة واحدة.. أليس كذلك؟!!.. أنخطف اللون من وجه زويا وتجمد الدم في عروقها.. كررت بارتياع:- انتحر !! سألته غير مصدقه:- هل حقا تظن أنني أردت الانتحار من أعلى الجسر؟!.. حدقت به للحظات وقالت:- رغم كل ما مر بي من عذابات ألا ان هذه الفكرة لم تراودني، الانتحار لم يخطر ببالي. تفرسها بعينيه فاستدركت بنبرة توتر وتلعثم:- حسنا لا أنكر أني أحيانا كنتُ أتمنى الموت. أكملت توضح:- تمنيتُ الموت لكي يرتاح من حولي مما يعانوه بسببي. جلس شهاب واسند رأسه بإرهاق واضح على الأريكة وقال بوجع لا منتهي :- في لحظة يأس وانهزام وخوف قد يسيطر التشويش على العقل ويشتته فيرتكب المرء أشنع جريمة بحق نفسه. شهاب نطق الكلمات بلهجة ألم فظيع كمن يكابد جرحا غائرا في أعماقه يحز في روحه.. أومأت توافقه:- صحيح .. أضافت مؤكدة:- لكن أنا لن انتحر. فجاه استعاد جلادته وانتصب واقفا يسلط عليها نظراته، سأل بشخصية المحقق:- لماذا إذن ذهبتِ إلى ذاك الجسر؟ تذمرت متأففة:- تشعرني وكأني في جلسة استجواب ويجب ان أقدم تقرير مفصل عن تحركاتي ودوافعي. رمقها بنظرة قاتمة فقالت:- أحسست أني منبوذة من كل الأماكن، ولا أحد يريدني.. لم أعرف إلى أين أذهب!. لانت ملامحه قليلا مع همس اعترافها بالتعاسة:- اختنقت .. شعرت بضيق يكبت على أنفاسي فرحت أسوح وأتجول بلا هدف في أنحاء شوارع المدينة.. كنتُ وما زلتُ أشعر أني انتمي لتلك الشوارع والدواوير.. أخذت نفسا عميقا مستأنفة كلامها:- فجأة وجدتُ نفسي أمشي إلى هناك وأقف فوق الجسر المعلق وأفكر بأولئك الذين يأسوا وفقدوا الأمل فاختاروا القفز عن الجسر ليعبروا إلى حياة أخرى. ضرب الجدار بقبضته:- اليأس وفقدان الأمل ليس مبرر كافي للاستسلام إلى كآبة هلوسة الهواجس. - تقول ذلك لأنك قوي ولديك قدرة التحمل.. ليس الكل مثلك.. بعض البشر تحت وطأت الضغوطات يصبحون جبناء وضعفاء في مواجهة مخاوفهم. - وأنتِ مررتِ بلحظة الضعف وتوجهتِ بلا وعي إلى الجسر بسبب خوفك من مبادلتي ليلة حب واحدة أليس كذلك؟.. تقدم نحوها هائجا:- هذا الخوف يجب ان يزول فقد حان أوان تغيير وضعنا. نفت بصوت مكبوت:- لا صاح بنرفزه:- لقد اكتفيت من لا. همت بالفرار لكنه حاصرها بذراعيه القويتان، هددته بالصراخ فأجابها:- أنتِ زوجتي ولن يجرؤ مخلوق على الاقتراب أو التدخل في خصوصياتنا. أضاف متهكما:- اصرخي كما تشائين لن يسمعكِ أحد. تكلمت بأنفاس متلاحقة:- تماما مثلما رفضت أنت ان تسمعني. ضاقت عيناه عابس الوجه:- نعم أرفض سماعك لأن أي حديث وحوار لم يعد يجدي ولا ينفع بيننا. أجابت بهزة من رأسها:- صحيح .. اتفق معك. هبت تصرخ بانفعال بما تكتمه في قلبها:- اذهب أذن لكاتمة أسرارك هدى كي لا تتأخر عنها فالكلام معها أجدى وانفع فهي تسعى باستماتة لنيل رضاك ولا تعارضك بتاتا. زمت شفتيها بقوة وأكملت تهدر بلسان منفلت:- أو اذهب إلى رنيم ابنة الباشا الكبير الذي سيجعلك تجلس في كرسي أعلى وأهم المناصب، وقد يسلمك حقائب وزارية تحتكرها مدى العمر إذا ما تزوجت ابنته.. اطمئن لعبة الباربي الشقراء معك ستكون كالخاتم في أصبعك، ولن تفرق عندها الجهة اليمنى من اليسرى ما دامت ستنام قربك. بل أنها بإشارة منك مستعدة أن تركع عند قدميك. شهاب أمعن التحديق بتعابيرها الممتعضة للحظات ثم صرح ببساطة وصدق:- أنا لا أريد أي منهما. بأنفاس لاهثة رمقته بنظرة جانبية فقال:- لم أشعر يوما اتجاههما أو اتجاه أي أنثى بانجذاب كالذي أحسه معكِ. اقترب منها يطوقها وقلبه يخفق متسارعا، ناجاها برقة وعذوبة:- من بين نساء الأرض كلها أريدكِ أنتِ يا حياة. سحر كلماته دوختها فارتخت ذائبة تشعر بارتياح عارم. رفع يده ومد أصبعه يداعب وجنتها:- حياة الأفضل ان نحسم موقفنا فلا داعي لتأخير أكثر. ابتلعت ريقها وأبت أظهار استسلامها فما زال بينهما حواجز بغيضة تمنع وصالهما، همست:- ليس قبل ان تسمعني ونتصارح. تنهد بعمق :- اكتفيت من سجال النقاش والثرثرة بكلام لن يغير شيئا من أمر واقع لا محال. أصرت بإلحاح:- لكنك قلت أنك ستنتظر وتتفهم حساسية هذا النوع من التواصل، لأنه يحتاج إلى رغبة تتوفر في ان واحد لدى الشريكان لا من طرف أحدهما فقط. - نعم .. ومازلت عند رأيي ان العلاقة الحميمة يجب ان تكون متناغمة متكاملة من طرفين لا من طرف واحد. صدره أخذ يهبط ويعلو يصارع حمم لهفة قلبه، أردف بشوق:- لكني ارغب بكِ. - حتى وان لم تتوفر لدي الرغبة. قال متبرما بضيق:- لقد سئمت المماطلة والمراوغة والمراوحة مكاننا في حلقة مفرغة. أمسك ذراعها النحيف وسحبها يصعد بها الدرج لأعلى.. تخبطت بين يديه:- لا هذا ليس عدلا.. ألا تعنيك مشاعري؟. - لننهي الأمر كي يرتاح كلانا. قالت بسرعة:- شهاب أريد تعديل بنود الاتفاق. أجفل لبرهة خاطفة وبسرعة رد بصرامة:- اتفاقنا غير قابل للمراجعة أو لتغيير. ببرود وقسوة أضاف حاسما قراره منهيا النقاش:- لن أدعكِ قبل أتمام ما عليكِ من واجبات شرعية وقانونية. بعدها أمنحك ما طلبته. ما ان بلاغا الرواق ادخلها إلى أحد الغرف، افلت قبضته فاستردت ذراعها، تحسست أثر أصابعه وعيناها تدور بسرعة تتأمل غرفة النوم الواسعة بفخامة السرير الضخم. تمايلت بوقفتها قليلا تحس بدوار طفيف، صوتها صدر مضطربا:- لستُ على ما يرام.. أشعر بدوار. عقد ذراعيه فوق صدره العريض بهدوء مخيف وقال ببرود:- لا فائدة من أي ادعاءات لتأجيل ما سيكون. انتفضت وهمست بغضب حقيقي :- تعرف أني لا أكذب. - نعم لا تكذبين.. لكنكِ تتعللين بالذرائع والحجج.. إلى متى ستبقى لعبة مناورتك ومراوغتك يا حياة؟ زفر بحنق:- تارة غير مستعدة واحتاج إلى وقت.. وتارة أخرى لستُ على ما يرام والمانع يكمن في دوار. وضعت يدها المرتعشة على جبينها النابض بالوجع ضغطت بباطن كفيها على جانبي رأسها بشدة وصرخت:- لا أصدق.. ما تقوله فظيع.. فظيع.. بدت متعبة للغاية، احتدام شجارهما العنيف استنزف طاقتها، همست بصوت باهت:- لا أتذرع ولا أتحجج ، حقا أشعر بالدوار. قواها خارت فجلست منهكة بتوعك على طرف المقعد واضعه رأسها بين يديها. أتجه شهاب إلى ركن بالغرفة يوجد بها ثلاجة صغيرة تناول منها عبوة ماء، أقترب منها وهو يفتح القنينة ويقربها من شفتيها الجافتين بقول:- أمضيتِ النهار كاملا تتجولين في المدينة تحت لهيب حرارة أشعة الشمس الحارقة. أكمل بلهجة تقريع ملاحظا شحوبها:- بالتأكيد لم تتذكري ان تأكلي. همهمت:- لست جائعة. رن هاتفه النقال فتجاهله.. انحنى نحوها هامسا يتوعدها:- اقسم يا حياة أني سأطعمك غصبا عنكِ. وإذا استدعت صحتك لن أتردد للحظة في خطفك بالطائرة من جديد ونقلك للخارج لتواصلي هناك علاجك. بعفوية وجدت نفسها تسأله: - وهل تفعل كل هذا من أجل أن تقضي معي ليلة واحدة؟ فوجئ شهاب لوهلة من كلماتها التي توحي بنوع خفي من الغواية.. شعر بذبذبات تدغدغ أحاسيسه وتشعل نيران توقه للمزيد من ليالِ الغرام.. لمعت عيناه وقد راق له تحريض تصريحها المستتر، تفرسها بنظرة غريبة فاكتسحتها سخونة شديدة لم تشعر بها في حياتها. عاد هاتفه لرنين فسحبه من جيبه واضطر بصعوبة بالغة إبعاد بصره عنها ليلقي نظره على الشاشة المضيئة.. تردد لبرهة ثم استدار على عقبه وخرج من الغرفة ليجيب على الاتصال الوارد، سمعته يقول:- لا بأس ياهدى.. تعرفي أن لك الأولوية دائما. تهيأ لزويا ان الغرفة رغم اتساعها تضيق وتضيق بحيث لم تعد قادرة على التنفس.. شهاب لا ينجذب لهدى لكن دائما لها الأولوية.. رفعت جسدها عن المقعد ووقفت على قدميها، استغلت عدم انتباه شهاب وانشغاله بمكالمة هدى، مشت تغلب ضعفها وهبطت الدرجات للأسفل ثم انسلت خارج البيت. ساقاها المرتجفة جعلت حركتها متثاقلة صعبة وما ان خطت إلى الأمام وسارت مسافة قصيرة أحست بالأرض تميد تحت قدميها وتلتف بها بدوار مريع.. كانت تالا بالحديقة تقوم بالعناية في حوض نباتاتها العطرية عندما رأت زويا تخرج من بيت شهاب تسير بخطوات متعثرة ذابلة مستنزفة وكأن روح الحياة سحبت منها. ارتعدت أطرافها تتذكر منظر شهاب وصراخه الغاضب الذي زلزل المكان.. تالا لطالما أعجبت بزويا واعتبرت أنها تمتلك قوة وشجاعة غير عادية لقدرتها على الوقوف بوجهه والصمود في مواجهته بكل تحدي دون ان تهاب سطوته، بعكسها طبعا فهي يكاد يتوقف قلبها رعبا لمجرد رؤيته.. خلعت من يديها قفازات العمل ورمتهما بلا اكتراث فوق المقص داخل السلة وأسرعت تحث خطواتها نحو زويا عندما لمحتها تنحني بإنهاك مستندة بيديها على جذع شجرة كي لا تنهار أرضا.. هرولت إليها تساعدها باهتمام.. أسندتها برفق وقادتها بتؤدة إلى القصر. يتبع ... | |||||||
|
| |
|
25-03-19, 07:18 PM
| #646 | |||||||
| نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة
| كلما عادت دينا من الجامعة تسرع إلى غرفة الجدة توجان وتطمئن على صندوق نارت الحبيب.. تتفقده بشغف ثم تعيد تخبئته بين المقتنيات الصغيرة العتيقة للجدة توجان والتي تحتفظ ببعضها منذٌ مئة عام كذكرى من أماكن وأحباب روح فارقتهم.. ثياب أوغل أصحابها بالموت، شاكؤه (عباءة يضعها الفرسان الشركس على أكتافهم) و(قاما) خنجر ذهبي للجد الشهم نارت.. بكرات خيوط وأزرار ومفارش مطرزات حاكتها الجدة بيدها في شبابها حين افتتحت مشغل الخياطة.. نكاشات للبوابير ومفكات صغيرة وحنفية صفراء تعود للبيت الذي سكنته في الحي العربي بعد زواجها الثاني.. زجاجات عطور ومسبحات ملونة جميلة وسجادة صلاة كانت قد جلبتها من السعودية عندما أدت حجتها مع الجد مستافة(مصطفى).. وفي ركن الجارور بالداخل وضعت معدات الموت التي اشترتها منذ سنوات عديدة، الصابون والليفه، المناشف والمسك جميعها مغلفة بعناية وموضوعه فوق كفنها الأبيض.. الجدة جهزت كل شيء لموتها.. حتى الغطاء الثقيل الذي سيوضع فوق نعشها اختارته مع بقية أغراض الموت.. لكن الموت يرفضها وهاهي تعيش حياة امتدت لقرن كامل، الخالق العظيم سبحانه استجاب لدعوات والدها الذي كان يخشى عليها يوم ولادتها ان لا تعيش وتموت بعد أيام معدودة كما حدث مع أبنائه قبلها، حملها بين ذراعيه وخرج بها إلى الساحة وأمام القوم رفعها عاليا نحو السماء ودعا بنشيج من أعماق قلبه الملتاع:- يالله يا من رزقتني هذه الطفلة أجعلها مباركة تكبر أمام ناظري.. يارب بارك لي في عمرها وامنحها الصحة والعافية.. سوف اسميها توجان لتكون لها روح قوية كالجبال وتعيش عمرا مديدا حتى تبلغ المئة عام بحولك وقدرتك يا الهي. ********* بعد اطمئنانها على كنزها السري بأمان توجهت دينا إلى الحديقة لتجلس تحت ظلال معرشات الدالية مع النسوة.. رحبت نالقت بابنة أخيها بابتسامة واسعة فأسرعت دينا أليها تستقر قربها وتعاونها في عمل السبانخ.. على مهل أخذت تفرد الأوراق الخضراء، تصففها وترتبها فوق بعضها فتضع الزاوية على الزاوية حتى تصبح مرصوصة كمجموعة واحدة ثم تعطيها لعمتها كي تزيل الزوائد وتقطعها لتصبح جاهزة في الوعاء الكبير لطهي.. الجدة توجان جلست على المقعد منحنية للأمام مستندة بيديها فوق عكازتها تراقب بدقة كل حركة وخطوة مبتسمة ولسانها يلهج بالتسبيحات.. أخذت دينا تثرثر مع نالقت .. همست بأذنها:- عميمة أود ان أسأل عن الود (الخفاف) هل هم بشر من الإنس أم عفاريت من الجن؟!!.. توقفت يداي نالقت عن تقطيع السبانخ وهتفت:- بسم الله الرحمن الرحيم سلاما قولا من رب رحيم.. سألت بدهشة:- ما الذي ذكرك بالود الخفاف؟!! ردت بصوت خافت:- كثيرا ما سمعت الخالة موليجان تتحدث عنهم.. هل يوجد منهم حقا!!.. هزت رأسها متأففة:- موليجان وتخاريف خزعبلاتها. - الخالة موليجان تقول ان من يعيش قرنا كاملا ويبلغ المئة عام يتحول ليصبح من الود!! تمتمت نالقت :- تلك مجرد أساطير اديغيية قديمة من الزمن الغابر السحيق. - حسنا أرجوك عميمة أخبريني ما تعرفينه عن تلك الأساطير. تنهدت مدركه ان دينا لن تتوقف عن إلحاحها حتى تخبرها بما تعرفه، راحت نالقت تعمل وتروي قائلة:- قيل في أساطير الأديغيين الأوليين عن الود (الخفاف) والعلم عند الله سبحانه أنهم في العهد القديم كانوا مجموعة مارسوا السحر والشعوذة واكتسبوا قوى غريبة نتيجة نوع شراب توصلوا إلى تركيبته من أعشاب على قمة جبل (أوشحة ماقوه).. تلك الأعشاب هي نباتات تنمو تحت الجليد في أماكن وأوقات معينة من السنة ويتم استخراجها من تحت الثلوج.. وبعضها من تلك البحيرة التي لا يعرف أحد مصدر منبعها، ولا يستطيع أن يصل إلى قعرها، يقال أن مصدرها نهر من بالجنة، عندما تتكسر أشعة الشمس على سطحها، تمتلئ المياه الزرقاء بالضياء حتى أعماقها، الناظر يرى كل ما في القاع بشفافية شديدة وصفاء..إذا ما قذفت قطعة معدنية صغيرة فإن القطعة تهبط ببطء متماوجة متدحرجة متقلبة وكأنها شعلة صغيرة تائهة، وعندما تستقر في القاع تبقى مرئية ساطعة كنجوم مضيئة في المياه البلورية.. ومياه البحيرة شديدة البرودة لكنها لا تتجمد، ولا يستطيع المرء الهبوط فيها لغير لحظات معدودة، وتبدو الطحالب والأعشاب المائية خضراء يانعة تتماوج كقناديل بحر.. أما كيف يتصيدون تلك النباتات ؟.. لا أحد يعرف.. ما نعرفه أنهم يستخرجون الأعشاب من أعماق مياه البحر الأسود.. يضعونها في قدر ضخم جدا.. يضيفون إليها بعض المخلوقات البحرية وسموم أفاعي معينة.. ثم يرفعون القدر الضخم جدا على نار هائلة تقام في كهف من الجانب الجنوبي على قمة جبل أوشحة ماقوه.. ويبقى المنقوع يغلي ليلا نهارا لمدة ثلاثة أسابيع يمتد من مولد الهلال إلى سقوطه في المحاق.. وعلى النيران ان تبقى باشتعال مستمر فلا يضعف أو يتراجع لهيبها لحظة.. وفي منتصف الليل الثاني بعد اكتمال سيادة الظلام واختفاء القمر، يشرب ذاك المزيج الذي تم غليه دون ان يترك منه قطرة واحدة.. والشرط الذي يجب ان يحققه الشارب هو أن يكون قد أنهى المئة عام من عمره.. ذاك الشراب يزود من يشربه بقوى خارقة تجعله يستمر في الحياة لمئة عام قادم، وبعد ذلك يجب ان يشرب هذا المنقوع كل مئة عام.. بعد شرب المزيج يمتلك الشارب قدرات كالتحول والتشكل، في لحظات يستطيع ان يتقلص ليصبح بحجم عقلة الإصبع فيمتطي ديوك الحبش ويتنقل وهو على ظهرها بين البيوت في الظلام.. لكن هذه المخلوقات لا تقوى على الاستمرار في العيش إذا لم يتجدد دماؤها بدماء أطفال لا تتجاوز أعمارهم الخامسة. ولهذا لحظة ان يظفروا بالفريسة يمتصون الدم من عرق في عنق الضحية أو إبهام القدم.. والطريقة الوحيدة للقضاء عليهم الإمساك بهم في الظلام وذبحهم لتخرج الدماء من أجسادهم.. ويقال ان الود الخفاف خرج مع من خرجوا من بلادنا القفقاس وعاشوا بين الناس، وهم أشخاص مسنون لا يختلفون عن غيرهم من بني البشر بشيء ولكنهم بالليل يتحولون إلى تلك الأشباح الماصة لدماء الأطفال.. ولكن قبل مضي المئة عام وبقدراتهم العجيبة يتحولوا الى عقبان تطير إلى الكهف السحري فوق قمة جبل أوشحة ماقوه ليقومون بإعداد شرابهم السري ضمن طقوسهم الغرائبية.. فجأة توقفت الجدة توجان عن التسبيحات، رفعت عينيها الزمردية وقالت بصوت عميق:- قديما عندما كنا نقيم في حي المهاجرين، كان لنا جارة قتل زوجها في إحدى الحملات العثمانية ولم يكن لها سوى أبن في الرابعة من عمره، طفل جميل يفض عافية وحيوية.. فجأة مرض وفارقه التألق والنضارة، صحته تدهورت بسوء وتراجعت باستمرار.. أخذ يزداد جفافه مع مطلع كل شمس حتى أضحى ممتقع منهوك ممصوص اللون والدم ضعيف بلا حول ولا قوة.. الجارات اجتمعن حول فراش الصغير وأكدت العجائز قائلات:- أن عفريتة (الود) بخفتها تأتيه فتتزود الشريرة من دمائه النقية. أمي ياميه ستناي أخبرت أبي باباج أنزور وهي تقلب يديها حائرة بيأس حزينة على جارتنا وطفلها، فأجابها:- طمئني بالها سأتكفل أنا بأمر الود. كنت حينها طفلة وطلبت من أبي مرافقته.. مرت ثلاث ليالِ ونحن نكمن في الحوش نمعن المراقبة من خلف شجرة كبيرة .. ولكن الود لم تأتِ.. في الليلة الرابعة جلسنا قرب الشجيرات الكثيفة نختبئ بين الأغصان الوارفة دون ان يغفو أبي للحظة وقد صمم ان يمسك بالود. عند منتصف الليل سمع صوت أجنحة تخفق، كان ضوء القمر يملأ السماء.. ديك أحمر كبير يركض مفزوعا وهو يخفق بأجنحته عن بعد، ثم مر بالقرب من الباب.. قوقأ الديك ودار حول نفسه ثم لم يلبث انطلق هاربا من حيث أتى وكأنه أفلت من قبضة ما.. ساد في ساحة الحوش سكون مشحون بالحذر.. اهتز الباب الخشبي الخارجي وكأن رياح الهواء تحركه، انفتح فجأة على مصراعيه ثم صر الباب وانطبق ثانيه.. مرت لحظات ثقيلة، أنا لم أرى شيئا لكن أبي رحمة الله عليه بدا بهيئة الاستعداد كمن لمح شيئا، علق متمتما:- لقد أتت الود . تمتمت مستغربه :- لا أراها ولا أسمعها. أجابني بهمس شديد:- لأنك مازلتِ طفلة يا توجان.. هاهي متأزرة برداء أسود مزموم حول الخصر وتجري متقافزة على ساقيها العصويين بدون ان يند عنها أي صوت. قطع حديثه ولم يستطع الانتظار أكثر، أندفع نحوها كالزوبعة ليقبض عليها ويلاحقها بين الأزقة والبيوت.. لكن يبدو أنها تملصت هاربة فحين عاد أبي لاهثا وشرح قائلا:- أفلتت من يدي، لم استطع القضاء عليها والخلاص من شرها.. أنها سريعة كالزوبعة.. لا أعرف كيف اختفت عن ناظري.. ربما تحولت إلى عقلة إصبع ضئيل واختبأت في جحر تحت الأرض. لكن بعد تلك الليلة استعاد الصبي نوره وصحته.. يبدو ان الود لم تعد تقارب المنزل وربما تركت منطقتنا كلها.. لكن ما دامت باقية ستظل تمتص دماء الأطفال وخاصة الصبيان أينما وجدوا. يتبع | |||||||
|
| |
|
25-03-19, 07:36 PM
| #648 | |||||||
| نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة
| جاء شهاب إلى القصر لأخذ بعض الملفات الضرورية، أتجه إلى مكتبة فأبصر في الصالون تيتيان منحية تضع يديها على رأسها والشريف طلال يجلس قربها على الأريكة كمن يراضيها. علق بسخرية:- هل بدأتما تعانيان من متاعب الزواج ؟. شهاب يكن الاحترام لزوجة أبيه لكنه لا يستطيع نسيان ما عانته أمه في الماضِ ومصيرها الأليم المفجع. عشق الشريف طلال لتيتيان كان حاجزا أعاق تواصل والديه ورمى بظلال حزن قاتم رهيب في حياتهم جميعا.. أبيه تزوج أمه الأميرة نكاية فقط بحبيبته تيتيان التي رفضته لأنها لم تجرؤ على تحدي قوانين الاديغة الخابزة.. طلال وبعد مدة قصيرة من زواجه اكتشف فداحة خطأه وندم على ما فعله أشد الندم، ولم يقدر على انتزاع محبوبته من قلبه، فلا الأيام ولا سنوات الخصام أخمدت لهيب أشواقه وغرامه.. أمه رفضت حل الطلاق بشكل قاطع ونهائي، ساهمت في ظلم نفسها فعاشت في جحيم الأحزان وماتت قهرا بعذاب مرض اكتئابها الحاد. لمح تيتيان تكفكف دموعها بنشيج، رفع نظراته لأبيه يسأل باحتقان:- شريف طلال ماذا فعلت لتجعل الخالة تيتيان تبكي؟ أضاف بغضب عدائي مكبوت:- ألا يكفيك ما ذرفته المرحومة أمي من دموع بسببك؟ بهت الشريف طلال وامتقع وجهه.. أسرعت تيتيان تنفي ما تبادر لذهن شهاب:- لا يا بني.. أبيك لم يفعل ما يضايق. أكملت مهمومة:- أنا حزينة على حال زويا. تشنج لبرهة واستفسر مرتبكا بلهفة:- حياة !! ما بها ؟. - أنها لا تكاد تتحسن وتقوى ألا وتصيبها وعكة صحية توقعها طريحة الفراش.. أعصابها واهنة ومناعتها مازالت ضعيفة.. تالا وجدتها في الحديقة بحالة يرثى لها وقد عاودتها الحمى ولم تفارقها. عضلات وجهه انقبضت بشدة وفاض قلقه عليها كطوفان:- لماذا لم تتصلوا بي؟ لما لم تخبروني قبل ألان؟ ردت تيتيان:- أنت منشغل بعملك الذي يستأثر جل اهتمامك بالآونة الأخيرة. أردفت وبصوتها نبرات عتب:- زويا قالت انك لم تعد تحبها.. لا يهمك أمرها ولا يعنيك وجودها.. وربما تفضل ان تكون مع غيرها. ابتلع شهاب ريقه بصعوبة بغصة مريرة. قال الشريف طلال:- الطبيب فحصها بتأنِ ووصف دواء جديد لها مؤكدا ان ما تحتاجه الراحة التامة بدون ضغوطات وصدمات عصبية. فتعرضها لظروف نفسية قاهرة أو أي معاناة تضعفها جسديا حد المرض. وقبل ان ينهي الشريف كلامه أسرع شهاب يصعد الدرجات إلى الطابق الأعلى. كانت تالا تقوم بتغيير الكمادات الباردة عن جبين زويا لتخفف من وطأة الحرارة التي استعارت بجسمها المحموم.. ما ان لمحت الشريف شهاب حتى هبت واقفة سريعا، كاد الكرسي يقع لشدة ارتباكها.. رؤيته تصيب قلبها بالهلع والذعر ولا ينفك ينتابها ذاك الشعور الغامض بالخطر. أخفضت رأسها للأسفل وتراجعت للوراء مبتعدة تفسح له الطريق.. كان الضوء الخفيف ينير جزء من الغرفة.. اقترب شهاب من السرير فأشاحت زويا وجهها وأغمضت عيناها الذابلتان لكنها ما لبث ان فتحتهما عندما أحست بالفراش يهبط حين جلس قربها.. قال بصوت متهدج:- يمكنني ان احتمل أي شي على الإطلاق، لكني أبدا لا استطيع احتمال رؤيتك معذبة. بخطوات متعثرة وصلت تالا إلى الباب وهي تسمع رقة بوح شهاب بيك العاشق.. خرجت وقد لاحت على ثغرها ابتسامه خفيفة من مقدرة قلب المحب على الغفران. بطرف أصابعه أزاح خصلة من شعرها الملتصق بجبينها ووضع يده الباردة على جبهتها الملتهبة للحظات ثم أبعدها.. شعرت زويا برغبة أن يعيدها لكنها همست بصوت متحشرج:- لا تهدر وقتك معي فأنت لديك أولويات أكثر أهمية. تصلب متفاجئا وكسى الوجوم وجهه:- حياة .. حين أقول ان هناك أمور لا يمكن وضعها على لائحة الانتظار.. وأولويات أكثر أهمية فأنا اقصد تبليغات واردة من شعبة المعلومات في دائرة المخابرات بشأن الشبكات الإرهابية والمهمات السرية لعمليات والمداهمات الأمنية. بقيت زويا طوال الليل محمومة.. لم تنخفض حرارتها ولم تتعرق، شهاب ضل قربها يجس نبضها ويقيس حرارتها.. تهض وسار إلى الحمام، سمعت صوت تدفق المياه من الصنبور.. بعد لحظات ظهر وتقدم من سريرها ووضع كفه على جبينها ثم فوجئت به يبعد عنها الملاءة الحريرية الخفيفة.. لا إراديا انتفضت مرتجفة عندما حاول مد يده إلى فتحة رداء نومها ليخلعه عنها.. اانكمشت متقلصة فتجهم شهاب عابسا:- ماذا يتهيأ لكِ!!.. همس يطمئنها:- لن يحدث شيء بيننا دون رغبتك وإرادتك. استدرك يشرح لها بتؤدة:- الكمادات الباردة لم تفيد حالتك.. جسمك محموم وأنت بحاجة إلى مغطس ماء بارد لخفض درجة حرارتك. لم تعترض زويا بل أطاعته وأرخت رأسها فوق صدره العريض عندما حملها بين ذراعيه القويتين.. التفهم والاستيعاب، المودة والرحمة بهذه الكلمات قرر شهاب التعامل معها، عليه احتوائها ومراعاة خجلها الفطري واضطرابها الطبيعي، سيأخذ بعين الاعتبار التوقيت المناسب بعيدا عن الاستعجال.. سيقوم بإزالة الحواجز التي تفصل بينهما بروية لا دفعة واحدة. ****************** فجرا انخفضت حرارة زويا ونامت بارتياح وعمق.. اضطر شهاب لتركها والنزول إلى مكتبة لأجراء بعض الاتصالات الهامة وعاد سريعا إلى غرفتها.. هم بالدخول لكنه سمع صوت يتلو القرآن بخشوع شديد.. الصوت الهادئ الشجي يتهدج في تجويد الآيات وينوس في خفوت عجيب كغريقة في أعماق اليم تجاهد لتبقى أنفاسها خافقة، ثم وبشهقة عظيمة ينطلق لسانها فتلفظ لوعتها مع كل شدة وألف ممدودة.. في هذه اللحظات تذكر شهاب أمه، كانت لها ذات الطريقة في استشعار الآيات الكريمة.. دون ان يطرق الباب ولج إلى الغرفة. كانت تالا جالسه على كرسي قرب سرير زويا وبين يدها المصحف الشريف تقرأ بإجادة حد التجلي والسمو.. أغلقت المصحف الشريف ووضعته بتؤدة فوق المنضدة الجانبية.. قامت ورتبت الملاءات حول زويا ثم استدارت لتغادر من الغرفة.. كتمت شهقة فزعها عندما أبصرت شهاب أمامها مباشرة.. عيناه كانتا لا تحيد عن تأمل حبيبته زويا الغافية في السرير ومع ذلك تالا طأطأة رأسها للأسفل.. بهدوء تام خرجت مغلقة الباب وراءها وزفرت بعمق تطلق أنفاسها الحبيسة.. لطالما أصابها الارتباك الشديد عند رؤيتها لشريف شهاب بيك.. حضوره يجعل قلبها يخفق بجنون ذعرا ورعبا، لهذا تتجنب اللقاءات المباشرة معه. وإذا ما صادفته تحاول ان تتوارى سريعا في ركن ما أو وراء أي باب.. فإن لم تجد تثبت في مكانها دون حركة، تخفض رأسها للأسفل وتنحني قليلا بكتفيها باحترام.. تنتظر على أعصابها حتى يتجاوزها لتتنفس الصعداء.. ورغم أن شهاب بيك لم يفعل يوما ما يثير ريبتها، بل هو حتى عندما يمر بقامته المديدة بمحاذاتها عيناه لا تلاحظها ولا تنتبه لوجودها، لا يلتفت نحوها ولا يرمقها بنظراته.. الا أن الخوف يداهمها وتقف متسمرة كاتمة أنفاسها وأوصالها ترتجف يكاد يغمى عليها لشدة ما تهابه وتخشاه.. فزعها منه يجعلها أحيانا برد فعل تلقائي تقوم بتغيير مسار طريقها بالاتجاه الأخر إذا ما لمحته من بعيد يتجول في الحديقة.. سلوك وتصرف تالا الغامض وشعورها بالخطر لم يستطع أحد أن يتبين كنهه، فالشريف شهاب لم يكن يوما سيئا أو جلفا بطريقة تعامله مع الخدم.. مظهره جاد قاسي لكن داخله إنسانا رقيقا عطوفا وتالا نفسها تعرف عنه ذلك أكثر مما يعرفه أي مخلوق.. كانت بالكاد تبلغ الخمس سنوات من عمرها عندما جاءت بها خالتها تغريد إلى القصر لمقابلة الأميرة أم شهاب.. خالتها تغريد عملت خادمة في قصر والد الأميرة منذُ صباها وحظيت بثقة العائلة لأمانتها ونزاهتها ولهذا انتقلت مع الأميرة أم شهاب بعد زواجها من الشريف طلال وتم تعيينها مشرفة ومدبرة خاصة للقصر.. خالتها تغريد تجرأت وأخبرت الأميرة عن أختها التي فجعت بوفاتها وأبنتها الصغيرة:- تالا بلا أعمام ولا أخوال يهتمون ويعتنون بها.. تلك الطفلة مقطوعة من شجرة، بعد الله سبحانه ليس لها غيري.. سيكون مصيرها في دار الأيتام إذا لم آويها بكنفي. أم شهاب تأثرت وتعاطفت معها فطلبت ان تأتِ تغريد بابنة أختها اليتيمة لتراها.. ومنذ ان وقعت عينا الأميرة على تالا أحبتها وعطفت عليها بقلبها الرقيق قائلة أنها لطالما حلمت وتمنت ان تكون لها فتاة جميلة وناعمة.. والله استجاب محققا حلمها وأمنيتها فأرسل تالا إليها. قررت الأميرة ان تكفلها وتشملها بالرعاية وسمحت لها المكوث مع خالتها لتقيمان في غرفة بالطابق الأسفل من القصر. بعد فترة قصيرة أصبحت تالا شاهدة ومطلعة على تفاصيل الأسرار المخفية في القصر المنيف.. وعت واكتشفت حقيقة ما يحدث بداخله من شرخ وتفكك أسري.. الشريف طلال كان دائم السفر والغياب، وإذا حضر يكون مشغولا بإعماله ومؤسساته ومشاريع استثماراته، وبالكاد يمر يومان على وصوله حتى يعلو ليلا الصراخ الباكي الهستيري للأميرة أم شهاب.. كانت تالا في الليل تصحو خائفة على أصوات مشاحناتهما وخلافاتهما.. ولطالما سمعت شهاب بيك يتدخل بين أبيه وأمه ليفض نزاعاتهما وخناقاتهما محاولا التهدئة بينهما لكنهما يعاودان عراكهما باستمرار.. تالا تعلم أكثر من غيرها ان شهاب عاش في قصر بارد خالِ من الحب مفتقدا أجواء العائلة والوئام والضحكات.. تلك المشاكل جعلت حياته جحيما لا يطاق.. لقد رأى من العذاب والقهر أكثر مما ينبغي بين والديه.. الشريف طلال أراد الطلاق لكن الأميرة رفضت بشدة تلك الفكرة من الأساس معتبره ان طلاقه لها ستكون إساءة بالغة في محيطها، وهي لم تكن متهيئة ولا مستعدة لمواجهة المجتمع.. عندما أصر الشريف على الانفصال وترك القصر أنعزلت الأميرة فلم تعد تستقبل أي زيارات من السيدات الارستقراطيات، ولا تذهب إلى النادي الملكي في عطلة نهاية الأسبوع أو تتنزه ممتطية الخيل في نادي الفروسية.. ولا تشارك في احتفالات النخبة الراقية.. خلعت عنها قناع الفرح المزيف والمظاهر المقيتة بالسعادة.. التزمت مرسمها في الطابق العلوي من القصر حيث تبث هموم أحزانها وخيباتها في لوحاتها.. بعد ان سافر شهاب إلى لندن لدراسة في الكلية الحربية.. عانت أمه من اضطرابات نفسية ومرض الاكتئاب الحاد وتدهورت حالتها بشكل سريع ومريع.. انزوت الأميرة غارقة بعتمة كآبتها.. لم يكن هناك شيء يبدد الظلام الذي انطبق بأعماقها وتعذر عليها تفسيره لأحد.. اعتكفت لا تخرج ولا تفتح نافذة.. أقفلت باب مرسمها وأوصدته من الداخل رافضة الاستجابة لأي نداءات من عائلتها أو الخضوع للعلاج في أحدى المصحات النفسية والعصبية.. صمت أذنيها عن إلحاح خالتها تغريد ورجائها وتوسلها المتواصل صارخة تبكي:- دعوني وشأني. خالتها لطالما اتصلت بالشريف شهاب الذي يسرع بالعودة على متن أول طائرة.. لكن أحيانا كان يتعذر الوصول إليه فهو يضطر لذهاب إلى معسكرات تدريبيه في مناطق نائية حيث تنقطع الاتصالات.. في النهاية فكرت تغريد بطريقة ما لتقنع الأميرة بتناول الطعام.. استغلت حبها لتالا الصغيرة فأرسلتها لها متأكدة أنها لن تصدها وتمنعها من الدخول لصومعتها.. وفعلا نجحت خطة تغريد.. تالا بيديها الصغيرة ضلت تطرق باب غرفة المرسم بلا كلل وتحمل أطباق الأكل بل وتحاول بأصابعها الرقيقة ان تطعم الأميرة أم شهاب كي لا يودي حردها من العالم بحياتها. كانت تالا تجلس ساعات طويلة تراقب فيها الأميرة وهي تصلي وتتلو الآيات القرآنية باكية بدموع لا تنضب.. تالا ما زالت تستذكر ذاك اليوم وكأنه حدث بالأمس.. لقد شاهدت بعينيها كل شيء.. ورأت ما لا يجب ان تراه.. قيل ان الأميرة توفيت بسكتة دماغية لكنها تعرف ان تلك ليست الحقيقة.. خالتها تغريد قالت لها بحزم:- ما حدث وشاهدتيه بعينيكِ يجب ان يضل طي الكتمان ولا تخبري به أحدا.. ستكون فضيحة كبرى بمجتمع الأكابر الأشراف. راحت تذكرها:- نحن من عائلة مقطوعة.. عملي هنا في القصر مصدر رزقنا الوحيد وبدونه سنلاقي صعوبات جمة في تدبير شؤوننا ومصاريفنا.. لهذا ان أردنا المحافظة على كرامتنا من التشرد والعوز يجب ان تطيعيني وتنفذي ما أقوله. استطردت تنبها وتحذرها:- شهاب بيك بالذات إياكِ ثم إياكِ ان يعلم أنكِ كنتِ شاهدة على ما جرى وتعرفين حقيقة موت أمه.. نعم هو شاب طيب بأخلاق نبلاء لكن في لحظات غضبه الله وحده يعلم ما قد يفعله بكِ.. قد يقطع لسانك أو يرميكِ في أحدى سجون الصحراء كي يتأكد أنكِ لن تكشفي الفضيحة. تالا نفذت بطاعة ما أمرتها به خالتها ومنذُ ذاك اليوم كتمت في سرها ما حدث، وباتت ترتعب أذا ما رأت أو سمعت أسم الشريف شهاب بيك. وكانت كلما تبؤ مركزا ومنصبا أعلى وأصبح أكثر نفوذا يزداد خوفها وترتاع من سطوة هيمنة صولجانه. نهاية الفصل التاسع بانتظار أرائكم وتوقعاتكم وتعليقاتكم | |||||||
|
| |
|
25-03-19, 07:45 PM
| #649 | ||||
| مسكينة زويا حزنت عليها كتيير 😭😭😭 هدى هي نفسي عنجد تموت بكرهها .. شهاب دب وبغل خلص البنت غلطت معك يا بتطلقها يا بتسامحها وجعتلي راسي بغباءك ..بس الحق ع زويا اللي بطلت تبهدلوا عنجد انه بعض الناس ما بستحقوا غير البهدلة ! تالا اخيرا عرفنا سر خوفها لانها كانت شاهدة ع موت امه يعني هي اانتحرت؟؟ | ||||
|
| |
|
25-03-19, 07:49 PM
| #650 | |||||||
| نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة
| مساء الورد البنفسجي 😍💜 الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 5 والزوار 3) دنيازادة, ahmedman2010, affx, ward77, الياسمين14 | |||||||
|
| |
 |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
71Likes
.png)
العرض العادي
