آخر 10 مشاركات
والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          كوب العدالة (الكاتـب : اسفة - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          قصر لا أنساه - مارغريت مايلز- عبير الجديدة -(عدد ممتاز ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          79 - قسوة وغفران - شريف شوقى (الكاتـب : MooNy87 - )           »          1 - من أجلك - نبيل فاروق (الكاتـب : حنا - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree137Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-10-19, 10:51 PM   #501

Warda123

? العضوٌ??? » 435416
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » Warda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond repute
افتراضي


مساء الخيرات والمسرات والبركات.
ننتظرك يا أمورتنا .
الله يقويكي و يعطيكي العافية ويفتح عليكي أبواب الخير وبركة


Warda123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-10-19, 11:28 PM   #502

بنت سعاد38

? العضوٌ??? » 403742
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 524
?  نُقآطِيْ » بنت سعاد38 is on a distinguished road
افتراضي

منتظرين الفصل تسجيل حضوور

بنت سعاد38 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-10-19, 11:28 PM   #503

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 73 ( الأعضاء 25 والزوار 48)
‏ضحى حماد, ‏بنت سعاد38, ‏أم الريان, ‏محبة التميز, ‏angelaa, ‏أحمد البلاط, ‏Warda123, ‏rowdym, ‏affx+, ‏سمية21, ‏Qhoa, ‏Better, ‏ToOoOmy, ‏Miraljood, ‏ام رمانة, ‏sira sira, ‏شوشو 1234, ‏Rinalka78, ‏jasmine omara, ‏سالي فؤاد, ‏السنابل الذهبية, ‏Dodo Diab, ‏زهرة الغردينيا, ‏Alanoud.


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-10-19, 11:35 PM   #504

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 84 ( الأعضاء 27 والزوار 57)
‏ضحى حماد, ‏شوقا, ‏shimaa saad, ‏رغدجني, ‏Heyam Raslan, ‏فيفيتا, ‏ToOoOmy, ‏بنت سعاد38, ‏محبة التميز, ‏angelaa, ‏أحمد البلاط, ‏Warda123, ‏rowdym, ‏affx+, ‏Qhoa, ‏Better, ‏Miraljood, ‏ام رمانة, ‏sira sira, ‏شوشو 1234, ‏Rinalka78, ‏jasmine omara, ‏سالي فؤاد, ‏السنابل الذهبية, ‏Dodo Diab, ‏زهرة الغردينيا


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-10-19, 12:37 AM   #505

Warda123

? العضوٌ??? » 435416
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » Warda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond repute
افتراضي

فصل رهيب والوقفة في النهاية تشد الأعصاب .
سالم الدجال
وبهيج المهرج
ونوال
وراوند وشقيقتها
والخواجي وأتباعه هؤلاء جميعهم لازمهم صاروخ حتى نرتاح منهم
............ .... .... ......
يوسف ضعيف الشخصية لو كان رجل بحق كان أجبر والدته على الخروج من المستنقع بسحب أخواته البنات والسفر بهن وليس الخنوع لطمعها وجشعها عديمة الأمومة والنزاهة بنت أبيها .
اليوم دمي يغلي بسببها 😤😤😤😤😤😤😤😤😤😤😤😤😤😤
لا تلومي أسلوبي في الكلام لأن لو مسكتها بإيدي أقطعها وأطعمها للقطط 😾😾😾😾😾😾😾😾😾😾 عقلية إجرامية لكن من غليان دمي 😁😁😁😁😁😁😁😁😁😁😁😁😁😁
يا ترى تقوى ماذا ستفعل بعد أن رأت جرير يمشي دون ان يلتفت نحوها

حفيظة حظها عاثر تحت قدم أمها المشعوذ 🙄🙄🙄🙄🙄🙄


Warda123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-10-19, 12:41 AM   #506

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل التاسع


إبليس أهبط من منزل العز بترك سجدة أمر بها و نحن كم أمرً ضيعناه؟ .....عمر عبد الكافي



تردد اعترى قدماها بينما تقابل واجهة محل لبيع الأوشحة، تتأمل قطع القماش بأنواعها وألوانها المختلفة بإعجاب فتقرر أخيرا الدخول.
نحت حزام حقيبتها الدراسية يمينا تحت ابطئها ومدت كفها تتلمس كل قطعة على حدى، تهمس لخلايا عقلها بحديث خاص.
*هذا ناعم... جميل أي اللونين أفضل؟ .. البني لون تقوى المفضل!... أم!*
تحرك كفها إلى الذي يجاور القطعة بلون أحمر بارد.
*الأحمر المفضل لدى أمي؟*
تقطب بحيرة بينما تضم شفتيها بقلق بالغ وكأن اختيار وشاح بسيط يعد قرارا مصيريا يجعلها ترتجف، يسلبها الثبات ويدفع بجسدها إلى التعرق.
زفرت بعد لحظات قبل ان تنتفض على همسة البائعة الرسمية.
(تلك القطع جميلة... وهناك في الصف الذي يليه ... من خامة الحرير سيعجبك أكثر ... )
ردت بهزة رأس ووجه محمر خجلا وإحراجا ثم تقدمت خطوة لتتفقد الأوشحة الحريرية، تنفست بعمق مع ملمسها الناعم بين كفيها فأومأت للبائعة توافقها لكنها وقفت عاجزة مجددا عن اختيار اللون. *البني أو الأحمر*
(لما لا تجربين الأرجواني أظنه أنسب لبشرتك...)
رمشت مرات عدة بينما ترمقها بحيرة أضاعت تركيزها وضاعفت من إحراجها لتسأل بتوتر استولى على نبرتها الخافتة.
(حقا؟)
هزت البائعة رأسها بتأكيد، تحثها وهي تسحبه من مكانه لتناوله لها.
(أجل... تفضلي... لفيه حول وجهك وانظري إلى المرآة...)
أمسكت به ولفته حول رأسها فوق طرحتها التي لم تنزعها ثم تأملت انعكاسها، تتذكر قول أختها المشابه للبائعة لكن رغم ذلك عادت تتأمل اللونين بحيرة لعينة استعمرت جانبا كبيرا من شخصيتها.
(إذا أردت يمكنك اقتناء لونين؟...)
حاولت البائعة مجددا لا تريد فقد زبونة محتملة فبللت صفاء شفتيها تخفي ارتباكها، تطوي الوشاح مما دفع بالبائعة الى الاستسلام، متراجعة عنها بظنها اليائس.
تلفتت حولها بسلبية كشفت عن الوجوم عبر محياها، استدارت تزفر بانهزامية مقررة المغادرة لكن انعكاسها البائس في المرآة سمّر قدميها مكانها، تتأمله بازدراء.
كم هي مثيرة للشفقة! فتاة جامعية على وشك التخرج تعجز عن اقتناء وشاح بسيط، ناهيك عن اتخاذ القرارات المهمة في حياتها!
كيف أضحت هكذا؟ لا تعلم، هي فقط كبرت لتجد نفسها عديمة الثقة في النفس، لا تستطيع اختيار شيء محدد في حياتها بأكملها، دائمة الهروب، تستعين بظلال اختها، منطقتها الآمنة فتريح نفسها من مسؤولية لم تتعلم بعد كيف تتحمل عبئها.
رفعت رأسها تزفر بقوة وفي لحظة حسبها عقلها تهورا، استدارت وخطت نحو البائعة التي تبسمت لها برسمية، تنتظر.
)سآخذ هذا .. من فضلك...)
تناولته منها تدسه في كيس بعد أن أخبرتها بثمنه الذي سحبته صفاء من حقيبتها دون أن تتجرأ وتساومها كما تفعل شقيقتها أو والدتها بكل سهولة.
أسرعت نحو موقف الحافلة، الكيس ينعصر بين يديها بقوة وكأنها اقترفت جريمة ستحاسب عليها.
لجأت إلى آخر مقعد كعادتها، تنزوي بنفسها قرب النافذة، تميل برأسها على البلور مطرقة برأسها، تتأمل الكيس بنظرات كئيبة.
لماذا تفقد الحيلة كلما حوصرت في موضع اختيار؟ اتخاذ قرار؟ ترتجف بضعف يستولي على كيانها فتتراجع، باحثة عن أقرب ستارة تختفي خلفها ومن غيرها يستحق أن تتخذها كقناع، تدافع به عن هشاشة أحشائها، تدرأ بها نقاط ضعفها فتقدم على اختياراتها مغمضة العينين، هانئة القلب.
الجميع يشهد لتقوى بحكمة قراراتها وبصلاح أخلاقها.
أختها أقرب شخص لها حتى عن والديها، من ترعرعت جوارها تدافع عنها وتدفع عن كل ما قد يؤلمها.
تسبق والدها بخطوة واحدة في قلبها، غريب! رغم كل حنان والدها واحتوائه يأتي بعد تقوى بخطوة واحدة في تعلقها بمن حولها.
(يبدو أن ذلك الكيس مهم جدا...)
شهقت بصدمة اتسعت لها عينيها بخوف امتزج بشعور الفجأة، تحدق بالذي لم تشعر به متى جلس في المقعد جوارها وهي التي لا تُفوت حضورا له في أي محيط تكون فيه، مهما فسُح.
اتسعت بسمته بتسلية، لمعت به مقلتيه فرفت بجفنيها توترا وأطرقت برأسها حياء لترتفع كفها الى طرف طرحتها تسحبها بخفة على جبهتها، تتمنى الاختفاء في تلك اللحظة حتى لو انشق الفراغ من حولها ليبلعها ويبلع قلبها النافر بشدة.
قطب مؤنس بحيرة طردت التسلية من على وجهه، يتأمل سطح رأسها المطرق، هذه الفتاة تثير فيه أمورا غريبة، ليس فقط ما يشعره الرجل نحو أنثى نالت إعجابه لكن إحساس غريب لم يجد له معنى واضح بعد.
ضم شفتيه مستغربا من رعشة لاحظها على كفها التي تعدل بها طرف وشاحها فاستطرد بهدوء.
)السلام عليكم أولا...)
بلعت ريقها بارتباك جلب ألوان الطيف السبع لتتناوب على وجنتيها فلم تستطع الإتيان برد سوى هزة رأس خفيفة.
ارتفع حاجبيه دهشة بينما يتساءل إن كان هو السبب حقا من تكومها هذا على نفسها، تكاد تخرق بلور النافذة من شدة احتمائها به، تبتعد عنه قدر استطاعتها فتراجع هو الآخر في مقعده ليترك لها مساحة قد تشعرها بالطمأنينة ثم قال بحذر.
)عائدة من الجامعة يا آنسة صفاء؟...)
ليته يتوقف عن الحديث، همست لأحشائها الثائرة، إحدى كفيها عالقة على طرف طرحتها والأخرى تقبض على كيس الوشاح، حثت نفسها لتحريك لسانها برد مقتضب لكنها لم تستطع النطق سوى بكلمة واحدة.
)المصنع...)
عقد جبينه بحيرة انجلت حين حلل وبحث عن تفسير سريع.
)تحت التمرين من أجل مشروع التخرج؟)
عادت تهز رأسها فتبسم باستغراب من توثرها، حاول استرجاع ذكرياته حولها وهي تلميذة في صفه لكن خياله لم يسعفه بأي شيء مهم.
غريب كيف يكون العبور لأناس في حياة غيرهم، بغير ذي أهمية يتحول لاحقا إلى النقيض.
أدار رأسه عنها يرمق أمامه بسهو يناقش فكره كما تعود، تاركا لها مساحة خاصة علها تكف عن الارتعاش حياء أو خوفا، أضحكه الخاطر الأخير فانبسطت شفتاه بمرح ليستدير نحوها مرة أخرى، يوجه لها سؤالا.
)ماذا ستفعلين بعد التخرج؟...)
*ربما لو ابتعدت عني حالا قد استجمع شتات نفسي وأفكر في ما يحدث الآن أولا... يا إلهي! ماذا يحدث لي؟*
فكرت بينما الدفئ والبرودة يتعقبان على اكتساح عروق جسدها، فتنطق بمشقة وكفيها يتعرقان بطريقة ضاعفت من حرجها.
)لا أعلم بعد!)
هز رأسه بتفهم ورفع حقيبته، مرافقا حركاته بقوله.
)حسنا... إذا كانت مدرسة تكوين الأساتذة من ضمن الاختيارات... هذا إعلان عن موعد مباراة الولوج....)
بسط ذراعه نحوها وهناك علقت نظراتها، ترمق الورق داخل كفه بوجل غفل عنه وهو يكمل بنبرة عادية.
)كنت في زيارة لصديق لي هناك اليوم وصادفت الإعلان الذي صدر اليوم.... )
لازالت ترمق يده دون أن تحرك ساكنا فقرب منها كفه أكثر، يضيف بتسلية تملكت منه رغما عنه.
)بعد ثلاثة أشهر ان شاء الله... لكن لا تؤخري إرسال أوراقك بعد صدور النتيجة ... أمسكيها! لن تأكلك! أعدك...)
ضحك بخفوت فلامت نفسها على حمق تصرفاتها ودفعت بكفها بقوة كي تمسك بالورقة، تاركة الكيس الذي وقع أرضا فانحنى ليلتقطه.
تأمل طرف الوشاح المنزلق من فتحته قليلا ثم أعاده الى مكانه داخل الكيس وقدمه لها يثني على اختيارها.
)لون الوشاح جميل...)
أمسكت به هو الآخر وانتفضت واقفة شاكرة ربها وصول الحافلة إلى موقف الوادي.
رفع رأسه بحيرة يرمقها باستفهام لانتفاضتها وقبل أن يبدأ عذاب بحثها عن بعض الجرأة داخل أحشائها لتجيبه شعر بتوقف الحافلة فنظر خلفها من خلال النافذة.
اكتشف انهم قد وصلوا فعلا فاستغرب من قصر المسافة والوقت.
)وصلنا بسرعة...)
اعتلت ملامحها الدهشة، ترمقه بارتباك ظهر جليا على ملامحها المحمرة وجبينها المتعرق حين ترجم فكره بقوله.
اتسعت بسمته لمرآي عينيها الرماديتين، رغم تزعزعهما بفعل التوتر والخجل وبعض الذهول، ففرت منه تتلفت حولها باحثة عن مفر لا يمنحه لها بسهوه في حالها الذي لا يجد له معنى سوى أنها تود الهروب منه ليتنهد أخيرا بينما ينهض من مكانه وتقدّمها، يستدرك بتسلية.
)لم أكن أعلم بأنني أخيف لهذه الدرجة..... مع أن الجميع يخبرني بأنني ظريف... )
استدار وقد خلت الحافلة من سواهما، يسألها باسما بمرح.
)هل أنا ظريف حقا؟)
ضمت الحقيبة التي دست فيها الورقة وكيس الوشاح الى صدرها تنظر إليه بترقب قلق، قلبها يدق في صدرها كالطبل يصم أذنيها عن ما تتحرك به شفتاه.
لم يسبق لها أن عاشت تلك الحالة من الصدمة وغياب العقل وكأنها في حلم تريده و تنفر منه في نفس اللحظة.
)يا إلهي! من فضلكِ لا تفقدي الوعي... تفضلي!)
تنحى، يشير لها لتترجل من الحافلة.
وكأنه سبيل الفرج، أسرعت مغادرة، تاركة إياه خلفها يهمس باستغراب ذاهل.
)ما بها هذه الفتاة؟.. هل أثير خوفها حقا!)
مال بجذعه باحثا عنها عبر باب الحافلة ولمحها تهرول، متلاشية بين الناس فعاد يستقيم بظهره، يستدرك بنفس الاستغراب المشوب ببعض التسلية الساخرة.
(ها! يبدو أنك ثير خوف الفتاة فعلا يا مؤنس....)
وعلى ذلك الخاطر رفع حزام حقيبة يده ليضعه على كتفه وتقدم مترجلا من الحافلة.
………………

ينبض قلبها بقوة أتعبت صدرها ولم تتوقف حتى لمحت شقيقتها تفتح باب منزلهم الخارجي فحثت خطواتها، كل ما فيها يستنجد الرحمة وحين وصلت الى تقوى التي استدارت نحوها بملامح مكفهرة، شهقت بحدة أقلقت الأخيرة التي أمسكت بذراعيها، تستفسر منها بريبة.
)ما بك يا صفاء؟.... لماذا تلهثين هكذا؟ هل كنت تركضين؟)
رفعت رأسها تبحلق فيها بقلة حيلة وإعياء، شفتيها الشاحبتين ككل شيء فيها، مفغرتين بتبلد غمرها فجأة إثر سؤال ذكاءها المطمور بجبروت الجهل.
*ماذا ستخبرينها؟* هناك وفي تلك اللحظة، اكتشفت ان حتى شقيقتها تقوى، أقرب الناس إليها لا تستطيع إخبارها بسر قلبها.
لم تجد الوقت لتحلل الأسباب والتبريرات حين شعرت بهزة أختها التي بدأ القلق يثير فزعها.
)صفاء تحدثي!... أنت تخيفينني!)
رفعت سبابتها بعد ان قررت تمالك أعصابها التالفة، ترجوها التريث قليلا، تنفست بعمق مرات عدة ثم بللت شفتيها، تقول بخفوت تخفي به اضطراب دقات قلبها.
)لا تقلقي... أظنها نوبة انخفاض الضغط بسبب الحرارة... الجو خانق... لم يكن علي التجول قبل العودة...)
تمسكت بذراعيها، تسندها وهما تلِجان البيت وتقوى تستفسر منها بحيرة مستغربة.
)تجولت في المدينة؟)
حسنا هي لم تبتعد كثيرا، فقط المحلات في طريقها الى موقف الحافلات.
كتمت سخرية افكارها، ساحبة الكيس من حقيبتها لتريها الدليل.
)بلى... واقتنيت وشاحا أيضا!)
تضاعف ذهول تقوى وهي تلمح الوشاح الجميل، على غير عادة اختها المتجنبة دوما لأي موضع تضطر فيه إلى الاختيار.
)ما هذا الذوق الرديء؟)
كانت تلك والدتهما التي ظهرت من جانب المطبخ، تسحب الوشاح من بين يدي ابنتها، تكمل بامتعاض.
)هل هذا لون يقتنيه الناس يا فتاة؟... ما هو هذا اللون أساسا؟... )
مسدت تقوى جبينها، تستغفر سرا بينما صفاء تنكمش على روحها كما تشنجت ملامحها ألما، غفلت عنه والدتها المسترسلة بطبيعتها العفوية المعهودة.
(أضعت المال هباء... لو اقتنيته بدرجة من درجات الأحمر .. لكان أجمل ... أخبرتك مرارا أن ذوقك في الأزياء رديء فلما لا تسألينني رأي أولا؟ ... لم تعودي صغيرة... ويجب أن تتحملي مسؤولية نفسك واتخاذ قرارات مناسبة...)
(وكيف ستفعل ذلك أمي وأنت تعرضين عليها الاتكال عليك في كل ما يخصها؟)
تدخلت تقوى بنبرة حافظت على هدوئها رغم الوجوم الحارق لأعصابها وكان الرد كما توقعت، نزقا، عصبيا عقبه هروب إلى غرفتها.
(أنت دائما هكذا... لسانك يسبقك...وتظنين في رأسك العنيد هذا علم الأرض والسماوات ... وأنا أقتل نفسي وصحتي من أجل مصالحكم...)
تنهدت تقوى بتعب بينما تمسح على وجهها، لتقول بعد ملاحظة نظرات أختها المستفسرة بصمت.
(هل سمعتها ؟... لساني يسبقني... هل أنا حقا كما تصفني؟)
تجاهلت صفاء كل ما حدث وما تحمله احشائها من مشاعر متضاربة شعواء وسألتها بفضول.
(ماذا بك؟... أنت على غير عادتك...)
زمت شفتيها تكبت دموعها تتذكر تجاهل جرير لها وتقدمتها نحو غرفتهما، ترد عليها بالسبب الثاني.
(الخالة نوال منعتني من رؤية حفيظة مجددا... أدخلت بهيج واخبرتني أنا بأن حفيظة مريضة ونائمة لا تريد مقابلة أحد... وخذي الصدمة الكبرى...)
تلكأت منشغلة بنزع الفستان بعد الطرحة ثم أكملت بعبوس.
(حفل زفافها بعد أسبوع...)
(ماذا؟)
هتفت صفاء بجزع هوى بها فوق سريرها، شدة حماس قلبها قضى على قوة ركبتيها لتستسلم أخيرا لتعبها.
(كما سمعتِ ... الخالة نوال بلغتني بالحرف قبل أن تطردني بأدب جوار باب المنزل الخارجي... بأن أستعد وأخبركن أيضا كي نساعدها في أيام العرس... )
أسدلت طرف منامتها التي ارتدتها فوق ملابسها الداخلية المكونة دائما من سروال قصير ضيق الى حد الركبتين وكنزة ضيقة قصيرة الأكمام، لتنهي حديثها بتبرم وهي تقف قبالتها تهل عليها بملامحها المستنكرة.
(*إن كنا فعلا نحبها ونودها كما ندّعي*... تخيلي ... لازالت مقتنعة بأننا نغار من ابنتها بسبب العريس المحترم...)
ثم تنفست بعمق، تزفر حرارة غضبها تحت أنظار صفاء التي قالت بنفس الذهول الممزوج بالقلق والخوف.
(وماذا عن.... عن؟)
هزت تقوى كتفيها، ترد بضيق.
(لا أعلم... المشكلة أن هاتف حفيظة مغلق دائما... لا حل آخر أمامنا سوى انتظار آخر الأسبوع... نراها حينها ونطمئن عليها... لأنني لا أظن بأن الخالة نوال مستعدة لفقد عريس ابنتها لأي سبب كان... حتى لو كان الشيطان الرجيم بنفسه ...)
أومأت صفاء بتفهم، على ملامحها، بقايا شحوب أثار مشاعر الحنان والرأفة في قلب شقيقتها فاقتربت منها، تربت على رأسها بحب، تخبرها من بين شفتين تدبرتا أمر بسمة صادقة رغم فقدها لأي رغبة في التبسم.
(الوشاح جميل... الأرجواني يناسب بشرة وجهك... مبارك عليك... ذوقك جميل...)
وإن كانت تقوى قد نجحت في التبسم، فأختها حين حاولت تشنجت ملامحها، تشعر بالتواء شفتيها يزيد من ألم قلبها المرهق.
(سأرى إن كان هناك طعام....غيري ثيابك واسترخي قليلا...)
أضافت تقوى بينما تبتعد عنها حتى اختفت فألقت صفاء بنصف جسدها العلوي على السرير، تتأمل السقف وكل ما يجتاح كيانها، مؤنس وحديث مؤنس وهيئة مؤنس وعطر مؤنس.
بعد كل شيء طفت بسمة مختلفة ذات معنى خاص، خاص جدا على شفا ثغرها لم تؤلمها كما آلمها حالها فتعود الى التنهد ببؤس.
...........

*منزل أهل حفيظة*
*قبل لحظات*

نفض بهيج ذراعه من قبضة عمته، يطالبها ذاهلا بسببٍ لما رآه للتو.
(لماذا طردتِ تقوى؟... )
(لم أطردها!)
ردت بعينين احتدتا بغضب ناسب قتامة الكحل الحائم حولهما فكتف بهيج ذراعيه، يعقب بتهكم ممتعض.
(لا لم تطرديها يا عمتي... أنت فقط عبرت لها عن رفضك للقائها بحفيظة ثم ألقيت فوق رأسها صدمة عرسها الذي هو بعد أسبوع... على فكرة!)
تخصر، يكمل بانزعاج.
(لماذا تستعجلين الأمور؟... ومع ما يحدث لحفيظة لا أنصحك أبدا..)
امتزجت النقمة بالغضب على صفحة وجهها تقترب منه، مجيبة بإصرار أشبه بالهوس.
(زواج حفيظة من فواز لن يتأجل.... مهما حدث يا بهيج.. هل تسمع ؟ مهما حدث!.... )
ثم هزت كتفيها، تكمل باحتقار.
(سالم أكد لي بأن اللعين رحل ....)
رفع بهيج حاجبه، يعيد عليها قولها متهكما بازدراء.
(سالم أكد لك.... ها! ....وأنت صدقته؟)
زفرت نوال بنفاذ صبر فضغط على شفتيه، محافظا على برودة أعصابه، يسألها بفتور.
(وأين هي الآن؟... قلتِ أنها مريضة؟...)
تقدمته وهي ترد عليه بنبرة تحولت إلى التوسل اليائس.
(لهذا طلبت منك المجيء يا بهيج .... يجب أن تساعدني...)
لحق بها مرتابا عبر البهو الصغير نحو غرفة الجلوس حيث تفاجأ بجسد ابنة عمته المرتعش من تحت الغطاء.
أسرع إليها يحدق بها بصدمة هزت قلبه بعنف، تلك الفتاة ليست حفيظة التي يعرفها!
هزيلة، ضعيفة، منكمشة على نفسها، ترتجف على ما يبدو له من الحمى.
(ماذا حدث يا عمتي؟ ما بها؟)
أشار إليها مستفسرا من التي تفرك كفيها ببعضهما، تخبره بتوتر.
(لم تتحمل ما فعله سالم ليخرج اللعين... فمرضت كما ترى..)
لأول مرة يشعر بهيج بغضب يشتعل من أعماق أحشائه وبالرغم من ذلك كتمه بقوة، يستفسر منها مجددا بحنق مكتوم.
(ماذا فعل بها تحديدا؟)
تعثرت الكلمات على شفا لسانها بينما تجلس عند رأس ابنتها الغائبة عما يحدث حولها.
(جلدها )
(ماذا؟)
هتف بهيج دون وعي فانتفضت نوال، تشير له ليخفض صواته.
(اهدأ يا بهيج... لا تفضحني... لم يكن أمامي حل آخر... تخليت عني أنت وابنتي أخي الجاحدتين... ماذا كنت سأفعل؟ والعرس على بعد أسبوع فقط؟)
زفر ممسدا عنقه باستياء، يقول بتردد.
(أرسليها للجدة جوهرة يا عمتي...)
قابلته ملامح نوال المصدومة فتنفس بقنوط، يكمل بينما عينيه لا تُحيدان عن هيئة حفيظة العليلة، المثيرة للشفقة.
(انظري إلى حالها... أنا وأنت نعلم كيف سيرحل اللعين بشكل نهائي ... كما نعلم حقيقة سالم... فلا تعرضيها لمزيد من الأخطار... ذلك اللعين تحول لعاشق عمتي... هل تعلمين ماذا يعني ذلك؟...)
بتر كلماته المحذرة حين هتفت بغيظ.
(وماذا عن كل ما فعلناه أنا وأنت؟ ... ما ستفعله الخالة جوهرة سيبطل كل شيء فعلناه حتى الآن من أجل أن يلتفت فواز لحفيظة... لن أخسر ما تعبت وشقيت حتى حققته...)
(وماذا إن ظهر الشيطان بينهما وعلم به فواز؟ ... ألن تخسريه حينها أيضا بل ويتهمكم بإخفاء علّتها عنه؟)
حكت رأسها من فوق طرحتها السوداء، ترد بارتباك.
(سأجد حلا حينها... فقط ساعدني كي أخفي آثار الجلد يا بهيج...)
فتح فمه ليستنكر لكنه عاد ليطبق على شفتيه، عمته كوالده تماما، كلما حاول إقناعه بشيء ما كلما تضاعف عناده المصمم على رأيه.
لا زال يستغرب حقا كيف نجى والده من زمرة بلائهم؟ جاهلا حتى بشيء اسمه السحر.
انحنى نحو حفيظة، يتأمل حالها المخيف، الشحوب يطوف على بشرة وجهها سوى وجنتيها التين احمرتا بفعل الحرارة، كل شيء فيها يرتعش بشدة حتى مقلتيها المغمضتين.
(يجب أن نأخذها للمشفى حالا!)
اهتزت نوال تسحبه ليستقيم، ترد عليه بالرفض.
(مستحيل.. قد يبلغون الشرطة... أو يصورها أحدهم... هذا زمن الفضائح... وتلك الأجهزة اللعينة... سيضخمون الأمر ويصبح فضيحة مدوية لابنتي .. مستحيل..)
التوت شفتيه بسخرية، يقول.
(بالفعل.. سالم يحتاج لفضيحة مدوية.... ولازالتُ غير مصدق للجوئك إليه...)
ارتبكت تتأتئ بتوتر.
(أنتم من تخلى عني... ولم أجد طريقة أخرى...)
ارتفع رأسه زافرا بانزعاج، يفكر قليلا ثم سحب هاتفه، باحثا عن رقم ما بينما يحدثها.
(أعرف طبيبا يملك عيادة خاصة... سأفسر له الأمر وسيتفهم... هيا جهزيها.. لا يجب أن نتأخر ...)
استدار عنها يهتف بنبرة ظاهرها الترحيب، باطنها الغموض.
(مرحبا يا طبيب كيف حالك؟.... أعتذر منك ...الأشغال كثيرة... والزبائن أكثر...)
وقفت خلفه، تتنصت إليه بتقرب قلق.
(طبعا... طبعا يا طبيب ... سنجدد حجاب الحماية لمشروعك من الحسد.. ونجلب إليه المزيد من الزبائن... كنت أريدك في خدمة لو سمحت.. )
تلكأ قليلا، يكمل بجمود.
(قريبتي تعرضت للجلد في جلسة لطرد شيطان يحتل جسدها... ولم تتحمل بسبب بنيتها الضعيفة... هل بإمكاني إحضارها إليك؟)
تعمقت السخرية بين حنايا نظراته القاتمة، يجيب ببرود غلف به غضبه.
(بكل تأكيد... سآتي معها... ونتفق على كل طلباتك... متى؟)
صمت قليلا ثم شكره باقتضاب وأنهى المكالمة، زفر بعدها بضنك واستدار إلى عمته المتجمدة خلفه، تسأله بدهشة.
(هل ذلك الرجل طبيب بالفعل؟... كيف صدقك بتلك السهولة؟ .. يا لغبائي!... إنه زبون لديك... كيف ذلك؟.. إنه طبيب!)
امتعضت ملامح بهيج وهو ينحي قليلا نحو وجهها، يجيبها بسخرية مريرة.
(وماذا إن كان طبيبا أو مهندسا أو حتى فقيه؟... كل ما يهم هو هذا؟)
أشار إلى موقع القلب على صدر عمته، يضيف بنفس السخرية المشوبة بالاستحقار.
(حين يستعمره الطمع مع العمى... لا يهم حقا ما في عقل صاحبه من علم أو جهل...)
ثم عاد يرفع هاتفه إلى أذنه، يخبرها باقتضاب جاف، عبست له بضيق ناقض استسلامها المخزي.
(جهزيها بسرعة... سأتصل بصديق لي يملك سيارة...)
...... .........

*مساءا.... منزل جرير*

التفوا حول المائدة الدائرية في غرفة الجلوس، ينتظرون نبيه ليحضر لهم الطعام من المطبخ بعد أن تبرع بتجهيزه.
جرير مستغرق في حوار جاد مع يوسف بينما مؤنس ينصت إليهما بأذنيه دون مقلتيه المتفحصتين لصفحة هاتفه.
(تأكدتُ من موعد انعقاد اجتماع المجلس البلدي غدا ... وهذا سيمنحنا بعض الوقت حتى لا يعلم جدي بأمر علوان أو يرسل من يتعقبنا في الطريق...)
هز جرير رأسه، يجيب وكفيه تقسم الخبز إلى قطع متوسطة.
(الضابط هشام سيتأكد من عدم ملاحقتكم من طرف أحدهم...)
نظر إليه يوسف، محذرا.
(إياك والظهور هناك يا جرير... لا يجب أن يشك أحد بعلاقتك بالأمر...)
تنهد جرير بعبوس، يعقب.
(كنت أتمنى الحضور صدقني...)
(أعلم ...لهذا أحذرك... أي كان السبب في ما يحدث لأسرة خالي والدتي... أريدهم أن يصدقوا أنني السبب... هكذا تظل أنت حرا في تنفيذ خططك...)
عاد جرير لهز رأسه بتفهم في نفس اللحظة التي وضع فيها نبيه طعام العشاء فيترك مؤنس هاتفه اخيرا ببعض الضيق حين لم يجد فيه أي شيء جديد عن ما يثير اهتمامه، متدخلا في الحوار.
(لماذا أنتم متأكدون من أن ما تفعلونه سيحدث فرقا؟... لست متفائلا بقدركم...)
بسمل جرير وشرع في الأكل دون رد، تبعه نبيه ويوسف ليستدرك مؤنس بينما يمد يده ليأكل هو الآخر.
(حسنا أنا لا أريد لعب دور المحبط بينكم... لكن الخواجي قضى حياته بأكملها يبني له قاعدة من الحديد والصلب... لا أظن أبدا بأنه سيسمح لأحد بلمسها ...)
التفت إلى يوسف الذي غامت مقلتيه بوجوم كئيب، يضيف معتذرا.
(عذرا... لم أقصد الإهانة.... لكن جدك حقا مثال للسلطة الطاغية والمستعدة لفعل أي شيء في سبيل الحصول على مآربها....لذا!)
رفع يديه معتذرا فأشار نبيه ليوسف باستخفاف.
*لا تنصت إليه... إنه محبط فعلا وينشر إحباطه عبر فلسفته العقيمة...*
ناظره مؤنس ساخرا، يحرك شفتيه بوضوح بينما الباقي يبتسمون.
(آه ...الآن أنت تفهم حديثي دون إشارة...)
دس نبيه اللقمة في فمه ثم هز كتفيه، مشيرا إلى شفتي مؤنس.
*شفتيك كبيرتين... يسهل علي قراءة الحروف من عليهما...*
(شفتاي أنا كبيرتان؟)
هتف مؤنس مستنكرا لينفجروا بعدها بالضحك كل واحد منهم يفر من جحيم أفكاره إلى لحظة تسلية، تروح عنهم عذاب أحاسيسهم الحارقة.
.................

*محل فواز*

(بهيج!)
رفع فواز رأسه من على قناني العطر يضيق مقلتيه، مستدركا بحيرة يشوبها بعض الانزعاج.
(ماذا تريد تحديدا؟ .... ولا تعد خطابك السابق لأنني لم أفهم منه كلمة واحدة...)
حك بهيج جانب دقنه بطرف سبابته، يزدرد ريقه بينما زرقاوتيه يثبتهما على وجه فواز ولا يرى سوى جسد حفيظة العليل. لحسن حظها كما أخبره الطبيب أن الذي جلدها فعل ذلك وهي بثيابها ولو حدث الجلد مباشرة على الجلد لكانت النتيجة ألعن والجروح أعمق. أنين وجعها يضج رأسه بفوضى عارمة تمنع عنه صفاء تعقله وضعف أطرافها المرتجفة يذر قلبه المتعب رهين مخالب الذنب، لأول مرة في حياته يشعر بالذنب يتحول داخله إلى هوة مخيفة يتجاهلها بمحض إرادته، يلمحها خلف ظهره تتسع يوما بعد يوم لكنه يتجاهلها، مُحْتَمٍ بحصنٍ أعماقهُ تدرك بيقين أنه من ورق، إنها لعبة قاتلة داخل متاهة مظلمة سيخرج منها إما ناجيا أو خاسرا.
(أقصد .... أجّل زفافك يا فواز!)
عقد جبينه بحيرة وترك الزجاجات، يستفسر منه باقتضاب.
(لماذا؟)
تلفت بهيج برأسه فيهتز ذيل الحصان الأشقر مرافقا لحركاته قبل أن يعود إليه، موجها صوبه كلماته المبهمة بخفوت.
(فواز أنا أكثر من يحفظ طبعك ... تحب النساء كحبك للطعام...)
ارتفعا حاجبي فواز وقد جذب تركيزه وكل حواسه تتأهب لسماع استرساله في الحديث.
(أنت مزاجي في اختيارك للطعام... لا أكلة مفضلة لديك... سريعا ما تمل من الوجبات إذا تكررت ليومين أو ثلاث فتبحث عن الجديد.... لسانك ذواق لهوف للجديد دوما... )
ثم مال نحو ملامحه الذاهلة، يكمل بنبرة أشد خفوت.
(وكذلك طبعك مع صنف النساء...)
سكت بهيج يتفحص أثر قوله بين ملامح الذي بسط كفيه فوق سطح الطاولة، يطالبه باقتضاب جاف.
(المعنى؟)
وهناك تنهد بهيج بفتور قبل أن يجيبه بجدية، استغربها فواز من صديقه المهرج دوما.
(أنت تستعجل الزواج... ماذا إن مللت من ابنة عمتي بسرعة؟... وبدأت بالبحث عن غيرها؟... لماذا الاستعجال من الأصل؟)
قطب فواز حاجبيه، يسأله بحيرة نالت من إدراكه وشوشته.
(لماذا كنت أحسبك متحمسا لزواجي من حفيظة؟... )
أسدل بهيج جفنيه لبرهة قصيرة، لاعنا نفسه لمساعدة عمته الملحة في مطالبها دوما، يجيبه بغموض.
(ولازلت ... لم أقل لا تتزوجها... إنما كصديق وقريب تهمه مصلحتك ومصلحتها... أنصحك بالتريث...)
ارتفع رأسه فواز كما ارتفع صدره بالهواء ليقول بعدها بوجوم وهو يتحرك نحو الزاوية حيث مقعدين جلديين على شكل دف، ارتمى فوق أحدهما، قائلا بنبرة ناقمة.
(لا أستطيع... لقد حاولت مع والدتي ... جميعهم متكاتفون ضدي .. وأصبح زواجي شغلهم الشاغل ... خصوصا أمي وخالتي وأخي الأكبر...)
جلس بهيج قبالته، مستغلا ضعف وحيرة صديقه.
(أنت من سيتزوج يا فواز ... افرض رأيك يا رجل... هل ستتحول الى دمية يحركون خيوطها كما يشائون؟)
رمقه بتحذير فتراجع يرميه بنظرة معتذرة، يستدرك .
(آسف... أنت تعلم قصدي...)
غامت مقلتا فواز بمشاعر حائرة، تموج دواخله بحماس يخص زواجه واقترانه بفتاة كبرت في محيطه، يعلم عنها الصغيرة قبل الكبيرة.
سيحظى بزوجة يربيها على يديه ويعلمها كل شيء، يبثها العاطفة ويغلق عليهما بابا دون أن يخشى فضيحة بين الناس فيتخلص من إحساس الخزي والخجل من نفسه وربه قبل كل شيء.
لكن! وآه من تلك ال لكن! شيء ما مجهول يحوم داخل أحشائه بكُدرة تُعكر مزاجه وتحرمه من متعة إقباله على تنفيذ قرار مصيري.
(لا يهمني أحد يا بهيج)
نطق أخيرا بما يشغل باله.
(سوى أمي... لها مكانة عظيمة في قلبي .. أعجز عن عصيانها وأحب إسعادها... وإن كانت سعادتها في زواجي... فليكن... وأنا سأحاول بكل جدية لأنجح زواجي...)
التوت شفتا بهيج بسخرية عارمة بينما يعقب.
(ستحاول!... هل أصبحت حفيظة فأر تجارب؟.... انه زواج يا فواز... زواج!)
زفر فواز بقنوط، يهتف بانزعاج.
(أعلم أنها قريبتك... لكن كف عن إحباطي أرجوك... و أنت هنا يا صديقي... لتعيدني إلى رشدي إن حدث وتاه عني ... ثم ما أدراك أنت؟ ... قد أجد ضالتي في الزواج!... فهو لتحصين النفس قبل كل شيء... وللعفة...)
صمت بينما ملامحه تصرخ بالتردد، فقرر تغيير الموضوع، يستطرد بمزاح.
(هل تحسدني يا بهيج؟ ... لما لا تتزوج أنت الآخر؟... ولنقم عرسا مشتركا... اقنع ابنة خالتك أيضا بجرير... من يدري؟.... قد نتزوج جميعا في أسبوع واحد! ...)
أرخى بهيج ظهره على مسند مقعده، يرد بجفاء اكتنفه على إثر ذكر جرير.
(جرير لن يقبل بأي شيء يشمل اسمي .... حتى لو كان زواجه من حب عمره.... ثم أنا لم أُوَفّق في تحمل مسؤولية نفسي لأضيف إليه حمل فتاة وأسرة.... لا من فضلك... مبارك يا صاح ... بالصحة والعافية...)
تبسم له فواز ببرود ثم سأله بفضول.
(إلى يومنا هذا لا أعلم سر انزعاج جرير منك.... كنت أظنه يغار على تقوى .... لكن!)
ضم شفتيه بتفكير حائر وبهيج يعقب بنفس الجفاء الساخر.
(حين تكتشف السبب أخبرني أتوسل إليك ...لأن جرار الحقول ذاك سيجرفني يوما ما بوحشه الحديدي دون ذرة شفقة...)
علت البسمة المرحة وجه فواز قبل أن يعود لحيرته حين استرسل بهيج، يخبره بتأهب.
(هل تعلم ان يوسف يعيش معه الآن؟)
(حقا! ... لماذا؟)
هز كتفيه، يرد بنبرة عادية، مناقضة للغيظ المشتعل داخله بسبب براعة ابنة عمه رواند في الكتمان، يكاد يقسم على أنها السبب لكن كيف! لا يدري.
(لا أعلم... نبيه يستغل الفرصة ويطيل المكوث معهما أيضا... أما مؤنس فهو شبه مقيم دائم مع جرير منذ سنوات...)
انتصب ظهر فواز في جلسته، يتساءل بحيرة وغيرة طفولية كتمها داخل صدره.
(لا ينقصهم سوى محسن فتكتمل الحلقة الحميمية ... لطالما جمعتهم علاقة أقوى من دوننا.... دائما كان هناك خيطا لا مرئيا يجمع بينهم... فيظلون خلفنا بخطوة لا يتباعدون عن بعضهم البعض ... حتى غياب يوسف الطويل لم يؤثر على صلابة علاقتهم ... مهما كان السبب...)
حرك بهيج شفتيه المضمومتين إلى جانبه الأيمن قبل أن يفتحهما بقوله الغامض، الكئيب.
(لطالما كنا مسرعين في كل شيء يا فواز... لا نلقي بالا لمن خلفنا... عَمَى محسن يجبره دائما على التمهل ... يدرس خطواته بحكمة كي لا يقع... وحالة نبيه تجبره على التمهل ليقرأ الشفاه ويلاحظ ما ومن حوله فيحتاط جيدا... أما جرير فعِلَّتُه القديمة علمته التحرك بحذر وكياسة ... أما مؤنس محب لابن عمه لا يتركه حتى لو تاه ... يظل متشبثا به...)
صمت بهيج قليلا ليسأله فواز متهكما وقد التقط المعنى من حديث صديقه الذي قرر على ما يبدو الليلة أن يتقمص دور الحكيم.
(وماذا عن يوسف؟... ما الذي كان يؤخره معهم ويمنعه عن الطيران برفقتنا؟)
نظر إليه بهيج، يجيبه دون هوادة.
(طيبة نفسه...)
أمال فواز رأسه وتلك الغيرة الطفولية تطفو مجددا لتحتل مقلتيه الحانقتين، فيكمل بهيج رغم ذلك.
(يوسف ابن آل عيسى طيب النفس...ذو قلب رحوم ... لم يكن أبدا ليفارق محسن الأعمى ونبيه الأبكم وجرير العليل مع ظله مؤنس ... ليُحلق معنا في سماء الحرية.... هل فهمت الآن يا فواز؟... أنا وأنت....)
أشار لكلاهما ثم رفع كفه في الهواء مقلدا الجناحين، يكمل بجمود.
(حلقنا بعيدا عن السرب... لأننا أكثرهم حبا للحرية... لذلك انزع عن عينيك تلك النظرة الغيورة... ولا تلم أحدا منهم...)
عاد فواز ليرخي ظهره على مسند مقعده، صامتا للحظات ثم نطق بعدها بامتعاض.
(أنت كئيب ولا تطاق في دور الحكيم... فلا تعد إلى تلك السيرة مرة أخرى... تروق لي كمهرج أكثر...)
نهض بهيج، يغمغم بنفس الكئابة.
(وأنا لا أروق لي في أي حال من الأحوال ...)
(إلى أين؟)
هتف فواز فرد عليه يحاول لآخر مرة.
(لم يبقى على منتصف الليل سوى القليل ... فكر في حديثنا جيدا ... وحاول إقناع والدتك...)
نهض هو الآخر يتمطى بكسل ثم أصدر صوتا من بين شفتيه، يجيبه بمرح يقنع به نفسه قبله.
(لا ... أنا متحمس.... والحياة تمر بسرعة... أريد إنجاب أطفال يا بهيج.... لم نعد صغارا...)
هز يهيج رأسه محبطا واستدار عنه مغادرا بينما يلوح له بكفه بالتحية يهمس لأذنيه.
(لقد حاولت... والقادم لا يبشر بالخير... أبدا!)
.......................

*اليوم التالي ... أمام منزل أهل علوان...*

تضرب فخديها بقوة كما تولول وهي تراقب اقتياد ولدها من طرف ممرضين وطبيب باستسلام مجبر بعد أن حقنه الأخير بمهدئ حجم من مقاومته الضارية.
(اتركوا ولدي... النجدة يا عباد الله... انهم يختطفون ابني من بين أحضاني... انقذونا يا عباد الله!...ولدي! قرة عيني!...)
زفر يوسف بضنك واقترب منها يطلب بلطف مجددا.
(اهدئي يا خالة حليمة... أخبرتك أنني دبرت له مكانا في مشفى سيساعده بفضل الله ليشفى... لماذا لا تصدقينني؟)
استدارت إليه تجيبه حاقدة، ناقمة.
(لا خير يأتينا من جانبكم... ابتعدوا عني فقط وارحموني... لقد نفذت طلباتكم بالحرف... ولم أفتح فمي يوما.... وطردت كل زائر لنا سواء بنية الخير أو الشر... لماذا تحرمونني من ابني؟
..ألا يكفي ما فعلتموه بنا؟... لماذا؟.... رفعت شكواي للمنتقم الجبار.... اللهم عليك بالظالمين .... اللهم عليك بالظالمين!)
تجهمت قسمات يوسف بينما يهمس لها بوجوم.
(لا أعلم من تقصدينه تحديدا ... لكن أنا هنا من أجل مصلحة علوان... لم يرسلني أحد... ولا أحمل نية سيئة ... وسأحميه بروحي... ربما حينها قد أكسب ثقتك يا خالة حليمة لأحاول مع خالي عبد الله ... )
جحظت مقلتاها بريبة، تتمنى لو تصدقه، تغمرها رغبة حارقة في التشبث بالأمل والتجرؤ على بناء خيال بعيد يشمل ابنها وزوجها وهما بكامل صحتهما لكن كيف لليقين أن يشق طريقه وسط وحل من الغدر رصت صخوره على مدى السنوات الجافة، العجاف؟
رفعت رأسها بأنفة بعد أن منحت ابنها الجالس داخل السيارة نظرة أم ملهوفة الى فلذة كبدها ثم قالت بنبرة قاسية.
(لقد خيرني بين موته وبين جنونه... واخترت الأخير مجبرة ...فمنحني وعده بعدم قتله مادام هو على جنونه يحيا... وها أنت منحتني وعدا بأن تحميه بروحك... لنرى مدى وفائك بوعودك!... فأنت في النهاية من دمه ... وهو غارق في عمق ذنبه أوفى بوعده القاسي!....)
ثم اختفت خلف باب منزلها تصفقه بحدة انتفض لها قلبه، تنهد بتعب واستدار ليستقل السيارة قرب ابن خال والدته المسترخي بسكون يثير الشفقة.
حدق به للحظات طوال ثم همس بقنوط.
(وافقتِ على جنون ابنك تظنين ذلك أهون من قتله... لكنكِ بذلك تقتلينه كل يوم يضيع من حياته فاقدا لأبسط حقوقه ...رحماك يا الله!)
........... .....


*رحبة المسجد بعد العصر*

مجتمعين في الركن المفضل لمحسن كالعادة بعد أن غادر جميع المصلين، يتبادلون الحديث.
(متى سيعود يوسف من رحلته إذن؟)
كان ذلك سؤال محسن فرد جرير بينما نبيه يراقبهما بتركيز على عكس مؤنس المتفحص لصفحة هاتفه باهتمام.
(بضعة أيام.. حتى يتأكد من استقرار أمور علوان... إن شاء الله...)
أومأ محسن بعدم استحسان التقطه جرير ونبيه اللذان تناظرا في ما بينهما بخاطر مشترك، ترجمه جرير إلى سؤال مباشر.
(ماذا بك يا محسن؟... لقد أخبرتك بالخطة من قبل وكنت موافقا...وشجعتنا أيضا...)
ارتفع رأسه محسن يجيبه بملامح منبسطة، رغم بعض ما يكدرها من حزن.
(طبعا أنا سعيد بما قمتم به... أدعو الله لعلوان ووالده ولكل مريض بالشفاء... لكن لم أدري أن الخطة تشمل ابتعاد يوسف عن الوادي ...)
ثم صمت قليلا قبل أن يكمل بسماحة وابتهال خالص لربه الكريم.
(أبشروا بعون الله هو الحافظ... والمعين...)
اقترب منه جرير يجاوره في الجلوس وقد كان واقفا يولي مشهد الحقول ظهره.
(ماذا هناك يا محسن؟... ما الذي يكدر عليك صفو مزاجك...)
رفرف محسن بجفنيه، مقلتيه لا تكفان عن الدوران داخل محجريهما، يحتفظ برؤياه وحكمته لنفسه، مُسِرا قلبه بخطاب الصبر و الاستعانة بخالقه ففي النهاية لا يكون سوى إرادة الله ومشيئته.
سلاحه الدعاء، لن يوفر جهدا في ذلك، موقنا بالإجابة من رب رحيم.
(لا شيء يا جرير... كنت أفضل اجتماعكم في المواجهة .. لكن لا بأس ... كلها أيام قليلة تمر على خير بإذن الله...)
ثم أدار رأسه إليه ورفع كفه باحثا عن كتفه ليربت عليها، مستدركا بقلق.
(وماذا عن الأمور الأخرى؟... كيف حالك يا جرير؟)
رفع مؤنس رأسه عن هاتفه، يحدق بجرير الذي تنهد مرسلا نظراته نحو خضار الحقول بصمت امتد للحظات احترمها الجميع قبل أن يرف برموشه مرة واحدة، أعقبه بقوله الجامد.
(الصبر جميل يا محسن ... لكن مذاقه مُر كالحنظل وثقله على الصدر كالجبال.. لا مفر منه ...لا مفر منه يا محسن...)
عاد محسن ليربت على كتفه، مشجعا.
(عاقبة الصبر حسنة يا جرير... ألا يكفيك أن الله معك؟)
تبسم جرير وهو يرمقه بامتنان بينما محسن يكمل بلطف.
(*بسم الله الرحمن الرحيم.... إن الله مع الصابرين* ..... تجلد بالصبر واستمسك بحبل الله... لا تيأس وأحسن الظن بالله...)
لمع التصميم من صميم ظلمتي جرير، يمسك بكف محسن ليضغط عليها بخفة، يجيب.
(ان شاء الله يا فقيه.... ان شاء الله...وعلى ذكر أقدار الله الرحيمة....)
استل هاتفه من جيب قميصه وقد علت بسمة مختلفة ماكرة جانب ثغره استغرب لها مؤنس بينما نبيه اكتفى بنظراته الهادئة الغامضة.
(كيف حالك يا ضابط؟...)
تحدث جرير ثم صمت قبل أن يعود الى الحديث.
(ما طلبته منك أمس... يبدو أن الله يعجل بقدره ... الليلة شدد الحراسة حول المقبرة ... وستجد ما يمنحك فرصة لتثير زوبعة...)
صمت مرة أخرى قبل أن تمتعض ملامحه بينما يجيبه باستخفاف.
(أريني بعضا من مهارتك يا ضابط يا همام...)
رفع حاجبه الأيمن، يقول بنفس الامتعاض.
(اسمك هشام وليس همام!... ظريف يا ضابط ... السلام عليكم...)
سقط ذراعه بهاتفه فتدخل مؤنس، يسأله بقلق وتوجس.
(ماذا هناك يا جرير؟... أشعر أنك تتحرك في أكثر من اتجاه وهذا صعب ويفتح أبوابا كثيرة...)
تنفس المعني وهو ينهض من مكانه، يرد بنبرة قاسية.
(هذا الباب بالذات بفضل الله ستفتحه الرياح الجارفة ..... وأنا هناك..)
أشار نحو البيوت، يستطرد بغموض.
(في بيتي نائم على سريري...)
ابتسم نبيه بمكر فاغتاظ مؤنس، يهتف بعبوس حانق.
(نبيه يعرف...)
ثم نظر الى محسن الذي تبسم هو الآخر بغموض، فيزفر مشيرا إليه.
(ومحسن أيضا يعرف.... لما لا تخبرني أنا أيضا؟)
أومأ جرير يائسا ونبيه يشير أمامه ساخرا.
(لم يخبرنا بشيء... ألم تكن معنا صباحا في صلاة الجنازة؟....)
انعقد جبين مؤنس بحيرة بالغة وهو يرد .
(منذ أن قرر جرير قضاء الصلوات في المسجد.... وهو لا يتركني حين يجدني قربه ... حتى الفجر يوقظني دوما بسطل مياه صغير يفرغه على وجه... أقسم أنني ألمح متعة غريبة من خلال عينيه وهو يعذبني بتلك الطريقة... )
قاطعه جرير باستفزاز متعمد.
(لم يجبرك أحد على مشاركتي حتى أنفاسي يا ابن عمي... تملك منزل أهل يحوي طابقين ... ومن يريد جواري يصبر على طبعي...)
جعد مؤنس جانب فمه بضيق ضاعفه كتم نبيه لبسمته فيهتف بغيظ.
(حسنا يا ابن عمي نصبر على طبعك الجاف في سبيل أنفاسك العطرة.... هلا شرح لي أحدكم ما علاقة الجنازة بالضابط هشام والباب الذي ستفتحه الرياح؟..... وأنت نائم في بيتك؟)
نطق آخر حديثه بسخرية فتقدم جرير نحوه وسحبه ليرحلا، لكنه خطف نظرة نحو محسن ونبيه، يطمئن عليهما.
(هل سترافقه إلى البيت؟)
تفقد نبيه محسن الذي أشار بكفه رافضا، يفسر.
( سأبقى هنا قليلا... ثم أعود للداخل ...أتلو القران حتى يحين أوان المغرب إن شاء الله ...)
(حسنا!... ماذا عنك يا نبيه؟)
قام المعني من مكانه وخطى ليجاور محسن بعد حركة يده، يبلغهم بأنه سيبقى هو الآخر.
(السلام عليكم إذن ... أراكما إن شاء الله في صلاة المغرب....)
(جرير!)
أوقفه نداء محسن الذي استدرك بوجوم.
(تفقد فواز.... لم يحضر لصلاة الفجر منذ أكثر من أسبوعين.... ولا حتى العشاء....)
(حسنا!)
منحه رد مقتضب وسار بجوار مؤنس الذي همس له بعبوس.
(هل يظنك محسن والدة فواز؟)
لم يستجب لمزاحه، يجيبه بسخرية.
(بل يطلب مني عن خبرة... فلقد سبق لي وتبنيت رجلا في مثل سني...)
ضم مؤنس شفتيه مجددا إلى جانب فمه ولم يجد بُدا من القول بنبرة مازحة.
(تأثير الضابط عليك غير مبشر يا ابن العم.... وعلى ذكر سيرته...)
التفت إليه، يستفسر منه بجدية.
(ما علاقته بالجنازة؟...)
زفر جرير، يرد عليه بخفوت.
(لماذا تفوتك المعاني في الأوقات المهمة يا مؤنس؟... شغل عقلك واستحضر فلسفتك.... هناك جنازة وهذا يعني ميت جديد في المقبرة... ماذا سيحرس الضابط في المقبرة يا ذكي؟)
فغر مؤنس شفتيه، ينطق بسهو ذاهل.
(يا إلهي!... )
ثم نظر صوب وجهه، الباسم بقسوة.
(إنها ضربة موجعة لو تحقق الأمر... لكن!)
ثم تجمد مكانه، يستدرك بقلق.
(ماذا لو لم يفعلوا شيئا هذه المرة؟ ... فهم لا يفعلونها بشكل دائم...)
هز جرير كتفيه باستخفاف بينما يستأنف المشي.
(فكرنا في ذلك ولن نخسر شيئا ... إنها مراقبة فقط...)
قبض على ذراعه يوقفه مرة أخرى، يقول بمكر.
(ماذا لو صورنا ونشرنا إذا حدث بالفعل! )
كوم جرير ملامحه بضيق ممتعض وهو يؤنبه.
(لم أكن اعلم أنك تحب الفضائح...)
أصدر صوتا مستنكرا من بين شفتيه، يفسر.
(هذا للمصلحة العامة... كي لا يستطيعوا غلق الملفات مهما بلغت علاقاتهم... ثم لا تتفاءل كثيرا... هناك غيرهم ممن يتعاطون السحر وقد لا يصب الهدف أو حتى إن كانوا من طرفهم لن يفضحوهم ...)
نفخ جرير في وجهه بنفاذ صبر ثم قال وهو يعود الى المشي.
(لا يهمني ... في كل الأحوال سيسبب لهم ربكة تبعدهم عن أحد مصادرهم المهمة حتى لو كان لبعض الوقت..... وهذا ما يهمني.... هز الأرض التي يظنونها ثابتة من تحت أرجلهم...)
طغت ملامح الظفر على وجه مؤنس وهو يعقب بحماس.
(وهذا أدعى لنحظى بمقطع مصور ينتشر عبر الشبكة العنكبوتية... فتصبح قضية رأي عام... تطيل من مدة ابتعادهم... ما رأيك؟..)
تنهد جرير بيأس ثم قال موافقا.
(حسنا... لكن ليس أنا... لن أغامر بأن يراني أحد ما هناك...)
حرك مؤنس رأسه يفكر قبل أن يتفاجأ من قول جرير الساخر.
(ثم الموهبة بين يديك أنت... والسهر حبيبك.... فلتتكفل أنت بالمهمة ... ليكن لك الأجر والثواب...)
مطط شفتيه ساخرا وهما على مشارف احدى حقول جرير، يجيبه.
(أخبرتك... تأثير هشام عليك لا يناسبك أبدا...)

............

*العاصمة ... مصحة الدكتور مختار العربي*

يدس كفيه في كلا جيبي بنطاله، يتأمل الجسد الراقد أمامه على سرير بشراشف بيضاء ناصعة ككل شيء في الغرفة الواسعة نسبيا، بسرير منفرد ونافذة ضخمة بشباك حديدي وفقط.
ينظر إليه بحزن، كم هو فتي، شاب في بداية العشرين، أقرانه يتخرجون من جامعتهم، يخططون لمستقبلهم، مقبلون على الحياة بحماس متقد، تحملهم الأحلام على جناحي التفاؤل والإقدام للانطلاق عبر سماء الطموحات، أما هو، فراقد هنا، حبيس خطط الطمع الجائرة، ضحية الفُجر والطغيان.
ارتفعت مقلتيه المظلمتين نحو رأسه الحليق والذي بدأ ينبت خصلات جديدة، سوداء كثيفة ثم انحدر قليلا إلى ملامحه الشبيهة بوالده عبد الله، بشرة سمراء وملامح بارزة، أنف حاد وفك مربع.
ذلك شاب النائم بسلام، يملك ملامح ذكورية وسيمة، وجسد هزيل.
نظر يوسف إلى السقف يفر من هياج المشاعر داخل صدره، شفقة، رأفة وغضب، غضب أسود يكبته بقوة جبارة كي لا يقدم على فعل يورده الندم مدى الحياة.
(السلام عليكم...)
التفت نحو من قطع خلوته بقريبه وسحب كفيه ليصافح الدكتور الذي تلقف يده بمودة، يستدرك.
(اعتذر منك على تأخري... لكنني كنت مجبرا... على أي حال... يجب أن نخرج من هنا لنتحدث على راحتنا....)
هز يوسف رأسه بتفهم ورمق علوان بنظرة أخرى قبل أن يلحق بالطبيب الذي لم يقابل أغرب منه في حياته بحديثه المبهم طوال الوقت، مرات يشعر به ماكرا وأخرى يظن به جنون من نوع ما، فيتساءل باستغراب كيف حقق إنجازاته ووصل الى تلك المكانة التي يتحدث عنها الجميع؟
(حسنا...)
تحدث الطبيب بعد أن رافقه الى غرفة قريبة ودعاه ليجلس على أريكة جلدية بيضاء في الجهة المقابلة لطاولة مكتبه ثم جلس جواره دون أن يترك عكازه، يلهو به بين يديه.
(غبت عنك أمس ما إن أحضرت المريض و هذا اليوم لأنني خصصت له الوقت ومنحت نفسي مساحة مبدئية كي أتعرف عليه ... سلوكه مضطرب للغاية... رصدت اكثر من علة عقلية ... طبيا هناك تداخل لبعض العلل كالهلوسة والهوس... أنواع مختلفة من الرهاب... وأمور أخرى لن أشغل بالك بها.... إسماعيل أخبرني عن شكوكم .... وأنا سآخذها بعين الاعتبار... لأن هناك علامات واضحة تعرفت عليها بحكم تجربتي...)
قرر يوسف مقاطعته، يفسر له بقلق.
(والده في حالة غياب دائم... غيبوبة غير مفسرة طبيا... هكذا قالت زوجته إن لم يكن الطبيب قد كذب عليها... للأسف لا أستطيع إحضاره الآن هو الآخر لكن لن أتركه بإذن الله... علوان كان طفلا طبيعيا وتلميذا متفوقا .. بدأ بالانعزال والخوف من الجميع تلاه تصرفات مفاجئة غير مفسرة... ولدي أسبابي التي تجعلني أشك بأن مصابه بسبب السحر ... )
هز البروفيسور رأسه بتفهم، يجيبه.
(لا أستبعد ذلك.... العلامات على جسده ونظراته المتتبعة لأشياء غير مرئية وخوفه منها ...هناك بعض الأعراض للأسف تتشابه مع أعراض العلل العقلية والنفسية... لكن بعدما حدث حين قرأت عليه الرقية صباح اليوم... جعلني أتأكد أن المصدر الرئيسي لمصابه السحر... وحراس السحر يلهون به ...)
ارتفعا حاجبي يوسف بدهشة فتبسم البروفيسور بمكر، يسترسل.
(هل تفاجأت لكوني أعرف الرقية؟..... أنا مسلم على فكرة... طبيب مسلم... ولدي مصدر سخي بالمعلومات أعود إليه قبل ان أسترجع ما تعلمته وأتعلمه في الطب النفسي... وهو القرآن والسنة... ولقد سبق ودمجت بين الرقية والعلاج الطبي في أغلب الحالات... لان القرآن أقوى مسكن للأعصاب..... وباعث على الطمأنينة للنفس... ومن دعائم العلاج النفسي تعزيز الثقة بالنفس وذلك لا يحدث سوى بتقوية الروح ... وهذه الأخيرة مرتبطة بخالقها... هل رأيت؟)
اتسعت بسمة البروفيسور الماكرة بينما يوسف يناظره بدهشة صامتة فنهض، يتجه نحو جهاز تبريد صغير، فتح بابه بكفه الحرة والتقط من داخلها قنينتي ماء معدني وعاد اليه يقدم له واحدة بينما يخبره بنبرة مازحة.
(حسنا لا أملك هنا سوى الماء بحكم صارم من المحكمة...)
لازال يوسف على صمته المستغرب وهو يمسك بالقنينة فأشار نحو الباب برأسه، يكمل بنبرة تحولت الى تهكم مزعوم.
(حتى أن هناك جهاز تسجيل مرئي وصوتي يلاحق خطواتي...وهو الآن مختبئ خلف الباب..)
هم يوسف بسؤاله عن قصده حين ظهرت فتاة لم تتجاوز التاسعة بعد من خلف الباب، تتخصر بينما تهتف بنزق مضحك.
(لست جهاز تسجيل من أي نوع... ولا ألاحقك من أجل مراقبتك... ولو كنت حقا واشية ... لأخبرت ماما عن الأربع فناجين القهوة السوداء منذ الصباح إلى الآن....)
ضغط البروفيسور على شفتيه في بسمة باردة مضحكة بينما يشير الى ابنته بعكازه.
(أعرفك على ابنتي سما ...)
ثم التفت إليها، يكمل بتهذيب مصطنع.
(أنا هنا في اجتماع يا ابنتي... هلا انتظرتني في الحديقة حتى أنتهي؟)
اقتربت الفتاة من يوسف، ترميه بنظرات تتقد ذكاء ومكر كالذي يملكهما والدها تماما، ترتدي فستانا زهريا، عليه ورود صغيرة بلون عينيها البني الغامق ولون شعرها المجموع في ديل حصان طويل الى ما بعد نصف ظهرها.
(أنا أعرفك.... أنت يوسف ابن عم عمي اسماعيل زوج خالتي طائعة... والدك اسمه صلاح الدين والدتك بلقيس... تسكنان في دولة ***... لديك شقيقتين ... سلا وسارة... أليس كذلك؟)
ضحك يوسف بخفة، يهز رأسه بإيجاب فتنهد البروفيسور، يعقب بقلة حيلة.
(نسيت أن أضيف الى اسمها لقب المحقق...)
(إنه من العائلة....وأنا أحب التعرف على أفراد العائلة... البعيد والقريب...)
رمقها بصمت مستفز، فتنهدت بنفس طريقته ، تضيف بينما تشير بكفها.
(حسنا سأنتظر في الحديقة....)
وقبل أن تستدير سحبها البروفيسور يقبل رأسها، يوصيها باهتمام تلألأ على صفحة مقلتيه.
(لا تغادري الحديقة ... سألحق بك حالا...)
أومأت باسمة برضى وركضت تغادر الغرفة، حينها نهض يوسف يخبره بخجل.
(سأبقى في المدينة ليومين إضافيين.... أتمنى رؤيتك قبل أن أغادر....)
هز البروفيسور كتفيه، يجيبه ببساطة.
(لا داعي لبقائك .... المريض ممنوع من الزيارة على أي حال... وكانت زيارتك قبل قليل استثناء فقط كي تطمئن على مكان استقراره... وإن أردت رأي ... )
انتبه إليه مركزا بينما البروفيسور يكمل بجدية.
(الأفضل أن تعود وتبحث عن من يكيد للمريض.... وإن نجحت في إيجاد السحر ... وإبطاله بالقرآن... سيكون ذلك جيد أيضا...)
حك يوسف خلف رأسه بوجوم، يتذكر السبب، الأفعى الرقطاء، أنفاسه نفرت من ذكراها قبل أحشائه فخنقها في صدره، يصافح البروفيسور، شاكرا ومغادرا بنية السفر.
...............

*وادي الحقول .....بيت الخواجي الخاص*

بلل بهيج شفتيه بإهمال، يحدق بابنة عمه الغاضبة رغم ما تدعيه من برود، يجاورها زوجها الجامد الملامح، يرتب طرفي عباءته الرجالية السوداء ذات الحواف الذهبية.
(ولماذا أتجسس على يوسف؟... أليس حفيدك يا حاج! ... أحضره وأسأله بشكل مباشر...)
تأففت رواند بسخط والخواجي يبتسم ببرود، يقبل وجنة زوجته ويخصها بالقول دون بهيج الذي يرمقهما بملل.
(اشرحي لابن عمك السبب حبيبتي... أنا راحل... لدي اجتماع مهم... إلى اللقاء...)
ظلت على جمود ملامحها حتى مغادرته فسمحت للمحة اشمئزاز أن تعبر قسماتها في لحظة خاطفة التقطها هو فعقب بازدراء.
(إن كنت تشمئزين منه ... فلماذا تتحملين قربه منك؟... أنت صغيرة... تحرري منه وعيشي حياتك...)
عادت للتأفف تقول بينما تمسد بين حاجبيها المرسومين بدقة، لا يزالان في وقفتهما وسط بهو الاستقبال في بيت آخر من بين أملاك الخواجي، مخصص في العادة للاجتماعات السرية وما أكثرها!
(دعك من ذلك... الخواجي لن يغامر بافتضاح أمره أمام حفيده... لقد فعل كل ما بوسعه لنعرف مكان علوان دون جدوى.... أنت الحل الأمثل يا بهيج... عد لأصدقائك واندمج معهم... حتى يثقوا بك ويخبروك بكل شيء....علوان إذا تعالج... سيكون مصدر مشاكل للخواجي... وأنا وعدته بالاهتمام بذلك الموضوع... وأنت تعلم يقينا ... إذا نال علاجا مناسبا سيشفى... ولن أستطيع الوصول إليه بعد ذلك ...)
تحرك رأسها بغضب، تضيف من بين فكيها المطبقين غِلا.
(يوسف عنيد... لا يرضخ بالتحدي المباشر... ولا التهديد ولا التخويف... أنت سيثق بك... إن تقربت منه لأنك صديق الطفولة ... وقد تساعدني أيضا في...)
انتفضت فجأة تلجم لسانها حين شعرت بتهورها الذي أفقدها لجام حذرها بسبب غضبها من غياب يوسف واختفاء علوان.
أكبر مخاوفها أن يسافر يوسف ويفلح في الفرار من خططها.
لا! يوسف يجب أن يظل في الوادي ويرضخ لها رغما عنه!
(أساعدك في ماذا؟)
بلعت ريقها واستعادت صلابتها، تقول بقسوة.
(قررنا أنا والخواجي تزويجه من شيراز... وهو طبعا يرفض... لذا يجب أن نتساعد حتى ننجح في ذلك.... كما فعلت مع عمتك بشأن فواز وحفيظة...)
حولت نبرتها الى سخرية في ختام عبارتها فرد عليها بسخرية لاذعة.
(إن كان فواز وحفيظة مناسبين لبعضهما بطريقة ما ...وأتوقع المصائب في الطريق قادمة ... فكيف بيوسف وشيراز؟... الفرق بينهما كالليل والنهار... لماذا تخططين يا رواند ؟... هل لهذا ترك يوسف بيت جده؟....)
سألها بإدراك متأخر فاستدارت عنه، تهتف بغل، مطلقة العنان لسواده عبر قسمات وجهها المتقن الزينة.
(لا شأن لك يا بهيج... لا تتدخل في ما لا يعنيك...)
تقدم بخطوتين ليقابل وجهها المكفهر غضبا، يجيبها بعصبية مغيظة.
(لا يا ابنة عمي العزيزة ... إن كنت سألعب دور الجاسوس لصالحك... يجب أن أعرف خطتك ... لم أعد ابن عمك الصغير الذي لطالما لقبته بالأبله يا رواند... وأنت على علم بما أستطيع فعله... فلا تثيري غضبي لأنه لن يخسر سواك....)
احتدت أنفاسها، ترمقه بغل تشتعل به خلايا صدرها وهو جامد مكانه لا تُحرك فيه ساكنا حتى زمجرتها الصاخبة التي زفرت عبرها لهيب نيران حقدها، تهمس له بصوت أقرب للفحيح.
(بل لازلت أبله لأنك لا تستوعب خطورة الوضع ... لقد أبرمت اتفاقا مع الخواجي بمصالح متبادلة... اتفاقا كان قد بدأه مع أبي ... ومن بين شروطه أن أمنحه ولدا... )
عقد بهيج جبينه منصتا بلهفة أحسن إخفاءها وهي تكمل من بين نواجدها بحقد.
(اللعين لا ينجب... لديه صعوبة في الإنجاب حتى مع العلاج بسبب مرض ما... ولقد أنجب ابنته بعد علاج طويل... ومع تقدمه في السن أصبح الأمر شبه مستحيل...لكنه يصدق بأنني أستطيع منحه الطفل بما أملكه من قدرات خاصة... )
صمتت، تزم شفتيها بقوة ونظراتها تقطر غلا وغيظا أسودا أمام بهيج الذي يسألها ببسمة مستفزة.
(وأنت لم تنفي إيمانه ذاك.... لأنه من مصلحتك... ولأن لديك خطة جانبية... ما هي يا ترى؟...فزوجك ذكي لعين قد يكشف أي خطة غير محبوكة بدهاء...ما هي خطتك يا رواند؟)
صمتها يضاعف من نفاذ صبره وهو يكاد يقرأ خطتها من على صفحة مقلتيها الشبيهتين بخاصته، لكنه حث أعصابه على التريث والمزيد من الصبر حتى أطرقت برأسها، تهمس له.
(قررت الإيقاع بيوسف كي أحمل بطفل منه ... وهكذا أضرب عصافير عدة بحجرة واحدة ...)
انتفض، حقا انتفض رغم توقعه لفظاعة ما، فهو أكثر من يعلم عن عالمهم المظلم ومدى الدناءة التي قد ينحدر المرء إليها في سبيل إرضاء شياطينه وكسب خدماتهم.
انحسرت أنفاسه داخل رئتيه وتحدث إليها بحذر وهدوء مترقب.
(تحصلين على طفل شبيه بجد والده.... وتكسبين رضى شياطينك بالفاحشة النكراء... فيقدمون لك خدمات أكثر.... )
جعد ذقنه بإعجاب مزيف، يستدرك ساخرا.
(أعترف لك... أنت داهية... ولم أكن لأصل إلى مستوى خططك... مهما بلغ خبثي ومكري... لكن أنت غافلة عن أمر صغير...)
رفعت رأسها لتشمل وجهه الساخر بنظرة مستفسرة.
(يوسف إنسان ملتزم وخلوق... يصعب الإيقاع به في فخك... ولو جمعت جنود ملوك الجن بأكملهم....)
ثم صمت لبرهة وقد اتضح له كل شيء.
(أها!.... فكرة زواجه من شيراز... لم تكن مشتركة بينك وزوجك.... بل هي شرط من شروطك أنت؟)
انحدر رأسه الى الخلف بذهول وشفتيها تنبسطان في بسمة حاقدة، بينما تومئ بحقد.
(اشترطتُ عليه زواج حفيده ابن الأصل العريق من شقيقتي... ولن يحصل على طفل سوى بتحقيق الشرط... ولأن يوسف سيرفض بالتأكيد... فأنا لن أقلق من انتهاء مدة المهلة ... حتى أحقق غايتي ...)
ظلا على صمتهما ونظراتهما المتبادلة للحظات طوال حتى قرر بهيج أخيرا التحدث، يُقِر بفتور واجم.
(رواند يا ابنة عمي... أنت لعنة!....)
زفرت بضجر، تشير إليه مهددة.
(ها أنا أخبرتك بكل شيء... فقم بواجبك وساعدني.. كما ساعدت عمتنا... كل ما أريده مرة واحدة فقط... حتى لو اضطررنا لتخديره... هناك مخدرات مناسبة لما أريده ...)
رفع كفه يعيد خصلات شعره إلى الخلف ثم قال بجمود لا يعبر عن ما يجيش به صدره.
(سأرى ماذا يمكنني فعله... )
استدار يهم بالمغادرة لكنها منعته بقولها المهدد.
(احذرك يا بهيج... جميعنا تربطنا نفس المصالح...وكما سبق وقلت أنتَ... سأعيد عليك نفس القول... أنت تعلم ماذا يمكنني فعله فلا تثر غضبي لأنه لن يخسر سواك...)
التفت نحوها برأسه، يمنحها بسمة صامتة لا معنى لها رافقت رده الغامض قبل مغادرته.
(أنت محقة يا ابنة عمي..... جميعنا تربطنا نفس المصالح.... إلى اللقاء....)
........


انتهى الفصل بفضل الله اتمنى أقرأ أراءكم ..... دمتم في رعاية الله.... استغفر الله العظيم لي ولكم.


هنا هدايا القراء الغالية
https://www.rewity.com/forum/t459550.html









































noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 15-04-20 الساعة 03:20 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 24-10-19, 12:51 AM   #507

Warda123

? العضوٌ??? » 435416
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » Warda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond repute
افتراضي

متى ينزل الفصل الجديد 😢😢😢😢😢😢😢😢😢
أريد أن أطمأن على بعض الأصدقاء من المؤامرات التي تحاك حولهم .
🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗
أرجوكي يا مني عجلي
أعرف نفسي مزعجة ولحوحة لكن أريد قرأءة بعض الفصل قبل النوم
عسى أن يحدث شيء يبرد غليان دمي 😎😎😎😎😎😎😎


Warda123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-10-19, 01:13 AM   #508

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 94 ( الأعضاء 27 والزوار 67)
‏ضحى حماد, ‏أحمد البلاط, ‏gegesw, ‏ريان الريان, ‏سمية21, ‏Heyam Raslan, ‏ام الارات, ‏مريم@, ‏sira sira, ‏Reem salama, ‏Warda123, ‏princess of romance, ‏Better, ‏ام توتا, ‏ToOoOmy, ‏Fatma Mahmoud 99, ‏حلا المشاعر, ‏Aya youo, ‏amana 98, ‏Shimo debo, ‏mouna ABD, ‏أم الريان, ‏yasser20, ‏بنت سعاد38, ‏Rinalka78


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-10-19, 02:06 AM   #509

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 97 ( الأعضاء 28 والزوار 69)
‏ضحى حماد, ‏Libyan Voice, ‏فررراشة, ‏nes2013, ‏Warda123, ‏خمسية, ‏Amalaza, ‏De Amona, ‏رغدجني, ‏Better, ‏rowdym, ‏سديم سديم, ‏Mns, ‏Booo7, ‏محبة التميز, ‏ام رمانة, ‏mouna ABD, ‏gegesw, ‏ريان الريان, ‏سمية21, ‏Heyam Raslan, ‏مريم@, ‏Reem salama, ‏ام توتا, ‏ToOoOmy, ‏Fatma Mahmoud 99


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-10-19, 02:16 AM   #510

ام الارات

? العضوٌ??? » 390163
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 588
?  نُقآطِيْ » ام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond reputeام الارات has a reputation beyond repute
افتراضي

انا فعلا ام متسلطة جدا ممكن اعمل زي ام تقى من وقت للتاني غصب عني .. بس باحاول قد ما اقدر انصح واعطي رايي وسببه وبعدين اقول لها براحتك ... فيه حاجات بيهربوا من اتخاذ اي قرار فيها عشان انا اشيل الليلة وساعات كتير باقول وبرضه بيعملوا اللي في دماغهم خصوصا حكاية الايشاربات دي الحمد لله همه يادوب ربع صفاء او نصها واحدة من التلاتة ولسه باحاول عامل السن كمان بيفرق
سيبك ليه تقى مش زي صفاء ليه اقوى اعتقد الاب عادل بينهم مسكينة يابنتي .. سؤال طلع في دماغي .. بما انه اللي لفت نظر مؤنس لصفاء هي منشوراتها اللي اصلا مش ليها هل ده معناه انه هيتصدم فيها ولا كفاية ذكاء اختيارها للمنشور ومصدره وطريقة طرحها للسؤال والجواب .. ازاي كمان تطلع اللي جواها وتثق في نفسها اكتر .. كنت هاسال ليه تقى ماتعرفش عن مؤنس حاجة .. هل لانها مش واثقة برضه في مدى جديتها في مشاعرها ولا لان اختها هتشتغل ناصحة وكمان هتزود حصار عليها بدون سبب يستاهل .. حلاوة حب المراهقة في مناقشاتها وحكاويها مع المقربات ليها ... ولا عشان راي تقر في مؤنس زي رايها في فواز انه صاحب خطيئة خطيرة علاجها صعب .....
من الاقتباس افتكرت انه حفيظة اتجوزت .. ياترى تواهنها دهةبسبب الضرب والالم ولا بسبب الجن وتحكمه فيها .... تحذير بهيج واضح جدا بس فواز له برضه مصلحة وعايزها .... الا هوه ماخدش باله من غرابة تصرفات صاحبه و منين بيكسب فلوسه ومعارفه
بيعملوا ايه في الجثث .. مش عايزة اعرف .. بس عايزة اعرف اشمعنى الموتى وايه اهميتهم ... مختااار العربي فينك يا راجل من زمان لك وحشة يا ابو الدماغ المتكلفة انت والعسلية بنتك والعلاقة الرهيبة بتاعتكم
ام علوان صدقت في قوة السحر عن قوة ربنا والاستعانة بيه و وافقت تتمرمر بجوزها وابنها عشان يفضلوا حواليها .. ولا لو اتعالج كان هيتقتل .. صعبت عليا وانا كنت مستغربة دماغها ومش فاهمة وجهة نظرها
بهيج يا اخي بدأت تلخبط في اصحابك عايز حفيظة تروح للجدة جوهرة .. عايز سليم حليفك يتسجن هوه واللي زيه .. ناقص تعوز تنقذ صاحبك من فجر بنت عمك .. ياترى لو قربت لصحابك هتكون نقمة عليهم زي ماكنت على فواز ولا هتكون نعمة ليك بكرة نشوف
محسن قلقان من ايه عايز يوسف جنبه ليه رغم انه بعده عن البلد افضل ولا حاسس بخطر اللي حوالين اخته سارة .. يمكن ده اللي يجبر يوسف يرجع تاني للبيت ......
ربنا يتوب علينا ويسترها علينا وعلى اولادنا ويحفظهم تسلم ايديك منمون وربنا يراضيك ويسعدك 😘😘 لو تعرفي روايتك دي انا كنت محتاجاها قد ايه دلوقتي في حياتي ❤❤❤


ام الارات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:30 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.