آخر 10 مشاركات
والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          [تحميل] عاشق يريد الانتقام،بقلم/ *نجاح السيد*،مصريه (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          At First Sight - Nicholas Sparks (الكاتـب : Dalyia - )           »          [تحميل] مهلاً يا قدر ،للكاتبة/ أقدار (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          مهلاُ يا قدر / للكاتبة أقدار ، مكتملة (الكاتـب : لامارا - )           »          وكانت زلة حياتي(111)-قلوب شرقية[حصريا]للكاتبةفاطمةالزهراء عزوز*الفصل14ج1**مميزة* (الكاتـب : Fatima Zahrae Azouz - )           »          عروس دراكون الهاربة(157)للكاتبة:Tara Pammi(ج3من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          إِفْكُ نَبْض (2) *مميزة & مكتمله* .. سلسلة عِجَافُ الهوى (الكاتـب : أمة الله - )           »          Wed for the Spaniard's Redemption by Chantelle Shaw (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          صدمة الحمل(32)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء الأول من سلسلة طفل دراكوس) *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree137Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-12-19, 03:56 AM   #781

امه الرحمن4
alkap ~
 
الصورة الرمزية امه الرحمن4

? العضوٌ??? » 332538
?  التسِجيلٌ » Dec 2014
? مشَارَ?اتْي » 525
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » امه الرحمن4 has a reputation beyond reputeامه الرحمن4 has a reputation beyond reputeامه الرحمن4 has a reputation beyond reputeامه الرحمن4 has a reputation beyond reputeامه الرحمن4 has a reputation beyond reputeامه الرحمن4 has a reputation beyond reputeامه الرحمن4 has a reputation beyond reputeامه الرحمن4 has a reputation beyond reputeامه الرحمن4 has a reputation beyond reputeامه الرحمن4 has a reputation beyond reputeامه الرحمن4 has a reputation beyond repute
افتراضي


شكرًا لك منى على الفصل، بما فيه من مشاعر مختلفة ومتشابكة ومؤثرة.
🌸* هاهي أول الافراح تطرق الابواب والعرس سيقام أخيرا وسيسعد جرير بقرب محبوبتن بعدما طال عناؤه حقا.
وتقوي أخيرا وضحت موقفها بكل وضوح ومنطق ووضعت أختها أمام الوقائع والحقائق التي يجب أن تواجهها فواجهت تقزي نفسها قبل أن تواجه أختها وحاولت أن تقلل من حميتها قليلا التي اعتادت عليها ناحية أختها.

🌸*نبيه.. العاشق الولهان غض بصرك يا فتى وحافظ على محارم صديقك كما تحافظ علي محارمك وعندما تطلبها وتعقد عليها فانظر اليها وتشبع من ملامحها كما تشاء.. أحي كثبرا لهفتك ومشاعرك هذه يا نبيه، تستحق فتاة عاطفيه عاقلة لطيفة مثل سلا تستحقان بعضكما بالفعل.

🌸*مؤنس.. لابد من ان تقاسي بسبب افعالك التي ارتكتبها عن طيش وحمق لتثبت منطق أنت نفسك غير مقتنع به.. وها أنت واجهت عاقبة أفعالك وذنوبك كانت سببا في تأجيل ما تريد. ورغم كل شيء أحي صراحتك وسخريتك تلك ومازلت عند رأيي ان هذا بالفعلزمل تحتاجه صفاء تحتاج لأن تدرك كم هي مميزة في قلوب وعيون الآخرين.
🌸صفاء.. بداية الالف ميل خطوة وها أنت بدأت الطريق بأهم خطوة بل بخطوتين فأنت اعترفت بينك وبين نفسك بأساس المشكلة ألا وهو ترددك ومن ثم اتخذت خطوة تأجيل الزواج.. قرارا عاقلا بالفعل وإن كان هو بطريقة غير مباشرة ساعدك بالسبب وألهم عقلك.
فطرتك نفيه وجميلة وبريئة أنت فقط تحتاجين لترين كم انت مميزة ولتعرفي قد نفسك جيدا فلا تقللي منها ولا بأس من بعض الأخطاء ف بالأخطاء والتجارب نتعلم ي فتات وانت على صواب بانك مادمت تملكين دافعا وحافزا كمؤنس فانت بالتأكيد سوف تجفعين نفسك في الظريق الصحيح لكي لا تخسرينه وقد تأكدت بداخبك كم انت تريدينه في حياتك.
🌸* فواز اتعلم لقد رفرفت الفراششات بداخلي بموقفك اللطيف مع زوجتك صدقا احببت مبادرتك اللطيفة تلك واستخدامك لخبرتك السابقة في التاثير على زوجتك جاء بنتيجه رائعه لكما معا فهاهي اخيرا شعرت بكينونتها وبمكانتها كأنثي لدى زوجها وتلاطفه لها ومشاكسته كذلك ووعده اللذيذ بعودته ليلا
وجاء بنتيحة ايجابية لك ايضا فشعرت بمجي تأثرها بك وضعفها ناحيتك فخفف قليلا من جرح كبريائك واعتزازك بنفسك لما اصابكما سابقا ولكن فقط التزم بطريق الله وحصنا نفسيكما واستعن بتعليمات والدتك واترك طريق الفتن هذا وستجني الكثير والكثير بالفعل.. سعدت حقا بالمشهد الخاص بكما وخوارك مع والدتك وكل كلمة تنطق بها صائبة بالفعل فمن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرا منه واعتبر ما حدث هو رد لدين ما فعلت سابقا وما تهاونت به في حق الله يا فواز.
فاستعن بالله وابدأ من جديد مع زوجتك لتنعما بحياة يملؤها الود والسكينه والمحبه.

🌸*يوسف... اشفق عليك مم كثرة احمالك التي تحني هامتك وتجعبك تطؤق رأسك خزيا وعارا مما يحدث ولكن كما قال ابراهيم الحبيب 🙈♥️ ستعتاد علي الامر وستعلم كيف تتخطاه وتتعامل معه.
فقط الزم حبل الصداقة بعد الاستعانة بحبل الله ولا تفلتهما من يدك فالشر يتربص بك يا فتى.
ولا اعلم الي مدى قد تتهور تلك الحية والي مدى قد يصل انحطاطها بالفعل.

🌸*هشام.. لا اعلم لم مسني موقفه هذه المره استشعرت حيرته وتوتره من حياته ومن الطرق التي يسلكها شعرت بحيرته وتمزقه بسبب ما يحدث في بلده ومجال عمبه ولا يستطيع ان يبطش بالشر والفساد وهو الاعلم بهما ولكن هناك قوانين مجحفه وضعخا البشر تسيطر عليه اشعر بعحزه وقلة حيلته بسبب عجم قدرته على الوصزل الي مسعاه للاسف كما قلت هناك الكثيرون الذين يبطشون ببعضهم وينتظرون الثغرات ليملؤوها بما يريدون اتمنى ان تجد الراحه والسلوان يا هشام صدقا.


*الجد والحية زوجته.. الطيور على اشكالها تقع بالفعل فهاهو بشره ومكره ودهائه تلاقى مع من هي اخبث منه واشد شرا ودهاء ولكم اتمنى ان ينقلب السحر على الساحر حرفيا ومعنويا فينقلب عليها ما تفعله وتقع هي وزوجها ف شر اعمالهما.
ياتري ما حقيقة الحمل.. هل هذا مجرد خداع لزوجها وتهويده لطيفة له لتضرب ضربتها القادمه ام ماذا؟
حفظنا الله من امثالك يا رواند.


شكرا لك ي منى على الفصل وعلى التزامك بمواعيد الفصول... أعانك الله ورزقك البركة في الوقت والجهد.


امه الرحمن4 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 15-12-19, 01:45 PM   #782

ghada2008
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 38414
?  التسِجيلٌ » Aug 2008
? مشَارَ?اتْي » 2,218
?  نُقآطِيْ » ghada2008 has a reputation beyond reputeghada2008 has a reputation beyond reputeghada2008 has a reputation beyond reputeghada2008 has a reputation beyond reputeghada2008 has a reputation beyond reputeghada2008 has a reputation beyond reputeghada2008 has a reputation beyond reputeghada2008 has a reputation beyond reputeghada2008 has a reputation beyond reputeghada2008 has a reputation beyond reputeghada2008 has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا متي الفصل الجديد

ghada2008 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-12-19, 03:41 PM   #783

عبيركك

نجم روايتي وفراشة الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية عبيركك

? العضوٌ??? » 308350
?  التسِجيلٌ » Nov 2013
? مشَارَ?اتْي » 7,127
?  نُقآطِيْ » عبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond reputeعبيركك has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل جميل جدا يامنى وبعتذر عن التاخر بالرد بس عندي مشاكل بالنت صراحه انا عم بتعرف على عالم كنت جاهله فيه ولااخفى عنك انه اخافني فلم اعرف انه يوجد اناس بهذه النفسيات الحقيره المستعده للتحالف مع الشيطان لتصل لغايتها وانا اعرف انك تكتبي اشياء حقيقيه لذلك كانت هذه الروايه موجعه لاني كرهت جبروت وحقاره الانسان ولكن الحمد لله ان هناك اناس كجرير ونبيه والشيخ مازالت تحافظ على طهرها وجمال روحها ويارب تنتصر هذه الفئه على الخواجه وكل مايمت له بصله فصل روعه وبانتظار القادم شكرا يامنى على معلوماتك وخبرتك التي تشاركينا بها انا لن اعلق على الاحداث لان كل ماكنت ساكتبه وجدت العضوات مشكورات كتبوه لذلك علقت على الموضوع واهميته واتمنى ان يبعد عنا وعنك كل انسان لايخاف الله ويسعى للدجل والسحر ليؤذي غيره وينول مايريد حتى عن طريق الشر

عبيركك غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 18-12-19, 05:30 PM   #784

ام يونس1

? العضوٌ??? » 418937
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » ام يونس1 is on a distinguished road
افتراضي

ف انتظار الفصل الجديد
سلمتى كاتبتى الحلوة


ام يونس1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-19, 07:23 PM   #785

Warda123

? العضوٌ??? » 435416
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » Warda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 😘😘😘😘😘😘
مساء الخيرات والمسرات والبركات
ممكن تتكرمي علينا وتنزلي الفصل من الآن 😁😁😁😁😁😊😊😊😊😊😊😊🤗🤗🤗🤗🤗🤩
متشوقة كثير للفصل القادم


Warda123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-19, 08:55 PM   #786

Qhoa
 
الصورة الرمزية Qhoa

? العضوٌ??? » 436349
?  التسِجيلٌ » Dec 2018
? مشَارَ?اتْي » 1,308
?  نُقآطِيْ » Qhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond reputeQhoa has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجيل حضووور...بإنتظارك منى💗💗💗

Qhoa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-19, 09:55 PM   #787

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفصل سينزل حالا باذن الله


**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 18-12-19, 10:03 PM   #788

Warda123

? العضوٌ??? » 435416
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 60
?  نُقآطِيْ » Warda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond reputeWarda123 has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجييييييييل حضوووووور
متى ينزل الفصل يا أمورتنا 😚😚😚😚😚😚🤗🤗🤗🤗🤗🤗🤗


Warda123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-19, 10:04 PM   #789

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل السابع عشر


أفضل شيء يدخل السرور والانشراح على قلبك أن تكون قليل الذنوب كثير الحسنات.. .العبد ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺧﻮﺍﺗﻴﻢ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ .. عمر عبد الكافي


*حديقة منزل جرير*

بخطى حذرة وقلب متوثب، تلحق بزينة المسترسلة في ثرثرة مختلفة مرحة، توقفت عنها فجأة ما إن تجاوزتا الباب الداخلي نحو الحديقة حيث كان جرير يقدم الماء البارد لأصدقائه.
(زينة كيف حالك؟)
توجه هشام بحديثه وكأنه أجفل برؤيته لزينة التي ردت بنفس الذهول.
(الحمد لله.... هشام؟ ... )
جعدت دقنها تستدرك بينما مؤنس قد انتبه إليهما رغم نظراته المسروقة بين الفينة والاخرى نحو صفاء المترقبة بحيرة، كحال جرير الممسك بدورق المياه، بهيج يجاورهم مراقبا بصمت بينما يوسف يبدو مشغولا بحوار غير مفهوم مع نبيه بعيدا عنهم بقليل.
(لم أرك منذ آمممم!)
قاطعها هشام وهو يسلم الكأس لبهيج.
(السنة الثالثة من المرحلة الثانوية...)
هزت رأسها بتفهم، تعقب.
(أجل... منذ أن التحقت بالمعهد الملكي للشرطة ....اختفيت تماما...)
بسط ذراعيه، يجيب بمرح.
(أنت أيضا مختفية ...)
(ألست تكبر جيلها بسنة؟)
كان ذلك مؤنس الناظر إليهم بامتعاض ساخر، فحك خلف رأسه بحرج، يجيب.
(أعدت السنة الثالثة من المرحلة الإعدادية...)
ارتد رأس مؤنس الى الخلف بخفة فازدردت زينة ريقها بخجل، تستأذن وهي تسحب صفاء الصامتة خلفها.
(سعيدة برؤيتك... اعتني بنفسك... جرير الغرفة جاهزة... نستأذن منكم...)
راحت مقلتا مؤنس في ملاحقة خطى صفاء على عكس جرير المحاصر لنظرات هشام الشاردة خلف ابنة عمه فتنحنح واقفا قبالته عينيه مائلا برأسه، يحذره.
(احفظ عينيك يا رجل عن ابنة عمي...)
أجلى حنجرته بحرج وبهيج يكتم بسمته الماكرة بينما يسمعه قوله.
(لم أقصد سوءا يا جرير...)
ارتفع حاجب جرير بنفس الحس المهدد، يعقب بتهكم.
(ما أعرفه أنك تريد الاستمتاع بشبابك المُهَدّد بخطر المرض وكلانا نعلم لما!...)
اتسعت بسمته المتسلية ممتزجة بحرجه، يرد عليه بعد أن دس كفيه داخل جيبي سرواله الجينز.
(ليس من أجلي...)
عقد جرير جبينه ومؤنس قد عاد بانتباهه كليا كبهيج المحتفظ بالكأس داخل قبضة يده.
(بل من أجل شقيقي الأوسط... والأكبر مني بأربع سنوات...)
(أعرف أخوك يا هشام... كما أعرف باقي أفراد عائلتك... )
قاطعه بتهكم على توتره الذي يحاول درأه بمزاحه فيكمل هشام بنبرة أكثر ثبات.
(ما لا تعرفه أنه يبحث عن عروس... وبالتأكيد إن كان محظوظا لن يجد من هم افضل منكم نسبا...)
ارتفع جانب ثغر جرير ببسمة باردة، يرد بنبرة بدت عادية.
(لو ابنة عمي وافقت سيكون الشرف من حظنا يا هشام...)
أومأ ببعض الارتباك قبل أن يدعوهم جرير مصرا إلى الدخول البيت.
................

*ليلا... منزل فواز*

بتردد اعتراه جلس على أريكة البهو الصغير للطابق الثاني، يتأمل باب غرفته بسهو كئيب.
(يمكنك العودة الى غرفتك...)
رفع رأسه إلى والدته التي أطلت من أسفل الدرج فنهض نازلا يلتقيها عند المنتصف، فتستدرك بنبرة لاهثة.
(لكن لا تقربها...)
تجهمت ملاحمه بريبة فتكمل غير عابئة كي لا تؤكد له شكوكه بمعرفتها.
(تأكدتُ من أن حفيظة أكملت أذكارها... وختمت سورة البقرة اليوم... لكن لا تقربها إلا وأنت مثلها...)
تنهد باستنكار فرفعت كفها التي تلقفها سابقا لتشير إلى صدره مؤنبة بخيبة.
(لم تستطع الحفاظ على صلاة الفجر وهي الحرز الأكبر من الشياطين... أحذرك بني... لا تقربها حتى تحصن نفسك جيدا...وابني حياتك معها على خشية ومحبة الله... فلا أحد سيشملكما بحفظه وتوفيقه سواه عز وجل...)
ثم استدارت تهم بالعودة إلى غرفتها لكنها توقفت تنظر إليه من خلف عنقها المكتنز وكفها تقبض على رأس العكاز تتحسسه بروية.
(لا تكن مستعجلا... ولا تنسى أنها فتاة بريئة... )
ارتفعا حاجبيه تبلدا بشكل مضحك وهي تستأنف خطواتها المرافقة لغمغمتها الساخطة.
(آه يا ربي!... وهذا أيضا علي إخباره به!... يبدو أنني فعلا دللته وعلاقتنا تجاوزت كل الحدود... من تخبر ابنها كيف يجب أن يعاشر زوجته؟... لا أصدق ما يجعلني أفعله... ولد مدلل!)
بلل شفتيه مستعيدا إدراكه، يبسطهما ببسمة متعجبة سريعا ما غادرته، يتنهد متسلقا الدرج.
فتح الباب ليقابله نور الغرفة القوي فعقد جبينه مستغربا.
نظر نحو مصباح السقف المخفي داخل ثريا عصرية على شكل أسطوانة بلون ذهبي لامع، يضاعف من قوة النور الباعث وبينما يغلق الباب خلفه حاد بأنظاره نحو المصباحين الجانبيين على المنضدتين الصغيرتين بثريا من نفس شكل المعلقة بالسقف.
توقفت خطواته قرب السرير، وأطرق برأسه يحدق في الجسد الساكن مكانه وليس ذلك ما يحيره ولا حتى تركها لكافة أنوار الغرفة مضاءة، لكن ما شل عقله لحظات عن التفكير هو طريقة التفافها داخل غطاء سميك لا يناسب حرارة الجو، كدودة قز لا يظهر منها سوى أنفها وفمها بالكاد.
شعر بألم على إثر انعقاد جبينه الحاد فرفع يده يمسد عليه قبل أن يبتعد قليلا، يطفئ النور الرئيسي ثم عاد ليطفئ أحد المصباحين.
جلس على طرف الجانب حيث استقر جسدها واكتفى بتأملها لوهلة لم يتوصل فيها لأي استنتاج سوى أنها تخشى الظلام مما دفع بيده لتعتلي ما ظهر من وجنتها وما كاد يلمسها حتى انتفضت من مكانها لاهثة، ترمقه بعيني جاحظتين رعبا.
رمش مرات عدة والريبة حول تصرفاتها الغريبة، تنتابه بقوة حركت لسانه المتسائل بخفوت.
(أفزعتك؟)
ظلت على صمتها سوى من صدرها المتحرك بسرعة وهي تبحلق فيه بتيه قبل أن ترتد لتتلفت حولها بضياع أعقبه إدراك فاستفسار.
(أتيت حقا!)
فكر أنها لم تصدق قوله السالف فأومأ وهو يطالع هيئتها في منامة غطت كامل جسدها غير ما كانت تظهر به أمامه قبل أن تقرر التوقف عن ملاحقته ومحاولة إثارة إعجابه ولسبب ما لايزال ذلك يزعجه.
بللت شفتيها وكفيها ترتفعان الى خصلاتها المجموعة فوق رأسها بحركات مرتبكة فتحرك ليجاورها دون أن يكلف نفسه عناء اللف حول السرير إلى الجانب الفارغ، زاد توترها وتراجعت قليلا لتسمح له بالاستلقاء فبدى عليها رغبة لقول شيء ما.
(ماذا هناك؟)
نظرت إليه مليا تبتسم له بتشنج لم تستطع التحكم به، تجيبه بحذر.
(ه... هل.. أنت... أقصد... النور..؟)
بين تقطع كلماتها انطلق لسانه مجيبا على الفور.
(أطفأتها ... لا يجب أن تنامي تحت إنارة ... لن تنامي بعمق... وستستيقظين تعبة... )
زفرت براحة زادت من استغرابه فأشار إلى الغطاء السميك.
(ألا تشعرين بالحر؟.... )
ثم طرف بعينه نحو المكيف والنافذة، مستدركا بنفس الغرابة.
(ولم تشغلي المكيف أيضا...والنافذة مغلقة!...)
رمقته بملامح تفضح توترها ثم قالت وهي تزيح ما تبقى من الغطاء.
(أحيانا أشعر بالبرد في الليل... هل أشغل المكيف؟)
هز رأسه مسترخيا، يجيب.
(لا بأس!... الجو معتدل الآن لو بقيت دون غطاء....)
حركت رأسها هي الأخرى ثم تقهقرت بتمهل لتحتل الجانب الآخر، تتأمل السقف بصمت رافقهما للحظات قبل أن يطفئ المصباح الجانبي المتبقي فشعر بها تشهق بخفوت، تفقدها لكنه لم يلحظ شيئا فأرخى رأسه على وسادته وظل على سكونه إلى أن قرر التحدث بخفوت.
(أعلم أن بدايتنا كانت صعبة... لكن لكل شيء حل... وبإذن الله سنتقرب من بعضنا رويدا رويدا إلى أن تحل جميع مشاكلنا... )
أطرق السمع لكنه لم يلتقط أي رد منها فعاد يستفسر.
(اتفقنا؟)
(أجل)
عاد السكون ليغرقهما وسط دوامته قبل أن يحرك ذراعه ليضعها تحت رأسه فيتفاجأ بها تهتز واضعة رأسها على صدره، تتشبث به بقوة.
يسمع دقات قلبها، تكاد تنفر من قعر صدرها فيطوقها بينما يسألها جوار أذنها القريبة من دقنه.
(ما بك؟)
(لا شيء)
تهمس بها بثبات وصله مدى زيفه فاكتفى بالصمت مدعيا هو الآخر تصديقها وكلما تراخت ذراعيها عنه بما يدل على بدأ غفوتها تنتفض مجددا فتطوقه بحركة أقوى، تقرب وجنتها من فمه تستشعر أنفاسه الدافئة، ليتأكد له حدسه بمدى رعبها وخوفها من الظلام أو ذلك الذي لا يريد الاعتراف بوجوده ولا يتقبل كل ما له به من صلة.
............

*اليوم التالي*

زغاريد وأهازيج ترتفع لتمتزج بعبق البخور المتلاحم مع عبير الزعفران، محتضنا موكب النساء الذي انطلق قبل صلاة المغرب حاملا العروس لبيت زوجها ثم انصرفن إلى الخيمة ليتلقين واجب الضيافة.
بتعب شديد تسلل جرير من بين أصدقائه وما تبقى من الضيوف الرجال، حامدا الله كون اليوم مخصص للنسوة القادمات بالموكب ومثلهن من النسوة المسؤولات عن خدمتهن.
تجاوز باب بيته المنزلي الموارب فأطرق سمعه توخيا وجود احدى صديقاتها أو شقيقتها لكن الصمت ما قابله فتقدم يحث الخطى متسلقا الدرج وعند آخره توقف فجأة، مأخوذا بحقيقة كونه تزوج أخيرا من اختارها قلبه قبل أن يعي على معاني الحب الحقيقية، حين كانت البراءة تلف حنايا خافقه المكلوم والسذاجة تحلق بأحلامه الفتية عبر سحب قاتمة أظلمت في وجهه وحوله إلاها، نبتت كزهرة بيضاء نقية وسط صحرائه المقفرة والعجب أن الندى يتعلق بأطرافها طوال الوقت وكأنها وسط غابة ممطرة.
ارتفع عنقه برأسه نحو الأعلى وانشقت البسمة لترتسم على محياه، تقوى هنا في بيته وعلى مقربة منه لا يفصلها عنه سوى تخاذله وهو يستمتع بأحلامه السخيفة الغير مناسبة لطوله ولا لهيبته.
هز رأسه ينفض ما يؤخره من ذكريات حالمة ثم تقدم بتصميم نحو غرفته...هما.
وعلى ذكر آخر حرفين عاودت قدميه التجمد مكانيهما بأمر من صاحبهما حتى يتقلد حسن الخلق ويستأذن للدخول.

تركوها وقد قدموا بها دون لحظة تحظى بها مع والدها لتسلم عليه، أم تراها صادقٌ إحساسها بأن والدها يتفاداها منذ أن عقد قرانها؟
لمحت الوميض الحزين يسكن ولا يعبر مقلتيه، شعرت بلمسة يده تقبض على كفها كما لم تفعل من قبل وهو يعود بها من عند مكتب كاتبي العدل، هناك حيث شعرت به وكأنه اصطدم بجدار الحياة الواقعية حين اللحظة التي سلمها بيده يوقع على وثيقة زواجها كولي رزقه الله أمانته واعتنى بها وجهزها لكي يسلمها لآخر ليكتشف أن قلبه اختزن ذكريات عمرها داخله فأصيب بأنانية صعبت عليه طعم الفراق، تذيقه مرارة لم يستسغها لسانه المبتهل بينما يعانق حروفا شكلت كلمات معاكسة تماما لما رغب به من تمسك طفولي بفلذة كبده ومصدر حنان يعلم جيدا أنه سيفتقد الكثير منه مها حاولت هي الحفاظ على قربها منه.
لم تتوقع يوما من ضمن كل ما تخيلته سيكدرها حين الزواج أن يكون احساس والدها أو قلقه ذاك!
وبعد كثير من التفكير والتحليل استنتجت ما قد يكون قد اعترى قلبه الحبيب، لكن أين المفر؟ متيقن هو قبلها من سُنة الحياة كما خلقها الله يجب أن تسير.
تلفتت حولها وقامت من مكانها على السرير تتأمل الأرجاء ورائحة العرعار تهدئ من ثورة وجيب قلبها، انها هنا! في بيته كزوجة وشريكة حياته، بعد كل تلك السنوات، فهل سيكون الأمر كما جمحت أحلامها رغما عنها ورسمت لها بين أمواج الخيال سبيلا سريا، متواريا عن سطوة حكمة عقلها؟
لا تعلم سوى أنها تسلم أمرها الله وهو حسبها وفقط!
تنفست بعمق، ترتب الطرحة البيضاء المخرمة والتي التحفت بها فوق فستانها التقليدي الأبيض ذو الحزام الذهبي ثم بحثت عن سجادة الصلاة لتقضي صلاة المغرب.
دقتان خفيفتان على الباب أرعدت قلبها وسط صلاتها وقد كادت تلتهي عن تلاواتها لكنها اعتصرت جفنيها تستعيد تركيزها حتى سلمت يمينا وشمالا حيث لمحته جالسا على طرف السرير يراقبها بشرود باسم.
(تقبل الله...)
بادرها فردت بخفوت قبل أن تطرق خجلا من نظراته المتلاحقة عليها وكأنها غير مصدقة لوضعهما.
اختزنت داخل عقلها هيئته الوسيمة بجلبابه الأبيض وياقة قميصه الأسود المناقض لبشرته البيضاء المحمرة بسبب أشعة الشمس وكثرة العمل في الحقول، تمنح مظهره تألقا مختلفا.
دقات قلبها النافرة افقدتها اتزانها وهو يسحبها بروية وتمهل حتى جاورته على السرير فتسأله بخفوت حيي.
(هل صليت المغرب؟)
يضحك بمرح والتسلية على محياه تعكس ألق السرور الناضح عبر مقلتيه الرائقتين، يجيبها بهدوء.
(بلى ... تقبل الله... ولم يتبقى على العشاء سوى خمس وأربعون دقيقة على ما أظن...لذا..)
يعتدل في مكانه بما لم تفهمه بداية حتى استلقى واضعا رأسه على ركبتيها ناظرا إليها بنفس المرح المبهج، يستدرك بنبرة فاجأها كم الوهن الذي تخللها بينما يرفع يديها الى فمه يقبلها بخفة ثم يضعهما على رأسه.
(سأغفو قليلا... )
تجمدت كفاها على رأسه لبرهة، تحدق به بتبلد لحظي لم تهتدي الى طريقة صحيحة للتصرف فاستسلمت أخيرا للرأفة المنبثقة من صميم قلبها المحب له وبدأت رويدا رويدا تتخل خصلاته السوداء القصيرة من بين أنفاسها المتقطعة فغامت مقلتيها بمشاعر مختلفة، غريبة عليها، مصدرها ملمس شعره ورأسه ودفئ جسده القريب منها.
فلم تشعر بمرور الدقائق حتى ارتفع أذان العشاء ليجفل كلاهما على نظرات الآخر.
ابتسم، فبللت شفتيها حياء.
تحدث بتأثر فأطرقت برأسها.
(أعشق رائحة الزعفران... وملابسك غارقة بها مع بقايا البخور... تثيرين في مشاعر الحنين يا بنت الحاج محمد...)
تزدرد ريقها ولا تعلم كيف تجيب عليه فيداعبها بالقول المرح.
(لم اسمع صوتك بعد ... ماذا حدث لك؟... هل الزواج مني يخرس الألسنة هكذا؟...)
نظرت إليه، تمنحه بسمة صغيرة فدنى منها يقبل رأسها متلكئا هنالك قبل أن يخبرها بهمس ثائر.
(سأذهب لأصلي في المسجد...)
ثم صمت قليلا ليضحك بعدها مستدركا وهو ينتفض مستقيما.
(من الأفضل أن أسرع قبل أن أتراجع... فتكونين السبب في أول صلاة تفوتني في المسجد منذ أكثر من شهرين...)
راقبت ظهره ببسمة عريضة اختفت ما إن التفت، يكمل بشقاوة غريبة عليه وعليها.
(ومع شرطك السابق سنكون أنا وأنت طُرفة الوادي ...)
ثم اختفى لتقبض على موضع قلبها تتنفس بقوة.
(يا الله!)
همست ببسمة شقية، تكمل الهمس.
(حسنا لقد بدأ بمزاج رائق... ربما عسل البدايات كما يقولون... )
نهضت تتمطط بجسدها بينما تؤنب نفسها بالقول.
(أحسني الظن بالله يا تقوى .... أحسني الظن بالله...)
ثم عادت ترمي من حولها الطرحة، تستقبل القبلة لتؤدي ما عليها من صلاة وذكر بعدها غيرت ثيابها إلى فستان آخر أبيض طويل يضيق على نصفها العلوي ليتسع عبر نصفها السفلي مطرز بخيوط فضية رقيقة على شكل وريقات متعلقة بأغصان متصلة.
تنفست بعمق وأرجأت ترتيب ملابسها إلى الغد واكتفت بترتيب أشياءها الشخصية قبل أن تعود إلى السرير منتظرة إياه ولم يتأخر
..................

رحبة مسجد جامع السلام*

يلمحه خارجا من بين المصلين فيكتم ضحكاته احتراما لهيبة المكان وبهيج يمنحه دفعة خفيفة وهو يهتف باسما بظفر.
(أخبرتك أنه سيأتي... ليتني وضعت رقما للرهان!)
التفت إليه مؤنس بنفس ملامحه التي غيرها رغما عنه ليدعي الامتعاض بينما يجيبه ساخرا.
(مسبوق ... لم يلحق بالصلاة من أول ركعة... واحمد الله أن الفقيه محسن لم يسمعك وأنت تتحدث عن الرهان...)
ارتفعا حاجبي بهيج بذهول، يهتف بعبوس مؤنب أمام نبيه الجالس على السور القصير ويوسف الذي شعر بهاتفه في جيب قميصه يهتز فيتحسس مكانه قبل سحبه.
(أنت من اقترح الرهان..)
ابتعد يوسف بهاتفه في نفس اللحظة التي وصل إليهم فيها جرير المستغرب من رد مؤنس الماكر على بهيج.
(لكنني لم أضع له سعر....)
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
ألقاها جرير بهدوء فوشى به بهيج بتشفي طفولي.
(ابن عمك راهن على عدم قدومك اليوم لصلاة العشاء ...)
زفر ساخرا و جرير يرمقه باستفسار ممتعض.
(واشٍ أحمق ...)
(لست أحمق!)
نطق من بين نواجده فابتسم ببرود رافعا ذراعيه عبر الهواء.
(حسنا لست أحمق... لكن تظل واشً)
ثم استدار إلى جرير الذي بدى يخبئ استعجاله تحت عباءة رزانته.
(وأنت لماذا أتيت؟... ألست عريسا والمفروض أن تكون مع عروسك التي ظللت تحلم بها لسنوات؟)
فتح جرير فمه ليتحدث لكن محسن كان قد سبقه برد مرح وهو آت خلفه بصحبة فتى قاده إليهم ثم رحل.
(وهل تسقط الصلاة في المسجد عن العريس يا مؤنس؟)
(لم أقل شيئا يا فقيهنا...)
نطق مؤنس ضاحكا، متقدما الخطى ليمسك بكفه فيجاورهم.
(لماذا لم ترحل بعد يا جرير؟... خيركم خيركم لأهله ... أقمت حق الله ... فعد لأهلك يا عريس... وأقم حق أهلك...)
تبسم جرير بلطف تغير إلى عبوس حين تدخل مؤنس بنفس سخريته.
(اذهب أعانك الله على نفسك كي لا تخيف عروسك...)
زفر واستدار دون رد ليضيف بنفس المزاح وأصدقائه يكتمون ضحكاتهم باستثناء يوسف البعيد عنهم، يلوح بكفه وعلى وجهه أمارات الصدمة والغضب.
(هل تريد درسا في اللطف يا جرير؟ ... كن ناعما يا ابن العم...لا تفضحنا بفرار عروسك في أول ليلة لها من بيتك...)
(هداك الله يا مؤنس دعه لشأنه....)
تدخل محسن بنبرة لائمة فربت على كتفه مجيبا.
(لقد تعوّد علي يا محسن... ويحبني تماما كما أنا ...)
وغير بعيد عنهم ومزاجهم الرائق، يقبع يوسف ضاغطا على الهاتف بقبضة متشنجة كسائر أطرافه، يصغي لوالدته الثائرة بعصبية غير مسبقة.
(هل تصدق ما يحدث يا يوسف؟... بعد كل ما أخبرته به يكذبني أنا ويدافع عنها... )
يضغط على أنفه بتعب، يرد بنبرة يحارب بقوة ليحافظ على انخفاضها.
(ألم نتفق على عدم إخباره أمي ..ما!!)
قاطعته بصياح يشوك على تدمير طبلة أذنه فتتشنج قسمات وجهه المكفهرة قبل أن تتحول الى صدمة ارتسمت على معالم وجهه بشكل مخيف.
(فقدتُ أعصابي ما إن اتصل ليخبرني بأن زوجته حامل!.... لقد كان مسرورا يوسف!... يا إلهي! ... تلك الساقطة تخدعه والآن...)
انقطع صوتها لتأخذ أنفاسا متتالية كشهقات جارحة، استرجعت بعدها صوتها الزاعق بغضب.
(الآن تخضعه لسحرها ...فلا يصدق أي سوء عنها...سأفقد عقلي بسببها!)
التوت شفتيه بسخرية مريرة أفلتت لجام لسانه عن رصانته.
(تخضعه؟... الخواجي لا يخضع لأحد! ... )
(م.... ماذا تعني؟... يوسف!... هل لازلت معي على الخط؟)
يمسح على وجهه زافرا بقنوط بعيدا عن الهاتف قبل أن يلصقه بأذنه مجددا، يقول بهدوء منعدم الأثر على وجهه المظلم الملامح.
(لا شيء أمي... )
التقط صمتها المتردد أعقبه صوتها الفاقد للتركيز.
(كنت لآتي لكن شقيقتك!... الوضع ليس!)
(أمي! اهدئي!...أصغي إلي جيدا!)
قاطعها مصرا بنبرة بدت لسامعتها هادئة غير مطلعة عن مدى جمودها المقتحم لعمق الظلمة في نظراته.
(اهتمي بسارة أمي... لا دا...)
بُترت كلماته على حس هتاف والده الرافض على ما يبدو لحديث والدته.
(يوسف ماذا تنظر هناك؟... لما لم تعد بعد؟)
أغمض يوسف مقلتيه معتصرا جفنيه بغيظ، والده يتخذ المسلك السهل كالعادة ويأمره بالعودة، الهروب مجددا!
(مرحبا أبي!... تعلم أن عرس جرير لم ينتهي بعد...)
قالها متهربا بطريقة أخرى فحاصره والده مصرا.
(يوسف!... عد إلى هنا... أنا لست مطمئنا... لقد تحدث مع نوح أمس وأخبرني بما لا يريحني...)
اتسعت مقلتيه فزعا، يهتف.
(ماذا أخبرك؟)
كان ذلك سؤاله الذي طُرح في نفس الوقت من بين شفتي والدته التي يتخيلها الآن قد فقدت أعصابها كليا.
نفرت دقات قلبه حتى بلغت عنان ذروتها، حابسا أنفاسه انتظارا لرد والده الذي تأخر لثوانٍ بدت له كساعات أوشكت فيها قدماه على الانهيار به.
(لا أعلم لما لم يخبرنا إلى الآن؟... وهذا ما زاد من شكوكي نحو نيته... خالك عبد الله استيقظ من الغيبوبة... ويوسف يقطن في بيته...)
أطلق سراح زفرة طويلة وانحنى يسند جسده بركبتيه، يتعافى من ظنه القاتل بأن والده قد اكتشف أمر نسب الخواجي، لكن الله كان رحيما به فالوقت ليس مناسبا بالمرة.
(يوسف!... انا احدثك يا ولد!... أعلم ما تخطط له...)
كان ذلك هتاف والده المؤنب، يرافقه عتاب والدته الباكي.
(لما لم تخبرني يا يوسف؟... عبد الله استيقظ!... متى حدث هذا؟... كيف حاله؟)
(أمي!... لم أخبرك بسبب وضعنا... لا تفكري أبدا في ترك سارة في هذه المحنة... يكفي أنني لست هناك...)
نطق يوسف محذرا بعد تقدمه نحو السور، يجلس استجابة لجسده المنذر بتداعي وشيك.
(لذا يجب أن تكون هنا...)
تدخل والده بنبرة لائمة فتنهد يوسف مجيبا باندفاع.
(لا أستطيع أبي... لايزال ضعيفا.. وابنه ايضا بدأ بالتعافي لكن طريقه طويلة... كيف أتركهما في هذا الوضع؟)
(هل ستتحدى جدك يا يوسف؟... ستتحدى الخواجي من أجل صهره؟)
فغر شفتيه غير قادر على الرد بينما نبرة والدته الهلعة تتسل عبر الأثير إلى مسامعه.
(م.. ماذا تقول عبد الرحمن؟.... آآه يا ربي!)
نحبت حين تفهمت لتستدرك بتوسل تائه.
(مزيد من التصادم مع والدي... الحية قد أحكمت طوق حبالها حوله وسيزيد الأمر سوءا بمجابهتك له...)
رفع يوسف وجهه مستفسرا باستنكار.
(ماذا تقترحين علي أمي؟... كلاكما!... هل تطلبان مني التخلي عن رجل مريض سُلبت حقوقه ؟.... أليس هذا ما كنت تريدينه أمي؟... ان تعود إليك حقوقك؟.... وكنتِ مستعدة للتضحية بي في سبيل ذلك؟)
شهقتها الصادمة ألهمته بعضا من الصواب الذي فقده في خضم عاصفة أفكاره المتضاربة فتراجع يمسد خلف عنقه بتعب، يرمق الحقول المظلمة بنظرات أشد ظلمة.
(لا تُحدث والدتك بتلك الطريقة!)
ضغط على شفتيه لائما لنفسه، لطالما كان الابن المهذب والمطيع وكم كان ذلك سهلا قبل خوضه لغمار المتناقضات حيث عليه عبور مفترق الطرق واختيار أي السبل الناجية!
(أبي أنا لن أعود حتى يشفى خالي جيدا... وأتأكد من عودة أملاكه إليه... فلا تتعبا نفسيكما... وانتبها لسارة حتى يعود بصرها وتستعيد صحتها بإذن الله....)
(هل ستقف أمام جدك في المحاكم يا بني؟)
كان ذلك رجاء والدته الحزين، فبلع ريقه، يجيب بنبرة حاول تقنينها باللطف قدر الإمكان.
(أتمنى أن لا نصل إلى ذلك أماه... لكن حق خالي سيعود بإذن الله... بالاتفاق أو بالقانون ... سيعود.... فإن كنتِ أنت وكلت والدك فيما يخص حقك فإن خالي بالتأكيد لم يفعل... لقد تأكدت من ذلك... وهذا يدفع بي لسؤال لا أظن بأنك حِمل إجابته... لذا دعيه على ظهري أنا ولا تتدخلي... رجاء!.... إنها حقوق!... والعدالة يجب أن تتخذ مجراها ولو في الأقربين...)
قابله الصمت مثيرا لمزيد من الفوضى داخله قبل أن يلتقط أصواتا تدل على انفراد والده بالهاتف وابتعاده عن والدته، ليحذره بنبرة منخفضة.
(رد ذلك السؤال الذي تقصده ما يثير قلقي عليك.... الخواجي ليس سهلا... وحتى ضميره يغيب عن حضوره حين يتعلق الأمر بالأرض والجاه... يوسف!)
(إذا كنت تعرف حقيقته؟... فلما تزوجت ابنته؟)
راوده السؤال بغتة وكأنه وجد فجأة شماعة يعلق عليها لُجة خيبته، لكن تردد والده أثناء رده الخافت أشعره بالندم ولوم الذات.
(لم أكن أعرف... ثم إن والدتك مختلفة عنه...)
حرك رأسه منفضا عنه حالته السلبية، مسترجعا دماثة أخلاقه بينما يتنفس عميقا ليخبره بتصميم.
(لا تقلق أبي... كل شيء سيكون بخير... ولا تنسى أن عائلتك أيضا لها وزن مؤثر هنا .... ولقد سبق واستشرت ابراهيم... وهو كما العادة أبدى استعدادا للحماية والمساعدة... الله كريم يا أبي... لا تقلق!)
..................

*منزل جرير*

أحضر معه العشاء، يخبرها بمزاج لم يتغير عن السرور.
(لقد ملكوا من اللطف ما جعلهم يتذكروننا بوجبة عشاء... وأنا الذي كنت سأغرفه من حجرة الطهي بنفسي ...)
قامت إليه، ترد بقلق.
(لما لم تنادي علي؟... كنا لنتعشى في الطابق السفلي ...)
توقف، يتأمل ما حوله بحذر متردد ثم قال مستسلما.
(أنت محقة... هل؟)
عاد بخطوة ثم فكر قليلا ليستدرك بنظرات غامضة.
(تعلمين ماذا؟... لازال الليل في بدايته... سأقوم بتغطيته هنا على المنضدة الكبيرة... ثم نصلي... اتفقنا؟)
رغم توترها إلا أنها وافقت، تشير الى مكان السجادة وهي لاتزال تغطي شعرها بالطرحة البيضاء، فتجاهل سحر هيئتها واستقبل القبلة دون أن يرميها بنظرة أخرى.
أنهى الصلاة وظل مكانه للحظات يفكر مليا وبعمق ثم استدار إليها واقترب منها يتلو الدعاء قبل أن يوقفها ليقرر نزع الطرحة بتؤدة ولين يخشى ازعاجها بحركاته الجافة، مستعيدا مزاح أصدقائه خصوصا مؤنس حول جلافته.
لن يتنكر لما اكتسبه من معلومات في حياته عبر مراحله العمرية حول العلاقة الحميمية، لكن ذلك لا يعني إطلاقا أنه خاض علاقة مع أي أنثى قبلها لأسباب كثيرة، لا يريد تذكر أي واحد منها الآن سوى حبه المبكر لها.
رفعت رأسها دون عينيها بينما شعرها المصفف والمُعتني به كما العادة مع أي عروس، ينسل من مكان تجمعه بسهولة لينساب على ظهرها فتنحسر أنفاسه بانبهار ليأمرها برقة تسللت من خلف جلافة لسانه عادة.
(انظري إلي..)
لم تخيبه وهي ترفع إليه رمادا يحترق خجلا وسط صفحة بشرة ذهبية صافية، حولها شلالات من الخصلات ذوات لون يظهر من مرآه الأول بني غامق أو أسود لكن مع التركيز تلوح للناظر إليه، أمواجه بلمعان يميل للون عينيها الرماديتين.
ظل أمامها متسمرا للحظات طوال يستمتع بما غمره من ذهول وانبهار حتى تململت بتوتر فقبض على ذراعيها يقربها منه، يقاسمها أنفاسها الدافئة، العطرة فيهمس بنفس الضحكة الخافتة وكأنه ينتشي بسكرة، تغيم بأحشائه وكل تعقله فتطيح به صاغرا جوار ثغرها المرتعش.
(ماذا تفعلين بي يا ابنة الحاج محمد؟)
بلعت ريقها الجاف، شاعرة بنفسها تنجذب بسلاسة وسحر أخاذ فلم تدري متى احتضن شفتيها المرتعشتين بخاصته الصارمتين في مسعاهما ولا متى أضحت داخل ذراعيه تستند بصدره لتوازن جسدها الفاقد لوزنه بين يديه الحريصتين عليها!
كل ما شعرت به توالي المشاعر الصادمة بشكل مبهر لوعيها وجسدها، تكتشف عالما جديدا يخصها وزوجها لحالهما، كل واحد منهما يأخذ بيد الآخر عبر غيماته الوردية، يحلقان عبرها بتناغم ساحر حملهما بسلام قبل أن يرسو بهما على شاطئ أمان احتضنهما ملتحمين بعاطفتهما الصادقة المتبادلة.
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
****بعد شهرين ****

**مصحة العربي ... العاصمة...**

بؤبؤيه الأسودين يتابعان تأرجح الكرات الحديدية، المعلقة بمجسم بندول نيوتن.
تيك توك، تيك توك، تيك توك! تتوالى النغمات الرقيقة بسلاسة، تداعب أسماعه بنعومة فتخلق بمؤازرة الهدوء المناسب للون غرفة المكتب الأبيض، سكينة تتضاعف دقة بعد دقة، مجبرة جفنيه على الاستجابة لرغبة كيانه بالاستسلام، الاستراحة ولو لدقائق معدودة، يستمتع فيها ببرودة بداية الخريف المحيطة لجسده المشتعل طوال الوقت عصبية وغضب، يستغل فيها نعومة الأريكة الجلدية البيضاء حيث استرخي تماما دون وعي وقد دخل الغرفة متشنج الأطراف، متصلب العروق.
تيك توك، تيك توك، تيك توك! سكون يستولي عليه بينما فكره المتباعد عن دماغه الراكن الى الهدوء يلاحظ كمّ الشبه بين المجسم وبين كيانه، كلاهما ما إن يتم تشغيلهما يعتمدان على قوة الدفع الذاتي ليستمرا وهنا سؤالٌ يطرح نفسه عليه بشكل مُلح كما يلح عليه خاطر الغفوة وكم هو مغر مفرد الاستسلام للنوم هنا وحالا!
هل سيتم توقيفه كما يوقف المجسم مرة واحدة فيقتحم عالم الجمود واللاحركة دون موعد أو توقع؟
تيك توك تيك توك، تيك توك!
فتح عينيه فجأة كما أغلقهما ليجد البروفيسور قبالته، يتأمله ببسمته الغامضة، فاعتدل يمسح جانب شفتيه بإحراج غمره بالخجل ومض باحمرار أخفاه شعر لحيته السوداء لحسن حظه.
يعتدل مرتبكا والبروفيسور لا يرحمه من سطوة نظراته المتمعنة، فيتهرب بالقول المعتذر.
(أعتذر منك... كن)
(لماذا تعتذر؟)
قاطعه رافعا حاجبيه كما رفع عكازه يضعه على سطح المكتب، يستدرك بنفس نبرته الغامضة المتأرجحة بين المزاح والتلقائية.
(أنا من يجب أن يعتذر لأنني تأخرت عليك.... صدقني لم أكن هكذا قبل أن أُرزَق بالصغيرة...)
ثم ضحك بينما يتخلل خصلات لحيته على جانب دقنه، مضيفا بامتعاض يناقض لمعة عينيه الفخورتين.
(أذهبت بكامل هيبتي ... )
هز رأسه بتفهم ثم سأله بلطف.
(جئت لأفهم منك دكتور... لماذا ترفض زيارة أحد من أهله؟.... والده أصبح يتحرك بفضل الله ... لم يشفى تماما لكن حاله أفضل مع مرور الوقت...)
عدل البروفيسور قدمه على وضعية مريحة قبل أن يعتدل كليا ليستند بمرفقيه على سطح المكتب، يفسر بعملية.
(لقد مررنا معه بفترة عصيبة جدا أستاذ يوسف.... أول شهر له هنا قمت بتحديد إقامته في غرفة واحدة لا يخرج منها أبدا... ولا يتعامل معه إلا أنا وممرض واحد من اختياري.... كي يألف محيطا محددا وأناسا محددين... فيبني اللاوعي عنده ثقة بمن معه.... أجّرت مقرئا يتلو عليه سورة البقرة في غرفته مرة كل يوم... الأسبوع الأول كان الأصعب... يصرخ ويهتز كمجنون بحق.... يضرب نفسه حد الأذى فنضطر الى حقنه بمهدئ... بعد دخول الأسبوع الثاني بدى ساكنا فاقدا للحياة... لا يقوم بأي حركة سوى الذهاب للحمام حين الحاجة فقط.... حتى أوشكتُ على تغيير خطتي العلاجية.. فأنا لم أتركه يوما... صباحا ومساء حتى لو بغير هدف العلاج... فقط أدخل لأجلس قربه وأنظر إليه ثم أتحدث في أي شيء... أشعره بوجودي ثم أخرج.... إلى أن أراد الله وتحدث ... هل تعلم أول ما قاله؟)
تركزت نظرات يوسف عليه باهتمام فابتسم البروفيسور، مستطردا.
(بسم الله الرحمن الرحيم.... الم.... )
تلكأ محركا رأسه بتأكيد، يكمل.
(كان يردد الآيات الأولى من سورة البقرة بغمغمة خافتة... وكأنه يحاول تقليد المقرئ... فبدأت حينها أبثها له طوال اليوم بعد مغادرة المقرئ... عبر مكبرات الصوت المُرَكبة داخل غرف المصحة...فلاحظت كيف أنه أضحى يتجاوب بعينيه وحركاته مع الممرض وهو يساعده على الاستحمام أو ارتداء ملابسه... وأصبح يأكل بنفسه ... الشهر الماضي سمحت له بزيارة الحديقة للمرة الأولى... وما حدث أنه عاد يهرب من أشياء غير مرئية... وأسرع ليلوذ بغرفته رافضا الخروج منها مرة أخرى... الأسبوع الماضي أخيرا أقنعته بالخروج مرة أخرى وهو يردد ما حفظه من سورة البقرة... )
صمت قليلا يعبئ صدره بالهواء، فسارع يوسف بالسؤال.
(وماذا حدث؟)
فكانت بسمة البروفيسور ما سبق ليهدئ من وجيب قلبه المتأهب قبل قوله المبتهج بنصره الجديد.
(كان حذرا طوال الوقت...لم تهدأ شفتيه عن التحرك بالتلاوة... فتأكد أن ما يصيبه يبتعد عنه مع تشبثه بالقرآن... وكانت بداية استعادته لنفسه... أعترف أن التقدم يعد قليلا بطيء... لكن الحمد لله مؤخرا أبدى تجاوبا مبهرا .... وقد تعلم الصلاة والمقرئ قام بتحفيظه الأذكار.... لازال يتناول العلاج وأخضعه للجلسات ... والخطة تسير على أفضل ما يرام...)
(إذن لماذا تمنع عنه الزيارة؟)
أمال البروفيسور رأسه محدقا به بتمعن، يجيب.
(أولا أخشى عليه من انتكاسة..... ثانيا لأنه لم يسأل عنهما لحد الآن.... ومادام هو لم يصل إلى مرحلة السؤال عن والديه... فنفسه لم تستقر بعد... وأنا أريد منحه كل الوقت ....)
هز يوسف رأسه بتفهم يسهو بنظراته الكئيبة فاستدرك البروفيسور دون أن يحيد عنه بتحديقه الغامض.
(امنحني شهرا آخر بإذن الله.... وسنرى!)
نهض من مكانه بتثاقل لاحظه المتربص به فابتسم يضيف ببعض المرح.
(لماذا قمت من مكانك؟... إن أعجبتك الأريكة يمكنك النوم عليها لساعة أخرى...)
ازدرد ريقه بحرج وتبسم بخجل اتسعت له بسمة البروفيسور الذي قام هو الآخر بروية وحذر، التقط عكازه وبسط يده الحرة في حركة خاطفة يوقف بها مجسم البندول عن الحركة فوجمت ملامح يوسف بشكل تلقائي ونظراته اليائسة بشكل غريب، تحاصر المجسم الساكن كأنه قطعة حديد لا جدوى منها.
(هل أنت بخير؟)
سأله البروفيسور فحاد بحدقتيه نحوه بشرود لحظي ما لبث أن اختفى ليحل محله الامتنان، يصافحه شاكرا.
(أشكرك بروفيسور... وأقدر لك ما تفعله مع علوان...)
(انه واجبي... وأنت مرحبا بك...)
لم تكن آخر كلماته مجاملة على قدر ما حملت بين طياتها دعوة متوارية رفضها يوسف بدماثة ولطف.
(بارك الله فيك.... سأغادر الآن.. وإن استجد شيء ما لا تتردد في مهاتفتي... )
....................

*وادي الحقول*

تحث الخطى مهرولة المسافة بين منزلها والمحل، تعمدت التأخر لكن ليس لتلك الدرجة، أكثرت من الثرثرة مع سلا التي وجدت الفرصة سانحة أثناء استراحتها بين محاضرتين في الجامعة لتتحدث بحرية عن كم الضغط الذي تتعرض له بين والدتها الحانقة طوال الوقت لأسباب مستجدة، مختلفة وبين شقيقتها التي رغم محولاتها لتندمج بالمجتمع إلا أن نقمتها وحسرتها على ما فقدته من حرية روحها التي ألفت التحليق دوما في سماء الجموح يحول بينها وبين التقدم على طريق الشفاء.
سلا، صديقة اكتسبتها في مدة وجيزة، تحولت إلى فرد مقرب مهم في حياتها اليومية فلم يعد لأيامها طعم إن خلت من ثرثرتهما معا عبر تطبيق التواصل المرئي والسمعي، تطبيق تلح عليه سلا بسذاجة ظنت أنها لن تتفهم سرها، تكفي نظراتها الباحثة عنه كل مرة تحدثها فيها قبل أن تعود خائبة بمواربة مع كل نهاية للقاء. شقيقها الغامض بتصرفاته يلعب دور الجاهل ويتجنب أي محاولة منها لتوفر لهما فرصة لقاء قصير وعن بعد ولولا حق معرفتها به لشكت بأنه حقا لا يكترث لكن انتفاضة مقلتيه بشوق مفضوح رغم تصنعه للبرود يُعد برهانا كافيا لتصدق بوجود مشاعر متبادلة بينهما فلا تجد لتساؤلاتها الكثيرة حول تصرفات نبيه سوى أنه يستنقص من قدره كالعادة ويعُدّ نفسه غير مناسب لفتاة حلوة تشع بالنشاط والحيوية كسلا، وجهة نظر مُبررة أمام المجتمع وليس أمامها هي.
فهو نبيه شقيقها الأقرب إليها، حبيب قلبها وسندها بعد الله ثم والدها، ربما حبها اللامحدود له ما يشعرها بمدى استحقاقه لكل ما هو جميل والأهم لكل ما يحبه ويعشقه قلبه وشقيقها نبيه عاشق لصديقتها سلا.
لاح لها اسفلت الشارع الرئيسي فرفعت رأسها تتفقد الجانبين قبل أن تقوم بقطعه وهناك لمحت مشهدا أثار ريبتها ودفع بقدميها لتقترب منه وحين تأكدت حدقتيها مما تريانه، شهقت بحدة جرحت حلقها وتجمعت الدموع بعينيها لسبب تجهله أو تتجاهله، لا تعرف! فقد كلّت مؤخرا من تخبط مشاعرها نحو جيرته لمحل عملها وتردده عليه وعلى بيتهم كضيف شقيقها الذي أعاد صداقتهما التي انقطعت قبل سنوات الى سابق عهدها إن لم تكن أكثر توطيدا.
كلما غاب عن مجال بصرها يستوطن فكرها وخيالها وما إن يشغل مكانا في حيز وجودها تثور أعصابها، فتتناوب البرودة والحرارة على استعمار جسدها المرتعش حد العجز عن تأدية عملها بحرفية عُرفت بها.
كل شيء يخصه يثير استفزازها لكنه أكثر ما يشغلها، باستثناء صندوق والدته الذي يعد عشقا لها والذي لم تُعده إليه حتى بعد انتهاء المعرض، يغريها كفه عن سؤالها عنه لولا الغموض المتضاعف داخل زرقة مقلتيه والمخيف لسلامة قلبها الحافظ لأدق تفاصيله فترتسم في خيالها دون مجهود منها بل رغما عنها وعن عصبيتها الغير مفهومة لها قبله هو!
لملمت شتات خيبتها تجر قدميها بتثاقل، مديرة ظهرها لهيئته المعروفة لها بينما يضم فتاة ما لم تتعرف عليها، تلهو بديل شعره الذهبي المستفز، تهمس بعبوس غاضب.
(حقير... زير نساء لعين!... سعيد هو بشعره الذهبي... فليحترق قريبا ويحترق معه قلبك التافه يا تافه!)
تزفر بحنق ثم تزمجر بشراسة وهي تخطف نظرة نحو البعيد فتلوح له كنزته الحمراء الفاقعة لتعود للنظر إلى موطئ قدميها، مغمغة بكلمات تعبر عن مدى الغليل المحرق لأحشائها.
(ولتحترق كل مصابيحك المشتعلة... وتتبدل ألوانك الزاهية كلها الى سواد حالك لا تجد فيه سبيلا إلى الرشاد... حقير لعين يضوي!)
(ماذا بك؟)
اهتز بدنها مجفلة فتجمدت قدماها مكانهما تبحلق به بمقلتين جاحظتين، تكادان تخترقان حدود محجريهما فيزداد حيرة من هيئتها المتحفزة، شاكرا حظه الذي أخرجه من محله رغم تلطخ يديه بالطين، مستجيبا لنداء أحد موردي البضائع الخام.
بلعت ريقها ورفت بجفنيها مرات عدة حتى بدت كدمية تلهو برموشها الطويلة فضم شفتيه وضيق مقلتيه، يسألها مجدد بحذر.
(نهيلة! أنت بخير؟)
رفعت سبابتها وتقدمت نحوه مصدومة تحت أنظاره المرتابة بقلق اجتاح أحشائه كما قسمات وجهه، متتبعا طرف سبابتها المتوجه نحو ذراعه وما إن لمسته حتى شهقت بقوة أجفلته وهي تلتفت خلفها قبل أن تعود لتنظر إليه هاتفة بجزع.
(بسم الله الرحمن الرحيم.... بسم الله الرحمن الرحيم.... بسم الله الرحمن الرحيم.... اللهم إني أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك ربي من أن يحضرون... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.... بسم الله الرحمن الرحيم)
تنسل منها الكلمات بهذر محموم بينما تضغط على جبينها بإحدى كفيها وتتخصر بالأخرى، تحدق به تارة وإلى مكان ما بعيد تارة أخرى.
(اهدئي... تثيرين قلقي عليك ...ما بك؟)
ازدردت ريقها، ترد بتقطع لم يلتقطه كُليا إلا بعد حين، تدير سبابة اصبعها بينه وبين مكان بعيد.
(أنتَ... هناك... وهنا... أنت ... هناك بملابس حمراء ...وهنا ملابسك ع.. عادية ... هناك ديل شعرك الذهبي ... هنا أنت...)
ثم جعدت ملامحها بإدراك امتزج بذهولها السابق، تستدرك مستفسرة تحت نظراته المستغربة.
(لقد قصصت شعرك!)
ارتد رأسه بخفة، مشيرا إلى شعره ببسمة مرتبكة.
(بلى... قصصته أمس بعد أن أغلقتُ المحل...)
تخونها نظراتها وتتخلى عنها رزانتها فتتأمله للحظات قبل أن يتنحنح فتطرق رأسها محرجة، خجلة تتخطاه نحو محلها.
(لم تخبريني ... ما الذي أغضبك وبعدها صدمك؟)
اعتصرت جفنيها ثم نظرت خلفه تشير إلى نقطة ما بعيدة فاستدار الى ما تشير إليه حائرا.
(هناك رأيتك حالا بكنزتك الحمراء... تضم فتاة ما تلهو بديل شعرك الذهبي ...بسم الله الرحمن الرحيم.... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم... )
فغر شفتيه بصدمة وحين استدار إليها اكتشف اختفائها ليعود براسه نحو المكان الذي أشارت إليه، يهمس من بين نواجده.
(إذن لقد شعرتم بي... وتلهون على حسابي... لازلتم تسعون لتدمير حياتي... حسنا!.. لنرى من سيحرق الآخر! ...)
ثم استدار عائدا الى محله، يتوعد من أرعب قلب الفتاة المكتنزة، محبة الفضة وعاشقة صندوق والدته.
عند ذلك الخاطر انشقت بسمة حيية من رحم القلق والغضب، يدس كلا كفيه داخل كرة الطين الطرية يشكلها كما يحلو لخياله فتلوذ أعصابه بسكون يصفي ذهنه المشغول بمُحبة الفِضة و شقيقها الذي لن ينسى له ولا للبقية ما فعلوه ولازالوا يفعلونه من أجله فقط لأنهم يحبونه ويودونه لوجه الله.
.............

**منزل جرير**

هل بإمكانه أن يكون سعيدا أكثر مما يشعر به الآن؟
سؤال يراوده كلما عاد الى بيته محملا بالشوق الى ساكنته، فيهفو إليها بقلبه وكل كيانه، سعيدا، منتشيا بسكرة البهجة التي يبثها كون أحدهم ينتظره، يشاركه وحدته، يملأ بيته المقفر بالحياة.
شعوره بها يتعدى حد الحالمية وأهواء العشق إلى واقع كونه لم يعد وحيدا، أضحت له ذرية، زوجة يأمل من الله أن يرزقه منها أولاد كثر، يحومون حوله بصياح بهجتهم أو صراخ انزعاجهم فيضج بيته بمزيد من معالم الحياة.
تجاوز عتبة بيته الخارجية تستقبله رائحة الطعام، وهذا لحاله يعدل مزاجه بما ليس له علاقة ببطنه على الإطلاق، يستعجل ليتخطى العتبة الداخلية حيث ينتظره عبير منظف البلاط فيتنفس بعمق بحثا عنها، عن المكون الأساسي لتعويذة سعادته.
رائحة الطعام، رائحة المنظفات، بيت مرتب، وهي! بسمتها التي تستقبله بها أو ربما عبوسها الصامت كالذي يعلو وجهها الآن وهي تطهي الخبز في الفرن الحديدي داخل المطبخ، كدلالة على غضبها، كل ذلك قد يعتبره غيره أمر مسلم به أو عادي من طبيعة الحياة، سِواه هو... جرير! يتيم الوالدين، ذاق الفقد باكرا وعاش شريدا لسنوات حتى بعد عودته الى الوادي محملا بأعباء أثقلت كاهله فلم يستطع التخلص منها وعاش بها غريبا بين أهله وأقاربه.
استل فنجانا من على علاّقة فناجين الماء، أمر آخر جديد في بيته، ملأه من الدورق الموضوع جواره ثم رفعه إلى فمه وهو يستند بظهره الى الحاجز الرخامي، مُخفيا بسمته عن المصرة على صمتها العابس ومظهرها الشهي قبالة عينيه المتربصتين بقدها المقارب لطوله داخل فستان زهري ذو قماش حريري صيفي ينتهي طوله عند ركبتيها، يشوش عليه سرعة بديهته لاستنتاج سبب عدم رضاها وكم ينعشه ذلك!
أنهى ما في الفنجان وبدل أن يعيده الى العلاقة تركه فوق سطح الحاجز بسماجة متعمدة ثم انزاح مبتعدا خطوتين، ليستند على الفرن بمرفق يده اليسرى، يتأمل حركاتها بصمت مستفز لها لتتسع بسمته الماكرة وهي تخطو إلى حيث كان لتعيد الفنجان مكانه، زافرة بغيظ.
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
نطق متذكرا غباء تصرفه بعدم إلقاء التحية منذ دخوله عليها، لكنها السبب، تلهيه عن كل شيء في حضورها.
(عليكم السلام)
تجيبه بخفوت مرغم فيكتفي بتأملها للحظات قبل أن تجفله من شروده وهي تغلق أبواب الفرن ببعض العصبية.
راقبها تغلق قنينة الغاز بينما تقول باقتضاب.
(الغداء جاهز... سأضعه لك...)
همت بالخروج من المطبخ فالتقط ذراعها في آخر لحظة معيدا إياها أمامه، يحدق بما يظهر من خصلاتها المجموعة خلف رأسها تحت وشاح مثلث صغير بنفس لون الفستان تعقده أسفل عقدة شعرها، فحبيبته لا تدخل المطبخ أبدا برأس مكشوف أو شعر مفرود وليس هذا فقط ما لاحظه منها بعد شهرين من زواجهما فقط بل الكثير مما يشعره بالإعجاب والتقدير وأحيانا القلق أو ربما مرات قليلة بالاستغراب.
لطالما صدّق بأن مهما بلغت معرفته بها بحكم نشأتهما في بلدة واحدة إلا أنه لن يسبر أغوارها ويتشرب أوصافها إلا بعد مشاركتهما للحياة، عشرة عن قرب واحتكاك يومي وما اكتشفه لحد الآن يرضيه ويقنعه بها أكثر، فهل تحمل داخلها نفس إحساسه ذاك؟
نظرت إليه زامة شفتيها فسألها متجاهلا رغبته في تقبيلها في تلك اللحظة.
(لما أنتِ غاضبة؟)
ارتفعا حاجبيها، ترد بدهشة ملأت تفاصيل عينيها الجذابتين بكحل عربي أسود.
(حقا تسأل؟)
ببسمة هادئة يخفي بها تسليته، هز رأسه، مجيبا.
(وهل سأتسلى باستفزازك مثلا؟)
تكتفت، ترد بتحفز مضحك له.
(لا!... معاذ الله... )
ثم صمتت تزم شفتيها مرة أخرى، نهر نفسه المستمتعة باستفزاز ردات فعلها وشغل خلايا دماغه، يستعيد آخر نقاشهما صباحا قبل مغادرته للبيت فعاد ليفتح فمه بالقول الحائر.
(لازلت غاضبة لأنني لا أسمح لك بالتجول بين الحقول؟)
أصاب الهدف الذي حفز جسدها باهتزاز طفيف بينما سبابتها ترتفع في الهواء محذرة إياه.
(ليس تجولا... إنما مساعدة لأبي... وأنت تعلم بأنه يمرض... ركبتيه تؤلمانه بين الفينة والأخرى... مثل هذه الأيام مثلا... وأنت تغلق علي جميع أبواب مساعدته ... سواء في الحقول أو الماشية... دون سبب واضح... فقط أمر وعلي طاعته... وأنت تستغل سعيي الحثيث في طاعتك... هذا ليس عدلا...لقد خرجت صباحا حتى دون أن تناقشني في الأمر...)
كان دوره ليكتف ذراعيه، مجيبا عليها بهدوء قدر الإمكان وهو الذي لم يتعود مراجعة قراراته حتى من الرجال، وجهه خلى من التسلية المحتلة له قبل قليل، يرمقها بنظرات واثقة تؤكد على قناعاته.
(لم أتركك صباحا خلفي لأنني استخف بك... أو رفضا للنقاش...أنتِ طلبت أمرا وأنا كنت واضحا في ردي عليك... لا أريد لزوجتي أن تتجول في الحقول طوال الوقت ...)
همت بمقاطعته فأمال رأسه محذرا، يسترسل بحديثه.
(لأي سبب كان... حين ترغبين بزيارة الحقول أرافقك ونتجول معا ... لكن ليس لتعملي تحت أشعة الشمس الحارقة أو البرد الزمهرير... لا!... ليس وأنا حي أرزق بفضل الله...)
تراجعت بفعل احساسها المتأثر، رغم حفاظها على عبوس وجهها فأسعده ما لمحه عليها من استجابة لكلماته الصادقة التي لا يتقن سواها.
(أما الحاج محمد فهو يعتبرني ابنه قبل أن أكون زوج ابنته...وأنا أعتبره والدا لي.... أعلم جيدا متى يحتاج للمساعدة فلا أبخل بها عنه أبدا... أم هل تظنين بأن سماحه لك بالعمل معه سابقا كان بسبب عجزه أو احتياجه لك؟)
(حفظه الله من العجز والحاجة...)
سارعت تستنكر بلوم فشعر بغيرة طفولية من عشقها لوالدها لكن هل يلومها؟ فالحاج محمد نعم الرجل والأب هو.
(صدقيني يا تقوى... لن يسعد والدك أكثر من رؤيته لك مستقرة في بيتك... سعيدة هانئة ومرتاحة... لذلك.... رضي الله عنك أغلقي ذلك الموضوع لأنني لن أغير رأي في ما يخصه...)
رمقته بنفس العبوس الذي تحول من غضب الى حنق، ترجمته بالكلمات.
(أنت مستبد على فكرة...)
ضحك بينما يسحبها ليطوقها بين ذراعيه، يجيبها بجذل.
(وأنت متعِبة على فكرة!)
رفعت رأسها مدافعة.
(لست كذلك أنت فقط تعودت على اتخاذ القرارات لحالك دون رد ومراجعة...)
شدها إليه أقرب وأقوى، يخبرها من بين نظراته المتأملة لها بحب وتوق إلى وصالها.
(هل تلومينني لأنني أحقق احلامي الخاصة بك؟)
يختفي العبوس رويدا من على محياها، تاركا الحرية للحيرة، تتجول على قسماتها المستفسرة فيرفع أحد كفيه الخشنين ليضم جانب وجهها برقة، يتحسسه بينما يستدرك بحنين لما مضى.
(طوال السنوات التي راقبتك فيها تعملين بجهد في الحقول... أو رحبة المواشي كنت أقطع على نفسي وعدا بإراحتك من ذلك التعب المضني... وأن أحقق لك استقرارا داخل جدران بيتي .. وحياتي ... فهل أنت راضية يا ابنة الحاج محمد؟)
تبسمت بتأثر فأشرقت أنوار الدفئ منبثقة من صميم قلبه العاشق لها، دنى برأسه، يقترب من ثغرها، يضيف بهمس مرح.
(وعلى فكرة أنا لم أغادر صباحا إلا بعد أن قبلتك قبلة الوداع...والآن أريد قبلة الاستقبال ...)
وقبل أن يلتقط شفتيها عادت برأسها إلى الخلف، تبتسم بمكر، تستغل به مزاجه الرائق.
(ستحصل عليها... لكن بعد أن تعطيني اذنك...)
ضيق مقلتيه، مغمغما بتسلية.
(مستغلة ... هات ما عندك)
لكزته بخفة على صدره لائمة ثم قالت.
(دعتني حفيظة اليوم أنا وزينة وصفاء الى بيتها... لم نجتمع منذ مدة... وأرغب بشدة في ذلك... وبعدها أريد المرور ببيت أهلي لأدلك ركبتي أبي بزيت الزيتون المقري...)
قرب وجهها من خاصته، يخبرها بحنق مزعوم.
(أخبرتك بأنك مستغلة... لكن لا بأس!.. افعلي ما يحلو لك... وأنا سأمر عليك في بيت أهلك مساء.... لتعلمي فقط بأنني لست مستبدا... بل زوجا محبا وصبورا جدا...)
فتحت ما بين شفتيها لتجيبه لكنه قرر أن وقت الحديث قد انتهى ولا مجال بينهما سوى للمشاعر الفياضة والإثبات الفعلي لشوقه الحارق إليها، الشعور بها كحقيقة واقعية بين ذراعيه المطوقين لها بحرص.
.................

*منزل فواز*

انحنت نحو صفاء تقدم لها الضيافة بينما تسألها بمكر شقي لا يفارق ملامحها الصغيرة.
(وأنت؟... متى ستوافقين على الأستاذ المسكين؟.. أم أنك ستفعلين مثل أختك وتعلقينه لسنوات دون رد قاطع؟)
أصدرت تقوى صوتا مستنكرا فانتقلت إليها بطبق الحلوى بينما تهز حاجبيها بشقاوة مرحة، أما صفاء فاكتفت بالتبسم، تُطعم نفسها.
(يبدو على أحدهم السرور... اللهم زد و بارك... لا أحسدك...)
كانت تلك زينة وهي تلتقط قطعة حلوى من الطبق الذي وضعته حفيظة بعدها على المائدة لتبدأ بصب الشاي.
(الحمد لله.... أنا مسرورة جدا برؤيتكن... لم نجتمع هكذا لوحدنا منذ...)
صمتت بإدراك لما كان عليه اجتماعهن الأخير فسألتها صفاء بفضول حول الأمر المخيف ما ان سنحت لها الفرصة.
(كيف حالك مع...)
علقت قولها المفهوم لتجيب حفيظة بعد وهلة صمت وزعت فيها كؤوس الشاي على أطراف المائدة المستديرة لتجلس هي الأخرى جوارهن.
(ألتزم بأذكاري والصلاة في وقتها... وأختم سورة البقرة لأكثر من شهريين الآن... كل يوم وبمراقبة صارمة من حماتي... تألمتُ بداية.. ومللت كثيرا... ومرضت بالحمى بضع مرات... لكن الآن... و الحمد الله... نفسي في استقرار مُريح... )
لولا ما يحدث بينها وبين زوجها لأضحت حياتها مثالية، بلى! مثالية!
تجاهلت آخر خواطرها الساخرة بشأن زوجها الذي يتودد إليها كل مرة، يحضنها كل ليلة حتى إذا بدأت في محاربة شعور غثيانها بسبب صور اقتراب سالم اللعين منها، يتراجع عنها وكأنه اكتشف ما تفكر فيه حقا!
(الحمد الله... منذ أن أخبرتني والدتك عن كونها من أبطلت سحر الربط وأنا قلقة عليك....)
تدخلت زينة بنبرة قلقة بصدق، تنحي عنها أي شعور سابق وقد تدربت بكل جدية وهمة عالية حتى وصلت إلى مرحلة التقبل وذلك يُعد بداية طريق النسيان.
(لماذا؟)
سألت صفاء بفضول يعتريها فردت شقيقتها باستنكار لطيف.
(لأن السحر لا يبطل بالسحر... والخالة نوال لابد أبطلت سحر الربط بسحر آخر... وهذا يسبب مشاكل أكثر لا يحلها ... )
أومأت زينة بتأكيد وهي تكمل بينما حفيظة متابعة بصمت واجم يخص ذكر والدتها التي أتتها يوما غاضبة منها لأن كل ما تكبدته من عناء قد دمرته هي بمواظبتها على سورة البقرة والأذكار وذلك سيرفع الحجاب عن أنظار زوجها فواز على حد قولها فانشغل بالها بأسئلة كثيرة، تعكر عليها صفو مشاعرها.
تراه تزوجها بدفع من سحر أمها؟
وإذا كان الأمر كذلك هل ببطلان السحر سيكتشف أنه كان مخدوعا ويندم؟
(سمعتُ أن هناك فتيات لم يتزوجن إلا بعد رقية علاج من ضمنها الحجامة ليبطل السحر.... كما تسبب لبعض من تزوجن بمشاكل مع أزواجهن حالت بينهم و اتمام الزواج.... ومشاكل أخرى عدة...)
غطت صفاء فمها رعبا مما تسمعه وحفيظة تفكر في أن ما يحول بينا وإتمام زواجها من زوجها لهو أمر بدأ بالسحر لكنه الآن أبعد ما يكون عنه، لأن سورة البقرة قد غيرت حياتها حرفيا، أضحت ساكنة النفس وهادئة البال حتى إحساس الوحدة قد غادر قلبها وهي تندس كل ليلة داخل حضن زوجها الذي على ما يبدو شعر بخوفها من الظلام وأمور كثيرة كان اللعين سببا فيها ليرحل تاركا إياها ترتعد من الهواء كفأر حقير، لابد وانه رحل لأنها لم تشعر به إطلاقا منذ أن أنهت اليوم العاشر بعد الثلاثين من تلاوة سورة البقرة كاملة.
(ألهذا رفضت شقيق الضابط حتى دون رؤيته؟)
أجفلها سؤال تقوى الغامض فسكتت، ترمقها بلوم بينما حفيظة تشهق بدهشة وصفاء تبتسم بمرح، تضيف.
(لست الوحيدة في هذا الأمر...)
(أنت لم ترفضيه ...)
نطقت تقوى بنظرة مستفهمة فتدخلت زينة بنظرة لائمة.
(ولم تقبلي أيضا...)
تجعد جانب دقن صفاء كرد فعل عابس، فرفعت حفيظة يديها تقول بحماس استولى عليها.
(دعونا من صفاء الآن.... )
ثم التفت الى زينة، تستدرك باستفهام مستغرب.
(من هذا الذي رفضتِه دون أن تريه؟)
مططت زينة شفتيها وأرخت طرفي وشاحها الطويل عن عنقها لتمسده بخفة، عينيها السوداوين يتجولان داخل محجريهما بضجر مزعوم.
(كل ما في الأمر أن الضابط هشام... أنت تعرفينه طبعا... طلب من ابن عمي جرير إذنا لأقابل شقيقه حتى نرى بعضنا وإذا حدث واتفقنا .... يرسل أهله لخطبتي...)
(وماذا بعد؟)
سألت حفيظة بنفس الحماس لتقول تقوى بنبرة غير راضية.
(رفضت الأمر برمته...)
بلعت حفيظة ريقها ورفت بجفتيها مرتين وهي تسألها بينما خاطرها يدعو الله أن يخيب حدسها.
(لماذا رفضته يا زينة؟)
شملتهن بنظرة مستنكرة بقوة كما فسرت حجتها.
(هل تمزحن؟... ألا تعلمن السبب حقا؟... لمن أترك والداي المريضين؟... ومن فضلكن لا تبدأن سلسلة التبريرات والحلول... لأنني أكثر واحدة على علم باستحالة تركي لوالداي أي كان السبب ... لذا صدقنني حين أخبركن بأن لا مجال لحقوق أخرى أتحمل مسؤوليتها حاليا... وسأكون شاكرة إن أغلقتن الموضوع ....)
وكذلك فعلن قبل أن يعدن إلى أحاديث مختلفة انتهت باقتحام شقيقة فواز الكبرى بيت اهلها بغضب عارم، أرعد قلب حفيظة المتلقية لنظراتها الحاقدة والمرافقة لصياحها العاصف بينما والدتها خلفها تحاول ردعها عن ما تقوم به.
(أين والدتك اللعينة! ... ذهبت الى بيتها ولم أجدها!... سآخذ حقي منها.. تلك السحارة!)
جحظت مقلتا حفيظة بصدمة صاعقة، تحدق بشقيقة زوجها الثائرة من خلف تقوى وزينة التان تحركتا تلقائيا نحوها، تأهبا ضد أي شجار بالأيدي.
(لن تفلت مني!...)
(اهدئي يا نجاة هل جننت!... اهدئي حالا!)
كانت شقيقتها الصغرى قد لحقت بها بعد أن استعانت بها ابنة نجاة الكبرى، متوقعة لشجار لن تحمد عقباه بعد ما اكتشفته ووالدتها حول جارتها فلم تتأخر عن مواجهتها لتصدمها الأخرى بسيل من الاعترافات الحاقدة والصادمة لها، ختمتها بكون والدة كنتهم نوال من عقدت لها عمل السحر.
(ماذا يحدث لك يا نجاة؟... هل جننت؟)
سحبت طرحتها بعنف لتضرب على رأسها وتنكش شعرها، تصيح بغضب هستيري.
(أجل فقدت عقلي... بسبب السحارة والدتها... أخبرتكم أنها سحارة ولم يصدقني أحد... وها هو أذاها قد نال من بيتي...)
أمسكت والدتها بذراعها بينما الأخرى ترتعد على رأس عكازها فهتفت تقوى بذهول وقلق.
(استعيذي بالله من الشيطان الرجيم يا نجاة... تعالي اجلسي واهدئي... أنت على وشك فقدان وعيك... اجلسي من فضلك...)
سحبتها شقيقتها برفق فهوت على الأريكة، تلهث بينما زينة تقدم لها بعضا من المياه.
(ما الذي حدث؟)
طالبتها شقيقتها برد مقنع لكل هذا الجنون الذي يحدث أمامها وقد استولى الرعب على قلبها منذ ان اتصلت بها ابنة أختها نجاة، تطلب منها الحضور الى بيت العائلة فورا.
رفضت كأس الماء بكفها، مكتفية بهز رأسها وذرف الدموع، دموع الصدمة والحسرة والخيبة، فتولت ابنتها سرد التفاصيل.
(تفقدت المجمد بحثا عن اللحم لأجهز الغداء... لكنني لم أجد سوى أمانة جارتنا التي وضعتها عندنا بسبب عطل أصاب جهاز مجمدها... فاتصلتُ بأمي التي كانت كالعادة في المصحة مع والدي...أخبرتني أنه لحم قد وضعته عندنا الجارة لأكثر من أربعة أشهر لابد وأنها نست أمره... ثم طلبت مني إزالته وحين تعود من المصحة ستجلب معها لحما جديدا وتقدمه لها بدلا من القديم... فكما تعرفون .... ظروفها صعبة ...)
تلكأت، تمسح وجهها باشمئزاز بينما تستدرك بنبرة مرتعشة.
(عادت أمي ودخلت المبطخ .... فتحت الكيس قبل أن تلقي به لكنها تجمدت كليا أمام ثعبان أسود يذوب عنه الثلج... وأنا كنت جوارها أحدق برعب... حين استعادت نفسها التقطت سكينا وحركت الثعبان لتجده ملفوفا حول ورقة مخططة بطلاسم سحر... وأشياء أخرى وفي القعر صورة والدي....)
ضربت نجاة على فخديها بغيظ والشهقات المرعوبة تنطلق من حولها، فتكمل الفتاة بنبرة باكية.
(واجهت أمي صديقتها التي تخلت عن قناعها المنافق لتكشف عن أنيابها المفترسة... واعترفت بحقدها على أمي... بسبب وضعها الأفضل من وضعها... وتساءلت بكل وقاحة لماذا حصلت والدتي على عائلة ميسورة وزوج محب ميسور؟ ... بينما هي نشأت في الفقر وتزوجت عاطلا سكيرا... وحين ثارت ثائرة والدتي أخبرتها بأن من قصدتها لتعقد لها عمل السحر تكون الخالة نوال....)
ضربت الحاجة بطرف عكازها على الأرض، تعقب بصرامة تقصد بها المهادنة.
(كيف تصدقينها ؟... انسانة حاقدة كتلك ومجرمة تستطيع الكذب علينا لتدمر سلام عائلتنا... لأنها تعلم بأن ابنة نوال كنتنا ان هي أفسدت علاقتنا بها وبأهلها سنعيش في مشاكل دائمة مع شقيقك... ألم تفكري في هذا؟...)
تعض شفتيها بغل وقد بدى عليها التفكير في قول والدتها فتدخلت شقيقتها تناصر والدتها لتهدئ من الوضع، فتأكيد أمر كذاك سيدمر علاقتهم بشقيقها وزوجته.
(أمي محقة.. ثم ألا تذكرين بأن الخالة نوال حذرتك منها من قبل؟... ما يبدو لي أنها تحاول تدمير سلام عائلتنا كما قالت أمي...)
أنطلق رنين هاتف نجاة الذي ردت عليه ابنتها العابسة قبل أن تتغير كليا وهي تهتف ببهجة احتلت قسمات وجهها.
(ماذا تقول؟... حقا يا أبي؟)
انتفضت نجاة واقفة، ترمقها بقلق انشقت من عمق وجومه بسمة الذاهلة بينما ابنتها تبلغها بالبشرى.
(والدي يطلبنا حالا... يقول بأن ألم ركبتيه قد اختفى فجأة وكأنه كان يكذب... إنه لا يصدق نفسه أمي... يقف على قدميه... ويقول بأن الطبيب كان محقا حين شخص حالته بأنها نفسية....)
مسدت نجاة جبينها بتعب مفغرة فمها فتحركت حفيظة مغادرة غرفة الضيوف، تلوذ بغرفتها فتطلق العنان لنحيبها ومخاوفها وخيبتها التي تفضي بها دائما الى النفور من والدتها وما تفعله، لقد تجاوز الأمر كل الحدود!
ألا يكفي ما سببته لها من مصائب ليمتد أذاها إلى أهل زوجها؟
كيف تتصرف وماذا تفعل؟
لأنها على يقين بأن والدتها من عقدت ذلك السحر!
وقول حماتها لم يكن سوى لتهدئة الوضع وعدم تصاعده فيسبب لهم فضيحة مدوية.
شعرت بألم في صدرها فرفعت رأسها إلى السقف، تتنفس بعمق لتهدئ نفسها، فذلك دائما ما يكون بداية انهيارها وتشنج جسدها الذي تفقد عليه السيطرة لصالح ذلك اللعين.
(ماذا أفعل يا ربي؟... ماذا أفعل؟)
تهمس بنبرة باكية بعد أن تمالكت أنفاسها وانحنت على ركبتيها على هيئة السجود، تشكي همها لربها.
أما خارجا فقد ودعت تقوى زينة بعد أن أخبرتها بنيتها في قضاء بعض الوقت لدى بيت أهلها.
(ما حدث مروع حقا؟... الخالة نوال ستدمر حياة ابنتها بتلك التصرفات...)
عقبت صفاء ما إن انفردت بشقيقتها التي التفتت إليها برأسها، ترد بهمس محذر بينما تتأبط ذراعها.
(لا تقولي ذلك... حفظها الله... وهدى الله الخالة... لا تفتحي فمك بما يثبت أن الخالة سحارة... سيؤذي ذلك حفيظة ...)
هزت صفاء رأسها بتفهم فاستدركت تقوى وهي تحثها الخطى في المسير.
(أسرعي قليلا يا صفاء)
قطبت المعنية جبينها بتساؤل حائر.
(ما بك تقوى؟)
ضمت شفتيها تحركهما الى كلا الجانبين بعبوس ضائق ثم قالت بوجوم والمرات التي لمحت فيها الخالة نوال تبحث في جهاز المجمد خاصتهم تراود خيالها بخاطر أسود كأفعال جارتهم وقريبتهم المشينة.
(يجب أن ننظف المجمد ونبحث في أكياس اللحم.... )
وكان آخر ما صدر من صفاء شهقة إدراك صادمة.
...............

**الغربة... منزل عبد الرحمن آل عيسى **

ما إن تأكدت بأنها داخل بيتهم حتى ابتعدت عن ذراعي شقيقتها التي تحدثت إليها بلطف قلق.
(انتظري سارة... دعيني أقودك إلى غرفتك....)
هزت سارة رأسها رفضا، ترد بجمود وهي تزيل نظّارتها السوداء.
(لا أريد... لقد تعودت على البيت...)
تنهدت سلا بخفوت تراقبها بوجوم حتى انتفضت حين ضربت قدمها بأحد قوائم طاولة الطعام، فتصيح بانفعال عصبي.
(من غير مكان الأثاث؟... تبا لكل هذا!.. تبا!)
أسرعت إليها سلا تهتف، ووالديها يظهران من جانب رواق الغرف.
(اهدئي سارة ... لا بأس...)
(لا بأس! لا بأس!... ألا يكفيك هذا البأس الذي أعيشه بسبب الحقد ... حقد لا يخصني!)
ينتفض جسدها النحيل متفاعلا مع صياحها الغاضب، فيتدخل والدها ليحتوي نوبتها العصبية بحنو مشفق، يضم كتفيها بينما يربت على رأسها.
(اهدئي صغيرتي... ما بك؟... لماذا أنت غاضبة؟ فقط أخبريني!)
نهنهت ببكاء حزين وهي تندس داخل حضن والدها، تشكو إليه همها.
(أنا لا أتحسن بابا .. سلا بدأت الجامعة وأنا عالقة مع أناس لا أراهم ولا أعرفهم... ولا أريد أن أكون بينهم.... أنا يائسة بابا.. مللت من هذا السواد المحيط بي .. وأشعر بالاختناق... أنا اختنق بابا ... أختنق!...)
سحبها كلها، يخفي جسدها بسترتها الخضراء الطويلة داخل حضنه، يتمنى لو يحميها من كل شيء يؤذيها.
(سارة أنت المخطئة...)
عقبت سلا وقد اكتفت من دلال أختها التي رغم تعلمها للدرس بالطريقة الصعبة، لاتزال أسيرة الضياع والتيه عن الطريق الصحيح وتواجه محنتها بمجهود وإرادة زائفين.
رمقاها والديها بعتاب لكنها أكملت بإصرار.
(أقنعتَ نفسك بأن ما تمرين به مؤقت... فخبت قوة إرادتك ... لقد سمعتِ قول الطبيبة سارة!.... أنت لم تتصالحي مع وضعك بعد... تدخلين الفصول بذهن شارد وغير مهتم... حتى لغة القافَة 《طريقة بريل》 رفضت تعلمها مع أنها ستفيدك جدا في المطالعة... )
(ولماذا أتعلمها والوضع كله نفسي؟ ... ومؤقت!)
قاطعتها سارة بحنق واجم فابتسمت سلا بظفر تجيبها.
(هذه هي مشكلتك أختي... أنت لا تتقبلين وضعك.... وتجاحدين نفسك فتستمر أزمتك...أشعري بنفسك سارة... أنت لا تشعرين بنفسك لا تتقبلينها ولا تطبطبين عليها... أما لغة القافة فاعتبريها لغة جديدة ترغبين كسبها وإضافتها إلى حصيلتك الشخصية... حين تحققين السلام لنفسك وتمنحيه التفهم ... ستتخطين بإذن الله أزمتك... وإلى أن تستعيدي بصرك ستتعلمين الاعتماد على نفسك فتزدادين قوة وثقة بنفسك....)
نظروا إلى سارة مترقبين رد فعلها فاقتربت سلا منها، تسحبها برفق من بين ذراعي والدهما لترافقها إلى غرفتها، تهمس لها برقة حانية.
(لطالما كنت قوية يا سارة... ما إن تقرري هدفك الصحيح ستحققينه ببراعة وبسرعة فائقة... كعادتك..)
(حقا!)
تسألها برجاء أقرب إلى التوسل فتدمع عيني سلا بحزن، تقبل وجنتيها بحب.
(بلى يا قلب سلا...)
أما خارجا، تحديدا قرب غرفة المعيشة يقابل عبد الرحمن وجه زوجته الممتقع يحذرها بنبرة خطرة.
(لن أتحمل أفعال والدك يا بلقيس... يكفي ما حدث لابنتي... إن حدث أي شيء ليوسف... سأفضح سره المدفون أمام الناس..)
شهقت بلقيس، تستنكر بصدمة أضفت على مظهرها العفوي ببدلة رياضية حمراء بسيطة وخصلات سوداء فارة من عقدتها لتستقر حول وجهها الخالي من مساحيق التجميل، جاذبية لطالما أسرت قلب عبد الرحمن داخل حصن من العشق الحارق لكبريائه.
(ستفضحنا يا عبد الرحمن؟ تفضح زوجتك أم أولادك!)
التوت شفته العليا بسخرية باردة، متجاهلا ضعف قلبه نحوها، يكمل تهديده دون أي يرف له جفن أمام وجهها الممتقع بخزي.
(بلغي والدك العزيز أن أولادي خط أحمر... وإذا تجاوزتُ أمر ما حدث لسارة فذلك من أجلك يا زوجتي يا أم أولادي... وهذا لن يحدث في المرة المقبلة ... وسيكون سر نسبه المزيف حديث الناس لأشهر طويلة....)
...........














ملاحظة مجددا🤗🤗

الخيال في هذا الرواية قلوب هجا الحق شتات تقواها يخص فقط قصة جمع المشاكل الحقيقية التي أتيت بها من الواقع بعضها حتى أعرف أصحابها بشكل شخصي داخل إطار قصصي درامي... الخيال هو التسلسل والإطار الاجتماعي للاحداث... أما
قصة والداي جرير حقيقية (تركا خلفهما تلات اولاد كبيرهم شاهد بعينه قتل والده لوالدته)
قصة حفيظة وطريقة موت والدة نوال وكون نوال سحارة...
قصة الأسحار كلها وما نجم عنها من مصائب
قصة بهيج من أولها لاخرها
قصة فواز.. الخ ...
المشاكل المطروحة في الرواية وحتى طريقة العلاج من الرقية والحجامة الخ واقعي...
اتمنى لكم قراءة ممتعة... في انتظار آرائكم... ولا تنسوا اللايك👀👀
استغفر الله العظيم لي ولكم.









**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 18-12-19, 10:49 PM   #790

ضحى حماد

نجم روايتي ومشرفة سابقة

 
الصورة الرمزية ضحى حماد

? العضوٌ??? » 269097
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 2,300
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Syria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond reputeضحى حماد has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك max
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 83 ( الأعضاء 33 والزوار 50)
‏ضحى حماد, ‏Hend fayed, ‏جنة محمود, ‏Gehan hassan, ‏mouna ABD, ‏Maha zedan, ‏ابتسام أمحمد, ‏dr_rona1, ‏halimayhalima, ‏Qhoa, ‏Warda123, ‏fatis med, ‏Monya05, ‏amana 98, ‏Batol210, ‏فررراشة, ‏الوفى طبعي الوفى, ‏فاطمة زعرور, ‏Better, ‏نوره خليل, ‏سندراقاسم, ‏ام توتا, ‏ام يونس1, ‏شوشو 1234, ‏أم الريان, ‏anasdody, ‏فاطمة توتى, ‏سمني هجران, ‏سديم سديم, ‏أميرة الساموراي, ‏فديت الشامة


ضحى حماد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:42 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.