آخر 10 مشاركات
أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          605-زوجة الأحلام -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          غيث أيلول -ج5 سلسلة عائلة ريتشي(121)غربية - للكاتبة:أميرة الحب - الفصل الــ 44*مميزة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ترافيس وايلد (120) للكاتبة: Sandra Marton [ج3 من سلسلة الأخوة وايلد] *كاملة بالرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          عِـشـقٌ في حَضرَةِ الـكِـبريآء *مميزة مكتملة* (الكاتـب : ღ.’.Hiba ♥ Suliman.’.ღ - )           »          رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          117 - توأم التنين _ فيوليت وينسبير ج2 شهر عسل مر ((حصرياً)) -(كتابة /كاملة بالرابط) (الكاتـب : SHELL - )           »          وهج الزبرجد (3) .. سلسلة قلوب شائكة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree137Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-04-20, 07:46 PM   #1061

شوشو 1234
 
الصورة الرمزية شوشو 1234

? العضوٌ??? » 411586
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 384
?  نُقآطِيْ » شوشو 1234 is on a distinguished road
افتراضي


في انتظار الخاتمة وتسجيل دخووول من الان 😍😍❤الله يعطيك العافية 😘
الله يزيل الغمة عن الامة ويرفع عنا الوباء 🤲🏼


شوشو 1234 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:04 PM   #1062

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
**الخاتمة**

قال سبحانه: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3] إذاً فالهداية بدايتها من العبد، ومن يطرق الباب يفتح له.....عمر عبد الكافي





تبلدت ملامح نهيلة غير قادرة على الإتيان برد فعل مناسب، ترف بجفنيها كما سقط فكها الذي رفعته سلا بإصبع سبابتها الرفيع فإلتفتت إليها تسألها بإستنكار.
(هل كنت تعرفين؟)
شهرت كلا راحتي كفيها مبرئة نفسها.
(كنت أعلم أن هناك شخص ما... بخلاف هويته ... ولم أفكر أبدا في الفقيه محسن... حتى أنني فكرت للحظة في...)
بترت عبارتها حين أدركت ما كانت ستتفوه به، الدماء تفر من وجهها بينما شقيقتها ترمقها بعبوس لائم فتدخلت نهيلة رافعة حاجبها الأيسر.
)تقصدين بهيج!... أليس كذلك؟)
تنهدت سلا بندم وسارة تلوح بكفيها مدافعة.
)لقد كان إفتتانا فقط ... وشيراز دفعتني إليه دفعا بحديثها عن كونه هو الآخر معجب بي..)
إزداد إرتفاع حاجب نهيلة فتداركت قولها بهتاف متوتر.
)كذب... شيراز كانت تكذب... لم يفعل أي شيء يوحي لي بإعجاب أو شيء من هذا القبيل... إنسي الأمر لقد كان جنونا ... وحين أتذكر ذلك الآن أضحك على نفسي وجنوني.. )
ثم حكّت ذراعها بنفس الإرتباك، تكمل بضحكة متشنجة.
)ثم أنا قابلته مرات عدة ولم ألتفت إليه نهائيا ... لذا أستغرب حقا الماضي ..)
)لماذا؟... ما الذي تغير؟)
هزت نهيلة كتفيها، تستفسر بملامح بين الرفض والحنق.
)لازال كما هو... لا الزرقة في عينيه تغيرت ولا الخصلات الذهبية فوق رأسه!)
قطبت سارة حاجبيها، يغمرها التشوش على عكس سلا التي تبسمت بمرح.
)فما الذي تغير لكي لا تعجبي به؟)
بلعت سارة ريقها، تسألها بحذر.
)هل تريدين سماعي وأنا أتغزل بجمال خطيبك؟)
إنتفضت نهيلة لما تفعله بطفولية حمقاء فإزدردت ريقها وسلا تغير مسار الحديث عن سبيل الحمق.
)هل أنت متأكدة من شعورك سارة؟... لا تظني بأن تجربتك القصيرة فاقدة للبصر مع إحتكاك بذوي الإحتياجات الخاصة لمدة سنة كافية لتتحملي مسؤولية الإرتباط بالفقيه محسن...فهل أنت متأكدة؟)
تحفزت دواخل سارة وشي ما يستنفر بغضب غير مفسر للدفاع عن محسن وصديقتها نيكول وزوجها ومجموعة من الذين تعرفت عليهم خلال السنة المنصرمة فوجدت فيهم الصدق والحياة على حقيقتها بعكس من يظنون أنفسهم كاملين، طبيعيين.
)أجل متأكدة... أكثر مما تفعلين على أي حال...)
)أووتش!.. هذا لئيم...)
نهرتها نهيلة بهدوء قبل أن تستدرك ملتفة نحو سلا المتجمدة بصدمة.
)لكنه يحوي شيئا من الصواب...)
بأنفاس منحسرة همت سارة بالاعتذار لأختها لكن الأخيرة هتفت بإستنكار ضائق بعد أن نفضت الجمود عن عقلها، تهتز مكانها بهيئتها الرقيقة في منامة صيفية، كنزة ذات كمين قصيرين وسروال إلى كاحليها بلون أزرق شاحب كشحوب بشرة وجهها الواجم.
)كم مرة يجب علي الدفاع عن مشاعري؟ ... أنا أحبه ولا أشك في ذلك ولا لدقيقة واحدة... لكنني أتمهل حتى أبني علاقتي به على أرض ثابتة ...)
دمعت مقلتيها بينما تزم شفتيها بحزن قبل أن تحرك كفيها بالتوازي مع كلماتها.
)أشعر بنفسي ضعيفة الآن على المحاربة...إقناع بابا والقرار فيما يخص موعد أي شيء بعد موافقته... وإقناع نبيه...)
رمقتها بنظرة ذات معنى فاتت نهيلة التي ظنت أنها تقصد أي شيء عن مواعيد الخطبة والزواج.
)لست مستعدة بعد...)
)على عكسي أنا...)
هتفت سارة بيقين لمعت به ظلمتيها، تستقيم بظهرها، رافعة ذقنها بتحدي تشع به.
)مستعدة جدا... كما أن كل ما أفكر به الآن كيف سأجعل محسن يتقدم للزواج بي! .... أما إقناع العالم بأكمله لا يشكل أي مشكلة بالنسبة لي... يكفي أنه قراري وسأتحمل مسؤوليته...)
تناظرت سلا ونهيلة التي عقبت بإعجاب ساخر.
)لقد أخطأ أخي في إختيار الشقيقة المناسبة....)
شهقت سلا متفاجئة فضحكت نهيلة حتى دمعت مقلتيها أمام سارة التي عضت شفتها كي لا تضحك فتثير مزيدا من سخط سلا الحانقة.
)أعتذر ... لا أقصد... آسفة عزيزتي.. أنا أمزح... )
مسحت طرفي عينيها ثم ربتت على يد سلا التي أرخت ملامحها دون أن تفقد وجومها.
)خذي وقتك ... إن شاء الله خير... أما أنت..)
نظرت نحو سارة ثم ضربت ظهر كفها براحة الأخرى، تكمل بمكر.
)لن أكون نهيلة إن لم أدبر بعون الله طريقة كي يتقدم لك الفقيه ... وحينها ...)
حركت رأسها بطريقة دائرية، تستطرد بنفس المكر.
)وحين يحدث... سنرى شجاعتك هذه... هل ستظل كما هي أم ستتحولين إلى أرنب مذعور!...)
دق قلب سارة بحماس وبعض الخوف لكنها لم تتراجع، تجيب بإندفاع.
)كوني على قدر وعدك... وسترين بإذن الله)
………………
**اليوم التالي**
**منزل الفقيه عبد العليم **

وقفت بين النسوة بإعتداد يزينه التواضع فتخلق حولها هيبة عتيقة ككنز أسطوري نادر، تبتسم للجميع بدفئ بينما تصفق بخفة على صوت الدفوف، جسدها المتسربل بعباءة محلية سادة راقية بتطريزات يدوية قليلة، ساكن مكانه برزانة للحظات أدت فيها دورها المجامل لأصحاب العرس قبل أن تنسل من صف النسوة بحكمة كما تسير نحو هدفها البعيد عن الصخب لتجاورها مصافحة إياها بود.
)كيف حالك يا حاجة أمينة؟)
حركت الحاجة رأسها مرة واحدة تجيبها بنفس الود والإحترام وقد توقفت هي الأخرى عن التصفيق لتولي كامل إهتمامها للجدة جوهرة.
)الحمد لله يا حاجة ... نحمده ونشكر فضله...)
لم تكن أقل منها هيبة أو أناقة ذلك التأنق الخاص بالنساء ذوات الفكر الرزين والنفس الوقورة كلتاهما تقرآن ما تجود به صفحات مقلتيهما المكحلتين بالإثمد الأصيل وتصغيان بتمعن بما تتحرك به شفاههما.
)كنت سأزورك في بيتك... لكن بما أننا إلتقينا هنا... سأخبرك على أي حال... لكن قبلا كيف هي حفيظة ولما لا أراها هنا؟)
)هي بخير لكن الحمل بات يثقل عليها... فلا تستطيع تحمل حر فساتين الأعراس ولا مجاملة الناس... بيني وبينك هي تفر من عيون الناس تشعر بالخجل بسبب نفس الحديث الذي أراه واضحا في عينيك... وأنا شجعتها لترتاح وتريح نفسها... )
مسحت الجدة على شفتيها بينما تعدل طرفي وشاحها، تختار الكلمات المناسبة بعد أن فكرت كثيرا وإستطاعت أن تتخذ قرارا تدعو الله أن يكون مناسبا.
)فعلت ما طلبته مني... وقمت بزيارة نوال... وما وجدته لا يسر... أظن أنها بدأت تفقد عقلها أو تصاب بالخرف المبكر ... باتت تشبه والدتها التي دفناها السنة الماضية سوى أنها تحجز نفسها داخل غرفة من غرف منزلها...)
تكدرت نظرات الحاجة أمينة وطرفت نحو أختها المتوسطة للنسوة اللاهيات بالدفوف، تشاركهن الأهازيج بينما تدق أحدهم بسرور وإنشراح يذكرها بمدى بساطة إسعاد شقيقتها ربما كانت بساطة تطلعاتها السبب الرئيسي والوحيد في نجاح علاقة زواجها بمن كان عاشق لبكرية الجدة جوهرة ولايزال.
)علمت من أختي بأن زوج نوال إشتكاها لشقيقها الذي لم يهتم حقا... لكن أختي ذهبت لزيارتها ووجدت نفس ما قلتِه... لذا أجرت إمرأة لتنظف بيتها يوميا وتجهز الطعام... وكما قلتِ نوال تدخل غرفة ما وتغلقها على نفسها...والعاملة إشترطت وجود أختي أو أي شخص آخر أثناء عملها لأنها تخشى نوال..)
فتحت الجدة فمها تنوي التحدث وقد دنت منها لتسمعها جيدا لكنها لم تسمح لها تكمل بتفسير.
)لهذا طلبت منك زيارتها لأن أختي تميل أحيانا إلى تهويل الأمور وهي لا تعرف شيئا وتظن أن حفيظة إبنة جاحدة ... ولولا أنني منعتها بالقوة آخر مرة من التحدث في الأمر مجددا لظلت تجرح الفتاة بكلماتها...)
تنهدت بإنزعاج شمل قسمات وجهها المتشنجة فتنفست الجدة بعمق لتحدثها بهدوء.
)حالتها سيئة جدا يا حاجة أمينة... لولا هذيانها لما فكرت أن إبنتها قد تساعدها في شيء يحسن من صحتها... لكن حتما يجب أن يعرضوها على طبيب ...)
لم تتفاجأ الحاجة أمينة، ترد بنفس الملامح الغير مرتاحة.
)أختي أخبرتني بأنها تهذي بإبنتها طوال الوقت... لكن حفيظة الآن حامل ولا أعلم قدر تحملها وزوجها رافض تماما الخوض في أمر لقاءها بوالدتها...)
غامت مقلتا الجدة بتفكير فوري ثم قالت.
)ماذا لو رافقتها أنت وفواز أيضا... هكذا يحدث كل شيء أمامه ويطمئن ...)
رفت الحاجة بعينيها فإستطردت الجدة برجاء.
)أعلم بأن الأمر صعب... لكن الآن هي مجرد إمرأة قد تكون فقدت عقلها .... ولكي أصدقك القول ... لا أظن زوجها على قدر المسؤولية... أستغفر الله ...يجب أن نجد حلا لها...)
هزت الحاجة رأسها بتفهم شارد قبل أن ترفعا كلتاهما رأسيهما على إثر الزغاريد المتعالية مستغربتين فالعروس قد دخلت قبل ساعة وإحتلت مكانها بكامل زينتها داخل حلة خاصة ببلدتهم مكونة من فستان محلي الصنع أبيض بتطريزات خضراء يضيق من أعلى وحول الخصر ليتسع نزولا إلى الكاحلين ولم تتخلى عن حجابها رغم أن الحضور مقتصر على النساء فقط، تمد كفيها ورجليها للمرأة المختصة بوضع الحناء.
إتسعت بسمة الجدة تصفق هي الأخرى حين لمحن نهيلة المحتقنة بشدة، تحاول التواري خلف صفاء التي لم تكن بأقل منها خجلا.
)رحبوا بالعروستين القادمتين بعون الله... اللهم بارك واحفظهما من العين...)
هتفت إمرأة من بين النسوة فتعالت الصيحات والزغاريد مجددا وصفية تتسلل لتجلس قرب والدتها تقول بلهاث بينما تروح بكفيها على نفسها مرخية طرفي الوشاح عن عنقها.
)السلام عليكم... لم أستطع ترك تقوى إلا الآن.)
أما نهيلة فتوجهت نحو العروس وقبلتها على وجنتيها ثم جاورتها وباقي البنات سارة وسلا وصفاء.
)رسم الحناء جميل... بارك الله لك وحفظك من كل عين وشر..)
)آمين... العقبى لك حبيبتي...)
تدخلت سارة تشير بكفيها المزينين بخاتمين رفيعين مرصعين بفصوص جدا صغيرة ولامعة، تهتف بشقاوة.
(أنت لن تتمكني من وضع الحناء لان عرسك قريب... أما أنا فبلى....)
تتلاعب بحاجبيها باسمة بسعادة تلمع بها مقلتيها فعبست نهيلة للحظة وجيزة جدا قبل أن تتبسم بمكر أربك سلا التي تعلم بطبع صديقتها المتسم بمواقف مفاجئة وقد صدقت حين هتفت تنادي على أم محسن المتوسطة للنساء، تجاملهن كما فعلت الجدة بالتصفيق.
(خالة أم محسن!...)
شحبت سارة واضطربت ملامحها فجأة فقطبت حياء وصفاء بدورهما تراقبان بحيرة.
(نعم يا ابنتي... أسأل الله لكن ولإبنتي البركة والتوفيق في حياتكن... والعقبى بإذن الله لسائر بنات المسلمين....)
تعالت أصوات النساء بالتأمين على دعاء المرأة الطيبة بينما سلا تمنح جانب نهيلة قرصات محذرة لم تجدي نفعا حيث إستدركت حديثها بنفس المرح الماكر.
(يا خالة إنظري لهذه الأميرة الجميلة... يجب أن نبحث لها عن عريس يربطها بالبلدة... ما رأيك؟ ..من يستحق هذا الجمال؟ ...)
هتفت الخالة بقلق صادق وقد إقتربت من سارة، تربت على رأسها بحنو.
(أذكري الله يا نهيلة يا إبنتي.. حفظها الله وحماها ... )
لوحت نهيلة بكفيها المزينين بإسوارتين فضييتين مرصعتين بأحجار حمراء، تدعي الحنق.
(بارك الله فيها وحفظها... بما أنك تحبينها لهذه الدرجة ... إذن إخطبيها لمحسن قبل أن يخطفها الغريب...)
أجفلت أم محسن تصمت للحظة غادرت فيها الدماء وجه سارة كليا، متجمدة مكانها.
سلا تتنهد بخفوت وكل ذلك أمام جمهور من النسوة يتابعن ما يحدث بترقب بينهن العروس المتمعنة وصفاء المستغربة.
(تبادل جميل يا أم محسن... إبنتك في بيتهم وإبنتهم في بيتكم... لما لم تطلبوها قبلا فتحتفلون مرة واحدة؟ ...)
تدخلت إحداهن تعقب بمرح قبل أن تضرب الدف بين يديها فيتبعنها الأخريات.
تنبهت أم محسن من شرودها ونظرت نحو سارة التي لاتزال غارقة في صدمتها فأخطأت تفسير ملامحها لتقول بألم حاولت مداراته.
(سارة أميرة البنات تستحق أميرا يليق بها ....)
(ومن أفضل من الفقيه محسن؟)
تدخلت واحدة أخرى بنبرة لئيمة وكأنها تبحث عن رد فعل شيق تحكي به وسط جلسات النميمة والثرثرة لكن الأخرى التي تحدثت من خلفها كانت أصدق منها حين تدخلت.
(لا أفضل منه بارك الله فيه... حافظ لكتاب الله وإمام لمسجد بلدتنا... على يديه يتعلم أبنائنا كلام الله وكيف يتحلون بالأخلاق الحسنة... والله لو كانت لدي إبنة لتوسلت ربي ليل نهار بأن يرزقها زوجا مثله... حفظه الله من كل شر وبارك في عمره وعلمه...)
إرتسمت البسمة الحانية على شفتي أم محسن دون أن تبدد الحزن الطافي على صفحتي مقلتيها، تجيبها بود وإمتنان.
(بارك الله في أولادكم ...)
(ما رأيك يا سارة؟... أم محسن تحبك كإبنتها حياء...)
تمادت المرأة الأولى مصرة على بحثها اللئيم فأجابتها أم محسن بتأنيب.
(الوقت ليس مناسبا لهذا الحديث حاليا... )
(لماذا!... أم أن سارة لديها مانع ما؟...)
قاطعتها بنظرات تفيض لؤما فتدخلت سارة متحفزة،، تدافع بشراسة شعت بها نظراتها المسلطة على المرأة.
(ليس لدي أي مانع ... ومحظوظة هي من تنال شرف نسب بيت الفقيه عبد العليم.... )
ساد الصمت فجأة فإكتشفت أن نبرة صوتها قد علت مع آخر حديثها، الجميع يرمقها بعضهم بإستغراب والبعض الآخر بإعجاب بينما القليل بإستهجان.
إزدردت ريقها وقد احمر وجهها كليا فأطرقت رأسها بخجل إستولى عليها برعشة شملت سائر أطراف جسدها، نهيلة تعبس بندم تلعن حمق تصرفها وسلا جوارها تعض شفتها السفلى بتوتر.
(بل نحن من نلنا شرف نسبكم عزيزتي.... وسنزداد شرفا ورفعة إذا قدر الله وتزوج بك أخي محسن...)
تبسمت سارة في وجه حياء بإمتنان ولطف ممتزجين بإحراج وأم محسن تقطب بشدة توحي بإستغراقها في التفكير.
تعالى صوت إمرأة تبدأ بموشح آخر لينغمسن تباعا في دق الدفوف بأهازيج ذات معاني أصيلة.
تأكدت أم محسن من إنشغال الجميع ثم إنحنت نحو سارة غير قادرة على نسيان نظراتها اللامعة بشراسة غريبة صادقة، حين دفاعها عن إبنها.
(لا تعيري إهتماما بما تقوله النسوة... اصدقيني القول حبيبتي ولا تخجلي مني... هل تقبلين الزواج من إبني؟)
بلعت سارة ريقها بينما أم محسن تضغط على كتفيها بحنو، تكمل بترقب قلق.
(منذ مدة وأنا أبحث له عن عروس...)
تلكأت قليلا تسيطر على حزنها لا تريد الإنتقاص من قدر ولدها في حين تحفزت سارة بنفس الشراسة المدفوعة بغيرة رغم الحرقة في صلبها لم تستطع سوى الهمس بحرج كبير.
(ومن يستطيع رفض الفقيه يا خالتي؟)
إتسعت مقلتا أم محسن، ترفض التصديق وكأنها من كثرة الرفض الذي لاقته من الناس بدأ باطنها يتعود على صعوبة إيجاد عروس تحديدا عروس ذات جمال خلاب ومكانة كبيرة.
(هل هذا يعني أنك موافقة؟)
إنحنت أكثر حتى أوشكت على لمس صفحة وجهها، تبحث بين نظرات الفتاة المرتبكة المليئة بحياءٍ قليلا ما كان يزورها مع مواقفها المجنونة دائما.
(قولي يا إبنتي لا تخجلي .... أنا في مقام والدتك...)
تنفست بعمق تطرق برأسها لتومئ بخفة مرة واحدة فتجمدت أم محسن تماما ولم تكن وحدها بل صفاء وحياء القريبتان منهما بينما نهيلة تزفر قبل أن تهمس بحنق لسلا.
(كفي عن قرصي أنت تؤلمينني... كان إتفاقا بيني وبينها وها أنا ذا أوفيت به...)
إتسعت نظرات سلا المتوجسة فهزت كتفيها تبتسم بإتساع وهي تكمل همسها.
(أختك ستتزوج من الفقيه... الجميع يتزوج وأنت إبقي حبيسة مخاوفك ...)
تحولت نبرتها لإمتعاض حانق أمام ملامح سلا التي لم تتغير عن القلق ثم إلتفتت تنظر الى أم محسن التي ربتت على رأس سارة المطرقة بحياء، تلتهي بتفقد أصابع كفيها.
إتسعت بسمة أم محسن رويدا رويدا إلى أن ملأت وجهها كاملا ثم وبدافع من بهجة أوشكت على تفجير صدرها المتضخم بها أطلقت زغرودة مجلجلة تعبر بها عن القليل مما يجيش به صدرها فتعالت زغاريد النساء تباعا وسط أمواج الأهازيج والصوت الدفوف.

يتبع

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 08-04-20 الساعة 08:46 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:07 PM   #1063

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

*بعد منتصف الليل*

لم يبدو على محسن الصدمة أو التفاجئ حين تلقيه حديث والدته المتحمس بعد أن غادر الجميع سوى من بعض النسوة المساعدات وبقية من الأقارب، سحبت من بينهم والده ثم هو لتنفرد بهما في غرفة نومه لتنضم إليهم العروس التي غيرت ملابسها ونظفت وجهها من الزينة وكفيها من الحناء، يحتلون سريره كل على طرف يتناظرون فيما بينهم فيما عداه طبعا يسدل جفنيه بسكون ينبع من صميم قلبه الذي تحرك عن غير عادته لا يستطيع أن ينكر وليس الآن تحديدا إنما بعد سماعه لنبرة صوت الفتاة التي كانت متوترة بطريقة أوحت إلي باطنه بكونه مميز لديها لكنه لم ينصع لذلك وتجاوزه داعيا الله بأن يلهمه الصواب والآن يجد نفسه في مواجهة وضع يربكه بعض الشيء رغم سرور خفي يتوارى خلف دقات القلب فيتساءل إن كان حقا ما تصبو إليه والدته وتحاول إقناعه به!
هل كان رافضا من قبل؟
بالتأكيد لا فالزواج سنة من سنن الحياة بل وفي أفضل الحالات فرضا واجبا لتحصين النفس وبناء مجتمع سوي، فماذا كان موقفه من الزواج إذن؟
لا موقف محدد، إبتعد عن الإنشغال بالأمر فحياته مليئة بالتحديات ليفكر في الزواج.
انشغل بتحصيل العلم والتدرب على الإعتماد على النفس وقد كان ذلك متعبا كفاية ليؤجل التفكير في أي شيء آخر فلم يأسف يوما على رفض تلقته والدته كعريس محتمل لأنه وببساطة لم يكن تفكيره يوما شاغرا ليحدد مجالات جديدة يغوص فيها بكيانه.
(لماذا أنتم صامتون هكذا؟...)
تلفظت أم محسن بنفاذ صبر تتطلع إليهم بترقب لهوف فتنحنح زوجها، يجيب بهدوء بعد أن طرف بنظراته نحو محسن.
(الوقت غير مناسب إطلاقا...و)
قاطعته أم محسن تستنكر بلهفة أم ترى حلمها على بعد خطوة من التحقق.
(بل مناسب جدا... كلم والد يوسف في الموضوع غدا إن شاء الله حين يأتون ...)
إرتفعا حاجبي زوجها برفض عبر عنه بنفس الهدوء الذي لا يغادر نبراتهم مهما تقلبت مشاعرهم.
(ولماذا الإستعجال؟... نكمل عرس إبنتنا أولا ثم إن شاء الله بعدها نتحدث مع يوسف ووالده...)
(ماذا إن خطبها أحد قبلنا؟... فالفتاة جميلة بل فاتنة ما شاء الله...)
تعمقت النظرة داخل عيني الفقيه عبد العليم بتحذير تشبعت به نبرته الرصينة.
(لا تستعجلي الأمور بهذا الشكل... ثم أنت قلت بأنها موافقة ... إذا كانت مقدرة لابننا فلا أحد بإمكانه إيقاف أمر الله... إستعيني به وتوكلي عليه .. فهو حسبنا دائما وأبدا... أتركي الأمر إلى أن ينتهي عرس حياء وسأطلبها من والدها بإذن الله....)
عبست أم محسن تفكر بشرود فتبسم زوجها مداعبا، يكره رؤية الحزن أو الكدر مهما كان على وجهها الحبيب إلى قلبه.
(ثم أنت تتصرفين كأن إبنك موافق... ماذا إن رفض ؟)
شهقت مجفلة وإلتفتت إلى إبنها الذي إلتقط نبرة المرح في صوت والده فتبسم هو الآخر على غرار حياء المستغرقة في تفكير عميق.
(صحيح يا بني لقد نسيت كل هذا في خضم سروري بإيجاد عروس لك....)
(لم تصدقي أن هناك من تحمل جنونا كفاية لتقبل الإقتران برجل أعمى!)
عقب محسن بنفس المداعبة فشهقت والدته مرة أخرى وقفزت من طرف السرير لتقترب منه تربت على كفيه بحنو بينما تشرح له بشجن.
(لا يا بني... بل أنا مسرورة بإيجاد فتاة مناسبة.... )
ثم نظرت إلى زوجها، تكمل بنظرات ذات معنى.
(أولا هي أخت يوسف ونعلم جيدا أصلهم الطيب ... ثانيا تحجبت وأظهرت الكثير من النضج والإلتزام.... ثم الفتاة مرت بتجربة صعبة فقدت فيها بصرها فهي أكثر من سيشعر بمن أبتلي مثلها... والمهم أيضا فوق كل هذا ... بنات بلقيس رحمها الله مسؤولات من ناحية الإعتماد على النفس... يكفي أنهما تعلمتا السياقة في هذه المدة الماضية رغم مصابهما وصغر سنهما....)
(أنا أعمى يا أمي لست عاجزا...)
تدخل محسن مبتسما بلوم، يكمل.
(إن تزوجت لن يكون من أجل من تسير حياتي ... فالله يتولى عباده... لكن سيكون من أجل أن نعين بعضنا على طاعة الله وتخطي عقبات الحياة بما يرضي الله ... وبناء ذرية نرجو الله صلاحها....)
كانت والدته على وشك قول شيء ما لكن محسن لم يكن قد انتهى بعد.
(أنا موافق أمي... إن هي وافقت لا مانع لدي ... الإستخارة أصليها دوما أسلم فيها ناصيتي لخالقي فيختار لي ما فيه خير وصلاح... أما ما تحملين همه رغما عنك بسبب قلبك الطيب على فلذة كبدك... فوالله لن يحدث فيه إلا الخير لأن الله هو المدبر... لو إنشغلنا بما كلفنا به خالقنا وتركنا ما دون ذلك لتدبيره عز وجل ما شقينا بحياتنا أبدا .... لكن!.... الله المستعان ...)
دمعت مقلتاها تضمه إلى صدرها فإندس كطفل صغير يمرغ صفحة وجهه بين أحضانها يستمتع بحنانها الدافئ، مسترسلا برجاء.
(لكن كما قال أبي ... أرجئي الأمر بعد مغادرة العروس والإطمئنان عليها في بيت زوجها بإذن الله.... )
نظرا إليها والديها بحنو وفخر بينما هي تحمر حياء وإنتفضت تفر من أمامهم فضحكوا وأم محسن تمسح دمعات الفرح على وجنتيها، تجيب بإبتهال.
(الحمد لله على نعمه وفضله الواسع الكرم... ليقدم الله ما فيه من خير...)
.........

**في نفس اللحظات .... منزل أهل فواز **

(من فضلك أمي لا تلحي .. إنها حامل...)
يقولها فواز بإنزعاج طغى على ملامحه، يمرر كفه على طول لحيته بينما يتفحص ملامح زوجته المختلطة بين القلق والإرهاق.
والدته تجاورها من الجهة الأخرى في غرفة الجلوس حيث وجدتهما يتسامران حين عودتها من حفل عرس حياء ولم تتأخر بينما تقص عليهما قول الجدة وقد كان لحديث خالته الأثر السابق ممهدا لما تريده ولو كان رغما عنها.
(يا بني... أنت سترافقها وأخوك إن أردت.... لكن حفيظة يجب أن تقابل والدتها ....)
تمسك ببطنها وكأنها تحميها ممن حولها، نظراتها شاردة، ترمق البعيد على عكس سمعها المتتبع لكلمات زوجها الذي هو الآخر يبدو عليه التمهل لإختيار أنسبها مستشعرا الحبل الرقيق أسفل قدميه يخطو عليه بحذر.
( أنا مستعد لأخذها إلى طبيب نفسي أو مصحة لو كانت تحتاج لذلك... سأتفق مع بهيج ونتصرف... لكنني أخشى عليها يا أمي وهي في الشهور الأخيرة....)
رفت بجفنيها وبللت شفتيها دون أن تحيد بعينيها عن السراب الذي تبحلق به فربتت والدة زوجها على ذراعها تستجلب تركيزها نحوها.
(ما رأيك يا إبنتي؟... تذهبين لرؤيتها؟... هي والدتك رغم كل شيء ولا أظنها الآن قادرة على أذيتك..)
أجفلت حفيظة على وقع الكلمة فإزدردت حماتها ريقها حرجا لتبتسم الأولى بحزن معبر فهل لها أن تنكر بأن والدتها مؤذية فعلا؟
آذتها كما آذت غيرها ولقد عودت نفسها على بعض القسوة نحوها فلم تجد صعوبة ربما لكونها لم تربي فيها حنوا تغفر به لها ظلمها أو ربما حقا خالقها غاضب منها!
(لا بأس! نذهب لرؤيتها وإن كانت في حاجة إلى رعاية... نبحث لها عن مصحة... فعلى أي حال أنا الآن لست في قوة بدنية لأستطيع رعايتها... ومع وضعها كما قالت الجدة لا أظنني قادرة على التعامل معها...)
نطقت بوجوم ثم نهضت بتثاقل، تستطرد بإقتضاب.
(عن اذنكما.. تصبحين على خير خالتي..)
شيعها زوجها بنظرات قلقة قبل أن يعود إلى أمه بمقلتيه الضيقتين رفضا، يهمس لها بإستياء.
(أكره سيرة تلك المرأة...)
مططت شفتيها، ترد بنفس الملامح المنزعجة.
( أنا أكثر منك... لكن الواجب حق علينا قضائه... سترافقها وإبن خالها أيضا لتقيموا الوضع... وعلى أساسه تصرفا...)
أومأ وقام من مكانه يساعدها بروية وصبر إلى أن وقفت ثم رافقها إلى غرفتها وهناك قبل رأسها يستأذنها فربتت على جانب وجهه تدعو له بالسكينة والهداية.
لمحها متسطحة على ظهرها نصف مستلقية كيفما أمكنها تكور بطنها تسند نفسها بمخدات كثيرة، نظر نحو النافذة المفتوحة على مصراعيها فخطى إليها ليرخي الستارة ثم نزع سترة منامته البيتية وظل بكنزته البيضاء المعدومة الأكمام وتسطح جوارها.
لم تتحرك ترنو أمامها بنفس الشرود الواجم، المستولي عليها بعد حديث والدته والذي كان يزورها كلما فتحت خالته موضوع نوال ووضعها الغير طبيعي فيحاول تغيير مزاجها بغزله الجريء ولمساته المشاغبة وسريعا ما كان يخرجها من حالة الحزن تلك.
(هل أنا قاسية يا فواز؟)
فاجأه سؤالها فإلتفت إليها وإرتفع فوق مرفقيه مستفسرا بحيرة.
(كيف؟)
أبت النظر نحوه تمسد بطنها المنتفخة وتكمل بهمس متحشرج.
(هل أنا إبنة عاقة وقاسية لكوني لا أشعر بشفقة أو بقية من حنان يدفعان بي نحوها والقلق على صحتها؟.... فهي والدتي ومن أنجبتني إلى هذه الحياة رغم كل شيء... أ...)
تلكأت تتنهد بتعب ثم رفعت إحدى كفيها لتعيد بها خصلات شعرها إلى الخلف وإلتفتت إليه ترمقه بتشنج مرتبك ضائق، تنهي حديثها أمام نظراته المتفحصة لطريقة تمسكها ببطنها.
(أخشى أن يشعر إبني أو إبنتي بنفس الإحساس نحوي... لن أتحمل لكن!)
تدحرجت دمعة حارة مؤلمة على وجنتها سارع ليمسحها، قائلا بإنزعاج حاد، كان يعلم بأن السيرة لن تجلب عليهما سوى الضيق والتوتر.
(أنت لست والدتك... ثم أنت رغم كل شيء لم تقسي عليها ... كنت مرغمة ... والدتك!...)
أخرس لسانه حين لمح قسماتها المتشنجة فتراجع وزفر، يقول.
(دعينا لا نتحدث في الموضوع لأنه يزعجك... وكل ما سيقال أنت تعرفينه جيدا... لذا لا تفكري في الأمر كثيرا... سنجد حلا إن شاء الله... وفكري في صحتك وصحة طفلنا...)
وضع يده على بطنها يمسدها بروية وحنو فصمتت لبرهة تفكر في طريقة معاملته مؤخرا والتي تعلم كيف يتكبد العناء ليتجاوز طبعه الأقرب لطبع طفل صغير تعود الحصول على كل ما يتمناه وكثيرا ما تغلبه صفاته فيتراجع أمام تقريع والدته التي لا تهمل فرصة لتستغل فيه مكانتها لديه لتقومه كما لم تفعل حين كان صغيرا يثير شفقتها وعطفها نحو يتمه وحينها إكتشفت أن زوجها يقدس والدته ولا يستطيع إغضابها مهما حدث حتى لو إضطر إلى التنازل عن بعض من كبريائه وفخره مقابل الحصول على رضاها.
لا يثير قلقها سوى ما تعلمه عن زيغ نظراته نحو الجنس الناعم، تخشى مستقبلا قد ينتكس فيه ويندفع بفعل رتابة الحياة وحتى التعود والملل الذي قد يصيب حياتهما الزوجية فيبحث عن البديل!
لن تعلم أبدا إن كانت تملأ عينيه عن باقي بنات جنسها ولن تطمئن أبدا حيال وفائه من عدمه!
ذاك كان إختيارها ويجب أن تتحمل نتائجه.
(لم هذا العبوس الآن؟)
أجفلها فركزت بنظراتها على وجهه المهل عليها ثم حادت بها نحو كفه الممسدة لبطنها، تسأله بخفوت.
(هل تحبه؟)
رف بجفنيه مضيقا عينيه بإستفسار فأشارت بنظراتها إلى بطنها، تستطرد بغموض.
(هل تحب طفلنا؟)
تبسم بإستخفاف يرد
(وهل هناك من لا يحب طفله؟... طبعا أحبه..)
(وماذا عني؟)
همست رافعة حاجبها الصغير ككل شيء فيها وكأنها منحته الضوء الأخضر ليكتسح ملعبه المفضل، إقترب منها يهمس بعبث تاركا الحرية لكفيه تسرحان على مزاجه.
(طبعا أحبك... فأنت أصل الجمال كله...)
غيبها ساحبا إياها عبر طوفان مشاعر يثيرها بسهولة من يملك الخبرة وكان آخر ما ومضت به خلايا عقلها قبل أن تستجيب لنداء سحره الأخاذ...
أنها أبدا لن تعرف إن كانت حقا تملأ عينيه عن باقي بنات جنسها!
..................

**اليوم التالي**
**بين منزل جرير ومنزل أهل زينة**

(تركت صغيرتك لتحضر حفل زفاف يوسف؟ ....ماذا حدث يا ترى؟... هل ركلتك زوجتك خارج البيت أخيرا بعد أن ضاقت بإلتصاقك بالصغيرة ضرعا؟)
نظر إليه بطرف عينيه دون رد، يمطط شفتيه بإمتعاض فإدعى مؤنس الدهشة، يشهق مستدركا.
(جرير جرار الحقول لا يرد علي بجفاء؟.... ويكتفي بنظرة ممتعضة صامتة؟.... ماذا يحدث حقا؟)
كان جرير قد إقترب من باب منزل عمه والد زينة حين إستدار إليه يجيب بجدية جافة.
(إخرس وأخبرني أنك لا تستغرب كثرة تردد هشام على منزل عمنا؟)
قلب مؤنس شفته السفلى يدعي التفكير ثم إبتسم بسماجة متعمدة، يرد ساخرا.
(صحبة عمنا تروقه يا جرير! ...فماذا سيكون غير ذلك؟)
زمجر بعبوس رافض فرفع مؤنس كلا كفيه، يستطرد بملامح يجاهد إخفاء المرح فيها.
(حسنا أنت محق... لكن عمي منتبه هو الآخر فلا داعي لقلقك...)
جعد جرير ذقنه مفكرا قبل أن يستدير لضرب جرس الباب، معقبا بإقتضاب.
(لي حديث خاص مع هشام...)
لم يكد يكمل أحرف إسمه حتى فتح الباب ليظهر من خلفه، يبتسم لهما بلباقة مدعية.
(مرحبا بالشباب تأخرتما علي...)
ضحك مؤنس، يجيب بسخرية.
(أنظر يا إبن العم! إنه يفتح باب بيت عمنا ويلومنا أيضا على تأخرنا عليه ... في بيت عمنا!...)
ضيق هشام عينيه أمام إسترسال مؤنس الساخر بينما يتجاوزه داخلا.
(قلتَ أنك لك حديثا خاصا معه... آمل أن ينتهي بينما أسلم على عمي وإبنة عمي....)
دفع جرير الباب الخارجي بقدمه رغم حرية ذراعيه الساقطين إلى جانبيه فتأمله هشام بمقلتين مترقبتين بحيرة أخفاها بحديثه المتهكم.
)لماذا لا ترتدي الجلباب؟... كنت أظنك تحب الزي التقليدي خصوصا في المن....س...)
كان قد إقترب منه بروية وتمهل دون أن يحيد بظلمتيه المشابهة بظلمة الليل حولهما لولا الإضاءة الخاصة بالحديقة، يحدق به دون تعبير واضح حتى وصل إليه لا يفصل بينهما الكثير.
…)بات.... ماذا هناك؟)
سأله متوجسا من حركاته تلك فتنفس جرير بصخب قبل أن يفتح فمه بنبرة عميقة مهددة رغم نبرة الهدوء المريب الذي نطق بها.
)ماذا تريد من زينة يا ضابط هشام؟)
لم يتململ هشام من مكانه يجابه طول جرير الموازي لطوله رغم نحافة جسده قليلا أمام ضخامة جسد التاني ولم يبدي أي رد فعل تأثر سوى حركة طفيفة على سطح حنجرته.
)ماذا تقصد؟)
حاول هشام المراوغة، يشعر بأنفاسه داخل صدره تتوسل الحرية من قيد سطوته الجبارة ليحافظ على واجهته الهادئة.
رفع جرير حاجبه بمعنى محدد، يجيبه.
)حقا؟)
لاح عبوس طفيف على سحنة هشام فإستدرك جرير بإمتعاض.
) أنت تهين ذكائي يا ضابط هشام... عيب عليك وعلى ....)
رفع كفه ليمنح كتف هشام الأيمن ضربتين غير ظريفتين إضطر على إثرهما تثبيت جسده عن التراجع خلفا.
)رتبتك...)
حسنا لقد نال منه، تصلبت أطراف جسده وتنفس بعمق يحاول إيجاد رد مناسب وسريع لحل معضلته تلك فكيف يجيبه على أمر لم يجد له ردا شافيا لقلبه النافر دوما بسببها، لصدره المبتهج تحت رداء مرحه الظاهر مع والدها، لا ينكر أنه أحب والدها ومنزلها وكل ما له علاقة بها فيظل عالقا مع سؤال واحد مثير لحنقه كما لهفته...
هل كل ذلك يعني أنه يحبها هي؟
شيء ما، بل أشياء تتزاحم لتنفجر برد واحد يتجاهله عن عمد كل لحظة ويوم فما إن يعترف به حتى يحين أوان القرار.
)هشام تحدث... لا وقت لدينا كما سبق وقلت... أو هل تعرف ماذا؟)
نظر خلفه نحو إبن عمه العائد من الداخل خلفه زينة تشير له قرب الباب الداخلي وقد كانت نظراتها اللامعة سهلة القراءة من مكانه البعيد عنها.
)سنتحدث لاحقا...)
أكمل بتبرم، ملوحا لابنة عمه وإستدار يتقدم هشام الذي لم يستطع أن يمنع نفسه عن الإلتفات إليها فسحبه مؤنس وأغلق الباب بينما يسأله ساخرا.
)كيف كان حديث جرير الخاص؟)

يتبع

noor elhuda likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:09 PM   #1064

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي


***قبل قليل***
**شقة يوسف***
ترك ربطة عنقه فجأة لترتخي حول ياقة قميصه الأبيض، يهتف عبر السماعة الملتصقة بأذنه وقد كان قبل لحظات فقط يتمم على بدلته الزرقاء القاتمة الأنيقة، مفضلا إياها على الملابس التقليدية ليس نفورا إنما حرجا فلم يعانده أحد في ذلك.
)إنتظري!.... لم أفهم كلامك.. هلا أعدت قولك؟)
أولى ظهره للمرآه الطويلة ذات القوائم الخشبية الثلاثة، المتوسطة لغرفة نومه، مصغيا لمحدثته حتى أنهت حديثها الذي ألجم لسانه عن الرد.
(يوسف!...ألازلت معي!)
رمش مرتين يزدرد ريقه ثم قال بنبرة مبتسمة لم تشمل ملامح وجهه الجامدة.
(لا عليك حبيبتي ... جهزي نفسك الليلة ولا تفكري في أي شيء آخر... ألقاك بعد قليل إن شاء الله....)
تلقى ردها الحيي كإسمها ثم أنهى المكالمة، نازعا السماعة ليلقي بها جوار الهاتف، تخصر رافعا رأسه للسقف يفكر بتمعن ثم خرج من الغرفة ينادي على سارة، عالما بكون والده ينتظرهم في بهو الشقة، يستعجلهم كل لحظة ليمروا على بقية أهله الذين ينتظرون في الشقة السفلية وقد جهزوها سابقا مع شقة أخرى لإستقبالهم ومن تمت دعوته من خارج البلدة.
(سارة!...سارة!)
تفاجأ والده الواقف بجلبابه الأبيض البهي وقد كان يتفقد هاتفه بحنق، ضجرا من تأخرهم وإنتظاره فسأله بإستغراب وريبة.
(ما بك يا يوسف؟)
كانتا قد ظهرتا أمامهما متتابعتين على إثر صوت يوسف الجاد على غير عادته معهما إلا في مرات نادرة واستثنائية.
(هل قامت أم محسن بطلبك لإبنها وأنت أوحيت لها بالموافقة؟)
عضت سارة شفتها، ترمقه بخجل ضاعف من إستغرابهم وسلا تتراجع خطوة خلف شقيقتها، تراقب الوضع بقلق.
(ماذا؟)
تدخل والدها، مقتربا منهما فأكد له يوسف بملامح جادة.
(حياء أخبرتني بذلك... وبأن والدها ينوي أن يفاتحك في الموضوع بعد إنتهاء العرس... لكنها لم تستطع إخفاء الأمر علي كي نكون مستعدين برد يناسبنا...)
إستدار والدها إليها، يعقب بصدمة.
(هل جننت؟... كيف توافقين على شيء مهم كالزواج دون أن تشاوري أحدا من أهلك؟)
بللت شفتيها، ترد بهدوء خافت.
(لقد سمعتَ يوسف... لم أوافق حافظت على صمتي خجلا ...ولم أكن لأوافق على أي شيء يخص حياتي دون موافقتك أنت ويوسف...)
رمقها والدها بتفكير ثم قال.
(إذن أنت لست موافقة؟)
أومأت بسلب، ترد بصلابة.
(ولا حتى هذا)
(كيف!)
هتف والدها فرفعت كفيها ترتب بهما أعلى طرحتها ثم أنزلتهما تتلمس حزام فستانها التقليدي بينما تفسر بثباث حذر.
(ما أعنيه أنني لم أمنح الخالة جوابا صريحا... لكنني موافقة على طلبها...)
ساد الصمت بين جدران البهو يلف أربعتهم، سلا غارقة وسط قلقها المترقب، يوسف مستغرق في تفكير عقيم ووالدها يعبس بشدة وكان الأخير أول من قطع ذلك الهدوء المقيت، يعقب بضيق.
(هل أنت واعية لما تقولينه؟... عل فكرت حقا فيما أنت توافقين عليه؟... أم أن موجة من الشفقة بمن إحتككت بهم مؤخرا تغرقك في لجة وهم بأنك قادرة على تلك المسؤولية...)
إندفعت الدموع عبر مقلتيها مرة واحدة لتُسقِط فكوكهم بصدمة أمام جرحها المرتسم على محياها وبين كلماتها المتقطعات ألما.
(أنت تجرحني بابا...)
(أنا!)
هتف والدها مصعوقا بما يراه منها، فأجابته بإنكسار.
(لقد كان إحساسي حقيقيا حين فقدت بصري إذن؟... وكل معاملتكم معي كانت بدافع الشفقة...)
أعينهم في إتساع صادم وهي تشير نحو وجه والدها، تخصه ببقية حديثها الموجع.
(كل ما مددتني به من حديث عن كون العمى ليس بعجز وكوني لا يجب أن أشعر بالنقص أو الخجل من مصابي ....كله مجرد مسكن للألم وعبارة عن مواساه ... كان مجرد كلمات فارغة من وضعي المثير للشفقة لا غير... أليس كذلك بابا؟)
ثم إلتفتت إلى يوسف، تكمل بحزن.
(وأنت يا يوسف... بعد كل الحديث الرائع حول أصدقائك ومحسن بالذات... يكون هذا رأيك ؟... بعد كل ما فعلته من أعمال تطوعية ومكانتك المهمة في المؤسسة الخاصة؟)
هم يوسف ووالدها بالرد لكنهما جمدا على أثر تتمة حديثها المشتعل.
(لماذا إذن وافقت على طلب نبيه لسلا؟... لماذا هي؟... وأنا تتصرف بهذه الطريقة الرافضة؟... أم لأنها سلا الرزينة العاقلة الشبيهة بك ... ظلك الذي لا يفارقك؟ ...)
شهقت سلا بذهول فساد الصمت الثقيل يحوم فوق رؤوسهم لبرهة قبل أن يهتف والدهم مرة أخرى لكن بصوت علت نبرته، موحيا بفقدانه لصبره.
(ماذا؟)
ضغط يوسف على شفتيه، يشير إليها بسبابته، قائلا باللغة الأجنبية الطاغية على لسانه حين عصبيته أو غضبه.
(هذا غير عادل إطلاقا! ... وأنت لا تعلمين شيئا... ولم يكن هذا تخيلي لليلة عرسي....)
ثم فتح كلا ذراعيه، مستطردا بخيبة.
(شكرا لك...)
تراجعت، تشهق بقوة تعترف بفشلها الذريع، لم يكن هذا ما خططت له، لقد فكرت بكل طريقة ممكنة لكنها أبدا لم تتوقع هذا الشعور بالغضب والخيبة كذلك الذي يشعر بها شقيقها حاليا وهو محق.
(تعال هنا!)
أوقفه والده حين إستدار ليغادر فإنحسرت خطواته وعاد إليه، يمسح على لحيته المشذبة معقبا بوجوم.
(الموضوع بإختصار يا أبي... أن نبيه اعترف لي بمشاعره نحو سلا وطلب مني ...)
لم يستطع منع إبتسامته الواجمة والآسفة بينما يكمل بسخرية مطعمة بلباقة حديثه.
(لا يا أبي لم يطلبها للزواج.. بل طلب مني إعادتها إلى الغربة ...)
قفزا حاجبا والده إستغرابا أمام بقية حديث يوسف المتسارع.
(كان متأكدا من أنه لا يستحقها وأننا لن نوافق عليه... وفي نفس الوقت لم يستطع تحمل إحساسه بأنه يخون صداقته بي كلما فرت منه نظرة إعجاب نحوها... لذا صارحني بعذابه وطلب مني أخذها بعيدا عن هنا... وحين تحدثت معها أعربت عن موافقتها إذا طلب منها الزواج...)
إستدار والده نحوها فإرتبكت تضم جسدها النحيف داخل فستان واسع من قطعتين واحد سفلي مغلق الصدر والجانبين وآخر علوي مفتوح في مناطق عدة ليبرز الرداء السفلي بتطريزاته الخلابة والمناسبة للونه الزهري الشاحب.
(وأنتِ أيضا؟)
هذر والدها بصدمة فإستطرد يوسف بهدوء تحلى به مجبورا.
(يا أبي كان مجرد حديث بيننا... اقترحت عليهما التفكير في الأمر لمدة أطول حتى يتأكدا من موقفهما... حدث هذا بعد وفاة والدتي وقبل سفركم ...)
صمت قليلا ثم أضاف بينما يمنح سارة نظرة لائمة.
(هاك لقد علمت كل شيء يا أبي ... نبيه يريد الزواج من سلا... وعلى ما يبدو محسن سيطلب الزواج من سارة.... رأي في الأمر.... صديقاي من خيرة الرجال... كلاهما سيسعدني إقترانهما بشقيقتاي وإنا أعلم يقينا بكونهما على قدر المسؤولية... لكنني للأسف لا أستطيع قول نفس الشيء بالنسبة لهاتين..)
أشار إليهما فعبستا بإستنكار ليهز كتفيه بخفة، مسترسلا قبل أن يختفي من أمامهم.
(واحدة جبانة تهرب من مواجهة واقعها ... والأخرى على جنونها لا يتغير .... لذا يا أبي كان الله في عونك... إسمحوا لي فالليلة ليلة عرسي... وفي الحقيقة لأول مرة سأعترف بحقيقة أن لو كانت أمي رحمها الله حاضرة ... ما تجرأ أحد على إفساد ليلة عرسي ... عن إذنكم ...)
تناظروا فيما بينهم وحين هم والدهما بالتحدث رن جرس الباب فزفر، يقول بإقتضاب مشيرا لهما بالمغادرة.
(جهزا نفسيكما سريعا... ولنا حديث طويل إن شاء الله... هيا!)
................

**منزل الفقيه عبد العليم **

بكلمات حكيمة أنهى محسن طيب حديثه بعد أن طلب منه الرجال ذكرا لرب رحيم تستأنس به القلوب وتنشرح له الصدور لتبتهل الألسنة حمدا وشكرا لرب العرش الكريم.
غامت مقلتا صلاح الدين بتفكير إستولى على خلايا عقله منذ أن جلس بين الرجال يجاوره نسيبه، حمي ولده الذي إستقبله أحسن إستقبال لم يكن بشيء جديد على شخصه المعروف بصلاحه وتقواه بين أهل بلدته وكما التمس بنفسه من خلال تعامله معه وابنه نسخة منه، يحظى بمحبة جميع من يعرفه.
حاد بأنظاره الشاردة عن هيئة محسن المهيبة إلى من يجلس قربه يسارا فعاد لسان حاله يؤكد له ما يعرفه ويناقض كل أسباب رفضه المرافق لتفاجئه، مهما كان من يتقدم للزواج من إبنتيه كان ليشعر بنفس إحساسه الآن من الرفض والذهول كون إبنتيه الصغيرتين قد كبرتا وأضحتا في سن الزواج!
لن يرى أبدا أحدا مهما كانت صفاته مثالية، جيدا كفاية لابنتيه، إنهما صغيرتيه بحق الله!
كانتا ولوقت قريب تتخذان من حضنه سريرا لهما لتغفيا قريرتي العين بعد أن يطعمهما طعام العشاء بيديه مصرا على ذلك كل يوم بسبب غيابه طوال النهار في العمل وكم كانتا تعشقان ذلك فتبديان حماسا لا حدود له.
متى كبرتا لتقررا أمرا مهما كالزواج ومن خلف ظهره!
لقد بدت سارة واثقة من اختيارها، يعلم جيدا تلك الشراسة حين تتوحش بها مقلتيها ببريق جنوني يشع تصميما وإصرارا.
كما لن يعتبر ليونة سلا في حديثها الأقرب إلى لباقة وشخصية يوسف الهادئة ترددا أو عدم يقين من قرارها هي الأخرى!
فإن كانت سارة مجنونة في تطبيق قرارتها فسلا أشد منها عنادا لكن بطريقة أهدأ!
يبدو أن فخره بقوة شخصية أبنائه سيتحول لوبال عليه، لماذا كان عليهم أخذ كامل صفات زوجته كل واحد بطريقته الخاصة؟
تنهد بخفوت حين تلاقت عينيه مع خاصة إبنه المجاور لمحسن من اليمين فمنحه نظرة مواسية ثم مساندة حققت هدفها وإنتشرت بعض الطمأنينة عبر صدره فمدام إلى جانب أولاده مهما كانت قراراتهم سيكون كل شيء بخير إن شاء الله وسيحرص على ذلك.
(ما رأيك سيد صلاح الدين ؟)
(ها!)
إلتفت إلى الرجل قربه يسأله عن شيء من حديثهم الدارج بينهم حين شروده فأعاد عليه الفقيه ما يقصده وسريعا ما اندمج معهم مؤجلا ما سوى ذلك إلى حين أوانه.
وغير بعيد عنهم جرير يحاصر هشام بنظراته الباردة، يصغي إليه منتشيا داخليا بتوتر الآخر الذي يحاول إخفائه جاهدا خلف هيئة هادئة بالكاد.
هذا الأحمق قبالته معجب بإبنة عمه أو قد يكون تجاوز مرحلة الإعجاب إلى حب يدفع به إلى بيتها بشكل شبه يومي متحججا بصداقته المستجدة بوالدها ولن يكون جرير إن لم يجبره على النطق بما يتهرب من البوح به بينه وبين نفسه ثم بعدها سيتفنن في التعبير عن شماتته، حسنا ليس ذلك فقط بل يتمنى أن تتزوج إبنة عمه وتكف عن إضاعة سنوات شبابها حتى لو كانت دوافعها مهمة لكن الأحمق هنا يرقى ليكون زوجا مناسبا لها بغض النظر عن التدخين الذي سيعتصر رقبته لحد زهق أنفاسه إن لم يقلع عنه.
(أنت لم تقل شيئا مفيدا لحد الآن يا هشام... لذا أنا مضطر لما سأخبرك به...)
منح إبن عمه نظرة خاطفة قبل أن يكمل بجدية ضاعفت من قلق هشام المترقب.
(ستبتعد عن بيت عمي أو سيكون لي حديث آخر صريح معه ليطردك بنفسه ...)
قفزا حاجبي هشام بدهشة مستنكرة ونظر نحو مؤنس لعله يقدم له عونا أو يشاركه إستنكاره لكن الأخير كان مستغرقا في ما يفعله على هاتفه فرد بهمس حاد.
(لماذا أبتعد عن الحاج؟ ...أحب الحديث معه كما لا يوجد أي سبب لتطردني من بيته...)
(تحب عمي أليس كذلك؟)
ألقاها جرير بتهكم بارد فتجمد هشام قبل أن يزفر بقنوط، غافلا عن بسمة مؤنس الجانبية رغم تكدره الواضح على محياه.
(هشام ..البيت له حرمته .... وإن كان صاحبه يستقبلك بكل حب وكرم فلا تسيء إليه ...)
هم هشام بالرد عليه بإستهجان لكن جرير لم يكن قد إنتهى بعد محافظا على هدوء نبرته الجامدة.
(أنت مفضوح يا هشام... ما يبدو أنك تنكره يتراقص بين نظراتك بسفور فاضح... وهناك غيري قد لاحظ ذلك.... وهذا ما قصدته بالإساءة ...)
قطب هشام بقلق بالغ وقد بدى كفأر علق بالمصيدة ليستدرك جرير محذرا من بين نغمات اللطف الذي أسبغه على كلماته.
(لم أعهدك سوى رجل إبن رجل يا هشام...)
بلع ريقه كما أطرق برأسه، يخفي خجله الذي نجح جرير في إغراقه به.
(لن أضغط عليك أكثر ... كما لن أطالبك بما لا تريده... فكر جيدا ثم قرر... )
بعد مدة أمام منزل الفقيه عبد العليم بارك جرير ليوسف مرة أخرى ثم محسن ليستأذن مغادرا مع نبيه وإبن عمه الذي أثار حنقه طوال الساعات الماضية، يلمح كدره الموجه لهاتفه فلم يستطع الصبر، أكثر يوجه له حديثا بنبرته الجافة.
(بالله عليك اترك ذلك الهاتف اللعين قليلا!)
إلتفت إليه مجفلا ثم دس هاتفه بسرعة في جيب سترته ليرد عليه بسخرية واجمة.
(تركناه ... لعلك ترتاح...)
ثم صمت ينظر إلى موطئ قدميه مهموما في حين دس جرير كفيه داخل جيبي جلبابه الأبيض ذو الخطوط البنية يراقبه بعدم رضى وتفكير عميق كالذي أغرق نبيه عمق لجته يحاول تفسير نظرات والد يوسف التي خصه بها ومحسن طوال الأمسية، متجاهلا صاحبيه.
(ما بك يا مؤنس؟... هل هناك مشاكل بينك وبين عروسك والتي ستزف إليك بعد تلاتة أيام بالتمام والكمال؟)
كان قد دس يديه في جيبي سرواله هو الآخر، يضرب الحصى كل مرة بقدمه دون رد فإستدرك جرير مشفقا من حال إبن عمه الغير طبيعي.
(تحدث يا إبن العم ...)
توقف مؤنس ليقابله بجسده، يناظره تحت إنارة أحد عواميد الزقاق فتسمرت قدما نبيه متنبها لوقفتهما غير مهتم كثيرا، يحسبه مجرد نقاش معتاد بينهما فعاد يستسلم لعاصفة أفكاره.
(حسنا سأخبرك لأنني لا أصل لحل لما أنا فيه من حيرة... وصدقني قد فكرت كثيرا وأنا أعلم حقا مدى صعوبة فهم النساء...لكنني أعترف أخيرا... لقد عجزت...)
جعد جرير ذقنه منتظرا ليكمل إبن عمه بوحه المستفيض من بين حركات كفيه المتخبطة في الهواء.
(خلاصة الأمر أشعر بأنني الوحيد المتحمس لزواجي... أنا من يختار كل شيء من الألف إلى الياء... كلما إستشرتها في شيء تترك لي أمره كليا... لا أعلم كيف أفسر لك سوى كما أخبرتك سابقا أشعر بأنني المتحمس الوحيد بيني وبينها لهذا الزواج والعرس لكن حين أسألها تفند كل ظنوني وترد بثقة أنها تريدني كما أريدها... )
إنحسرت كلماته حين رفع جرير سبابته أمام وجهه، محذرا بإمتعاض.
(إلى هنا وكفى... لا أريد أن أعلم عن مدى رغبة بعضكما ببعض... تحشم قليلا...)
زفر مؤنس ممشطا خصلاته إلى الخلف، تغمره الحيرة فتدفع بعينيه باحثة في كل إتجاه دون هدف قبل أن تعود لترسو على وجه جرير، يكمل بإستياء.
(أنا من اختار كل شيء يا جرير... كل شيء... ما أعلمه عن النساء حبهن لتأثيث بيوتهن وإقتناء كل ما يخصهن.... فما الذي يحدث؟)
ضغط جرير على شفتيه، ناظرا إليه بعبوس ثم قال بعد حين.
(بنات الحاج محمد مختلفات في كثير من الأشياء ... ثم هناك أمرا مهما يجب أن تعرفه ... كنت سأخبرك عنه لكنني لم أجد الفرصة المناسبة...)
إعتدل مؤنس منتظرا بإهتمام فإستدرك جرير حديثه الجدي.
(تعلم أن تقوى كانت رافضة لزواجها منك... )
تلكأ ثم أكمل بسماجة متعمدة.
(ولا تزال...)
إمتعض مؤنس بسخرية فأشار له بسبابته محذرا.
(لا تبدأ ... فلديها أسبابها..)
قلب شفته غير متراجع عن رفضه لكن الفضول غلبه فحافظ على صمته مصغيا بتركيز.
( إلى جانب رفضها لحمقك السابق في ما يخص الخمر... من أكبر مخاوفها شخصية أختها الحساسة ..)
قطب مؤنس بجهل فزفر إبن عمه مفسرا.
(صفاء تتسم بشخصية إتكالية ... هذا ما فهمته من حديث تقوى... فهي خائفة من أن تستحوذ عليها حين تسلمك كل ما يخصها ...فلن تتخذ قرارا في حياتها اليومية دون أن تعود إليك وحين أقول في حياتها اليومية فأنا أعنيه بالحرف... كل شيء ... حين توضع في موقف اختيار ستتراجع وتبحث عمن يقوم بالدور عنها...)
ساد الصمت قليلا وقد إكتفى بما باح به، يتمنى أن يكون إبن عمه على قدر المسؤولية فما يكتشفه في زوجته منحه نظرة عامة لما يحمله أبناء الحاج محمد من عقد بسبب والدتهم لكن الأمر بالنسبة له لا يشكل هما كبيرا.
(هل فهمتني؟... لماذا لا تعقب؟)
رف مؤنس بجفنيه مرات عدة، ينطق بإستفساره الشارد.
(تعني أن تهرب صفاء من اتخاذ القرارات طبع في شخصيتها وليس لأنها غير متحمسة مثلي؟)
للوهلة الأولى لم يلتقط جرير المعنى لكنه ما لبث أن فهم فجعد جانب أنفه بتهكم أمام البسمة البلهاء التي اتسعت لتشمل كامل قسمات وجه مؤنس، المستدرك بسرور.
(أرحت بالي يا إبن العم... شكرا لك...)
ثم رفع كفه، يسأله بحذر.
( إذن زوجتك تخشى من إستحواذي على شخصية أختها بصفتي زوجها... ماذا تخبرها عني يا جرير؟... ماذا تظن بي؟... هل تدافع عن إبن عمك أمامها على الأقل؟)
تحولت نبرته إلى سخرية مجددا في آخر حديثه فرفع جرير رأسه إلى السماء متأففا قبل أن يجيب بضيق.
(دعك من زوجتي وفكر في خاصتك ... الأمر ليس سهلا.. وعليك معرفة الأسباب بنفسك... وأنصت إلي جيدا... الزواج لا ينجح بالفلسفة الفارغة التي كنت تلقيها على مسامعي كل لحظة... بل..)
قاطعه مؤنس ملوحا بكفه بإستخفاف.
(من فضلك؟... هل ستعطيني دروسا لمجرد أنك تزوجت قبلي بسنة؟)
أصدر جرير زمجرة مكتومة، يقترب منه خطوة بينما يرمقه بعبوس ناقم فعقد مؤنس جبينه بشدة، يبلع لسانه متوجسا.
(لا يا فيلسوف زمانك... أنا لا أعطيك دروسا إنما أخبرك بما نصحني به الفقيه عبد العليم والحاج محمد... وبما أن زواجهما إستمر لسنوات بفضل الله فمن أفضل منهما لنتعلم من تجاربهما...)
كان قد حرر كفيه، يتخصر بهما ليستطرد بنفس الجفاء.
(أساس الزواج التفهم والتقبل والرحمة... هناك صفات في الإنسان لا تتغير... وأفضل الحلول للعيش بسلام تقبلها... وقد يكون ذلك حلا لها أيضا ... وأنت إخترت من تريد أن تشاركك حياتك ... فحاول التعرف عليها جيدا ثم صنف طباعها ما بين يجب أن يتغير وما يجب أن تحتويه بحكمة...)
هز رأسه، مجيبا بإستياء.
(تعلم أنني محب للتحديات ... فقط يجب أن أفهم... ثم لا تقلق ... أعرف جيدا كيف أدير حياتي وأتجاوز بها الأزمات...)
ضحك بعدها ليكمل بمرح مستفز.
(حلم أغلب الرجال الإستحواذ على زوجاتهم ... هل تمزح؟... إنه أمر جيد ومريح....)
تلاعب بحاجبيه بمكر فنفخ جرير بضيق يعقب.
(لا تجعلني أندم لأنني أخبرتك... وساعد الفتاة لتتخطى مخاوفها ... فالحياة لا تؤتمن وقد تضطر يوما لإتخاذ قرار صارم وصحيح لوحدها..)
ضم مؤنس شفتيه جانبا قبل أن يجيب بعبوس ساخر.
(لا قدر الله يا أخي... حسنا فهمنا!... )
ضيق مقلتيه ثم إستدرك بمكر.
(وماذا عن زوجتك؟... ماذا تتقبل فيها وتحتويه ؟... فهي ما شاء الله شخصية قوية وتتخذ القرارات بكل قوة بل وتصر عليها ...)
عقد جرير ملامحه بشدة فأخفى بسمته رافعا كلا كفيه يدعي البراءة.
(نعتذر لحضرتكم.... خطأ لن يتكرر... )
ما لبث أن ضحك يستطرد عابثا قبل أن يعدو هاربا منه نحو بيت أهله القريب.
(لكن لا تنكر أنها طردتك من البيت اليوم... جرار الحقول يطرد من بيته...عشنا وشفنا...)
هز جرير رأسه بيأس وشبح بسمة يحارب ليشمل جانب فمه وقبل أن يخطو نحو بيته هو الآخر التقط ظل نبيه فتذكره وإستدار إليه مقطبا بحيرة من شروده الواجم.
*ما بك يا رجل لقد نسيت أنك معنا؟*
أجفل نبيه من شروده فإزدادت حيرة جرير الذي لوح بكفه
*ماذا؟*
بحث عن مؤنس رافعا يده إلى وجهه يمسد على لحيته فأشار له جرير.
*لقد غادر... ما بك؟*
ألح عليه بالسؤال لكن صديقه لم يكن في مزاج مناسب ليرد فهز رأسه بلا معنى يهم بتجاوزه حين أمسك به ليعيده مكانه ثم أشار له بإهتمام بينما يحرك شفتيه بوضوح خافت.
*هل هي أخت يوسف من تشغل بالك؟*
إتسعت مقلتاه بشكل طفيف، يجيبه بإستفسار قلق.
*كيف علمت؟*
إبتسم جرير بإشفاق، يشير له بنفس الطريقة المصاحبة بحركة شفتيه الواضحتين.
*وشاحك الأخضر حول رقبتها في المطار*
تهدلا كتفا نبيه ودق قلبه بقوة يستحضر صورتها ووشاحه الأكثر حظا منه يحتضن عنقها، يمنحها الدفئ ويتمتع بملمس بشرتها.
*لقد وقعت يا صاحبي*
أشار له نبيه بإشفاق فمنحه بسمة حزينة ذكرته بقلقه فسأله.
*ما المشكلة إذن؟.. بما أنها قبلت بوشاحك فهذا يعني أنها تبادلك مشاعرك... وبما أن يوسف رآه ولم يعقب فهذا دليل آخر على أنك أخبرته.... ما بك إذن؟*
زفر نبيه بغم، بماذا يرد عليه؟
لا يملك سوى الحيرة فلم يكن ليقابلها خلف ظهر صديقه ولا أن يتقدم لها رسميا مادامت لم تمنحه الضوء الأخضر وقد كان صابرا يدعو لله في قيامه وفي كل سجدة أن تكون من نصيبه لولا نظرات والد يوسف التي أثارت ريبته فأصابت قلبه بسهم شك لا يرحم.
*هيه!*
لمس كتفه ثم أشار لوجهه بحيرة.
*لم كل هذا الغم على وجهك؟*
لم يجبه مكتفيا بالبسمة الهادئة فربت على كتفه مجددا قبل أن يكتفي بالقول.
( إستعن بالله وتوكل عليه... وهو الكريم إذا أعطى أدهش..)
رفع رأسه إلى السماء يتوسل ربه من صميم قلبه وفتح شفتيه مقلدا حركات شفاه جرير كما كان يفعل في صغره.
(يا رب)
توغلت الرأفة بصديقه داخل صدره فربت مجددا على كتفه بمؤازرة، يفكر في إمكانية للتدخل في الأمر لكن على أي حال الوضع الآن لا يسمح لذا سيكتفي بالدعاء له بصدق وخشوع لأنه حقا يستحق.

يتبع

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 21-04-20 الساعة 03:08 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:12 PM   #1065

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

(لا يا فواز... ليس غدا من فضلك.... هل تريد إفساد عقد القران علي ؟...أجلها لبعد غد إن شاء الله...)
نطق بهيج بإستهجان وهما في طريق العودة لبيتهما حين أخبره فواز بما يخص نوال.
(حسنا لابأس ... مبارك عليك...)
رد عليه فواز متنهدا فأومأ بهيج محذرا.
(بارك الله فيك ... لقد زرتها أمس وفي الحقيقة لا أنصحك بما تريد فعله..)
قطب فواز متسائلا فهز بهيج كتفيه، يستدرك بغموض.
( إنها تهدي طوال الوقت ولا أظنها ستعي بزيارة حفيظة .... لذا إن أردت أن نودعها مصحة نفسية أنصحك بأن نفعلها مباشرة ....)
(لا... يجب أن تراها حفيظة أولا... هي والدتها بعد كل شيء ثم نودعها مصحة نفسية...)
جعد بهيج دقنه بغير رضى ثم تنهد يقول بنفس الغموض.
(كما تريد ... إن شاء الله...)
لوح له فواز مبتعدا ليلج بيته بينما إستمر بهيج بالمشي، يهمس بتهكم.
(ستجلبينه على نفسك يا عمتي ...)
(سيد بهيج!)
تجمدت سحنة بهيج، يتأفف داخليا بضجر وإستدار نحو زاويته المظلمة، يرد بإستهجان.
(ماذا تريد يا سالم؟ ... أخبرتك أن الله هدى وبعونه عفى...)
لمح حبات الكهرمان تلمع في الظلمة بين أصابعه بينما يتنحنح بشكل مخزي، يرقق من نبرته عكس ظاهره وسط الناس حين يمشي بينهم بخيلاء وهيبة مبهرجة بزيفها.
(أرجوك يا سيد بهيج... خدمة أخيرة ... فأمثالك قليل... وأكثر من يدّعي المعرفة كذاب... خدمة واحدة فقط تقف بيني وبين رغبتي التي إن حققتها لك وعد مني بأنني سأدعمك دائما...)
تمالك بهيج كرهه ونفوره، يحاول التفسير بهدوء فالشخص أمامه مغلف بظلمة تعميه عن الحق والمنطق وصعب جدا أن يفهم دوافعه أو حتى قراراته.
( إسمعني يا سالم وإفهمني... أنا تبت إلى الله .. وتركت كل شيء... لم يعد لي صلة بهم ولم أعد حتى أشعر بهم ...)
قفز سالم خطوة نحوه فتراجع بهيج تلك الخطوة، يقطب أمام توسله المثير للإستفزاز.
(وما علاقة ذلك بالتوبة؟... تب كما تريد ... جميلة التوبة واستغفر أيضا لكن لمَ تقطع صلتك بهم؟... نحن نستغلهم في الخير ولخدمة الخير...)
(نحن؟)
نطق بهيج من بين فكيه المطبقين بإستنكار جلي فضحك سالم بسماجة، يعقب بإعتذار.
(أنت يا سيد بهيج... أنت موهوب ... ولا مشكلة في تسخير الجن لما فيه صلاح وخير.... )
( إنهم شياطين ... لا يأتي أي خير من خلفهم)
كان يعلم أنه لا فائدة لكنه حاول رغم ذلك متذكرا نفسه وعدم فقدان أصدقائه الأمل فيه.
( إذن نستغلهم رغما عنهم في الخير... أتوسل إليك يا سيد بهيج ... خدمة واحدة فقط...)
تنفس بهيج بأسف ثم قال قبل أن يبتعد عنه.
(تبت إلى الله يا سالم... لا علاقة لي بهم ولم أعد أشعر بهم... ونصيحة مني ... إبتعد أنت أيضا قبل أن تنتهي الفرص... )
عبس سالم بغضب كشفت عن بشاعة نواياه لكن بهيج كان قد غادر بعد أن ألقى بآخر كلماته المنذرة.
(أخذه يأتي بغتة...أخذ عزيز مقتدر...)
إشتدت العقدة بجبين سالم كما إشتدت قبضته حول حبات الكهرمان، يفكر مليا في ورطته ثم همس بغل.
(غبي ... لم يقرر التوبة سوى الآن وأنا على بعد خطوة من تحقيق أكبر أحلامي... وعمته الشمطاء كذلك جنت وفقدت عقلها... يجب أن أجد شخصا آخر... وسريعا...)
.................

**المدينة السياحية... الفندق**

تفرك كفيها بتوتر منذ أن دخلا غرفتهما في الفندق الذي إختاره يوسف ليقضيا به أول يومين في حياتهما الزوجية فلن يستطيعا التخطيط لشهر عسل إلا بعد إنتهاء عرسي مؤنس وبهيج.
تبسم يوسف بجذل يتأمل هيئتها البهية رغم إحتشام فستانها الأبيض التقليدي المحلي الصنع تحت رداء واسع أبيض كذلك يخفي لمعة تطريزاته والخرز المطعم به، حجابها بنفس بياض ثيابها يحتضن وجهها المشع بنور يخطف دقات قلبه تباعا فينجذب إليها مسحورا لا يصدق أنه أخيرا تزوج وأضحت حياء حبيبة الطفولة والصبا زوجته.
أمسك بكفيها يرخيهما عن بعضهما بينما هي لاتزال مطرقة برأسها بحياء، صدرها يرتفع وينخفض بفعل توترها ولمسات يوسف الدافئة تثير مزيدا من حماس ترقبها.
(مبارك علينا حبيبتي...)
لم تستطع الحديث فأومأت بخفة تغمغم برد لم يسمعه لتتسع بسمته أكثر يفكر أنها كاسمها تستحي جدا وهو ليس بأفضل منها لولا تلك الدقات المدوية بعمق قلبه تدفع به دفعا نحوها، ليحتضنها، ليأخذها بين ذراعيه يشتم عبيرها ويتمتع بحضنها الدافئ.
رفع رأسها إليه ليحدق بوجهها المحمر بشدة، يستدرك بخفوت أجش.
(هل نصلي أوّلا أم...)
تلكأ فإتسعت مقلتيها تبلع ريقها، ترتعش كاملا فلم يستطع كتم ضحكته المرحة، يكمل بمكر غريب على طبعه الرزين أغلب الوقت.
(أم تغيرين ملابسك أولا...)
رمقته بعتاب تتنفس بعمق فضحك بينما يضمها إليه، حضنها بحنو فتمسكت به تخفي رأسها بين ذراعيه، كلاهما يستجيبان للفطرة السليمة التي أودعها الله داخل النفوس، كلاهما يرسوان أخيرا برحيلهما على شطآن الآخر بأمان وإستسلام تام.
(لنصلي...)
همس بجدية، يبعدها عنه قليلا فتراجعت تطرق برأسها تهربا.
فرغا من الصلاة وقد واتته فكرة يبعد بها التوتر عنها معَبدا لهما طريقا بسيطا منبسطا نحو ما يلح به عليه عقله وقلبه حاليا وكأن جسده بكامله قد إتحد عليه واتفق على أمر واحد لا غير!
وضع السجادة جانبا بعد أن قام بطيها مبادرا بفتح موضوع متيقن من أهميته لديها .
(أخبرت والدي عن محسن وسارة...)
وكما توقع وضعت السجادة جانبا هي الأخرى، توليه إنتباهها كاملا فجلس على السرير ينزع سترته وربطة عنقه.
(وماذا حدث؟)
ألقى بالسترة على كرسي قريب حيث وضع السجادة وأتبعها بالربطة بينما يجيبها.
(والدي تفاجأ وصدم...)
لمح تكدر ملامحها بوجوم طاغ وقد كانت تنزع الرداء الواسع فوق فستانها فأسرع يفسر.
(لم يتوقع بأن صغيرتيه قد كبرتا فعلا وتفكران في الزواج.... وكأنه فتح عينيه ليجدهما ناضجتين فجأة...)
تحول الكدر إلى حيرة قلقة على ملامحها، علقت ردائها فوق المشجب وخطت مستجيبة لإشارته حين وضع يده على السرير قربه.
(وماذا كان رأيه في ما يخص زواج أخي من سارة؟)
كانت ترمقه بقلق مترقب ألهاها عن وضعهما المتقارب فسحب كفها يستغل إنشغالها ليحتفظ به بين يديه بينما يجيبها بدعابة.
(حين يستوعب صدمته أولا سيبدأ بالتفكير في أمر زواجهما ككل...)
قطبت بحيرة بالغة ليقترب منها أكثر بشكل مدروس، يستطرد.
(نبيه أيضا يريد الزواج من سلا...)
إرتد رأسها إلى الخلف بدهشة فأومأ باسما، يرفع يده إلى طرحتها يرخي طرفيها، مضيفا بثرثرة متعمدة.
(ولأريح بالك ... كلتاهما موافقتان ... )
أصدر ضحكة مصحوبة بهزة رأس يائسة بينما يكمل وكفه لا تتوقف عن هدفها في نزع الطرحة ولمس خصلاتها التي تفاجأ بكونها أفتح من شعر أخيها البني فهو لم يسبق له أن لمح شعرها حتى في الصغر إذ حرصت والدتها على إخفائه دوما بأوشحة لا يذكر أنه رآها في حياته على مر مراحل حياتها بدونها.
(لقد كبرتا حقا وتقرران مصير حياتهما ....)
(هل تظن بأن والدك سيوافق؟)
ملامحها القلقة ونظراتها المتوسلة أكبر دليل على اهتمامها البالغ بموضوع زواج أخيها، الإحمرار تراجع عن بشرة وجهها رغم ما يفعله بها يؤكد غياب وعيها المترقب لجواب واحد للأسف لا يستطيع منحها إياه أكيدا حاليا.
(قد يكون والدي صارما بخصوصنا عموما... وقد يناقش ويجادل كثيرا حتى يوافق... لكن أمرا واحدا أنا متأكد منه... )
تحولت نبرته إلى همس أجش وقد إقترب من وجهها وضم خلف عنقها براحة كفه التي كانت تسرح بين خصلاتها المصففة.
(بل أمرين حقيقة!)
شملت وجهه بنظراتها المتسعة حين وعت من غيابها على قربه وما يفعله فأطرقت بعينيها، تجاهد لتركز على بقية كلماته الهامسة.
(أولا نبيه ومحسن من خيرة الرجال... والله بإذنه عز وجل لن يرزقهما سوى الخير وما فيه صلاح لهما... وسيجبر قلبيهما ... والأمر الآخر أن سارة وسلا أكثر عنادا من والدي ... ولكل واحدة منهما طريقة خاصة في تحقيق رغبتها ...)
تلكأ قليلا ثم أكمل قرب شفتيها بأنفاس متلاحقة.
(مثلي تماما...)
ثم عانق شفتيها بخفة ناعمة قبل أن يضمها إليه يدعوها إلى رحاب عالم جديد على كليهما يسِرها بوعود وعهود لا حصر لها، فتستجيب له بحياء، تستسلم لفطرتها تقودها خطوة خطوة نحو أول طريقهما، قلبها لا يكل من حمد ربها على ما تعتبره أكبر عطية لم تتخيل يوما أن يحققه لها ولقد أجبرت نفسها يوما بعد يوم على تجاهل مشاعر لم تتحكم بها نشأت داخلها في الصغر، تجاهلتها من أجل خالقها ومن أجل مصلحتها ولأنه كان القرار الصحيح الذي أفقد كل تبرير قيمته لتكون الجائزة مفاجأة أرعدت جسدها سعادة وسرورا ولم يكن هو بأقل منها سعادة، يغرق بأحضانها الدافئة يمنحها من فيض مشاعره الجياشة والتي أطلق لها لجام جموحها أخيرا دون قيد يعكر عليه صفو إستمتاعه بما صبر كثيرا ليناله ويحققه تحت رضوان رب رحيم.
...................

**اليوم التالي... شقة يوسف **

(أعتذر منك عزيزتي كنت أريد المجيء لكن والدي منعني ولم يؤخره عن إجتماع الطوارئ بنا أنا وسارة سوى آخر من غادر من أقربائنا .... وهو يودعهم حاليا تحت البناية...)
أمالت رأسها على الهاتف الملاصق لأذنها، ترمق الفراغ أمامها فتلف خصلة من شعرها بأصابع كفها الحرة، تصغي لرد نهيلة المرح.
(لا داعي حبيبتي للإعتذار... أبي أحضر كاتبي العدل إلى البيت... عقدنا القران وفررت سريعا من غرفة الضيوف ... أريد إثارة جنون الفخور الملون... )
قهقهت بمرح فهزت سلا رأسها بيأس.
(لا تنسي إخباري بنتائج جلسة المحكمة الأبوية ... وأحذرك يا فتاة... دافعي عن قضيتك بروحك...)
إستدركت نهيلة بلهجة مهددة مزعومة فتبسمت سلا مطلقة سراح شعرها لتمسد جبينها بينما تجيب بهدوء.
(حسنا ... مبارك لك حبيبتي... أراك على خير..)
أغلقت الهاتف وخرجت من الغرفة التي تشاركها مع شقيقتها لتجد الأخيرة قابعة على واحدة من الأريكتين في القسم المقابل للمطبخ المفتوح.
لمحت الحاجز الرخامي نظيف والأواني مرتبة في مكانها فجلست تتساءل بإستغراب.
(هل نظفت كل شيء بهذه السرعة؟)
نظرت إليها ثم أومأت بتوتر باد عليها لتستطرد سلا مشفقة على كلتاهما.
(أنت متوترة؟)
(أولستِ؟)
ردت بهتاف مرتبك فحركت سلا رأسها تتنهد بوجوم.
( إسمعي يا سلا... سنصر على قرارنا لن نستسلم لإبتزاز بابا العاطفي...)
إستطردت سارة بتحذير عابس فإرتفعا حاجبي سلا بتفكير إنحسر مع صوت باب الشقة وخطوات والدهما الذي ظهر على المدخل بعد أن تحرر من جلبابه الأبيض وبقي بكنزة بيتية صيفية وسروال رياضي يمتد طوله إلى منتصف ساقيه، إحتل الأريكة المقابلة كأنه محقق على وشك فتح تحقيق رسمي واضعا رجلا على أخرى ثم تحدث بنبرة ناقدة .
(متى كبرتما لتقررا الزواج؟... )
لم يسمح لهما بالرد، يتابع بسرعة بينما ينظر إليهما بالتتابع.
(أنت لم تكملي جامعتك بعد ... وأنت لم تعتبيها حتى ...)
عبست سارة بشدة فبدت له أشبه بوالدتها، شعرها الأسود النافر أغلبه من عقدته خلف رأسها، وجهها بزينته البيتية الخفيفة عكس سلا الكارهة لأي زينة مهما كانت ولولا غيرته التي إجتاحت صدره طاردة الصدمة أخيرا لكان نهض إليها ليضمها إليه، يتشمم رائحة حبيبة قلبه الراحلة لكنه الآن على وشك خوض معركة يعلم يقينا أنه الخاسر فيها، تحفز سارة وتفكير سلا العميق يؤكدان له أنه خاسر لا محالة ومع ذلك، لا ضير من المحاولة.
(كيف تتزوجان ولم تكملا دراستكما بعد؟... )
رفعت سلا كفيها، تجيب بملامح حذرة أشبعتها براءة.
(سأتحدث أنا أولا بما أنني أوافقك الرأي)
إلتفتت إليها سارة، ترميها بنظرات مستنكرة مناقضة لنظرات والدها المحبطة، ينتظر بقية حديثها ليقرأ خريطة خطتها الخاصة في الهجوم.
إرتبكت تحمر قليلا فبدت له كطفلة صغيرة ترتدي منامة بيتية بسيطة مكونة من قطعة واحدة أشبه بسترة خضراء مغلقة الأزرار، طويلة إلى منتصف ساقيها بكمين قصيرين، إنها بحق الله صغيرة! صغيرته التي لن يراها أبدا إمرأة ناضجة.
(لا أنوي الزواج حاليا بابا... لكن أريد فرصة للتحدث مع نبيه... وإخباره بقراري ... فأنا مصرة على عدم الإستقرار هنا... ثم أترك له حرية القرار....)
ضم شفتيه جانبا قبل أن يسألها بتهكم.
(وماذا بعد أن يوافق؟)
دق قلبها فإزداد إحمرار وجهها، ترد بتلعثم كاد يضحكه رغم غيرته المتصاعدة.
(نقيم خطوبة إلى أن أكمل الجامعة...)
زفر والدها مطولا، ملامحه توحي برفض فإنكمشت سلا على نفسها بتوجس وترقب حين تدخلت سارة بلهجة لائمة.
(بابا لا تحكم على نبيه ومحسن لمجرد أن خالقهما لم يمنحهما كامل حواسهما... ليس عدلا بابا...)
أشار لها بسبابته محذرا وقد طفح به الكيل.
(لا تضعيني في تلك الزاوية الظالمة فليس ذلك قصدي.... إعلمي أن أي شاب مهما كملت صفاته الحسنة أو الجسدية لن يرقى في نظري ليكون جيدا كفاية لبناتي... أبدا لن يكون!)
تهدلا كتفا سارة النحيفين وتكورت شفتيها، ترمقه بنظرات مذنبة فإستطرد بلوم.
(وبما أنك من فتح موضوع الحواس.. هل أنت على دراية بما تريدين الإقبال عليه؟... إنها مسؤولية كبيرة... أعلم أن محسن رجل جيد ... وسيتقي الله فيك ويصونك.. كما أن أهله طيبين... لكنه أعمى وهذا رغما عنه وعنا يجعله عاجزا في بعض المواقف التي ستكونين فيها وحيدة ومضطرة للتصرف فيها.... )
رفعت رأسها، تجيبه بثقة لمعت بها مقلتيها تحديا.
(وماذا في ذلك؟.... لقد تعرضت لنكبة وفقدت بصري... صدمت بداية ثم بعدها بفضل الله إستوعبت وتحديت أزمتي... ولقد رأيت بنفسك النتاىج التي كنت أحققها.. قبل أن...)
صمتت قليلا تبلع غصة الذكرى الموحشة ولم تسمح لعينيها بأن تدمعا كما فعلت شقيقتها، تكمل بإصرار أثار إعجاب وفخر والدها.
(لقد تعلمت بأن الحياة ليست سهلة... وأننا نتعلم كل يوم كيف نتجاوز عقباتها... لذا لا سبب لقلقك .. فأي طريقة نختارها لنعيش بها حياتنا لن تكون خالية من المصاعب... إنها الحياة...)
هزت كتفيها بإستسلام ووالدها مشتت بين دموع أختها ومنطق حديثها هي فإستفسر منها بهدوء وبداية رضوخ.
(وماذا عن دراستك؟...)
لوحت بكفيها، تمنحه الردود اليقينة نتيجة تفكير لمدة طويلة.
(سأختار تخصصا مناسبا هنا.. وأتابع مشروع الفصول المدرسية الخاصة... سيكون هذا شرطي الوحيد على محسن ...)
هم والدها بفتح فمه فأسرعت تضيف بنظرة ملحة.
(إن وافق لا مانع عندي في الزواج الآن....)
(وماذا إن رفض؟)
جادلها بضيق فهزت كتفيها بإستخفاف.
(سأقنعه لا تقلق...)
فحرك رأسه بيأس، يعقب.
(طبها ستفعلين... أجرنا الله من جنونك...)
رفت بجفنيها تدعي البراءة فتنهد يمسح على وجهه، كان يعلم أن معركته خاسرة، قلبه العاشق لهما يرضخ بسهولة أمام نظراتهما المتطلعة إليه برجاء وتحدي في نفس الوقت لذا تنهد بقنوط ثم قال.
(تعلمان بأن والدتكما لم تكن لتوافق لو كانت حية؟)
تشنجت ملامح سارة فجأة وإنفجرت سلا بالبكاء كطفلة صغيرة.
إرتفعا حاجبي والدها بذهول قبل أن ينتفض ليجاورها، يحتضنها بإعتذار فتعلو صيحات نحيبها أكثر لتعقب سارة بإمتعاض.
(يا إلهي بابا هل كان عليك تفجير سد نهر الحزن مجددا ...)
تحدثت سارة بإحباط فزجرها بنظرات مؤنبة بينما يضم إليه شقيقتها، يربت على رأسها مواسيا.
(هوني على نفسك صغيرتي... إهدئي! أنا آسف... آسف)
تحول نحيب سلا إلى شهقات متقطعة في حين تحول إمتعاض سارة إلى مكر تضيق عينيها بغموض، تعقب.
(صحيح بأن ماما كانت سترفض لكننا طبعا كنا سنقنعها بطريقتنا الخاصة بابا.. كما كنا نفعل دائما...)
عاد نحيب سلا الحارق فعبس والدها في وجهها لائما لتمنحه وجها يدعي براءة تتبرأ من مكر نواياها.
( إهدئي سلا ... إهدئي صغيرتي...)
رفعت سلا رأسها لتنظر إلى والدها، تقول بشجن.
(لو كان الأمر يخص سارة كانت لتتفق معك ومع يوسف فتمهد أنت الطريق ليكمل يوسف عليها بخطة محكمة... أما أنا فكثيرا ما كانت تترك أمر ما يخصني ليوسف وتريح رأسها من عنادي... بابا هل ماتت ماما وهي غير راضية عني؟... )
لعن صلاح الدين غباءه داخليا وحضن وجه إبنته الصغيرة بكفيه، يجيبها بحنو.
(بالطبع لا صغيرتي... بلقيس تعشقك كما تعشق أختك وأخيك... تعلمين أنها ذكية رحمها الله... لذا كانت تدير دفة حياتك من خلال يوسف نظرا لتأثرك به وسماعك لكلامه دوما... رأت في ذلك بساطة لتوجيهك فإنتهجته .... لأن ما كان يهمها مصلحتك فقط مهما كانت الطريقة...)
مسح دموعها وقبل جبينها، يستطرد بإشفاق.
(هيا لا تبتأسي ... سأطلب من يوسف بعد أن يعود من الفندق جلب صديقيه هنا... وستتحدثان إليهما في حضوري... ثم بعدها نقرر بإذن الله... )
مد ذراعه إلى الأخرى وجذبها ليضمهما إلى صدره، يضيف بلهجة حمائية.
(ما يهم في الأمر كله أنني إلى جانبكما مادمت حيا... وكل شيء سيكون بخير إن شاء الله....)
بعد برهة قبل رأسيهما ونهض ليتوجه إلى غرفته فسمحت سارة لبسمتها أخيرا أن تتسع وتتسع حتى شملت وجهها ثم همست لأختها بشقاوة.
(أعجبتني خطتك ...الإبتزاز العاطفي دائما ما يأتي بنتائج مذهلة... )
ثم أضافت بلغتها الأجنبية بينما ترفع إبهاميها عاليا.
(أحسنت يا فتاة...)
لكن سلا لم تبادلها مشاعر الظفر، تجيب بحزن تلاه إنفجار ببكاء حاد كئيب... مجددا.
(لم أتعمد ذلك... رحم الله ماما...)
زمت سارة شفتيها بضيق بعد أن تنهدت بأسى وإقتربت منها تضمها بينما لسان حالها يتوسل بحنق.
(يا إلهي إرحمني!)

يتبع

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 21-04-20 الساعة 03:13 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:16 PM   #1066

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**اليوم التالي.... منزل نوال**

إلتقط يدها لتترجل من السيارة، يرمقها بتحذير فتتمهل كما يريد.
تنفست بعمق تشمل بيت أهلها بنظرات واجمة يديها طوال الوقت حول بطنها تتمسك بمصدر قوتها الحالي، كلما اهتز كيانها بتهديد ما تلمست بطنها وإستشعرت الحياة داخلها فتدعو ربها قوة الإيمان ودوام حسن الظن.
(كيف حالك يا حفيظة؟)
أجفلت من شرودها على هيئة إبن خالها الذي يبدو عليه إنتظارهما فتبسمت بلطف، تلقي عليه التحية.
(مرحبا بهيج... مبارك عليك عقد القران... وأعتذر منك لأنني لم أستطع الحضور أمس مع العائلة...)
أشارت لبطنها، تستدرك وفواز قد عاد بعد أن أغلق السيارة يريح كفه على ظهرها.
(لم يعد في إستطاعتي الجلوس مدة طويلة... وقدماي منتفختان)
(لا بأس... بارك الله فيك... لكن لابد أن تحضري العرس...)
رد عليها بلطف فأومأت بتفهم قبل أن تتساءل وهو يدفع الباب الخارجي للمنزل.
(أبي في البيت؟)
تكدرت ملامح بهيج بجواب تعرفه يقينا فوجمت مرة واحدة.
(لا ... والدك خارج البلدة لا أعلم أين ذهب... لا أحد في البيت سوى عمتي...وكل يوم تأتي زوجة أبي برفقة إمرأة للتنظيف والإطمئنان عليها...)
تمشي بخطوات متعثرة ولولا مساندة زوجها لما واتتها الشجاعة لدخول بيت أهلها مرة أخرى، كيف تحول هذا البيت إلى غربة لقلبها؟ أم تراه كان كذلك طوال عمرها فلم تعي عن حقيقة شعورها نحوه سوى الآن .
(وهما هنا الآن)
إلتفتت إليه بحيرة في نفس اللحظة التي ظهرت فيها خالة فواز على عتبة المدخل، تحييهم ببسمة رسمية.
(أتيتم أخيرا أهلا بكم... ظننت أننا سنرحل قبل وصولكم...)
هزة من رأسها كان كل ما إستطاعت الرد به وبهيج يتقدهم داخلا فتبعوه يصغون لثرثرة الخالة المسترسلة.
( انتهينا من التنظيف وجهزنا لها طعاما لكنها لم تظهر اليوم ... لازالت حبيسة غرفتها التي لا تسمح لأحد بالولوج إليها... )
ثم خصت حفيظة بنفس النظرات اللائمة رغم نبرتها التي بدت عادية.
(المرات التي رأيناها فيها أفزعتنا بمظهرها المزري ...لم تسمح لنا بتحميمها ولا تهدي سوى باسمك... حاولي! قد تستجيب لك وتسمح لنا بتحميمها وتغيير ثيابها أو حتى تنظيف غرفتها....)
دمعت مقلتا حفيظة وغطت فمها، لم تتوقع أن تكون والدتها حقا فقدت عقلها.
(تنظيف الغرفة!؟... يا حبيبي!)
همس بهيج ساخرا، فنظرت إليه حفيظة بتقطيب حائر تلاه ذهول لحظي سريعا ما أخفته عن زوجها الذي كان يربت على ظهرها مواسيا رغم الرفض الساطع عبر مقلتيه ونفوره من كل ما يخص والداتها.
(هيا يا حفيظة حاولي لنرى النتيجة... فلقد تأخرت ويجب أن أجهز نفسي لعرس صفاء الليلة .... وأظنك أيضا ستفعلين... هيا!)
بلعت ريقها والريبة تغمر أحشاءها، ماذا تعني نظرات بهيج وهمسته؟
هل حقا ما فهمته صحيح أم أنه يقصد ما سيجدونه في غرفتها لو سمحت لهم بتنظيفها؟
ترنوه بإستفسار حائر فيضغط على شفتيه رافعا حاجبيه غير قادر علي النطق بما تصرخ به زرقاوتيه فاكتفى بأن أشار لها يحثها على أن تفعل ما طلبوه منها.
هل حقا هي تلهو بهم وليست كما تبدو؟
هل حقا تلك خطة أخرى من خططها الشيطانية لتحقق هدفا ما؟
لكن لما تهدي بإسمها إذن؟ هل !!
شهقت بصدمة إدراك متأخر فتجمدت قدميها مكانهما لتنظر إلى بهيج مرة أخرى بعينين متسعتين، تطالبه بتأكيد لتساؤلها فتبسم لها بحزن لتنحسر أنفاسها للحظة داخل صدرها.
(هل أنتِ بخير؟)
سألها فواز بقلق، يستدرك.
(يمكننا المغادرة إذا لم تريدي رؤيتها...)
لانت ملامحها بوجوم أليم، تفكر في الفرار فعلا والإختباء خلف أسوار بيت زوجها وطفلها، قرب والدة زوجها التي شعرت بالقرب منها بالأمومة الصادقة.
(ماذا تقول يا فواز؟... ماذا تخشون من إمرأة لا حول لها ولا قوة؟ ... هداكم الله ... هيا يا حفيظة نادي عليها...)
استنكرت خالته فتطلعت إلى زوجها تومئ له ثم منحت بهيج نظرة أخيرة فهز لها رأسه بتشجيع، يقول.
(دعينا نرى النتيجة يا حفيظة ولا تقلقي... أنا وفواز بعون الله لن نرحل إلا بحل مريح لكل الأطراف...)
بللت شفتيها ثم حسمت قرارها.
دقت باب الغرفة الكريهة لها طوال سنون حياتها، تلك الغرفة التي لم تطأها يوما بقدمها ولم تفكر في دخولها بعد تلك الليلة الوحيدة التي جربت فيها التنصت على والدتها بدافع فضول طفولي وما سمعته أرعد قلبها فلم تعد الكرة مرة أخرى، كيف تفعل وتلك الأصوات التي سمعتها ترافق كوابيسها كل ليلة فكرهت الغرفة وكرهت حتى النظر نحوها!
(أمي... أنا هنا... أنا حفيظة...)
إنتظرت للحظات طالت، تطرق السمع، قلبها نافر يهز صدرها وأنفاسها تتسارع بقوة.
لم تجد الرد فهمت بالتحدث مرة أخرى.
( أم..)
لكن الباب إنفتح لتظهر خلفه، تصيح بهدر هستيري.
(حفيظة ... أين ابنتي... إبنتي حفيظة!...)
تراجعت حفيظة مفزوعة من هيئة والدتها المخيفة، فستان أسود متسخ ووشاح ملفوف خلف شعرها الأبيض النافر في كل إتجاه كيفما إتفق، كُحل مبالغ فيه حول عينيها المتسعتين بزيغ مثير للهلع.
أسندها زوجها من خلفها فتمسكت به بقوة لم تتنازل عنها ووالدتها تمسك بذراعيها، تحاول ضمها.
(حفيظة يا كبدي!... أخذوك مني يا ابنتي؟!... إبنتي الصغيرة...)
إرتفعا حاجبي بهيج بطريقة مضحكة في الوقت الذي كان فواز يعبس بإمتعاض مشمئز وخالته تبكي بإشفاق هي والمرأة التي ترافقها من أجل التنظيف.
(نوال إسمحي لنا بمساعدتك بالإستحمام وتنظيف غرفتك...)
بادرت خالة فواز بالقول بينما تمسح دموعها فصاحت نوال، تجيب بنظرات زائغة ونبرة هذيان هستيري.
( إبنتي... أريد إبنتي فقط!... إرحلوا!... لا أريد سوى إبنتي!...)
تجمدت حفيظة مكانها بين ذراعيها وزوجها الذي غرست أظافرها في جانبيه كي لا يتركها يتشبث بها هو الآخر مستشعرا حاجتها وخوفها في تلك اللحظة وبطريقة ما أسعده إستنجادها به وقدرته على منحها الأمان والعون.
(يا نوال إهدئي! ... إبنتك هنا ولن تتحرك الى أي مكان ... فقط دعينا ننظفك وملابسك... الرائحة صعبة...)
قالتها الخالة بملامح مشمئزة فتدخل بهيج معقبا ببرود.
(فواز! لقد رأيت بنفسك... عمتي ليست على ما يرام... من الأفضل أن نقوم بما جئنا من أجله ...)
لاحظت حفيظة تيبس أطراف والدتها وسكونها الغريب للحظة وجيزة قبل أن تعود لصياحها المجنون فأطلقت سراح زوجها أخيرا لتنسل من بين ذراعي والدتها، تقول بنبرة غامضة تسللت من بين شفتيها الشاحبتين.
(بهيج محق يا فواز... لتتصل بالمصحة كي يرسلوا سيارة... فكما ترى لن يكون سهلا إقناعها بالذهاب...)
إلتفت نوال حول نفسها تصرخ وتضرب خديها تدميهما بأظافرها الطويلة.
( إبنتي.. أخذوك مني.. قسى قلبك علي... صغيرتي أين صغيرتي؟... )
بذهول تدخل بهيج رافعا كفه إلى رأسه يحك منابت خصلاته الذهبية.
(هل تهت عن إبنتك يا عمتي؟... لقد كنت تضمينها قبل قليل... على العموم لا بأس..)
هز كتفيه يكمل موجها حديثه لفواز الذي هز رأسه وسحب هاتفه ليكلم صاحب المصحة الذي اتفق معه سابقا بعد حديث طويل أخبره فيها عن حالة حماته.
(الطبيب سيراك هناك وسيعالجك بإذن الله...)
تحول آخر حديثه إلى سخرية لم يلحظها سوى حفيظة ونوال التي أسرعت تلوذ بغرفتها مصفقة بابها بقوة ليستدرك بهيج بلهجة تشفي غلفها بالإشفاق.
(للأسف سنضطر لكسر باب الغرفة...)
تنهدت زوجة أبيه، تتدخل بقلق.
(يا ربي الرحيم... ظننت أن رؤيتها لإبنتها ستحسن من حالتها... مسكينة ... لقد فقدت عقلها كليا.. حتى لم تعد تذكرك يا حفيظة...)
برمت حفيظة شفتيها بضيق وبهيج، يهمس ساخرا.
(أجل ... مسكينة...)
إستغلت حفيظة إنشغال فواز بالهاتف وإقتربت من بهيج، ترجوه بنبرة هامسة.
(لا يجب أن يدخل أحد إلى الغرفة يا بهيج...)
إلتقط رجائها ليهز رأسه بتفهم يرد.
(حسنا.. لا تقلقي.. كل ما فيها سيحرق ...)
( إنهم قادمون)
هتف فواز فأمسكت حفيظة ببطنها وكل ما فيها يتشنج بضيق وإستياء بالغ، إن كانت تحمل في أحشائها جذوة أمل ضعيفة فقد إنطفأت كليا ويئست منها.
(خالتي من الأفضل أن تغادري مع السيدة... لا يجب أن تحضرا حينما نخرجها بالقوة...)
(ماذا عن تنظيف الغرفة؟)
سألته زوجة أبيه بحيرة فرد عليها باسما بإمتنان فرغم فشلها في تعويضه عن حنان الأم إلا أن البساطة التي تتسم بها تحسب لها وكم كانت له بساطتها مصدر راحة لمرات لا تحصى عبر مراحل حياته.
(لا بأس ...غدا إن شاء الله... )
اومأت بتفهم ثم نادت على المرأة لتغادرا.
( إنتظري لأنادي على ابنتي لازالت توضب ما تبقى من الأواني في المطبخ ...)
ردت عليها المرأة ثم إختفت خلف مدخل المطبخ وحفيظة ساكنة مكانها وكأنها تمثال قُدّ من حجر، واجهة جامدة وقعر يغلي بألم، تريد المغادرة، تريد التحرر لكن يجب أن تنتظر!
يجب أن تراها راحلة في سيارة المصحة ثم تنظر إلى عينيها لتعلمها أنها تعلم! تعلم بخطتها وفخها الذي لن يقع فيه سواها.
(نحن مستعدتان...)
عادت المرأة الخمسينية برفقة فتاة شابة في منتصف العشرينات، ترتدي فستانا ضيقا ملتصق بها كجلد ثاني دو فتحة عنق دائرية، واسعة تكشف عنقها الأبيض الناعم بسخاء وعباءتها في يدها لم تخفي بها هيئتها المغرية بعد، بشعرها البني المجموع فوق رأسها في عقدة تكاد تنفجر في أية لحظة.
ما أن لمحتها حفيظة حتى نظرت مباشرة نحو زوجها الذي لم يخيب ظنها مأخوذا بسحر الإغراء للحظة قبل أن يلكزه بهيج ليلتفت إليه مجفلا، يحدق بوجهه العابس.
إستدار فواز بفزع إلى زوجته مصدوما من فرار عينيه إلى الإغراء للحظة خاطفة، ناسيا تماما وجود حفيظة جواره.
رف بجفنيه يتطلع إليها باعتذار قابلته بنظرة حادة تكاد ترديه قتيلا مكانه، نظرة تناقض تماما إستسلامها الذي تتسم به شخصيتها عادة.
(نحن سنغادر ... عفاها الله يا حفيظة... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
لم تكلف حفيظة نفسها عناء الرد، ترمي زوجها بسهام قاتلة فتنحنح يهم بالهمس بإسمها حين هتفت بجفاء وهي تغادر.
(سأنتظر في السيارة...)
شيعها فواز بنظرات حانقة من نفسه ليعقب بهيج مؤنبا.
(لن تتغير عاداتك... راعي حضور زوجتك على الأقل يا رجل...)
زفر فواز بقنوط ولم يعقب فإستدرك بهيج بإنزعاج.
(سأجلب العدة لأكسر القفل... راقب الباب حتى أعود... إياك وأن تهرب منا..)
عقد فواز جبينه، يجيبه بإستخفاف.
(كيف تهرب يا رجل لقد جنت المرأة؟.... )
(راقب الباب حتى أعود...)
هتف بهيج محذرا في طريقه إلى المطبخ بينما يكمل هامسا بسخرية.
(نحن المجانين...)
لا تدري كم مر عليها وهي مغلقة لعينيها تنشد راحة لا تبلغها، الضغط عليها كبير ولا شيء يساعد.
أحست بركلة جنينها فتبسمت تمسد على مكان الحركة، تهمس بتعب.
(أعتذر يا صغيري... لكن والدك أحمق وسيرى ماذا سأفعل به؟...)
قلبت شفتيها بشراسة مستجدة فيها تتوعده بأشد العقاب ثم أرخت رأسها مجددا تهم بإغماض عينيها لكن وصول سيارة المصحة حالت بينها وبين رغبتها.
إعتدلت في جلوسها، تنتظر إلى أن أخرجوها فعقدت جبينها تستغرب من سكونها وإستسلامها المريب للرجل والمرأة، يمسكان بذراعيها.
( إنه المهدئ... حقنوها بمهدئ...)
إلتفتت إلى زوجها الذي إنحنى يجيب إستغرابها بينما يستدرك ممسدا على جانب وجهه حيث لمحت خدوشا يختفي معظمها بين خصلات لحيته.
(كانت ثائرة بجنون...)
إتسعت البسمة لتشمل وجهها بتشفي واضح فعقد جبينه، يسألها التأكيد.
(لماذا تبتسمين هكذا؟)
لمعت مقلتيها بمكر وتشفي ثم أجابت بجمود.
(ليتها نزعت إحدى مقلتيك من مكانها كي تعرف بحق النعمة ولا تستهتر بها...)
ساد الصمت للحظة قبل أن يستنكر بذهول.
(تتمنين أن تنزع عيني بسبب نظرة عابرة لا تعني شيئا؟)
هزت حفيظة كتفيها تشيح بوجهها من عليه فلمحت وجه والدتها القابعة على المقاعد الخلفية لسيارة المصحة، تنظر إليها رأسا فتنفست بعمق ثم رفعت حاجبها تبادلها نظرة التقطت معناها جيدا وواضحا كشمس الظهيرة الساطعة.
(حسنا...سنتحدث في البيت..)
إستدرك فواز وهو يحتل مقعده فردت بجمود عابس.
(لن أتحدث معك لا في البيت ولا في أي مكان آخر... إذهب إلى التي نالت إعجابك بهيئتها الوقحة تلك... ولا تنسى أن تنهش لحمها بنظراتك كما تسمح لغيرك ولكل من هب ودب بالفعل...)
زفر فواز بضيق، يتأمل غضبها وغيرتها الحارقة ثم أشعل محرك السيارة يلتزم الصمت حتى يجد حلا مناسبا فغضبها مع حملها لن يخبو بسهولة بل قد ينفجر في وجهه بكل بساطة ويصل الأمر لوالدته أيضا، لن يسمح بذلك، يجب أن يجد حلا سريعا.

يتبع

noor elhuda likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:18 PM   #1067

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**منزل أهل زينة**
(يا ابنتي أصغي إلي وإذهبي إلى الزفاف ....)
رفع رأسه إليها من مجلسه على كرسيه المتحرك ليرمقها بعاطفة أبوية جارفة، تستند على الحاجز الحديدي للشرفة حيث قبعت منذ مدة تنتظر بلهفة تحولت إلى حيرة إختلطت بالإحباط.
(لا أستطيع تركك لوحدك أبي... لم أخطط للأمر وقد ظنتت بأن...)
صمتت ولم تكمل تتهرب بعينيها، لقد جهزت نفسها للعرس وارتدت أحلى فساتينها التي صنعتها بيدها ثم جلست جوار والدها تنتظره بلهفة لا تستطيع إنكارها.
أرادت رؤية ردة فعله على هيئتها، تلك التي تشع من خلال عينيه الحادتي النظر رغم صمته أو بعض الكلمات التي تنسل فارة من بين شفتيه أحيانا.
تعلقها به يُخيفها على قدر ما يصيبها بالإرتباك ويخلق أحاسيس ممتعة لا تستطيع مقاومتها مثلها كمثل أرض يابسة تمتص أي قطرة ماء تحط على سطحها الجاف.
لأول مرة في حياتها تشعر بدقات قلبها تستنفر مع كل دقة جرس باب تنذر بموعد زيارته ومع كل بسمة بلهاء تسمح لها بالظهور حين تنفرد بنفسها فيجمح خيالها بصورته وبنظراته التي تطاردها إلى كل مكان، فلم غاب اليوم تحديدا؟
هل هو عمله الذي شغله عن الزيارة المعتادة ؟ أم أنه مل أخيرا وتوقف!
إنقبض قلبها بألم من الخاطر الأخير فعاد إحساس الخوف ليسكن حنايا قلبها، ما لها هي ولهذا كله؟ كيف سمحت لنفسها بأن تنجرف بهذا الشكل خلف وهم قد يكون محض خيالها المحروم؟
(هشام لا أظنه آتيا اليوم)
أجفلت بقوة من عاصفة أفكارها على حديث والدها الناظر إليها بإشفاق، غافلة عن لومه نفسه أن ربما قد أخطأ في تقبله لصداقة الشاب فحدث ما تمناه قلبه، لكن إن لم يكتمل قد يكون سبب لإبنته ألما سيعذب كلاهما لا محالة.
(ه... آ...هل قام بمهاتفتك؟)
سألته بإرتباك فشلت في التحكم به فحرك رأسه مؤكدا على رده.
(لا يا ابنتي... لكن موعد زيارته قد فات ... لذا لا تشغلي بالك واذهبي إلى الحفل لقد تأخرت كثيرا... إذا احتجت لشيء أعدك بأن أهاتفك ... هيا إذهبي؟)
مسحت على شفتيها ثم إقتربت منه لتقبل رأسه، تشتم رائحته الزكية التي تعشقها، رائحة أمانها وسكون هواجسها.
(لقد وعدتني... أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه أبي...)
دق جرس الباب فتعالت دقات قلبها ترفع رأسها، هاتفة بلهفة ضاعفت من خوف والدها.
(هناك زائر.... سأرى من؟)
أسرعت تعدو كطفلة صغيرة متلافية والدها خلفها، يعبس بكدر.
(ماذا فعلت يا الله!)
همس بحزن قبل أن يولي إنتباهه للزائر الذي لم يكن سوى شقيقه والد مؤنس، يلقي عليه التحية بينما يجر كرسيا في الشرفة ليجلس عليه.
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كيف حالك أخي؟)
(الحمد لله على أحسن حال... وكيف حالك أنت؟)
بوجوم كئيب لا يفارقه، أجابه وزينة أمامهما ترمقهما بإحباط لم تستطع إخفائه.
(الحمد لله يا أخي... غادرت النساء إلى بيت الحاج محمد فأتيت لأستأنس بك وأؤنسك حتى يعدن... ألم تذهبي بعد يا زينة؟...)
سألها عمها بحيرة فهزت رأسها، تستأذن لتغادر ترافقها ظلال إحباطها.
(سأذهب حالا يا عمي... بما أنك هنا إعتني بأبي من فضلك...)
(لا تقلقي بنيتي... رافقتك السلامة...)
لم ترى وجه أبيها المهموم، تفكر في تغير حال عمها تنشغل بأي شيء كي لا تفر منها خواطرها إلى ساكن خيالها وعالم أحلامها.
أغلقت الباب الخارجي وخطت قدميها تلتهم المسافة بين بيتهم وبيت الحاج محمد بتلقائية معتادة حتى توقفت على صوت نساء لترفع رأسها فتلمح وقفة الجدة جوهرة برفقة إبنتها المستغرقتين في حديث بدى جديا للغاية، تجاورهما أم محسن التي تنظف الأرض قرب المدخل.
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
ألقت التحية ترمقهن بحيرة فردت عليها الجدة باسمة بدفئ كما فعلت أم محسن بينما صفية تتخصر بملامح حانقة، عصبية كأغلب طبعها المشتعل.
(عليكم السلام ورحمة الله وبركاته... لماذا تأخرت يا زينة البنات؟)
ببسمة معتذرة إقتربت منهن تفسر بحرج.
(لم أستطع ترك والدي إلا حين جاء عمي يا جدتي... أعتذر منكن..)
(أريد ان أعلم من فعل هذا؟)
تفاجأت زينة من هتاف صفية الفاقد للصبر فتنهدت أم محسن والجدة جوهرة تعاتبها بهدوء.
(لا يهم يا صفية.. أم محسن بارك الله فيها نظفته بماء مرقي... إنتهينا... لا تشغلي بالك به...)
(كيف لا ينشغل بالي يا أمي؟.... إنه سحر وقرب باب البيت يوم عرس إبنتي؟... من هذا الذي تجرأ علينا بهذا الشكل؟... بيض فاسد عليه طلاسم الله أعلم أي سحر أسود ذاك؟... وماذا إن تأثرت إبنتي؟)
أسدلت الجدة جفنيها، تسال الله الصبر وأم محسن تحاول تلطيف الأجواء.
(لن يحدث للعروس سوى الخير يا صفية... إهدئي وإسألي الله السلامة...كل شيء سيكون على أحسن ما يرام بإذن الله... أدخلي يا زينة... لابد وأن صديقتيك في إنتظارك...)
مسدت زينة على جبهتها بحيرة وتجاوزتهن بعد أن منحتها الجدة جوهرة بسمة مشجعة، تدعو الله أن يحفظ صفاء من كيد الحاقدين.
الخالة صفية محقة في رد فعلها وكانت لتفقد أعصابها لو حدث مثل ذلك وفي يوم العرس، حقا بعض الناس لا يستحون من خالقهم.
(حمدا لله على السلامة... ظننت لوهلة أنك ستعتذرين كحفيظة.. )
فغرت زينة شفتيها للحظة ثم سريعا ما ردت بإعتذار صادق بينما تقبل وجنتي تقوى ثم صفاء التي تبدو هي الأخرى غير منشرحة الملامح كما على العروس أن تكون.
(حفيظة لن تأتي!.... لماذا؟)
إنحنت لتقبل الصغيرة الموضوعة على أحد السريرين قبل أن تستدير إلى تقوى المجيبة بضيق.
(أخذوا والدتها إلى مصحة نفسية... ومع تعب حملها لم تستطع القدوم ...)
تنهدت زينة بإستياء ثم نظرت إلى صفاء التي تخلت عن الطرحة لتظل بفستانها الأبيض العرائسي،تستفسر منها بريبة.
(لماذا لا تختبئين تحت الطرحة كالعرائس؟... أم أنك ستخرقين عادة البلدة؟... كان عليك تقليد حياء وترك الحناء لليوم فتجلسين بين النساء ليرسمنه على راحتيك وأنت بكامل زينتك... )
تحول حديثها إلى مرح لم تجد له صدى سوى صمت صفاء الحذر ورد تقوى الجاف.
( صفاء لا تحب الطرحة القصيرة .. وأنا أبحث عن الطويلة ولم أجدها بعد... يجب أن تأتي والدتي ل...)
(لا بأس تقوى سأرتدي هذه الطرحة...)
نطقت صفاء برجاء كئيب فأشارت إليها تقوى بإستنكار جلي.
(يا إلهي صفاء لم تجبرين نفسك على أمور لا تحبينها! ... إنها أمنيتك الوحيدة التي سمعتك تتحدثين عنها وأنت تحلمين بيوم زفافك... فما هو الشيء المتعب في تأمين طرحة طويلة؟...)
(لكن أمي...)
ردت صفاء تبرر بإقتضاب يفسر كل شيء فزفرت تقوى تجيب أمام زينة المراقب بصمت متفهم.
(لا تقلقي أنا من سيتحدث ... إجلسي قرب فاطمة ولا تقلقي...)
تراجعت صفاء لتجلس جوار الرضيعة حين فتح الباب لتظهر والدتهما تهتف بغضب.
(ماذا هناك يا تقوى؟... لماذا أرسلت في طلبي؟)
خطت نحوها تقوى لتخبرها بغايتها مترقبة رد فعل لن تعجبها.
(صفاء تحب الطرح الطويلة يا أمي... وهي السائدة في البلدة فلما جلبت لها واحدة صغيرة؟)
تأففت والدتها، تقول بينما تهم بالمغادرة.
(قصيرة أم طويلة كلها طرح... لا يهم ...دعيني ألحق بأشغالي التي لا تنتهي..)
(أمي!)
هتفت تقوى بنفاذ صبر وحنق فتوقفت والدتها تحرك قدمها بعصبية بالغة.
( إنها أمنيتها الوحيدة أمي... لذا أسألك هل تعلمين أحدا يملك طرحة طويلة أم أتصرف بنفسي..)
إهتاجت أنفاسها وإتسعت مقلتيها وقد بدت فاقدة لأعصبها كليا وهي تهتف بفكين مطبقين غلا.
(تتصرفين بنفسك كما فعلت أنت ووالدك وقمتم بدعوة من رفضت أنا دعوتهم... تتصرفون وكأن لا قيمة لي بينكم... ستوقفون قلبي وتبتلون بروحي التي ستزهقونها بأيديكم...)
إنطلقت الدموع مدرارا على وجنتي صفاء فضمتها زينة تهمس لها بما يهدئ من روعها بيتما تقوى تجمدت ترمقها بملامح فارغة لا معنى واضح بها.
(صفية إهدئي!)
كانت تلك والدتها التي أمسكت بكتفيها تستدرك بتأنيب حاني.
(تنفسي جيدا... إستغيذي بالله من الشيطان الرجيم... أخبرتك أن لا تفارقي سورة البقرة لكنك كالعادة أشغالك أنستك ما هو مهم.... تنفسي هيا!)
أسدلت صفية جفنيها تبلع ريقها مرات عدة ثم تنفست بعمق تذكر الله قبل أن تهمس ببكاء أشبه بخاصة الأطفال.
(قلبي سيفنجر أمي... لا أحد يصغي إلي.. أعلم أنهم ينفرون مني ولا يطيقونني...)
ربتت الجدة على جانب وجهها بإشفاق كاد يبكيها لولا أن الظرف لا يسمح، إبنتها المتبقية لها تعاني فيتلوى قلبها ألما لا يسكنه سوى ذِكر الله.
(لا بنيتي... أنت مخطئة... أولادك يحبونك ... وأنت الآن مضغوطة بسبب العرس ... هيا إذهبي لمجاملة ضيوفك... ولا تحملي هم شيء... هيا إبنتي!... )
مسحت وجه إبنتها بمنديلها وعدلت لها كحلها ثم ضمتها بحنو لتهدأ وتنضم للنساء.
إستدارت الجدة تبتسم ببشاشة تجاهلت بها كل ما حدث، تقول بحماس.
(من يريد الطرحة الطويلة؟)
وكالعادة كلتاهما سايرتاها وإرتخت ملامحهما ببسمة لم يغادرها الوجوم بعد.
(لماذا لم تخبريني يا عروس؟.... كنت لآتيك بأفضل الطرح وكل مستلزماتها .... إنتظري...)
سحبت الحقيبة التي أحضرتها سابقا والموضوعة بين حافة خزانة الملابس والجدار لتفتحها على مرأى الفتيات اللاتي تحولت بسماتهن الواجمة إلى أخرى مبهورة وإنتفضت صفاء تسرع إليها لتنحني تتامل الطرحة التي تمنتها من صميم قلبها فنهضت الجدة جوهرة تفرد القطعة الطويلة من التل الأبيض المطرز برسوم على شكل أوراق شجر متفرقة قبل أن تبتسم في وجه حفيدتها تسمي الله وتغطي رأسها وجسدها بها فأمسكت صفاء بطرفيها لتغطي وجهها وعينيها الدامعتين فرحا تلك اللحظة وإندست داخل حضن جدتها تشكرها بهمس رقيق والجدة تدعو لها وتقبل رأسها قبالة تقوى وزينة التان تفاعلتا مع الموقف بعاطفة صادقة.
.....................
**شقة يوسف**
مستلقيا على فراشه، يتأملها بينما تقف أمام المرآة تضع كحلا خفيفا في عينيها بعد أن إرتدت فستانا بلون كريمي سادة لتحضر به عرس صفاء فينبض قلبه بما ملأه من شغف جمع بينهما وكأنهما قطعة إنفصلت شقين ووجدتا بعضهما أخيرا.
إنسلت تنهيدة ناعمة من بين شفتيه، يفكر بصمت في تقاربهما الذي لم يتخيل يوما أن يكون بمثل ذلك النقاء والرقة، يبثها حنينه إليها فتتجاوب معه بتلقائية حيية تثير المزيد من رغبته وإنجذابه نحوها.
علت البسمة الكسولة شفتيه والإسترخاء ينتشر عبر أوردته بأحاسيس لم يعشها من قبل فتعيد عليه الكثير من هدوئه المفقود، آلامه تسكن بقربها وهمومه تندثر بسكونه هو إليها، الحق يقال أنها تخفف على قلبه الكثير!
وشتان ما قبل دخولها حياته وبعدها، نظرة إحتواء وإحترام منها تلمع بالحب تكفي نبضات قلبه المجروحة، كلمة حانية من لسانها وضمة صادقة داخل ذراعيها الحانيتين تكفي جسده المحروم.
( إنتهيت... أنا جاهزة...)
أجفلته من شرودها فيها فإتسعت بسمته الراضية، يسألها بلطف.
(ألا تريدين أن أوصلكن بالسيارة؟)
إلتقطت حقيبتها اليدوية الصغيرة ثم عباءة واسعة لتخفي بها الفستان، تجيبه بإمتنان.
(لا يا يوسف... المسافة بسيطة...)
فارق السرير يخطو نحوها فإحمرت تبتسم بخجل تتوقع ما سيفعله.
ضم وجهها ليقبل شفتيها بحنو ثم قال برقة.
(حسنا... إعتنين بأنفسكن... وأنا سأخرج لصلاة العشاء وأقابل محسن ونبيه كي أطلب منهما القدوم عندنا غدا إن شاء الله....)
تلجلجت مقلتيها بقلق عابر فعاد يقبلها برقة قبل أن يداعبها بالقول
(كل شيء سيكون بخير... إذهبي قبل أن أغير رأي)
ضحكت بخفوت حيي وإستدارت تغادر أمام نظراته الولهة.
...............

**بعد العشاء بمدة**

(لا تتأخري علينا غدا إن شاء الله يا زينة... مؤنس وجرير سيأتيان بوالدك باكرا إلى بيتنا... تصبحين على خير)
هتفت زوجة عهما توصيها فلوحت لها مجيبة بإمتنان ولبناتها قبل أن تفترق عنهن وسط الزقاق الفاصل بين منزل أهلها ومنزلي عمها وجرير.
( إن شاء الله يا خالة... وأنتن من أهل الخير..)
تنهدت بتعب وهي تتسلق الدرج وأذنيها تلتقطان صوت حديث والدها فقطبت بحيرة، تتساءل إن كان عمها ينتظر عودتها.
نزعت حزام الفستان وأرخت طرفي الوشاح تطلق سراح شعرها الأسود الطويل لتمسد منابته بتعب قبل أن تتجمد كليا حين وجدته في وجهها وقد جلس قبالة والدها في غرفة الجلوس بما يسمح له برؤية مدخل الغرفة.
لمح ظلها الذي إنتظره بشوق ولهفة، ظلها الذي طارده طوال ساعات عمله ونهاره وهو الذي قرر أنه لن يعود إلى بيتها مهما حدث سوى في زيارات عابرة ولم يتوقع أبدا تحول نهاره إلى جحيم بلا إنتظار للساعة التي سيراها فيها فتشرق شمس آمال قلبه.
لقد وقع في حبها، إعترف أخيرا صاغرا حين وجد نفسه بلا وعي منه يطفئ محرك السيارة أمام باب بيتها والحجة جاهزة ومعدة من قِبل كيانه ولو لم يكن عرس إبنة الحاج محمد تبريرا وافيا علل به زيارته المتأخرة لوالدها لكان وجد أي تبرير آخر يستغله ليظل مع والدها حتى تعود من العرس.
إنحسرت أنفاسه مرة واحدة يحدق مسحورا بهيئتها متتبعا طول شعرها المنتهي عند خصرها فتراجعت بسرعة تلملم شعرها وتخفيه تحت طرحتها التي أحكمت عقدها وتسمرت مكانها، تقبض على قلبها الذي يعلو ويهبط بقوة.
نظر الحاج إلى حيث تجمدت أنظار ضيفه الصغير رغم تأكده مما لمحه أودى به إلى تغير وجهه بتلك الطريقة.
قدومه الليلة متأخرا يبرر له غيابه بسبب مهمة طارئة وإرتباك نظراته المتفقدة للساعة كل حين أثبت له بما يزيل لديه أي شك بأن هذا الشاب يكن مشاعر لإبنته ثم ملامحه التي تغيرت كليا الآن إلى إستنفار وإهتمام ممزوج بلهفة طاغية فلماذا إذن لا يتقدم خطوة نحوها!
هل هو السبب؟
هل حقا شاب كهشام بشخصيته الممزوجة بالمرح والحكمة والرزانة، سيعتبره عقبة أمام زواجه من زينة؟
إغتمت ملامحه وإجتاحته الهموم وثقل على قلبه المكلوم أن يكون سببا أمام تعاسة إبنته.
(عمي.. )
رفع رأسه بقسماته الواجمة فتشنجت ملامح هشام وإرتعد قلبه خوفا من أن يكون السبب في ما قرأه من هم وحزن على ملامحه.
(هل أنت بخير عمي؟)
(أبي ...ما بك؟)
ولجت تهتف بخوف تجسد على ملامحها المرتعبة فنهض من مكانه يراقبها بينما تضم وجه والدها وتتفقده بهلع أثار المزيد من مشاعره الجارفة كما أثار عاطفة والدها الذي ربت على كفيها، يجيبها بحنو.
(أنا بخير إبنتي... الحمد لله...إهدئي)
رفت بجفنيها، تتفحص وجه والدها الدائري بلحيته البيضاء كلون طاقية رأسه ثم بللت شفتيها تستعيد ثباتها وإستقامت تستدير إلى الذي تحجر مكانه يتأملها بدوره.
فركت كفيها ثم ذراعيها ووالدها يبتسم، مستدركا بمرح مفتعل.
(لماذا قمت يا ولدي؟... لم نضيفك شيئا بعد...)
تنحنح يتمالك نفسه وقلبه الهادر وسط صدره ثم أجلى حلقه رافعا كفه ليدعك فوق حاجبه الأيسر بأصابعه، يجيب بحرج.
(لا داعي يا عمي .... لست ضيفا أ...)
إنخرس لسانه للحظة، يدرك معنى كلماته التي لمح لها إنعكاسا داخل نظراتها الحائرة ونظرات والدها الحزينة ليجد نفسه عالقا في زاوية أحاط بها نفسه بيديه.
(لست ضيفا بالطبع بني...)
تحدث والد زينة بلطف ينفض عنه همومه مؤقتا فتقدم هشام خطوة يهم بالمغادرة بينما يغمغم بكلمات مبهمة قبل أن يتوقف ويستدير تحت نظراتهما المتوجسة.
(في الحقيقة.... حمممم... هل يمكنك إحضار كوب ماء من فضلك؟)
تفاجأت من طلبه المناقض لما تراه من توتر على وجهه المتشنج وجبينه المنعقد فأومأت وتجاوزته، تكاد تهرول قبل أن تتحجر شاهقة بقوة حين فارقت مدخل غرفة الجلوس حيث سمعته يستدرك محدثا والدها بنبرة سريعة لا تخلو من الثقة والتصميم.
(عمي لو سمحت لي أريد إحضار أهلي في أقرب وقت لأتقدم إليك بطلب الزواج من إبنتك زينة...)

يتبع

noor elhuda likes this.

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:19 PM   #1068

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**اليوم التالي.... شقة يوسف... **

أهلت عليهم حياء، تحمل واجب الضيافة فنهض يوسف يتناول منها الصينية، هامسا لها برجاء.
(إستعجلي البنات....)
أومأت بتفهم وإستدارت تغادر غرفة الضيوف، وضع الصينية فوق المائدة قبل أن يحتل مكانه مبتسما في وجه نبيه الذي لم يستطع التجاوب معه في حضور السيد صلاح الدين فإكتفى بالسكون في مكانه وقد أضناه التفكير فيما يردونه وكيف سيتصرف بشكل صحيح! على عكس محسن الذي رد باسما بدفئ على كلمات يوسف المرحبة رافقع بربته لطيفة على ركبته.
نظر يوسف إلى والده الذي حافظ على صمته، يراقب صديقيه بعبوس، يراهن أن نبيه يظنه جفاء فيما يعلم جيدا أنها غيرة حارقة تنهش صدره على صغيرتيه.
تنحنح فزم والده شفتيه قبل أن يحثه يوسف بنظرة ذات معنى فمططها ليقول بهدوء.
(أهلا بكما يا شباب...)
أشار يوسف مترجما لنبيه فهز رأسه في تحية نطق بها محسن ببشاشة.
(بارك الله فيك يا عمي ...)
بلع ريقه ثم إستدرك بجدية حازمة.
(أخبرني يوسف بأنكما ستتقدمان لطلب الزواج من إبنتاي... أريد أن أسمع هذا الحديث منكما أولا...)
قطب يوسف بترقب ومحسن يسبق نبيه قائلا بإحترام.
(يشرفنا نسبكم يا عمي ولقد سبق وأنعم الله علينا بنسب إبنك يوسف ... صديق عزيز وأخ كريم ... )
هز صلاح الدين رأسه ونظر إلى نبيه الذي إزدرد ريقه ورفع كفيه، يشير إلى يوسف.
*لم أكن أحلم بأن أصل إلى هنا والجلوس معك عمي لأمنح فرصة التقدم لكريمتكم .... لهو شرف يكفيني حتى لو لم يقدر بيننا نسب...*
غامت مقلتا يوسف بإشفاق وصل إلى والده كاملا فتأكد من قول إبنه السابق بكون نبيه يعتبر نفسه أقل قدرا من أن يناسبهم.
دخلت سارة تتبعها سلا فأشار لهما والدهما لتقفا وهو يقول.
(دعوتكما اليوم لتقابلا من تريدان التقدم لهما... فلكل منهما شروط أريد أن أتأكد من كونكما موافقين عليها... فلست في حاجة للسؤال عنكما ... كلاكما بارك الله فيكما نعم الشباب ... لكنني شخصيا مصر على ما ستطلبانه منكما... )
لم يكن يوسف راضيا على نغمة والده الجدية لكنه يحمد الله على إبدائه موافقة مبدأية ومنح نبيه صدمة عمره المغلفة لملامح وجهه، لا يصدق ما يقال ويعني أنه مقبول كزوج محتمل لسلا آل عيسى.
(حسنا أبي لم لا نتركهم يتحدثون قليلا؟)
إستقام يوسف يطلب من والده الذي أرخى أطراف جسده في مكانه، يجيب برفض قاطع.
(لا داعي لذلك... إذهب أنت إن شئت... )
إتسعت بسمة محسن الدمثة، يعقب بلطف.
( إجلس يا يوسف ... عمي محق بارك الله لنا في عمره...)
إستسلم يوسف يبتعد بخطوة، مشيرا لسارة كي تتجاوزه لتجلس مكانه الأقرب لمحسن بينما سلا سحبها والدها لتجاوره، يحدثها بحنق مضحك، قابلته بدهشة من تصرفات والدها الغريبة عليهم.
( إجلسي جواري... لا داعي لتكوني قريبة منه ما دمتما ستتحدثان بالإشارة...)
عبست بقنوط، تنظر لشقيقها الذي هز لها كتفيه بمعنى تحملي فعادت لترمق نبيه فتنبسط أساريرها تلقائيا، كان يبتسم لها، يخصها بتلك النظرات المساندة المراعية، تحتوي مخاوفها وأوجاعها، تهدهدها فيداعبها بتلك البسمة النادرة والتي غالبا ما تظهر في وجودها ولها فقط.
(تفضلوا وتكلموا ....)
أجفلهم بنبرته الآمرة حانقا من نظرات الهيام المتبادلة بين سلا ونبيه الذي فجأة وبعد قلقه المتعلق بقسماته، إنبثقت البسمة البلهاء لتتعلق بشفتيه ومن ابنته الأخرى التي ولأول مرة يلمح خجلها واحمرار بشرتها وهي تخطف نظرات لهوفه نحو محسن الصامت مكانه، يسدل جفنيه بسكون.
*أعتذر عن ما يفعله والدي ...*
بادرت تشير لنبيه بحركات تخفيها عن والدها رغم معرفتها بجهله للغة الإشارة .
*والدك يغار عليك وشقيقتك... لديه كل الحق*
زحف الإحمرار على وجنتيها من نظراته المرافقة لإشاراته فتنحنح يوسف بحرج لتنظر إليه بعتاب.
(ماذا يقولان؟)
سأله والده حين لاحظ ما حدث فهز كتفيه، يرد ببسمة حرجة.
(لا شيء ... يلقيان التحية...)
(ممم)
همهم بريبة فأطرق يوسف ونهض بعدها ليرحمهما من ضغط وجوده على الأقل.
(سأرى حياء وأعود...)
مطط والده شفتيه، ينظر إليهم بالتناوب فعبستا صغيرتيه في وجهه برفض لما يفعله ليتنهد زافرا بضيق ثم سحب هاتفه يدعي إنشغاله به.
*كيف حالك؟*
بدأ نبيه يسألها بإهتمام فابتسمت تجيبه.
*بخير الحمد لله... وماذا عنك؟*
*أنتظرك*
أسرع يجيبها فأمالت رأسها ترمقه بتأثر، هكذا يستولي على قلبها بصدق مشاعره وأسلوبه الصريح الغير مراوغ.
*ما هي شروطك إذن؟*
أشار لها مجددا بترقب لمعت به مقلتيه البنيتين المائلتين للاحمرار فردت بوجوم.
*ماذا لو رفضت؟*
إرتد رأسه إلى الخلف مذهولا قبل أن يشير لها بصدق.
*هل تمزحين؟... لن يحول أي شيء بيني وبينك بإذن الله... هيا أخبريني....*
تنفست بعمق ثم حركت يديها تعبر عن ما يجيش به صدرها من مخاوف وآمال تجتمع بأكملها عند عتبة بابه هو!
*لا أستطيع الإستقرار هنا ... فكرت كثيرا وحاولت مواجهة مخاوفي ولم أستطع ... كل ركن هنا يذكرني بما حدث لماما.. لسارة وليوسف... أما هناك ... فذكرياتي كلها عن ماما وعن عائلتي سعيدة لا يشوبها سوى لمحات من مشاكل حياتية عادية... لكن هنا... *
تنهدت، تكمل بملامح متألمة إعتصرت قلبه العاشق لها.
*فكرت أنه ربما... قد توافق على الإستقرار معي هناك!...*
تجمدت كفيها، تنتظر رده الذي تأخر قليلا وهو يستوعب حركاتها ثم غامت مقلتيه بتفكير شارد تلاه رد صريح كعادته.
*أنت لم تفهمي بعد... أليس كذلك؟*
فغرت شفتيها ترمقه بجهل تحول لإدراك صادم لقلبها الذي دوى بين جنبات أحشائها بدوي صاخب.
*مشاعري نحوك قوية لدرجة أن كل شيء مهما بدى مستحيلا أو صعبا يهون في سبيل إجتماع كياني مع كيانك ولو في جملة كالتي قلتها للتو.... أنا سألحق بك إلى آخر الدنيا لو كان ذلك يعني أن تكوني زوجتي حلالي... وأعيش معك تحت سقف واحد ...*
سالت الدموع حارة على وجنتيها، تبتسم بعشق فاض به فؤادها لتوقن من أنه امتلك روحها وكل شيء فيها كما لم يفعل من قبل.
*لماذا تبكين؟*
هزت رأسها تمسح دموعها ووالدها يجبر نفسه قصرا على عدم التدخل خصوصا مع استشعاره للتفاهم الظاهر بينهما.
*هناك شيء آخر*
أخبرته بملامح طفلة مذنبة فإتسعت بسمته، يمازحها.
*ماذا بعد سألحق بك إلى آخر الدنيا!*
مسحت على شفتيها المزينتين ببسمتها العذبة، تشير له.
*لن نتزوج الآن *
إرتفعا حاجبيه إنتظارا لبقية ما لديها.
*نكتفي بخطبة لمدة سنة ثم عقد قران لو شئت والزفاف بإذن الله بعد التخرج....*
تهللت أساريره، يجيبها بملامح مرحة.
*تعلمين أن عقد القران زواج كامل في شرع قانوننا!...والعرس مجرد شكليات لا علاقة له بالإشهار...*
مسدت على جبينها، تخفي خجلها بينما تومئ بتفهم ثم حركت يديها.
*عقد القران كي أسهل عليك معاملات السفر...*
قاطعها دون أن ينسى بسمته المبتهجة وكأنه فاز بالجائزة الكبرى ورُدت إليه روحه فلم يعد يكترث لأي شيء آخر.
*لا تشغلي بالك بالأمر...*
*لا ... من فضلك... دعنا نساعد بعضنا...*
لمعت مقلتيه ببريق خاطف فبللت شفتيها، تتشنج بحياء.
*كما تريدين هذا إن لم أكن هناك قربك بعون الله قبل أن تنتهي السنة القادمة إن شاء الله...*
تبسمت بإمتنان حقيقي فأشار لها ممازحا.
*هل هناك شروط أخرى؟*
أومأت سلبا بوجه محمر خجلا فتنفس حامدا شاكرا ربه إستجابة دعواته في جوف الليالي والسحر.
وعلى مقربة منهما كانت سارة تحاول فتح فمها مرات عدة لتنطق بكلمة واحدة فلم تستطع وكأنها فقدت النطق وللحظة تمنت لو أنها استطاعت تحريك كفيها لكان أهون لكن ما تشعر به من رهبة حالية تشككها في قوتها على الإتيان بأي حركة.
فارس أحلامها ولشهور طويلة هنا أخيرا قربها غير قادرة على النظر إليه ووالدها لا يساعد أبدا بغيرته الطفولية الجلية على وجهه العابس.
لقد أوشكت على تحقيق حلمها المجنون الذي خلق في لحظة بمحض قدر لا صدفة.
محسن بالنسبة لها قدر وقف أمامها وصرخ بملئ فيه لتلتفت إليه وتركز عليه فتكتشف أن له ماض في ذاكرة فؤادها مع كل كلمة سمعتها من شقيقها مع كل حرف إدعت تجاهله كما زعمت تجاهل شقيقها، لتكتشف أن ومن بين كل أصدقائه كان الكنز بالنسبة لها،
فما أحوج جنونها لكياسته!
وما أحوج حيرتها ليقينه!
وما أحوج طاقتها الكبيرة للحب لإحتوائه!
محسن بالنسبة لها حلم جميل يمنح قلبها السلام فتتوق لتحقيقه على أرض واقعها.
(هل أتحدث أنا يا أخت الغالي؟)
تسللت نبرته الهادئة والمهذبة إلى عمق صدرها، تداعب أوتار خافقها المتوثب بجنون فغمغمت بحروف غير مترابطة دفعت ببسمته لتتسع وتشمل وجهه قبل أن يستطرد ببشاشة.
(حسنا توكلت على الله سأتحدث أنا... لماذا وافقت على رجل أعمى يا أخت الغالي؟..)
قطبت مستنفرة من أجله، شعور بائس بشع يغمرها بعصبية كلما لمحت مجرد نظرة أو كلمة تعبر عن إستخفاف أو حكم جائر ظالم نحو أناس خلقهم نفس الخالق وبنفس طريقة من يعتبرون أنفسهم كاملين فتتأهب بشراسة مستعدة للقتل فقط كي تجلب حقهم المسلوب جورا.
(وماذا به الأعمى يا فقيه؟.... أليس بشرا وله حقوق؟...)
تعمدت مناداته بلقبه وإن كانت نبرتها خافتة نسبيا لكنه أبدا لم تفته لهجة الدفاع فيها لذا أمال رأسه دون أن يفتح مقلتيه وكأنه يرفض أي تشويش على تركيزه، محافظا على بسمته الدافئة، يجيب.
(بلى ... لكن هناك من يعتبره عبئ وخصوصا لبناتهم وكل والد يبحث عن الأفضل والسند والحماية في أزواج بناتهم... ولا ألومهم فلو كنت مكانهم لبحثت عن الأفضل بدوري...)
تمكنت من إعتياد النظر إليه فقالت بينما لا تفارق عينيها تفاصيل وجهه، تتأملها لأول مرة عن قرب.
(كل والد يبحث عن السند والحماية لإبنته.... لماذا تظن أن ذلك ليس فيك؟)
حسنا أنها قوية وتحاصره بذكائها وذلك يستفز روحه الباحثة بنهم والمحبة للتعلم.
(لن أبخس نفسي قدرها المتواضع ومهما حققت من نجاح بفضل الله في الإعتماد على النفس... يبقى فقداني للبصر عقبة بيني وبين الكثير مما يعتبره المبصر أمورا سهلة مسلمة بها... وهذا يعني بأن المسؤولية ستكون عليك مضاعفة...)
فكرت قليلا ثم ردت بحزن.
(المبصر كذلك قد يًسلب بصره في أي لحظة فيتحول إلى عاجز بحق لا يستطيع إكمال خطوة أبعد عن مكانه خوفا وتيها... وقد يحتاج إلى عمر جديد وطويل كي يتعلم ما نشأ عليه من وُلِد فاقدا للبصر...وقد يفشل في ذلك رغم كل شيء بسبب حسرته على ما فقده...)
إتسمت بسمته بشيء من العاطفة بينما يجيب مراعيا حديثها عن نفسها ربما.
(أنت محقة... أقدار الله متقلبة... ولا أحد يعلم الغيب إلا الله... فاقد النعمة قد يحصل عليها في حين قد يفقدها مالكها... وكل ذلك إمتحانات نتقلب بين صفحاتها واللبيب من يستوعب قدْر الدنيا وحقيقة نزولنا عليها.... فلا يتحسر على نعمة فقدها ولا يفرح بنعمة ملكها ... ويحمد الله في كل الأحوال يرجو رحمته... لكن هذا لا ينفي أن المسؤولية ستكون مضاعفة عليك...)
تنهدت تمسد جبينها بينما ترد عليه بحرص.
(المسؤولية موجودة على كل حال... أما نسبة مشاركتها بين الزوجين تختلف حسب النفوس لا الحواس... هناك من يمتلك كل الحواس والصحة البدنية القوية ومع ذلك يتنصل من مسؤولياته والأسباب تختلف كما هناك من هو مجبور على تركها بسبب السعي خلف المعيشة الى آخر مختلف الأوضاع الحياتية... المسؤولية لا تعد دائما جسمانية على قدر ما تلعب النفس الدور الأهم والكبير ...)
صمت لوهلة وسكنت أطرافه، يفكر في تباث نبرتها ويقين أجوبتها قبل أن يصغي لنبرتها التي بدت له كأنها حذرة أو متوجسة.
(إسمح لي بتوجيه نفس السؤال لك...)
بلعت ريقها، تخشى الجواب لكنها تشجعت وسألت بإصرار.
(لماذا وافقت علي أنت يا فقيه؟)
تفهم غايتها، مجيبا بلهجة موضحة.
(تظنين أنك الخيار الوحيد لذا أنا مضطر للموافقة ولو على مضض... لن أكذب عليك فأنت الخيار الوحيد حقا... ولم يخلصني من حيرتي نحو موافقتك علي سوى يقيني برب كريم ... حين يعطي عبده يدهشه...)
ثم تلكأ للحظة قبل أن يكمل أمام مراقبتها لكل تفاصيله، بحثا عن أجوبتها الشافية.
(وما أعلمه عنك وما أخبروني به بارك الله بك يجعل من أمر الموافقة المضطرة على مضض أمر صعب أن لم يكن مستحيلا...)
إستبشرت قسمات وجهها وإنطلق قلبها مغردا بفرح، تستفسر منه بخفوت.
(وماذا تعلم عني؟)
أطرق برأسه قليلا ثم عاد يرفعه نحو مصدر صوتها وفتح مقلتيه، يجيب بدماثة.
(شقيقك يوسف آل عيسى... رفيق العمر وأخ وفي ... شاب خلوق ملتزم يحب ربه.. لا أزكيه على الله لكنني أحسبه على دين وخلق حسن وأحبه في الله جدا... والدك السيد صلاح الدين آل عيسى رجل ونعم الرجال أصل كريم وسمعة طيبة ...أما وصف أمي وأختي عنك فأفضل ترك ذلك لما بعد الزواج إذا قدره الله ليجمعنا...)
رفت سارة بمقلتيها، تجاهد لتتمالك أنفاسها الثائرة في حين هدأ محسن مجددا يسدل جفنيه رغم دقات قلبه التي إختلت رتابة وتيرتها الهادئة دوما، ليسألها عن سبب لقائهم الذي طلبه والدها.
(ما هي الشروط إذن؟)
أجفلت من تحديقها في ملامح وجهه الجذابة، شيء ما فيه يجذب العين، شقيقها أجمل منه بأضعاف مضاعفة وسبق وأن رأت أوسم منه من الشباب لكن ملامحه هي الأخرى ليست بالبسيطة في تقاسيم خلقته ناهيك عن النور الذي يشع به فيستقطب إليه النفوس دون مجهود يذكر منه.
(ليست شروط أعتذر عن طريقة والدي...)
خفضت من نبرتها وطرفت بنظراتها نحو أبيها المدعي بإنشغاله بهاتفه ثم عادت إليه لتنصت لرده المتفهم.
(والدك معذور... فبعد أن حارب حياته كلها ليحمي لؤلؤتيه الغاليتين جاء من يريد أن يختطفهما جاهزتين ... لذا أنا أعذره حقا لولا أنها سُنة الحياة... و الحمد لله على فضله ...)
لمحت بسمة والدها المستحسنة فعلمت أنه لم يفوت حرفا مما قيل وبشكل ما أخجلها ذلك فتحدثت بنفس الخفوت.
(طلبي منك أن تسمح لي بإتمام دراستي الجامعية هنا... ومتابعة المشروع الخيري الخاص بتجهيز أقسام مخصصة لذوي الإحتياجات الخاصة ...)
إلتقطت زفير والدها الغير راضي على صيغة حديثها فعبست دون أن تنظر إليه ومحسن يجيب بهدوء.
(ولمَ أمنعك عن طلب العلم أو فعل الخير؟... وفقك الله لما يحبه ويرضاه... فقط ما يهمني وإعتبريه طلبي منك... هي حدود الله... ما يرضيه يرضيني وما يغضبه يغضبني... راعي حدود الله وسأكون لك بعون الله نعم الشريك والسند...)
رقت مقلتيها تأثرا تغمغم.
( إن شاء الله...)
ترك والدها هاتفه حين شعر بهدوئهم ورفع رأسه إليهم ليلمح نظرات الحب الواضحة بين سلا ونبيه ونظرات سارة المنبهرة نحو محسن الباسم براحة وبهجة طغت على ملامح وجهه البشوشة فتأكد حينها أنه خسر معركته وصغيرتيه قد كبرتا بالفعل!
(أين أنت يا يوسف!)
نادى بصوت مرتفع ينفس به عن حنقه لتتسع البسمات المرحة على وجوههم ويوسف ينضم إليهم تتبعه حياء، تتفقد الوضع بفضول مترقب.
(ماذا هناك يا أبي؟.... )
سأل يوسف بقلق فأشار إليهم والده، مجيبا بضيق لم يفلح في إخفائه.
(يبدوا أنهم متفقون على كل شيء... لذا تعال لنضع النقاط على الحروف....)
تهللت أسارير يوسف وخطى ليجلس مشيرا لزوجته التي تبسمت هي الأخرى بفرح وراحة لتحذو حذوه، يقول بلهجة فرحة.
(ليقدم الله ما فيه من خير....)

يتبع

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 21-04-20 الساعة 03:19 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:21 PM   #1069

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**مساءا .... منزل أهل مؤنس**

كانت العروس قد وصلت قبل ساعة واستقرت في غرفتها في الطابق الثاني لمنزل أهله وكله يتحرق شوقا ليتسلل هاربا إليها لكنه لم يستطع ترك ضيوفه ولا أصدقائه تحديدا رغم مغادرة أغلب رجال البلدة ولم يتبقى سوى بقية من الأقرباء والجيران.
(إذهب يا عريس وإرحمنا من تبرم شفتيك...)
هتف جرير بتهكم ساخر فتدخل بهيج، يكمل بمزاح.
(أوشكت على طردنا يا رجل... إذهب لعروسك ولا تهتم بنا..)
ضحكوا فرد عليه مؤنس بإمتعاض.
(نردها لك بعد غد يا عريس)
( إن شاء الله... إن شاء الله يا مؤنس أتوسل إليك أذكر الله...)
قاطعه بهيج بتوسل مزعوم فدعى لهم محسن بعد أن هدأت ضحكاته.
(بارك الله لكم جميعا وعليكم... أسأل الله أن يديم علينا نعمة إجتماعنا هذا ويجعله مرحوما وعلى صلاح دوما... )
(العقبى لك ولنبيه في أقرب وقت يارب...)
كان ذلك فواز يدعو بصدق لصديقيه مستشعرا الحزن من أجلهما فكانت المفاجأة رد يوسف المبتهج.
(قريبا جدا إن شاء الله على الأقل على فقيهنا العزيز...)
إلتفّت حوله النظرات بينما يكمل بفخر سطعت به ظلمتيه.
(قريبا بإذن الله سنقيم حفل زفاف محسن وأختي سارة...)
سارت لحظة صمت تلاه هتاف بالمباركات السارة المذهولة فنظر جرير نحو نبيه، يسأله بصمت قابله ببسمة متسعة منحته الأمل لفرحة إكتملت ببقية حديث يوسف.
(ونبيه تقدم لسلا ونحن وافقنا بإذن الله لكن زواجهما سيؤجل إلى أن تتخرج أختي من الجامعة...)
إبتهجت ملامح جرير بسرور صادق يربت على ركبة صديقه بينما الباقي إرتفعت حواجبهم للحظات متفاجئين ولم يعبر عن ذلك سوى مؤنس القائل بمرح خلا من سخريته الدائمة.
(تشابكت الخيوط وربطتك البلدة بأرضها يا يوسف... لا رحيل لك بعد الآن يا إبن آل عيسى...)
ضحكوا بيأس من أسلوبه العابث ويوسف يفكر في صدق قوله أن لا رحيل حقا بعد الآن حتى ولو تنقل بين البلدين حسب الحاجة فإن قلبه ها هنا مغروس في عمق تربة الأرض الخصبة.
نهض هشام يلقي التحية ليغادر فقام جرير يرافقه بينما مؤنس إستغل إنشغال كل واحد منهم بحديث جانبي ليتسلل إلى غرفته.
(أخبرتني زينة بما طلبته من عمي ليلة أمس...)
إعتدل في وقفته قبالته أمام مدخل البيت، يجيبه بهدوء حذر رغم غيرته التي لمعت بها مقلتيه الحادتين.
(وماذا بعد؟)
رمقه من بين جفنيه الشبه مطبقين، يود لو يلقيها في وجهه كما قالتها إبنة عمه أنها رافضة فقط ليتسلى على حسابه قليلا لكنه تراجع عن رغبته الشديدة ليثير إستفزازه ليس من أجله لكن من أجلها ومن أجل عمه.
(زينة طبعا رافضة...)
إحتدت باقي ملامحه وإرتفع ذقنه فالتوت شفتا جرير ببسمة متسلية، مناقضة لنبرته الجادة.
(كان هذا متوقعا فزينة لن تتزوج وتترك والدها لحاله ... أظن بأنك لاحظت مدى حبها وإرتباطها بوالدها ....)
ضيق مقلتيه وضم ذراعيه، يصغي بتركيز شديد.
(لم تستطع الرفض أمام عمي حتى لا يُحمل نفسه ذنبها ويحزن قلبه... لذا طلبت مني إبلاغك برفضها فتنهي أنت الأمر بنفسك...)
أسقط ذراعيه مقتربا منه، يعقب بعصبية من بين فكيه المطبقين غلا.
(كيف تظن أنني قد أتراجع عن قرار إتخذته؟ أوأتراجع عن كلمة قلتها أمام عمي الحاج؟... هل جنت أم فقدت عقلها لتطلب مني التراجع كجبان حقير؟...)
رفع جرير حاجبه، يخفي إعجابه وفخره بنظرته التي لم تخيب ثم قال بعد أن مطط شفتيه بخفة.
(حسنا.... سأخبرك برأي في الأمر... زينة لن تقبل وتفارق والدها مهما حدث... وعمي لن يترك بيته لو طلبت منه أن يسكن معكما في بيت الزوجية... وهذا يعني نتيجة واحدة... أنك في حالة تمسك برغبتك بالزواج منها يجب أن تقرر معها السكن في بيت عمي... )
شرد بتفكير عميق أزال الحدة من على ملامحه مرة واحدة، فرفع جرير كفه يربت على كتفه، مستدركا بلهجة متعاطفة.
(فكر جيدا يا هشام... ثم إتخذ قرارك ودافع عنه بقوة... تصبح على خير ...)
..............

(أجل تقوى أنا بخير... لن أنسى لا تقلقي...)
تتنهد بينما تجيب شقيقتها عبر الهاتف، جسدها يقشعر توترا وترتبك إنتظارا فتحاول تجاهل ما تستطيع رميه خلف ظهرها لتركز على لملمة شتات نفسها.
(يا إلهي تقوى أخبرتك لن أنسى!)
(ما الذي لن تنسيه؟)
شهقت حد وقوع الهاتف من يدها على السرير ورفعت رأسها من بين طرفي الطرحة الكبيرة الملتفة حول جسدها من رأسها إلى رجليه المطووين تحت جسدها فوق السرير.
تبسم بعبث بينما يستند إلى دفة الباب يتأمل إرتباكها بمرح، يستدرك مشيرا للهاتف.
(ردي على أي من كنت تحدثينه حتى لا يظن أنني أكلتك....)
رمشت مرتين ثم نظرت إلى الهاتف قبل أن تنتشله لترد بإقتضاب.
(إلى اللقاء تقوى...)
حينها دخل وأغلق الباب، معقبا بنفس العبث.
( إنها تقوى إذن.... ماذا طلبت منك عدم نسيانه؟)
إنحسرت خطواته مع حافة السرير فسحبت جانبي الطرحة كأنها تنشد الدفئ بينما ترمقه بحذر وترقب.
(أخبريني لكي أحرص على عدم نسيانك..)
بللت شفتيها ثم بلعت ريقها تلاحق أنفاسها اللاهثة، تراقبه بينما يتنهد جالسا قربها فتتوضح لها هيئته الأنيقة في قميص أبيض ناصع وسروال حالك السواد ذو لمعة جذابة، شعر مصفف مقصوص عن طوله المعتاد بسنتمترات قليلة وعطر رجولي غير قوي الرائحة.
إنه جذاب كما إعتادت رؤيته دائما في جميع حالاته، جذاب مبهر و بعيد جدا حتى وهو بهذا القرب جدا، متى ستتخلص من ذلك الشعور بكونه بعيد عن متناولها؟
(هل أعجبك لهذه الدرجة؟)
همس بها بمكر عابث غلف به توتر نبضات قلبه على إثر تحديقها الساحر به وكأنه الشخص الوحيد المهم في حياتها لولا تساؤله حول الحسرة المشوهة لسحر إنبهارها به وكأنه بعيد ولن يكون لها أبدا؟
أطرقت برأسها، تنكمش على نفسها ففكر ساخرا.
*اللعنة على الفلسفة*
عض شفته السفلى بتفكير قبل أن يمد كفه ليلمس طرف الطرحة جوار عينيها بأصابعه، يستدرك بمداعبة مرحة.
(مرحبا... )
تبسمت رغما عنها على ملامحه التي إدعى بها البراءة فإتسعت بسمته مستطردا بنفس الأسلوب.
(مبارك علينا....)
تلجلجت النظرات داخل مقلتيها الرماديتين قبيل هزة رأسها.
(هل أنت متوترة؟)
همس بينما يقترب منها بوجهه فأومأت مجددا ليضيف بنفس الخفوت الأجش.
(وخجلة؟)
إيماءة أخرى منها وقد فقدت الإحساس تماما بنفسها من شدة الإرتباك فترك طرحتها، يسأل بلهجة طريفة.
(إذن ماذا طلبت منك تقوى بأن لا تنسيه؟)
(الصلاة والدعاء)
إرتد رأسه إلى الخلف بروية مع غمغمته.
(آه...)
ثم نهض بخفة وبسط ذراعه نحوها بدعوة لبقة.
(هيا لنصلي إذن.... )
ظلت على وضعها، متمسكة بطرفي الطرحة فإستدرك بمكر مرح.
(سنتأخر فتعيد الإتصال بك... وقد يتصل زوجها أيضا...)
قطبت تفكر ثم قالت بعبوس طفولي.
(كيف سيعرفان؟)
ضحك متلاعبا بحاجبيه، يجيبها.
(حاسة الإستشعار قوية لديهما ... خصوصا الآن... هيا قومي)
برمت شفتيها ونظرت حولها ثم وقفت على قدميها فوق السرير لتتجمد هنالك على غير هدى فتتسع بسمته يرمقها بمرح.
توترها ينعش أحشائه ويدغدغ صدره برغبة ليتسلى على حسابها.
(هل ستطيرين أو شيء من هذا القبيل؟)
إرتسمت البسمة على شفتيها وتقدمت خطوة غير مدروسة فوطأت طرف الطرحة بقدمها مما أودى بها إلى فقدان توازنها وشهقت بهلع قبل أن تجد نفسها بين ذراعيه يهتف ضاحكا.
(اللهم صل على نبينا محمد.... )
أمسكت بكتفيه، تلهث بقوة وهو يرفع رأسه لقابل وجهها بوجهه الضاحك، يستدرك بجذل.
(القدر أوقعك بين ذراعي دون أي مجهود مني....)
تململت فأرخى ذراعيه حولها لتستقيم على قدميها بينما يضيف بمرحه الطاغي على أحشائه.
(لنصلي أولا ثم نركز مع عطايا القدر...)
لم تتخلى عن طرحتها تدثرت بها وصلت خلفه داعية الله أن يمرر الليلة على خير.
(سأغير ثيابي لأنني غير مرتاح في هذه الحلة الرسمية..)
بادرها ما إن أنهيا الصلاة وحين هم بتجاوزها عاد ليقول بعبث بينما يضع كفه على رأسها فتنتفض مذهولة من فعلته المفاجأة.
(اه .. نسيت الدعاء...بسم الله اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ...)
ثم ضحك بسماجة متعمدة، يضيف.
(كي لا تتصل شقيقتك مرة أخرى أو إبن عمي...)
قلبت شفتها بحنق متبرم فاستنفرت دقات قلبه بدوي مرهق لصدره أنساه تغييره لملابسه ودنى يلتقط تلك الشفة يقبلها برقة تحولت إلى تطلب ملح فطوقها يقربها منه، ينسجم مع مشاعره المكتسحة له بطوفان رغبات جارفة.
إبتعد عنها بوجهه يلهث باسما بينما يهمس لها بخفوت.
(أظن أن تغيير الملابس سيؤجل حاليا...)
ثم عاد يضمها إليه بقوة يهمس لها بأعذب الكلمات وأرق العبارات يخلصها من توترها فتسترخي رويدا رويدا وحين سحبها إلى الفراش كانت طرحتها البيضاء الطويلة تفترش الأرض مع قميصه الناصع البياض.

....................................

**مسجد جامع السلام **بعد صلاة الفجر**
تلفت حوله يتأكد من خلو المسجد سوى من البعض الذين يبقون لذكر الله حتى الشروق ثم تحرك من موضعه بالصف الأخير لينضم إلى الحلقة، مذعنا ينتظر الحفلة التي لم يتأخر إفتتاحها على يد جرير المجاور له.
(لو فعلتها وغبت عن الصلاة كنت علقتك على باب منزلكم...)
كتموا ضحكاتهم وهو يجيب بنفس الخفوت إحتراما لهيبة المكان.
(على فكرة ... نظام الإرهاب الذي تحاول ممارسته لن يؤثر علي كما تفعل زوجتك مع زوجتي...)
زم شفتيه يكتم ضحكه في الوقت الذي إنفلتت ضحكة خافتة من بين شفتي بهيج لينظر إليه مؤنس، مستدركا بتوعد خافت.
(نردها لك في الأفراح يا عريس.... بعد غد إن شاء الله)
تنفس بهيج بحالمية مضحكة قبل أن يئن بألم وقد أجفلته لكزة نبيه الممتعض جوراه.
(إييييه! ... أي!)
مسد بهيج جانب خصره بعبوس لائم فتبسم يوسف يعقب بمرح.
(بما أن خيوطنا تشابكت فمن الأفضل أن نحترم بعضنا قبل أنفسنا...)
إنبسطت شفهاهم مرحا ومحسن يتدخل بلطفه المعتاد.
(نحترم أنفسنا وبعضنا في أي وقت يا شباب ... نحن نكبر ولا نصغر... المفترض بنا أن نكون أسوة حسنة لغيرنا وأولادنا بعون الله... بارك الله فيكم وحفظ علينا وحدتنا وإجتماعنا... جعله الله إجتماعا مرحوما ...)
(متى كنت صغيرا يا فقيه؟)
همس مؤنس بمزاح فغطوا أفواههم بإستثناء نبيه الذي يرمقهم بهدوء فرد محسن بدفى مرح.
(قم يا عريس... عد إلى أهل بيتك... فأنت اليوم معذور....)
(وماذا عني أيضا؟)
لم يستطع يوسف كبح جماح نفسه، يتساءل مازحا مما فاجأهم.
(يوسف آل عيسى يمزح مثلنا .. مرحى للزواج يا سادة!)
عقب مؤنس ساخرا فمطط يوسف شفتيه وجرير يرد بلهجة تبدو متهكمة ظاهريا في حين يشعر باطنه براحة تتسلل لتنتشر عبر خلايا أحشائه.
(إذا قمت سأقوم أنا وفواز أيضا... لكل منا عذره... وأنا شخصيا أريد رؤية صغيرتي فاطمة فلقد إشتقت إليها كثيرا ...)
أومأ محسن بيأس بينما يبتسم بلطف فهز يوسف كتفيه بلا معنى ومؤنس لم يقم هو الآخر بل ظل معهم يذكرون الله إلى أن صل كل واحد منهم ركعتي الشروق قبل أن ينصرفوا إلى منازلهم.
........
بخطوات هادئة ولج غرفته كما أغلق الباب، يبتسم بإتساع ماكر، زوجته الكسولة لم تقم لصلاة الفجر ولابد أن همهماتها على محاولة إيقاظه لها قبل أن يخرج إلى المسجد كانت بغير وعيها.
نزع جلبابه وألقى به على المشجب، عيناه العابثتين تبرقان مع ملمح ما ظهر من بشرة ظهرها تحت الغطاء الصيفي ثم إستوى على السرير جوارها يداعب وجنتيها بعد أن رفع خصلات شعرها المنثورة عليهما.
(صفاء.... إستيقظي أيتها الكسولة...)
تجعدت ملامحها برد فعل رافض، فضحك يستدرك وقد إنخفضت يده تتبع خطا عفويا على معالم أطرافها.
(أختك تهاتفك لتذك...)
لم يكد يكمل جملته الماكرة حتى إنتفضت تهتف بنعاس وغفلة عن الغطاء الذي إنحسر يكشف ما أثار إستنفار دقات خافقه مرة واحدة.
(ماذا... تقوى... ماذا حدث؟.. هل نمت؟.. كم الساعة؟.. ممم)
إتسعت مقلتيها حين إكتشفت وضعها قبالة عينيه المترصدتين وقد رفعت إحدى يديها لتعتصر بها عينيها تنفض عنهما آثار النعاس.
إنتفضت تدثر نفسها تطوي قدميها تحتها فوق السرير بينما تتلفت بشعرها الثائر إلى كل جهة فبدت له كفتنة ساحرة قفزت من بين إحدى أقوال الفلاسفة لتتجلى أمامه رأسا لتسلب ما تبقى من تعقله.
( لماذا فعلت ذلك؟)
إستفسرت بلهجة معاتبة ذات نبرة ناعمة مثيرة جذبته نحوها كالمسحور ليجلس بدوره ثانيا قدميه تحته ليقابل عينيها الحبيبتين إلى قلبه.
(هل تخشين أختك؟)
عبست بعدم فهم فرفع حاجبيه، يستطرد بمزاح عابث .
(إبن عمي الجلف يخيفني أيضا...)
لحقت به ترفع حاجبيها ذهولا هي الأخرى فهز رأسه مؤكدا بنبرة هامسة متأثرة بأنوثتها.
(جرار الحقول... لكن دعينا منهما الآن وأخبريني)
بلعت ريقها وإرتجفت من قربه ليضيف بإنبهار لم يخفيه.
(هل تعلمين أن بؤبؤي عينيك في النور الخافت يتسعان حتى يشبهان البدر في ليلة تمامه؟)
قطبت بخفة وقد تجمدت كليا، مازالت ذاكرتها مشلولة كليا مما عاشته معه قبل ساعات سقطت بعده مباشرة في النوم العميق نتيجة تعبها وقلة نومها مؤخرا لتستفيق على مفاجآت جديدة فلم تحصل على وقت لنفسها، تراجع وتستوعب فيها ما تخوضه من تجارب مختلفة عما ألفته كليا.
أشار إلى عينيها يؤكد لها بمزيد من التفسير.
(اللون الرمادي الفاتح والحجم ... تماما كالبدر مع لمعة خاصة... ساحرة... ومن أنا لأقاوم كل هذا السحر؟)
سحبها نحوه وألقى بهما على فراشهما، يريها كيف يستسلم لسحرها الخلاب.

يتبع

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 21-04-20 الساعة 03:20 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 08-04-20, 08:23 PM   #1070

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

**بعد يومين..... منزل أهل بهيج**

(لا تغادرا الآن من فضلكما....)
بحاجبين مضمومين توسلا، تهمس نهيلة لسلا وسارة التان بقيتا برفقة البعض ممن جاء مع موكب العروس.
نظرت سلا إلى كفها التي تقبض عليها كف نهيلة بقوة، مُتَسَرْبِلٌه فِي حُلَّةِ العُرْسِ التقليدية تلك التي ترمقها سارة بإعجاب لم يغادرها إلى الآن وهي تقترب منها لتلمس الحلي الفضية الصغيرة المنتشرة عبر مساحة الطرحة التقليدية الملتفة حول كامل جسدها من خامة التل المطرز بورود صعيرة، لونها كذلك فضي لامع بعكس أغلب الطرح المطرزة بالأبيض.
)لماذا لست في غرفتك مثل العرائس؟)
سألتها سارة مستغربة ويديها لا تكفان عن تتبع الحلي على شكل فراشات صغيرة جدا، فما تعودت عليه في بلدتهم إيصال العرائس إلى غرفة نومهن ترافقنها أقرب قريباتهن أو صديقاتهن.
)جاء بي الموكب هنا حسب العادة لأنه بيت أهل العريس... لكن بهيج بلغني برسالة على الهاتف بأننا سنغادر بعد قليل إلى شقته ...)
هزت سارة رأسها بتفهم فتبسمت نهيلة من خلف قماش التل، تستفسر بسرور.
)هل أعجبتك الطرحة؟)
هزت سارة رأسها مرات عدة بسمتها، تملأ وجهها الجميل.
)إنها رائعة كشيء لم يسبق لي رؤيته.... دائما ما تمنحين أشيائك الخاصة لمحة تشبهك...)
تلكأت لترمقها بمكر، تكمل.
)أظن بأن هذا ما يثير إعجاب بهيج نحوك...)
ارتفعا حاجبي سلا بدهشة ضاحكة ونهيلة تدعي الإمتعاض بينما ترخي طرفي الطرحة لتطل عليها بعينيها، تجيب بسخرية.
)وماذا يثير إعجاب الفقيه محسن فيك يا ترى؟..)
هزت كتفيها، ترد بعبوس مستنكر.
)لا أعلم ولن أعلم حتى يتم الزواج... فلا هو بادر بطلب لقاء آخر ولا طلب حتى رقم هاتفي...)
مططت سلا شفتيها، تعقب بلهجة لائمة.
(أنت دائما مستعجلة... لم رفضت إقتراح أبي بتأجيل الزواج إلى السنة القادمة؟)
عبست سارة تتأفف بخفوت فتدخلت نهيلة بمرحها المعتاد.
(دعي الفتاة تتزوج وتبني أسرتها...)
(بعد شهر؟... لماذا العجلة هكذا؟)
قاطعتها سلا مستنكرة فأجابتها نهيلة تحاول إقناعها.
(حتى تستقر وتبدأ الدراسة الجامعية مع مطلع هذه السنة إن شاء الله. .. لا تصغي إليها يا فتاة... تزوجي أنت ودعيها هي تعذب أخي المسكين...)
رقت نظرات سلا بعتاب حزين فزفرت نهيلة في حين إكتفت سارة بالصمت.
(حسنا لا أنكر أنك السبب في لمعة السعادة في عينيه... موافقة والدك على الخطبة غيرته تماما... أضحى يبتسم أكثر من السابق... رغم أنني لم أستوعب بعد كونه سيسافر ويغترب عن أهله وبلده.... لكن من أجل سعادته وسعادتك ... كل شيء يهون...)
تحول الوجوم على وجهها إلى بسمة عاشقة فأشارت إليها نهيلة، تسترسل بمرح ماكر.
(هل رأيت يا سارة؟... تعشقه وتعذب نفسها ... عاشقة العذاب..)
همت سلا بالرد فقاطعتهم الجدة جوهرة، تقول ببشاشة.
(يكفي يا فتيات .... العريس هنا يريد عروسه ليذهب بها إلى عشهما )
نهضن تبتسمن بمرح بإستثناء نهيلة التي أخفت وجهها المحمر خجلا، فقبلتهن الجدة علي وجناتهن بالتتابع تبارك لهن الخطبة التي سمعت بها كباقي أهل البلدة حتى وصلت لنهيلة ففتحت طرفي الطرحة ثم قبلت وجنتيها، تهمس لها بإستفسار.
(هل فعلت ما طلبته منك؟ ...)
هزت رأسها إيجابا، ترد بنفس النبرة الخافتة.
(بلى... إستيقظت باكرا وختمت سورة البقرة وشربت الماء بوريقات السدر السبعة التي قرأتها عليه وإغتسلت ببعضه كذلك....)
(أحسنت بنيتي.. حفظكما الله من كل شر)
إرتخت ملامحها، تعقب فتساءلت نهيلة بترقب.
(وماذا عنه؟)
إتسعت البسمة على وجه الجدة بينما تجيب بعاطفة تخصها به.
(حرصت على ذلك بنفسي و الحمد الله.... لا تتهاوني يا نهيلة... كل ثلاثة أيام بنيتي .... إياك والتهاون في التحصين بذكر الله أيضا لا تنسيه... هل حقا حدث ما سمعته في بيتكم أثناء العرس؟)
كان المرح قد إختفى من على وجه الجدة ليحتله القلق الذي إنتقل لها من نهيلة وهي تسرد عليها ما حدث بضيق.
(إنقلبت طنجرة الأفراح مرتين يا جدة جوهرة.... وإحترقت الطباخة ومساعدتها في قدميهما ... في النهاية إضطررن شقيقاتي ليتكفلن بكل شيء ووالدي مع أشقائي يلفون أرجاء البيت بالرقية.... )
زمت الجدة شفتيها بقلق ثم قالت برجاء موجه لرب كريم.
( إن شاء الله خير... هنا أيضا حدثت بعض الأمور المشابهة لكن ما إن بدأت بقراءة القرآن.. إختفى كل شيء... لذا حبيبتي لا تتهاوني...)
هزت رأسها بإمتنان والزغاريد تتعالى حول العريس الذي دخل الغرفة باحثا عن عروسه حين تأخرت عليه فعادت لتخفي وجهها، تراقبه بينما يضم جدته إليه مقبلا رأسها ثم كفها ليهمس لها بشيء ما قبل أن تتسع بسمتيهما المتأثرتين ثم إلتفت إليها.
إنطلقت دقات قلبها تعزف لحنا صاخبا يرهق صدرها، تلك الزرقة في عينيه تغرق قلبها وسط لجة من الإثارة والحماس وكأنها في سباق عنيف لا يتحمله فيخضع عينيها لأمره الطاغي بأن تفر منه وترحم خفقاتها.
(مبارك يا عروس)
همس لها مقبلا رأسها من فوق غطائه قبل أن يخفض كفه لتمسك بكفها الحرة أيضا من فوق قماش التل، يحثها على المشي معه بين مباركات النساء وزغاريدهن.
شعر بإستبشار ملامحها دون أن يراها كما شعر بإرتخاء أطرافها بعد أن كانت متصلبة ويعلم السبب المتجسد في شقيقها نبيه المنتظر قرب سيارة فواز مع الأخير.
أوشك على الضحك حين إلتقط نظراته المدلهة نحو سلا غافلا عن أخته التي أسرعت إليه فلم يطلق سراح قبضتها، يشير له فإنتفض متفاجئا من نفسه وقبل رأس أخته، يبارك لها بحركات سريعة ثم فتح لها باب السيارة لتستقلها.
كانت المسافة صغيرة بين منزل أهله وشقته في شارع الشرفاء حيث أوصلهما فواز ونبيه الذي أعاد عليه الوصايا العشر قبل أن ينصرف إلى حال سبيله.
فتح لها الباب وتقدم يسمي الله يدعوه من صميم قلبه ليبارك له زواجه وعلاقته بها فلا يصيبهما هم ولا كدر.
(سمي الله وتفضلي إلى بيتك )
بادرها ببسمة عاشقة فدخلت تواري إرتعاش أطرافها، تشعر بعقلها يتوه عن الكلمات وعن ما يجب أن يتحرك به لسانها الذي علق على جملة بسم لله تكررها بخفوت ووجل.
(أتمنى أن تنال الشقة إعجابك... حاولت تنظيم الأثاث الذي إخترته في مكانه... لماذا أنت واقفة عندك؟... تفضلي!)
بلعت ريقها لتنتفض حين أمسك بكفها مرة أخرى وسحبها معه إلى غرفة نومهما.
(على فكرة ..الطرحة رائعة... ولمساتك مبهرة كالعادة...)
أخبرها موقفا إياها أمامه وسط غرفة النوم فهزت رأسها بخفة وحل الصمت يظللهما قليلا.
(هل سأكون المتكلم الوحيد هنا طوال الوقت؟... )
ثم لمعت زرقتيه بمكر عابث وهو يضيف.
(لم أتعود عليك صامتة هكذا؟...)
نجح في مسعاه حين تركت الطرحة لتتخصر عابسة بإستنكار
(ماذا تقصد؟... أنني ثرثارة مثلا؟)
(بل فاتنة...)
نطق بعينين زائغتين على ما كشفت عنه الطرحة حين سقطت إلى الخلف ثم إنسحبت بفعل ثقل الحلي الفضية لتتكوم خلفها على الأرض.
إرتبكت قبالة نظراته الملتهمة لتفاصيلها داخل فستان أبيض بخطوط فضية رقيقة جدا تومض بلمعان خاطف للأعين، ضيق حول صدرها إلى حدود وسط جسدها ليتسع بسنتمترات قليلة حول خصرها يصور إستدارة جانبيه المغريين لقلبه النابض بحبها.
دائما ما كانت مميزة في نظره، منذ صغرها بوجنتيها الحمراوين المكتنزتين وسط وجه بيضاوي حين يضحك أو يمتعض يخفي عينيها البنيتين فتبرز رموشها الكثيفة.
أما شخصيتها القوية والمرحة تارة والخجولة تارة أخرى فحكايته المفضلة ولحن قلبه الساحر.
كانت فتاة صغيرة إقتحمت عالمه الفتي في جمعية وادي الحقول في بدايات تأسيسها، تتجول بين مرافقها برفقة إحدى شقيقاتها والجميع يحن عليها ويرأف باليتيمة التي فقدت والدتها وهي لاتزال طفلة صغيرة جدا على إحساس الفقدان، ربما ذلك كان أول ما جذبه إليها بالإضافة إلى روحها البريئة وتعلقها به دونا عن غيره من رواد مرافق الجمعية وقد كانوا كثر، تتجاهلهم لتقف على مقربة منه دون حرف واحد فقط تراقب ما يفعله وحين يجرب التحدث معها أو التعبير عن معرفته بمراقبتها تغطي فمها وكأنها بغتت بالجرم المشهود وتهرول من أمامه فينتعش صدره بتسلية تركت الأثر العميق داخله.
متى تحولت مشاعره نحوها إلى حقيقة وعاطفة خاصة بها وحدها؟
لا يعرف ولا يكترث، كل ما يهمه الآن إنها أمامه زوجته حلاله إلى الأبد إن شاء لله وكم تبدو كلمة إلى الأبد مغرية بجوارها.
(من الأفضل أن نصلي.... )
إستدرك ليدفع بها إلى التحرك عن تسمرها في مكانها فهزت رأسها بطاعة، تسرع إلى الدولاب تفتح أول باب بحثا عن ملابسها التي جلبنها شقيقاتها سابقا.
لمحت العباءة الخاصة بالصلاة لحظها فتنفست براحة وسحبتها لتعود إليه متفادية النظر إلى عينيه المتربصتين بها.
كان قد أنهى الصلاة حين سمعا صوتا كأن أحدا ما لمس خشب نافذة غرفتهما بحجر أو شيء ما آخر فإتسعت مقلتيها، تقول بصوت ذاهل.
(هل تظن أنه ؟)
علقت سؤالها المفهوم له فهز كتفيه يرد بدقن مجعدة من بين إنشغاله بنزع الجلباب ليلقي به فوق المشجب.
(لن أستغرب... لكن لا بأس مع الوقت سيملون... إن شاء الله سينتهي كل ذلك قريبا...)
مسدت على جبينها بقلق فإقترب منها يقبض على كلا كفيها، يستولي على وعيها بأكمله فلا تفكر فيما يكدر عليها فرحتهما.
( إنسي كل شيء.. لقد توكلنا على الله وهو حسبنا...)
لمعت مقلتيه بإعتذار واجم، يستطرد بأسى.
(أعلم بأنك تغامرين بأمانك وإستقرارك في سبيل الإقتران بي... كما أعلم بأنني كنت على ضلال مبين ... أسأل الله كما هداني وأخرجني منه برحمته أن يغفر لي ويعفو عني.... لكنني...)
شد على كفيها ليجعلها تنظر إليه وكلما فعلت تهربت منه بعدها بسرعة.
(صادق في توبتي بإذن الله ... كما أنا صادق بمشاعري نحوك... أريدك إلى جواري طوال العمر يا نهيلة... زوجة وحبيبة ... و... أم...)
رفعت عينيها نحوه للحظة مذهولة من آخر قوله فإبتسم لها بحزن طعن قلبها ليرققه تأثرا.
(لا تستغربي يا نهيلة... فأنا رجل لم يعرف معنى الأمومة وكيف يكون الإنسان وهو إبن تدلله من حملته في بطنها تسعة أشهر... أنا رجل ولد من رحم الفقد ... وأظنك تذوقت من نفس الكأس... فيسهل عليك الشعور بي.. )
دمعت مقلتيها ورفعت كفيها تضم جانبي وجهه لكنها سرعان ما غلبها إرهاق صدرها من شدة نبضاته فأطرقت عينيها وتركت وجهه ليلتقط كفيها في طريقهما إلى الأسفل، يخبرها المزيد.
(لذا أطلب منك الصبر معي حتى نجتاز عقباتنا... فبعد تفكير جدي وعميق إكتشفت أنك أنسب من يحارب الى جواري... )
رفع رأسها المنحني بأصابعه، يضيف بخفوت أجش تخللته بعض الرعشات بفعل دقات خافقه المتلاحقة.
(قوية... جريئة رغم غلاف الخجل المطوق لتصرفاتك... جريئة في شجاعتك... متمردة على الخضوع المذل... الغير مجدي... محاربة لكل ما يشكل تهديدا عليك أو على من تحبين...)
مال يرأسه نحوها وهمسه الساحر يتدفق على حواسها كشلال ماء عذب.
(أتمنى أن أكون من ضمن من تدافعين عليهم بحياتك كما تفعلين مع من يخصك.... أن تحاربي معي وجواري ومن أجلي.. )
كان قد بلغ حدود صبره حين شعر بملمس شفتيها قرب خاصته ليستسلم كليا لفيض أحاسيسه الجارف فما كان منها سوى الإستسلام بدورها تحتمي بسور ذراعيه القويين فإن كان يريدها أن تحارب إلى جواره ومن أجله فليكن لكن وهي داخل حضنه الدافئ هذا بإحتوائه.
لطالما ظنت أنها ممتلئة وكم سخرت من العريس الذي لن يستطيع ضم جسدها السمين لتكتشف الليلة عكس ظنونها، بأنها ليست بذلك الإمتلاء الذي حسبت نفسها عليه فلو كان كذلك لما غمر جسدها شعورا فياضا بالإحتواء، من شفتيه وذراعيه وجسده وكلماته الهامسة لها بوعود من الأمان، الإستقرار، التفهم والاحتواء.
تسللت الرعشة عبر بشرة جسدها حين شعرت ببرودة مكتسحة جراء إبتعاده عنها لاهثا وباسما بتوتر بالغ، يوحي بمدى تأثره هو الآخر.
مشط على رأسه يتأمل هيئتها المشعته وقد تخلص من عباءة الصلاة والطرحة ليكشف عن شعرها البني المائل لحمرة قانية، يقول بإرتعاش.
( إنتظري أولا...)
إستدار يفتح جارور منضدة الزينة تحت أنظارها الذاهلة، ذراعيها يحيطان خصرها وقلبها لا يرحمها بخفقاته المتلاحقة.
عاد إليها حاملا صندوق والدته الفضي فلمعت مقلتيها ببريق خاص تبحلق بإنبهار لا تكف عن الشعور به كلما لمحته.
فتحه أمام عينيها المتسعتين ترقبا وحماسا ليلتقط خاتما ثم وضع الصندوق جانبا ليلتقط كفها وينزع خاتم الزواج الذهبي، يحدثها بهمس أجش.
(بما أنك تحبين الفضة أكثر من الذهب... فكرت في أن أول ما يجب أن يكون لك هو هذا الخاتم ...)
دس القطعة الأولى عبارة عن دبلة عادية ثم أتبعها بالأخرى على شكل وريقات شجر صغيرة متفرقة ومرصعة بفصوص لامعة كل ورقة بلون يختلف عن الأخرى بين الألوان الأحمر والأخضر والأبيض.
( إنه خاتم زواج والدتي رحمها الله ... إختارته بنفسها وإشتراه لها والدي...والآن إنه لك وما في الصندوق....)
قبل ظهر كفها برقة فدمعت مقلتيها تأثرا ليضحك، يداعبها بالقول المازح.
(لا داعي للبكاء إن لم تحبيه لديك إختيارات أخرى)
تبسمت بعتاب ومسحت دموعها، تجيب بحنق تفر به من هول ما تشعر به من حريق يحول أحشائها إلى حمم سائلة.
(تعلم أنني أعشقها ككل قطعة في الصندوق..)
(يا لحظها!...)
همس بعبث يساعدها في مسح وجهها فإرتعشت مجددا تفر بنظراتها منه ليعيد زرعها بين أحضانه بقوة.

يتبع هنا
🤚🤚🤚🤚🤚

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 21-04-20 الساعة 03:22 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:00 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.