آخر 10 مشاركات
معلومة بتحكيها الصورة (الكاتـب : اسفة - )           »          رواية المخبا خلف الايام * متميزه و مكتملة * (الكاتـب : مريم نجمة - )           »          الغيـرة العميـــاء (27) للكاتبة الرائعة: فـــــرح *مميزة & كاملة* (الكاتـب : فرح - )           »          عذراء الإيطالى(141)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء1سلسلة عذراوات عيد الميلاد) كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          صمت الحرائر -[حصرياً]قلوب شرقية(118) - للمبدعة::مروة العزاوي*مميزة*كاملة & الرابط* (الكاتـب : noor1984 - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          مع الذكريات(70)قلوب شرقية-للكاتبة المبدعة:منى لطفي(احكي ياشهرزاد)[حصرياً]كاملة&روابط (الكاتـب : منى لطفي - )           »          جارية في ثياب ملكية (60) -ج1 قصور من رمال- بقلم:نرمين نحمدالله *كاملة&بالروابط*مميزة (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree137Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-04-20, 08:25 PM   #1071

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي


**بعد شهر**
**العاصمة**
**المصحة النفسية البروفيسور مختار العربي**


(هل سيرضى برؤيتنا يا عبد الله؟)
همست حليمة بحاجبين مضمومين ككفيها المخفيين داخل حجرها، ترنو زوجها بشرود مغموم، فابنهما الوحيد رفض العودة للبلدة بعد أن تم تأكيد تعافيه نفسيا مع بعض الآثار التي يلزمها مزيدا من الوقت لتشفى كليا وقد كان قبلا يرفض لقاء أي شخص يأتيه للزيارة بإستثناء يوسف بضعا من المرات لم يكن يقول فيها شيئا سوى تحية مقتضبة ثم حركات خفيفة لرأسه وكأن جرأته تخبو بمجرد لقاء يعبر به عن إمتنانه نحو يوسف من جعله الله سببا ليلتقي بالبروفيسور ويتلقى الرعاية الخاصة لوضعه.
(توكلي على الله يا حليمة ... إن شاء الله سيقابلنا... لابد أن يفعل ليشرح لنا خطط بقائه في العاصمة...)
هزت رأسها، تغمغم بدعاء ترجو به الله ثم رفعت يديها تشد بهما على طرفي الطرحة العلوية تحت دقنها بينما الأخرى تسحب بها حافة الطرحة السفلية وعينيها تعودان لتلتهيا بمحيط المكتب الذي يطغى عليه اللون الأبيض فيسود صدرها القليل، القليل فقط من الراحة في انتظار رؤية فلذة كبدها، تكحل بمرآه عينيها المشتاقتين إليه، عل نار لهفتها إليه تخمد بضمه الى صدرها المحترق شوقا وتوقا لرائحة ابن بطنها وقلبها.
(لماذا برأيك علوان يرفض العودة الى البلدة؟)
كان ذلك جرير الذي أصر على مرافقتهم حين علم من يوسف عن تطورات علوان، ليقرر أنه حان الوقت ليقابله بنفسه ويطمئن عليه، شيء ما يحثه على لقاء علوان.
خذلانه المصاحب لعقله منذ أن فقد خيوط استرداد الحق الكامن في انتقام عادل لما حدث لوالديه يعشش داخل أحشائه فيخبو تارة أمام سعادته التي يعيشها مع أسرته الصغيرة ويكشف عن نواجده المفترسة تارة أخرى أمام ذكريات الألم وعلوان نقطة بيضاء، دائرة انتصار على المجهول بهويته والمعلوم بظلمته وظلامه، علوان نقطة كسبها في حرب حياته ضد من دمروا حياة أهله ولم يستطع أخذ حقه منهم.
(لدي فكرة...)
تحدث يوسف بهدوء في جلسته الأنيقة على أحد المقعدين قرب المكتب قبالة جرير في حين تركا الأريكة لخاله عبد الله وزوجته حليمة.
نظر إليه جرير بفضول، يصغي لتتمة حديثه الخافت نوعا ما.
(نفس ما دفع بسلا لترفض الاستقرار بوادي الحقول... عدم تجاوز الماضي... والخوف من الذكريات السيئة... علوان لم يتعافى كليا بعد... يلزمه الكثير من الوقت كي يتجاوز ما حدث له... لذا أنا اعذر رفضه العودة للوادي...)
هز جرير رأسه بتفهم وقال بإشفاق.
(لم يكن سهلا ما طاله من أذى وكاد يدمره فعلا.... )
ثم تنهد، يكمل.
(الحمد لله على كل حال...)
غمغم يوسف بحمد الله ثم نظر الى ساعته، يعقب برجاء.
(اتمنى فقط أن نسرع ونعود إلى البلدة ... سارة لن تسامحني إن تأخرت على موكبها...)
التقطا صخبا عند الباب فالتفتوا ونهضوا جميعا مع دخول البروفيسور، يستند على عكازه ملقيا التحية ببشاشة لا تخلو من نظراته الغامضة.
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... اعتذر عن التأخير...)
أومأ لهم دون مصافحة ثم تراجع لينادي على من تجمدت قدماه على عتبة الباب فأومأ له بتفهم.
(خذ كل الوقت الذي يلزمك...)
تركه البروفيسور داخلا، يبادر بالحديث مع أهله فازدرد ريقه لتعلو كفه تلقائيا تتفقد رأسه، تحديدا خصلاته المستطيلة حتى بداية رقبته ونصف جبهته ولا ينوي تقصيرها.... أبدا!
تخللها بأصابعه يتحسس تجعدها، شيء آخر يتعمد فعله، يمقت نعومتها فيثير بها فوضى تفهّمها البروفيسور منذ أول يوم فاقترح عليه حلقها لكن الهلع الذي لابد نضحت به مقلتيه تعبيرا عن انتفاضة أحشائه دحض استنتاجه الأولي ليبدأ في طرقه الخاصة التي أوصلته لحقيقة أنه يعاني مع نعومة خصلاته كما يرتعب من أي تهديد بحلقها فجلب له منتوجا ليجعد به شعره حينها تأكد له إحساس الطبيب بما يغمر خلجات نفسه.
الآن وقد تكوم الشعر فوق رأسه لا يبدو عليه أنه اكتفى، يستمد منه ثباتا غريبا لا يفهم معناه الى لحظته تلك كما لا يفهم بعد باقي تصرفاته التي اكتسبها في طريقه للتعافي واسترداد وعيه الشبه غائب لسنوات مرت عليه بعذاب لم يدرك جل وجعه إلا مع بداية سبيل الصواب.
(أنت قوي علولي... )
رفرفت رموشه السوداء مرات عدة والبسمة المفعمة بكآبتها تزحف بتثاقل على شفتيه المقوستين دوما قبل أن تنزل كفه تلقائيا وبروية إلى جانبه.
(تذكر هذا وأنت تخرج من هنا...)
لم يستدر إليها متعنتا، مصرا على تحديها، تلك الطفلة الصغيرة بقامتها وسنها الطفولي، الخارقة بذكائها وفطنتها المكتسبة من التصاقها الدائم بوالدها.
استعاد وعيه تدريجيا ليجدها تقتحم عليه عالمه المربك بكلمتها ونظراتها الشبيهة بوالدها، لا تخشى أحدا ولا تتصرف مطلقا مثل الأطفال في مثل سنها.
إرتفعت زاوية شفته العليا بمكر تسلل ليتلاحم مع وجوم مزاجه حين إسترجاعه لمحاولاته بإخافتها ولقد نجح مع والدتها يوما وممرضه المرافق ولم ينجح مع إثنين واحد لم يكن ليتجرأ على المحاولة معه حتى والثانية برهنت على كونها إبنة أبيها حقا.
(ستبقى صامتا هكذا رغم مغادرتك الوشيكة...)
تجمدت ملامحه فجأة وغابت الحياة عنها، سيغادر ... سيغادر!
سيتخطى أسوار محيط أمانه ويخرج إلى الغابة مجددا، سيقابل الناس ويحتك بهم ويسخرون منه، يؤذونه، يضمرون له الشر ويسحروه ليدمروه.
إنقبض قلبه بشدة وجف حلقه فإرتفعت كفه مجددا إلى شعره يتخلل خصلاته المجعدة بينما الأخرى تمسد قميصه البني الرسمي المغلق الأزرار إلى آخر زر فوق الفجوة بين عظمتي الترقوة وسرواله القطني الكلاسيكي بلون بني باهت دون أي ميزة محددة.
تبدو هيئته الغريبة مناقضة جدا لوسامته البرية.
بلى هو وسيم!
والجميع يخبرونه بذلك من بينهم ممرضة حاولت التقرب منه رغم تحذير زميلاتها الذي سمعه بأذنيه وحين حاول إخافتها تحققت من ظنون غيرها فإرتعبت وتراجعت رغم الحسرة التي ترمقه بها كل مرة كدليل على خسارة الوسامة في الجنون!
(علولي...)
تحكم في إنتفاضة كانت لتفضح رعبه وهو الذي أقسم بأن لا يخاف مجددا وإن فعل لن يعلم أحدا بذلك ولو لفظ في سبيل شجاعته الظاهرة آخر أنفاسه وعلى رأي البروفيسور ما نتظاهر به اليوم ونصر عليه غدا سيكون يوما ما هدفا محققا لا محالة
سيتظاهر ويتدرب حتى يحقق الهدف ويوما ما بعون الله سيكف عن الهلع وحتى يحصل ذلك لن يقرب المكان الذي يجسد أشد كوابيسه ظلاما ورعبا... وادي الحقول.
رفرفت رموشه مجددا بتلك الطريقة التي يتمالك بها نفسه واللحظة وجيزة سمح لكفي الفتاة الصغيرتين جدا الدافئين جدا جدا بإحاطة كفه الخشنة الضخمة فتربت على قلبه المكلوم بمسحة حنان كنسيم بارد يتحدى موجة الحرارة الملتهبة أو كملمس بلسم ناعم يتحدى معاناة الوجع.
(ستكون بخير علولي... إحرص على إثارة خوفهم ... وستكون بخير إن شاء الله...)
خفض رأسه نحوها مستغربا لأول مرة ينظر إليها مباشرة، دوما كان يتجاهلها إستخفافا أو إمتعاضا ثم يراقبها عن بعد كمشهد ممتع لعينيه ومثير لحيرته وفضوله.
تبسمت تلاعب بحاجبيها الشبيهين بخاصة والدها، في الحقيقة كل ما فيها شبيه بوالدها، قطعة من البروفيسور صغيرة تمشيي على رجلين، تتصرف كما يتصرف وتتحدث كما يفعل بإستثناء أنفها الرفيع المرتفع بأنفة شبيهة بوالدتها، تلك التي رآها مرات قليلة لم تكن أي منها لطيفة.
(لقد كسبت ونظرت إلي أخيرا....)
عبس بشدة وسحب كفه بعنف لم يجفلها تقفز بنصر ملأ وجهها الصغير ببسمة متسعة، تلك القزمة بفستانها الزهري وشريطة الشعر الطفولية السخيفة، تسخر منه وتحتفل بنصرها السخيف مثلها.
(طفلة سخيفة!)
لم يدري بأنه نطق بها إلا حين تجمدت ترمقه بذهول جمده مكانه، ينتظر رد فعل ناري من الذي تخص به كل من يتجرأ عليها لكنها ما لبثت أن أشارت إليه تسأل بدهشة صادمة، مضحكة في حقيقتها.
(هل تحدثني حقا؟)
توالت حركات رمشوه واحدة تلوى الأخرى، يحاول التوصل لحل مع هذه المخلوقة الصغيرة قبالته.
(أخيرا... يا إلهي!... لقد كنت محقة في ما توصلت إليه... حسنا لا تخبر أبي بأنني أحثك على إخافة الناس... لكنني لاحظت بأن ذلك يؤمنك وسط محيطك فتهدأ أكثر حين يخشونك ويبتعدون عن طريقك...)
لا يزال على جموده، يحدق بها بتركيز يستجلبه أقوى كلما رف بجفنيه أكثر، يصغي لتلك القزمة وما تهذر به من سخافات مثلها فهو لا يتعمد إخافة الناس ليؤمن نفسه بل...!
بل ماذا يا علوان؟
(هيا علولي أدخل إليهم قبل أن يقرر والدي أنك لازلت بحاجة للبقاء في المصحة...)
وهل يريد أن يغادر؟
تساءل ونظراته تهيم بشرود عميق وعى منه على تأفف الصغيرة، تستدرك بضجر.
(ليس الآن... هيا تحدث مع عائلتك وأخرج من هنا... يجب أن تجرب نفسك وسط الحياة ... وسط الناس لتقوى أكثر وتزيد ثقة بنفسك أكثر بابا يقول بأن ذلك مهم جدا ... وإن فشلت... هنا ينتظرك على أي حال... وستجديني في إنتظارك أيضا لأسخر منك... وأحقق فوزي القادم عليك...)
رفع رأسه وإحتدت نظراته المظلمة، لتنغلق قسماته في وجهها الطفولي الماكر بينما هي تهز كتفيها بإستخفاف وترفع دقنها بإستعلاء متحدي ليستقيم بقامته الطويلة، يرميها بنظرة ممتعضة أخيرة قبل أن يشيح بوجهه عنها ويتخذ خطواته الأولى نحو الحياة.
............

**وادي الحقول**
**منزل فواز**

قطع الردهة نحو المطبخ حيث يجدها عادة قبل الظهر، تعد الغداء لكن خطواته الحثيثة إنحسرت مع نداء والدته من غرفة الجلوس فغير وجهته إليها مقبلا رأسها يلقي عليها التحية.
(عليكم السلام بني... لم عدت باكرا؟)
لم تمهله تبادره بتوجس تجسدت به نظراتها التي طرفت إلى باقة الورد في يده مع علبة شكولا ملفتة.
(ماذا حدث؟... هل أغضبت زوجتك مجددا؟)
تجعدت ملامحه إستنكارا، يدافع عن نفسه.
(لماذا تحسبين ذلك أمي؟... جلبته لها لأنها تحب الورود والشوكولا من أجل وحمها...)
رفعت حاجبها ترميه بنظرة ذات معنى، وعادت لإستلقائها بصمت
إتهامي فتنهد بإحباط، يقر بضيق.
(سأخبرها بفعلة والدها ... لذا جهزت نفسي ...)
انتفضت والدته من رقدتها، تهتف بخوف.
(الفتاة حامل في شهرها الأخير... إن أصابها مكروه أو حفيدي سأكسر رأسك بعصى عكازي ... وأنا جدية هذه المرة...)
طغى العبوس المتظلم على وجهه، يجيب بأسى.
( إنه طفلي أيضا يا أمي.... ألن ترضي عني أبدا؟... أنا أحاول جديا وأنت لا تساعدينني بقسوتك علي...)
تخصرت وهي على جلوسها، برفض ظاهري.
(دللتك لسنوات طوال فكانت النتيجة مصائب كبرى على رأسي... لذا يجب أن أقسو عليك لسنوات أخرى معادلة... إن كنت أعلم بأنني لن أعيشها كلها لأرى النتائج...)
إهتزت حدقتيه بخوف وقلق حقيقين وإنحنى يقبل رأسها وكتفيها، معاتبا.
(بارك الله في عمرك أمي ... لتفرحي بحفيدك إن شاء الله وتختاري له عروسه بإذن الله....)
ضحكت تلقائيا بدافع السرور والبهجة لذكر الحفيد المنتظر وربتت على خده، تهادن الهلع المطل من مقلتيه فهي متيقنة من تعلقه الشديد بها وحبه الجارف لها وهذا ما تستغله حاليا لتقوّم به إعوجاجه، داعية الله أن يهديه إلى الطريق المستقيم.
(بارك الله فيك... إذهب بني... لكن راعي حالتها وليحفظكما الله... ويحفظ إبنكما..)
تنفس بعمق وغادر نحو المطبخ، تشيعه دعوات والدته القلقة.
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...)
ألقاها والِجا المطبخ فرفعت رأسها عن مكونات السلطة، تقطعها على طاولة المطبخ، تبتسم له بإتساع ضاق رويدا رويدا مع ملمح الباقة وعلبة الشوكولا.
(عليكم السلام و.... مم...)
صمتت لبرهة تحقق في باقة الورود ثم إرتفع بصرها إلى بسمته التي تعرفها جيدا حين يشوب القلق صفاء بريقها بسبب مصيبة قام بها أو ذنب في حقها.
اللعنة! كانت متأكدة حين قبلت منه الورود أول مرة أخطأ فيها أمام عينيها وبحلق في إبنة مساعدة خالته أنها أساءت التصرف لتمسك به يوما بعدها يستجيب لحديث إبنة الجيران المائع، تسأله المساعدة في جر حاملة قنينة الغاز ورغم قسمه أنه لم يساعدها بسبب مقوماتها الفاتنة ولا نبرتها المائعة إلا أنها لا تنسى مطلقا الطريقة التي تطرف به عينيه نحو تلك المقومات ولو للحظات قليلة فتُمَنى بأسوء التوقعات والتخيلات لما يفعله بعيدا عنها.
غمرها غضب أسود عاصف وأقامت الدنيا ولم تقعدها مسنودة بوالدته التي على ما يبدو تناصرها في تقويم عيوبه لكنها سريعا ما رضخت لغزله الساحر المرفق بهديته التي أضاف عليها علبة الشوكولا الفاخرة واللعنة على ضعفها!
لقد أخطأت وسيتخذها عادة يظن أنها ستشفع له.
(ماذا فعلت؟)
أشارت نحوه بالسكين فإتسعت مقلتيه صدمة، يتأمل ضيق مقلتيها الناضحتين بريبة لم تخفها عنه.
(أنتم تظلمونني.... حقا!)
رد عليها متأففا ثم سحب كرسيا جوارها ليحتله أمام عقدة جبينها الحائرة.
(تفضلي!)
وضعهم جوارها على المائدة، يستدرك برقة.
(أعلم أنك تحبين رائحة الورد الأحمر... ومذاق الشوكولا رغم إنتهاء مرحلة الوحم...لذا جلبتهما لك .... الورد للورد كما يقولون... وأنت وردة حياتي العطرة...)
كانت لتصدقه لولا تلك البسمة اللعينة والنظرة المضطربة، كم يفاجئها مدى معرفتها به وكأنه كتاب مفتوح لها تقرأ سطوره بكل بساطة ويسر.
(ماذا يحدث فواز؟... )
رفع حاجبيه فأسرعت، تكمل بتحذير.
(تحدث!)
زفر بإنزعاج يخبرها.
(أنت لا تسهلين شيئا على فكرة... كيف يفترض بي إخبارك الآن؟... وأنت هكذا!)
لوح بكفه فوضعت السكين وبلمسة خاطفة سحبت طرف المنديل الصغير الذي طوقت به مقدمة شعرها المعقوص خلف رأسها، تستفسر بريبة.
(ماذا حدث؟)
هز رأسه بلا معنى وقال بينما يمسد على لحيته تارة وعلى جلبابه تارة أخرى
(لا تحزني... وتمالكي نفسك ولا تنسي إبننا ...)
بللت شفتيها وقلبها تزداد دقاته فتتسابق أفكارها إلى طرح التوقعات الممكنة قبل أن تتجمد داخل رأسها مع بقية حديثه.
(والدك تزوج... وزوجته تسكن معه في منزله... أقصد منزل أهلك... )
راقبها بحذر ينتظر أي رد فعل منها، إنتظر وإنتظر ثم لا رد.
عادت إلى ما تفعله بصمت مستسلم فظن أنها لن تجيبه وهم بفتح فمه، يسألها بنفاذ صبر لكنها سبقته بسؤال مغاير.
(هل أحضرت الورود والشوكولا لتواسيني؟)
قرب يده من كفها وقبض عليها لتتوقف عن تقطيع الطماطم، يجيبها بعاطفة صادقة.
(بلى... لا أريدك أن تحزني... ولا أن يصيبك مكروه...)
أومأت تضغط على شفتيها لترفع وجهها إليه، تسأله بوجوم.
(كيف حالها؟)
لوهلة تاه عن قصدها قبل أن يجيب بضيق.
(كما هي... لا جديد...)
إلتوت شفتيها ببسمة تهكمية باردة وربتت على كفه، تعقب بإمتنان.
(حسنا لا بأس!.. أبي في النهاية رجل لن يظل من دون زواج... مع أنني لا أعلم ما حاجته بها وهو دائم الغياب عن البيت...)
تنحنح يطرق برأسه فإستطردت تفسر عنه ما قرأته على ملامحه قبل أن يشيح بها عنها.
(أعلم ما تفكر به... ربما كان يهرب من البيت بسبب والدتي... )
هزت كتفيها، تضيف بمرارة.
(ربما... لكنني كنت هناك... أحبه وأعد له ما يأكله وأعتني بما يخصه فلماذا لم يعتني بي في المقابل؟)
رمقها بإشفاق فتنهدت بإستسلام كئيب، تكمل بينما تلتقط السكين.
(بارك الله له... لا عليك حبيبي ... إنسى الأمر..)
دغدغت حنايا قلبه بكلمة حبيبي التي لا تنتطقها سوى في محلها فإقترب منها يقبل وجنتيها تباعا، يهمس لها بحب.
(لا تحزني يا جميلتي... كل شيء سيكون بخير ... إن شاء الله)
التقط شفتيها برقة قبل أن يتركها حين عقدت جبينها، تهمس له بلهجة حائرة.
(فواز... أشعر بالبلل يسيل بين ساقي... )
قفزا حاجباه ثم ضمهما لبعضهما، يعاتبها بخفة.
(ألم تقولي بأن الأمر لا يهمك؟.. ما بك إذن؟)
بلعت ريقها والوجع الخفيف تحت بطنها يشتعل من عدم، يثير الرعب في خلجاتها، إنها تلد!
حدقت به جاحظة العينين، تهتف بحنق.
(بالتأكيد أمر والدي يهمني... إنه والدي ... لكنه ليس السبب!...)
إستشاط غضبه من علو صوتها وحدة نبرتها، فعلت نبرة صوته هو الآخر، يصيح بعصبية جذبت والدته إلى المطبخ، تعرج على عكازها وتدعو الله السلامة.
(وما هو السبب يا حكيمة زمانك؟...)
نهضت بصعوبة تتحامل على ألمها الذي يسري بين عظام ظهرها وأسفل بطنها، مشيرة بالسكين في وجهه، تصرخ بألم دفع بالإدراك ليجتاح وعيه بالعلم والهلع.
(أنا ألد يا رجل.... ألد!... آآآه!)

يتبع

noor elhuda likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:27 PM   #1072

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**منزل بهيج ونهيلة**

عاد من صلاة الظهر وأغلق باب شقته بهدوء، يبحث عنها بين جدران حملت من لمساتها الخاصة ما يجعله يراها في كل زاوية أو على سطح كل جدار.
هنا علقت لوحة ورود بحواف فضية من نفس شكل الورود وهناك علقت فوانيس صغيرة من صنع يديها كذلك، من الفضة بنوافذ صغيرة زجاجية تحمي شعلة الشمع وتمنحها وهجها بريقا ساحرا.
كل ركن من شقتهما الصغيرة لها فيها لمسة تعنيها، رمزا يصرخ بإسمها فلا ترحم قلبه المتوله بحبها والمتمرغ بين نوبات طبعها المتقلبة، أحيانا عاشقة حد فقدان أعصابها غيرة عليه وأحيانا عطوفة حد الذوبان كأم حنونة وأحيانا أخرى شقية كصديقة مرحة تلهو معه ببال مرتاح لا يحمل هم الدنيا ولا ما يزعج صفاء علاقتهما بين الفينة والأخرى.
على ذكر ذلك إختفت بسمته حين لم يجدها وهرول إلى غرفة نومهما، خافقه ينبض بسرعةٍ هدأت بينما يزفر أنفاسه براحة ويتقدم نحوها ليستلقي جوارها.
تأملها بحب في منامتها الصيفية المكونة من قطعة واحدة، فستان إلى ما قبل ركبتيها بقليل، يضيق حول خصرها ليتسع حول نصفها السفلي بفتحة عنق واسعة.
إرتسمت البسمة العابثة على شفتيه، يحرك كفه إستجابة لإلحاح قلبه الذي يهفو إليها وقبل أن يصل لبشرة وجهها توقف يتفقد تغير قسمات وجهها من إرتخاء إلى تشنج أثار قلقه عليها.
تغرق وسط مشاهد تبدو حقيقية بطريقة مقنعة فها هي وسط غرفتها، مستلقية على سريرها تتأمل سقفه قبل أن تستدير باسمة بسرور ممزوج بحيائها الفطري لتمارس طقسها الجديد بتأمل وجه حبيب قلبها كما لم تعتد بعدُ على فعله حين صحوه لكن ما وجدته قرب وجهها جسده المدثر بشعر، شعر أسود طويل يلف أطرافه كالكفن، بلعت ريقها بهلع تمكن منها دفع بالدماء لتسيل كالحمم تتسابق عبر شرايينها، همت بتحريك يديها فلم تستطع، طفرت الدموع من عينيها وهي عاجزة عن التحرك تنظر إليه بهلع يبدو لها وجهه بعيدا خلف الخصلات السوداء المخيفة وفي لحظة انبثق لها وجهٌ بشع من بين سواد الشعر فجأة، يصرخ بنبرة مريعة.
( إنه لي ولن يكون لك أبدا!...)
إنتفضت من مكانها وإهتز جسدها بعنف فضمها إليه وللحظة قاومته بشراسة فطوقها بقوة، يهمس لها بلهجة مهدئة.
(إهدئي نهيلة.... إهدئي حبيبتي.. إنه أنا....)
إستكانت بين ذراعيه رويدا رويدا تلهث بشدة، تتشبث بذراعيه وكل ما فيها يرجف.
(ما بك حبيبتي؟... ماذا حدث؟)
مرغت وجهها على صدره، تجيب بتقطع.
(كابوس... يا الله... لقد كان حقيقيا...)
أبعدها عنه لينظر إلى وجهها المحمر فهاله ما وجده من هلع متجسد في اتساع مقلتيها وأنفاسها الساخنة المتلاحقة.
(بسم الله الرحمن الرحيم... إهدئي... أذكري الله كي تهدأي...)
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. )
تعيدها بلهجة مرتعشة وحين بدأت تتمالك أعصابها المنفلتة، إستلقت مكانها، تخبره بضيق ممتعض.
(قالت أنك لها ولن تكون لي أبدا...)
أدرك ما تعنيه ليطغى البرود على سحنة وجهه، يفكر بشرود لم تسمح له بالغوص به إذ أمسكت بيده ليلتفت إليها، فيسألها بوجوم.
(إنهم يعبثون بك.... هل أنت على وضوء؟)
إنتابها حرج ضاعف من توهج وجنتيها التين غطتهما براحتيها، تجيب بحياء الفتيات الصغيرات.
(إنه ذلك الوقت من الشهر... لذلك شعرت بالتعب وغادرت شقة آل عيسى لأرتاح قليلا قبل العودة من أجل موكب العروس...)
رقت ملامح بهيج وإستوى جوارها، يرخي أطراف جسده عن تصلبها السابق، يداعبها بالقول.
(تتعبين نفسك نهيلة... ولا تمنحين نفسك ما يكفيك من النوم والراحة...)
غلبها شعورها المرهق لقلبها كلما نظرت إلى زرقاوتيه فهربت منه كعادتها تغلف ردها بحنق طفولي متعمد.
(ذلك ما كنت أحاول فعله قبل قليل لولا إقتحام الخصوصيات الجائر... جميع الفتيات يغرن ويخشين على أزواجهن من بنات آدم وأنا المحظوظة أبتلى بجنس آخر وكأن بنات آدم لا يكفين...)
وجم مجددا يرمقها بإعتذار جعلها تزفر بحنق أكبر، ضمت وجهه برقة، تهمس له بنعومة.
(لا تعبس هكذا من فضلك.. لقد نسيت أذكاري وحتى القرآن لم أخصص له وقتا اليوم وأمس بسبب العرس... إنه خطئي أنا...)
طوق خصرها يقربها منه، يجيبها بقلق تجلى في حدقتيه المتفحصتين لها بلهفة.
(بل خطئي أنا لوحدي... لن أسامح نفسي لو حدث لك مكروه لا قدر الله... لن أسامح نفسي أبدا...)
قبلته ثم ضمت نفسها إليه تهادنه بالقول.
(لا تقلق... لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا... )
خبأها داخل حضنه وبدأ بتلاوة القرآن، يدعو الله بأن يحفظها له من كل شر، ويبعد عنهما شياطين الجن والإنس ولم يكد ينهي أول سورة حتى شعر بها تنام بين ذراعيه قريرة العين كقطة وديعة محببة.
.....................

**ليلا**
**منزل الفقيه عبد العليم**
بإصرار متعنت تجاهل عادات أهل البلدة و قرر مرافقة موكب إبنته ليوصلها بيت زوجها، ترجل من السيارة بقيادة يوسف وفتح الباب لصغيرته، يلتقط كفها من تحت الطرحة التقليدية للعروس والتي إختارتها من بين قصات عرضتها عليها نهيلة سلبت لبها وصعّبت عليها الخيار لكنها في النهاية إقتنت واحدة من التل الأبيض غير مطرزة إنما مطعمة بوردات بيضاء تناثر عليها لؤلؤ صغير فضي من صنع نهيلة طبعا.
ضمها والدها من كتفيها يهمس لها بلهجة متأثرة.
(لو كانت والدتك حية لأحيت الأفراح سبع ليال متتالية... سامحيني إن قصرت في شيء صغيرتي ... لكن إعلمي أنني ما دمت حيا فسأكون في ظهرك... لا تخشي شيئا إلا الله وأنا حي أرزق ... حتى وأنا هناك في الغربة لو إحتجتني أركب أول طيارة لتجديني قربك .... إعتني بنفسك جيدا...)
قبل رأسها وتلكأ هنالك قليلا، يتمالك نفسه مستشعرا بكائها في نبرتها المرتعشة.
(بارك الله في عمرك وصحتك بابا... ولا حرمني الله منك ومن وجودك في حياتي... إرضى عني بابا.. أغلى أمنياتي وما سيريح بالي...)
أخذ نفسا عميقا يلجم به سيول دموعه الحارة وهمس لها بينما يشد على كتفيها بقوة حانية.
(أنا راض عنك يا مجنونتي... فقط كوني سالمة وسأكون راضيا دوما... )
بللت شفتيها وإرتفعت لتقبل وجهنته من بين طرفي الطرحة قبل أن تعود لإخفاء وجهها.
(أبي...)
أجفله نداء يوسف الهادئ فالتفت إليه بشرود لحظى ليشير له مستدركا بإشفاق.
(الناس ينتظرون...)
هز رأسه مرات عدة قبل أن يطلق سراحها أخيرا فترافقها سلا التي راقبت المشهد منذ البداية بملامح حزينة غارقة في دموعها.
تعالت الزغاريد بين النسوة يدخلن العروس بيت زوجها بينما تراجع والدها، يلتصق بالسيارة قرب يوسف الذي مسد على ذراعه بلطف ومراعاة.
(لا تقلق أبي... ستكون بخير بإذن الله... إنها سارة...)
هز رأسه ينفض عنه الحزن الذي غمره متذكرا زوجته، يتمنى لو كانت إلى جانبه فتهون عليه فراق صغيرته.
(في الحقيقة أنا أخشى على محسن من جنونها...)
دهش من قول إبنه فالتفت إليه مستنكرا ليرفع يوسف كفيه باسما بمرح.
(محسن رجل بسيط ..حياته واضحة وطباعه مسالمة... وصغيرتك ....مجنونة..)
عبس والده، ينهره بجفاء.
(لا تقل ذلك على أختك.... لن يجد صديقك مثلها ولو كان فقيها في كل العلوم وليس الشرع فقط...)
ضم يوسف شفتيه، يكتم الضحك واكتفى بهز رأسه فإلتفت صلاح الدين يرمق مدخل بيت الفقيه عبد العليم بنفس العبوس للحظات قبل أن تلين ملامحه قليلا ليستردك معترفا ببعض المرح الواجم.
(بلى... إنها مجنونة...)
أطلق يوسف سراح ضحكة رزينة مبتهجة فشاركه فيها والده ليظهرا لمن يراهما متشابهين مع فارق العمر ببدلتيهما السوداوين بالغتي الأناقة.
بعد لحظات تركه يوسف برفقة الفقيه عبد العليم لينضم إلى أصدقائه المجتمعين بعيدا قليلا عن مدخل البيت في إنتظار زوجاتهم أو قريباتهم فينصرفون معهن.
(كيف الحال يا شباب؟.. فواز مبارك عليك ما وهبك الله...)
ربت على كتفه، يبارك له مستدركا بحبور.
(سآتي للزيارة بإذن الله مع حياء وسلا لنبارك لكم..)
(بارك الله فيك يا يوسف... مرحبا بكم في أي وقت...)
أجابه بإمتنان ليتدخل مؤنس، يعقب بسخريته المعهودة.
(جاءت الفتاة... وجاء الصبي.... يجب أن نسرع يا يوسف وأنت يا بهيج... يجب أن لا ندعهم يسعدون بتقدمهم علينا ... )
زفر جرير بضجر والبقية، يبتسمون بيأس فتدخل محسن يعقب بلطف.
(لسنا في سباق يا فواز... ندعو الله الذرية الصالحة... والبركة في الرزق.... )
(آمين ... آمين يا فقيه... أنا أمزح فقط....)
ببسمة سمجة أجابه، ليكمل بمكر.
(لكن هذا لا يمنع .... يجب أن نسرع بالإنجاب مثلهما...)
ثم أسرع يستفسر من فواز بنفس المرح الطاغي على حوارهم وملامحهم المسترخية.
(ماذا ستسميه يا فواز؟.... من فضلك إختر له إسما جميلا وكفانا من الأسماء المتكررة في بلدتنا...)
إبتسم فواز مستحضرا وجه إبنه الصغير والأهم بهجة زوجته المفاجئة له شخصيا وكأن تقاسيمها المغمومة دوما أشرقت بأنوار متوهجة، شاركتها بها والدته كما لم يتوقع أن يتأثر هو بحالتهما فتشتعل جذوة دفئ سارّة وسط قلبه لتنتشر عبر خلايا صدره إلى أطراف جسده.
(سنسميه الحسن على إسم والدي رحمه الله.... )
ترحموا عليه ومؤنس يعقب برفض.
(الإسم شائع في بلدتنا يا فواز ... لم لا تختار له إسما جديدا لا يتوه به بين المئات ممن على نفس الإسم؟)
رمقه جرير بإستنكار لتدخله في ما لا يعنيه فأشار له فواز بمهادنة يرد على مؤنس ببشاشة.
(والدتي طلبت مني ذلك... وطلبات أمي أوامر أنفذها بطيب خاطر...)
أمال مؤنس رأسه بتفهم ومحسن يتدخل بلهجة مستحسنة.
(بارك الله فيك يا صاحبي ورزقك رضاه ورضى والدتك... تمسك ببرها واحرص عليه يا فواز... فوالله إن البر بالوالدين كنز عظيم... وسبب لتنزل رحمات الله على عباده....)
لمح مؤنس زوجته تعبر عتبة منزل الفقيه عبد العليم برفقة والدتها وشقيقتها المحتضنة لصغيرتها والجدة جوهرة فلمس مرفق صديقه جرير يلفت إنتباهه قبل أن يلقيا بالتحية ويستأذنان للإنصراف.
*هل بدأت في البحث عن عمل في البلد الأجنبي؟*
أشار يوسف لنبيه بإسفسار جانبي فرد عليه المعني.
*بلى... ولدي مجموعة من الإختيارات يجب أن أقرر فيما يخصها.. لكن لن أستعجل لدي كل الوقت بإذن الله....*
ثم تلكأ ليكمل حركاته قبالة يوسف المتابع بتركيز.
*إلا إذا غيرتم رأيكم وقدمتم موعد الزواج بسنة مثلا أو سنة ونصف ...*
إبتسم بهيج بعبث غريب عنه فتبسم يوسف بدوره، يشير له بجذل.
*لو كان الأمر بيدي لزوجتها لك اليوم قبل الغد... لكن حينها سيفجرنا أبي لا محالة... لذا الأسلم أن ننتظر ... *
حرك نبيه رأسه والبسمة تتسع لتشمل وجهه، مجيبا بإمتنان.
*أنا سعيد على كل حال.. ومستعد للانتظار إلى آخر العمر...*
ربت على كتفه بمحبة ثم أشار له.
*سألتك لأن لدي بعض الفرص التي أراها تناسبك... سأقوم بمراسلتك بالعناوين والإعلانات ... وخذ وقتك في التفكير...*
*شكرا لك صديقي... لن أنسى لك موقفك ما حييت... وصدقا يشرفني مصاهرتك...*
حدق به قليلا ثم أشار له معاتبا.
*يوما ما... ستتعلم تقدير نفسك يا نبيه... وإلى ذلك اليوم لا أريد أن أسمع منك هذا الحديث مجددا*
غير بعيد عنهما، تحدث جرير بهدوء حين طال حديث النسوة الذي يبدو عليه مضطربا.
(تقوى ناوليني فاطمة...)
إنتفضت مجفلة وإلتفتت إليه، ترمقه بذلك الرفض الذي لا تستطيع التخلص منه مهما حاولت، قبل أن تتمالك نفسها بسرعة لم تكن كافية لتخفي ما حدث عن جرير المتجاهل للأمر كليا وقد تعود بعدما عرف السبب فبطل عجبه كما لم يخفى عن إبن عمه المدقق بعينين ضيقتين، لا ينكر احساسه بشيء ما يزعج زوجته كذلك، تحسن إخفائه لحد الآن ولم يلاحظ سوى ما أخبره جرير سابقا بكون صفاء تكره أن توضع في موقف إختيار وإتخاذ قرارات ودون أن تدري تستسلم له رويدا رويدا وتسلمه دفة حياتها بعد أن أبدت بعض الإستقلالية الظاهرية في البداية، يعترف بأن الأمر نال إعجابه في أول الأمر لكن كلما مرت عليهما الأيام وتقاربا أكثر شعر بعظم المسؤولية وقلق وليد من أن يكون سببا في قرارات تتخذها إعتمادا عليه فتندم عليها لأي سبب كان.
(ألن نغادر؟.. تأخر الوقت...)
إستطرد جرير بنبرة أعلى لتسمع باقي النسوة فابتسمت له صفية بإرتباك، تجيبه بلطف.
(تفضل بني غادروا!.. لديك الحق الوقت تأخر... والصغيرة يجب أن تأوي إلى فراشها...)
ضم صغيرته إليه، مجيبا بإحترام.
(سنوصلكما إلى البيت أنت وجدتي أولا يا خالتي فقد بلغت الحاج محمد قبل قليل كي لا يتعب نفسه ويأتي أما نبيل فلازال برفقة أصدقائه في مكان ما ... تفضلن زوجة عمي وبناتها قادمات!)
ثم نظر إلى تقوى، يسألها بحيرة.
(زينة لم تأتي؟)
ردت تومئ بسلب.
(لا... فضلت البقاء مع والدها... واتفقنا أن نلتقي غدا إن شاء الله عند حفيظة...)
أشار لهن حين وصلت والدة مؤنس وشقيقاته فبدأن بالتقدم وصفاء تتأخر قليلا لترافق زوجها الذي همس لها بإستفسار.
(ما بك؟)
رفعت رأسها إليه تقدم له وجها خاليا من أي تعبير كدلالة سبقت ردها الخافت.
(لا شيء.. لماذا تسأل؟)
هز كتفيه بصمت، يفكر في ما يجهله على غرار إبن عمه المتجاهل لكل شيء، ينشغل بملاعبة صغيرته، متذكرا وصيته بأن يحتوي ويتفهم ما يصعب تغييره بسرعة.
(تصبحون على خير يا حاجة ... تصبحون على خير يا صفية...)
هتفت الحاجة أم مؤنس وإنصرفت تتبعنها بناتها في حين وجهت تقوى حديثها لزوجها، تسأله بنبرة وحده التمس فيها الفتور.
(هل يمكنني قضاء الليلة هنا يا جرير؟)
قطب جرير يفكر وهم بفتح فمه في نفس اللحظة التي تدخلت والدتها، تخبرها بنبرة لا تحتمل النقاش.
(لا... إنصرفي مع زوجك وإبنتك يا تقوى... أمي ستبيت عندي وصفاء كذلك...)
أجفلت صفاء، تحدق بهم غير قادرة على إخفاء تفاجئها فإستدركت والدتها بسؤال زوجها الصامت بترقب مدقق.
(هل تسمح لها بني؟)
بلع ريقه بخفة ودس كفيه في جيبي سرواله، يجيبها بنبرة هادئة.
(لتفعل ما تحبه يا خالتي... لا مشكلة لدي...)
ثم إقترب منها يدنو برأسه قرب وجهها، يكمل بخفوت.
(ماذا تريدين؟... البقاء أو الرحيل معي؟)
بدت مضطربة وتقوى التي كانت على وشك المغادرة توقفت فوقف زوجها بدوره، يشاهد طريقة نظرها إلى شقيقتها تبدو له مضطربة، تمسك نفسها بصعوبة عن المشي نحوها.
(ماذا تريد أنت؟)
همست له بتوتر شاب تقاسيم وجهها الرقيقة فتأهب حاميا.
(إذا أردت العودة معي سأتصرف...)
مسدت جبينها، تطرف بعينيها المتلجلجتين نحو والدتها المستغرقة بحديث مع جدتها ثم إلى تقوى تثبت عينيها عليها بينما تجيبه بقلة حيلة.
(لا.... أعرف...)
همت تقوى بالتحرك وقبل أن تتحرك جاءها صوت جرير المحذر.
(لا تتدخلي...)
أشاحت بوجهها عن مشهد أختها المرتبك، تفكر بصمت بينما مؤنس يحاور زوجته بهدوء سعيا لمعرفة ما تفكر به.
(الأمر سهل يا صفاء....إما تريدين المبيت هنا .. أو لأي سبب كان تريدين مرافقتي... وفي الحالة الأخيرة سأتصرف ...)
بدت له وكأن لديها حديث كثير تفضحه عينيها ويعجز لسانها عن البوح به حاليا على الأقل لكنها إستدارت ترمق والدتها ثم وبكتفين متهدلين قالت بوجوم.
(حسنا... سأقضي الليلة هنا...)
يتحسس فك أسنانه العلوي بلسانه ومقلتيه على إستسلام أطرافها وتهدل كتفيها فيفكر بعمق قبل أن يهتف بقوله.
(أمي رافقي جرير سأقضي الليلة في بيت عمي الحاج محمد...)
رغم حيرتها لوحت له والدته وإستدارت تبتعد تلحق بها بناتها. إلتوت شفتي جرير ببسمة ماكرة ردها مؤنس بسماجة متعمدة، فسحب تقوى المتفاجئة لينصرفا بينما صفية ترحب بزوج إبنتها رغم الإضطراب الذي لا يفارق وجهها.
(تفضل بني.. مرحبا بك.... )
شيع دخول حماته برفقة والدتها ببسمة مجاملة إختفت حين عاد إلى وجه زوجته المتبلد، يسألها بجدية.
(هل أخطأت ببقائي؟)
فغرت فمها وتضاعف توترها فاستدرك بسخرية.
(أستطيع التسلل من البيت بعد نوم الجميع... فبيتنا كما تعلمين لا يبعد كثيرا..)
(لا... ماذا تقول؟)
قاطعته بإرتباك فتعجب كيف تتغير من فتاة رقيقة مرحة مبتهجة إلى كومة التوتر قبالته حاليا، ليزداد فضولا نحوها.
(قررت حسم حيرتك بين نبع الحنان والدتك ونبع الحب زوجك...)
غمزها بعبث فإبتسمت بخجل بينما يكمل بنفس السخرية المرحة.
(لذا وحفاظا على كرامة نبع الحب الذي لابد سينهزم أمام نبع الحنان ... قررت إبقاء النبعين جوار بعضهما...)
بللت شفتيها وبعضا من الإسترخاء ينتشر على ملامحها المليحة، تعقب بإمتنان.
(شكرا لك...)
هز كتفيه ورفع حاجبه، مجيبا بمكر
(العفو.... لكنني أفضل شكرا من نوع آخر..)
إتسعت مقلتيها هلعا تتلفت حولها فاسترسل ضاحكا يتسلى على حسابها.
(أنت زوجتي على فكرة... ما هذا التلفت المريب؟.... ثم أنا لم أقصد سوءا لا قدر الله...)
عبست تضم ذراعيها إلى صدرها، ترمقه بتساؤل ساخر فرفع كفيه، يعقب ببراءة مزعومة.
(لا تنظري إلي هكذا... أين السوء في قبلة بريئة بين الزوج وزوحته؟)
مططت شفتيها، تهز رأسها فضحك عاليا لتضحك بدورها حين تفاجئا كلاهما بعودة تقوى وجرير الذي قال بتهكم.
(عصفوري الحب بخير... وكل شيء على ما يرام هل رأيت بنفسك؟)
رمقته تقوى بلوم فإستأنف مؤنس ضحكه الساخر، مشيرا إلى الباب.
(هل سندخل أم نقضي الليلة في الزقاق... أنا لا مانع لدي مادام إبن العم سيبقى بصحبتي...)
(ها ها ها... ظريف!)
رد جرير برفض، يتذكر طلب زوجته بأن تبيت هي أيضا عند أهلها فلا تشعر بأن صفاء طبيعية حينها واجهها أمام بيتهما، يسألها مباشرة بما يحدث وسيعود معها في الحين ليقضيا ليلتهما في بيت أهلها وان رفضت تنسى ذلك ولتدخل أمامه إلى بيتهما، لم يتفاجأ بالصراع العنيف الذي كشفته ملامحها قبل أن تزفر بضيق تخبره بما يحدث فشعر بواجب عودته من أجلها وفقط.
(لندخل لقد تأخر الوقت...)
تجاوزا المدخل تتقدمهما الشقيقتين وهما خلفهما يتناظران بتساؤل من جهته والجفاء الساخر من جهته حتى أضحيا داخلا حيث وجدوا الجدة تهدئ إبنتها على ما يبدو والحاج يجلس قربها بملامح واجمة، تحولت إلى ذهول تخلله بعض من الرفض حاول إخفائه حين لمحهم يلجون إلى الغرفة، يلقون السلام.
(عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.... مرحبا بكم...)
ثم إلتفت إلى زوجته يلومها بنبرة مراعية لم تتعدى حدود الهدوء المعتاد منه.
(لماذا أخبرتهم يا صفية؟.... أنت تضخمين الأمر وهو بسيط...)
شهقت صفية وقد فقدت آخر ذرة من أعصابها المنفلتة، تصيح بهياج غير طبيعي بينما تضرب صدرها في مشهد جمد مؤنس وجرير مكانيهما دون أي بادرة بالتحرك يشلهما التبلد في حين تحركت صفاء لتلتصق بتقوى كعادتها حين حضورها إنهيارات والدتهما.
( أنا أهول الأمر؟... لماذا لا تشعر بألمي... أولادي يبتعدون عني واحدا تلوى الآخر.... والذي كنت أصبر به نفسي سيرحل هو الآخر.... لماذا؟.... أريد أن أفهم لماذا؟)
بلمسات حانية بادرت الجدة جوهرة تربت بها على ذراعي إبنتها، تحاول ردعها عن ضرب صدرها وتقرأ القرآن بقلب متضرع وبخفوت.
(يا صفية إهدئي ... ستنهارين وتسببين لنفسك الضرر.....)
(يا ليتني أموت.... لترتاحوا مني...)
تصيح بهستيرية والحاج مع الجدة يحاولان تهدئتها دون جدوى.
(لا أحد يحبني ... حتى أولادي يهربون مني ... يودون لو اموت... ليتني أموت لترتاحوا جميعكم... ليتني أموت...)
شهقت صفاء، تهز تقوى المتجمدة مكانها على غير عادتها.
( إفعلي شيئا...تقوى تحركي...)
أجفلا كلا زوجيهما مؤنس على صوت زوجته وجرير على إنتفاضة إبنته فتحرك خارجا بسرعة ودخل غرفة الضيوف القريبة ليضع فيها إبنته على الأرض، مشعلا لها الانارة ثم عاد بسرعة يشاهد جمود تقوى كأن الحياة غادرتها فعلم أن قرار العودة معها أو حتى وجود مؤنس خاطئ ولن يساعد في شيء.
( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم... إهدئي يا صفية ابنتيك متزوجتان بموافقتك ومباركتك ايضا وهما جوارك في الوادي..... كل شيء سيحل بإذن الله.... إهدئي ....)
تحاول والدتها المحافظة على أعصابها، متعودة على حالة إبنتها تماما كالحاج الذي ضم رأسها إلى صدره يقرأ عليها القرآن.
(نبيل سيذهب هو الآخر... وسيتركوني لحالي... سأموت لحالي... أولادي لا يحبونني... لا أحد يفعل... الجميع يتركني...)
تنتحب بصوت مجروح، يخبو رويدا رويدا حتى إختفى تماما لتغطي صفاء فمها شاهقة ببكاء عنيف، متحجرة مكانها دون أي بادرة على التقدم نحوها على عكس أختها التي خرجت عن جمودها وهرولت إلى المطبخ، تجلب المياه.
تجاوزته فلحق بها إلى المطبخ، يقول أول شيء تبادر إلى ذهنه.
(لا تقلقي ستكون بخير..)
ملأت الكوب بالماء وإستدارت إليه تجيب بإضطراب.
(بلى... ستكون بخير... إنها أزمة معتادة...)
فتحت فمها لتنطق بحديث آخر لكنها تراجعت ترمقه برجاء صامت، بلغ صميم قلبه فهز لها رأسه وأشار لها إلى باب المطبخ حيث ظل يمنحها بعض الوقت، يسحب هاتفه ليراسل مؤنس ليتبعه إلى المطبخ ثم نبيل ليعود إلى البيت سريعا.

يتبع

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 21-04-20 الساعة 03:26 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:29 PM   #1073

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**منزل الفقيه عبد العليم **


منذ أن دخل الغرفة عليها يلقي السلام وهي تكتفي بمراقبته، يتحرك في مساحة الغرفة الشاسعة بخطوات معلومة يحفظ مكان كل شيء فيها، سحب سجادات الصلاة وطلب منها الإنضمام إليه ليصلي بها ثم إستدار يشير لها كي تقترب منها ففعلت وهي لا تزال مدثرة بطرحتها.
وضع كفه الدافئة على رأسها يدعو لله بتضرع خالص قبل أن يتركها ويقوم ليطوي السجادة ويعيدها مكانه فنهضت لتفعل الشيء نفسه قبل أن تعود إلى مكانها على طرف السرير العريض، تستأنف مراقبتها المتمعنة في تفاصيله.
نزع العباءة الرجالية التي كان يرتديها فوق جلبابه وعلقها على المشجب كما فعل بطاقيته البيضاء بتلقائية توحي لمن يراقبه إنه حقا يبصر أمامه.
إستدار فتمكنت من رؤيته بوضوح قريبا منها ومستقيما بجسده الذي تأكدت من طوله الموازي لطول شقيقها رغم نحافته قليلا بالمقارنة بيوسف، شعره ليس حليقا كما كانت تظن من المرات التي لمحته فيها بسبب طاقيته إنما قصة قصيرة غير متدرجة ناسبت وجهه المستطيل بلحية متوسطة الطول شذب حوافها وزادته وسامة.
سحبت الهواء لتملأ به رئتيها، تتلقى هيئته بينما يخطو بروية حتى جلس على مسافة بسيطة منها، يمسح على وجهه ولحيته أحيانا يفتح مقلتيه فتلمح البؤبؤيين التائهين في تجولهما داخل محرجيهما وأحيانا يسدلهما فتتأمل حاجبيه الواسعين والمرسومين بإبداع إلهي خلاب.
(إذن.... كان يوسف يمازحني حين أخبرني أن أمانته عندي غير أمانتي عنده؟)
رمشت، تطلق سراح طرفي الطرحة فوق صدرها، تحملق إليه بإستغراب تحول إلى إستنكار مع بقية حديثه المفعم بالجذل.
(وصف أمانتي التي عنده بالحياء والرزانة بينما أمانته عندي بها بعض الجنون!....)
ضغطت على شفتيها غير مصدقة لما قاله شقيقها ومحسن يكمل بمرح تشكل حول شفتيه ببسمة حلوة.
(ما لي لا أرى الآن سوى السكون؟... أنت أهدأ حتى من xxxxب الساعة الحائطية الجديدة...)
ثم جعد أنفه بخفة، يضيف.
(التي لم أحبها على فكرة... إشتقت إلى هدوء الغرفة...)
زمت شفتيها ثم ألقت بالطرحة إلى الخلف، تجيب بدفاع فلم يكن ذلك الإنطباع الذي تمنت بأن يأخذه عنها.
(لست مجنونة على فكرة... كل ما في الأمر أنني مندفعة قليلا في قناعاتي... أحيانا تكون خاطئة وأخرى تكون صوابا...)
سعد برنين نبرتها الأنثوية بين جدران غرفته، يسألها بنفس اللهجة الطريفة.
(لما أنت صامتة إذن؟)
إزدردت ريقها ثم نطقت، تفسر.
(للأسف أنا لا أعرف عنك سوى صفات عامة.... لا أعرف طباعك فخشيت أن أتسرع فأترك لديك إنطباعا خاطئا لكن شقيقي سبقني وفعلها...)
تحولت نبرتها إلى حزن فاستاء من نفسه يؤنبها على سوء إختيار كلماته، لابد أن يتمهل ويتروى فقد تكون الفتاة مختلفة عن والدته وأخته فتسيء فهم حديثه.
(الإنطباع بإختلاف أنواعه يمحوه الزمن... مهما ظن أحد الطرفين أنه يعرف الطرف الآخر فسيتأكد بعد العشرة خطأ إعتقاده... العشرة تكشف الأطراف على حقيقتها فإما سكن وإما بلاء ... بارك الله لنا وعلينا...)
أمنت بخفوت وقد هدأت فتحدث مجددا يحاول إزالة التوتر والغرابة بينهما، فلم يسمح لموضوع زواجه المفاجئ بأن يأخذ حيزا كبيرا من تفكيره ليتسلل إليه الشيطان عبره أو توسوس له نفسه كما فعلت لبرهة ضعف منه حين منحته شعورا بالنقص لمجرد سماعه عن مدى جمال زوجته وكان الوصف تحديدا جمالها ليس كأي جمال في البلدة، لحظتها إنتاب صدره ألم غريب مستجد ولد من رحم الحسرة على جمال إمتلكه ولن يراه أو يتمتع بمرآه ليتمادى به الأمر إلى غيرة حارقة عليها من كل عين تبصرها وتلمح جمالها الفتان.
لن ينسى أبدا إجتياح الهلع لجسده مجفلا من إنحراف تفكيره إلى التحسر على فقد يقابله عطاء واسع وكرم فائض فاستغفر فورا بل وظل ليلته تلك منتصبا في مصلاه، يرجو خالقه العفو والغفران.
(ماذا تعرفين عني؟.... وماذا تريدين معرفته؟)
إلتقطت رغبته بالتحدث معها فإستجابت، تبتسم بسرور.
(طوال حياتي وأنا أسمع من يوسف عنك وعن أصدقائكما... كان دوما يتحدث بحماس وحب عنكم يطفئ به بعضا من شوقه حين يطول الغياب... وما أعرفه عنك الطيبة والبساطة... اللين والاحتواء .... كلما ذكر يوسف إسمك إعتلى وجهه التأثر والبسمة الحانية....)
شجعها إصغائه المهتم فإسترسلت بإنطلاق وقد شعرت بالأنس والأمان.
(أما ما أريد معرفته .... ماذا تحب ؟... وماذا تكره؟...ما هي إهتماماتك؟... أشياء مثل هذه!)
إتسعت بسمته الوسيمة، يجيبها ببشاشة.
(كل ذلك ستعرفينه مع مرور الأيام بإذن الله... مع أنني كما سبق وقال يوسف بسيط... أبسط الأشياء تسعدني... ولا يثير رفضي سوى تجاوز حدود الله... غير ذلك من إبتلاءات الدنيا نتقلب بينها إلى أن يسترد الله أمانته ....)
صمتت ترقبه بإعجاب فإستدرك، يطالبها بنفس الجواب.
(وماذا عنك يا أخت الغالي؟)
لانت ملامحها، تجيب بصدق.
(لا أعلم بماذا أخبرك ... إكتشفت أن الجواب حقا صعب.... والتحدث عن النفس أصعب... ولا أجد ردا سوى ما سبق وقلته قبل قليل... ستعلم كل شيء مع مرور الوقت بإذن الله...لكن!)
إنحسرت الكلمات في جوفها وإنتشر القلق عبر ملامحها ليحثها بتشجيع.
(لكن ماذا؟... قولي ولا تستحي يا أخت الغالي)
عضت شفتها ثم ردت بحذر.
(أولا ناديني بسارة رغم أن اللقب جميل... لكنني أتمنى أن تناديني بإسمي... إلا إذا كان لا يعجبك... ثانيا...)
قاطعها بلطف قبل أن تكمل.
( اسمك جميل ... وما لقبتك إنما وصفتك فأنت أخت الغالي ... صاحب غالي وأخ مقرب من القلب ... وماهو ثانيا يا سارة)
لمعت مقلتيها بظفر، تجيبه برجاء.
(إن أخطأت وهذا وارد جدا فلا تحزن أو تغضب مني... أعدك أن أتعلم بسرعة... فقط لا تغضب مني... فغضب من يهمني أمرهم يحزنني... ويحبط عزيمتي..)
سكن دون رد للحظات أثارت إستغرابها ثم رفع كفه يطلب منها الإقتراب.
(إقتربي يا سارة... الحديث عن بعد إنتهى وقته... ويجب أن تقتربي كي تتأكدي من كل كلمة أخبرها لك...)
غمرها الخجل لكنها تحركت لتستجيب له وسريعا ما وجد كفها ليضمه بين دفئ راحتيه الحانيتين، يخبرها برقة.
(من منا لا يخطئ يا سارة؟... كلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون ... وأنت بحديثك هذا أثبت أنك بعون الله إنسانة أصيلة المعدن وطيبة السريرة... وحين تخطئين لا تحملي هم إنسي لكن إحملي هم خالقك ... فهو الأهم و الفوز برضاه أعظم الأهداف ... )
تنفس بعمق يسدل جفنيه بهدوء، يجادل نفسه في مطالبها، يبدو أن كيانه قد إتفق عليه وكيف لا يفعل والتي قبالته زوجته وحلاله وما تطالبه به روحه قبل جسده من حقه بل وواجب عليه وهو خير من يقضي ما عليه من واجب وبإحسان.
(هل تسمحين لي برؤية وجهك....)
عقدت جبينها بحيرة همت بالتعبير عنها لكنه إستطرد أولا بتفسير.
(صحيح أنني لا أرى بعيناي... لكنني أبصر كل من وما حولي بحواسي الأخرى... الشم واللمس والتذوق ... وكذلك الإحساس.... أتعرف على الناس حسب تصرفاتهم وطرقهم في التعبير عن أنفسهم... وبما أن رائحتك خلابة... وشخصيتك كبداية مرحة يغلب عليها الحماس... فينقصني اللمس ليكتمل إحساسي بك...)
نبض خافقها بقوة، الإنبهار يشل إدراكها وذكائها فتقرب وجهها من كفيه المعلقين في الهواء إنتظارا، مسحورة غير واعية، تحلق بين نغمات نبرة صوته الرخيم وشذى عبيره المسكي.
لمس بشرة وجهها فأغمضت عينيها تستقبل سيل مشاعرها الجارفة، منحنى خفقاتها يعلو بجنون، يكاد يلامس السماء ولم تكن الوحيدة فما إن حط بأصابعه الدافئة على بشرتها حتى تفجرت ينابيع عذبة بين حنايا أحشائه لتسيل عبر أوردته بنسيم مداعب آسر.
لم يجرب إحساسا مشابها قط!
بحنان بالغ مرر أصابعه على بشرة ملامحها الناعمة بروية وتمهل معذب ولذيذ في نفس الوقت لكلاهما وحين وصل أطراف طرحتها، تحسسها برضى شعت به بسمته النقية فأرادت إسعاده أكثر مندفعة بخاطر يؤكد لها بأنه سيسعد بقرارها ويساندها بل ويشجعها كما لم يفعل أحد من أهلها خوفا عليها أو شكا بقناعتها.
(تحجب من قريب الحمد لله... وقررت أيضا تغطية وجهي لكن...)
بترت حديثها حين لمحت صدمته وتجمد يديه في الهواء فأحبطت مرة واحدة، تكمل بوجوم.
(عائلتي طلبوا مني التمهل حتى أتأكد من قناعتي ... نظرا لكم المضايقات التي تتعرضن لها المحجبات عموما هناك في الغربة... لذا أجلت الأمر مع نية بتنفيذ قراري بعد إستقراري هنا معك... )
تلكأت تنتظر منه ردا وحين لم يبدو لها سيخرج من صدمته أكملت بإحباط ودموع بللت صفحتي عينيها دون سبب معلوم لها.
(لكنني إشتريت رغم ذلك الملابس الخاصة مع جهاز عرسي...)
تفاجأت حين لمحت الدموع تطفر من عينيه المسدلتين بسكون، لتتسع عينيها بعدها وهو يسقط على الأرض ساجدا فتجمدت مكانها على السرير، تراقبه إلى أن عاد من سجوده ليرفع كفيه نداء لها، إستجابت له فورا لتهوي على قدميها أرضا فوق السجادة تراقب حركاته الدافئة، يضم ذراعيها يتلمس عليهما بحنو وروية كأنها قطعة حرير ناعمة جدا يسهل خدشها إلى أن وصل إلى وجهها فضم وجنتيها مجددا، يقول بنبرة متأثرة فاضت بمشاعر صدمتها وأسقطتها عبر دوامة ساحرة، سلبت لبها فظلت على وضعها المنبهر، متسعة العينين، فاغرة الفاه.
(لا تستغربي فرحتي يا سارة.... ولا تستغربي دموعي ... ما ظنك برب إذا أعطى أدهش؟... حين حكت لي والدتي وشقيقتي عن جمالك الفتان الذي لا يشبه أي جمال في البلدة... حركت غيرة قلبي عليك وعلمت لأول مرة كيف يكون ألم الغيرة.... كيف أرضى بأن تتمتع العيون بجمال زوجة لن تبصرها عينياي أبدا...)
زم شفتيه بحرج، تسلل ليبرز بين نغمات نبرته الرقيقة.
( إستغفرت الله بعدها محرجا لما شعرت به من حزن على بصر فقدته ولن أرى به جمال زوجتي... ونسيت للحظة كامل نعمه علي... ومن ضمنهم أن من علي بزوجة ذات أصل كريم ومن بيت صالح ... إستحييت بعدها وحمدت الله وشكرته ... لكنني كنت أنوي نصحك كل مرة على أن لا تتهاوني في حدود الله وكان ذلك يشفي هواجس خاطري.... والآن!).
بلع ريقه، يربت على وجنتيها بحنان ورقة، يضيف بتأثر بالغ قبالة دموعها التي بدأت بالتدفق هي الأخرى.
(تخبرينني بأنك ستغطين وجهك وأنه كان قرارا مؤجلا حتى تستقري معي هنا... بالله عليك كيف لا تدمع عيني فرحا برب كريم!... جبار!... جبر بخاطري رغم جحودي... ورغم عتابي ولو للحظات على نعمة فقدتها ورُزِقت غيرها الكثير.... ما ظنك برب كريم أنعم علي بحب فتاة كنت غافلا عنها ولا أدري حتى بمشاعرها؟... ما ظنك بربنا الحليم يا سارة؟)
إبتسمت سارة من بين دموعها، تمنحه كلمات من صميم قلبها االعاشق له.
(بلى... رب كريم رزقك حب فتاة غفلت عنها .... فهذا شعوري حقا يا محسن... أحبك ولا أعلم متى ولا كيف تعلقت روحي قبل قلبي بك... سؤال لا أملك له ردا ... سوى أن لله زرع حبك في قلبي لا محالة... )
رفع كفيه إلى رأسها يضمه ليقربه من وجهه، يمنحها بدوره كلمات قلبه وروحه التي تهفو إليها منذ أن دخلت حياته بغتة.
(الحمد لله.... الحمد الله... لا أجد حاليا أي حديث يوازي صدق ما باح به قلبك عبر لسانك...لكن ما أشعر به حقا أن روحي تهفو إليك... وكل ما في منشغل بك....وقلبي يكاد ينفجر من فرط بهجته... بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا...)
إنتهت الكلمات وإختفت في حضرة المشاعر الفياضة والأحاسيس الثائرة، يمنحها القدر فرصتها لتزهر بربيعها الغناء فيحيط بهما بأسوار من زهور وردية فواحة الشّذا.
...............

**منزل الحاج محمد**

ينصتان إليه وسط الحديقة الأمامية للمنزل بينما يدافع عن موقفه، بحرج يكتنفه فيرفع كفه كل مرة يمررها على خصلات شعره الحليقة.
(لقد تعبت من دراسة ما لا أفهم به... دخلت قسم الأدب لأنه الأهون من بين التخصصات المتوفرة بالنسبة لمعدل الثانوية الذي تحصلت عليه... )
مسد عنقه يهز كتفيه مسترسلا بخجل أمام نظرات جرير ومؤنس المراعيتين.
(ذلك ما ظننته على أي حال... إلى أن إكتشفت صدفة إستمتاعي بإصلاح الآلات... بدءا من الخلاط وآلة الغسيل إنتهاء بجرارك يا جرير...)
أومأ جرير بتفهم وقد إستوعب أصل المشكلة فيسمح له بالإستفاضة في التعبير عن نفسه.
(بدأت بقراءة كتيبات التعليمات وبحثت في الشبكة العنكبوتية عن كل ما يخص الآلات ... حماس كبير يستولي على كياني كلما تعمقت في بحر ذلك العلم المغري فأستمتع بوقتي وأنسى كل شيء آخر حين أقرأ أي شيء له علاقة بصناعة أو إصلاح الآلات.... وفي المقابل تحول حضوري لدروس التخصص الأدبي عذابا خالصا... حولت تحمله لكنني لم أستطع.... إعترفت لأبي بمشكلتي فساندني وشجعني... لكنني لم أعلم ماذا علي فعله؟ ... سألت عن تخصصات قد تساعدني في إتخاذ مسلك دراسي أتحصل فيه على شهادة رسمية تمكنني من العمل في ما أحبه... لكن للأسف لا يوجد سوى معهد المتخصص في المدينة السياحية به تخصصات عدة أقربها لما أصبو إليه هو تقني الكهرباء... )
مطط شفتيه، يكمل بقلة حيلة.
(فسرت لأبي مجددا فبحث بنفسه معي حين إستشعر مني جدية الأمر ... وسأل قريبا له يعمل في وزارة التعليم... وهو من أعلمه عن ما يجب علي فعله... يجب أن ألحق بالأقسام التحضيرية أدرس فيها لسنتين بإجتهاد حتى أحصل على مقعد في إحدى المدارس العليا للهندسة المعترف بها من قبل الدولة حيث يوجد تخصص هندسة الميكانيكا.... الرجل صديق أبي سيساعدني لأضمن مقعدا في الأقسام التحضرية إن شاء الله ... لكن في العاصمة ... هذا ما حدث..)
هز كتفيه فتناظر مؤنس وإبن عمه قبل أن يقر الأول بإعتراف.
(لديه كل الحق ليبحث عن مستقبله وما يحب فعله....)
دس جرير كفيه داخل جيبي بنطاله، يفكر بتمعن كعادته رغم تفهمه لطموح نبيل وموافقته على حديث إبن عمه لكنه أيضا يشفق على حماته صفية التي بدت له اليوم غير طبيعية بالمرة مستغربا سكوت زوجها وأولادها من بينهم زوجته التي يعلم يقينا بأنها لن تفصح له عن سر الوضع المربك داك.
(أنا معك يا نبيل... اسعى نحو هدفك جاهدا لتحققه .. والدتك ستهدأ إن شاء الله وتتعود... ثم تفرح حين تنجح في حياتك العملية)
دعك نبيل جبينه باسما بإمتنان واجم ثم نظر نحو جرير، ينتظر منه تعقيبه فتنهد يعترف.
(ما دامت تلك رغبتك فتوكل على الله....)
إرتخت ملامحه والراحة تعبر صفحة عينيه المرتبكتين، يقول بإمتنان.
(شكرا لكما ...ولا تقلقا على أمي... إنها أزمة وستمر بعون الله)
(هيا! لقد تأخر الوقت!)
إستداروا إلى الحاج الذي هتف بحزم لطيف، يحث إبنتيه على السير نحو زوجيهما بعد أن تأكدتا من إستسلام والدتهما للنوم في حجر جدتهما كما يحدث بعد كل أزمة إنهيار عصبي.
( أبي هل أنت متأكد؟)
سألت تقوى بقلق لا يغادرها فتبسم لها بإطمئنان، يجيبها وهو يقبل رأس صغيرتها الغافية على كتفها.
( أجل بنيتي... فهي نائمة وسأحملها لغرفتنا على أي حال... لذا لا جدوى من بقائكما... بيتكما أولى بكما... غدا بإذن الله بعد أن تفطروا عودوا لتتغدوا معنا لو كان بالإمكان... هل يمكنكم ذلك يا جرير ومؤنس؟)
وجه لهما الحديث فرد عليه جرير باسما بإحترام وتقدير.
( إن شاء الله يا حاج...)
أومأ لهما بإمتنان ثم ودعهم ليغادروا ثم ضم إبنه إليه، يستمد منه الطاقة ويمنحه الإحتواء والعاطفة الصادقة.
(لا تشغل بالك وركز على هدفك... إستعن بالله فإن كان حسبك تربح وتفلح دنيا وآخرة... فهمت؟)
قبل رأسه ثم كتفيه، يومئ بتفهم فإبتعد عنه والده ليوصد الباب الداخلي لمنزله، لسانه يغمغم بالحمد والشكر أن مرت الأزمة مجددا على خير فيطمع أكثر بكرمه ويناجيه السلامة والعافية.

يتبع



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 21-04-20 الساعة 03:29 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:31 PM   #1074

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**بيت جرير**
(ألا تشبع منها أبدا؟)
إرتفع رأسه فوق عنقه وإلتفت إليها، تستند بالإطار الجانبي لمدخل غرفة نومهما، هيئتها مغرية رغم بساطتها في قميص نوم صيفي يتعدى ركبتيها بقليل، كميه قصيرين وفتحة عنقه مفتوحة الأزرار تملأه قلوب صغيرة حمراء بمختلف درجاته.
إستقام بجسده وترك مهد طفلته المجاور لسريرهما، وتقدم نحوها ليقف أمامها، يرد بتسلية.
(تغارين من إبنتك؟)
بحركات تلقائية جمعت شعرها تعقصه خلف رأسها ثم تجاوزت العتبة لتقترب منه، قائلة بملامح لم يغادرها الوجوم.
(لا... فقط أستغرب إنبهارك... مع أنني أحبها وأحب كل ما يتعلق بها... لكن أشعر بأنني لم أصل إلى مستوى حبك لها...)
سحبها ليضمها إليه، مجيبا ببعض الشجن .
(لأنك وُلدتي وكبرتي بين صخب أسرة كاملة والحمد الله... لذلك لا تشعرين بما يعتريني كلما نظرت إليها... قطعة مني ومن صلبي ومنك... عائلة بعد التي فقدتها لأنشأ وحيدا رغم وجود بقية من أقاربي... لكن تلك الرابطة الخاصة مختلفة... فقط لا تخبري مؤنس حتى لا يحنق مثل الأطفال مجددا... فهو يغار علي كما يجب على زوجتي أن تغار ... لكنها لا تفعل..)
قرص أرنبة أنفها بسبابته وإبهامه فتنهدت، تعقب بهدوء بدى له إستسلاما غريبا على شخصياتها فيما يخص بقية أمور حياتها.
(أغار عليك يا زوجي العزبز هذا مفروغ منه لكن إبنتك أبدا لن أغار عليك منها أو العكس ... لأنها إبنتك وأريدك أن تحبها وتعشقها وتدللها كما يفعل أبي معنا ... أريد لها ذلك كي تسعد...)
(وماذا عنك أنت؟)
سألها بحذر فقطبت بحيرة.
(ماذا تعني؟)
غطى خدها الأيمن براحة يده شارحا لها قصده.
(كيف ستعاملينها كأم؟... الحزم أم الدلال؟)
تجعد ذقنها بفعل تفكيرها ثم قالت بصدق بينما تتعلق أنظارها الرمادية بعينيه المظلمتين.
(سأحبها كما أفعل الآن و أكثر إن شاء الله ... أتفهم تصرفاتها....ثم أقوِّم أي خلل فيها بحزم وجدية حانية ... لذا سيكون عليك تدليلها ...)
إبتسم بجانب فمه، يتقبل مراوغتها بصمت يبثها الكلمات بعينيه وما أبلغها من رسائل لم تستطع الرد عليها فتضم جسدها إليه بقوة معبرة عن مدى حبها له ومدى خجلها من البوح له هو تحديدا، تتأسف له بقبلاتها المدغدغة على صدره من فوق قماش ملابسه فتتسع بسمته العاشقة بينما، يهمس لها بعبث.
(رأيتك تصلين صباحا قبل أن أغادر.... أم ربما كنت أتخيل من شدة شوقي الحارق؟)
ضحكت تضربه بخفة على صدره ثم ما لبثت أن إرتفعت فوق أطراف قدميها لتقبله على جانب شفتيه، تمنحه جوابا يحوي بداخله آلاف الكلمات، الرجاء، الإمتنان والحب فما كان منه إلا أن إستقبل رسائلها بصدر رحب وإلتقط شفتيها في لقاء عاطفي متأجج الأحاسيس الجياشة وبعد أن هدأت العاصفة وإستكانت الأطراف، فاضت البهجة عبر مداخل أحشائه المشبعة بوصال عميق بحبيبته لتتجسد ببسمة كسولة راضية فوق شفتيه وحينها فقط تأكد من صحة تصرفه، زوجته تخضع بالتفهم والإحتواء وليس بالضغط والإستدراج.
على غرار تصرف إبن عمه مؤنس الذي سحب زوجته إلى عاصفة مماثلة ما إن وطأت قدميهما أرض جناحهما في الطابق الثاني لبيت أهله، لم يمنحها الفرصة للتنفس يبثها رغبته الحارقة في مساندتها ومؤازرته لألمها الذي يشعر به فيثير حميته نحوها، يحضنها بقوة، يهمس لها بأعذب الغزل كما تعلمه بين صفحات كتب الفلاسفة لتغرق في لجة سحره فاقدة الوعي والإحساس بالمكان والزمان.
كان لقاءا مليئا بالمتناقضات، عاصفيا ورقيقا، عنيفا ولطيفا رست بعدها فوق شطآن صدره تريح خدها فوق هدير نبضاته، تستمتع بسنفونية العشق الخاص بها، لها وحدها.
مهما ظنت أنه حلم بعيد، يثبت لها العكس على أرض الواقع واليوم بعد ما شهده في بيت أهلها مما فكرت أنه ربما سيشعرها بالخزي أمامه خصوصا بعد نظراته الغامضة نحوها طوال الطريق إلى بيتهما حيث نفض عن نفسه جميع الأغلال والقيود كما همس لها ليعري على حقيقة مشاعره نحوها دون حرج أو تكلف وقد كان ذلك رائعا بحق.
شعر ببلل دافئ يسيل على سطح بشرة صدره فرفع وجهها إليه ليتفقدها لكنها أبت وعادت تمرغ وجهها في صدره بينما تشهق بحرقة.
(ششششش!...)
يهمس لها بحنو يمسد على شعرها، ينتظرها بصبر حتى أفرغت شحنات صدرها السلبية واستكانت كليا فظن أنها غفت لتدحض ظنه بحديثها الفاتر.
(لا أتعود على أزمات والدتي أبدا.... مع أنني نشأت معها بعللها النفسية لكنني لم أتعود عليها وبدأت أقتنع بأنني لن أفعل أبدا...)
صمتت فصمت هو الآخر، يمنحها حرية البوح من عدمه رغم حرقة فضوله، يمرر كفيه على بشرة ظهرها بنعومة، يمدها بالمُسكن لروحها قبل جسدها فتفتح له أبواب قلبها كاملة.
(ربما بسبب تقوى وما تفعله دوما لتجنبني المواجهة فتتصدر هي المشهد لتساند أبي وتساعده ... أو ربما بسبب خوفي الذي خلق في باطني ليكبر معي فيشل أطرافي أثناء اللحظة الحاسمة... لا أعلم حقا... )
تلكأت مجددا، تبلع ريقها ثم إستدركت بلهجة شاردة.
(لكنني أحبها... إلى جانب الخوف منها والإنزعاج منها أحيانا تعلمت حبها... والدي علمنا كيف نحبها... علمنا كيف نتفهم وضعها ونتجاهل تصرفاتها اللامعقولة قدر الإمكان... علّمنا كيف نعاملها على أساس مريضة نفسية... فلا نؤاخذها بما يصدر منها ولا نعاملها بالند... علمنا كيف نرحمها....)
لطالما كان الحاج محمد مثالا للأب الجيد والرجل الصالح الذي كان يشبهه بوالده قبل أن ينال صدمته الكبرى من الأخير لكنه الآن تضاعف إحترامه للحاج محمد ويرفع له قبعة التقدير لصبره وحكمته.
(كبرت لأتأكد من أنها حقا ليست طبيعية ولا تملك من أمرها شيئا... لكن الضرر داخلي إنحصر بين التأثر رغما عني والإحساس بالوجع أيضا رغما عني... ثم بعدها حين تضمني إليها بقوة أو أستيقظ على لمساتها وكأنها تتفقدني وتتفحص كل طرف من أطراف جسدي ينخلع قلبي إشفاقا عليها... حين نمرض تمرض هي أضعافا... حين تشك في سوء قد يصيبنا تغلق علينا ألف باب كي لا نختفي من أمام عينيها ... تعشقنا لكنها تفقد زمام نفسها رغما عنها فتفقد السيطرة على لسانها وآه من لسانها كم يجرح ويطعن! ثم يحاول بكل جهده ليصلح ما أفسده... والدتي مريضة نفسية ترفض الإعتراف بذلك كما ترفض الذهاب لطبيب نفسي... حكت لنا جدتي عن قوتها في صغرها... كانت فتاة مميزة مجتهدة في دراستها وكانت الوحيدة التي تخرجت من الإعدادية بين صفوف البنات...فالتحقت بالثانوية في المدينة السياحية إذ لم يكن هناك ثانوية بالبلدة بعد ونظرا لخوف جدي رحمه الله عليها أسكنها عند أسرة أخته الوحيدة رحمها الله ...)
بلعت ريقها ثم رفعت رأسها، تواجهه بأنظارها الحزينة، تكمل بشجن.
(مكثت عندهم سنتين إجتهدت فيهما ولم تخبرهم بأي شيء سوى أنها بخير وكل شيء يسير على ما يرام مع أهل عمتها التي لم تلد سوى تلات فتيات وكان ذلك ما شجع جدي ليبقيها معهم... وفي بداية السنة الثالثة توفيت خالتي والدة بهيج... حينها انهارت والدتي حزنا وظهرت عليها بعض التصرفات العصبية فحاولت جدتي إستدراجها في الحديث لكنها أنكرت وجود أي شيء آخر سوى صدمتها من موت شقيقتها... وفي آخر السنة الدراسية توفي جدي رحمه الله فجأة توقف قلبه ... المسكين لم يتحمل قلبه صدمة وفاة بكريته والجميع يعلم مدى حبه لإبنتيه... فكانت تلك القشة التي تهدم بعدها كل شيء.... كان إنهيار والدتي وقتها خطيرا ودخلت في غيبوبة متقطعة شفيت منها بأعجوبة... بعدها لازمت البيت ورفضت العودة لتكمل دراستها... لتعترف بعدها لجدتي كي تكف عن ضغطها عليها بأن عمتها وبناتها كن يعاملنها بطريقة سيئة... عذبنها كثيرا ليجبرنها على ترك دراستها لكنها صبرت وثابرت إلا أن وفاة شقيقتها ووالدها كسرت ظهرها ولم تعد تريد حتى الخروج من بيتها... وقد اعتكفت حقا في بيت أهلها وكم عانى والدي مع جدتي ليقنعاها بالزواج منه....)
إنبثق شبح بسمة متأثرة، يحوم على ضاف شفتيها بينما تكمل بنبرة بدت له حالمية.
(أخبرنا والدي بسره الذي أخفاه عن أمي إلى يومنا هذا... )
ثم نظرت إليه، تخبره بكنزها الثمين.
(أحب والدي والدتي منذ أن رآها أول مرة ... كانت في عمرها الرابع عشر ... تقدم لها ليطلبها للزواج من جدي لأن صغر السن كما تعلم لا يشكل عقبة آنداك لكن جدي رحمه الله رفض... وأخبره بأن إبنتيه غاليتين على قلبه ولن يزوجهما سوى برغبتهما ... والصغيرة تريد الدراسة لذا سيدعها تدرس... لم ييأس والدي وظل يردد على جدي طلبه كل حين..)
إرتفعا حاجبي مؤنس، يقاطعها بمرح بينما يده تربت على ظهرها بلطف.
(بمن يذكرني يا ترى؟)
ضحكت صفاء بحلاوة داعبت عاطفته نحوها، تجيبه ببعض المرح الذي إنبثق من بين سيل دموعها المؤلمة.
(جرير... لم نستطع ذكر ذلك سوى بيني وبين والدي وتقوى... نفس التصميم والإصرار... )
إختفى المرح فجأة كما ظهر، تضيف بوجوم.
(في يوم من الأيام انفرد جدي بوالدي وطلب منه أن يهتم بإبنته المتبقية لو حدث وتزوجها... لم يفهم والدي قصده فأقسم له بأنه سيضعها داخل عينيه ويحميها فقط ليوافق ويزوجها له... حينها بلغه بموافقته لكن حتى يمر بعض الوقت على وفاة بكريته ثم أخذ عليه عهد حفظ أمانته ... وتوفي جدي ونفض أبي عنه الصدمة ليسعى خلف الأمانة التي تحمل مسؤوليتها حبا وليس غصبا... لذلك كل مرة نسأله فيها عن سر صبره وحلمه على تصرفاتها.. يكون رده بأنها أمانته التي لن يفرط بها حتى يعيدها لمن أمنه عليها... كما كان يردد على مسامعنا آلاف المرات بأننا عائلتها إن لم نرحمها نحن فمن سيفعل!....لكنه حقا يحبها ويدللها كطفلة صغيرة... أحيانا أشعر بوالدي كرحمة متجسدة ... وكلما تذكرت معاناته حين علِمت والدتي بإصابتها بالسكري فسقطت مريضة وتأزمت نفسيتها أكثر من السابق حتى كدنا نفقدها خصوصا حين حاولنا إقناعها بوجوب الذهاب إلى طبيب نفسي إنقبض قلبي إشفاقا ورأفة به... كان يجاورها طوال الليل والنهار لا يفارقها يخشى أن توذي نفسها وأقنعها بأخذها الى طبيب نفسي أخيرا بعيدا في مدينة أخرى ووافقعت على مضض لكنها لم تكمل حصص معدودة حتى عادت الى رفضها وانكارها لحالتها... بفضل الله علينا تعافت وظلت الأزمات تعود بالشكل الذي رأيته...)
تنهدت بتعب وعادت لتريح رأسها على صدرها وصمتت لمدة طالت مرة أخرى حتى ظن بأنها غفت لتستأنف بوحها الأليم.
(جميعهم يعرفون كيف يتعاملون معها... أبي .. جدتي .. تقوى... وحتى نبيل... إلا أنا... لا أستطيع التعامل مع أزماتها.. لا أستطيع... لذلك أبتعد وأكتفي بالمراقبة... جدتي وأبي يقولان بأنها يوما ما ستتعافى وتصبح أفضل كسابق عهدها.... وأنا أنتظر ذلك اليوم... أنتظره بفارغ الصبر....)
عبس متأثرا بحزنها وكم سخر من مشكلته مع والده، عصى الله وظلم نفسه بكل حمق بسبب صدمة تافهة لا تستحق حتى الإلتفات إليها.
رباه! كان سيضيع لولا رحمة الله الذي بعت له جرير حارسا وموجها.
كيف إقترف خطئا مماثلا بكل ذلك العلم الذي يفتخر به وبتحصيله؟
كيف هانت عليه نفسه ليحملها عبئ ذنب من الكبائر؟
والده أخطأ في حق ربه ثم نفسه فلماذا يقلده وهو يمقت تصرفه وضعفه أمام شهواته المشينة؟
رباه! مع كل ندمه على فعلته لكن الآن في التو واللحظة يشعر بنفسه صغيرة جدا! حقيرة جدا!
يود لو ينسل خارج جلده توبةً وطلبا للغفران.
شعر برغبة حارقة في السجود لخالقه وطلب الغفران حالا عله يظفر بسكون يعم جوانب ضميره المثقل فتحرك يتفقد التي سكنت تماما فوق صدره ليكتشف أنها حقا غفت.
عدل رأسها ليضعه فوق المخدة وتأمل ملامحها الأشبه بطفلة صغيرة وقبل أن يقوم إلى غايته قبلها برقة فائقة.
.............

***اليوم التالي...منزل أهل فواز**

لمست لحاف الصغير الأبيض المطرز بلون أزرق فاتح، تسمي الله ثم وضعت جوار الرضيع النائم داخل لحافه مالا فتبتسم حفيظة برقة تشكرها.
(بارك الله فيك يا زينة... شكرا لك... العقبى لك بإذن الله)
تحركت زينة لتجلس على الأريكة جوار الأخرى التي تستلقي عليها حفيظة في غرفة الضيوف حيث استقرت بسبب زيارات الناس كي يسهل عليها إستقبالهم دون أن تتعب جسدها بترك غرفتها وسريرها كل مرة جاء فيها الزوار للمباركة.
(بعد أن تقبل بالرجل أولا... )
تدخلت تقوى بينما تنحني على الصغير لتفعل نفس ما فعلته زينة، تلمس لحافه مغمغة بإسم الله ثم تضع هديتها المالية جواره وتستدير لتجاور زينة العابسة برفض.
إرتفعا حاجبي حفيظة بينما تعيد رضيعها داخل سلته قربها، تعقب بلوم.
( إلى متى يا زينة؟... لا تحرمي نفسك من الفرص عزيزتي... الذرية نعمة غالية...)
بدت لهما صديقتهما مشعة بالبهجة والإستبشار، شيء ما تغير فيها بعد وضعها لمولودها، عينيها تلمعان ببريق جذاب وشفتيها مبسوطتين في بسمة لا تخبو وتتسع مع كل صوت يصدره رضيعها.
(بارك الله فيك وفي مولودك يا حفيظة... حصني نفسك عزيزتي..)
عقبت تقوى بينما تتأمل هيئتها المشعة رغم وهن التعب البادي على وجهها فتومئ لها حفيظة بإمتنان ثم تستدرك موجهة حديثها لزينة بحذر وذنب لم تستطع إخفائه.
(الضابط هشام رجل طيب وخلوق... هل تذكرنه في الثانوية؟... كان شابا جيدا... وعائلته من أهل الوادي أناس طيبين... فلماذا ترفضينه؟... وشقيقه من قبل؟)
إمتعضت زينة، تتجاهل ما تقرأه من مشاعر ندم وذنب على وجهها مشوبة بمخاوف رفضها باطنها، لتتفاجأ بتجاوزه أمر مشاعرها القديمة كليا بل ويستنكرها.
(هذا لحاله سببا كافيا .. لأرفضه... فكيف يخطبني بعد أن خطبني لشقيقه ؟... إنه إنسان غريب... ثم أنا لن أترك والدي مهما حدث..)
إندفاعها الغريب على شخصيتها جلب البسمة على شفتي صديقتيها خصوصا بعد أن إلتقطت كعكعا من طبق الحلوى ودسته داخل فمها بحنق.
( إستعدي يا حفيظة لأنني سألقي عليك بقنبلة عرفتها من جرير هذا الصباح... بعد أن يئس من إقناعها هو وباقي العائلة.... تخيلي صديقتي المقربة أخفت عني الأمر....)
إحتبست أنفاس زينة وتجمد فمها المملوء بالكعك عن المضغ تحملق إلى تقوى بصدمة كمن قُبض عليه بالجرم المشهود، تصغي لبقية حديثها المعاتب.
(الرجل وافق على العيش معها في بيت والدها... قبل أسبوعين وهي لاتزال رافضة.... إحمدي ربك بأنني سعيدة بما يكفي لكي لا أخاصمك أو أعبر لك عن حزني من فعلتك...)
على وضعها المضحك، عقبت حفيظة بذهول.
(وافق؟... هل هذا حب؟)
شهقت زينة تسعل بقوة فانتفضت تقوى نحوها، تمسد ظهرها وتقرب من فمها الماء تحت نظرات حفيظة القلقة.
(بسم الله ... إهدئي.. إبلعي وتنفسي جيدا....)
إنتظرنها حتى تمالكت نفسها تقبض على صدرها بقوة لتنطلق ضحكة حفيظة الغير قادرة على كبت المرح الذي إستولى عليها لتشاركها تقوى الضحك حتى إرتخت ملامح زينة أخيرا لتبتسم تحمر من الإحراج.
(حسنا هذا مضحك جدا... لكن لا بأس سنستر عليك إن قبلت بالولهان الذي قبل بالسكن معك ووالدك.. لم تعد لديك حجة أخرى...)
عبرت تقوى بتهديد مزعوم دفع بزينة إلى الإمتعاض ثم العبوس حين أكملت حفيظة بحذر.
(إلا إذا كان هناك حب آخر في حياتك....)
حينها ردت زينة بما طمر الشك باليقين تماما.
(أي حب بالله عليك... لا أعلم كيف أتصرف مع هذا المصر... وكأن رفضي له إستفز كبريائه العظيم فأضحيت له تحدي يجب أن يكسبه.... مغرور!)
تبادلت حفيظة النظرات الغامضة مع تقوى التي قالت
(لو كان مغرورا لما قبل بالسكن في بيت والدك.... إتقي الله يا زينة!)
تنهدت بإستسلام قبل أن تقر وتعترف بالحقيقة مهما أنكرتها فموافقته قلبت كيانها الذي ذهلت بحجم تأثره المسبق به.
(بلى... أنا مستغربة حقا من موافقته... رجل مثله وبصفاته وطبعه توقعت إستحالة اقدامه على اتخاذ قرار مثل السكن لدى أهل زوجته...)
إستحضرت صورته التي لا تفارق ذهنها، زياراته لم تنقطع عن بيتها يتقرب من والدها كل يوم أكثر فتعانده وتعاند نفسها بالإختفاء كلما حضر بعد أن تفتح له الباب وتلقي عليه بتحية مقتضبة تهرع بعدها إلى مخبئها كفأر مذعور إلى أن تخجل وتجهز له ضيافة تضعها لهما كذلك بسرعة دون أي نظرة نحوه تثبت له بها رأيها علّه يتراجع ويستسلم لكن عبث.
(الرجل يحبك حقا يا زينة... لا تضيعي الفرصة من بين يديك..)
بدى على زينة التفكير الجاد في قول حفيظة الناصح ثم تساءلت بتوجس.
(ماذا لو لم يتحمل تبعات قراراته؟.. أنتما خير من يعلم بعيوب مجتمعنا الذي يُقلد أمورا كثيرة وسام العيب.... ماذا إن تراجع عن قراره بعد الزواج وطلب مني ترك بيت والدي؟)
حينها ربتت تقوى على كفها، تستشعر ميول صديقتها لهشام، تخبرها بصدق وتشجيع.
(لقد إتخذ قراره أمام والدك وأبناء عمومتك... والجميع يعلم بأن موافقتك مرهونة بسكنه معك ووالدك... لذا الجميع سيقف في وجهه لو لا قدر الله تراجع.. مع أن ما أعلمه عن شخصيته الرزانة والقوة ... فلن يتخذ قرارا إلا لو كان على قدر تبعاته... توكلي على الله فهو علام الغيوب.. إستخيريه وأساليه التوفيق وهو ولي ذلك والقادر عليه...)
هزت رأسها والأمل ينشر ظلاله عبر ملامحها، تدعو الله بقلب خاشع.
(ليقدم الله ما فيه من خير....)
حل الصمت للحظات قطعه دخول فواز العاصف فإنتفضن مذهولات قبل أن يقطبن بريبة من صدمته على ما يبدو لم يعلم بوجودهما برفقة زوجته، يُتأتئ بإحراج بينما يطرق برأسه.
(لم أعلم بأن هناك أحدا هنا معك... أ.... أعتذر... آ)
هم بالإستدارة لكن تقوى إننفضت، تلتقط حقيبة يدها مشيرة لزينة التي إستجابت هي الأخرى لها بتفهم.
(لا بأس أخي.. نحن سنغادر على أي حال...)
(لا لا ... من فضلكما أنا آسف ..)
لوح بكفه دون أن ينظر إليهما وحفيظة تراقب الوضع بقلق فزوجها لديه شيء مستعجل ومهم يخصها، انقبض قلبها تفكر في والدتها لأنها سبق ورأت والدها حين جاءها سابقا، يبارك لها برفقة زوجته الجديدة.
(مع السلامة حفيظة... سنعود إن شاء الله في وقت لاحق.. إعتني بنفسك...)
تجاوزتاه بسرعة تُلقيان بتحية عابرة ردها بإقتضاب محرج و تقدم نحو زوجته ليجلس على طرف الأريكة يجاور جانب جسدها ، يحدق بها بإضطراب أفقدها ما تبقى من صبرها فبادرته تستفسر منه.
(ماذا حدث يا فواز؟)
لم يجبها فورا يلتقط ولدها ليقبل وجنته بحنو ثم وضعه على حجرها.
إنه يستغل جدار حمايتها، يضع مولودها على حجرها فيهون كل شيء عليها!
(تحدث يا فواز ... بالله عليك!)
مسح على وجه يحوقل بضنك أثار المزيد من خوفها فضمت ولدها إلى صدرها تتشمم رائحته التي ترسل السلام عبر عواصف دواخلها لتندثر في غمضة عين ولا يبقى لأي شيء آخر أهمية تذكر.
(والدتك هربت من المصحة يا حفيظة... ولا أحد يعلم عن مكانها..)

يتبع

noor elhuda likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:32 PM   #1075

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

*****بعد سنتين****

**المدينة السياحية**

أشار لها لتتقدمه فإبتسمت له بحب وقبضت على حاجز الجسر، تستنشق هواء البحيرة العليل، تجبر عيناها على إختيار متعة تأمل الطبيعة الخلابة فتعود عليها برفض وإستخفاف تفضله هو!
من يدق قلبها بإسمه ومن تعلقت روحها بروحه، ومن أضحت زوجته على سنة الله ورسوله قبل يومين.
فرت مقلتيها من سيطرتها إليه، تتأمله بهيام يثير المزيد من جنونه حولها ونحوها.
سنتين!
صبر لسنتين عمل فيهما بجد كي يحسن إختيار العمل المناسب وتوكل على الله في تنفيذ قراره، لم يحاول أحد من أهله رغم قلقهم عليه بثنيه عن ما نواه والجميع ساندوه وباركوا رغبته في تحقيق سعادته التي بدت لهم واضحة كتعبير صارخ عن تقديره لنفسه وإعترافه أخيرا بحقه في الحياة.
سنتين من الصعاب والعذاب بينما كيانه يستشعر وجودها القريب منه في نفس البلد، نفس المدينة، يحذره عقله الحكيم وقلبه الورع من تخطي الحدود فيعاقَب بحرمان أبدي لذا فضل حرمانا مؤقتا، خرقه مرات قليلة يتسلل فيها إلى جامعتها فينظر إليها من بعيد أو يطلب من والدها زيارتهم في البيت فينعم ببضع لحظات يحدثها فيها بحضوره الغيور دوما، يصبر بها قلبه ثم يلتزم أغلب أيامه.
مرت الأيام وتوالت الشهور، رافضا أن يعقد قرانه عليها ليسهل على نفسه إجراءات الإقامة، مدركا بكون زواجه منها مع وقف التنفيذ لن يشكل سوى عبئ يضعف موقفه أمام إلتزام ضميره لذا رفض الأمر شكلا ومضمونا وقد أسعده إحترام وإعجاب السيد صلاح الدين، الذين تضاعفا ليبرزا في حواراته معه كلما قابله.
والآن يجد صعوبة في تصديق نفسه، لقد تزوجها قبل يومين هنا في بلده بعد عودتهما خصيصا ليقيما عرسهما المنتظر.
*الجو صحو لكن حار قليلا*
أخبرته متهربة من الخجل الذي يكتنفها من نظرات عينيه البراقتين بوله يخصها بها فإبتسم بعذوبة، يجيبها.
*رافقيني لنستظل بالشجر...*
بسط كفه إليها فنظرت إليها للحظة قبل أن تستجيب له وتمد يدها نحوه ليقبض عليها بتملك يحيطها بلطف وخطى نحو منطقة الأشجار الكثيفة وقبل أن يتوغلا بينها لمح نظر بعض الشبان إليها، لم يكونوا عابثين أو متحرشين لكن حقا معجبين وكم آلمه ذلك فتحول إلى الجهة الأخرى تحت نظراتها المستغربة.
حثها على الإسراع ليتخطيا بضع صفوف من الشجر حيث تنتشر تجمعات من الناس إلى منطقة خالية ليضمن بعضا من الخصوصية لهما.
أراحت ظهرها على جدع الشجرة، تبادله النظر بإستغراب بينما هو يتأمل ثيابها، فستانها الحريري المنقوش بأشكال هندسية بألوان مختلفة باردة، طويل وبتنورة واسعة لكن شفاف نوعا ما وبطانته حدها بعد ركبتيها بقليل كما أن كميه قصيرين يكشفان عن ذراعيها النحيفين ذوا بشرة بيضاء توحي بنعومة ساحرة من مجرد مرآهما وشعرها الأسود بقصته القصيرة يتوه بين أطرافه المتطايرة فوق نصف عنقها فيذوب فداء للمسة واحدة تفتح عليه أبواب الشوق الحارق لبقية أطرافها، وجهها الفتان، خصرها المياس و...
*ما بك؟*
أجفلته من شرود عينيه وفكره فيها فازدرد ريقه، يتمالك وجع غيرته، مستحضرا نظرات الشباب مدركا تبعاتها التي يشعر بها شخصيا.
*أنت جميلة..*
أشار لفستانها فاحمرت تشكره بإيماءة خجلة ليكمل بطريقة حاول إسباغ الطرافة عليها.
*جميلة جدا في الحقيقة... وهذه مشكلة حقيقية ..*
عقدت جبينها، تستوعب إشاراته ثم سألته بحيرة.
*مشكلة؟*
هز رأسه بينما يفسر بصدق يختار تعبيراته بعناية.
*إسمحي لي بسؤالك سلا.. لماذا لست محجبة؟*
فغرت شفتيها مستغربة وقد توقعت سؤاله هذا من قبل وإنتظرته لكنه لم يسألها رغم غيرته التي لمحتها مرات عدة من قبل.
*لا تتوتري من فضلك... إنه مجرد سؤال فقط أشعر بالفضول*
حسنا إنه نبيه أول إهتماماته أن يشعرها بالأمان ثم يأتي الباقي.
إستجمعت أفكارها تتنفس بعمق ثم هزت رأسها تجيبه.
*لا سبب محدد... لم أعلم أن هذا يضايقك..*
رقت مقلتاه وإقترب منها يشير بهدوء.
*أعترف بأن الغيرة حارقة ... أود لو لا تلمحك العيون... لكن في النهاية هو سؤال بديهي لكل مسلمة*
يغرقها صدق إحساسه وشفافية نظراته العاشقة في حبه أكثر فأكثر فتتوق إلى التقرب منه أكثر، الإلتحام به لو أمكنها، أفكارها تفاجئها، رغباتها التملكية تصدمها.
*لسن كل المسلمات محجبات على فكرة*
تشير له ببسمة ماكرة فيبادلها نفس الشعور المدغدغ لقلبه، مشيرا بمرح.
*وهذا ما يثير إستغرابي أكثر على فكرة*
زمت شفتيها بتسلية ورفعت حاجبها فبدت له أكثر فتنة، يذوب في هواها بكل رحابة صدر.
إستدرك متهربا من إلحاح فؤاده بوصال يتلهف لإتمامه.
*كنت أريد معرفة الفريق الذي تنتمين إليه ولقد علمت*
إحتارت فإستفسرت
*فريق؟*
أومأ، يكمل محاصرا إياها بنظاراته الولهة.
*هناك فريق يبرر تقصيره .. وفريق يقر بتقصيره مع رجاء بالهداية... وأنت من الفريق الأخير لحسن الحظ...*
بحركات أنثوية تفقده عقله أشارت له بكفيها الصغيرين.
*لن أبرر تقصيري في طاعة أمر من أوامر الله... وأنت محق.. أرجو الله أن يهديني قريبا...*
هز كتفيه وإبتسم بتهذيب يثرثر لها.
*هناك الكثيرات للأسف يبررن ورجال أيضا على فكرة فيما يخص معصية أوامر إلهية أخرى ...حتى لا تتهميني بالعنصرية...*
ضحكت برقة فود لو إستطاع السماع لوهلة فقط لينصت إلى نبرة صوتها ونغمة ضحكتها المتسللة من بين شفتيها النديتين.
لم يكن يعلم أن هناك شيء اسمه الصوت يملأ المحيط بالصخب حتى تعلم ذلك مع نشأته وقد راوده فضول في مرحلة عمرية معينة لمعرفة كيف يبدو الصوت من الأساس لكنه تغلب على فضوله ذاك كما تجاوز الكثير.
*لن أتهمك بشيء أبدا... فأنت محاور ماكر وتعلم كيف توصل مغزى قضيتك بشكل مباشر وبسيط... ومهذب*
لمحت ذلك البريق الذي عبر صفحة مقلتيه فاقشعرت بشرتها، لن تحتمل المزيد من محاصرته لها فضمت ذراعيها تطوق بهما جسدها ولأنه يشعر بكل خلجاتها تراجع خطوة إلى الخلف، يدس كفيه في جيبي بنطاله الرمادي المخطط بالأسود، يهز كتفيه بصمت يتأمل الأشجار حولهما.
أعادت خصلات من شعرها خلف أذنها ثم أشارت له بعد برهة، تسأله بحذر.
*هل تطلب مني التحجب؟*
رف برموشه الحمراء، يتأملها بتفكير قبل أن يمنحها رده.
*إخترتك من قبل كما أنت ... وقلبي أحبك بل عشقك بكل تفاصيلك .. حلاوة روحك قبل تصرفاتك...شخصيتك بأكملها كما هي سحرتني وجذبتني إليك بكل قوة... حجابك لا علاقة له بحبي لك... ولا أسعى لتغيير أي شيء فيك... لأنني وقعت في حبك كما أنت... هل أغار حين تلمح العيون جمالك؟.. بلى ... أغار بجنون و سأظل أغار عليك حتى وأنت محجبة لأنك زوجتي وحبيبتي... *
بلعت ريقها وقد عادت للخلف تتمسك بجدع الشجرة، تلاحق إشاراته بذهول مبهج.
*لكن بدافع حبي لك وكواجب عليّ كمسلم نحو كل مسلم أو كل إنسان بالنصح... أنت مسلمة باختيار ناضج منك ورضى ... إذن المنطقي الرضوخ والإستسلام لأوامر الله... وإلا ضاع مغزى العبادة وهي طاعة تامة مدفوعة بحب الخالق وخشيته... *
جعد ذقنه ثم أضاف.
*سأعطيك مثالا لما أقصده... كيف كانت نتائج مواد تخصصك في الجامعة ؟*
تركت جدع الشجرة مرغمة، لترد.
*أغلبها جيدة ... إثنتين متوسطتين ...*
أومأ يسألها مجددا
*هل كنت تحبين تلك المادتين؟*
إمتعضت، تشير بإنزعاج
*أبدا ..كانتا ثقيلتين جدا ... وكنت بالكاد أحصل على نتيجة مرضية بهما...*
هز كتفيه بإستخفاف، يعقب.
*ولمَ أرهقت نفسك؟... لماذا لم تقومي بتجاهلهما كليا؟*
إرتفعا حاجبيها بدهشة وقد نسيت في خضم حوارهما خجلها وفيض أحاسيسها الثائرة.
*كيف أفعل ذلك؟... لا أستطيع *
*لماذا؟... أنت لا تحبينهما...*
عبر بجدية أقنعتها فدافعت بإستنكار جلي.
*لكنهما من مواد التخصص الذي إخترته... وإن لم أحاول على الأقل موازنة معدلاتهما مع باقي المواد فسأرسب... *
إدعى التفكير ثم راوغها مجددا.
*لماذا لم تطلبي من الجامعة حذف تلك المادتين من التخصص؟.. بما أنك تنفرين منهما... ولابد وأنك تفكرين بعدم الجدوى منهما...*
حركت رأسها إلى كلا الجانبين ثم ردت بإستغراب من الحاحه الغامض.
*حتى لو ... من وضعوا المناهج يرون بأنهما مهمتان ومكملتان لذلك التخصص.. فحتى لو رفضت أنا أو نفرت لا يهم... وإن لم يعجبني أغير التخصص ...*
تبسم بغموض، يشير لها.
*ولماذا لم تغيري التخصص بما أنك قابلت فيه مادتين صعبتين بالنسبة لك وغير مجديتين؟*
زفرت، ترد بضيق.
*لأنني لم أحب باقي التخصصات ولست بارعة سوى في الذي اخترته... أحبه رغم تلك المادتين التين أستصعبتهما فيه...*
هز رأسه بتفهم يحرك كفيه، معبرا عن تعقيبه.
*إذن أنت اخترت التخصص بمحض إرادتك لأنك تحبينه... فتحملت مسؤولية منهجه وحاولت بكل جهدك أن توازني نتائجك بتحقيق ولو معدلات متوسطة في المادتين الصعبتين تكملين بها المعدلات العالية في باقي المواد التي تسهل عليك أكثر... لم تتجاهليهما ولم تطلبي إلغائهما ولم تبرري نفورك بل إجتهدت وحاولت جهدك...*
وافقته، تكمل عنه بمنطقية.
*لأنني إن لم أفعل ستقع النتيجة النهائية حتى لو حققت معدلات جيدة في باقي المواد... المادتين من المنهج ولهما معامل لابد أن أعمل بحسابهما...*
إتسعت بسمة الظفر تملأ وجهه، وبرقت مقلتاه فزمجرت لائمة تشير له بحنق.
*كل هذه المناظرة لتقنعني بغباء إهمال أوامر الله ما دمت إخترت عبادته عز وجل وبحب... حسنا لقد أخبرتك من قبل .. أنا لا أبرر تقصيري.. وسأتحجب اليوم بإذن الله... *
غامت مقلتيها بحنين ولو شابه الوجوم، تضيف.
*هل تعلم متى شعرت بأنني اخترت الاسلام حقا لأنني أحببته واقتنعت بأنه دين حياة وليس فقط موروث عائلي وجزء من الهوية وانتماء للوطن؟*
أشعلت فضوله فركز على كفيها بأنظاره.
(كان لنا جارة منذ أن وعيت على الدنيا وهي صديقة لوالدتي ونشأت صداقة بين أسرتها وأسرتي وأضحت ابنتها صديقة لي ولسارة... نشأت معها ودرسنا في نفس المدرسة... وعلى مر مراحلنا العمرية لاحظت اضطرابا ما يعتري صديقتي .. لم تكن طبيعية في أفكارها وكثيرا ما كانت تتوه في حياتها... جربت كل شيء تقريبا ونحن لم نصل بعد للسنة الثانية من المرحلة الثانوية.. جربت الخمر والمخدرات والعلاقات... كل ذلك وأنا وسارة نخفي الأمر على ماما بعد ان اتفقنا معها بأنه لا علاقة لنا بما تفعله أو الأماكن التي ترتادها....*
لم يعبر عن صدمته أو خوفه الذي فات عليه الأوان وحافظ على مظهره الهادئ، يتابعها إشاراتها.
*المهم في الأمر أن كل شيء سار على ما يرام لكن للاسف هي لم تكن تصغي لنصائحنا أنا وسارة... وفي مرحلة ما اعترفت لنا باكتشافها العظيم بأنها ليست سوية... والألعن أنها تحبني أنا....*
اكتفى من التظاهر و جحظتا عينيه عن آخرهما، يلوح بيديه بعصبية واضطراب.
*المنحلة!... كيف سولت لها نفسها!.. تلك القذرة!*
احمر وجهها فتراجع، يضغط على شفتيه متمالكا غضبه يود لو يقابل تلك الساقطة لتنال منه ما تستحقه.
مسح على وجهه واشار لها معتذرا فضحكت، تجيبه ببشاشة.
*لا بأس! فأنت محق... رددتها مرارا وهددتها لكنها كانت مصرة الى درجة أن طلبت من والدتها التوسط لها عند والدتي ليوفقا بين قلبينا ... تخيل الى أي مستوى وصلوا إليه من الانحلال... والدتها تعلم بشذوذ ابنتها بل وتناصرها بمساندتها ... وطبعا ماما حين علمت أقامت الدنيا وتشاجرت مع صديقتها وأصرت على الرحيل من ذلك الحي بأكمله... *
زم شفتيه ونظر إليها بتشفي، يشير بفخر.
*رحمها الله السيدة بلقيس... *
تنهدت مبتسمة بحزن فأصابته عاطفة إشفاق.
*آمين... حينها تأكدت بأن الاسلام فطرتنا التي فطرنا الله عليها... وكلما عشنا حياتنا بما يرضي الله كلما وافقنا فطرتنا وبالتالي أفدنا أنفسنا وأرحنا قلوبنا ... تعلمت بأن الله عز وجل لا تزيده أو تفيده طاعتنا في شيء ولا حتى معصيتنا ستضره بشيء... بل الطاعة تصب في مصلحتنا والمعصية تدمرنا ...*
رقت مقلتيه واقترب منها، يداعبها ببسمة لطيفة.
*هل ترين لماذا سألتك عن تأخر تحجبك؟*
أومأت بتفهم ثم ضيقت مقلتيها بمرح ماكر،تشير له.
*تدري ماذا؟... لنذهب إلى المحلات ونقتني بعض ملابس المحجبات ... ما رأيك؟.. لا زال لدينا وقت*
(... آه .. ماذا تفعل؟)
كان قد انقض عليها يرفعها من خصرها يلف بها، فهتفت به بما لم يسمعه يرفع وجهه إليها حين توقف وهي لاتزال بين ذراعيه. تجمد بهما الزمن والمكان يتناظران بحب ولهفة عشقهما تلفهما بغيمة ساحرة، فلم يعيا بمن سبق ليصل إلى الآخر لتتعانق الأرواح عبر تلاحم الشفاه برقة مستكشفة تحولت إلى إلحاح بدافع الحاجة في كل ما يمتلكه الشريك، قلبه، روحه، فؤاده وأنفاسه إن إستطاع تحصيلها.

يتبع

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 21-04-20 الساعة 03:33 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:34 PM   #1076

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**مطار المدينة السياحية **

نفضت سارة خمار وجهها بحركات خفيفة لتروح عنه قليلا، تنتظر برفقة زوجة شقيقها حياء أمام مخرج المطار الداخلي بعد أن صفت السيارة في المرآب الخاص.
(لا أفهم سر القرار الغبي بعدم دخول الناس إلى صالة الإنتظار... لا يكترثون بمن يحترق تحت أشعة الشمس الحارة....)
تتأفف سارة بتعب، تتحسس بطنها المنتفخة فتلتفت إليها حياء، تجيبها بإشفاق.
(يخشون الجرائم فيتخذون إحتياطات صارمة .... لما لا تنتظرين في السيارة؟... ما كان عليك القدوم من الأساس...)
همت سارة بالرد حين قاطعهما تدخل متهكم.
(لن تكون سارة المجنونة إن لم تفعل ما في رأسها...)
هرولت حياء إلى زوجها دون وعي، مسحوبة بشوقها لكنها توقفت كما هو منتظر منها على مقربة منه، تتفحصه بهيام.
تبسم بحب ومد كفه ليصافحها وما إن أعطته يدها جذبها فجأة تخفي شهقتها على صدره وقبل رأسها، يهمس لها بشوقه تحت نظرات سارة التي تأففت بضجر، تعقب.
(أجلا الإستقبالات الحارة حتى البيت أنا أحترق هنا...)
إفترقا كلاهما يحمر هي خجلا وهو من الحر ومشقة السفر وتقدم منها ليقبل رأسها هي الأخرى، يعاتبها بحنو.
(لما أتيت وأتعبت نفسك؟)
ردت عليه ساخرة بينما يسيرون نحو المرآب.
(وأترك زوجتك تقود السيارة بطريقتها المترددة ..أبدا)
مططت حياء شفتيها، ترمقها بلوم فضم يوسف كفها يرفعه إلى صدره وكفه الأخرى يجر بها حقيبته.
(زوجتي تقود جيدا... لاداعي لسخريتك وتبجحك سأشكوك للفقيه...)
أصدرت حياء صوتا ينم على الإستنكار فضحك يستدرك وأخته تشاركه الضحك وهي تفتح حقيبة السيارة.
(إستولت عليه كليا... أليس كذلك...)
أومأت حياء تضحك بخفوت فقبل كفها خفية عن أخته وفتح لها الباب لتستقل المقعد الأمامي قبل أن يستدير إلى أخته يهتف بتسلية
(رحم الله أيامك يا فقيه محسن... راحت عليك وقضت عليك المجنونة)
بسط راحة يده نحوها لتعطيه مفتاح السيارة فضمت ذراعيها، تجيبه بحنق ساخر.
(تتهكم علي وتُقعد زوجتك في المقعد الأمامي وفوق ذلك تطلب مني المفتاح... لماذا أعطيه لك؟)
إقترب منها يفك عقدة ذراعيها وإلتقط المفتاح ثم سحبها ليفتح لها الباب الخلفي للسيارة، قائلا ببشاشة حانية.
(لأنك حامل... والحوامل يقعدن في الخلف بتهذيب وهدوء...)
أغلق الباب وإلتف ليحتل مقعده وهي تخبره بنفس النبرة الحانقة
(على فكرة بابا غاضب منك لأنك لم تلحق بعقد قران سلا...)
رمق إنعكاسها على المرآه الأمامية، يبتسم لها بإستفزاز كلهجة رده عليها.
(لا دخل لك فيما بيننا أنا وأبي.. إعتني بنفسك وطفلك القادم بإذن الله... وابتعدي عن القيادة حتى تلدي بالسلامة...)
إلتقط تبرمها رغم غطاء وجهها فإلتفت إلى زوجته، يبتسم لها بحب يسألها.
(كيف حال بلقيس؟... إشتقت لصغيرتي جدا..)
بنظرات بالغة التأثر لمست ظهر كفه القابضة على رأس الدواسة.
(بخير الحمد لله.... تركتها مع عمي صلاح الدين ...)
غامت عينا يوسف، يفكر في عشق والده لحفيدته يتحين الفرص ليناديها بإسم حبيبته الراحلة، لقد أصاب ووُفق بفضل الله حين أطلق إسم والدته على إبنته فكانت منبع أمل تشبث به والده ورحمة من الله أخرجته من عالم حزنه ووجع الفقد إلى الإستبشار والتعايش مع أقدار الله، بقناعة تسكن بها القلوب.
..................
**المعرض**
بحاجبين معقودين إرتفع رأس نهيلة من على القطعة التي تكاد تنهيها فتدير رأسها إلى الأصلية داخل صندوق والدة زوجها الراحلة لتقارن بينها فتشعر برضى تجسد على شفتيها ببسمة رائقة تحولت إلى هلع وهي تلمح إبنها ذو التسعة أشهر يقترب حبوا من القابس متعدد المداخل فشهقت بقوة، تسرع إليه تخطفه من على الأرض بسرعة خاطفة.
إنطلقت ضحكات الصبي يظن بأن والدته تلهو معه فأسدلت جفنيها تتنفس بقوة بينما تهمس بهلع.
(يا إلهي!... الحمد لله... والدك محق... المكان خطير عليك...)
قبلته تتشمم عنقه ثم قررت زيارة محل زوجها كي تتركه عنده لساعة أو إثنتين تنهي فيهما عملها.
في تلك اللحظات كان بهيج يزفر أنفاسا ساخنة من فتحتي أنفه بينما يتخصر على عتبة محل فواز المتفاجئ به وبغضبه الظاهر على وجهه العابس فإلتفت إلى المرأة التي جاءته بعد مدة طويلة من غيابها ظن فيها بأنها إستسلمت أخيرا وكفت عن مطاردته.
(لم تردي علي بعد عن سبب زيارتك!...)
تغضنت ملامح المرأة برفض من إقتحام بهيج لخلوتهما وهي التي منّت نفسها بنجاح ساحق في إستمالته الآن وقد مرت سنتين على زواجه، فرجل مثل فواز زائغ النظرات لن يرتدع مدى الحياة ولن يكتفي بإمراة واحدة، لذا نست أمره لشهور طويلة، تتجاهل رغبتها كلما لمحته بين أرجاء البلدة تصبر نفسها حتى حين.
وما إن سافر زوجها مجددا تاركا إياها خلفه قررت أن تجرب حظها معه مرة أخرى لكن أصدقائه الكثر والحائمين حوله دوما يحرمونها الفرصة الكاملة والسهلة لإستمالته.
(آ... ه... جئت لأقتني عطرا لزوجي...)
إلتوت شفتا بهيج ببسمة ساخرة بينما فواز يجيبها مؤثرا السلامة رغم عدم تصديقه هو الآخر لقولها.
(أيُّهم تريدين؟)
مالت على الحاجز الزجاجي بصدرها المكتنز، والمكشوف بدايته بسخاء، تجيب بإغواء متعمد.
(مثل الذي تضع منه... يعجبني جدا ... ويغريني جدا جدا..)
(يا الله!)
زمجر بهيج يعض على نواجده وفواز يفغر فمه بإضطراب، يرمقهما بالتناوب فلم تفر منه عينيه كعادتهما إلى مفاتنها كنظرة أولى كثيرا ما يتمالك نفسه ويطرد شيطانه بعدها فلا يعيدها بإستثناء مرات نادرة يسقط فيها وسط هوة الضعف فيطيل النظر ليندم بعدها ويسرع بالتوبة والإستغفار.
إلتفت يبحث بين القناني وإلتقط واحدة، دسها داخل كيس صغير ووضعها أمامها يقول بلهجة حازمة.
(تفضلي إنها هدية من المحل... رافقتك السلامة...)
زمت شفتيها المصبوغتين بالأحمر الفاقع، تضمهما يمينا ثم يسارا قبل أن تستقيم بحركات مدروسة ثم أخذت الكيس لتقول بنبرة مائعة.
(شكرا لك.. وللمحل... إلى لقاء قريب ...)
همت بتجاوز بهيج فهمس لها بنبرة مسموعة لفواز.
(يسعدني حقا معرفة رد فعل زوجك على ما تفعلينه... مع أنني أعرفه جيدا لأستطيع القول بأنكما تستحقان بعضكما...كما أعرف مدى فخره بنفسه وغروره...)
لمح تغضن ملامحها والرعب الساكن لمقلتيها المرسومتين بدقة فإبتسم بتشفي، يكمل تهديده.
(من الأفضل لك نسيان أمر هذا المحل وصاحبه... وإن كنتِ لا تكترثين لا بخالقك ولا بمصلحتك... فدمري نفسك بعيدا عن ...هنا!)
غادرت المرأة تهرول برعب فرفع بهيج أنظاره إلى صديقه الذي بسط ذراعيه في الهواء، يبتسم له بسماجة متعمدة.
(براءة... لم أفعل شيئا...)
زفر بضجر وإستدار عائدا إلى محله غافلا عن بسمة فواز المتأثرة، سيظل بهيج يشعر بتأنيب الضمير نحوه ويحاول حمايته من نفسه وأهوائه ليكفرعن ذنبه الماضي.
يحب ذلك ويشعره بعودة صديق طفولته إلى حياته.
إرتفع رنين هاتفه برقم زوجته فضحك، يعقب بتهكم قبل أن يجيبها.
(قرون إستشعارها مخيفة... السلام عليكم حبيبة قلبي...)
أنصت إليها ثم رد بمزاح.
(دوما ما تظلمينني.... وأنت فعلا حبيبة قلبي التي تطلب وأنا أنفذ...)
ضيق مقلتيه لبرهة قبل أن ينتفض بخوف.
(ستلدين؟... لكن... آه...نعم أنا قادم... )
أسرع ليغادر قبل أن يزمجر بعصبية، عائدا ليجمع متعلقاته الخاصة.
زوجته الغريبة الأطوار حملت مرة أخرى ما أن بلغ بكريهما عاما دون حتى إستشارته ووالدته تناصرها عليه فلا يجد بُدا من الإستسلام.
يحبها رغم كل شيء، تعرفت على مفاتيحه من والدته تستغلها جيدا لكنها والحق يقال دائما ما تسعى الى إرضائه مادام لا يشعرها بشك نحوه ورغم إصراره على كون قرارها بالإنجاب سيىء التوقيت إلا أنه لا يستطيع إنكار سعادته و حماسه لإستقبال صغيرته.
.................

(بهيج بالله عليك ساعدني قليلا وأمسك إبنك... إنه يثير جنوني...)
بادرت بلهحة متوسلة ما أن إقتحمت عليه المحل الذي تحول إلى مشغل بأكمله وقد توسع عمله وقام بإستغلال الطابق السفلي في بيته الجديد كمعرض بينما خصص المحل القديم للعمل فيه مع عاملين مساعدين.
(عليكم السلام...)
رد بنبرة ذات معنى فإقتربت منه، تقبل وجنته تسترضيه وحين همت بالإبتعاد طوق خصرها المكتنز، يقبل شفتيها بخفة قبل أن ينتقل إلى ولده يقبله هو الآخر فناولته له بينما تنهره بلطف.
(ماذا لو دخل علينا العمال؟)
إحتفظ بهما بين ذراعيه، يرد بعبث.
(لا أحد يعنيه ما أفعله مع زوجتي وإبني.. )
عقدت جبينها، تتأمل زرقة عينيه للحظة قبل أن تفعل ما تبرع فيه، تفر منها رحمة بقلبها الذي لا يعتاد أبدا على تحمل عشقها لعينيه والغريب في الأمر أنهما أكثر ما ظنت أنها تنفر منه بسببهما لتكتشف أن السيب الحقيقي لهروبها من زرقة عينيه عشقها لهما.
(صرفتُ العاملين مبكرا اليوم لأن لدي موعد مع الضابط هشام....)
وجمت نهيلة فرفع وجهها من ذقنها، لا يكل من محاولاته ليجعلها تنظر إلى عينيه خصوصا بعد تنصته الغير متعمد لمكالمة مرئية بينها وبين سلا، إكتشف فيها عن سر تهربها من النظر إليه مباشرة وعلى قدر ما أسعده ذلك خلق لديه تحد أحمق غريب ليجعلها تتخطى رهبتها من عينيه.
(لا تقلقي إنها آخر مرة...)
تنفست بإحباط، تفسر.
(يا بهيج أنا أقدر ما تفعله وتبدله في سبيل التخلص من السحرة وشرورهم... لكن الحمد لله أخيرا تخلصنا من تأثير ذلك العالم على حياتنا... أخشى أن يعلم أحد منهم عن تعاونك مع الشرطة فيكدون لك ويسلطوهم عليك فنعود إلى نفس المشكلة مجددا..)
بحركات رتيبة ظل بهيج يهدهد صغيره بذراعه الأيمن بينما الأيسر يداعب به خد زوجته، يفسر لها موقفه.
( أعلم حبيبتي.. وأنا مثلك أخشى نفس الأمور... لكن لله كريم... إن شاء الله ستكون آخر مرة... لأن الدجال المعني حاول إستغلال أحد حراس مقبرتنا مع أنه ليس من البلدة... فريق الحراسة الذي تم تكليفه لحراسة المقبرة بتمويل من الجمعية وحرص شباب البلدة بفضل الله كان الجدار القوي في وجه الدجالين المجرمين... وبما أنني أعرفه قررت مساعدة هشام لآخر مرة وطلبت منه عدم ذكر إسمي لأن للأسف بعض عناصر الشرطة وأصحاب مناصب رفيعة المستوى أيضا يقصدونه...)
ثم هز كتفيه وأصابعه تربت على شفتيها بشرود.
(نحاول ما بوسعنا لحماية بلدتنا متوكلين على الله... لا تقلقي...)
تذكرت الأيام العصيبة التي مرت عليهما، يحاربان فيها عدوا غير مرئي لكنه حاضر بشره ووسوسته يستغل مواطن الضعف، لكنهما لم يستسلما بل كان لهما البلاء دافعا ليقويا صلتهما بالله ويجاهدا في سبيل تحقيق النصر إلى أن أمر به الله وإختفوا من حياتهما.
ورغم ذلك لم يسلما بحقيقة رحيلهم النهائي فلن يُسموا شياطين لو رحلوا ليذروا بني آدم بسلام، لابد سيحاولون كل مرة دون ملل ولا كلل وهما عليهما الإستعانة بالله دوما وأبدا.
أجفلت على قبلته لشفتيها وسريعا ما إندمجت معه، تبادله حبه بشغف مماثل.

يتبع

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 21-04-20 الساعة 03:35 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:36 PM   #1077

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**منزل والد زينة**

قلبت حاملة الخبز لتحط بقرص العجين داخل فرن الغاز، ثم إستقامت تغلق بوابتيها.
وضعت الحاملة الخشبية فوق الفرن وإستدارت تعد السلطة دون كلمة واحدة، قسماتها مشدودة وفمها مزموم بحدة.
(زينة... أنا أحدثك..)
نطق هشام بعد أن نفذ صبره، يشاهدها لما يقارب الربع ساعة على وضعه يستند بجانب إطار مدخل المطبخ.
(ما عندي قلته ... ولا مجال لدي لحديث غيره...)
نطقت من بين فكيها المطبقين، تخطو جيئة وذهابا بين الفرن والحاجز الرخامي.
إعتدل في وقفته ومسد مؤخرة رأسه الحليق قبل أن يتقدم خطوات حتى أصبح خلفها يدنو برأسه قليلا، يستنشق عبيرها.
لن يفهما أبدا مهما حاول، زينة بالنسبة له فتاة بعقد غامضة كثيرة، لكنه يحبها بل يعشقها ولا يتخيل حياته من دون وجودها فيها، كلما تذكر أنه فكر في يوم من الأيام اقتراحها على شقيقه كزوجة لعن غبائه وشكر الله كثيرا لأن الأمر لم يكتمل.
(لماذا أنت منزعجة مني؟... الحديث سار بين أمي وأختي ولم يقلنه أمامك حتى.. إذن لماذا أنت غاضبة مني؟...)
إلتمس رعشتها تأثرا بنبرته الهامسة وقربه الشديد منها فإرتاحت ملامحه برضى مبهج سريعا ما اختفى بفعل كلماتها الجافة.
(أهلك لا زلوا يأملون بأن تستقل في بيت خاص بك.. لا يفكرون في مصير رجل كبير مريض ... ولماذا سيفعلون؟... هو مجرد غريب عنهم....)
أمسك بذراعيها يديرها إليه، مستفسرا منها بينما يرمقها بلوم.
(لماذا هذه القسوة؟..... ماذا فعلت وبما قصرت في حقك أو حق عمي؟)
قاطعته، تشير إليه بسبابتها والشراسة تتجمع لتطلق شعاعا قويا من خلال عينيها المظلمتين.
(لم تقصر في شيء.. وأنت لست ملزما بأبي...)
هزها مجددا، يحذرها بحدة تصدر منه كلما حاولت إبعاده عنها وكأنها ملت من إنتظار اليوم الذي سيتراجع فيه عن قراره ويقرر الرحيل وأخذها معه فتدفع به بكل قوتها ليرحل وحتما لن ترحل معه.
(لست ملزما به ولكنني أحبه.. كما أتحمل مسؤوليتك لأنني أحبك وليس فقط لأنك زوجتي...)
سكنت بين ذراعيه، ترمقه بضياع يتخلله الرجاء وأملٌ تكاد تخبو جذوته فيزرع مقلتيه المصرتين داخل عينيها الذابلتين يؤكد لها قوله.
(إلى متى يا زينة؟... متى ستمنحينني ثقتك؟... أنا هنا ولن أرحل إلى أي مكان بعون الله ... فإرتاحي وأريحي نفسك... لن أرحل إلى أي مكان يا زينة... مكاني هنا قربك حبيبتي وقرب طفلنا... وعمي الذي أعده والدا ثانيا لي...)
قلبت شفتها وتكومت ملامحها كطفلة صغيرة توشك على البكاء الذي إنفجرت به حقا، لتنهمر الدموع على وجنتيها بحرقة.
(ششششش... لم البكاء يا زينة... ششش.. سيسمعك عمي ويقلق ستحزنينه بلا سبب...ششششش!..)
شهقت، ترمقه بحزن بينما تشكو له مخاوفها التي وصلت بها المدى من العذاب والألم فلم تعد تستطيع الكتمان.
(أخشى أن تندم يوما ما يا هشام... فتضعني في موضع إختيار... كلما تذكرت ذلك أرتعب.. أحاول أن لا أفكر في الأمر وحين أنجح أسمع كلاما كالحوار بين والدتك وشقيقتك لأنتكس مجددا...)
بللت شفتيها دون أن تتكبد عناء مسح دموعها، مستسلمة لضغط زوجها على ذراعيها، يصغي إليها بقلق وإشفاق.
(أنا أحبك ياهشام وهذا ما كنت أخشاه منذ البداية ... أن يكبر حبي لك حتى يوازي حبي لأبي ... فأتمزق بينكما... والآن طفلي هو الآخر... فبالله عليك كيف لا أرتعب وأظل على أعصابي طوال الوقت؟)
لم يجبها فرفعت إليه مقلتيها الملتهبتين لتلمح بسمته المتسعة فقطبت تسأله بحنق.
(لماذا تبتسم هكذا؟)
رفع حاجبه الأيمن، يرد بإستظراف.
(المرة الأولى التي تبادرين فيها بالتعبير عن حبك لي بكل هذه القوة... تفعلينها وأنت تبكين وكأن عزيزا عليك قد توفي.... أنا محسود يا عالم... )
رقت مقلتيها بإعتذار صامت دام للحظات وجيزة قبل أن تضم وجهه، تضع أوزار معاركها أرضا.
(أنا أحبك هشام... ما كنت لأوافق عليك وأخاطر بوضعي مع أدنى شك لو لم أكن أحبك...)
(إذن لماذا كنت تبخلين بها علي؟... ولا تقولينها إلا كرد على مبادراتي أنا؟.... )
قاطعها بذهول فردت بحرج واجم.
(لأنني كنت أكذب على نفسي وأهدئها بكوني لست متعلقة بك... كنت أتوهم هشام... أتوهم بأن تصرفاتي تلك تعني بأنني لا أحبك ولا أهتم بك حتى لو قررت الرحيل....)
عاودت الدموع، تجتاح عينيها فمسحها ببعض الحدة، يقول بحزم.
(إنسي ذلك وثقي بي... ها أنا ذا أعدك وأقطع على نفسي العهد... أنا لن أرحل بإذن الله إلى أي مكان.... أنا باق هنا بعون الله معك ومع طفلنا وعمي ...)
همت بالحديث لكنها تراجعت تحرك أرنبة أنفها بريبة إنقلبت إلى هلع تشهق بقوة بينما تسرع إلى الفرن.
سحبت القرص المحترق وألقت به فوق سطح المائدة، تسأل الغارق في الضحك أمامها بإستنكار ضائق.
(أعجبك هذا؟)
سحبها إليه يقبل شفتيها ثم أبعد رأسه قليلا ليبثها سر عشقه لها.
(يعجبني جدا.... دعك من المطبخ ورافقني نستغل غياب الصغير وانشغاله مع جده...)
تحاول التملص منه دون جدوى فيقبض على خصرها بقوة ثم وبخفة رفعها عن الأرض من خصرها بعد أن أغلق الغاز وسار بها نحو غرفة النوم.
(هشام جننت؟)
أبي قد يحتاج إلى شيء ما والصغير قد ينفجر بالبكاء كالعادة.
أغلق باب غرفة النوم، يخبرها بما سيجعلها تنشغل عن إبنها ووالدها ويخدم مصلحته الفورية.
(أمي وشقيقتي لم تقصدا بحديثهما أن أشتري شقة لأستقل بها..)
وكما خطط تحجرت مكانها، تصغي بإنتباه تنتظر التتمة.
(أمي تتهمني دوما بعدم النضج وحسن تدبير أموري المالية...)
طوقها، يكمل تفسيره.
(فجُل غايتها الآن أن أضع ما تظن أنني ادخرته من راتبي في شراء شقة في أي من المدن الكبرى... أو حتى أبني بيت ملك هنا...)
(حقا!)
تساءلت بعدم تصديق وتوسل صدحت به لهجتها فدفع بها نحو السرير يرتمي فوقه ساحبا إياها لتقع فوقه، يؤكد لها بلهجة عابثة.
(رأيت؟... أحرقت أعصابك بلا سبب... لا بأس سأعدل مزاجك حالا...)
إلتقط شفتيها برقة يغرقها معه بعميق بحور عشقهما وبين موجة وأخرى يسألها إعترافها بالحب لتعيده مرارا على أذنه دون أن يكل ولا يرتوي
..............

**منزل الفقيه عبد العليم **

أنهى وضوءه وخرج من الحمام يتلمس طريقه نحو غرفة نومه وهناك توجه إلى مكان خفيه المنزلي ليرتديه بدل الصندل الخاص بالماء لكنه لم يجده فتوقف حائرا قبل أن يتنهد بيأس ينادي عليها ببشاشته المعتادة.
(سارة... أين الخفين؟)
كانت تستلقي على السرير، تراقبه بمرح وبسمة شقية تزين ثغرها حين أجابته بتبرم مزعوم.
(لا أعلم... إبحث عنه بنفسك بما أنك تعرف كل شيء... ولا تحتاجني في شيء....)
مسح على شفتيه، يبتسم بعذوبة وتوجه نحو مصدر صوتها الحبيب إلى أذنيه قبل قلبه.
وصل إليها وجلس يتحسس الفراش إلى أن أمسك بذراعها ثم بطنها البارزة، يداعبها برقة.
(تلهو بك الهرمونات أم أنه جنونك المعتاد يا حبيبة قلبي!... )
إتسعت بسمتها العاشقة، ترمقه بهيام يتضاعف مع مرور الأيام، فتزداد يقينا بحسن إختيارها أو لتكون أكثر دقة إختيار الله لها.
(كلاهما... )
قالتها بمرح فأنزل كفه ليلتقط يدها يقبل ظهرها، يحتفظ بها في نفس اللحظة التي علا فيها رنين هاتفها، تجاهلته تتنهد بتعب وحين عاد يرن مجددا سحبته وأسكتته لتغلقه نهائيا.
(لابد وأنك مستنزفة...)
يقولها محسن بإشفاق ممزوج ببعض الضيق من كونه لا يستطيع مساعدتها أو أن يحمل عنها كل شيء ففي النهاية ورغم كل مجهوداته يظل هناك حدا يستحيل تجاوزه.
إستدارت على شقها الأيمن، تجيبه بنبرة ناعسة.
(الحمل يتعبني كلما أوشك موعد الولادة.... الحمد الله لأنني سألد في العطلة الصيفية... حتى أنظم وقتي وأعتاد على النمط فلا أهمل سنتي الجامعية الأخيرة ...أما الجمعية فقد قدمت لهم طلبا لعطلة.... سأرتاح يا فقيه لا تقلق علي... )
إرتسمت بسمة واجمة على شفتيه يبدو لها شاردا فإعتلت ذراعها كتفه وسحبته نحوها تقبل وجنته بطريقتها الطفولية التي دائما ما تنجح في إستجلاب ضحكته الهادئة المستبشرة.
(إقرأ القرآن فلا أحب إلي من صوتك العذب يا فقيه .. وإذا نمت أيقظني... فيوسف وأبي وسلا سيتعشون معنا... )
(إن شاء الله...)
غمغم بها ثم إعتدل في جلوسه نحو القبلة ليشرع بتلاوة القرآن وفي وسط إنغماسه بالكلمات والمعاني كان باطنه ينتظر حركتها المعتادة ليكتمل سكونه إليها.
شعر بها تريح خدها على ظهره تطوق خصره فأنزل كفه يقبض على كفيها فوق بطنه، دون أن يوقف التلاوة، حركة عودته عليها كما عودته على وجودها الصاخب في حياته، صخب هو في أمس الحاجة إليه في هذه المرحلة من حياته.
تشغله بسكناتها قبل تحركاتها، بصمتها الذي يعلم أنها تتأمله فيه قبل ثرثرتها المؤنسة لأذانه، تلك الفتاة نعمة كبرى من نعم ربه الكريم عليه.
يحمد الله أن أهله قربه كما أهلها وأهل البلدة من المقربين والمحبين، كم يسهل إنتمائه لمحيطهم مصاعب الحياة!
الله كريم يفتح أبواب رحمته للعباد فقط لو شكروا وإستغفروا.
(لماذا سكتت؟)
تسللت همستها تداعب أوتار قلبه العاشق لها فتبسم مجيبا برقة.
(إنشغل بالي ففضلت التوقف قليلا حتى أستعيد تركيزي... كلام الله عظيم ...الخشوع حين تلاوته واجب والتفكر في قوله الحق حكمة... والحكمة خير كثير...)
تنهدت قبل أن ترفع رأسها لتلصق خدها بخده، تسأله بنعومة.
(و ما الذي يشغل بال الفقيه؟)
يمسد خدها بخده والدفئ يعتلي ملامحه السمحة، يقول ببعض القلق.
(ومن سيشغل الفقيه سوى ملكة قلب الفقيه ؟)
ضحكت بخفوت، جفنيها المثقلين يقاومان النوم مكتفية بالصمت، تصغي لإستدراكه.
(المسؤولية عليك كبيرة... ومع حملك أنا أخشى عليك... أحب أن أوفي بوعدي لك بأن أساندك لتنهي دراستك وتباشري أشغال الجمعية التي تكفلت بها...كان الأمر سهلا في البداية قبل أن تحملي... والآن ستتضاعف عليك المسؤولية... فأنت تعلمين ب..)
وضعت كفها على شفتيه وضمت خدها لخده أقرب وكأن هناك مسافة باقية، تعاتبه بهمس مداعب.
(الحمل يتعب جميع النساء العاملات والغير عاملات أو اللواتي يدرسن...و موضوع المسؤولية ناقشناه مرارا... يا محسن أقسم بأن هناك نساء تعرفت عليهن في الجمعية أبتلين بأزواج ظاهريا لا ينقصهم أي حاسة ولا حتى مال... لكن الحياة معهم جحيم... ناهيك عن من يتنصل من مسؤوليات بيوتهم ... زوجات بأزواج على ورق غائبين لاهين عن حقوق بيوتهم وأولادهم.... سواء بسبب المخدرات والخمور.. أو حتى قضاء جل الأوقات بين المقاهي والمباريات... فتلتهي المرأة بدور الرجل لتؤمن لأولادها حياة كريمة أو تكون مثله أو ألعن منه وتتوه هي الأخرى بين مختلف الملهيات والفتن... فيضع الأبناء وتتدمر الأجيال... ولا ننسى النساء بأزواج غائبين بسبب الرزق ... مغتربين عن عوائلهم فيتحملن مسؤولية الأسرة بأكملها... والله المستعان...)
تلكأت قليلا بينما هو يمنحها المجال لتكمل الحديث الذي تكرر بينهما كثيرا بسببه ليستدرج حقيقة مشاعرها وما تعانيه حتى إذا لمح يوما ندما أو تعاسة يبادر بالبحث عن حل مناسب لكنها كل مرة تقاجئه بمدى قوتها وإصرارها المتجسد في إيجابية مبهرة، تعيش بها حياتها يوما بعد يوم.
(أنا محظوظة جدا يا فقيه... والدتك أطيب النساء وهي تنتظر إبننا لتدلله وتعتني به وهذا يعني أنني لن أتحمل مسؤوليته بفضل الله لوحدي وسأتمكن من إنهاء دراستي ... هناك عمي الفقيه عبد العليم أيضا ينتظر مولده بفرحة تلمع بها عينيه ... ثم حياء وزوجات أصدقائك ..أخي وأبي حين يكونان هنا.... وقبل كل هؤلاء الله الذي من علي بهم جميعا وبك... فأنت خير زوج يا فقيه وأضحيت أخشى فقدان نعمة وجودك في حياتي وأنا أعلم كيف يكون مؤلما ومفجعا الفقدان...)
دلل جانب فكها بشفتيه، يبثها شعوره بها وهي تكمل بحب.
(أنا سعيدة معك يا فقيه... وأنت نعم الزوج وستكون نعم الأب إن شاء الله... وعلى فكرة هناك عصفورة إسمها الفطنة وسوست لي بأنك تثير هذا الموضوع عمدا كل مرة... لأمدح في أخلاقك وصلاحك الذي لا يحظين به الكثير من النساء...)
إتسعت بسمته بسرور يعقب بإعجاب ومرح.
(الجمال والفطنة... لا تنسي أذكار التحصين يا حبيبة قلب الفقيه... )
إهتز جسدها بضحكات رائقة ثم عادت إلى الخلف قليلا تريح خدها على ظهره دون أن ترخي ذراعيها تمسك بكفيه تخبره بلغة الإشارة باللمس.
*أحبك يا فقيه*
ولم يبخل لا ببسمة هيام صادقة ولا بحركات كفيه يردها عليها.
*وأنا أحبك يا قلب الفقيه*
تنهدت بهناء تطوق خصره ، فاستدرك بامتنان.
(منذ عودة نبيه وأنا أستغل كل لقاءاتنا لأتحدث معه باللغة الجديدة... لقد كان سعيدا أكثر مني... ولا نشعر بالوقت حتى يتأفف منا بقية أصدقائنا... لطالما تمنيت التواصل مع نبيه ودمعت عيني عجزا عن ذلك خصوصا في أوقات معينة كنت أشعر به في حاجة لي... لذا كان شعوري لا وصف له حقا... شكرا لك ...)
شدت على ضمه للحظة ثم همست له بحب.
( إقرأ القرآن يا فقيه... كلام الله بنبرة صوتك قطعة من الجنة... )
قبض على ظهر كفيها وبدأ التلاوة ببال خال من هموم الدنيا، يتفكر في قول ربه الحق الذي وعد عباده المنشغلين بالآخرة أن يكفيهم هموم الدنيا والآخرة.

يتبع

noor elhuda likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:38 PM   #1078

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**بعد يومين**

**منزل جرير**

أنهت توضيب المطبخ وعلقت المنشفة على بابه ثم توجهت نحو غرفة النوم حيث وجدته على وضعه راكعا على ركبتيه ويديه يلف محيط الغرفة بأميرته الضاحكة بشقاوة سعيدة على ظهره.
مططت شفتيها تنحني لتلتقط ملابسه ولعبها من على الأرض بينما تهتف برفض.
(ألم تجهز بعد؟.... يا إلهي جرير كفاكما لعبا!.. الغرفة تسبح في فوضى بسببكما... لا يظل أي مكان مرتب من خلفكما...)
أمسك جرير بإبنته يلفها إليه وتسطح على الأرض يحلق بها عاليا بذراعيه العاريين، فتعلوا ضحكاتهما معا بسعادة.
تخصرت تشاهد تسليتهما اليومية والمدمرة دوما لكل ما هو مرتب، هو وإبنته يثيران جنونها، فوضاويين لأقصى درجة فتركض خلفهما طوال الوقت لتحرص على نظافة بيتها ونظافتهما.
لمحته ينسل بسرعة من ثوبه العلوي يلقي به هو الآخر في الهواء فقهقهت الصغيرة وهمت بتقليده لتنتفض مهرولة إليها، تخطفها من فوق بطنه، تنهرها بحزم.
(لا تفعلي ذلك... أبدا...)
تجاهلتها الصغيرة تهتف من بين ضحكاتها وهي تحاربها لتنزع كنزتها الزهرية.
(بابا.. أفعل مثل بابا... بابا...)
إستقام جرير باسما بسعادة يشوبها المكر، قلبه يرفرف داخل صدره سرورا وبهجة.
(هل إرتحت الآن؟... أنت تفسدها... تفسد كل ما أعلمه إياها... )
إقترب منها، يقول بمهادنة.
( إنها صغيرة يا تقوى دعيها تلهو وتعيش طفولتها ...)
يداعب خدود فاطمة المكتنزين فتبسط ذراعها الصغير لتفعل المثل بينما تقوى تبعدها، لتجيب بدفاع.
(صغيرة اليوم كبيرة الغد إن شاء الله... إنها تفعل هذه الأشياء أمام الناس يا جرير... يجب أن نتوخى الحذر ونحسن تربيتها... )
عبس، يعقب بحمية.
(إبنتي تفعل ما تريده ... ومن يتجرأ على فتح فمه أعلم جيدا كيف أغلقه له...)
أمسك نفسه بأعجوبة كي لا يضحك على جمود ملامحها قبل أن تزفر وتخطو إلى السرير، هوت عليه وتركت إبنتها تهرع إلى والدها، تتشبث بقدميه.
يبدو أنه تمادى قليلا، يجب أن يرحمها ويعينها على تفكيرها المعقد نوعا ما.
إستوى قربها بجسده الضخم نصفه العلوي بلا ملابس بينما سروال الجينز الذي كان به في الحقول يحتضن نصفه السفلي.
سحب يدها يتلمسه بين كفيه قائلا بهدوء.
(كيف حالك مع الوحم؟)
أدارت رأسها إليه تتنهد بتعب ثم قالت بنفس هدوئه.
(ليس حادا كالمرة الماضية... )
ثم جعدت أنفها، تكمل بإمتعاض مبالغ فيه.
(لكن رائحتك لا تطاق هذا لم يتغير...)
أطلق سراح كفها يعبس في وجهها بجفاء فضمت شفتها تمنع نفسها من التبسم.
(حسنا سأستحم... لكنني بدأت أشك أنك تستغلين ذلك لتنتقمي مني...)
تخصرت تهتف بإنزعاج.
(لماذا يا حبيبي أنتقم منك؟... ماذا فعلت يا ترى؟)
حسنا لقد حاصرته، إلتوت شفته ببسمة مستخفة وسحب صغيرته التي كانت بين ركبتيه تستطيل على قدميها ليحملها.
(لم أفعل شيئا... أنت الغاضبة دوما...)
( أنا غاضبة لأنك لا تساعدني... تعلم أنني لا أحب الفوضى... وأنت تتعمد إحداثها وتعلم إبنتك نفس الشيء... قد يأتي أحد ما في أي وقت ويجد البيت في فوضى... ماذا سيظن حينها؟.. أنني ربة بيت فاشلة؟)
مسد خلف رأسه، يعقب بحذر.
(لا شأن لأحد في بيتنا وما يحدث فيه....)
كان يعلم أن واحدة فقط من يهمها أمرها، واحدة فقط من تصدر الأحكام وترمي لها الملاحظات غافلة عن كون إبنتها تسعى خلف الكمال فقط من أجلها، على أمل أن تسمع منها يوما ما كلمة ترضي بها الإبنة المتلهفة لفخرالأم.
لكنه يعلم أن ذلك مستحيل، مع حالة والدة زوجته النفسية لن يكون هناك تغييرا قريبا يلوح في الأفق لذا زوجته يحب أن تتعلم كيف تتعايش وكيف تتجاوز ذلك الأمر وهذا لن يحدث إلا بعد سنوات من العشرة معه كي يؤثر عليها.
ليس بمستعجل يدعو الله أن يجمع بينهما لسنوات طويلة، حقا يتوق لذلك.
(والدتك...)
أجفلها من شرودها، تهتف بتاهب.
(ما بها؟)
فتبسم ساخرا، يجيب.
(سلامتها... هل ستأتي أم أنك ستذهبين عندها؟... سمعتك تتفقين معاها على لقاء قريب...)
فغرت فمها بإدراك ثم مسحت على وجهها تنفخ الهواء من صدرها.
نهضت تجمع الملابس بينما ترد بإحباط إستشعره في نبرة صوتها الفاترة.
(تريد أن نجتمع من أجل غسل القمح وتنقيته... سنلتقي غدا أن شاء الله...)
أومأ بتفهم وصمت فنفضت رأسها من أفكارها السلبية، تستدرك بضيق متهكم.
(الأستاذة صفاء إعتذرت عن القدوم بعد أن كانت موافقة وقالت بأن الأستاذ زوجها قد قرر برنامجا للغد من قبل.... )
تبسم بتسلية فقطبت، تضيف بإنزعاج.
( إبن عمك يفهم المعضلة جيدا بل ويقوم بإستغلالها .. إنه مستول عليها تماما... )
(وهذا يضايقك مثلا لأنه...!!)
إرتفع حاجبه بينما يسألها فمططت شفتيها بعدم رضى طفولي ثم هزت كتفيها، تجيب بصدق.
(حسنا أعترف بأنني كنت مخطئة بشأنه... سامحني الله... لكن لا تنكر أنه مستفز..)
ثم تراجعت تغلق عينيها مستغفرة
(يا الله .. أستغفرك وأتوب أليك... أستغفرك وأتوب إليك يا ربي...)
مال نحوها ليسحبها معيدا إياها مكانها جواره وضم كتفيها ، يرد بنبرة مراعية.
(المهم إنهما متفاهمين ... فكفي عن القلق...)
تنهدت بأسى ما لبث أن إنقلب إلى إمتعاض وهي تبتعد عنه، تخبره بإشمئزاز.
(قم وإستحم يا جرير... الإحتفال سيبدأ وستتأخر عن صديق عمرك... وارحمني من الرائحة...)
أبعدت يدها القابضة على قميصه رهين قبضتها مع بقية الملابس التي لملمتها من على الأرض، تدعي الإشمئزاز فنهض يزمجر برفض وترك إبنته على السرير، تعبس بإستنكار هي الأخرى
وقبل أن يعبر العتبة نادته بمرح.
(جرير!)
إلتفت إليها، باله منشغل بعقدها لكن بسمتها المحبة مع نبرتها الحنونة دفعت بالدماء دافئة عبر جسده رأسا إلى عميق قلبه.
(جهزت لك الحمام... والملابس ستجدها معلقة خلف الباب... ستأكل أيضا بعض الطعام قبل أن تخرج كي لا تبقى جائعا في إنتظار عشاء العرس الذي قد يتأخر...)
إبتسم بدفئ، يهز رأسه بتفهم ثم إستدار يفكرأنه يعشقها وأنها رغم كل عقدها... زوجة صالحة.
.................

**منزل أهل مؤنس .. الدور العلوي**

بكسل يستلقي على إحدى أرائك غرفة الجلوس، منتظرا مكالمة إبن عمه ليرافقه إلى عرس نبيه
ينادي عليها بعبث تشبعت به نبرته ولا مجيب فراسلها على الهاتف يستعلم عن مكانها تحديدا لترد عليه بأنها بالمطبخ في الدور الأسفل، تساعد والدته في تجهيز العشاء فانشغل قليلا بتصفح مواقع التواصل الإجتماعي، ينشر كعادته ما يجول في خاطره أو يتفاعل مع غيره حسب مزاجه.
إنتابه الملل وفكر قليلا قبل أن تلمع مقلتيه بمكر التسلية بينما ينشر مجموعة من المنشورات المتتابعة، لا يهمه سوى واحدا تحديدا لكنه وحرصا على أن لا يفضح نفسه بين سكان العالم الإفتراضي أنزل معه آخرين كتمويه.
<<محاربة التعليم الخصوصي لا يتحقق
إلا بهجرة جماعية نحو التعليم العمومي
و مطالبة الدولة بتوفير الجودة أما التسابق
على أبواب المؤسسات الخاصة و البكاء بعدها
كما فعل السيد الوزير فهو محض هراء
و السلام>>

<<الحكم على تلميذ بالسجن في الشمال بسبب كلمات أغنية
و نفس الأمر تكرر مع تلميذ في الجنوب و لنفس السبب
هلاّ تعلمتم الغناء بلا كلمات؟
جربوا الهوهوة مثلا>>

<<لأننا نشك في مشاعرنا أو مدركون لزيفها
فنحن بحاجة لأن نثبت للآخرين العكس
لذلك يصعب علينا التخلي عن العناق و التقبيل>>

<<لا تنشدوا السعادة عند غيركم
فغيركم بدورهم ينشدونها عند غيرهم>>

حرر آخر منشور وإنتظر باسما بتسلية، تضاعفت وهو يسمع دخولها العاصف، تسأله بوضوح دون مراوغة.
(ماذا تعني بآخر منشورين؟)
برقت مقلتاه بلمعة خاطفة، يقول بمكر.
(كما قرأتهما .... ما المشكلة؟)
وضعت هاتفها على الطاولة وجلست قربه تتمالك لهاثها جراء تسلق الدرج بسرعة ما أن قرأت آخر منشوراته وقد كانت تتبع ما يحرره كالعادة ولحسن حظها أن عملها في المطبخ قد إنتهى.
(تقصد أنك لست سعيدا معي؟)
قطبت تسأله بتردد طغى عليها، ود لو يستفزها كما يفعل مع باقي أصدقائه لكن الأمر سيكون حقارة منه وهو الأعلم بعقدتها لذا ألقى بالهاتف وسحبها من ذراعها لتسقط على صدره، يجيبها بينما يتلاعب بحاجبيه.
(تعمدت الأمر لتأتي إلي بما أنك تفضلين المطبخ..)
شهقت بذهول، تستنكر.
(كنت أساعد خالتي في تجهيز العشاء مبكرا من أجل والدك فكما تعلم ينام مبكرا ليستطيع تحمل قيام الليل... لا أفضل عليك شيئا وأنت تعرف ذلك... )
إلتوت شفتيه بمكر ونظرة رضى مع ذكرها لوالده الذي تجاوز على ما يبدو صدمته ورعبه الذين سببا له المرض لمدة طويلة أوشك فيها على مصارحته لولا تلك المشاهد البشعة، تأبى مفارقة ذهنه فتتجدد قسوته ليؤجل الأمر مرارا والحمد لله لاحظ إلتزام والده وتجاوزه لمرض الصدمة والخوف.
(ثم أنت ستذهب لعرس صديقك ... ليس لديك وقت...)
قبل شفتيها بخفة ثم همس لها بنفس العبث.
(يمكنني ادعاء المرض لأبقى بجوارك... تعرفين ذلك...)
حاولت الإبتعاد لتنفض عنها تأثرها به فضحك بينما ينزع وشاحها ليعبث بشعرها فرمقته بيأس من تصرفاته الطفولية رغم عشقها له.
بدى له توترها وحديث تموج به نظراتها المتلجلجة فثبتها ينظر إليها بحيرة.
(ماذا هناك؟)
بللت شفتيها، تجيبه بلهجة مترددة .
(كنت أريد التحدث معك بخصوص الإنجاب. ..)
أدرك قصدها فإرتخت ملامحه، يرد بتفهم.
( إن كنتِ مستعدة لا مانع لدي... بعد أن تم تعيينك هنا في ثانوية الوادي وتعودتِ على العمل.. إن أحسست أنك على إستعداد فالأمر عائد لك...)
كانا قد إتفقا على عدم الإنجاب حتى تنهي تكوينها وعامها العملي الأول أو بالأحرى هو من قرر بعد أن غلبه القلق حول تحكمه في حياتها فضحى بأول ما كان يتمناه أن ينجب أولا لأنه كبقية البشر يتمنى ذرية خاصة به وطبعا كي يستفز إبن عمه لكن وفي لحظة قرار حاسم ضرب كل ذلك بعرض الحائط فقط من أجل مصلحتها وكم أدهشه ذلك وإدراكه أنه يعتبرها إبنة مسؤولة منه قبل أن تكون زوجة.
حقا إنه أستاذ فلسفة!
نبهه شرودها المرتبك فشد على ضم جسدها فوق صدره، يحثها لتعبر عن رغبتها.
(تريدين أن تنجبي؟)
أمالت رأسها، تعبر بتوجس غمر مقلتيها الرماديتين.
(أخشى أن لا أوازن بين مسؤولية الطفل والبيت عموما وعملي... ما رأيك أنت؟)
تعلم أنها تفعلها مرة أخرى وتسلمه دفة حياتها لكنها حقا تحاول ثم تستسلم حين تجد أن لا جدوى من إحراق أعصابها والتقلب بين نيران الحيرة والقلق مادام زوجها سيريح قلبها ويسهل عليها الأمور فقد إكتشفت خلال السنتين الأخيرتين بأن ما كان يخيفها في شخصية مؤنس القوية والمشعة بالثقة في النفس حتى كانت تعده قمرا بعيد المنال هو أنسب ما يكون بالنسبة لشخصيتها هي المهزوزة والمترددة، تشعر به يحتوي مخاوفها ويهدهد ترددها ثم يوجهها للقرار الصحيح بعد حوار يستخلص فيه ما يهمه وهذا يريحها وتتمنى أن يدوم بينهما إن شاء الله المولى.
(هل تمزحين؟...حين تشعرين بالتعب يمكنك دائما التخلص منه وتركه عند أمي أو والدتك أو حتى عند شقيقتك... لنثير جنون جرير...)
قاطعها ضاحكا بسخرية فتأملت تفاصيل وجهه المربع الشكل، لحيته الأنيقة والمشذبة بعنابة تغطي فكه ونصف وجنتيه لتعطي قسماته السمراء وسامة جذابة.
(جرير يحب الصغار كما أنه يحبك وسيكون جدا سعيدا بأولادك...)
عاتبته برقة وهي تمسد لحيته فقال بنفس حس المرح المبهج الطاغي على روحه وكيانه.
(بلى أنت محقة...)
ثم رن هاتفه ليستدرك مازحا.
(على ذكر جرار الحقول...)
همت بالإبتعاد عنه فمنعها معانقا شفتيها بقبلة مليئة بصخب المرح والعبث ثم إبتعد عنها لينهض، قائلا بجذل بينما يمسد على جلبابه الصيفي بلون رمادي بارد.
(سأغادر آسفا الآن... وحين أعود بإذن الله الليلة .. سنبدأ بتطبيق المخطط المعروف لإنجاب الأطفال.... )
ضحكت بقوة حتى أوشكت على السعال تدفعه ليخرج بينما هو يسترسل حديثه الوقح.
(لن يكون نبيه عريس الليلة لحاله... إنه صديق مقرب من العيب التخلي عنه في ليلة كهذه ليقف في صفوف المغاوير وحيدا...)
(يا الله! يكفي يا مؤنس... هيا غادر...)
شيعت مغادرته باللوم الممزوج بالبهجة بعد أن غمزها، يهتف بعبث.
(ستكون ليلة سعيدة بعون الله...)
أغلق الباب فعادت تبحث عن وشاحها كي تعود إلى الطابق السفلي، تهمس بسعادة.
(يا رب احفظه لي من كل شر..)


يتبع

noor elhuda likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:41 PM   #1079

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**قبيل الفجر**
**بيت أهل نبيه**

أدار غطاء قنينة العطر وقلبها فوق راحة كفه قبل أن يمسح بالأخيرة فوق صدره المستور بثوب قميصه الأبيض الصيفي، أعاد نفس الحركة يمسح على عنقه وأغلق القنينة يضعها بحرص وهدوء فوق منضدة الزينة.
ضم راحتي كفيه يدعكهما ببعض، يزيل ما علق بهما من عطر ثم رفعهما إلى شعره الأحمر يرتبه مزيحا عنه بقايا رطوبته ثم لحيته المشذبة، كل ذلك وعينيه لا تحيدان عن إنعكاسها في المرآة.
إنها هناك!
حلمه المستحيل، يستلقي على سريره في غرفته، غافية بسكون كأجمل ما يكون.
تسارعت نبضاته بينما يسترجع ما حدث بينهما قبل ساعات وكيف تقربا من بعضهما بسهولة ويسر كما لم يتوقع أن يحدث، كانت راغبة مثله طيعة ومسترخية بما لا يدع مجالا للشك في مشاعرها نحوه وأيضا ثقتها الكاملة به.
لقد كان قراره بمنحها الوقت الذي تريده بعيدا عنه في محله كما إكتشف أن عوض الله على صبره وإتقائه لحدوده مدهش وساحر.
إستقام على بعد مسافة قصيرة عن السرير يتأملها دون ملل ولا كلل، يقنع نفسه بالرحيل وقدميه تأبيان الطاعة بأمر من قلبه الذي يلح عليه بالعودة إليها وأخذها بين ذراعيه حيث مكانها فيسكن إليها ويكتمل إستقرار روحه المرهونة لديها لولا ذكره لربه الذي أنعم عليه بكرم.
أفلا يكون عبدا شكورا!
إبتسم و تقدم ليجلس قربها ثم ربت على رأسها بدل ما يظهر من بشرة كتفيها، يجنب نفسه المزيد من العذاب.
تخلل خصلاتها السوداء القصيرة، يبعثرها حتى تململت وأدارت وجهها إليه، تبتسم بخجل مشوب بنعاس.
*قومي يا كسولة... الفجر سيؤذن بعد قليل*
قطبت تحدق بملبسه قبل أن تتابع حركات يده فأدركت أنه سيخرج لصلاة الصبح.
رفعت طرف الغطاء لتغطي ما بدى من جسدها ثم إعتدلت تمسح على وجهها تنفض عنه آثار النوم.
*قد أتأخر مع أصدقائي قليلا فلا تقلقي...*
هزت رأسها بتفهم مرتبك، تشكر ربها أنه سيغادر حقا إلى المسجد كي تنفرد بنفسها قليلا.
ما عاشته قبل ساعات معه قطعة من الخيال، مشاعر أخّاذة وجدت نفسها المطمئنة إليه تندمج معه في لجة عواصفها، لحظات تحمل المعنى الحرفي لكلمة حميمية ولأول مرة تنجح في نسيان مصاب والدتها منذ أن عادت إلى أرض الوطن.
كانت تعلم بأن الذكرى البشعة ستعود مع كل زيارة لها حيث أغتيلت والدتها غدرا لكن نبيه محق حين نصحها بأن تسترخي وتعتبر خوفها واضطرابها طبيعيا وبأن الزمن كفيل بطمر الذكرى مع مروره بأغطية التعايش والتعود.
قبل رأسها يربت على خدها بحنو ثم إنصرف تحت أنظارها المتأثرة.
غطت خديها الدافئين وإبتسمت بحرج ثم تلفتت حولها لتنتفض قائمة، تهرول إلى خزانة الملابس.
.............

**منزل أهل فواز**

(فواز!)
كانت تلك حفيظة تهمس بإسمه قبل أن يتجاوز باب غرفة نومه فعاد إليها وإنحنى نحوها بعدما ألقى نظرة على الصغيرة في مهدها الملتصق بالسرير.
( أنت بخير؟)
سألها بخفوت يتفحص ملامحها الناعسة فردت عليه بنفس الهمس.
(الحمد لله....كنت أريد تذكيرك بما تحدثنا فيه سابقا..)
هز رأسه رغم رفضه، يجيبها بمهادنة.
(هشام لابد سيأتي لصلاة الفجر والله أعلم... سأسأله لا تقلقي... لكن كما سبق وأخبرتك... لو كانت ستظهر نفسها لحاولت الإتصال بك أنت من دون كل الناس... )
وجمت فإستدرك مقبلا وجنتها.
(نامي قبل أن تستيقظ الصغيرة...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
غادر تاركا إياها ترمق الفراغ بشرود، لا يجدونها في أي مكان، بحثوا عنها خلال السنتين الماضيتين دون جدوى كأن لم يكن لها وجود، إنتظرت إتصالها، كرهت ذلك لكنها إنتظرته، توقعت لجوئها إليها بأي طريقة كانت لكنها لم تفعل لتذرها مع حيرتها التي لا تتجاوز الفضول والخذلان الجديد.
تحركت الصغيرة تصدر همهمات رقيقة فإتسعت بسمتها مرة واحدة تستدير إليها، فتقبلها مرارا وتضمها إليها وقد نسيت ما كانت تفكر فيه قبل قليل.
(ماما...)
تفاجأت بالحسن يتسلق السرير لينضم إليها فيضمها من ظهرها وهي تسأله بنعومة.
(لماذا تركت جدتك حبيبي؟)
لم يجبها يلتصق بها أكثر فتحركت بروية لتتفقده وقد غط في النوم بسرعة.
إبتسمت بحنو وعدلت جسده تدس ذراعها تحت عنقه الصغير لتضمه إليها، نظرت إلى الصغيرة تبسط ذراعها الحرة لتربت على رأسها بينما لسانها يتلو الآيات البينات بنية الحفظ والبركة.
...........

**بعد صلاة الشروق **
**رحبة مسجد "جامع السلام "**

فرغ المصلين من الصلاة التي أقامها كل لحاله وكان أول من غادر إلى رحبة المسجد في الركن المفضل لهم بهيج برفقة هشام ولحق بهما فواز يتحدثون في أمر الحملة المقامة من القطاع الأمني بمساعدة من الجمعيات الحقوقية، ضد الدجالين حيث وكعادته إستغل الضابط هشام الأمر رغم أنف بعض الفاسدين من الشرطة للقبض على أهم الدجالين الذين يتم التعامل معهم من طرف بعض أصحاب المناصب والأغنياء وقد إطلع على حقائق بعد أن طلب منه فواز وبهيج البحث عن نوال.
حقائق كشف عنها بهيج بنفسه لهشام الذي لم يتفاجأ بها إذ كان على علم ببعض ما اعتبره شائعات معترفا بأن بهيج كان حريصا جدا لتظل حقيقته الماضية بعيدا عن وادي الحقول.
ما يهمه حقا أنه كان مصدر معلومات خصب له ومهم ساعده على كشف الكثير من الممارسين للدجل.
إنضم إليهما يوسف المرافق لجرير ثم من بعدهما مؤنس الذي الذي لمح صبيا تجاوز العشر بسنتين، ينتظر عند عتبة المخرج الداخلي فأشار له بقلق، يسأله حين اقترب منه.
(ماذا هناك؟... هل جدتك بخير؟)
(لا تقلق!... انها بخير...)
رد الصبي باندفاع، يطمئنه ثم تدارك علو نبرته ليتراجع بإحراج يفرك كفيه الصغيرين.
قطب مؤنس، يحثه بهدوء.
(ما بك يا ولد تحدث!)
نظر إليه أخيرا، يجيبه بلهجة أسبغها بالشكر والعرفان.
(جدتي بخير الحمد لله... أخبرتني بأنك تكفلت بمصاريف النادي الرياضي الجديد في الوادي... وكنت أريد أن...)
تلفت حوله وكأن ما سيقوله سينقص من كبريائه أو يجبره على لجم شخصيته الجريئة الى حد الوقاحة أحيانا فتبسم مؤنس بمكر، يستفزه كالعادة.
(لا داعي للشكر... فما أحوجك لبعض التمارين مع هذا الجسد الهزيل...)
وكما أراد اشتعلت عينيه شراسة وتأهبت أطرافه يزم شفتيه بحدة ليشهر مؤنس كفيه متراجعا بمرح.
(أمزح.. أنا أمزح... عد الى بيتك واهتم بجدتك ودراستك حين تبدأ... ولا تحمل هم أي شيء اخر...)
سكن بدنه الفتي مرة واحدة وعادت نظراته الى اللين والاحترام فيكتفي بالصمت المحرج أمام استرسال مؤنس الحازم.
(ما دمت حيا بإذن الله لا تحمل هم أي شيء سوى دراستك وجدتك وشقيقتك الصغرى...عد الى بيت أهلك ولا تسرح بين الأزقة.... هيا!)
هز رأسه بخفة رغم ما تشع به مقلتيه من رفض لأن يؤمره أحد وقبل أن يرحل أضاف بحنق طفولي لم يستطع لجمه.
(سأخبر زوجتك بماضيك حين كنت تأتي لتنظيف بيتنا وأنت سكران...)
هرول الصبي قبل أن يسمح له بالرد المناسب فلم يلمح ملامحه المصدومة ترتخي ببسمة واجمة تحولت الى أخرى ممتنة ثم ساخرة حين بلغ ركنهم المفضل، يهتف بتهكم مبطن بفخر.
(ضربة موفقة يا ضابط هشام... أخشى عليك من العين الحسود يا زوج إبنة العم.... فإما ترقية أو التخلص منك ممن حرمتهم طرقهم السحرية....)
مطط جرير شفتيه إمتعاضا وهشام يرد ببسمة سمجة متعمدة.
(لا تقلق يا إبن عم زوجتي... بعون الله لن أترك لك الساحة فتدعي أنك الطريف الوحيد في العائلة...)
ضحكوا ومؤنس، يعقب بمكر خص به بهيج.
(أتساءل عن كهف الكنوز الذي وقعت عليه لتقبض على كل أولئك رغم أنوف حاميهم...)
إبتسم له بهيج ببرود، يظهر له أسنانه كلها ليتدخل فواز بينما يرنو نقطة ما.
(جاء نبيه؟)
إلتفت رؤوسهم جميعهم ليشاهدوه قادما برفقة محسن يحدثه بلغة الإشارة باللمس فتبسم يوسف الذي إلتقط بعض الحركات، يترجمها متهلِّلَ الأسارير.
(يخبره عن تأجيله للسفر... سيقضي أول شهر لزواجه هنا... هذا رائع...)
إتسعت بسمة يوسف ببهجة فلم يكن يدري بتغير خططه وسلا على ما يبدو غيرا رأيهما بشأن السفر مباشرة بعد العرس.
(اسأله يا يوسف...)
هتف مؤنس فإلتفت إليه المعني، يصغي لإستدراكه المازح.
(كيف ترك عروسه وجاء لصلاة الفجر؟...)
عبس يوسف مؤنبا ومحسن، يجيبه حيث كانا قد وصلا إليهما.
(وسبقكم كذلك... صلى في الصف الأمامي... تقبل الله منه ومنا جميعا...)
إنضم إليهم محسن ونبيه يجاوره فإكتملت الحلقة ومؤنس يعقب بنبرته الساخرة دوما.
(تعلمتما التواصل جيدا يا فقيه هنيئا لكما.. يجب أن نتعلم نحن أيضا كي لا تستغفلاننا ....)
(أستغفر الله ... ألا تفكر في قولك قبل النطق به؟... هل الفقيه يفعل مثل ما تقوله أو حتى نبيه!... ليس الناس كلهم مثلك يا ظريف..)
كان ذلك جرير، يقرعه فأخرج هاتفه، يقول بامتعاض .
(حرّمنا .... وإنخرسنا...)
هز جرير رأسه بضجر ثم استدرك موجها حديثه لهشام.
(رأيت المقطع أمس على الشبكة العنكبوتية .... عمل جيد يا هشام.. أولئك القوم مثل السرطان ينتشرون بين المجتمع بصمت لا يظهر أثر دمارهم حتى يكون الأوان قد فات معظم الوقت... )
أومأ هشام، يعقب بضيق بينما يعقد ركبتيه ليسند بهما مرفقيه.
(تعودت على الدجالين بحلة الفقهاء... جلابيب وسبحات وبخور وكلمات ماكرة تقتبس من الكتاب والسنة لتستعمل في غير موضعها.... ثم النصابين في الطرقات يستغلون الخفة والتضليل ليوقعوا بالمغفلين ... لكن رجال متعلمين بمكاتب كبيرة أنيقة تحت عباءة علم الفلك! ... الحقيقة لأول مرة أقبض على إثنين منهم...مع ان الكثير منهم يملأون الشاشات ...)
تنهد محسن، يجيب بحزن طغى على ملامحه.
(لله الأمر من قبل ومن بعد.... لو كان كل مسلم يصدق بكتاب الله يتيقن بأن الغيب لا يعلمه إلا الله ما صدق أحد دجل الدجالين ... متى يتعلمون أن الغيب بيد الله وحده؟... ولا يعلمه سواه... لا دجالي الابراج ولا مدعي الفقه ولا الجن والانس... لا أحد مطلقا يعلم الغيب إلا الله.. ولو كان الجن يعلمون الغيب ما غفلوا عن موت سليمان عليه السلام حتى كشفت ذلك دودة الأرض... والله بإرادته سبحانه ومشيئته أطلع بعضا من رسله عليهم السلام عن بعض من الغيب... لله الأمر من قبل ومن بعد.. يحزُن قلبي على من ينتمي إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويصدق به وبكتاب الله عز وجل ثم يسلم نفسه لعدوه الأول والأخير شيطان الإنس والجن تاركا قول الحق جانبا... )
بتفهم صامت، تحركت الرؤوس فقال بهيج بحسرة تلامس جنبات قلبه فتتجسد على وجهه كلما تذكر ما كان عليه.
(ضعف الايمان والبعد عن الله يقوي جانب الشهوات فتقل نسبة الأمان وترتفع نسبة الخوف من كل شيء إلا الله... وهنا تبدأ النفس في الإستسلام للضلال... ذلك ما يستغله الشيطان... يلهيه عن سبب خلقه بما كفله له ربه حتى ينسى رويدا رويدا ثم يوسوس له بالشكوك ليزيد من ضعف إيمانه... وحين يضعف وتطغى الشهوات يرشده إلى بدع وضلالات بعيدة عن الحق وإذا كان محظوظا يوقعه في الشرك أو الإلحاد ... ليخسر خسرانا مبينا ويضمنه في فريقه... فريق السعير... الغافلون لا يعلمون بأن الدجال كل ما يفعله هو وضع نتائج منطقية حسب ما حصل عليه من المعطيات مستغلا سنن الحياة التي سنها الخالق ليمشي عليه نمط الخلق والكون...فإما يتحقق أو لا يتحقق حسب إرادة الله....لذلك المنجم كذب ولو صدق...)
هم محسن بالتحدث لكنه تراجع حين هتف مؤنس ممتعضا.
(تأكد الخبر أخيرا... رئيس المجلس البلدي الجديد هو الفقيه سالم....)
توالت الهمهمات الناقمة على وضع مماثل، كيف تمكن من الوصول إلى ذلك المنصب؟
كالعادة لا يحتل أغلب المناصب إلا من سعى لها بطرق مشبوهة وغير واضحة.
(بالله عليكم كيف أصبح الفقيه سالم رئيس المجلس البلدي بكل سمعته التي يعرفها أغلبنا؟... )
تساءل مؤنس بوجه مكفهر فرد هشام ساخرا بوجوم.
(لأنه مناسب للبعض ... صورة مغايرة لمن قبله... وعباءة الدين الفضفاضة.... لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...)
صمت محسن، مصغيا يترجم لنبيه جواره بين الفينة والأخرى فساد بعض الصمت الواجم إستغله فواز، ليسأل هشام.
(ماذا عن والدة زوجتي يا هشام؟)
ضغط على شفتيه، يجيبه بأسف.
(لا جديد يا فواز... لم نجد لها أثرا... البحث عن إمرأة مثلها صعب ويحتاج لوقت.. فلن تستعمل هويتها في أي مكان ولا ستظهر نفسها فتغامر بكشفها... )
بإيماءة متفهمة إكتفى فواز بالصمت في حين إستدرك هشام، يستفسر من بهيج بإهتمام.
(هناك إسم جديد ظهر في التحقيقات يعود لإمرأة إسمها***... هل تعرفها؟)
ولأنه كان يعرفها رد عليه بصدق.
( إنسوها يا هشام لقد تركت الدجل قبل سنوات كثيرة... ستجدها مريضة في مسكنها المتواضع بالعاصمة برفقة حفيدتها الوحيدة...)
تلكأ بهيج، يسترجع الذكريات وقد كان يتعامل معها في الماضي ويسخر منها حين ترفض عمل سحر ما يخص القتل أو التدمير بحجة أنها تمارس السحر لتساعد الناس وليس لتدميرهم حينها كان يخبرها متهكما بأن السحر كفر، الإستعانة بالشياطين لا يأتي من ورائه خيرا أبدا ولا مساعدة، فتسخر منه بدورها ليخبرها بأنهما متشابهين كثيرا.
ربما لذلك سريعا ما تابت واتعظت حين التهمت النيران بيتها بمن فيه ، إبنتها وزوجها وإبنهما الصغير.
كانت بمثابه الصفعة القوية التي أيقظتها فتركت كل شيء والمدينة السياحية بأكملها لتستقر في العاصمة برفقة حفيدتها الوحيدة والتي نجت من الحادث بسبب خروجها إلى السوق معها.
(حسنا سأشطب إسمها من التحقيقات....)
تحدث هشام بإمتنان فأومأ بهيج بلا معنى ليلتفتوا جميعهم على هتاف مؤنس المنزعج.
(لا أفهم يا فقيه ... لماذا يسمح الله لمن هم على شاكلة سالم بالفوز بالمناصب وتولي مسؤوليات ليسوا أهلا لها؟... بينما أهل الصلاح يتم التضييق عليهم وتجاهلهم!.... لا أستطيع الإستيعاب ...)
إحتلت البسمة الدافئة محيا محسن، يتنفس بعمق فيملأ صدره من عبق هواء الحقول العليل بينما أشعة الشمس تلامس بشرة وجهه البشوشة فتغمرها ببريق جذاب، كفيه لا تفارقان خاصة نبيه، يترجم له كل كلمة.
( أحمد الله عز وجل أننا مجتمعين على طاعته ... وأدعو الله أن يديم علينا نعمة الوحدة والتضامن كيد واحدة نعتصم بحبل الله جميعا... أحمد الله أن قلوبنا تحلقت من جديد حول الحق بعد أن أوهن الشتات تقواها... إعلموا أن الدنيا لو كانت تسوى عند الله جناح بعوضة ما سقى فيها الكافر شربة ماء... لكنها دار تكليف وإمتحان وليست دار جزاء فوري أو أبدي... الكون أجمع خلقه الله لغاية واحدة إبتلاء عباده... فترة إمتحان يتقلب العباد بين صفحاته متمتعين بحرية الإختيار... ومادامت هناك حرية فالجميع لديه فرصة بل فرص لتجاوز الإمتحان ... لذلك الحق والباطل ومنذ بدء الخليقة إلى يوم الدين سيظلان في صراع.. ينتهي أقوام حين إنتهاء فرصهم ويأتون غيرهم..... سيكون هناك دائما صالح وطالح... عادل وظالم ... مؤمن وكافر .. والجميع يتمتع بحرية الإختيار وأخذ الفرص بأكملها فيتقلبون بين ضعف وقوة ... بعد من الله وقرب منه... ضلال وهداية .. وحين يأتي أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمونها... ثم يأتي وقت الحساب... لكن لا تظنوا أبدا أن الجزاء لا يعجل في الدنيا كذلك... بل إن كل نفس تعيش في ضنك يكون تقصيرها هو السبب.... وكل نفس تحيا حياة طيبة بإذن الله بسبب طاعتها لربها... )
تلكأ محسن يبتلع ريقه والجميع يصغي بتركيز وخشوع.
(كل من ظلم أهل جرير.. وأهل يوسف.... أين هم الآن؟... هل إقتص منهم المظلومين بأيديهم؟.... إنها أقدار الله.... يملي لمن يشاء ويهدي من يشاء ويأخذ من يشاء أخذ عزيز مقتدر...
بسم الله الرحمن الرحيم وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) ...{ سورة مريم}
كل عبد سيأخذ فرصه كاملة حتى لا تكون له حجة أمام الله إلا على نفسه ...)

ترك كفي نبيه وبسط ذراعيه وكأنه يشملهم أو يضمهم إلى حلقته، يكمل بدموع توالت على وجنتيه لتختفي بين خصلات لحيته فتأثروا به وإنتشر البلل على ضفاف مقلهم الملتفة حوله.
(المهم أن لا يكف الصالحون عن سعيهم لكسب رضى ربهم والفوز مهما سقطوا وزلقت أقدامهم عبر جرف المعصية... لا يستسلموا للشيطان مهما حدث ويصلحون في الأرض .. ولا يسكتوا أمام الباطل حتى إن ظنوا أنهم أستضعفوا أمام حلفه ... فو الله لا يكون الباطل قويا إلا بسكوت أهل الحق ... الباطل مهزوم... الباطل مزهق بوعد من الله ... بوعد من الحق.. فلا تمنحوا الشيطان غايته الوحيدة منذ أن عصى أمر ربه وتكبر فطُرد من رحمة الله... لقد خسر فلا تخسروا مثله... هو في الجحيم فلا تتبعوه إلى الجحيم... إعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا... إملأوا قلوبكم بتقوى الله فتتحد وتقوى وتنتصر بالحق...)


........ تمت بحمد الله.........


noor elhuda likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:43 PM   #1080

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

الحمد لله الذي بذكره الجليل تتم الصالحات... أسالكم السماح في التقصير ولا تنسوني من صالح دعائكم... أستغفرالله العظيم لي ولكم🌹

Abeer flower likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:04 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.