خلف أقنعة القلوب (3) "سلسلة خلف الأقنعة " *مميزة ومكتملة *

[**منى لطيفي (نصر الدين )**]

شقة مسعد بعد المغرب
انهي أشرف كوب الشاي ووضعه على المائدة الصغيرة شاكرا لمسعد ورافضا ان يأخذ الحلوى وهو يقول مبتسما:
" حرام عليك يا رجل ..حلوى بعد كل هذا الطعام ..اتريد ان تعيدني للمشفى ... يكفى العصائر والطعام اللذيذ سلمت يداك يا مها سفرة دائمة بإذن الله"
ابتسمت مها بشحوب وهي تغمغم بشكر باهت بينما ظل مسعد صامتا وقد أعاد طبق الحلوى الذى كان يمده له لمكانه دون كلام ليخطفه ياسر قائلا:
"ما دام ابي لا يريده هاته لي انا يا عماه ..أنا اعشق الكنافة والقطائف التي تصنعها خالتي ..إنها افضل حتى من التي تصنعها أمي "
نظرت له أمه مستنكرة وقالت بعتاب مازح:
"حقا يا ياسر .. ومن الذي ينهي صواني الكنافة التي اصنعها يوميا ...ويسرق من الثلاجة أي قطعة قطائف متبقية ها ...عموما لا بأس ارحتني ...فالترى من سيصنعها لك ثانية "
بلع ياسر ما في فمه بسرعة وانتقل ليزاحم امه على كرسي الاريكة وهو يناغشها قائلا :
"ماذا!! ..لا يا حبيبتي ..وهل اهون عليك ...(ليهمس بصوت مسموع ) انا اجامل اختك ..لا تنسي انها حماتي ورضاها من رضى تلك الكئيبة الجالسة تحدق فينا بصمت هناك ...وهل يوجد احلى من صنع يدك يا ست الكل !"
ليرفع يدها مقبلا وينظر لخالته متوقعا شجارا مرحا معتادا كما يحدث دائما بينهما عندما يقول ان طعام واحدة منهما افضل من الأخرى ...لكنه لاحظ أن خالته صامته بشرود يشابه شرود زوجته الدائم مؤخرا ..فمال هامسا لأمه :
"لا ادري ما يحدث يا امي ..الجميع ليسوا بحالة طبيعية ..كما اخبرتك أمس تقى إما صامته او غاضبة على الدوام ...وخالتى وعمي ليسوا بحالتهم الطبيعية أيضا "
نظرت أمه لأختها وزوجها لتتبادل بعدها النظرات مع أشرف الذى حذرها بهزة بسيطة من رأسه يمنعها من السؤال ...
لقد تحدثت معه قبل قليل واخبرته انها ستحاول معرفة ما الذي يحدث فهي تشعر بوجود مشكلة ما ... فعندما حضرت رؤى للسلام عليهم قبل المغرب مباشرة كانت غير طبيعية على الاطلاق ...وعندما جلست على السفرة ظلت صامتة وشاردة ...وقد لاحظت وجهها فرغم البودرة التي وضعتها لإخفاء ما به لكنها رأت اثر الرضوض تحتها ...وموضوع سقوطها من الدرج واصابتها بنزلة برد لم يقنعها ...رؤى لم تكن لتبقى هادئة او صامتة مهما كانت مريضة ..انها تشع صخبا وشقاوة ..وكلما اجتمعت مع تُقى وياسر لا يكفون عن النقار والمعاندة معا كأطفال اشقياء ...
هذا الصمت الذى اكتنف مائدة الطعام غير معتاد بينهم ...حتى التوأمين كانا بملامح حزينة وواجمة ..ورؤى على غير العادة لم تستجب لأي محاولة منها لجرها للحديث اثناء الطعام وبعد عدة دقائق اعتذرت منسحبة قائلة بخفوت دون ان توجه حديثها لأحد بعينه انها شبعت وترغب بالراحة رغم انها لم تكد تلمس طبقها ...ولحقها التوأم بمجرد انتهاء الطعام مختفين بحجرتهم ...
هناك ما يحدث والأمر يقلقها لكن اشرف يمنعها مصرا ان البيوت اسرار وانهم طالما أرادوا إخفاء شيء فلا يجب الضغط عليهم ...لكنها غير مقتنعة ...يجب ان تفهم ما يجري ببيت شقيقتها الوحيدة .. ان اسرتها واسرة اختها لا يملكون إلا بعضهم البعض كلا منهم هو العائلة الوحيدة للآخر ..
زفرت بضيق وخاصة مع انتفاضة مها على رنين الهاتف الأرضي لتلاحظ النظرات التي تبادلتها مع مسعد ووقوفها بارتباك لترد عليه لتسمعها تجيب بارتباك جلي:
"انها نائمة حبيبتي ..نعم اعرف اني اخبرتك بهذا عصرا ... لقد استيقظت لتأكل ونامت مرة أخرى .... آه نعم ...لأبد انها نسيت شحن هاتفها مرة أخرى ...لا ياسمين هي بخير فقط أدوية البرد والمسكنات تجعلها تنام كثيرا .....حسنا يا ابنتي سأخبرها ان تعاود الاتصال بك ..مع السلامة "
حالة التشنج ومراقبة مسعد لمها اثناء المكالمة لم تفتها لتعود بنظرها لزوجها فتتأكد انه لاحظ الأمر هو الآخر لكنه نظر لها بجانب عينيه وأعاد هز رأسه بلا محذرا عندما التقط حالة التحفز عندها ...لحظات وارتفع صوت اذان العشاء ليقف أشرف هاتفا :
"هيا مسعد لننزل للمسجد نصلى العشاء والتراويح ...(لينقل نظراته لياسر المنهمك بإنهاء طبق الحلوى بنهم فزفر بضيق من بلادة ابنه واتجه نحوه ساحبا الطبق من بين يديه قائلا) كفى ستنفجر من كثرة الطعام وستتحول لبالون سمين ..اغسل يدك وتوضأ لو كنت نقضت وضوئك وهيا لنسرع للمسجد"
هتف ياسر بضيق وهو ينظر لقطعة القطائف المتبقية بالطبق بنهم:
"باقي قطعة واحدة فقط يا ابي تبدو رائعة دعني انهيها ...ثم أي بالون واي سمنة وانا لدي زوجة تجوعني ولا تطهي الطعام إلا نادرا واليوم الذي تحن عليّ فيه وتطهي شيئا يكون اما مسلوقا كطعام المرضى او محترق لا يصلح للأكل.. دعني اعوض واختزن للأيام العجاف"
ونظر لتقى بتحدي متوقعا انفجارها كالعادة... لكنه وجدها سارحة وواجمة دون اهتمام بما يقول ...لتدفعه يد ابيه قائلا بحدة بعدما لاحظ حالة زوجة ابنه وخشي من لسان ياسر المنفلت :
"هيا يا ولد اسرع لا وقت لمناكفاتك الآن "
تحرك الرجال الثلاثة للخارج ونادي مسعد على توأمية مالك وعبد الوهاب ليذهبوا معهم .. بنفس اللحظة التي تعالى فيها صوت بكاء أشرف الصغير من الحجرة الداخلية.. فتحركت تقى قائلة بضيق :
"ها قد استيقظت سارينة الازعاج ...لن ينام حتى صباح الغد بعد تلك القيلولة وسيظل يزعجني طوال الليل ..سأذهب لأرضعه واغير له ملابسه"
ابتسمت خالتها وهي تقول بمحبة كبيرة تكنها لحفيدها للصغير:
"الحمد لله انه تركك اليوم تتناولين طعام الإفطار دون ازعاجه المعتاد ... تلك سابقة تحسب له ...عموما احضريه لي ان ازعجك وقت السحور ليبقى معي ساعتين او ثلاث تستريحي فيهم "
هزت رأسها بجمود وتركتهم لتستدير تُقى ما أن اختفت سميتها من أمام عينيها قائلة لمها بتحفز:
"الآن وقبل عودة الرجال ستخبريني ما يجري هنا ..واياك والادعاء بأن لا شيء يحدث ..عاداتك القديمة بالإخفاء والصمت محتفظة بكل شيء بداخلك لن تنطلي عليّ.. نحن لا نملك إلا بعضنا مها وانا قلقة عليكم ..هناك ما حدث لكم ولرؤى تحديدا .. وتُقى ابنتك تعرف به ..وانا عقلي بدأ يذهب لأمور مرعبة خاصة بعد رؤية حالة رؤى منذ قليل فأريحي قلبي اختي واخبريني عن ما جرى بالتفصيل ..إن لم تحكي لي انا ...فلمن ستحكي انا شقيقتك الوحيدة ..سترك وغطائك يا حبيبتي"
زفرت مها بتعب ودمعت عيناها وتهدلت كتفاها وهي تقول بوهن:
"رافقيني للمطبخ ...سأخبرك بكل شيء وانا انهي غسل الاطباق وترتيب المكان احتاج لأشغل نفسي بشيء وانا اخبرك قبل ان انفجر"

يتبع

[**منى لطيفي (نصر الدين )**]

شقة هادر

أغلقت الهاتف بضيق وهي تقف بالمطبخ بعد ان أصرت على ان تحمل الاطباق الفارغة وتضعها به وان تبقى حماتها مستريحة ..
كانت ترغب في ان تغسلهم لكن حماتها رفضت واقسمت عليها ان لا تفعل شيئا مؤكدة انها نفسها لن تتعب تغسلهم ... فزوجة البواب ستحضر آخر الليل وتنظف كل شيء وهي متفقة معها على ذلك ..
ظلت تنظر للهاتف واجمة ..قلبها غير مستريح فغياب رؤى بتلك الطريقة المفاجئة وعدم قدرتها على الوصول لها عبر الهاتف لا يريحها...
شهقت مرتعبة وقفزت من مكانها وهي تشعر بشي ينخز خصرها من الخلف ..ففلت هاتفها من يدها وكاد يسقط ارضا متحطما لولا كف هادر التي لحقته وهو يضحك قائلا بعبث:
"لم أكن اعرف ان قلبك خفيف وتركبين الهواء بسرعة"
قطبت ياسمين وهي تقول بلهجة لائمة بينما تضع يدها على قلبها الذي لا يزال ينبض بقوة :
"حرام عليك هادر لقد افزعتني ...لا تكررها انا افزع واغار بشدة ان مس احد خصري او أي جزء بجسدي "
أمسك كفها ورفعها لفمه مقبلا وهو يقول :
"سلم لي قلب حبيبي الخفيف "
سحبت يدها بحرج وقلبها ينبض بقوة واطرقت بوجهها الذى غزاه اللون الأحمر فجعلها تبدوا اكثر جمالا مما دفع هادر لمحاولة الهاء عقله عن تلك الفتنة امامه فمازحها قائلا بعبث:
"الآن عرفت نقطة ضعفك واعدك سأحسن استغلالها مستقبلا ... المهم اخبريني ما يشغل حبيبتي ويحزنها ...فلم تنتبه لوجودي خلفها منذ دقائق؟ "
زفرت بضيق ورفعت له عينين آسرتين بجمالهما وبراءتها وهي تخبره بقلق:
"رؤى يا هادر ..لا ادري ما بها ...مختفية منذ أربعة أيام ..آخر مرة حدثتها قبل رمضان بيوم كانت بالجامعة وكنا نتحدث بشكل عادي .. فجأة أغلقت معي ومن وقتها لا استطيع الوصول لها ..هاتفها مغلق وكلما هاتفتها على منزلها ردت والدتها ورفضت ن توصلني بها مختلقة حججا مختلفة ..مرة نائمة او تستحم او خرجت ونسيت هاتفها ( اختنق صوتها بالقلق وهي تكمل محركة يديها بطريقة اسرته) رؤى لا تنسى هاتفها ابدا ابدا ..ولا تتركه بدون شحن أيضا ...أنها تجن لو فصل منها ..وكم تسببت لنا بمواقف محرجة وهي تضع الهاتف ليشحن مكان قابس الميكرفون بقاعة المحاضرات وبسبب فعلتها تلك كثيرا ما غضب الأساتذة كلما دخلوا ووجدوا فيشة الميكرفون منزوعة .. وكم كانت تحرجني وهي تذهب لأصحاب محلات لا نعرفهم تطلب منهم ان يسمحوا لها بشحن هاتفها بعض الوقت عندما يقترب من النفاذ ولا يكون الشاحن المحمول معها ..صدقني ...هناك شيء سيئ حدث يا هادر ...قلبي ليس مطمئنا انا قلقة عليها "
غامت عيناه بالحب لتلك الرقيقة أمامه ..ونظر لها بحنان قائلا:
" سلم لي قلب حبيبتي الطيب ...يبدو اني سأغار من حبها لصديقتها الاثيرة ...ليت لي حظها وتقلقين عليّ مثلها"
نظرت له بارتباك وقالت:
"هادر ..كف عن العبث "
تعالى صوت أذان العشاء فابتسم قائلا :
"رحمك مني موعد الصلاة ...عموما حبيبتي لا تقلقي ..لو لم تظهر او ترد عليك حتى الغد بإمكاني عندما امر عليك لآخذك من الجامعة ان نمر على منزلها ...أليس غدا اخر يوم حضور لكم قبل الامتحانات ( هزت رأسها بإيجاب فأكمل ) حسنا سأوصلك بعد الكلية لتطمئني عليها بسرعة ..وسأنتظرك بالأسفل حتى اعيدك للمنزل "
ابتسمت بسعادة شعت بعينيها وجعلت قلبه يرفرف بداخل صدره فقال ضاحكا:
" ابتعدي من أمامي الآن ياسمين حتى اتوضأ ثانية ..هكذا لن يصلح لي صيام ولا صلاة بسبب ابتسامتك تلك "
ضحكت بخجل وتحركت ناحية الصالون حيث تجلس أمها وحماتها المستقبلية ...ووقفت للحظات بالممر تجرب مرة أخيرة الاتصال برقم رؤى دون فائدة.. فدعت الله بسرها ان تكون صديقتها بخير وبدأت تتحرك ثانية ناحية مكان جلوس امها وحماتها لتتسمر مكانها وهي تسمع أمها تقول:
" نحن اصبحنا اهل كما تقولين لذا لن اتحرج من ان اطلب منك هذا الأمر"
ردت حماتها بود وهي تؤكد:
"بالتأكيد يا أم داليا انت تأمرين لا تطلبين ...أنت ام الغالية التي أصبحت اعدها كابنتي ووالله معزتها بقلبي كما لو كانت ابنتي فعلا ...لقد دخلت قلبي من اول مرة رأيتها ...بل من قبلها منذ أن حدثني عنها هادر شعرت براحة وقلبي انفتح لسيرتها فقط"
ردت براحة قائلة:
"اعزك الله هذا من قلبك الطيب واصلك وهو ما شجعني على الحديث معك بصراحة ...تعرفين طبعا أن ابنتي الكبرى تزوجت من عدة اشهر وحامل الآن "
لترد عليها حنان بمودة:
"اتم الله لها على خير "
فتؤمن عليها وتكمل :
"المهم بما أن هادر اصر على عقد القران واتفق مع والد ياسمين على العقد نهاية الأسبوع فلن يصح أن لا ادعوا حماتها للحضور"
قطبت أم حنان بعدم فهم وقالت:
" ولما لا تدعوها لا أفهم!"
ظلت ياسمين واقفة متخشبة في الممر تضع يدها على قلبها الذي شعرت بدقاته تتزايد بألم وهي تتوقع القادم .. فاغرورقت عيناها بالدموع وأطرقت ساهمة دون ان تنتبه لمن وقف خلفها عندما انتبه لوقفتها وصوت أمها يصلهما بوضوح:
" الحقيقة ..حماة ابنتي الكبرى سيدة قديمة الطراز والتفكير...لذا لم نخبرها عن ياسمين "
سألت حنان بحيرة:
"تخبروها بأي شيء عن ياسمين لا افهم !"
تنحنحت أم داليا قليلا وقالت بحرج :
"أنت تعرفين ..اقصد عن حالتها ..أعني انها لا تعرف شيئا عن مرضها ..تعرفين الناس وكلامهم ..وداليا لم ترغب ان يعلم زوجها وأهله شيئا عن مرض اختها حتى لا يجرحونها او يعيرونها بهذا الأمر ...لذا كنت اود تنبيهك حتى لا يزل لسانك امامها او أمام احد من أقارب زوج داليا ان حضروا ..."
قاطعتها حنان وهي تنتفض غاضبة بحدة وتقول:
"ماذا تقولين يا أم داليا ..ما هذا الكلام الماسخ الطعم ..وهل ياسمين مصابة بعيب لا قدر الله او بها نقيصة نداري عليها ونخفيها !!...ياسمين ست البنات والله لولا ان الكمال لله وحده لقلت انها كاملة ..وانا اتشرف بها وبكونها عروس ابني ..ومن يراها غير ذلك او يقلل منها فأنا كفيلة به"
ارتبكت أم ياسمين وبدأت تتأتئ وتقول بارتباك:
"انا لا اقصد ..طبعا ياسمين كاملة ..انها ابنتي ...لكن النفوس ..اعني ليس كل الناس مثلكم لا يرون بها عيبا"
هتفت حنان بحمية:
"ياسمين لا يوجد بها أي عيب ...بل هي فخر لكل اسرة ... جمال واخلاق وأدب وعلم..."
ردت أم ياسمين بدفاع واهٍ عن وجهة نظرها :
" ومريضة بالسكر"
قالت حنان بلهجة غاضبة :
"وماذا بها ؟ هل السكر عيب او نقيصة !..هل يخلو بيت منه !...هل يمنعها ان تكون زوجة وام ...والله إن من يفكرون بتلك الطريقة هم المرضى. .اتقى الله يا ام داليا ..ابنتك لا مثيل لها ...هناك أهالي يتمنون ظفر ابنة كابنتك ولو بها كل الامراض لحملوها فوق رؤوسهم فخرا فكيف وابنتك سليمة لا يعيبها الا مرض بسيط عادي .. يا امرأة احمدي ربك هناك من تمنوا ان يعيش أبنائهم الذين اختطفهم الموت بلا سابقة مرض ولو كانوا حتى عظام في قفّة ( واختنق صوتها بالدموع لتضيف بألم ) بالإذن منك سأجهز القهوة حتى ينتهى الرجال من الصلاة "
انسحب هادر بسرعة دون ان تراه ياسمين مسرعا ليلحق بالصلاة التي تأخر عنها ...و بداخله يشعر بالقهر والغضب لأجل حبيبته التي وعى الآن سبب ما تعانيه من شعور بالضعف والنقص وعدم الثقة ..واقسم لنفسه ان يخرجها من هذا البيت الذى تُعامل فيه كناقصة من اقرب الناس لها ..ويعوضها بكل ما يملك... سيجعلها اميرة بل ملكة بيته وقلبه وعائلته حتى تمتلئ نفسها فخرا وثقة.
على باب حجرة المعيشة اصطدمت حنان بياسمين الواقفة بعيون ممتلئة دمعا تضع يدها على قلبها بطريقة فهمت منها بأنها سمعت كلام أمها فأوجع الحزن في عينيها قلبها.. وجعلها تمد يدها وتسحبها لحضنها بحنان ودعم وهي تهمس بأذنها :
"أنت رائعة وأنا فخورة بك و بأنك كنتي ..وأحلم باليوم الذي ستزفين فيه لهادر وتأتي لتنيري بيته ويومها سأتباهى بعروس ابني الرائعة أمام الجميع...والله لأدللنك كالأبنة التي تمنيتها عمري كله ... انت غالية حبيبتي ...مرضك لا يعيبك بشيء ولا ينقص منك ومن لا يراك كذلك هو المريض"
لم تستطع ياسمين تمالك نفسها أكثر فانفجرت تبكي بنشيج مكتوم في حضن حنان التي شددت من ضمها لصدرها وهي تربت على ظهرها ورأسها وتقسم بداخلها انها سترعاها وتحميها كما يجب على الأم أن تفعل ... ولم تنتبه كلتاهما لمن وقفت تراهما من أمام الباب بشعور متناقض ما بين غيرة وضيق وخزي .

يتبع

[**منى لطيفي (نصر الدين )**]

شقة مسعد
ما ان انتهت مها من قص ما حدث على اختها مغفلة عن عمد جزء كبير من سبب شجارها مع مسعد فهي لن تكسر زوجها وتفضح ضعفه وانزلاقه لشرب الخمر لأختها ...يكفيها ما اخبرتها به عن حادثة رؤى ....واكتفت بإخبارها بانها ومسعد تشاجرا معا بسبب رفضه عودتها للدراسة واتهامه لها بالتقصير مع ابنتها والبعد عنها وعدم مصادقتها مدعيا اهتمامها بالصبيين اكثر على حساب الفتيات..
ساد الصمت للحظات بينما زاد شحوب تُقى وهي لا تصدق وتحاول بصعوبة استيعاب ما تسمع...ثم اغمضت عينيها وقالت بحسرة:
"آه يا قلبي يا صغيرتي ..كيف ستتحمل وجع ما حدث لها لابد ان الأمر سيترك بداخلها اثرا لا يمحي ...مسكينة رؤى"
انفعلت مها وردت بحدة:
"أتحزنين لأجلها وتشفقين عليها !!..اشفقي علينا نحن ...فهي من فعلت ذلك بنفسها هي الغبية التي زجت بنفسها وبنا بتلك المصيبة "
نظرت لها تُقى بعيون دامعة وهي تقول بحزن :
"نعم اشفق عليها ...لا أنكر أنها أخطأت ...لكنها أخطأت بحسن نية ...هي صغيرة دون تجربة ...صغيرة عاشت حياة مغلقة بينكم بتلك الدولة التي لم تتح لها ان تعيش بانطلاق وترى ما يحدث بالعالم حولها لتكتسب وعيا ...رؤى رغم شقاوتها فتاة لم ترى شيئا من الدنيا ..اراها حتى اصغر من سنواتها التسعة عشر ...لأنها عاشت حياة محدودة ومغلقة فى دائرة حدودها انتم فقط ...لم ترى السيئ في العالم حولها ...فتصرفت بتلقائية ووثقت بمن لا يستحقون الثقة ...وانت ومسعد مخطئان ...لأنكما غلظتما عقوبتها لهذه الدرجة ...حرام عليكم ...عاقبوها نعم ...لكن ليس لتلك الدرجة انت وهو تضرباها وتحبساها وتتعاملا معها كما لو كانت خاطئة ...هي لم تصاحب الشاب او تفرط بنفسها ..حسب كلامك هي حتى لم تذهب معه بمفردها"
قطبت مها وقالت برفض واستنكار:
"اذا هل ترين ما فعلته هينا او بسيطا"
نفت تقى قائلة :
"بالتأكيد ...لا ..لكن أيضا ما فعلتماه خاطئ ...حاسباها نعم ..عاقباها هذا حقكم ...لكن لا تزيدوها...أنتم هكذا تكسرونها كسرا لن يجبر ..وسيكون شرخا لن يبرأ بداخلها ناحيتكم ...يجب أن تحتضناها حتى مع العقاب.. تحدثا معها ...افهماها خطئها ..ولا تجعلا العقاب اكبر من الخطأ"
ونظرت لعيني شقيقتها بوجع وهي تذكرها:
"لا تفعلي معها كوالدنا يا مها ...لا تكرري اخطائه معنا ...انت رأيت بنفسك نتيجة قسوته علينا ..نتيجة عقابه لنا على اقل خطأ بمنتهى القسوة وبما يفوق أي خطأ فعلناه أو حتى توهم اننا فعلناه ...جعلني انا هاربة من الدنيا والواقع لعالم الخيال ...عالم خسرت بسببه عشر سنوات من عمرى وعمر زواجي وابني وكدت اخسر حياتي كلها لولا رحمت ربي بي وقلب زوجي الطيب ...حتى انت يا مها ..كنت دوما تهربين من أي مشكلة ...تنغلقين على نفسك منتظرة من المصائب ان تختفى وحدها ..ان تُحل من تلقاء نفسها ..كنتِ حتى لو كسرت كوبا دون قصد ...تنزوين خائفة هاربة وصامته ...فإن لم ينتبه احد فخيرا وبركة ..وان علموا وتم عقابك تتقبليه بصمت دون محاولة الدفاع عن نفسك ولو بكلمة "
طالعتها مها بسخرية مريرة وهي تقول:
"وما فائدة الدفاع عن نفسي! ..هل دفاعك الدائم انقذك يوما من عصا ابيك الغليظة ...بل دوما ما نالك بسبب لسانك ضعف العقاب"
نظرت لها تقى بوجع وقالت :
"ربما ...عموما لسنا الآن في من كانت طريقتها أفضل في مواجهة ابي ..انا او انت فكلانا كنا بأسوأ حال مع والد يكره الاناث ويرى انجابه لهن عار ...لذا اخبرك ..لا تعيدي أخطاء ابيك مع ابنتك ...لا تعاقبيها بقسوة ...لابد ان تحتويها يا مها ..مسعد قسى عليها ...يجب ان يتوقف وان يجلس معها ويتحدث لها ..وانت يجب ان تقتربي منها ..ضميها لك واحتويها اختاه ...لا تدعيها لنفسها وقهرها ..او حتى لشيطانها ...وبالتأكيد موضوع تركها الدراسة ومنعها من الاختبارات مرفوض ..تحدثي مع زوجك ثانية بهدوء وعقل وان لم يأتي بنتيجة فسامحيني ..أنا لن اصمت وسأتدخل واخبر اشرف أيضا ليتدخل "
شهقت مها برفض وقالت بتحذير:
"أياك تقى ..مسعد سيجن ويغضب اكثر ان علم اني اخبرتك"
نظرت لها تُقى بتصميم واجابت :
"اذا ابذلي جهدك ليغير رأيه ..لأني لن اسمح بأن تضيعوا مستقبل الفتاة ...رؤى عندي كياسر وتقى ولن اسمح ان تقهروها وتظلموها.. واخبرتك سابقا.. نحن لا نملك إلا بعضنا ..عائلتنا صغيرة ومغلقة علينا ...لن اتجاهل ما يحدث لفرد منها وادعي عدم المعرفة ...سأترك لك الغد فقط لتحاولي معه فيه ..وآتي بعد غد لأطمئن على الفتاة واعرف النتيجة ..لو وجدت الوضع على ما هو عليه سأتدخل ولو اخذتها عندي رغما عنكم حتى تنهي اختباراتها "
لم تستطع مها الرد وهي تسمع صليل المفاتيح بالباب ينبئ بعودة الرجال وصوت ياسر يهتف :
"خالتي اريد المزيد من الكنافة هل بقى شيء؟"
فتنهدت ونظرت لأختها وهي تومئ برأسها آمله ان تستطيع غدا تغيير قرار مسعد ...

يتبع

[**منى لطيفي (نصر الدين )**]

الحارة .. سطوح عوض
وصل للسطح ودخل ساهما وهو يتذكر نظرتها له ...يفكر بالكيفية التي يمكن ان يقترب منها دون ان يكون بإمكانها الهرب منه
"ما الذى أخرك"
أجفل للحظة عندما فاجئه صوت سيد الحاد بنبرته الهجومية ورفع عينيه للسطح المظلم يتطلع لهذا الخيال الجالس بتحفز على كرسي بوسط السطح فاقترب منه ساحبا كرسيا أخر وجلس بمواجهته وهو يقول :
"بقيت قليلا مع الشيخ اسأله عن بضع أمور بعد انتهاء التراويح"
سخر منه سيد قائلا:
"وهل سألته عن مدي حرمة عدم غض البصر والتطلع لحرمات النساء....خاصة ان كانوا يقربون لمن آمن لك وادخلك بيته؟!"
صمت آسر للحظات دون رد... يستجمع شتات أفكاره ...
إن سيد هو طريقه إليها ..سما تعشق اخاها .. أمر لاحظه منذ كان يأتي لها بالعمل ليوصلها ...لو استطاع كسبه لصفه فهذا يعني انه استطاع قطع نصف الطريق إليها ..
المشكلة في هذا الاحمق أمامه ...على قدر اقترابه منه خلال الفترة السابقة واعجابه برجولته وشهامته ومساندته لأخوته ولكل من حوله ..إلا أنه عصبي وحمائي لدرجة مفرطة.. واحيانا يتحول لثور اعمي ينطح الجميع حين يشعر بالغضب والانفعال..
اخرجه سؤال سيد من أفكاره وهو يسأله:
"أين عوض؟"
رد بهدوء:
"ذهب بعد الصلاة ليشتري بعض الأشياء لعائلته قبل سفره لهم "
قال بحدة :
"جيد حتى نستطيع التحدث براحة "
ليضيء كشاف هاتفه ويوجهه ناحيته مما تسبب بتشوش رؤية آسر ووضع يده على وجهه هاتفا بضيق :
"ماذا تفعل يا احمق! ..اغلق هذا الضوء ...لو اردت رؤيتي سأشعل الضوء"
قالها وتحرك نحو الجدار بجانب الحجرة وضغط مفتاح الضوء لينير السطح ثم عاد ليجلس على كرسيه وهو يبادل سيد النظرات وأسرع بالقول ليقطع على سيد أي كلام حاد ظهر على ملامحه وهم بقوله :
"سيد ..أنا احب اختك سما منذ زمن طويل ...وارغب بالزواج منها "
لتنفجر قبضة سيد فجأة في وجه آسر وتطيح به أرضا.
أنتهى الفصل التاسع والعشرون
قراءة سعيدة

[نوال ياسين]

تسجيل حضووور لرواية رووعة

[رانيا صلاح]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 155 ( الأعضاء 44 والزوار 111)
‏رانيا صلاح, ‏shroq amien, ‏رتال بسيوني, ‏ابرار محمد, ‏Ghufrank, ‏Saro7272, ‏amana 98, ‏احلام العمر, ‏maryam ghaith, ‏shf2000, ‏مايا محمد علي, ‏الاميرة..., ‏business student, ‏safsf, ‏Moon roro, ‏ام مالك٢, ‏موضى و راكان, ‏سماح الطيبة, ‏رانيا زهير, ‏najla1982, ‏مريم@, ‏Maryam Tamim, ‏Marwahr, ‏ميمو٧٧, ‏عائشه**, ‏sosomaya, ‏وجدان1417, ‏mira amani, ‏فديت الشامة, ‏هبة الله العواد, ‏Selinn, ‏mayna123, ‏دلال الدلال, ‏rontii, ‏fatma ahmad, ‏نوال ياسين, ‏اهات منسية, ‏حبيبيه, ‏همس البدر, ‏tamy, ‏إدارية, ‏Ektimal yasine, ‏نوارة علي, ‏هاري فلسطين

[موضى و راكان]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 136 ( الأعضاء 41 والزوار 95)

‏موضى و راكان, ‏سماح الطيبة, ‏رانيا زهير, ‏maryam ghaith, ‏najla1982, ‏مريم@, ‏shf2000, ‏منالب, ‏Maryam Tamim+, ‏Marwahr, ‏Moon roro, ‏الاميرة..., ‏ميمو٧٧, ‏رانيا صلاح, ‏عائشه**, ‏sosomaya, ‏وجدان1417, ‏mira amani, ‏فديت الشامة, ‏safsf, ‏احلام العمر, ‏هبة الله العواد, ‏Alnajlaa, ‏Selinn, ‏mayna123, ‏دلال الدلال, ‏rontii, ‏ام مالك٢, ‏fatma ahmad, ‏نوال ياسين, ‏اهات منسية, ‏حبيبيه, ‏همس البدر, ‏tamy, ‏إدارية, ‏Ektimal yasine, ‏amana 98, ‏نوارة علي, ‏هاري فلسطين, ‏seham26, ‏Immortal love



إبداع يا كاتبتنا العزيزة دمتى متألقة 🌹

[najla1982]

هههه و ختامها مسك مع قبضة سيد 😂😂😂😂 روعة الفصل خاصة جزء ياسمين ادمع عيوني مع موقف حماتها 💞💞💞سلمت يداك رغيدا 👏👏👏👏

[Maryam Tamim]

يسعد قلبك يا رغيدا ويعافيك يارب


الفصل جميل جدا ❤️❤️❤️
مشهد تقى الكبيرة ومها جميل جدا كلامها منطقي وعقلاني لأقصى درجة العقاب ليس هو الحل .. التوجيه والتقويم .. الصحبة والقرب والمرافقة للابناء وليس معاقبتهم وتركهم ..

سما واسر والحب الذي يتجدد من نظرة ❤️❤️❤️
المشهد يجنن يا ريدا والعرق سوسو موتني ضحك 😂😂😂
وسيد حبيبي لقطها وهي طايرة وردها لآسر بقبضة طائرة 👊👊👊
ربنا يعينك يا اسر سيد مش سهل على فكرة 😂😂😂


اما الست ام اربعة واربعين ( ام داليا) سابقا
دي حرقت دمي انا شخصيا .. يعني مفيش دم خالص خالص يا ربي
استعجل يا اخ هادر طلع بحرية العينين من الوحلة دي انا مش مستحملة امها الصراحة 😡😡😡

الفصل جميل استمتعت بيه جدا
يعطيك ألف عافية 🌹🌹🌹

[Ektimal yasine]

الله عليكي بس ضروري اللكمة لحبينا أسر
حبيت غيرة سيد عا أختو وانو فهمها من نظراتها طبيعي رد فعلو بس تصرف أسر برأيي ما كان متسرع لأنو متل ما قال الصراحة مع سيد طريقو لسما
هادر وحنان أمو هادر حنان فعلا راح يعوضوا ياسمين عن كلشي مرت فيه خصوصا حنان راح تعوضها حنية أمها وبتوقع تسكن مع أهل هادر
تقى الماضي اخدت عبرة منو ومنيح عرفت لأنو مسقبل رؤى اذا بقي ابوها مصمم بخطر صحيح أخطأت بس درس وتعلمت ياريت كمل الفصل لنعرف مصير اسر بس متل ما قال في رهان والو طلب عندن واجا وقتو ابدعت رغيدا القمر