شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   سُلاف الفُؤاد *مميزة ومكتملة * (https://www.rewity.com/forum/t458525.html)

Hend fayed 14-12-19 06:58 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود (المشاركة 14662372)
الفصل العاشر

معقول خلصنا من فؤاد بسهولة كدا وبعد كل جبروته دا انتحر بسهولة

مروة اخيرا بدأت تفوق وتشوف اللى بتضيعه من ايديها بتجاهلها لابنها وانشغالها بالصراع مع شمس وواضح انها بدأت تهتم بالاحداث اللى بتدور حوليها وعايزه تشارك شمس ولو بحاجه بسيطة بس من غير ما تظهر لشمس اهتمامها او تغيرها
قاسم بيدفع صخر بكل قوه عشان يحارب للحصول على حقه فى اسم ابوه ووجوده فى العيلة وطبعا صخر مستسلم ومش عايز الحق دا وبيرفضه بكل تعنت لاعتقاده الدائم ان ابوه تخلى عنه يبقى مش من حقه يطالب بوجوده فى حياته او يسأل عنه

المجنونة زهراء هتتطير البرج اللى فاضل عند حمزة
والفالحه حفصة رايحه تاخد نصايح هههههههههههههه
تسلم ايدك يانودا


الشر عامل زي النار اللي بتاكل بعضها البعض.. فؤاد كان أفعى سامة مش لاقية اللي يتصدى ليها ويقطع عنها المصدر اللي بيمدها بالسم وبمجرد ما صخر عمل كدا منبع الشر عند فؤاد نفذ والحقد اللي كان بيوجهه لعائلة الجبالي أصبح هو الوحش اللي قضى عليه فكانت نهايته بشعة وعلى ايده هو.

مروة أخيرا فاقت من غفلتها وبتحاول تعوض وتصلح الأخطاء بتاعتها وفي نفس الوقت مش عايزة شمس تحس بتغييرها دا.

قاسم دوره مهم جدا، واقف مع صخر وبيدفعه عشان ياخد حقه بس المشكلة في صخر تركيبته رافضة تتفاعل مع دعم قاسم بسبب رفض جده ليه.
ربنا يصبر حمزة على ما ابتلاه، هو اللي اختار واحدة مجنونة يشرب بقى.😂
سيبيها تاخد نصائح وكورسات يمكن تفهم وتنجح في الامتحان.

ممنونة لرأيك ومرورك الجميل يا قمري🌹🌹🌹

Hend fayed 14-12-19 07:06 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبير سعد ام احمد (المشاركة 14663185)
والله صخر ونبض اثنين مجانينكل شوية طلقنى طلقنى وهو يقولها هطلقك ويرجع فى كلامة ويرجع يتغزل فيها شوية
وهى تتغزل فيه شوية تانيين خلصونا بقى

امتى صخر يستقر اكيد لما تعود والدته وتستقر حياتها مع معتز
وجده يتقبله ويتقبل وجوده
يوسف ونغم مشكلتهم اكبر لان نغم اخت صخر من الام والجد ان كان وافق بحصور صخر زفاف زيد

وشمس صعب يقبل بارتباطهم
ريم دة انسانة حقيرة مفيش حد لحقارتها
حلا فعلا كانت المفروض تكون بنت ملك وياسين بلرسانها الطويل
زيد حظ اوفر المرة القادمة

ونصيحة بعد الزفاف اقفل غرفتك بالمفتاح افضل
دة بيت مجانين على راى حلا

هي جات على جنون صخر ونبض وهنشتكي ما العيلة كلها كدا وزهراء أكبر مثال.😂
هما يتغزلوا في بعض واحنا مرارتنا تتفقع.😂

فعلا مشكلة ارتباط نغم ويوسف كبيرة تكمن في رضا الجد التام وصفاء نواياه تجاه ليال نفسها لو دا حصل اكيد اللي بعد كدا سهل.
ريم دي مثال للحقارة اكتفي بقول انها (بنت فؤاد) هتكون عاملة ازاي يعني؟
صدقيني لا قفل باب بالمفتاح هينفع ولا غيره دا انا محضراله مفاجأة تحفة هينبسط بيها اوي وهقدمهاله ليلة الزفاف. (انا كريمة جدا) وخاصة مع زيد المتواضع بزيادة.😂
حلا دي حلا الرواية عليها كلام حكم.😂

سعيدة برأيك ومرورك يا جميلة.🌹🌹🌹

زهرة الغردينيا 17-12-19 11:54 AM

صباح الورد
تسجيل حضور
بانتظارك

Hend fayed 17-12-19 05:51 PM

سُلاف الفُؤاد
 
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛
|| الفصل الخامس عشر ||

مساءً / في دار الجبالي
دخلت حفصة إلى جناحها وهي تخلع حجابها متمتمة براحة: " الحمد لله.. كل شيء أصبح جاهزا لأجل ليلة الحناء غدا "
تبعها عاصم وهو يغلق الباب قائلاً: " لم يكن هناك داعٍ لعودة شمس للعاصمة اليوم طالما ستأتي صباح الغد "
رمت الحجاب على الفراش وهي تحرر شعرها البني من عقدته مجيبة: " هي أصرت على ذلك ولم يعترض جدي "
جلس عاصم على طرف الفراش قائلاً بتفكير: " إنه مشغول البال منذ بضعة أيام وأرجح بأن الأمر له علاقة بصخر "
جاورته حفصة وهي تقول بقلق: " هل تظن بأن جدي سيمنعه من الحضور؟ "
رد عاصم بجدية: " بالطبع لا يا حفصة.. جدكِ أعطى كلمته بالموافقة وأنتِ تعلمين أنه لا يتراجع في قرار أتخذه بعد تفكير "
تنهدت براحة وهي تقول: " الحمد لله.. هذا جيد لأجل صخر.. هو يحتاج بأن يرانا جميعا من حوله.. يحتاج الشعور بدعم عائلته له بعد كل هذه السنوات التي قضاها منبوذا عنا "
إبتسم عاصم وهو يرد: " هل تعلمين بأننا جميعا نغار من ذاك الكحيل الذي ما إن ترونه حتى تفغرن فاهكن كالبلهاوات؟ "
ابتسمت حفصة بخجل وهي ترد: " عيناه مميزتان ما شاء الله من الصعب تجاهل النظر إليهما "
عبس عاصم بغيظ طفولي يقول: " أصابتكِ عينا يا حفصة.. لا أصدق بأنكِ أنتِ من تقولين هذا عن رجل.. ماذا جرى للجميع؟ "
ضحكت حفصة وهي ترد: " وأنا لا أصدق بأنك تغار منه وأنت تعلم أن ليس في قلبي سواك "
ابتسم عاصم بإتساع وهو يقول مناكفا: " هكذا يكون الكلام الجميل "
نهضت حفصة من مكانها سائلة: " هل سيتم عقد قران ياسين وملك بعد غد فعلا؟ "
اومأ عاصم وهو يجيبها: " ياسين مُصر على ذلك وملك أيضا أبدت موافقتها لذا لا أرى ما يمنع إتمام عقد القران "
فتحت خزانة الملابس قائلة: " وهل وافق قاسم؟ "
ضحك عاصم وهو يستقيم واقفا بينما يفتح أزرار قميصه وهو يقول: " المسكين كاد يُصاب بذبحة صدرية حينما علم بأن جدي لم يعترض.. هكذا يكون شباب العائلة الأصغر منه تزوجوا جميعا قبله "
إلتفتت برأسها تقول: " هل نسيت يوسف؟ "
ابتسم عاصم بمكر وهو يجيبها: " بالطبع لا لكني أظن بأنه سينضم لصفوف المتزوجين عما قريب "
ضيقت عينيها تطالعه بحذر وهي تسأله: " أنت تعرف شيء بخصوص يوسف وتخفيه عني.. أليس كذلك؟ "
حرك عاصم كتفيه بخفة وهو يجيبها: " إنه مجرد احتمال غير مؤكد "
تنهدت حفصة وهي تعود للنظر إلى الخزانة وهي تنتقي بعض الملابس بينما تقول: " هل سيحضر صخر وحده؟ "
رد عاصم وهو يضع ساعته جانبا: " أظن ذلك رغم أن جدي يقول بأنه لا يمانع أن تحضر السيدة ليال أيضا "
استدارت حفصة وهي تقول بحزن: " أتمنى ألا تأتي.. عمي سيحزن كثيرا إن رآها مع زوجها، هو لا يزال يحبها حتى اليوم "
زفر عاصم وهو يتقدم من حفصة التي ناولته ملابس بيتية نظيفة وهو يقول: " عمكِ أصيب بلعنة العشق يا أميرتي وهذا قدره أن يحيا ما تبقى له من عمره يتجرع ويلات أخطائه وتخاذله فيما مضى "
طالعته حفصة بكآبة بينما هو يضيف بشجن: " هذا عقاب من يُفرط فيمن يحب بثمن بخس يا حفصة.. قدره أن يظل يتقلب في بحور الندم على قرار أتخذه في لحظة وجعله اليوم يرى من أحبها مع آخر حتى ما عاد له حق النظر لها ولو بنظرة خاطفة "
ثم وبدون أن يضيف كلمة أخرى كان يتجه نحو الحمام ليبدل ملابسه لتراه يخرج بعد دقائق معدودة متجها إلى الفراش ثم يسبح في نوم هادئ دون أن يمنحها نظرة واحدة أخرى
تنهدت حفصة بكآبة وهي تستلقي إلى جواره بنفس الهدوء بينما عقلها أخذ يعمل سريعا باحثا عن سبب تباعده الخفي عنها
نعم هو لم يتجاهلها أبدا بل يتحدث معها كالعادة لكنها ورغم ذلك تشعر به بعيدا عنها ربما بروحه وهذا ما يحزنها لأنها لا تدرك السبب في ذلك
أما عاصم ففي قرارة نفسه كان يشعر بالغم لما حدث مع عمه خالد وحين يضع الأمر نصب عينيه تزداد كآبته وهو يفكر ترى أيمكن أن يفترق يومًا عن حفصة أو تحدث مشكلة تجبرهما على الإنفصال فيرتشف نصيبه من كأس الندم والمرار الذي سبقه عمه إليه
***

في جناح حمزة
كان يبدل ملابسه وانظاره مسلطة على الفراش الذي تحتله زهرته المجنونة
كتم ضحكته وهو يراقب طريقة نومها الطفولية، تنام على السرير عرضيا مما يجعل ساقيها متدليتين من على الفراش حتى لامستا الأرض
شعرها البني الناعم مشعث بجنون كجنون صاحبته التي نسيت أن تنزع القلم الذي عادة ما تثبت به شعرها في عقدة خلف رأسها أثناء انشغالها بممارسة هوايتها الأثيرة
انتهى من تبديل ملابسه فاتجه إلى الفراش واستلقى بهدوء إلى جوارها وبنفس طريقتها قبل أن يقرب رأسه من رأسها وهو يتنهد هامسا: " كم أنتِ شهية في هذه اللحظة يا زهرتي المجنونة! "
همهمت زهرة بكلمات غير مفهومة للحظات قليلة قبل أن يكتم حمزة تلك الهمهمات بشفتيه التي لثمتا شفتيها برقة وهو يهمس باسما: " نومًا هانئا وأحلاما سعيدة يا زهرتي "
نهض بخفة وهو يحملها بين ذراعيه ثم وضعها في مكانها على جانب السرير الأيمن بشكل صحيح واستلقى إلى جوارها قريبا منها وهو يشدد من ضمها إلى صدره مغمغما: " هناك الكثير من الأمور تغيرت يا زهرتي.. بعضها نحن من سعينا لتغييره والبعض الآخر تغير فينا ورغما عنا.. لا أدرى إن كان هذا الأفضل أم لا لكن... لكني أشعر براحة عجيبة الآن أكثر من أي وقت مضى "
تنهد بعمق وهو يضيف: " أصبحنا معا جميعنا يا زهرتي.. ليس أنا وأنتِ فحسب بل وأبناء عمومتنا معنا أيضا.. نحن أقوى معا وأضعف من ورقة هشة في مهب الريح إن تفرقنا ولا عسى التفرقة تعرف لنا طريق أبدًا "
" اللهم آمين "
أجفل حمزة حينما سمع تلك التمتمة الخافتة منها فخفض بصره لها بتساؤل صامت ردت عليه ببساطة: " صوتك أيقظني "
زفر وهو يقول: " آسف لم أقصد أن... "
قاطعته زهراء وهي تبتسم برقة: " لا بأس.. على كل حال من الجيد أنني صحوت الآن ورأيتك أخيرا إلى جواري "
أشاح بوجهه عنها عاقدا ما بين حاجبيه كعادته بينما يقول: " من يسمعكِ تقولين هذا يظن أنني هجرتكِ من قبل مثلا "
فطالعته زهراء بقوة وهي تجيبه: " أوَ لم تفعل يا حمزة؟ أنا لا أكاد أراك منذ أسبوعين تقريبا أو ما يزيد.. بمجرد أن تحسنت عافيتك وزال المرض عنك بدأت في المداومة يوميا في العمل بالعاصمة حتى أنني أشعر أحيانا بأنك تقتنص الفرص لكي تبقى هناك ولا تعود إليّ "
ابتعد حمزة عنها بهدوء وهو يتمتم بلامبالاة: " ما هذا الهراء؟ "
قطبت زهراء وهي تعتدل على الفراش جالسة بينما تطالعه بحنق صارخة: " هراء! هذا كل ما استطاع عقلك الفذ في ابتكاره والوصول إليه؟ "
انقلب حمزة على جانبه الآخر موليا إياها ظهره وهو يقول ببرود: " لا أرى هناك داعي لكل هذا الكلام فلطالما كنت دومًا مشغولا في العمل وهذا ليس بالجديد عليّ أما عنكِ فأنا لم أقصر في حقكِ أبدًا ولا أظنكِ تعانين من الوحدة في غيابي في هذه الدار التي تعج بالكثير من البشر "
جزت زهراء على أسنانها غيظا وهي تقول: " وما حاجتي بكل البشر في غيابك أنت؟ "
للحظات صمت حمزة وكأنه لم يسمعها قبل أن يتمتم ببرود: " اطفئي المصباح إذا سمحتِ ودعينا ننام بسلام فأنا مُتعب "
زفرت زهراء بغضب مكبوت وهي تمتثل لأمره، أطفأت المصباح ثم غادرت الفراش وخرجت من الغرفة بخطوات عصبية تعكس مزاجها المُكدر
انقلب يستلقي على ظهره وبصره مثبتا على سقف الغرفة وهو يتأفف بضيق من نفسه لأنه أغضب زهرته، هو لا يتعمد ذلك لكنه كلما تذكر كلمات عمه خالد التي ألقاها على مسامعهم بعد أن عاد من المشفى يشعر بالانقباض فلا يدري بنفسه ولسانه الفظ يسبق حكمته وتعقله
" خذوا تجربتي مثالاً وضعوها نصب أعينكم في كل شيء خلال تعاملكم مع زوجاتكم، فليفكر كل واحد منكم مليا في كلامه قبل أن يتفوه به فكلمة قد ترفعك في أعلى مكان بقلب زوجتك وأخرى قد تنزلك تحت الأرض.. على كل واحد منكم متزوج أن يعتبر زوجته تلك ابنة له قبل أن تكون زوجة، فلينظر لها وكأنها درة غالية ورقيقة إن شددت عليها الحصار كسرتها وإن أهملت رعايتك لها خدشتها.. إياكم وعجرفة الرجال التي تخسف بهم الأرض وتجعلهم يخسرون أغلى ما يملكون في لحظة فوالله لو جار أحدكم على زوجته وبخس من قدرها فلن يقف له غيري ليندمه على ما فعل وصدقوني لن أكن رحيما بكم أبدًا "
فكر كثيرا في تلك الكلمات وبعد إرهاق طويل لم يصل لنتيجة ففضل النوم وتأجيل إعادة التفكير إلى الغد
***

في غرفة حياة
كانت تقف في شرفتها عاقدة ذراعيها أمام صدرها وعينيها واجمتان في الفراغ المحيط بها
عقلها لا يكف عن التفكير منذ الصباح، تحديدا منذ طلب صخر رؤيتها والحديث معها في الحديقة الخلفية للدار بعيدا عن أنظار الجميع
لازالت تشعر بنفس التوتر والرهبة التي انتابتها لحظة أن تطلع في عينيها بنظرته القوية الغامضة والتي تزامن معها صمته الطويل لبضعة دقائق حتى كانت هي أول من يبادر بالكلام لكسر حاجز الصمت الذي أوجس في نفسها خيفة مما هو قادم

ازدردت ريقها بتوتر تسأله: " خير يا ابن عمي.. لماذا طلبت رؤيتي في هذا الوقت الباكر؟ "
رد صخر بإيجاز: " يجب أن نتكلم يا حياة "
اومأت بإرتباك وانتظرت بصبر نافذ أن يُكمل كلامه ليقول بعد لحظات بطريقة مباشرة: " لقد أخذت بثأر والدكِ من قاتله وبهذا تكون صفحة الماضي قد أُغلقت للأبد ومع ذلك لا أرى أي تغيير فيكِ "
قطبت بعدم فهم تقول: " تغيير.. أي تغيير تقصد؟ "
رد بهدوء: " التغيير الطبيعي لفتاة عاشت سنوات طويلة من عمرها تحبس نفسها داخل سجن وهمي قضبانه كانت الرغبة في الثأر من قاتل والدها وها قد انتهى ثأركِ وبهذا تكون قد زالت قضبان سجنكِ فلماذا لم تخرجي إلى الحياة بعد؟ "
أشاحت بوجهها جانبا وهي تقول بتوتر: " أنا لا أفهمك "
رد صخر بقوة: " بلى تفهمين يا حياة.. تفهمين جيدا ما أقصده فلا تدعي الغباء "
طالعته بصدمة لحظية من إهانته لها قبل أن تصيح بإنفعال: " إلزم حدودك معي يا صخر أنا لست نبض كي تهينني وأتغاضى عن ذلك وكأنك لم تفعل شيء "
ابتسم باستخفاف وهو ينظر لها قائلا: " نعم أنتِ لستِ نبض وأبداً لن تكوني لأن نبض لا يوجد منها اثنتين "
زمجرت حياة بغضب بينما صخر يتابع حديثه: " أنا أعلم أنني لا أستحق نبض كما أعلم أنكِ لا تستحقين قاسم "
جحظت عينيها بصدمة أكبر من اهانته الأولى وهي تشعر بالرعب من تلك الفكرة المجنونة التي تفوه بها أما هو فقد أكمل حديثه ببساطة قاسية: " لا أظن أنني صدمتكِ بالحقيقة التي لطالما شعرت بأنكِ تعلمينها علم اليقين يا ابنة عمي "
تعالى تنفسها وهي تقول بصوت مضطرب: " أنت تهذي "
اومأ بخفة وهو يقول: " نعم أهذي.. هكذا نرى الشخص الذي يتفوه بالحقيقة التي نجاهد في اخفائها.. نرى أنه يهذي لأنه يقول ما لا نريد سماعه رغم قناعتنا الراسخة بأن ما يقوله هو الصدق بعينه "
تراجعت خطوة للخلف دون أن تشعر وهي تود فعليا لو استطاعت أن تختفي من أمامه اللحظة حتى لا تواجهه
خفض صخر بصره للأرض مراقبا لحركة قدميها المتعثرة وهي تتراجع أكثر بينما وجهها أخذ يشحب وكأنها تصارع شبح الموت
رفع بصره مرة ثانية إليها وهو يقول بهدوء ظاهري: " كنت أنتظر منكِ مفاتحة قاسم في موضوع زواجكما بعد أن تخلصتِ مما كان يزعجكِ في الماضي "
ردت بصوت متحشرج عصبي: " أنت تمزح.. كيف تظنني قد أفعل أمر كهذا.. أنا سبق ورفضته فكيف ستواتيني الجرأة لفتح هذا الموضوع معه من جديد؟ "
صاح صخر بغضب مكبوت: " هذه مشكلتكِ وحدكِ يا ابنة العم "
رمقته باستنكار فجز صخر على أسنانه وهو يقول بحدة: " قولي أنكِ لم تعودي تُحبين أخي وأعدكِ اللحظة بأنني لن اكلمكِ في هذا الموضوع مرة ثانية.. قوليها وسوف أنهي بيديّ كل شيء وللأبد حتى لا يتعذب أخي أكثر بسببكِ "
شعرت حياة بالغضب في هذه اللحظة وهي تواجه أكبر مخاوفها التي تتمثل في فقدان قاسم
شعرت بألم كبير يشق صدرها وهي تفكر أن قاسم قد يكون يومًا مع إمرأة أخرى إن رفضته هي
إمرأة تهتم به كما لم تفعل هي، امرأة تحبه أكثر منها، والأكثر ألما هو أن تتلقى منه تلك المرأة الأخرى الحب الذي تعلم أنه سيكون بمذاق خاص فقاسم حين يحب يكون فريدا ليس كأي مُحب
أرادت أن تصرح بحبها له، بتشبثها بفرصتها الأخيرة معه.. أرادت أن تصرخ في وجه صخر بأن قاسم لها وحدها ولن يكون لأخرى طالما هي موجودة بل إنها ستفعل كل ما بوسعها حتى تضمن انه لن يحب أخرى إن حان أجلها قبله وفارقت الحياة
أرادت لكنها حينما تكلمت فعلت العكس، هتفت بضيق: " من الأفضل أن تلتفت لحالك فأنت لست بأفضل مني.. أنظر لنفسك وحاول أن تصلح ما بها من عطب قبل أن تأتي إلى هنا وتقف أمامي معلنا محاكمتي "
رمش صخر لوهلة وكأنه لم يكن ينتظر سماع تلك الكلمات الحمقاء منها بل لم يكن يتوقعها في الحقيقة
ابتسم صخر بقسوة مجيبا: " معكِ حق.. يجدر بي محاكمة نفسي أولا وإصلاح ما بي من عطب قبل أن أحاسبكِ.. أنتِ مُحقة تماما يا ابنة العم لكنكِ على ما يبدو تجهلين أنني قد اتخذت أولى الخطوات لإصلاح نفسي لكنني أيضا ربطت تلك الخطوة بكِ "
طالعته بتوجس فتنمحي ابتسامته فجأة وكأنها لم تكن ثم تقتم عينيه وهو يكمل حديثه بجمود مُخيف: " كلانا لا نستحق ما منحنا الله من أشخاص مميزين في حياتنا لهذا علينا أن نختار أحد الأمرين وننفذهما.. إما أن نتغير للأفضل حتى نليق بهما أو نفارقهما دون أن نضيف إليهما المزيد من الخيبات "
رددت حياة بصوت هارب منها: " نفارقهما "
اومأ صخر برأسه وهو يضيف بنفس الصوت والنظرة: " نعم نفارقهما.. الخيار لكِ يا ابنة العم.. إن اخترتِ البقاء مع قاسم سيكون عليكِ إعلان ذلك غدًا أمام الجميع وإن لم تفعلي سأعتبر هذه إشارة منكِ باختيار الأمر الثاني وهو الفراق وحينها سأطلق نبض وأحررها للأبد حتى تجد من يستحقها وفي المقابل سأحرص على اجتماع أخي مع فتاة أخرى غيركِ تقدر حبه وتستحقه وبهذا نكون منحناهما التحرر من قيود فرضناها عليهما ظلما "
فتحت فمها للرد فقاطعها ببرود قائلاً: " لا أريد سماع ردكِ الآن.. أمامكِ فرصة للغد حتى تفكري في كلامي وتحسبين قراركِ وما سيترتب عليه دون أن تتسرعي في الإختيار ولا تنسي أن مصير نبض أيضًا بين يديكِ وليس قاسم فحسب "


فرت بضعة دمعات حارقة من عينيها وهي تسب بعنف، تتمنى اللحظة لو تستطيع الوصول لذاك المتعجرف الفظ لكانت مزقت وجهه بأظافرها
إنها غاضبة.. غاضبة من نفسها ومن ذاك المتعجرف ومن قاسم ومن نبض ومن الجميع
لا تعرف ماذا تفعل؟ إنها تريد قاسم وفي نفس اللحظة تخشى إعلان موافقتها ولا تدري لماذا تخشى ذلك؟
مسحت دموعها بعنف وهي تفكر بعقلانية وتخبر نفسها بأن صخر كان مُحقا في حديثه
لقد تسببت في الكثير من الألم والعذاب لقاسم والأخير أبداً لم يشكو منها لأحد بل كان يتحملها ويصبر عليها
ازدردت ريقها وهي تنظر أمامها بإصرار نضح جليا من مقلتيها
ستفكر في كلام صخر للمرة الأولى والأخيرة.. ستفعل وتختار الأصلح لقلبها ولها قبل الجميع
ستكون أنانية في اختيارها ولن تضيع الفرصة من بين يديها ثانية
لقد انتهى الثأر وأُغلقت معه كل صفحات الماضي الأليم ولم تتبق لها أي حُجة تهرب منها من مواجهة الحب الذي لطالما كتمته بداخلها لسنوات طويلة وحجزته خلف أسوار حصينة حتى لا يراه ولا يعلم عنه أحد
ستختار ما يُريح قلبها وهي تعلم أن قلبها ليس مِلكا لها من الأساس إذن فهي ستختار ما يُريح مالك قلبها
نعم ستختاره هو.. ستُعلنها أخيرا وليكن بعدها ما يكون
***

في الأسفل
رفع ياسين هاتفه إلى أذنه بينما بصره مثبتا على وقفة حياة البائسة في شرفة غرفتها
أتاه الرد بصوت هادئ: " السلام عليكم.. كيف حالك ياسين؟ "
تجاهل ياسين الرد على تحيته وسؤاله وهو يقول بضيق: " حياة تبكي.. إنها على هذه الحالة منذ أن ألتقيت بها صباحًا "
رد صخر ببرود: " وما دخلي أنا؟ "
هتف ياسين بحنق: " أنت السبب.. ماذا قلت لها لتكون على هذا الحال؟ "
بنفس الصوت رد صخر: " لم أقل لها شيء "
زفر ياسين بغيظ وهو يراها تدلف للداخل وتغلق باب الشرفة من خلفها قبل أن يهدر بحدة: " إن لم تخبرني الحقيقة سأذهب لقاسم حالا وأخبره بأنك ألتقيت اليوم بحياة و... "
هدر صخر في المقابل بشراسة: " إياك أن تفعلها.. أقسم بالله كنت قتلتك أتفهم؟ إياك أن تخبر قاسم بشيء أو تتدخل حتى.. هذا الأمر لا يعنيك أبدا "
صاح ياسين بضيق: " لكن... "
قاطعه صخر بنفس النبرة: " الكلام انتهى.. أراك في الغد "
زفر ياسين بقوة وهو يضع الهاتف في جيبه متمتما: " لستُ مرتاحا لما تفعله يا صخر.. ألطف يا رب "
***

في الصباح / دار الجبالي
كان سليم يقف في إحدى الزوايا مستندا على الحائط من خلفه وذراعيه معقودين أمام صدره، يراقب منذ ساعة حركة الفتيات بوجوم لم يعتده منهن من قبل
حفصة ليست مبتسمة كعادتها وإنما تتحرك واجمة ترفع الأشياء من مكانها ثم تعود وتضعها من جديد في نفس المكان دون أن تحرك فيها شيء أو تضيف لها أي شيء
حياة ليست عابسة كعادتها في تلك المناسبات وهي تلاحق خطى حلا الصغيرة وتنهرها من العبث بالزينة كما كانت تفعل وإنما تراقب ما تفعله حلا بشرود دون أن تعلق بكلمة حتى
ملك تتحرك بخفة وكأنها تملك جناحين خفيين يساعدانها على الحركة ورغم ذلك كانت واجمة بعض الشيء وبين الحين والآخر تتنهد بكآبة حينما تلمح ظهور ياسين قبل أن يختفي وهو يحمل الغرض الذي دخل لأجله ثم يخرج لينضم للشباب في الحديقة مرة أخرى
زهراء لم تكن عينيها تلمعان بحالمية كعادتها في تلك اللحظات وإنما عينيها كانتا منطفئتين تماما وتكاد تتصلب ملامحها من شدة عبوسها الغير معهود فيها وكأن حمزة أصابها من عدواه
فرح كانت الوحيدة التي تمر على شفتيها بسمة عابرة كل حين وآخر قبل أن تتوارى خلف نظرة حزينة تسطع بوضوح في مقلتيها وهي تنظر إلى الباب كل فترة وكأنها تنتظر دخول شخص ما في أي لحظة
وشمس كانت تتوتر وتتورد وجنتيها كلما ذكرت حلا شيء يخص زيد ثم بعد لحظات تطرق برأسها واجمة في شيء ما
أما نبض فكانت حالتها أكثر تعقيدا من الجميع، تبدو كمن يكبح لجام مشاعره من الظهور.. لا يعلم ماذا تخفي؟ تبدو سعيدة ولكن في نفس الوقت تخشى من شيء ما؟
تنهد سليم وهو يترك مكانه متوجها للأعلى حيث جناح خالد وهو يفكر بأنه يحتاج لإخباره دون غيره عن الحالة العجيبة التي تمر بها الفتيات.. الآن وليس لاحقا
***

بعد ساعة
هتفت حلا: " جدي خالد يريدكن حالا في جناحه "
نظرت كل واحدة منهن إلى الأخرى في حيرة بينما حلا تؤكد: " جميعكن "
قطبت حياة وهي تسألها: " لماذا يا حلا؟ "
زمت حلا شفتيها وهي تقول: " بالطبع لن أخبركِ وإلا سيغضب مني جدي "
زفرت حياة بضيق وهي تصيح: " انطقي يا حلا وإلا قطعت لسانكِ وعلقتكِ من قدميكِ على بوابة الدار "
ركضت حلا إلى نبض تتشبث بثوبها وهي تقول: " لن تسمح لكِ نبض بهذا.. هي ستدافع عني.. أليس كذلك نبض؟ "
اومأت نبض وهي تبتسم لها برقة مؤكدة: " بالطبع حبيبتي (رفعت بصرها إلى حياة تقول) لا يصح أن تطلبي منها ترديد ما سمعته يا حياة.. إنها عادة سيئة لا يجب أن تعتادها حلا "
صاحت حياة بإنفعال: " وهل أنا من طلبت منها أن تتنصت على عمي خالد من الأساس؟ "
ردت نبض بهدوء ولطف: " لا ولكن بطلبكِ منها أن تخبركِ عما سمعته تكوني بهذا تحرضينها بطريقة غير مباشرة على تكرار نفس الفعل السيء مجددا "
لم ترد حياة بكلمة فأمسكت نبض بيد حلا وغادرتهن قائلة: " سأسبقكن إلى جناح عمي "
***

في الأعلى / جناح خالد
دخلت نبض بهدوء وهي تقول: " طلبتني عمي "
نظر لها خالد طويلا قبل أن يشير إلى أبعد زاوية في غرفة الجلوس الصغيرة الملحقة بجناحه وهو يقول بغموض: " اجلسي هناك وانتظريني حتى أنتهي من البقية فالحديث معكِ سيطول "
اومأت بطاعة وهي تتحرك إلى تلك الأريكة الجانبية التي أشار عليها خالد فجلست بهدوء وانضمت إليها حلا باسمة بشقاوة وهي تهمس: " سأنتظر معكِ "
اومأت نبض وهي تربت على شعرها هامسة في المقابل: " حسنا يا حلاي أبقي "

بعد دقائق معدودة
كانت الفتيات تجلسن بترقب أمام خالد الذي يجلس أمامهن واضعا ساقا على الأخرى بأناقة، مكتفا ذراعيه أمام صدره ويطالعهن بغموض تام
سألت حفصة بتوتر: " خير يا عمي.. ماذا حدث؟ "
رد خالد بهدوء مريب: " أليس من المفترض بي أنا أن أسألكن هذا السؤال يا ابنة أخي؟ "
ازدردت حفصة ريقها وهي تقول: " لماذا عمي.. ماذا فعلنا؟ "
أجابها خالد وهو ينقل نظراته بينهن جميعا: " حالكن عجيب.. هناك بعض التغيرات الملحوظة عليكن حتى أن هذا كان رأى عمكن سليم "
أطرقت كل واحدة منهن رأسها دون تعقيب بينما غمغمت زهراء بكآبة: " الفضل يعود لابن أخيك "
سأل خالد بهدوء: " ماذا قلتِ زهراء.. لم أسمعكِ؟ "
رفعت زهراء رأسها وهي تقول بشجاعة: " أقول بأن الفضل في هذا يعود لحمزة يا عمي.. هو السبب "
رفع خالد حاجبا متعجبا وهو يقول: " حمزة هو السبب في التغيير الذي طرأ عليكن جميعا! هذا غير معقول "
عبست زهراء وهي تهتف بغيظ: " أنا أتحدث عن نفسي عماه.. ما دخلي أنا بهن؟ "
اومأ خالد ضاحكا وهو يقول: " نعم ما دخلكِ بهن؟ "
زمت زهراء شفتيها وهي تتمتم بحزن: " حمزة لم يعد يحبني يا عمي.. منذ فترة وقد اقتصرت حياته على العمل والنوم لا غير "
وكأنها نطقت بالكلمة السحرية التي أجبرت الجميع على النطق فأضافت حفصة بكآبة: " هذا ما أشعر به أيضًا.. لقد بات عاصم ينأى بنفسه عني بين الحين والآخر بطريقة لم أعتدها منه في السابق "
غمغمت حياة ببؤس: " وقاسم لم يعد يتكلم معي منذ فترة.. أشعر بأنه يتهرب حتى من النظر إليّ وكأنني ما عدت بذات أهمية بالنسبة له "
تنهدت شمس وهي تقول: " أنا متوترة من لهفة زيد التي بات لا يخفيها عني أبداً كما كان يفعل.. أشعر بالخوف من انطفاء حبه لي فجأة كما بدأ ولا أعلم ماذا يجب أن أفعل؟ "
زمت فرح شفتيها وهي ترمق والدها بطرف عينها قبل أن تتمتم بحذر: " وأنا أخشى إفلات الفرصة في الحصول على من اختاره قلبي "
رفع خالد حاجبا بتهديد وهو ينظر لابنته التي سارعت بقول: " كنت أمزح يا أبي "
كتم ضحكته وهو يستمع إلى ملك التي زفرت بقوة قبل أن تتمتم: " أما أنا فأخشى أن اتغابى في شيء واتسبب في ضياع ياسين مني.. أنا أحبه "
عبس خالد وهو يقول: " تهذبي يا بنت "
نظرت لعمها بعبوس طفولي وهي تقول: " هل يغضبك أن أعبر عن حبي لإبنك؟ عجيبة والله "
رمقها خالد بقوة وهو ينادي اسمها بحزم: " ملك "
غمغمت بنزق: " آسفة عماه.. أنا أكره ابنك.. هل يرضيك هذا؟ "
رمقهن بنظرة ممتعضة قبل أن يقول ببرود: " أولادي جميعا أغبياء.. البكري اختار فتاة حمقاء لا تجيد اقتناص الفرص فسببت له ولنفسها الشقاء لسنوات، والثاني اختار فتاة رقيقة لن تحتمل قسوته طويلا، والثالث اختار فتاة طويلة اللسان لا تجيد إلا الكلام أما عند الأفعال تقف كالبلهاء "
زمت فرح شفتيها وهي تقول بغيظ طفولي: " نسيتني أبي.. أنا الأخرى ابنتك أي ضمن زمرة أولادك الأغبياء الذين تُشرد بهم على الملأ "
ضحك خالد بتسلية وهو يقول: " انتظري حتى يعلم أخوتكِ بأنكِ تحبين شابا دون علمهم وبعدها سنرى نتيجة غبائكِ أنتِ بالذات "
في تلك اللحظة دخل سليم وهو يبتسم قائلاً: " إجتماع نون النسوة هذا ينقصه واحدة (إلتفت برأسه للخلف وهو يقول) تفضلي بنيتي "
دخلت نغم بهدوء وهي تنظر مباشرة إلى خالد الذي وقف على الفور قائلا: " أهلا وسهلا بالفراشة الغالية التي أنارت دارنا "
توسعت عينيها بذهول فأبتسم خالد بحنان وهو يقول: " لقد أخبرني يوسف.. تعالي يا نغم "
ازدردت ريقها بتوتر وهي تنظر إلى يده المفرودة في دعوة لها بأن تقترب منه وحانت منها نظرة جانبية نحو نبض، أومأت لها الأخيرة بتشجيع فأبتسمت نغم وهي تومئ لها في المقابل قبل أن تقترب من خالد الذي فاجئها كما الجميع بأن احتضنها بقوة متمتما بحنو: " أتمنى أن تكوني إحدى أميرات دارنا عما قريب "
ردت عليه بنفس الخفوت: " تريد أن تسرقني من أبي كما سرق هو أمي منك "
شحب وجه خالد دون أن يلاحظ ذلك سوا نبض التي علمت أن نغم قد نطقت إحدى حماقاتها بدون تفكير كعادتها والتي ستندم عليها فيما بعد
أبعدها خالد بلطف وهو يشير إلى جوار فرح قائلاً بهدوء ظاهري: " اجلسي يا نغم "
جلست نغم ببساطة بينما سألت فرح بعبوس: " من هذه يا أبي؟ "
لم يرد خالد بينما رمق سليم نبض بنظرة خاطفة قبل أن يقول بمرح: " ضرتكِ "
زاد عبوس فرح بينما تقول حلا: " لكن فرح ليست متزوجة من الأساس يا جدي "
ضحك سليم حينها وهو يقول: " أعرف يا صغيرة ولا أقصد ما فهمتِه.. هذه نغم أخت صخر "
هبت فرح من مكانها وهي تقف أمام نغم تطالعها بتفحص قبل أن تهتف بإندفاع: " إنها لا تشبهه "
رمقتها نغم بنظرة شملتها من رأسها حتى اخمص قدميها وهي ترد باستخفاف: " ولا أنتِ "
قطبت فرح بغيرة وهي تصيح بطفولية: " لم أحبها "
نهضت نبض من مكانها ونظرت إلى فرح بعتاب وهي تقول: " اهدئي فرح ولا تتهوري.. صخر سيغضب منكِ إن علم أنكِ أسأتِ إلى نغم "
غمغمت فرح بغيظ: " نعم بالطبع فهي ستفعل ذلك وتخبره حتى يغضب مني.. لكن ما ذنبي إن قلت الحقيقة؟ أنا لم أحبها.. إنها مغرورة "
ردت نبض بحسم: " إلى هنا وكفى يا فرح.. نغم أختي أنا أيضًا ولن أقبل بالإساءة لها في وجودي "
حاولت فرح الكلام فقاطعتها نبض بتهديد تقول: " إن نطقتِ كلمة أخرى مُسيئة في حقها سأخبر صخر بنفسي "
صمتت فرح على مضض وجلست إلى جوار حفصة صاغرة دون أن تجرؤ على التفوه بحرف آخر بينما ابتسمت نغم ونظرت إلى نبض بامتنان
عادت كل واحدة منهن إلى مكانها وبعد قليل أخذ خالد يتحدث إليهن بهدوء حازم وإنما في رفق وبنفس الكلمات التي سبق وأخبر بها أزواجهن قبل أيام.
كانت نغم تنصت إلى كلماته بإهتمام شديد، شعرت وكأنه يوجه حديثه لها هي الأخرى وكم منت نفسها بهذا وهي تفكر في اللحظة التي قد تكون فيها أحد أفراد هذه العائلة كزوجة ل... يوسف.
***

بعد ساعة / في الحديقة
كان قاسم يقف وحيدا، ينظر إلى الفراغ حوله بوجوم كئيب قبل أن يغمغم محدثا نفسه: " أراك يا أبي تذوي كل يوم واراقبك عاجزا عن مساعدتك.. أنظر إليك فلا أرى في عينيك انعكاس لأي صورة من صور الحياة، كل ما أراه هو القهر على عشق تبخر وخسارة امرأة كانت لك الكون وما فيه.. أحاول أن أتعلم من خطأك فلا أكرره لكنني رغما عني أظل جامدا في مكاني لا أقوى على التقدم نحو حياة خطوة واحدة "
صمت لحظة متأملا في السماء قبل أن يضيف بصوت كئيب: " يقف بيني وبينها حاجز كبير وسور عملاق لا أستطيع تخطيه.. حاجز لطالما تسلقته آلاف المرات من قبل لأجل نيل نظرة واحدة منها أو كلمة تريح قلبي المُعذب بحبها لكن اليوم... اليوم لم تعُد لي أية قوة لاجتياز هذا الحاجز الذي أصبح فجأة عملاقا جدا كما لم يكن يومًا "
هز رأسه ببطء مبهم وهو يكمل بنبرة ساخرة تنبض قهرا: " إنه كبريائي.. كبريائي الذي لطالما جرحته حياة مرة بعد مرة دون أن تبالي به أو بصاحبه.. ذاك الكبرياء اللعين الذي تقبل كسرها له مرارا بطيب خاطر.. ومنذ فترة قريبة فقط أشعر به صحا من سُباته الطويل أخيرًا ويا ليته صحا قبل سنوات كثيرة فأراح نفسه واراحني من العذاب "
استدار قاسم متنهدا وهو يخطو أولى خطواته ليعود لأبناء عمومته حينما تسمر مكانه فجأة ناظرا لمن تقف أمامه واضعة كفها على فمها وبضعة دمعات تسيل على خديها
تلعثمت وهي تقول: " أنا آسفة لم أقصد أن... "
قاطعها قاسم بهدوء مطرقا رأسه للأرض: " لا بأس.. اعتدت الأمر.. بين الحين والآخر أحب محادثة نفسي قليلا وفي كل مرة يضبطني أحدهم بالجُرم المشهود "
اومأت بلا معنى وهي تقول: " لم أكن أظنك هكذا "
رفع رأسه يطالعها بعدم فهم فارتبكت قليلا من نظرته القوية وهي تقول: " كنت أظنك فظا و... "
حرك قاسم كتفيه بخفة وهو يقاطعها بالقول: " أنا هكذا فعلا لكن ليس طوال الوقت "
ابتسمت بتعجب وهي تقول: " لم تغضب مني "
تنهد قاسم وهو يجيبها: " ولماذا أغضب يا آنسة؟ هل تظنيني عدوانيا لهذا الحد مثل أخوكِ المتعجرف؟ "
رفعت نغم حاجبا وهي تكتف ساعديها قائلة: " أ نسيت أنه أخوك أنت الآخر؟ "
رد قاسم باسما بتفكه: " ألم يصلكِ الخبر بعد؟ أنا تبرأت منه منذ اللقاء الأول الذي عرفته فيه "
ضحكت نغم وهي تهز رأسها متمتمة: " لست وحدي إذن "
رمقها قاسم بتساؤل صامت فأردفت: " أنا الأخرى تبرأت منه مذ وعيت على هذه الدنيا.. إنه شخص لا يُطاق "
رد قاسم بتنهيد: " معكِ حق.. هداه الله "
صمت دون أن يضيف المزيد فتشجعت نغم وهي تراه مسالما لطيفا لتقول: " الفتاة التي تحبها هي تلك الفظة العابسة التي تدعى حياة؟ "
تصلب عضلة فكه أعلمها بمدى تجاوزها فانتظرت بتأهب أن يعنفها لكنها صُدمت حينما سألها سؤال آخر في هدوء: " وما أدراكِ أنها حياة؟ "
ردت نغم بحذر: " مجرد تخمين.. هي تليق بك "
اومأ دون رد فأضافت بعبوس: " لكنها غبية "
رفع بصره إليها فتنحنحت بحرج وهي تقول: " عذرا لكنها... "
تفاجأت به يبتسم بشماتة وهو يقول: " لا بأس قولي ما شئتِ عنها.. تستحق ذلك "
رفعت حاجبيها بتعجب وهي تقول: " ألن تغضب؟ "
هز رأسه سلبا فسألته بدهشة أكبر: " حقا "
اومأ بالإيجاب وهو يكتف ساعديه أمام صدره قائلاً ببساطة: " نعم قولي ما شئتِ.. هيا ابدئي.. أريد سماعكِ "
اتسعت عينيها ذهولا وهي تقول: " لهذه الدرجة أنت غاضبا منها؟ "
رد قاسم ببسمة ساخرة: " نعم لدرجة لا تتخيلينها "
ظلت نغم على ذهولها لحظات قبل أن تنفجر ضاحكة وقاسم يبتسم بهدوء وبصره مثبتا على الأرض حتى قالت نغم: " أنا مدينة لك باعتذار يا قاسم.. هلا سمحت لي بأن أدعوك بإسمك دون ألقاب؟ "
اومأ بالإيجاب دون رد فأبتسمت نغم بتهذيب وهي تردف: " حسنا أنا أعتذر لسوء ظني بك فيما قبل وأيضًا لأنني استمعت لحديثك الخاص "
رد قاسم بنفس البسمة الهادئة: " حسنا وأنا قبلت اعتذارك آنسة... اممم ذكريني بإسمك "
ابتسمت نغم بإتساع وهي تقول: " نغم "
رفع قاسم عينيه إليها وهو يقول بمكر: " آه نغم.. فراشة ابن عمي "
تلاشت إبتسامة نغم فجأة وهي تفغر فاهها بصدمة متمتمة: " هل نشر يوسف اللقب على وسائل التواصل الإجتماعي أم ماذا؟ "
كتم قاسم ضحكته وهو يقول: " فقط المقربين من يعلمون باللقب العزيز "
عبست نغم بغيظ وهي تغمغم: " من يعرف غيرك أنت ووالدك؟ "
رد قاسم باستفزاز: " ليسوا كثيرون اممم... أظن عمي سليم، وصخر بالطبع وأيضًا نبض والعمة فاطمة بالتأكيد تعلم.. آه نسيت ياسين أخي لقد سمع يوسف وهو يخبرني بالصدفة "
جزت نغم على أسنانها وهي تغمغم بخفوت غير مسموع: " تبًا لك يوسف الجبالي.. فضحتني أيها الأحمق "
إبتسم قاسم باستخفاف وهو يقول: " لا تقلقي يا آنسة فراشة.. أقصد نغم، سرك في بئر عميق "
زمجرت نغم بغيظ وهي تشتم في سرها بينما قاسم يراقب مغادرتها ضاحكا بتسلية
***

ليلة الحناء / مساءً
كانت الفتيات متحلقات _في جلسة منخفضة مريحة مُعدة خصيصا لتلك الليلة_ حول العمة فاطمة التي كانت باسمة بفرح بالغ وهي تنظر تارة إلى شمس وتارة أخرى إلى نغم متذكرة حبيبتها الراحلة
تشعر أخيرا بالراحة لرؤيتها ولديّ الحبيبة على خير حال وقد وصلا أخيرا إلى بر الأمان والسكن بعد أن اجتمعا سويا من جديد
إنها سعيدة.. سعيدة للغاية ومن يماثلها في سعادتها اللحظة وهي من ستضع الحناء في يديّ عروسيّ ولديّ الحبيبة الغالية
أصرت فاطمة على جلوس شمس ونغم إلى جوارها فتنحت حياة على الفور من مكانها على يسار العمة فاطمة لتفسح المجال لنغم كي تحتل مكانها بهدوء
الكل كان سعيدا لسعادة العمة فاطمة.. تلك السيدة الطيبة اللطيفة الحنونة التي فعلت لأجلهم الكثير بطيب خاطر ونفس راضية
كانت ملك تقف إلى جوار اثنتين من الفتيات وقد بدت منهمكة معهما في حديث خاص بتلك الأسطوانات المدمجة التي يجهزونها لأجل الإحتفال بليلة الحناء بعد قليل
أما مروة فكانت تجلس على أحد الكراسي في الزاوية تراقب تلك الأجواء الجديدة بهدوء وحماس كطفلة صغيرة ترى لعبة جديدة جميلة لأول مرة وفي نفس الوقت لم تكن غافلة عن خطوات فرح المتعثرة ونظرتها المرتبكة كلما تلاقت نظراتهما بالصدفة فتومئ لها الأخيرة بخجل وهي تتورد قبل أن تفر من أمامها كأرنب مذعور
جلست حياة إلى جوار شمس وأخذت تمازحها فتضحك الأخيرة للحظات قبل أن ترفع بصرها إلى مروة فتتسع بسمتها أكثر وهي ترى نظرة الحنان المرتسمة في عينيّ مروة وكم تشعر شمس في تلك اللحظة بالحزن لأنها ستفارقها
فتحت نغم هاتفها فوجدت رسالة من يوسف مضمونها:
**سأنتظر رؤية إسمي مطبوعا بالحناء على كفكِ الرقيق يا فراشتي**
ابتسمت بخجل قبل أن تعبس وهي تتذكر ما حدث صباحا لترسل له:
*لا أعدك بشيء خاصة بعد تلك الفضيحة التي تسببت لي فيها أمام عائلتك*
وصلها رده على الفور وكأنه كان في انتظارها:
**لا تلوميني فراشتي بل لومي العشق الذي وشى بنا معا للرائح والغادي**
توردت عفويا وكأنه يراها ويبثها كلماته مباشرة فتشعر بتسارع خفقات قلبها وهي ترد بارتعاش:
*لم أعهدك هكذا يا يوسف*
ليرد هو بتسلية أحستها في كلماته:
**ماذا تقصدين ب 'هكذا' يا فراشتي؟**
كتبت دون أن تشعر:
*يوسف*
رد هو على الفور:
**نعم يا نغمي**
عضت على طرف شفتها السفلى وهي تكتب:
*كم أنت مستفز لتحرجني بهذه الطريقة وأنا بين أفراد عائلتك*
وصلها رده المشاكس وهو تقسم بأنه ضحك قبل أن يكتب الرد:
**وماذا فعلت لكِ أنا أيتها الظالمة؟**
تحكمت في ضحكتها بصعوبة وهي تكتب:
*عقابك سيكون عسيرا حينما أراك يا يوسف*
زمت شفتيها بقوة حتى لا تنفجر ضاحكة وخفقاتها تغرد سعادة حينما وصلها الرد:
**نعم أريده عقابا عسيرا جدا لأنني أستحق ذلك، أنا أعترف بأنني طفل مشاغب لا يسمع كلام فراشته الجميلة**
بعد لحظة واحدة وصلها رسالة أخري منه كتب فيها:
**أراكِ قريبا يا فراشة فقد حضر أخوكِ هادم اللذات بوجهه الجامد ويبدو على وشك قتل أحدهم**
ابتسمت وهي تهز رأسها بقلة حيلة، مغلقة هاتفها قبل أن تعود للانشغال بمشاهدة رسم الحناء الذي ترسمه العمة فاطمة لشمس
***

قبل قليل / في غرفة فرح
كانت نبض تضرب بكفيها على باب الحمام المغلق من الخارج وهي تصرخ بعصبية: " أفتح الباب يا صخر كفاك غلاظة "
رد ببرود وهو يقف واضعا كفيه في جيبي بنطاله، مستندا على الحائط المجاور للباب: " لن أفتحه حتى تبدلي هذا الثوب السخيف البشع الذي يجعلكِ تبدين مريعة حالا "
صرخت من الداخل بغيظ: " لن أبدله.. إنه جميل والجميع أعجبوا بي واخبروني أنه يليق بي كثيرا "
جز على أسنانه غضبا وهو يقول: " لهذا لن تطأ قدميكِ خارج هذه الغرفة خطوة واحدة وأنتِ تلبسينه "
ضربت على الباب من جديد وهي تقول بعصبية: " ما مشكلتك مع الفستان بالضبط؟ هل ترفضه لأنه بشع أم لأنه جميل؟ "
رد بنزق: " لأنه عاري "
جحظت عينيها وهي تستدير بسرعة لتطالع انعكاس صورتها في المرآة وهي تردد بذهول: " هذا عاري! كيف؟ "
صاح صخر من الخارج ببرود: " قولي بأنكِ ستبدلينه وسأفتح لكِ الباب حالا "
رفعت حاجبا بمكر وهي تفكر للحظات قبل أن تستل هاتفها من جيب فستانها قبل أن تعبث قليلا وبخفة بلوحة المفاتيح ثم ضغطت على زر ارسال وانتظرت بصبر
بعد بضعة دقائق سمعت صوت قاسم وهو يعنفه بشدة: " ماذا تفعل هنا؟ الجميع في الأسفل يسألون عنك "
رد صخر بحنق: " لماذا؟ هل أنا العريس؟ "
زفر قاسم وهو يقول بضيق: " أبي ينتظرك في الأسفل ليعرفك على الرجال وأنت تجلس هنا لا أفهم ماذا تفعل بالضبط "
غمغم صخر ببرود: " لا أريد أن أتعرف على أحد "
تأفف قاسم وهو ينظر لباب الحمام والمفتاح الموضوع فيه قبل أن يُديره ببساطة وهو يتمتم بعبوس: " بالله عليك ألن تنضج وتترك تلك التصرفات الطفولية؟ "
جز صخر على أسنانه وقبل أن يتفوه بحرف كان قاسم يدفعه للخارج بخشونة هادرا: " تحرك يا بني آدم ليس أمامنا وقت لنضيعه "
زمجر صخر بغضب مكبوت وهو يخرج من الغرفة على مضض بينما صاح قاسم بتسلية: " الدار أمان يا صغيرة "
صفقت نبض بجزل وهي تفتح باب الحمام في اللحظة التي أغلق قاسم باب غرفة فرح وهرولت للخارج بسرعة قبل أن يفكر ذلك الفظ في العودة واحتجازها من جديد
***

في مجلس احتفال النساء
بمجرد أن دخلت نبض حتى أشارت لها ملك فاتجهت إليها على الفور لتسألها الأخيرة عن سبب تأخيرها وحين اخبرتها انفجرت ملك ضاحكة وهي تقول بشقاوة: " وماذا سيفعل في الغد إذن؟ "
ضربتها نبض على كتفها بمزاح وهي تغمغم: " لا فائدة في أفكاركِ المنحرفة هذه "
ضحكت ملك وهي تغمز بطرف عينها قائلة: " انتظري حتى يراني ياسين و... "
قاطعتها نبض وهي تتورد هامسة: " اصمتي يا ملك ستفضحيننا "
كتمت ملك ضحكتها وهي تقول: " اسمعي كلمتي ولن تندمي أبداً "
زمت نبض شفتيها مغمغمة: " بدأت أشعر بالندم منذ اللحظة "
لكزتها ملك في كتفها لتنفجر الاثنتين في الضحك معا مع اقتراب فرح التي قالت بإرتباك: " أبي فعلها وسلمني إلى اخوتي "
قطبت نبض بعدم فهم لتشرح ملك وهي تتحكم في ضحكتها: " عمي خالد أخبرهم عن الحب الخفي بين عصفوري الكناري.. فرح وأنس "
فغرت نبض فاهها بذهول بينما فرح تضيف برعب حقيقي: " ياسين وحده من يعلم حتى اللحظة لكنه أقسم أن يخبر قاسم وصخر.. ترى ماذا سيفعلون بي؟ هل سيقتلونني؟ "
تناظرت ملك ونبض فيما بينهما للحظات قبل أن تنفجرا في الضحك معا فصرخت فرح بغيظ: " علام تضحكان.. ها؟ هذا خطئي لأنني أخبرت حمقاوتان مثلكما "
تركتهما وابتعدت فمالت ملك تهمس لنبض بشيء ما جعل الأخيرة تصرخ بحنق مفتعل: " أنتِ منعدمة الإحساس تماما "
زمت ملك شفتيها ببراءة زائفة وهي تشير لنفسها متمتمة: " أنا! هذا اتهام بشع في حقي لا أقبله منكِ يا نبض.. أنا ملكة الأحاسيس كلها واسألي ياسين عني "
كتمت نبض ضحكتها وهي تغمغم: " قليلة الحياء "

بعد قليل
كانت شمس تتطلع في كفيها بإبتسامة واسعة بعد أن رسمت لها العمة فاطمة إسم زيد على باطن كفها الأيمن وفي الكف الأيسر رسمت لها أول حرف من إسم زيد وهو يحتوي أول حرف من إسم شمس بشكل بديع
نهضت من مكانها بخفة واتجهت إلى مروة وهي تقول بسعادة: " انظري عمتي.. أليس جميلاً؟ "
ربتت مروة على خدها برقة وهي تبتسم لها بحنان مجيبة: " بلى حبيبتي إنه رائع.. مبارك لكِ يا شمس "
ردت شمس برقة: " بارك الله لي في عمركِ عمتي "
اتسعت بسمة مروة وهي تشاكسها: " سيغار أنس لأنه لن يجد إسمه مرسوما في كفكِ "
نظرت شمس جانبا نحو فرح وابتسمت بمكر وهي تقول: " فلترسمه عروسه "
ضحكت مروة مؤيدة بالقول: " معكِ حق.. هذا سيرضيه أكثر "
تعالت فجأة صرخات حلا وهي تتشاجر مع ملك إلى جوار العمة فاطمة
صاحت حلا: " أنا من أتيت أولاً "
ردت ملك بعناد: " بلى إنه دوري أنا "
واستمر بينهما الشجار حتى نادت فاطمة على نبض قائلة: " تعالي نبض سأرسم لكِ أنتِ أولاً "
كادت نبص تتحرك تجاهها لكنها تسمرت مكانها فجأة حينما صدح صوت نغم بهدوء وهي تقول: " صخر لا يحب الحناء "
توردت نبض وهي تطرق برأسها متمتمة: " يمكنكِ أن ترسمي لملك إذن يا عمتي فأنا لن أرسم شيء "
اومأت فاطمة دون تعقيب فاقتربت ملك تجلس إلى جوارها وهي تقول بشقاوة: " ياسين مغرم برسم الحناء خاصتي "
عبست نبض بغيظ وهي تغادر المجلس غافلة عن حلا التي انطلقت في أثرها دون أن تلحظ وجودها وحينما دخلت نبض إحدى الغرف الفارغة في نهاية الممر وأغلقت الباب خلفها عادت حلا ادراجها للأسفل من جديد ولكن ليس لمجلس النساء بل لمجلس الرجال
***

رمت الحجاب بغيظ ولحقته بالسترة وهي تجلس على الفراش عابسة
تشعر بالغضب من صخر لأنه حرمها من تلك الأمنية الطفولية التي كانت تود أن تحققها وهي ترى إسمه يزين يدها كما تفعل بنات عمومته
نهضت بضيق وهي تنوي تبديل الفستان وارتداء عباءة سوداء تماثل مزاجها المتعكر حتى أنها تفكر في النوم بعدها حتى لا تصيب البقية من عدوى كآبتها
كانت متوجهه ناحية خزانة الملابس التي سبق ووضعت فيها بعضا من ملابسها التي ستحتاجها خلال وجودها في دار الجبالية لكنها تسمرت أمام انعكاس صورتها الكاملة في المرآة الكبيرة
تقدمت أكثر نحو المرآة وهي تدقق النظر لصورتها تتأمل فستانها الزهري الطويل والذي يغطي كاحليها بورود صغيرة منثورة هنا وهناك باللون الكحلي وحزام جلدي زهري مثبت على الخصر
قطبت حاجبيها وهي تفكر بأنه ليس عاريا كما وصفه صخر، نعم هو بدون أكمام لكن السترة الخاصة به كانت تخفي ذراعيها بالكامل
عبست أكثر وهي تغمغم: " هل كان يظن الأحمق أنني سأخلع السترة أمام النساء في الأسفل؟ "
تنهدت ببؤس وهي تبتعد عن المرآة بينما تحل عقدة شعرها متمتمة بسخرية من نفسها: " محظوظة للغاية يا نبض.. الحظ السعيد يلاحقكِ في كل خطوة ماذا تريدين أكثر من هذا؟ "
سحبت منامة سوداء لا تتخللها إلا رتوش بسيطة باللون الأحمر وقامت بارتدائها سريعا ثم توجهت إلى نافذة الغرفة لتغلقها في اللحظة التي علت طرقات خافتة على الباب فقطبت حاجبيها بتعجب وهي تقول: " من؟ "
أتاها صوت صخر بهدوء يقول: " افتحي يا نبض "
زمت شفتيها وهي تفكر للحظات في عدم الانصياع له وفتح الباب كما طلب لكنها نحت تلك الفكرة جانبا وهي تتقدم ناحية الباب دون جدال حتى لا تثير غضبه
فتحت الباب وهي تتمتم عابسة: " نعم "
رمقها بنظرة سريعة قبل أن يتحرك من مكانه متقدما نحوها فتتراجع هي بدهشة قائلة: " ماذا تفعل؟ لماذا تركت الجميع وأتيت إلى هنا؟ "
دخل صخر وأغلق الباب خلفه وهو يسألها في المقابل: " وماذا تفعلين أنتِ هنا؟ "
ردت نبض وهي تطرق برأسها: " أشعر بصداع وكنت على وشك النوم "
طالعها بهدوء وهو يقول: " أنتِ تكذبين "
ازدردت ريقها وهي تتمتم: " أنا لا... "
قاطعها وهو يمسك ذقنها، رافعا وجهها إليه وهو يميل إليها قليلا هامسا بعتاب رقيق: " أ نسيتِ أنني لا أحب الكذب وأنكِ فاشلة في هذا المجال؟ "
رمشت ببؤس وهي ترد: " نغم قالت أنك لا تحب الحناء وأنا وددت لو أنني رسمت إسمك كما تفعل بنات عمومتك حتى نغم سترسم لها العمة فاطمة بعد حياة فلماذا لا أفعل مثلهن أنا الأخرى؟ "
إبتسم بحنان وهو يقول: " هل هذا هو الأمر الخطير الذي أزعج جنتي وسبب لها كل هذه الكآبة التي لا تليق بوجهها السمح؟ "
اومأت بوداعة فمال يقبل خدها وهو يقول: " بسيطة يا جنتي.. سنرسم لكِ الحناء معاً.. ما رأيكِ؟ "
قطبت بحيرة تقول: " أنا لا أعرف كيف أفعل ذلك "
غمز لها بطرف عينه مشاكسا وهو يقول: " لكنني أعرف "
ضحكت نبض وهي تكتف ساعديها أمام صدرها قائلة: " أنت بالطبع تمزح يا صخر أليس كذلك؟ "
رد صخر بهدوء وهو يجلس على حافة الفراش: " لا أنا أتحدث بجدية تامة يا نبض.. هذا أمر بسيط لا يستحق منكِ الحزن عليه وليس مستحيلا بالنسبة لي احتمال رسم حنائك.. سأطلب من العمة فاطمة أن تصنع لكِ أي رسم تحبينه بعد أن تنتهي من بنات عمومتي "
هزت نبض رأسها وهي تقول: " لا لن أضع الحناء على يديّ يا صخر "
غمز بشقاوة يقول: " إذن في مكان آخر "
توردت خجلا من مقصده وهي تعاود الإيماء بالنفي قائلة: " ولا في أي مكان آخر يا صخر.. أنا لن أضع الحناء "
قطب صخر وهو يقول: " نبض أنا لا أريد رؤيتكِ بائسة هكذا.. وطالما تنازلت أنا عن رفضي فلا تصلبي رأسكِ بغرض العناد الذي لن تأتيكِ منه أية نتيجة تفيدكِ "
هتفت نبض بضيق: " أنا لا أفعل ذلك حتى أعاندك كما تعتقد.. كل ما في الأمر أن الفكرة طارت من عقلي إلى غير رجعة وقد قررت ألا أضع الحناء وهكذا نكون انتهينا من ذلك الموضوع على ما أظن "
زفر صخر دون أن يعقب بكلمة فأشاحت نبض بوجهها جانبا وهي تغمغم بكآبة: " حياتنا هكذا لن تستقيم أبداً يا صخر.. طالما ترى أن كل شيء لا يصح أن يحدث إلا إن كان برغبتك أنت أو أن تتكرم وتتنازل عن قرارك مانحا لي الفرصة بفعل ما أريد فهذا لن يفيدنا في ترسيخ علاقتنا وأنا لا أحب هذه الطريقة "
جز صخر على أسنانه وهو يرد بغضب مكبوت: " كل هذا لأنني رفضت أن تضعي الحناء في البداية.. لأنني لا أحب رائحتها ولا شكلها؟ هل هذه معضلة معقدة لتلك الدرجة حتى ترين فجأة أن حياتنا معا لا يمكن أن تستقيم؟ "
هزت رأسها بيأس وهي تنظر له مجيبة: " لا ليس فجأة يا صخر.. هذا الشعور الخانق لم يتولد بداخلي فجأة ولا يتعلق بأمر بسيط حد التفاهة كوضع الحناء كبقية الفتيات.. شعوري هذا موجود منذ البداية وسبق واخبرتك عنه لكنك كالعادة لا تبالي بما أقول "
سحبت نفس قوي عميق قبل أن تردف بنفس النبرة وإن زادت كآبتها: " لازلت تراني طفلة يا صخر.. تضعني جانبا ولا تشاركني في أمورك الخاصة التي وللعلم أنا أعرفها كلها "
رمقها باستنكار فأومأت بلا معنى وهي تضيف: " نعم هكذا تراني.. مجرد طفلة.. تتعامل معها بحذر، تخبرها بالهوامش وتخفي عنها لُب الموضوع.. تظهر لها ما تحب أنت أن تراه هي وتغلق ابوابك في وجهها أمام ما لا تريدها أن تعرفه والذي لعلمك لثاني مرة أؤكد لك أنني أعرفه "
أشاح صخر بوجهه جانبا وقد ظهر تصلب فكه بقوة فمالت نظراتها بحزن وهي تقول: " لماذا جئت إلى هنا يا صخر؟ "
لم يرد فاقتربت تجاهه خطوة وهي تقول: " أعلم أن الحقيقة تؤلم لكن شعور النبذ الذي ينمو يوما تلو الآخر بداخلي أكثر ألماً يا صخر وأنت أكثر من يعلم حد الألم الذي يسببه هذا الشعور البشع "
ازدرد ريقه وهو يؤكد حديثها بصوت جامد: " نعم أنا أكثر من يعلم قدر هذا الألم "
نطقت بمرارة دون أن تشعر: " ورغم ذلك تُصر على تركي ضحية له أنا الأخرى.. أي عدل في هذا؟ "
نهض صخر من مكانه ببطء وهو ينظر لها بجمود ومقلتيه تغيمان في لُجة قاتمة سوداوية: " أنا آسف "
طالعته بإحباط تقول: " على أي شيء؟ "
رد بنفس الصوت والنظرة: " على كل شيء.. لم أكن مدركا لحجم المعاناة التي تلاقينها معي.. لم... لم أكن... نبض أنتِ لن تتركيني أليس كذلك؟ "
اتسعت عينيها بشكل طفيف وهي تحدق في مقلتيه التي ورغم القتامة الوحشية التي تسكنهما إلا أنها لم تخطئ نظرة الرجاء واليأس فيهما فردت بنفس الإحباط: " منذ متى تركتك يا صخر؟ لطالما كنت أنت دوما من يبدأ بالهجر والفراق وفي كل مرة كنت أنا من اتشبث بك بكل ما أملك من قوة "
تقدم منها فجأة حتى أنها أجفلت بسببه قبل أن يجذبها إليه بقوة فارتطمت بصدره وهو يهمس بعنف مكبوت ويأس شديد: " أنا أحبكِ "
بدون أن تشعر كان لسانها يندفع ويسبق عقلها وهي تقول: " ظننتك لن تنطقها أبدًا "
شدد عليها أكثر وهو يكررها بيأس أكبر: " أنا أحبكِ "
جحظت عينيها غير مصدقة أنه نطقها أخيرا، تشعر بأنها داخل حلم ستصحو منه في وقت قريب فتتبدد حلاوة اللحظة وجمال الكلمة وهي تخرج منه بيأس مستفز وكأنها تحتوي حنان الكون كله
أبعدها عنه قليلا وهو ينظر لعمق مقلتيها بينما يمسك وجهها من الجانبين برقة هامسا من جديد بنبرة خافتة تحمل بين طياتها توسل وخوف: " أنا أحبكِ "
رمشت لوهلة قبل أن تغمغم بذهول: " يا إلهي! هذا كثير.. سأفقد وعيي يا صخر.. ترفق بي قليلا "
قطب صخر ببؤس مس قلبها وهو يقول: " وأنا يا نبض.. أنا من يترفق بي؟ "
ابتسمت بحنان وهي ترد: " أنا "
صمت لحظة قبل أن يقول بتردد: " أنتِ تحبينني أليس كذلك؟ "
توردت بشدة وهي تومئ بالإيجاب فقال برجاء: " إذن قوليها يا نبض ماذا تنتظرين؟ "
نظرت له بإرتباك خجول فكرر رجائه: " قوليها يا نبض.. لمرة واحدة ولن أطالبكِ بها أبدًا بعد ذلك "
أطرقت برأسها وهي تفرك يديها بتوتر فناداها بهمس: " جنتي "
رفعت رأسها بعد لحظات قليلة مرت عليه بطيئة بشكل معذب حتى نظرت لعمق عينيه بنظرة نافذة وكأنها تعانق روحه وتتحد مع أفكاره وخفقاته.. بتلك النظرة التي يشعر دوماً أمامها بأنه كتابا مفتوحا تستطيع تقليب صفحاته وقراءتها بسهولة ودون جهد منها
ازداد توردها وهي تقول بصوت خافت رقيق لكنه واضح: " أنا أحبك يا صخر "
وجد صخر لسانه يردد بدون شعور منه تزامنا مع تسارع أنفاسه وتضارب خفقاته بشدة: " يا ويل صخر في حبكِ يا جنة الله لعبده المسكين في الأرض "
أطرقت برأسها سريعا وهي تعض طرف شفتها السفلى بخجل وهو يضيف بنفس النبرة: " يحتاج المرء في حبكِ لعمر أضافي بعد عمره ولن يكفيه ذلك أبداً "
طرفت عينيها بدمعة وحيدة وهي تقول برقة: " هل تصافينا الآن؟ "
ابتسم بحنان وهو يرفع وجهها حتى تتمكن من النظر له كما يفعل وهو يرد: " ماذا عنكِ؟ "
ردت له إبتسامته بأخرى أجمل وأكثر إشراقا وهي تجيبه بعذوبة: " لا يعرف قلبي طريقا للغضب منك أبداً يا صخر وكأنه ليس قلبي أنا بل ملكك أنت "
مال بسرعة يتلقف شفتيها في قبلة رقيقة عذبة كعذوبة صوتها ونبرتها التي يسمعها قلبه قبل أذنيه فيغرد فرحا بها ولها
رفع رأسه عنه يتنفس بصعوبة أقرب إلى اللهاث وهو يحتوي وجهها بين كفيه هامسا: " لم أعد أحتمل المزيد من الصبر يا نبض.. كوني لي "
توسعت عينيها بصدمة وهي تقول بتوتر: " نحن لم نتفق على هذا "
رد صخر بصوت أجش وهو يميل بخفة حاملا إياها بين ذراعيه: " نحن لم نتفق على شيء ولن نتفق على أي شيء يخص هذا الأمر بالذات لأنه غير قابل للنقاش أبداً.. انتهينا "
وما أن وضعها على الفراش ومال بسرعة يثبط محاولتها عن الابتعاد حتى كانا بالفعل قد اغلقا صفحة الكلام وربما أجلاه لوقت لاحق بينما يفتحان معا صفحة جديدة أكثر سكينة لقلبيهما مما سبقت
***

منتصف الليل / في جناح حمزة
كانت زهراء تجلس على كرسي مرتفع أمام اللوح الخشبي المثبت عليه لوح آخر كبير من الورق الأبيض، تضع سماعات الهاتف الخارجية في اذنيها وهي تدندن بخفوت مع اللحن الذي تسمعه بينما كانت تبتسم بسعادة منشغلة في ممارسة هوايتها وقد طارت كل تشنجات عضلات جسدها من المجهود الذي بذلته في الأيام الماضية أثناء الإعداد للعرس بعد أن جددت لها العمة فاطمة رسم الحناء الأثير على قلبها وعاد إسم حمزة يزين يدها من جديد
كانت منهمكة تماما في الرسم فلم تشعر بحمزة الذي أتاها من خلفها واحتضنها فجأة فشهقت مجفلة للحظة قبل أن تستكين بين ذراعيه نازعة السماعات عن أذنيها، وهي توبخه بغيظ: " افزعتني يا حمزة.. كاد قلبي أن يتوقف "
ضحك حمزة بخفة وهو يقبل قمة رأسها متمتما برقة: " سلامة قلبك يا زهرة حمزة وحبيبته "
أتسعت ابتسامتها بجمال وهي تناكفه: " يبدو مزاجك الليلة بخير وهذا يدعو إلى القلق سيد حمزة "
ضحك حمزة بصوت أعلى وهو يقبلها من جديد قبل أن يميل على أذنها هامسا: " هل هذه شكوى غير صريحة منكِ يا زهرتي؟ "
حركت كتفها بدلال وهي ترد: " ماذا ترى؟ كل ليلة توليني ظهرك ولا تتطلع إلى وجهي إلا عابسا حتى جعلتني أشك في نفسي بأني السبب "
جذبها حمزة بلطف لكي تستقيم واقفة أمامه وما إن فعلت حتى نظر إلى عينيها بعمق وهو يقول بصوت حنون رغم عبثه: " إذن أنا مدين لكِ وعليّ سداد هذا الدين وتعويضكِ عن كل الليالي الماضية التي كنت فظا فيها معكِ.. ما رأيكِ؟ "
تصنعت التفكير للحظات قبل أن ترد ببساطة: " ليس لدي مانع.. لكن يجب أن تنتظر حتى انتهي من وضع آخر لمساتي على تلك اللوحة "
تراجع حمزة دون جدال وهو يبتسم برقة قائلا: " تحت أمركِ سيدتي.. أنا لأجلكِ أنتظر العمر كله "
قطبت زهراء بدهشة وهي تطالعه بانبهار بينما تقول: " ما بكَ حمزة؟ تبدو اليوم مختلفا.. هل هذا تأثير الأجواء السعيدة التي تحيط بنا هذه الأيام؟ "
اتسعت إبتسامته حتى ظهر انعكاسها في مقلتيه بلونهما البني الصافي وهو يرد ببساطة: " أنا فقط أتمنى أن يعجبكِ الإختلاف يا زهرتي "
رفعت حاجبيها بتعجب بينما تقول بصدق حاني: " أنت تعجبني في كل حالاتك وصورك يا حمزة "
ضيق عينيه وهو يطالعها باستعطاف طفولي وهو يقول: " ألا يمكنني الآن الحصول على قُبلة واحدة على الأقل لأصبر نفسي حتى تنتهين من لوحتكِ؟ "
رفعت زهراء حاجبا بتعجب شديد من حالته المختلفة بالكامل عن طبيعته
لكنه اختلاف أحبته وجعلها تشعر بالتميز والسعادة أكثر مما تشعر في الواقع
هتفت بمشاكسة وهي تتقدم نحوه: " وإن استطعت أنت أن تصبر فهل تظنني سأستطيع فعل ذلك سيدي الوسيم؟ "
تقدمت منه بخفة غزال وهي تتعلق بعنقه متنهدة بسعادة وهي تقول: " أنت أجمل ما تحقق لي من أمنياتي يا حمزة.. لو تعلم كم أحبك! "
ضمها حمزة بقوة وهو يتنهد بعمق قائلا: " وأنتِ أجمل من حياتي نفسها يا زهرتي.. حتى أن حبي لكِ أضعاف حبكِ لي بل أضعاف مضاعفة.. يكفيني أن في قربكِ تسكن كل آلام قلبي وكأنها لم تكن "
بعد لحظات قليلة هتف حمزة فجأة بحماس: " هناك ما أريد القيام به لكن عليكِ مشاركتي فيه "
ردت برقة وهي تتلمس جانب وجهه بنعومة: " كما تشاء حبيبي "
التمعت عينيّ حمزة وهو يطالعها بمكر قائلا: " أريد إنجاب عابد "
عبست زهراء بعدم فهم للحظات قبل أن ترمش بقوة وهي تقول بدهشة: " ما شاء الله حددت نوع الجنين الذي لم يأت بعد واخترت الإسم أيضا "
قهقه حمزة وهو يقول: " نحن في زمن السرعة حبيبتي "
زمت شفتيها وهي تقول بتذمر طفولي: " وماذا إن جاءت بنت.. من أين سنبدلها بولد لتسميه عابد؟ "
رد حمزة بجدية: " اممم.. لا أظنها مشكلة كبيرة فعلى أي حال أنا أتمنى أن نُنجب العديد من الأطفال إن شاء الله، وإن كانت أولى أطفالنا فتاة سأسميها زهرة "
رفعت زهراء حاجبيها وهي تقول: " ألا تكفيك زهرة واحدة؟ "
ضمها حمزة إلى صدره بقوة أكبر وكأنه يريدها أن تتوحد مع أضلعه وهو يهمس برقة: " أنا لا أكتفي منكِ أبداً يا زهرتي "
قبلته زهراء على خده وهي تقول بصوت حاني عذب: " سلمك الله لي يا حمزة لآخر العمر، ولا أراني فيك مكروها أبداً "
***

في جناح عاصم
للتو دلفت حفصة إلى غرفتهما وهي تقول: " وأخيرًا نامت حلا.. فتاة متعبة "
ناظرها عاصم للحظات بهدوء قبل أن يقول: " اقتربي يا حفصة "
تقدمت منه على الفور حيث يجلس على طرف الفراش وما إن أصبحت أمامه حتى أمسك كفها وجذبها بلطف حتى تجلس إلى جواره
طالعته حفصة بهدوء وبسمتها العذبة ترتسم تلقائيا على شفتيها فتعلقت عينيه للحظات بتلك البسمة التي تخصه بها قبل أن يرفع بصره إلى عينيها قائلاً بأسى: " أعلم أني قصرت في حقك كثيرا الأيام الماضية "
ردت حفصة بحنان بالغ كعادتها: " لا تقل هذا فأنت لم تقصر معي أبداً يا عاصم بل أنا دومًا من كنت المقصرة وعلى أي حال أنا أقدر سبب عصبيتك الفترة الماضية فأنت كنت مضغوطا بشدة ما بين العمل ومشاكل العائلة ثم الإعداد لعرس زيد مع بقية أبناء عمومتنا "
إبتسم عاصم وهو يرفع يدها إلى شفتيه يقبل ظاهرها قبل أن يتنهد قائلا: " مهما فعلت لا أجد منكِ إلا الصبر والتفهم.. من أين حصلت عليكِ يا سيدة حفصة فأنا لا أذكر؟ أخبريني "
ضحكت حفصة برقة بينما هو يتابع: " ألن يأتي ذاك اليوم الذي أراكِ فيه متبرمة، غاضبة مني؟ "
ردت حفصة برقة: " أبداً "
ضحك عاصم وهو يغازلها بالقول: " أنتِ لستِ من نساء هذا الزمان يا حفصة.. أنتِ أميرة من زمان آخر وأنا محظوظ لأنكِ من نصيبي وحدي "
توردت خجلا دون أن ترد فتنهد عاصم وهو ينظر إلى عينيها بعذوبة قائلا: " أنا أحبكِ يا أميرتي "
هربت حفصة بعينيها منه وهي ترد بخفوت مضطرب من خجلها: " ألن ننام؟ "
رفع عاصم حاجبا بمكر وهو يقول: " ليس قبل أن أقدم لكِ اعتذارا كاملا طويلا بسبب جفائي معكِ الفترة الماضية "
ردت حفصة بسرعة متوترة: " ليس هناك داعي لكل هذا.. أخبرتك أنني لست منزعجة منك "
قطب عاصم وهو يتصنع الجدية قائلا: " ورغم ذلك لن أتراجع عن قراري.. سأعتذر لكِ أم تريدين أن يغضب عليّ عمي خالد "
هبت حفصة من مكانها قائلة بتورد: " حسنا أنت اعتذرت وأنا قبلت اعتذارك.. تصبح على خير "
نهض عاصم بخفة وهو يقترب منها قائلا بعبث جعلها تطالعه بإرتباك خجول: " لم أعتذر بعد يا أميرتي.. صبرك عليّ "
نادته بتوتر وهي يحيط خصرها بذراعيه: " عاصم "
أجابها بهمس رقيق إلى جوار أذنها: " نعم يا أميرة عاصم وجوهرته الثمينة التي أكرمه الله بها "
ازدردت ريقها بتوتر تقول: " ألن ننام؟ "
إبتسم عاصم بشقاوة وهو يرد: " لا أظن ذلك فأنا أفكر في أمر آخر أظنه سيكون أفضل من النوم "
قطبت حفصة وهي تسأل بعدم فهم: " ماذا تقصد؟ "
طالعها عاصم ببراءة يغرق برضا في عسل مقلتيها وهو يقول: " ما رأيكِ أن نذهب في رحلة شهر عسل جديدة؟ "
ضحكت حفصة بحياء وهي ترد: " ما هذه الفكرة العجيبة يا عاصم؟ رحلة شهر عسل ومعنا حلا؟ "
عبس عاصم وهو يرد: " بالطبع لا.. سنتخلص منها "
ضحكت من جديد وهي تسأله: " كيف؟ "
تنهد عاصم مجيبا: " سنتركها مع نبض.. هي تجيد التعامل معها وأيضاً هي الخيار المثالي "
قطبت حفصة بحيرة وتساؤل صامت فأردف عاصم بهدوء: " لأن نبض الوحيدة التي لن تحظى برحلة شهر عسل.. حمزة قرر اصطحاب زهراء في سفرته القادمة إلى أمريكا نهاية هذا الشهر "
ردت حفصة بحنان: " ليتهما فقط يستغلان تلك الرحلة بطريقة أفضل من المرة الماضية فلا يعودان متخاصمين فهما يستحقان كل السعادة "
اومأ عاصم مؤيدا وهو يضيف: " وبالطبع لن نتركها مع حياة حتى تتفرغ لابن عمنا بائس الحظ "
مالت حفصة برأسها قليلا وهي تنظر لعاصم بذهول قائلة: " حتى اللحظة لا أصدق أنها فعلتها أخيراً يا عاصم لقد قالتها أمام الجميع.. بل هي من طلبته تلك المرة للزواج "
تنهد عاصم متمتما: " الحمد لله أنها تعقلت وفعلتها قبل أن يضيع قاسم منها للأبد "
هزت رأسها ببطء وهي تردد: " نعم الحمد لله "
ظلا للحظات كل منهما يطالع الآخر بصمت حتى قال عاصم: " أنا ممتن لوجودكِ في حياتي يا أميرتي ولا أتخيلها بدونكِ أبداً "
أراحت حفصة رأسها على كتفه وهي تشدد من احتضانه متمتمة برقة: " وأنا أحبك أكثر مما تتصور.. حفظك الله لي يا حبيبي "
***

في الحديقة
كان أنس وياسين يتحدثان في أمور تخص العرس بينما انسحب زيد من الجلسة قبل قليل معلنا رغبته في النوم في حين ظل قاسم في تلك الزاوية البعيدة.. جالسا وحده وهو ينظر إلى نقطة في الفراغ بذهول لم يبارحه بعد منذ صرحت حياة بموافقتها المؤجلة فيما يخص موضوع زواجهما
يقطب حاجبيه وهو يفكر بعدم تصديق.. هل طلبته للزواج حقا؟ هل فعلتها أمام الجميع أم خياله ما يصور له تلك الأوهام التي يتوق إليها؟
زادت تقطيبته وهو يتذكر كل ما جرى قبل ساعتين بأدق التفاصيل بدءًا من دخولها مجلس الرجال بعد أن أنفض الجمع ولم يتبقى سوا شباب العائلة والعم صالح وابنه آدم
كان واضحا أنها دخلت مرتبكة تقدم خطوة وتؤخر أخرى ولم تستعيد السيطرة على أعصابها المتوترة حتى دارت بأنظارها في المكان وتأكدت من غياب صخر
عبس بحيرة وهو يفكر.. ما دخل صخر؟ لماذا شعر حينها بأن وجود صخر كان سيشكل عليها ضغطا كبيرا وان غيابه قد أراحها كثيرا؟
هناك لغز في الأمر طالما يتعلق الأمر بصخر فهذا المتعجرف والذي حطم الرقم القياسي في سباق الغموض لا يتدخل في شيء إلا وانجزه بنجاح لكن في المقابل يترك بصمته جلية على من حوله، وهو رأى بوضوح بصمة صخر على وجه حياة التي لم تسترخي حتى سمعت حلا تقول بأن صخر كلفها بمهمة إخبار الجميع أنه سينام حتى صباح الغد ولا يريد منهم أي إزعاج
ابتسم قاسم وهو يُحدث نفسه: " إذن الأحمق قرر أخيراً التعقل واقتناص فرصته في السعادة "
تأفف فجأة وهو يغمغم: " وما دخلي أنا به؟ من الأفضل أن أفكر في ورطتي الخاصة "
عاد بتفكيره إلى حياة من جديد ووقوفها أمام جده بوجه محتقن من الخجل

كانت متوترة وهي تقول بتلعثم: " جدي هناك أمر مهم أريد اخباركم به.. طبعا أنتم تعرفونه لكن... فقط اسمعوني "
اعتدل عبد الرحمن في جلسته وهو يوليها اهتمامه قائلا: " تكلمي يا حياة.. ماذا حدث؟ "
ازدردت ريقها وهي ترد: " لم يحدث شيء يا جدي.. فقط أنا... أنا كنت... أقصد أن... "
طالعها الجميع بتعجب وحيرة بينما قاسم نهض من مكانه متجاهلا إياها وهو يقول: " لا أظن هناك حاجة لوجودي.. عن اذنكم "
هتفت حياة باندفاع: " لا أنتظر.. وجودك مهم فهذا الأمر الذي أريد أخبار الجميع به يخصك "
قطب قاسم بعدم فهم وهو يردد: " يخصني! كيف؟ "
سحبت نفسا عميقا وهي تتقدم نحوه خطوة واحدة حتى أصبحت في مواجهته وابتسمت بتوتر وهي تحاول استجماع شجاعتها حتى تنهي مهمتها على أكمل وجه كما عاهدت نفسها بالأمس
فردت كفها الأيسر أمامه وهي تشير إليه بيدها الأخرى قائلة: " أنظر.. لقد فعلتها.. رسمت إسمك على يدي "
رغم الفرحة العارمة التي أضرمت في قلبه مفرقعات صاحبة إلا أنه لم يظهر لها ذلك وهو يرفع حاجبا ببرود قائلا: " جيد وماذا بعد؟ "
زفرت بغيظ من نفسها لأنها توترت أكثر ومنه لأنه ببروده هذا لا يساعدها أبدا، رمقت ملك بنظرة جانبية خائفة فأومأت لها الأخيرة بحماس وهي تحثها على المتابعة
فعادت ببصرها لقاسم وهي تبتسم بثقة مهتزة وهي تقول: " أنا أعرض عليك الزواج مني؟ "
اتسعت عينيه قليلا وهو يطالعها بصدمة ألجمت لسانه فتشجعت أكثر وهي تضيف: " لقد سبق وطلبتني للزواج وأنا رفضت "
تجهم قليلا ومرارة ذكرى رفضها تكتسح فرحته اللحظة فسارعت هي بالتبرير: " بالطبع لم أكن أرفضك أنت وإنما الفكرة بحد ذاتها كانت بالنسبة لي مرفوضة في الفترة الماضية لكن... لكن الآن أنا أشعر بنفسي مستعدة للزواج و... "
سكتت مرتبكة فكان قاسم من حثها هذه المرة على المتابعة بصوت أجش يقول: " 'و' ماذا يا ابنة العم؟ "
أطرقت برأسها بخجل متمتمة: " ولم أجد من هو أفضل منك يا ابن عمي وحتى إن وجدت ما كنت لأقبل أو أختار غيرك "
اجفلهما معا صفير ياسين الجزل وتعليق آدم بمشاكسة: " لابد أن يوثق المشهد يا جماعة.. إنها المرة الأولى في تاريخ عائلة الجبالي الذي تعرض فيه فتاة الزواج على شاب "
ضحكت حينها شمس مُعلقة: " من الواضح أن وجودي بينكم كان بشارة الخير فقد نطقت البومة الخرساء أخيرا "
رمقتها ملك بغيظ وهي تلكزها في كتفها: " احترمي نفسك يا شمطاء.. من تقصدين بالبومة الخرساء؟ "
زمجر زيد بضيق يقول: " تحكمي في يديكِ إلى جانبيكِ الليلة على الأقل يا ملك فأنا لا أريدها أن تُصاب بأي ضرر وعرسنا في الغد "
ابتسمت ملك بسماجة وهي ترد: " حسنا الليلة فقط يا عريس ولكن أخبر عروسك أن تصون لسانها وإلا قطعته وجعلتها خرساء على حق "
تأفف زيد بحنق وهو يقف إلى جوار شمس مغمغما بخفوت: " متى سنتخلص منكِ؟ "
ردت ملك بنفس السماجة: " حينما تقف على رأسك أو ترى النجوم في الظهيرة "
كتم ياسين ضحكته وهو يقول: " الرجاء من الجميع الاهتمام بالعرض الرئيسي يا سادة "
عادت أنظارهم تنكب على حياة وقاسم في اللحظة التي قال عبد الرحمن بدون تفكير: " أنا شخصيا ليس لدي أي مانع وليكن العرس اثنين "
هتف ياسين بحماس: " بل قُل ثلاثة يا جدي.. هل نسيتني؟ "
ظل قاسم صامتا بملامح منغلقة لا تعبر عن شيء فرفعت حياة عينيها إلى قاسم تقول بيأس: " إن رفضت يا قاسم فلن أزوج أختي لأخيك "
رمش لوهلة قبل أن يبتسم بتهكم وهو يرد بنفس خفوت نبرتها: " يبدو أنكِ نسيتِ بأنهما عقدا قرانهما قبل بضعة ساعات يا ابنة عمي "
زفرت حياة بإحباط وهي تقول: " إذن سأقتل نفسي ويكون ذنبي في عنقك طيلة العمر "
تحكم قاسم في إبتسامته بصعوبة وهو يغمغم: " كم تبدين بائسة مثيرة للشفقة بطريقة لم أتخيلكِ أن تكونين عليها يومًا! "
ردت بغيظ طفولي: " وأنت تبدو ساديا ببرود أعصابك هذا وأنا على وشك الإنفجار من الموقف الغبي الذي وضعت نفسي فيه "
طالعتها بنظرة شامتة وكأنه يقول 'تستحقين وأكثر'
رفع حاجبا باستفزاز وهو يقول بعد لحظة بصوت بارد مسموع: " إذن تعرضين عليّ الزواج يا ابنة العم؟ "
جزت حياة على أسنانها قائلة: " نعم "
اومأ قاسم بلا معنى وهو يتخطاها ببساطة قائلًا بلامبالاة مقصودة: " دعيني أفكر.. امهليني حتى الغد أو... ربما بعد غد.. بصراحة لا أدري كم أحتاج من الوقت للتفكير فهذا قرار مصيري لذا ليس أمامكِ سوا الإنتظار حتى أبلغكِ بقراري "
خرج بعدها وآخر ما سمعه صوت قهقهات ياسين وآدم العالية


تنهد قاسم بعمق وهو يتمتم: " أخيراً يا حياة الروح.. أخيراً يا شقائي قلتِ نعم "
رفع رأسه للسماء بصمت بليغ وهو يشعر بأن كبريائه الجريح عاد ينبض من جديد بالحياة
لقد محت بكلمة منها كل همومه وآلامه بل بددتها إلى العدم وكم يتمنى عدم عودة تلك الهموم أبداً
ابتسم بامتنان وهو يحدق في صفحة السماء الظلماء التي لا تنيرها إلا النجوم المتناثرة هنا وهناك بسحر بديع قبل أن يتمتم براحة: " لك الحمد يا ربي في كل وقت وكل حين.. لك الحمد حتى ترضى كما أرضيت قلبي وداويت كبريائي بحسن كرمك الغزيز "

انتهى الفصل.
(يتبعه الفصل السادس عشر)..🌸

Hend fayed 17-12-19 05:59 PM

سُلاف الفُؤاد
 
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛
|| الفصل السادس عشر ||

صباح العرس
كانت كل واحدة منهن تتشاغل بما في يديها حتى لا تتواجه مع الأخريات في حين كانت الوحيدة الأكثر هدوءا هي ملك التي أخذت تراقبهن بتسلية خفية كاتمة ضحكتها الماكرة وهي تراسل ياسين من إحدى زوايا المطبخ الكبير
تنحنحت حياة وهي تقول بهدوء ظاهري: " هلا ناولتني طبق الخضار على يمينكِ يا حفصة؟ "
اومأت الأخيرة بدون رد وهي تناولها الطبق دون أن تنظر لها حتى
كل واحدة منهما تخفي حرجها عن الأخرى.. حفصة محرجة من قرار عاصم الذي أخبرها به مساء الأمس بخصوص رحلة شهر العسل الجديد ولا تعلم كيف ستخبر بنات عمومتها عن هذا الأمر؛ أما حياة فقد كانت محرجة مما فعلته بالأمس وجرأتها الشديدة في طلب الزواج من قاسم أمام الجميع وقد بدت رغم ثباتها الظاهري يائسة للغاية
ابتسمت ملك بمكر وهي تقول: " أظن بأن الشيخ رضوان سيحضر العرس الليلة وكنت أفكر أنه ربما... اممم أقصد أنها ستكون فكرة جيدة لو أنتهى قاسم من التفكير سريعا في موضوعكما واستطعتما أن تعقدا قرانكما أنتما أيضًا "
توردت حياة وهي تغمغم بنزق زائف: " توقفي عن الثرثرة والتفتي إلى ما في يدكِ ملك.. ليس أمامنا النهار بطوله "
هزت ملك رأسها وهي تقول ببساطة: " أمركِ أختي "
ولم تكد تمر بضعة لحظات في جو هادئ بدون كلام حتى سألت ملك بشقاوة وهي تضيق عينيها ناظرة إلى فرح: " ولكن أين زوجة أخوكِ يا فرح؟ ليست من عادة نبض أن تتأخر في مساعدتنا كل هذا الوقت والساعة أوشكت على العاشرة "
عبست فرح وهي ترد بلامبالاة: " وما دخلي أنا؟ اسألي عنها حلا هي ستتمكن من إفادتكِ أكثر منا جميعا (رمقت حلا التي تجلس على إحدى خزائن المطبخ وهي تلعب بدميتها قبل أن تردف) منذ أول أمس وهي تلتصق بصخر في كل مكان وعلى ما يبدو أن معها خط سيره بالكامل "
تنهدت حفصة وهي تتدخل في الحديث قائلة: " لا يعقل أن تغاري من حلا هي الأخرى لمجرد أنها كانت مع صخر لبعض الوقت "
عبست فرح بحنق وهي تقول: " لماذا تقولين هذا الكلام يا حفصة؟ ممن تظنين أني أغار؟ "
أجابتها حفصة بهدوء: " من نغم "
تأففت فرح وهي تبدأ بتقطيع شرائح اللحم بغل متمتمة: " أنا لا أغار منها فقط انزعج كلما رأيتها لأنها مستفزة بغرورها هذا وكأنها تملك الكون ومن عليه "
تناظرت حفصة وحياة فيما بينهما قبل أن تومئ الأخيرة بذات معنى فصمتت حفصة دون أن تضيف المزيد
بعد دقيقة واحدة كانت فرح تخرج من المطبخ بإندفاع وهي تتمتم بكلمات غير مسموعة لكن من ملامحها المتجهمة بدت وكأنها على وشك قتل أحدهم
***

في الأعلى / غرفة نبض
كانت تقف أمام المرآة تلف وشاح رأسها بإرتباك خجول بسبب تحديق صخر فيها وهو يجلس على الفراش من خلفها باسترخاء شديد
همست بخجل وهي تحاول تحاشي النظر لعينيه العابثتين التي تنعكس صورتهما في المرآة: " تأخرنا كثيرا و... أظن أنهم لاحظوا ذلك وسيبدئون فور رؤيتنا بالكثير من الأسئلة التي ستنهمر فوق رأسينا كالحجارة "
إبتسم صخر بخفة وهو يرد: " لماذا.. هل تأخرنا على العمل لديهم أم ماذا؟ استرخي يا جنتي واطمئني.. لن يجرؤ أحدهم على توجيه ولو كلمة إليكِ ولا تنسي أنني معكِ "
هزت رأسها بلا معنى دون أن ترد فأردف هو: " ثم نحن لم نتأخر كثيرا "
عبست بطفولية وهي تقول: " هل تمزح صخر؟ إنها العاشرة صباحا "
حرك كتفيه بدون رد فتابعت وهي تستدير إليه: " يبدو أنك نسيت يا سيد بأن اليوم هو عرس زيد وشمس لذا فاليوم مكدس بالكثير من الأشياء التي يجب إنجازها قبل حلول المساء ووجود كل فرد منا أمر مهم بل في غاية الضرورة "
أشار لها صخر بكفه وهو يقول: " تعالي إلى هنا يا سيدة نبض "
تنهدت باستسلام وهي تقترب منه، تتركه يجذبها إليه بدون اعتراض وهو يُجلسها إلى جواره
ظل صخر يتأمل في ملامحها ببعض الشرود الذي لاحظته هي دون أن تسأله عن السبب حتى مال يُقبل شفتيها بقوة هامسا من بين قبلاته: " لازلت لا أصدق بأنكِ سمحتِ لي بدخول جنتكِ يا نبض.. لازلت أشعر بأنني داخل حلم طويل.. حلم لم أكن لأصل في خيالي إلى هذه الدرجة من الجمال في تخيله.. وآه لو تعلمين بما يشعر به قلبي في هذه اللحظة! "
أطرقت برأسها تسأله بحياء: " وبما يشعر قلبك يا صخر؟ "
رد بعد أن تنهد بعمق: " يشعر بالثمالة "
رفعت وجهها إليه تطالعه بدهشة وبعض الحيرة وهي تردد: " الثمالة! ما هذا الوصف بالله عليك؟ "
ابتسم صخر بعشق وهو يلمس خدها برقة قائلا: " نعم الثمالة لأنه كان يئن ألماً ويصرخ وجعاً.. يطلب من الجميع أن يمنحوه بعض السلام والسكينة التي كان يتوق إليها لتخمد نيرانه ويتمكن من القضاء على وحوشه التي كانت تمتصه هو قبل الجميع لكن لا أحد مد يد العون له حتى رآكِ أنتِ وأحبكِ أنتِ وبعدها... ما عاد يشعر بشيء سوا أنه يتمنى الموت بين ذراعيكِ وفي موته هذا حياة بعد الحياة تُحييه وتُحييني "
فلتت منها ضحكة صغيرة سرعان ما كتمت بقيتها وهي تزم شفتيها بقوة مشيحة بوجهها جانبا فأبتسم هو بإتساع وهو يهمس إلى جوار أذنها: " أنا في هواكِ وحيائكِ هذا مُتيمًا يا جنتي "
هبت نبض من مكانها فجأة متمتمة: " هذا يكفي يا صخر.. لا يصح أن نتأخر أكثر "
زفر صخر بقلة حيلة وهو ينهض من مكانه هو الآخر متمتما: " كما تشائين يا جنة صخر "
تقدمها حتى الباب وبعدما فتحه أشار لها بلباقة وهو يقول ببسمة ماكرة: " من بعدكِ سيدتي الجميلة "
ضحكت نبض وهي تهز رأسها يأسا منه مغمغمة: " لا فائدة فيك يا دكتور "
***

في الأسفل
كانا قد وصلا إلى آخر درجات السلم حينما علا فجأة صوت شجار حاد استطاع كلا منهما تمييز صوت فرح بوضوح فقطب صخر قليلا بينما توترت نبض قلقا
أمسكت مرفقه بخوف تقول: " صخر.. ماذا يحدث؟ "
غامت مقلتي صخر بقتامة مخيفة وهو يقول: " لا تخافي من شيء حبيبتي أنا معكِ "
أمسك كفها في قبضته القوية بحنان وهو يخطو معها إلى الخارج حيث الباحة الخارجية للدار والتي صدحت منها الأصوات العالية
كانت فرح تقف في مواجهة نغم وهي تصرخ بغضب: " هل تظنين أنكِ أفضل مني؟ ها.. من أوهمكِ بهذه السخافة؟ "
كان رد نغم الوحيد هو ابتسامة ساخرة وجهتها إلى فرح دون أن تتنازل وترد عليها مما جعل الأخيرة تغضب أكثر وهي تصيح شاهرة سبابتها في وجه نغم: " لعلمكِ أنا لستُ خائفة من أحد كما تظنين أنا... "
قاطعها صوت قاسم القوي هادرا: " ماذا يحدث هنا؟ "
شحبت فرح بوضوح وهي تستدير لتواجه أخيها فرمقتها نغم باستخفاف مهين وهي تقول: " هل أكلت القطة لسانكِ أم ماذا؟ "
لم ترد فرح بينما قال قاسم بنفاذ صبر: " هلا فسرت لي إحداكما سبب صياحكما الطفولي هذا في هذا التوقيت الغير مناسب إطلاقا لما تفعلان؟ "
قطبت نغم وهي تقول ببرود: " لستُ أنا من كنت أصيح (نظرت إلى فرح وهي تردف بتهكم) ذلك كان صوت أختك الشجي "
قبضت فرح على كفيها إلى جانبيها بتشنج وهي تلحظ اقتراب صخر ونبض من ناحية ودخول ياسين مقطبا بحيرة من الناحية الأخرى وهو يقول: " ماذا يحدث هنا؟ "
غمغم قاسم بضيق: " سبقتك بنفس السؤال ولم يصلني الجواب بعد "
نظر ياسين إلى أخته بتساؤل صامت بينما قالت نبض بهدوء ظاهري وقد لاحظت الوضع المتوتر بينهم: " يبدو أنه مجرد سوء فهم بين الفتاتين لذا أقترح أن تدعاهما لي وتنصرفا أنتما إلى شئونكما.. ها.. ما رأيكم؟ "
ضغطت على كف صخر الممسكة بها فتنهد الأخير قائلا على مضض: " أظن أن نبض محقة.. لا داعي لإضاعة الوقت في سخافات الإناث تلك.. هيا نحن "
كاد ياسين أن يتحرك من مكانه حينما هتفت فرح بدون تفكير: " أنت تفعل ذلك لأجلها أليس كذلك؟ "
قطب صخر وهو يقول: " ماذا تقصدين؟ "
سارعت نبض بالتدخل: " اهدئي فرح ودعينا نحل هذا الأمر بعيدا عن الرجال.. أنت ترين أنهم مشغولين فلا تعطليهم أكثر إذا سمحتِ "
هزت فرح رأسها بعصبية وهي تكمل حديثها دون أن تلتفت إلى نظرات نبض التي تطالبها بالصمت: " أنت تدعمها في حبها ليوسف بينما تستنكر عليّ نفس الشيء.. لماذا.. ها.. لماذا؟ أنا أيضًا أختك مثلها تماما فلماذا تفضلها عليّ؟ "
وجه صخر نظراته المتسائلة إلى نغم التي خفضت وجهها بحرج وهي تقول: " سمعت يوسف وهو يتكلم معي قبل قليل وفهمت الأمر بصورة خاطئة حينما أتى على ذكر إسمك.. ظنت بأنك تعلم أن... "
قاطعها بلامبالاة مقصودة: " وما الجديد؟ نعم أنا أعلم بأن يوسف يحب نغم.. هو يفكر جديا في الزواج منها لكن... (نظر لفرح بقوة مردفا) لا أفهم ماذا يعيب نغم في هذا؟ ما شأنها هي إن أحبها يوسف؟ "
ارتبكت فرح وهي ترد: " لكن هي... هي الأخرى تحبه و... "
قاطعها صخر بجمود يقول: " هل سمعتيها تخبره بذلك؟ "
هزت فرح رأسها سلبا بتوتر أكبر فطالعها صخر ببرود يقول: " لكنها ورغم ذلك تحبه وأنا أعلم بهذا أيضًا فهل لديكِ أنتِ أي مانع؟ "
زفرت نغم بإرتباك والحرج يكسو ملامحها وهي تغمغم: " ما كان ينقصني سوا تلك الحمقاء "
عبس ياسين وهو يقول: " هل تفعلين كل هذا حتى لا نعاقبكِ على فعلتكِ السوداء؟ "
صاح قاسم بغضب: " أي فعلة تقصد؟ تكلم يا بني هل سنقضي النهار نخرج من لغز وندخل في آخر؟ "
رد ياسين بهدوء: " أبي أخبرني أن فرح تحب أنس "
" حقًا! "
صدح صوت أنس على بعد خطوات قليلة منهم وهو جاحظ العينين لا يكاد يصدق ما سمعته أذناه
شهقت فرح بصدمة وهي تجد أنها بكل غباء فضحت نفسها بنفسها، غمغمت برعب وهي تنظر لملامح قاسم التي تصلبت فجأة وإلى صخر الذي جز على أسنانه غضبا وهو يطالعها بوحشية: " سيقتلونني لا محالة "
تأفف ياسين وهو يقول ساخرا: " نعم هكذا أفضل.. لم يكن ينقص المشهد سواك "
تنحنح أنس بحرج شديد بينما تدخلت نبض بتوتر تقول: " الوقت غير مناسب لما تفكرون فيه.. أجلو الأمر حتى ينتهي العرس رجاءً "
هتفت نغم بحنق وهي تنسحب من الموقف كله: " هذا يكفي.. إلى هنا وكفى.. سأغادر حالا "
هدر صخر باسمها فتسمرت مكانها وهي ترتجف خوفا منه للمرة الأولى وهو يردف بصوت جامد: " لا تخطي خطوة خارج هذه الدار قبل أن أأذن لكِ.. إياكِ وفعلها "
اومأت على الفور بالإيجاب بينما همست نبض في داخلها: " ألطف يا ربي "
إلتفت ينظر إلى فرح قائلاً: " لا يجدر بكِ الحقد عليها أو حتى الغيرة منها لأنكِ أكثر منها حظاً.. إن أردت الزواج بأنس لن يمنعكِ أحد لكن بالنسبة لها هي الأمر معقد جدا "
أطرقت نغم ببؤس وهي تشعر بطعم الحقيقة علقما في فمها وصخر يردف: " لن يقبل جدكِ بأن تدخل أختي إلى داره كعروس لأحد أحفاده، لن يسمح ليوسف بأن يتزوجها لأنها ابنة المرأة التي لازال حاقدا عليها ويكرهها حتى اللحظة "
طرفت عينه رغما عنه وهو يقول بصوت اختنق قليلا: " أ نسيتِ أنه رفض رؤيتي بالأمس؟ حتى بعدما سمح لي بدخول داره لازال يرفضني "
صمت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير ليكمل صخر حديثه بعد لحظات بتهكم: " أظن أن العرض المبتذل خاصتكِ قد انتهى.. يا أختي "
ظلوا جميعا على نفس صمتهم بينما انسحب صخر ومعه نبض بعد أن أشار إلى نغم فلحقت بهما دون أن تتفوه بكلمة
وبعد لحظة كانت فرح تهرول للداخل وهي تبكي فغمغم أنس بإحباط: " إنها أسوء طريقة للاعتراف بالحب يا فرح.. يا خيبتك يا أنس وسوء حظك يا تعيس "
***

بعد نصف ساعة
صرخت نبض بغيظ ووجهها يحتقن بشدة وهي تدفع صخر في صدره: " أنت مجنون.. ما ذنبي أنا لتعاقبني على ما فعلته أختيك؟ "
ارتمى على الفراش، مستلقيا على ظهره وهو يتنفس بسرعة متمتما ببساطة مستفزة: " هذا ليس عقابا.. كنت أقبلك "
عبست نبض وهي تنظر إلى وجهها في المرآة قبل أن تصرخ بغضب: " وهذا ليس تقبيلًا أيضًا.. هذا... "
قاطعها بسخرية زائفة: " ماذا يا زوجتي المصون هل بدأتِ فورا في النفور مني؟ "
أغمضت نبض عينيها للحظات وهي تفكر بأن ما تشعر به اللحظة لهو أبعد ما يكون عن النفور.. إنه حريق مستعر لم تعرفه من قبل وليتها ما تعرفت عليه
كيف تخبره بأنها لا تملك إلا الصراخ عليه حتى تخفي خجلها مما يحدث ولم تعتده بعد؟
فتحت عينيها وهي تستدير إليه، تطالعه من مكانها ولا تجرؤ على الإقتراب منه.. همست بإرتباك: " أنا لم أقصد ما فهمته أنا... "
قاطعها من جديد يقول برقة: " تعالي إليّ "
عبست وهي تقول: " في كل مرة تقولها أظن قصدك برئ ثم تصدمني بوقاحتك وبت أخشى الوثوق فيك صراحة "
ضحك صخر وهو يشير لها بكفه قائلا: " إذن تعالي لأثبت لكِ صحة ظنونكِ "
زاد عبوسها وهي تزفر مغمغمة: " أ تعلم تبدو كذئب بشري مفترس فعلا؟ "
قهقه متسليا قبل أن يغمز لها بطرف عينه في شقاوة وهو يرد: " أنتِ تظلمينني يا حبيبتي فأنا لم أفعل لكِ شيء بعد؟ "
رفعت حاجبا بسخرية وهي تقول: " نعم ليس بعد.. يا لكرم أخلاقك الفائض يا زوجي العزيز "
أغمض صخر عينيه وهو يضع ذراعه أسفل رأسه مشيرا لها بيده الأخرى وهو يتمتم ببساطة: " يمكنكِ الخروج الآن يا حُلوة.. تم الإفراج عنكِ مؤقتا "
زفرت نبض بقوة وهي تتمتم: " الحمد لله وأخيرا تخلصت منك "
ضحك صخر بتسلية وهو على نفس وضعه قائلا باسترخاء: " تمتعي بحريتكِ الأثيرة حتى المساء فقط يا حلوة قبل أن تعودي إلى القفص من جديد "
ابتسمت نبض بخجل رغم أن صوتها خرج مغتاظا وهي تقول: " تدثر جيدا بالغطاء يا حبيبي حتى لا تحلم بكوابيس مزعجة، وتأكد أيضا أنه لا قفص ولا فريسة أيها الذئب البشري المفترس ال... "
قطعت حديثها وهي تصرخ فجأة حينما هب من استلقائه منقضا عليها، يحكم ذراعيه حول خصرها حتى رفعها عن الأرض وهي تضرب كتفيه بحنق صارخة: " اتركني يا صخر.. انزلني يا مجنون.. أيها المتوحش، الفظ... "
اخرسها بقبلة قوية وهو يحررها من وشاحها بخفة قبل أن يضعها على الفراش متمتما بشقاوة: " أنتِ من تجلبين المصائب لنفسكِ يا حُلوة.. تركت لكِ الفرصة الكاملة حتى تهربي لكن على ما يبدو أنكِ لا تريدين الإبتعاد عني.. إطلاقا وهذا ما أفضله أنا الآخر "
***

في المساء
عند الباحة الأمامية للدار
كان ياسين يسير مختالا أمام أخيه قاسم وهو يقول باستفزاز طفولي مثير للضحك: " عقدت قرآني قبلك وبعد شهر واحد سأقيم عرسي وأنت لازلت أعزبا يا أخي الكبير "
قهقه صخر وهو يجاريه في مزاحه: " وأنا.. وأنا الآخر تزوجت قبله هل نسيت؟ "
ضرب ياسين على جبهته وهو يقول بنفس النبرة المتسلية: " والله كنت نسيت فعلا لكن جيد أنك ذكرتني.. ها قد أصبحنا اثنان وهو وحده "
خرجت نبض في تلك اللحظة ترفل في ثوبها النبيذي الطويل الذي تتخلله الخيوط المذهبة عند الحواف وهي تبتسم برقة وعذوبة قائلة: " أرى أن الجميع في الحديقة فلما تقفون ثلاثتكم هنا؟ "
رد صخر وعينيه تتألقان بالعشق: " كنت أنتظركِ جنتي "
ابتسمت نبض بخجل وهي تتورد هامسة برقة: " وها قد حضرت "
مد يده لها وهو يقول: " تعالي إليّ إذن "
جحظت عينيها ووجهها يحتقن بشدة وهي تناديه بعتاب فرد صخر ببراءة: " ماذا؟ أنا قصدت المعنى البرئ هذه المرة بعيدًا عن أي عبث أقسم بالله "
عبست وهي تغمغم: " لازلت لا أثق بك "
قهقه عاليا وهو يمسك يدها ويرفعها إلى فمه ملثما ظاهرها برقة وهو يهمس: " ليس ذنبي أنكِ سيئة الظن "
ضحكت بنعومة وهي ترد: " بدأت أشك في نفسي فعلا وأصدق أنك برئ "
هتف ياسين فجأة متدخلا: " تبدين فائقة الجمال يا زوجة أخي "
ردت نبض بحياء: " شكرا ياسين "
ابتسم قاسم بحنان وهو يضيف: " بلى تبدين الأجمل من بين كل الفتيات "
أطرقت برأسها بخجل وهي ترد برقة: " شكرا أبيه "
صاح ياسين بتذمر طفولي: " أنظر إلى التفرقة يا أخي.. زوجتك غير عادلة أبدًا.. تدعوني بإسمي بينما تدعو قاسم ب 'أبيه' ما هذا الظلم؟ "
تأففت نبض وهي تقول: " ألم ننتهي من هذا الموضوع سابقا؟ "
رد ياسين بغيظ: " لا "
رمقته نبض ببرود زائف وهي تقول: " إذن أبقى أنت مع أخيك حتى تجدا حلا مناسبا لهذا الأمر بينما سأذهب أنا مع أبيه "
ضحك قاسم وهو يمد يده يدعوها بصمت لتتقدمه بينما هي تضيف باستخفاف: " حينما تنتهيا الحقا بنا "
وسارت مع قاسم إلى الحديقة الكبيرة حيث العرس بينما لكز صخر أخوه في كتفه وهو يصيح: " أحمق "
خطى صخر بعدها لاحقا بنبض فضحك ياسين وهو يقول: " لقد وقعت إذن في فخ العشق يا أخي.. مبارك انضمامك للفريق "
***

كان الحفل فخما رغم أنه اقتصر على المقربين من العائلة والأصدقاء فقط كما أصرت شمس منذ البداية، وهي ترى أن سعادتها ستكون في التفاف عائلتيها من حولها
كانت في حاجة للشعور بأن كل من يحبونها هم من يحيطون بها في مثل ذلك اليوم وتلك المناسبة، في حاجة للشعور بأنها ليست وحيدة وأنها لا تفتقر إلى مصدر الأمان والسعادة في حياتها كما كانت تشعر في السابق بسبب غياب أمها
ولطالما كانت شمس من كارهي المظاهر المتصنعة المتكلفة برياء بينما تسعدها أصغر اللفتات المعبرة عن صدق حقيقي مهما بلغ صغر قدرها لذا رأت أن الدفء الذي تسعى إليه والصدق الذي تريد الاحساس به اليوم لن يكون إلا في وجود أشخاص يحبونها حقا دون أن يكون لهم مصلحة في ذلك، وهؤلاء الأشخاص كانوا متمثلين في العائلة
وقف كل واحد إلى جوار زوجته بينما كان عبد الرحمن يجلس على كرسي وثير وإلى جواره صديقه صالح الذي ترك العرس وركز بصره على صخر وحده
بدى صخر رجلا سعيدا رائق البال وهو يمسك بيد زوجته باسما وكأنه لم يواجه أي مشكلة في حياته من قبل بل ويملك بين يديه كل ما يحتويه الكون الفسيح
لكم يشفق عليه كثيرا وهو لا يراه أكثر من صبي صغير لازالت تنقصه الكثير من الخبرة في فنون المواجهات كما ينقصه الصبر بالطبع

على الناحية الأخرى
وقفت ملك إلى جوار فرح تتأفف من انشغال ياسين بعيدا عنها بينما كانت فرح تتابع بطرف خفي تحركات أنس هنا وهناك وهو منشغل بالحديث في الهاتف تارة وبمغازلة أمه تارة أخرى
لا تنكر أنها باتت شخصية لا تطاق من شدة غيرتها التي ظهرت فيها فجأة وما كانت تعلم بأنها تمتلكها من قبل
تنهدت بإحباط وهي تفكر بأنها أصبحت شريرة بسبب حقدها على نغم وغيرتها من السيدة مروة فهي ترى أن إحداهما يحبها صخر أكثر والأخرى مقربة لأنس أكثر منها
أما نغم فكانت تبتسم بلطف في وجه من ينظر إليها أو يحييّها حتى لا تلفت الأنظار لها وتكشف عن بؤسها وحزنها وهي تنتظر مغادرتها من دار الجبالي في أي لحظة بعد أن ينتهي العرس، حزينة لأنها ستبتعد عن يوسف وقد لا تراه لاحقا كما اعتادت في اليومين الماضيين
على مقربة منهن كانت تجلس حياة مقطبة بتوتر جليّ لم تستطع اخفائه أو السيطرة عليه منذ وصل قاسم إلى الحديقة بصحبة نبض وأخذ يضاحك الأخيرة بمزاج رائق دون أن يمنحها ولو نظرة تهدأ من قلقها
على خلافهن كانت حفصة التي تجلس إلى جوار ابنتها وزوجها وهي تبتسم بسعادة حقيقية، تصفق حلا بجذل وهي تصيح بسعادة طفولية: " انظري ماما.. عمو زيد سيراقص شمس الآن "
ابتسمت حفصة وهي ترد: " سيكسران القواعد لأول مرة ويراقص العريس عروسه على مرآة الجميع "
ضحك عاصم وهو يمسك كفها، ويميل على أذنها هامسا بمرح: " ادعي الله ألا يقيم جدكِ عليهما الحد "
غطت حفصة فمها بكفها الحر وهي تضحك بينما هتفت حلا: " أريد أن أصبح عروس أنا الأخرى بابا "
رد عاصم ضاحكا: " حينما تكبرين قليلا بعد يا حلا أبيكِ سأزوجكِ بنفسي "
رفعت حلا حاجبيها وهي تقول بحذر: " لكن أنا من سأختار العريس بنفسي اتفقنا؟ "
ضحك عاصم وهو يومئ برأسه قائلا: " أتفقنا "
***

ابتسمت شمس برقة وهي تنظر لعيني زيد هامسة له: " أنا سعيدة اليوم أكثر من أي وقت مضى "
رفع زيد حاجبا بعجرفة وهو يرد: " طبعا هذا لأنكِ أصبحتِ زوجة زيد الجبالي "
ضحكت شمس وهي تهز رأسها بيأس قائلة: " لا فائدة مرجوة منك يا زيد "
عبس بطفولية وهو يقول: " هل ستوبخينني ليلة زفافي أيضًا؟ "
رفعت حاجبيها بدهشة وهي ترد: " ومتى وبختك من الأساس؟ هل تمزح؟ "
ابتسم زيد بغرور وهو يتمتم: " بالطبع أمزح وهل كنت لأسمح لكِ بذلك؟ "
تأففت بغيظ وهي تغمغم: " تبا لغرورك زيد الجبالي.. ستجلطني يا رجل "
رمقها ببرود زائف فأبتسمت له بسماجة وهي تتمتم: " دع تلك الليلة تمر بسلام يا سيد زيد وإلا لا تلومن إلا نفسك.. ها أنا احذرك "
قطب بعبوس يقول: " هل هذا تهديد شمس هانم؟ "
ردت باستفزاز: " نعم أهددك، ولن تستطيع أن تفعل شيء حيال ذلك لأننا أمام العائلة كلها وإن صرخت عليّ سأتركك حالا واذهب إلى جدي وأشكوك إليه "
جز على أسنانه وهو يغمغم: " تتحدينني إذن.. أليس كذلك؟ "
أشاحت بوجهها عنه بترفع دون أن ترد فمال بإبتسامة شريرة يهمس بخفوت إلى جوار أذنها: " أفعلي كل ما بوسعكِ شمس هانم.. كل ما تتمنينه وصدقيني لن أمنعكِ أبدًا لكن لا تتوقعي أن تكوني أنتِ الفائزة في النهاية فلكل لعبة رابح واحد وخاسر في المقابل "
ابتسمت بلامبالاة وهي ترد: " حسنا سنرى "
اتسعت ابتسامته وهو يقول: " نعم سنرى.. على كل حال لم يتبق الكثير على انتهاء اللعبة.. يا عروسي "
رفعت حاجبيها بريبة وهي تطالعه بترقب وحذر قائلة: " هل تخفي عني شيء ما؟ "
رمش ببراءة زائفة وهو يقول: " من؟ أنا! بالطبع لا "
زفرت بقلق وهي تقول: " لا أشعر بالاطمئنان تجاهك أبداً "
ضحك زيد بتسلية قائلا: " لا أفهم ما الغريب إذن في الأمر فهذا هو الشعور الطبيعي الذي يجب أن ينتابكِ تجاهي بالفعل في ليلة كليلتنا تلك؟ "
ابتسمت شمس فجأة وهي تنظر إلى الوجوه الكثيرة التي تتطلع إليهما من بعيد قبل أن تخبره بتواطؤ مرح: " أشعر بالشفقة على هؤلاء الناس الطيبين الذين يظنون بأننا نتهامس بكلمات الغرام بينما نحن في الحقيقة نقذف بعضنا بالحجارة "
ضحك زيد وهو يرد بتسلية: " شعارنا هو الإختلاف حبيبتي.. أظن أن لكل عروسين طريقتهما الخاصة في المغازلة "
ابتسمت شمس بتهكم وهي تقول: " يا لفرحتي يا زوجي العزيز.. بداية مبشرة بالخير صراحة "
اومأ برأسه وهو ينفجر أكثر في الضحك: " إنها طريقة مميزة للغاية.. معي ستجدين كل ما هو جديد "
عبست بغيظ وهي تدفعه في كتفه مغمغمة: " منك لله يا زيد دمرت كل شيء حتى الرقصة البائسة التي غامرنا لنفعلها "
تركها زيد بإرادته وهو يرد ضاحكا: " وما ذنبي أنا؟ كنت فقط أرد على قدر سؤالكِ "
رمقته شذرا قبل أن تتجه إلى كرسيها الوثير المزين بالورود الجميلة البيضاء ذات الوريقات الخضراء الزاهية
***

ساد الجو التوتر فجأة فور ظهور ليال وهي تتقدم منهم متأبطة ذراع معتز.. ابتسمت بهدوء قائلة: " أرجو المعذرة على تأخرنا "
ارتبكت نبض وهي تنظر لصخر دون أن تتفوه بحرف لتجد أن ارتباكها كالعدوى انتشر في الجو وحلق فوق رؤوس الجميع ورغم استمرار أصوات الموسيقى العالية إلا أن الجميع توقفوا عن الكلام والحركة وهم يطالعون ليال بذهول وكأن على رؤوسهم الطير
تقدمت ليال ببساطة نحو ابنها الذي فور أن اكتشف وجودها حتى سار إليها بلهفة وهو يقول: " أمي لقد عُدتِ "
رفعت ليال حاجبا بعجرفة وهي تنظر لمن يقف خلف كتف صخر مجيبة: " أتيت لكي أؤدي الواجب وأقدم تهنئتي على العرس بعد أن وصلتني دعوة خاصة لحضور العرس "
قطب صخر فجأة وهو يتمتم: " جيد "
دون كلمة أخرى تراجع صخر مفسحا المجال لنغم التي عانقت أمها مغمغمة بخفوت: " لا تفتعلي مشكلة رجاءً أمي.. أعصاب صخر مضغوطة بشكل كافي "
ربتت ليال على خدها وهي تقول بهدوء: " لا تقلقي عزيزتي.. لن أفعل "
تقدم معتز نحو الرجال مهنئا بتهذيب حتى وصل إلى خالد فصافحه على مضض بينما الأخير تحولت ملامحه إلى قطعة من رخام صلب
عادوا إلى أماكنهم بعد انتهاء المصافحات وتبادل كلمات المجاملة الخاصة بالعرس لتبقى نبض في المنتصف تنظر تارة إلى صخر الذي تنحى جانبا وتارة أخرى تنظر إلى ليال التي تبادل عبد الرحمن النظرات بتحدي مستفز
الوحيد الذي لزم مكانه مشيحا بوجهه عن ليال ومتجاهلا وجودها من الأساس كان زيد وقد لاحظت شمس ذلك ورأت أن تجاهله أفضل من افتعال المشاكل خاصة وأنه لم يتبق الكثير على انتهاء العرس
مدت يدها تمسك كفه برقة هامسة: " إن اقتربت منا لتهنئتنا لن تسيء إليها بكلمة حبيبي أليس كذلك؟ "
احتدت نظرات زيد دون رد فأبتسمت شمس برجاء تقول: " لأجل خاطر صخر.. لقد اتفقنا أن تصلح علاقتكما أليس كذلك؟ "
زفر زيد وهو يرد: " لكنها تستفزني يا شمس.. انظري إليها كيف تطالع جدي بوقاحة وكأنها تتحداه أن يحاول طردها بعدما أرسل لها الدعوة منه شخصيا حتى يظهر للجميع حسن نيته تجاهها "
جز على أسنانه وهو يكمل: " هي تعلم أن جدي لن يطردها لكنها تستفزه يا شمس.. تريده أن يخرج عن شعوره و... "
قاطعته شمس وهي تقول: " أعلم ما تقصده حبيبي.. أعلم أنها تريد أن تظهر لصخر أن جده لازال رافضا له ويبدو أنها تعلم أنه حتى اللحظة لازال رافضا له بالفعل ويرفض الحديث معه "
غمغم زيد بضيق: " بالطبع ابنتها من اخبرتها.. أنا لست مرتاحا لوجود تلك الفتاة بيننا من الأساس وكأنها جاسوسة أتت لتطلع أمها على كل خطواتنا وتحركاتنا أولا بأول "
تنهدت شمس بقلة حيلة وهي تقول: " لا تظلمها يا زيد.. الفتاة جيدة ولا أظنها تخبر أمها بأي شيء يخص العائلة كما تظن فهي تحب صخر جدا ولا أظنها قد تفعل أي شيء يتسبب له في المشاكل "
قطب زيد بعد لحظات وهو يتمتم بحنق: " لو كنت أعلم بأن ليلة زفافنا ستكون بهذا التوتر والسوء لما دعوت أي شخص للحضور ولا حتى عائلتنا "
ابتسمت شمس بمرح تقول: " لا تلقي اللوم عليهم حبيبي أنت من الأساس نزق ومتوتر لسبب لا أعلمه "
رمقها بطرف عينه وهو يغمغم بصوت غير مسموع: " بالطبع سأكون كذلك إنها الليلة التي انتظرها منذ زمن يا حمقاء "
رفعت شمس باقة الورود التي تمسك بها عاليا وأشارت بها إلى فرح فتقدمت منها الأخيرة على الفور تقول: " ماذا؟ "
ابتسمت شمس بشقاوة وهي ترد: " اجمعي الفتيات حتى ألقي باقة الورود هذه وننهي الليلة البائسة قبل أن تحدث كارثة "
أشرقت ملامح زيد فجأة بالرضا وهو يتنهد براحة قائلا: " هذه أفضل كلمات سمعتها منكِ الليلة يا عروسي "
ضحكت شمس برقة ترد: " أنا في الخدمة دومًا يا سيد زيد "
رفع زيد كفها إلى فمه يلثمه برقة وهو يغمغم بصوت خافت: " أحبكِ يا نور حياتي "
جحظت عينيها بصدمة لسماع اعتراف زيد بالحب لأول مرة ولسوء حظها سحبتها فرح في نفس اللحظة وهي تقول بحماس: " هيا يا عروس لتُلقي باقة الورود "
تركت شمس كرسيها وهي على نفس حالتها المصدومة، تسير مع فرح ورأسها للخلف تطالع زيد الضاحك وهو يشير لها بكفه حتى تنظر أمامها فلا تتعثر وتسقط
وقفت شمس للحظات تنظم تنفسها المتسارع وقد غزى اللون الأحمر وجنتيها فجأة وهي تستعيد كلمات زيد
'أحبك يا نور حياتي'
نظرت له مرة أخيرة وهي تغمغم في سرها: " الآن أيها البغيض.. كنت إلى جوارك طوال الوقت ولم تختر إلا هذه اللحظة لتنفك عقدة لسانك وتنطق الكلمة التي كنت انتظرها منك بفارغ الصبر "
هتفت فرح برجاء طفولي: " ركزي شمس قدر المستطاع وحاولي أن تُلقيها تجاهي أنا "
ضحكت شمس وهي ترد: " لم يتبق سواكِ بدون زواج من الفتيات أساسا "
عبست فرح وهي تتمتم: " انظري جيدا ستجدين هناك دخيلة أخرى بيننا "
قطبت شمس وهي تنظر حيث تشير فرح خفية فوجدت نغم تقف باسمة بلطف فردت لها بسمتها وهي تومئ لها قبل أن تعود ببصرها لفرح وتناظرها بعتاب صامت
صاحت ملك بشقاوة وهي تغمز لياسين الذي يطالعها بتسلية: " أشعر أنها ستكون من حظي أنا "
هتفت حلا بحماس: " إن شاء الله ستكون لي أنا "
فضحكت نبض وهي تقول: " عن نفسي أعدكِ بأنني سأتخلى عنها لكِ إن تلقفتها من شمس "
حانت اللحظة التي سترمي فيها شمس باقة الورود فتأهبت جميع الفتيات وكل واحدة منهن مستعدة لتكون الباقة من حظها رغم أن غالبيتهن قد رسم القدر مصيرهن بالفعل أما نبض فكانت تنظر خفية لصخر حتى صاحت فرح فجأة بتذمر طفولي: " كان يجب أن تكون لي "
هرولت بعيدا بينما نغم تطالع باقة الورود التي أصبحت من نصيبها بعينين متسعتين فربتت نبض على كتفها وهي تقول برقة: " إذن أنتِ هي العروس القادمة بإذن الله "
ابتسمت نغم بهدوء شارد وهي تحدق في الباقة قائلة: " لا أظن ذلك لكن... لا بأس تلك الوريقات الخضراء تناسب لون ثوبي "
تراجعت حياة وهي تبحث بعينيها عن قاسم فوجدته بعد لحظات يقف مع ياسين وكلاهما يبدو على ملامحهما الانزعاج من شيء ما وحينما تقدم منهما صخر اخفيا ذلك وسكتا عن الكلام بينما الأخير بدى عصبيا وهو يمسك بمرفق قاسم بقوة وكأنهما يتشاجران
جلست نغم إلى جوار أمها بهدوء ووضعت الباقة على الكرسي المجاور لها وهي تطالع يوسف من بعيد بوجوم بينما الأخير يتحدث إلى أخيه بسعادة واضحة على محياه البشوش
ترك عبد الرحمن كرسيه ووقف بملامح جامدة يقول: " أظن هذا يكفي.. العروسين أمامها رحلة فجرا ويحتاجان لبعض الراحة قبلها أليس كذلك؟ "
جاوره صالح في وقفته وهو يرد: " معك حق يا حاج (التفت إلى ابنه بعدها يقول) أخبرهم بني بأمر عمك عبد الرحمن "
اومأ آدم بطاعة وتحرك لينفذ كلام والده دون تعقيب
***

بعد انتهاء العرس
صعدت شمس إلى جناحها بصحبة زيد بعد أن ودعت والدها وأخوها بينما مروة أصرت أن تصعد مع العروسين حتى باب جناحهما لتطمئن على شمس وتضمن أن الأخيرة لا تحتاج لشيء
وقفت مروة أمامها باسمة بحنان وهي تحتضن وجهها من الجانبين وهي تقول: " أعلم أنني لم أعاملكِ يومًا كما يجب، دومًا كنت حاقدة عليكِ بسبب حب أكرم الكبير لكِ وكارهة لوجودكِ بالقرب من أنس وتفضيله لكِ عليّ.. لسنوات أردت معاقبتكِ على ذنب لم يكن لكِ يد فيه وهذا كان غباء مني لكن... لكنني ما عُدت أريد أن أكرهكِ ولا أن أعاقبكِ على شيء بعد اليوم "
ترقرق الدمع في عيني شمس وهي ترمش بقوة فأردفت مروة: " أنا حقاً أتمنى لكِ كل السعادة من قلبي لأنكِ تستحقينها وأكثر حبيبتي "
ألقت شمس بنفسها بين أحضان مروة واجهشت في البكاء وهي تقول: " شكرا عمتي.. أنتِ عوضتني حقا عن غياب أمي رحمها الله في أهم يوم في حياتي "
ربتت مروة على ظهرها بحنان هامسة: " وأنا ممتنة لوجودكِ في حياة ابني طيلة السنوات الماضية يا شمس "
ابتسمت شمس بإشراق وهي تقول: " وأنا اللحظة أكثر من ممتنة لوجودكِ في حياتي عمتي "
مسحت مروة دموع شمس برقة قائلة بحنو: " أردت أيضًا أن أخبركِ أن عائلتكِ ستظل دومًا إلى جواركِ تسندكِ وتدعمكِ (رمقت زيد بتحدي وهي تتتابع) وتحميكِ من أي أحمق يظن نفسه قادراً على الإساءة إليكِ ولو بكلمة صغيرة "
كتمت شمس ضحكتها وهي تقول: " لا حرمني الله منكِ عمتي.. أظن رسالتكِ وصلت بوضوح "
غمغم زيد بحنق: " رسالة هذه أم تهديد؟ "
تنهدت مروة ببرود مقصود وهي ترمق زيد بسماجة قائلة: " أتمنى ألا تخيب ظني يا زوج ابنتي "
فرد زيد باسما بسماجة مماثلة: " لا أريدكِ أن تقلقي بهذا الشأن أبدا يا حماتي العزيزة.. شمس في عينيّ "
رمقته مروة بامتعاض وهي ترد: " أحتفظ بعينيك لأجلك المهم أن ترعاها جيداً وإلا لن يرضيك ما سأفعله بك حينها "
عبس زيد وهو يتمتم: " هل كان ينقص تلك الليلة الكارثية تهديدكِ يا حماتي؟ "
رفعت مروة حاجبا باستفزاز تقول: " ألا يعجبك حديثي؟ حقا إن كان لا يعجبك لا مشكلة أخبرني حتى آخذ شمس معي ونرحل بهدوء دون مشاكل.. لازلنا في البداية.. ما رأيك؟ "
قفز زيد بذعر يقف حائلا بينهما وهو يقول بلطف زائف: " ألا يستطيع المرء أن يمزح معكِ يا حماتي؟ (ابتسم بسماجة أكثر وهو يكمل حديثه) كنت أمزح فحسب صدقيني "
غمغمت مروة ببرود: " جيد.. ابتعد إذن حتى أودع أبنتي "
تنحى زيد جانبا وهو يزفر بضيق ويغمغم بصوت غير مسموع: " ألم تحلو لها الفرصة لتتصالح مع شمس سوا حينما عرضت عليها الزواج؟ وكأنها تفعل ذلك فقط لتغيظني.. يا لحظك البائس يا زيد يا بن حبيبة الجبالي! "
لحظات قليلة وانسحبت مروة من الجناح فأصبح العروسين وحدهما حينها أسرع زيد إلى الباب واغلقه بالمفتاح قائلا: " هكذا أفضل حتى أضمن ألا يتمكن أي متطفل من مقاطعتنا "
انفجرت شمس ضاحكة وهو تقول: " لقد كنت أنتظر اللحظة التي سينقض أحدكما على الاخر فيها ولكنكما للحق فاجأتماني بحديثكما المتحضر المتبادل بينكما وطول صبر كلا منكما على الآخر "
عبس زيد وهو يتقدم ناحيتها مغمغما: " يبدو أن العرض أعجبكِ يا عروسي "
اومأت برأسها وهي لازالت تضحك بمرح متمتمة من بين ضحكاتها: " جدا "
رفع حاجبا بمكر وهو يقول: " وما سيليه سيعجبكِ أكثر ثقي بي "
ضيقت عينيها ترمقه بحذر قائلة: " لا أعلم لما أشعر بأن التالي سيعجبك أنت وليس أنا "
ابتسم بإتساع وهو يغمز لها قائلاً بشقاوة: " أوَ لسنا واحدا يا عروسي الجميلة؟ "
تحكمت في بسمتها بصعوبة وهي تتخصر أمامه مغمغمة بضيق زائف: " لم نتحاسب بعد بشأن وصفك لليلة عرسنا بأنها كارثية "
ابتسم زيد بخفة وهو يرد مغازلا: " كنت أبعد عنا العين لا أكثر فجمالكِ الليلة فاق كل الحدود "
أشاحت بوجهها وهي تعض باطن خدها حتى تمنع إبتسامتها الملحة في الظهور قبل أن تطالعه بعبوس مصطنع وهي تقطب بين حاجبيها بشدة: " تقصد أنني كنت بشعة طوال الأيام الماضية، لهذا كنت تتجاهل رؤيتي أو مهاتفتي أليس كذلك؟ "
اتسعت عينيه بشكل طفيف قبل أن يعبس هو الآخر مغمغما: " عين وصابتك يا بائس الحظ "
هتفت شمس فجأة فأجفلته: " ماذا تقول؟ "
زفر وهو يرد: " لا شيء "
خطى تجاه الأريكة الجانبية وارتمى عليها جالسا بإهمال فطالعته بدهشة تسأله: " ماذا تفعل؟ "
رد ببرود: " أنتظركِ حتى تنتهين من تذكر كل الأمور التي حدثت في الأيام الماضية فيبدو أن الليلة هي ليلة الذكريات البائسة (لوح بكفه في حركة دورانية وهو يكمل) هيا حبيبتي تابعي البحث بين الذكريات فربما تتذكرين أمر آخر أكبر يستحق منكِ أن تكدرين به ليلتي وحياتنا القادمة كلها "
أشفقت عليه للحظة قبل أن تهتف بحنق حقيقي: " هل بدأت تسخر مني منذ اللحظة الأولى لنا معا والله أعلم ماذا ستفعل فيما بعد؟ "
ابتسم بسماجة وهو يرد: " سأصنع منكِ شطيرة باللحم طبعا.. هل هذا سؤال يُسأل وقد ظننت الإجابة واضحة؟ "
صاحت بغيظ أكبر: " ها أنت تعود للسخرية مني مرة ثانية "
أشار لها بلامبالاة يقول: " يبدو أن الحوار طويل ولن ينتهي قريبا على أي حال، لذا أفضل أن تجلسي بينما نعيد فتح الذكريات الجميلة من جديد "
عبست بشدة وظلت مكانها تطالعه بغيظ متصاعد حتى استسلمت أخيرا واقتربت بالفعل تجلس إلى جواره على الأريكة متأففة
رمقها زيد بطرف عينه شاتما نفسه في سره قبل أن يرسم الابتسامة السمجة المستفزة على شفتيه من جديد وهو يعتدل في جلسته حتى يكون مواجها لها بينما يقول: " هل تتذكرين يوم أن تشاجرت معكِ في بيتكم بخصوص دعوة صخر على عرسنا وتدخل حماتي العزيزة في الموضوع؟ "
زمت شفتيها بسخط وهي ترد: " بالطبع وهل هذا شيء يُنسى؟ يكفي الموقف المُخزي الذي تركتني فيه بعد أن رحلت "
اومأ وهو يؤيدها: " نعم كان موقفا سيئا للغاية "
ابتسمت بتهكم وهي تضيف: " ولم يكن الأخير.. هل تذكر اليوم الذي سبق ليلة الحناء حينما قبضت علينا حلا ومن بعدها ملك ونحن في جناحنا هذا وحدنا؟ "
اومأ من جديد يقول ساخرا: " نعم أذكر.. يومها فضحتينا بتوردكِ ولم يكن ينقص إلا أن تبكي متوسلة إياها حتى لا تخبر الجميع بأنها وجدتنا معا بدون رفقة أخرى "
لكزته في كتفه وهي تقول بتذمر: " لا تضع اللوم عليّ.. وقاحتك هي السبب منذ البداية "
رد لها لكزتها بخفة وهو يقول بفظاظة: " لا تتطاولي بالضرب لأنني سأرده لكِ بالمثل.. ها أنا حذرتكِ "
رفعت حاجبيها بذهول قائلة: " أنت ضربتني فعلا "
حرك كتفيه بلامبالاة وهو يقول: " لكل فعل رد فعل في المقابل "
أرادت أن تصفعه بقوة على جلافته تلك لكنها آثرت السلامة فكتفت ساعديها أمام صدرها وهي تغمغم بضيق: " إنها ليلة كارثية بحق "
ضحك زيد وهو يقلدها: " لا أسمح لكِ بوصف ليلة عرسنا بأنها كارثية "
رمقته شذرا وهي تتأفف دون رد فتنهد هو يقول: " لا عليكِ.. يجب أن نكون صادقين ومتصالحين مع أنفسنا ونعترف بأنها هكذا بالفعل.. ليلة كارثية لا معالم لها وسيكون من الأفضل لو حذفها أحد من التاريخ "
ران عليهما الصمت للحظات قبل أن تسأل شمس بقلق: " برأيك ماذا يحدث في الأسفل الآن؟ "
رد ببرود زائف: " أظن العمال يجمعون أغراضهم وينظفون الحديقة بعد انتهاء العرس كما أمرهم جدي وكما يفترض بهم أن يفعلوا "
زفرت شمس بنفاذ صبر وهي تقول: " أنا أتحدث جديا في الأمر يا زيد "
قطب بضيق دون أن ينظر لها قائلا: " بالطبع أحد الأمرين يحدث.. إما تراجع كلا الطرفان معلنان استسلامهما للأمر الواقع والمفروض عليهما أو... أن حربا طاحنة تدور بينهما الآن "
قطبت شمس بقلق وهي تطالعه بإهتمام قائلة: " يا إلهي! أخشى أن تتطور الأمور بين جدي وصخر أكثر من ذلك.. لن أرتاح حتى أطمئن أن كل شيء بخير "
رد زيد وهو يجز على أسنانه غيظا: " هل تحبين أن أنزل واطمئن بنفسي على سير الأوضاع بين الجميع أم... "
قاطعته بحماس: " لا.. يكفي أن تهاتف يوسف وهو سيخبرنا بما يحدث في الأسفل "
جحظت عينيه وهو يكاد يشد شعره من شدة الغيظ قبل أن يهتف بإنفعال: " هل هذا وقت مهاتفة يوسف أو الاطمئنان على أحد من الأساس؟ بالله عليكِ كيف تفكرين؟ "
صاحت شمس بحنق: " هذه أنا.. لن أرتاح حتى أطمئن على الجميع فلا تحسبني أنانية مثلك "
تلجم لسانه عن الرد وهو يطالعها بيأس وقد أبت الكلمات أن تعبر عن حالته وشعوره في تلك اللحظة
ظل كلا منهما يرمق الآخر بين الفينة والأخرى حتى قطع زيد الصمت قائلا بصوت بارد ظاهريا: " حسنا إذن أنتِ تظنين أنني أنانيا أليس كذلك؟ نعم أنا هكذا وللأسف لا أستطيع أن أتغير لا لأجل أحد ولا لأجل نفسي حتى "
أغمضت شمس عينيها دون رد فتابع زيد حديثه بنفس النبرة: " معكِ حق أنا أناني لكن... لكني لست بلا شعور حتى أدعي أن ما يحدث من صدام في عائلتي لا يعنيني في شيء.. كل شخص له طريقته في التعبير عن رأيه وأنا أفضل دومًا الإنسحاب والمراقبة من بعيد خاصة وأن الأمر يخص صخر وأنتِ أكثر من يعلم كيف هي علاقتي به؟ "
فتحت شمس عينيها تطالعه بحزن فأومأ برأسه ببساطة يردف: " لم أنكر ما في من عيوب سابقا لأنكرها اليوم يا شمس، وأكثر ما يريح ضميري أنني لم أخفِ عنكِ حقيقتي ولم اتنصل مما أنا عليه أبداً "
زفرت شمس وهي تتمتم: " لا داعي لهذا الحديث الآن يا زيد.. أنا لم أقصد أن... "
قاطعها غير راغبا في سماع تبريرات واهية لن تفيد في شيء، لن تمحو نظرتها الخائبة له
ابتسم فجأة وهو يقول بلطف: " اذهبي أنتِ وبدلي فستانكِ الجميل وأنا سأهاتف يوسف واطمئن على الجميع حتى تنتهين "
أرادت أن تتكلم فقاطعها وهو ينهض من مكانه قائلا بنبرة قاطعة: " سأطلع أيضًا على ما أحضروه لنا من طعام.. لا تتأخري حتى نأكل سويا فأنا جائع "
تنهدت بإحباط وهي تنهض من مكانها رافعة طرفي فستانها الضخم بينما زيد يطالعها بحزن سمح له أخيرا أن يظلل نظراته بعدما اختفت بسمته وسكنت ملامحه الكآبة
***

في الأسفل
وقف سليم أمام معتز يصر عليه المبيت الليلة في دار الجبالي بسبب تأخر الوقت لكن الأخير كان رافضا بشكل قاطع
وتدخل يوسف بلطف محدثا ليال: " يا عمتي أبي معه حق.. لما لا تبيتون الليلة هنا فقد تأخر الوقت كثيرا ونحن لم نضيفكم بشكل لائق بعد؟ "
ردت ليال ببرود ونظراتها تطرف ناحية عبد الرحمن: " ضيافتكم كانت على أكمل وجه يكفي حسن استقبالكم لنا وخاصة جدك "
نظر يوسف إلى جده بتوتر حذر قبل أن يوجه بصره صوب ليال من جديد وهو يحاول اقناعها: " ورغم ذلك أرى أن مبيتكم هنا الليلة سيكون أفضل.. هيا عمتي وافقي حتى يقبل صخر بالبقاء هو الآخر "
ابتسمت ليال بلطف وهي ترد: " صدقني يوسف أنا لا أستطيع النوم في أي مكان سوا بيتي أما صخر فهو حر إن أراد المبيت هنا لا مشكلة "
قطب صخر بحيرة وهو يطالع أمه قائلاً: " أنا الآخر قررت العودة الليلة إلى العاصمة "
اومأت برأسها دون رد بينما غمغم يوسف: " وبالطبع ستأخذون نغم معكم "
طالعته ليال بعدم فهم بينما ارتفع حاجبي معتز ذهولا مما يصوره له عقل في حين قال صخر بنبرة تهديد مبطن: " ما بالك يوسف؟ يبدو أن الأمر أختلط عليك وأظن بأنك تقصد نبض أليس كذلك؟ "
تتنحنح يوسف بحرج وهو يقول: " نعم بالطبع "
حدجته نغم بحنق وهي تغمغم في سرها: " الصبر يا رب حتى تنتهي تلك الليلة الدلماء "
بعد لحظة قال صخر بهدوء وهو يطالع أمه: " أنا أشعر بأني للتو خرجت من معركة كبيرة ولن ارتاح إلا في بيتي أنا الآخر "
رددت نغم بشحوب: " بيتك! ماذا تقصد يا صخر؟ "
ابتسم بلطف وهو يقترب نحوها مربتا على وجنتها بينما يتمتم بخفوت: " البيت الذي كنت أعده خلال وجود نبض مع العمة فاطمة.. لقد قررت أن أستقر بحياتي بعيدا عن فيلا أمي ودار أبي.. سأؤسس حياتي بنفسي مع من أحب "
قطبت بحزن وهي تقول: " ستتركني إذن "
رد صخر بحنو: " ما كنت لأترككِ أبدًا يا نغم.. على أي حال سيف ومصطفى يعرفان الطريق إلى بيتي وحين تقررين زيارتي سيكون عليكِ فقط اخبارهما بذلك وعلى الفور سيقوم أحدهما بإيصال الفراشة الغالية إلى كهف أخيها المتوحش "
ضحكت نغم بخفة وهي تعانقه بقوة هامسة: " سآتي إليك يا أخي.. بالتأكيد سأزورك "
ربت على ظهرها وهو يرد: " بيتي هو بيتكِ أيضًا يا نغم.. سأظل دومًا في انتظاركِ "
ابعدها عنه بلطف وهو يبتسم في وجهها فقالت بمناكفة: " ستكون أول زيارة حينما أريد أن أشكو إليك سوء حظي في الحياة ولا تنس وقتها بأن تتحجج بأي حجة وتدفع نبض لترك البيت حينها حتى لا تشهد لحظاتنا المخزية وأنا أطارد أخي الوسيم بينما هو... "
ضحك صخر رغم تعاسة قلبه وهو يطالعها بغيظ ويقاطعها بعجلة: " كفى يا مجنونة.. ستجعلينها تعاقبني إن استمريتِ في فضح أسرارنا المخزية والتي كلها حدثت بسببك أيتها العفريتة البشعة "
دفعته بغيظ وهي تقول: " من هذه العفريتة البشعة؟ هل تظن حقا أنك شاب وسيم؟ "
رفع صخر حاجبا باستفزاز وهو يرد: " بالطبع.. ألا ترين عدد الفتيات اللاتي تطاردنني في كل مكان أذهب إليه؟ "
اتسعت عيني نبض، فاغرة الفاه وهي تحاول بصعوبة كبت غضبها لكنها فشلت لتصيح بغتة بشراسة فاجأت الجميع: " هكذا إذن.. وتتفاخر أيضًا بمغامراتك على العلن بتبجح "
ردد صخر بحنق: " تبجح! آه منكِ يا نبض.. ماذا أفعل في لسانكِ هذا؟ "
رفعت حاجبا باستفزاز فتنهد صخر بيأس وقال: " هذا ما ينقصني حقاً (أكمل كلامه وهو ينظر للجميع) مضطر للمغادرة الآن فقد تأخر الوقت كثيرا.. السلام عليكم "
قبض على كف نبض وانسحبا دون أن يضيف كلاهما المزيد، وأمام السيارة وقفت نبض تكتف ذراعيها أمام صدرها وهي تغمغم بغضب: " لا أريد الذهاب معك للعاصمة "
أغمض صخر عينيه بتعب وهو يرد: " هيا يا نبض أنا جداً متعب وأحتاج للنوم بشدة "
ردت بنفس النبرة: " قلت لا أريد "
صمت صخر عابسا فطالعته نبض مقطبة بشدة قبل أن تهدأ فجأة وهي تقترب منه متمتمة بوداعة: " حسنا كما تريد.. هيا لنذهب حيث تشاء "
فتح عينيه يبتسم لها بحنو وهو يرد: " ماذا حدث لتغيرين رأيكِ هكذا فجأة؟ "
هزت كتفها بدلال وهي ترد: " لا شيء ولكن يبدو أن قلبي الطيب يشعر بالشفقة عليك لذلك قررت تأجيل معاقبتك حتى ترتاح "
اتسعت ابتسامته وهو يميل مقبلا خدها قبل أن يهمس برقة: " سلم لي القلب الطيب وصاحبته الحلوة "
فتح بعدها باب السيارة المجاور لمقعد السائق وهو يقول: " تفضلي نبض هانم "
دلفت نبض للسيارة وهي ترد بنعومة: " شكرًا دكتور صخر "
أغلق صخر باب السيارة وهو يتنهد براحة فأخيرا سيبتعد بمحبوبته عن الجميع، أخيراً سيحظى بهدنة طويلة مع المشاكل الكثيرة التي لا تنتهي، قرر أن يضع كل شيء جانبا وينعم بوجود حبيبته
***

بعد إنتهاء العرس / في جناح العروسين
خرجت شمس إلى غرفة الجلوس الصغيرة الملحقة بالجناح فوجدت أن زيد قد أبدل ملابسه هو الآخر ويجلس أمام مائدة الطعام وقد بدأ فعليا في الأكل دون أن ينتظرها
نظرت له بغيظ وهي تهتف: " ألم يكن يجدر بك أن تنتظر قليلا حتى أخرج؟ "
رد دون أن يرفع عينيه عن الطعام: " ليس ذنبي.. أولا أنتِ من تأخرتِ حتى ظننتكِ نمتِ لهذا بدأت في تناول الطعام الذي تفضل ياسين وتركه لنا بعد أن أخذ صينية عشاءنا الفاخرة منه لله "
تجاهلت شمس بقية جملته المستفزة وهي تردد بذهول: " ظننتني نمت! "
لم يوليها أي إهتمام حتى تنازلت هي أخيرا وتقدمت ناحيته وهي تغمغم: " ولماذا ظننت هذا؟ هل كنت سأنام دون أن أخبرك مثلا؟ "
رد زيد بتهكم بعد أن ابتلع ما في فمه من طعام: " إذن لو قررتِ حينها أن تنامي كنتِ ستخبريني أولا؟ "
سحبت شمس أحد الكراسي وجلست أمامه وهي تقول: " أجل بالطبع "
جز على أسنانه حينها وهو يغمغم: " هذا معروف كبير تقدمينه لي والله.. شكرا لكِ شمس هانم "
دس في فمه قطعة من اللحم وهو يغمغم بغيظ: " هذا ما كان ينقصني.. هو شيء من اثنين إما ستجلطني أو... أو ماذا؟ هو حل واحد هي ستجلطني "
طالعته شمس بحذر وهي مقطبة ما بين حاجبيها، سائلة: " ماذا تقول؟ "
رد وهو يضع المزيد من الطعام في فمه: " لا شيء.. كُلي "
كتفت ذراعيها أمام صدرها وهي ترد عليه بحنق: " لا أريد.. لست جائعة "
غمغم بلامبالاة: " هذا أفضل.. وفرتِ وعلى كل حال تناول الطعام في وقت متأخر من الليل ضار بالصحة ويسبب السمنة "
طالعته بعبوس وهي تتمتم: " وأنت ألا تخاف على صحتك وجسدك؟ "
رد زيد وهو يملأ فمه بالطعام: " لا وعلى كل حال أنا لن اكتسب المزيد من الوزن "
ردت شمس ساخرة: " لماذا؟ هل أنت كالقطط تأكل وتنكر؟ "
هز رأسه بالإيجاب دون أن يكلف نفسه عناء الرد مما زاد غيظها من تجاهله لها لكنها تحاملت على نفسها وظلت صابرة حتى ينتهي من طعامه
وطال الصبر!
تأففت فجأة وهي تصيح بعجب: " هذا غير معقول.. ألم تشبع بعد؟ لقد أوشكت أن تتم ساعة كاملة وأنت تأكل بلا توقف "
رمش لوهلة قبل أن يتمتم ببرود وهو مستمر في تجاهل النظر إليها: " لازلت جائعا.. لم أتناول أي طعام منذ الصباح "
قطبت بدهشة وهي تقول: " هذا ليس مبررا لنهمك العجيب هذا.. بدأت أخشى على نفسي منك "
إبتسم زيد بسماجة مغيظة وهو يمد يده إلى طبق الفاكهة: " لا تخافي على نفسكِ شمس هانم لست من آكلي لحوم البشر، وعلى كل حال لقد انتهيت "
عبست وهي تتمتم: " انتهيت! وماذا عما بيدك؟ "
رفع وجهه أخيرا يطالعها بدهشة مصطنعة وهو يقول: " ماذا.. إنهما فقط تفاحتين؟ "
اتسعت عينيها وهي تنظر له بذهول قائلة: " أ لازال هناك مساحة فارغة في معدتك لتناول تفاحتين دفعة واحدة؟ هل أنت واثق بأنك طبيعي؟ "
ضحك زيد بمرح وهو يرد: " أنا أشفق عليكِ فعلا إن كان هذا حالكِ لأنني تناولت هذه الكمية من الطعام فماذا ستقولين إن رأيتِ ياسين وهو يأكل؟ "
اتسعت عينيها أكثر وهي تسأله بصدمة: " لا تقل أنه يأكل كمية أكبر مما أكلت أنت للتو "
اومأ إيجابا برأسه وهو ينفجر في الضحك على ملامحها وتعابيرها المصدومة قبل أن تختفي ضحكاته فجأة وهو يفغر فاهه محدقا فيها مما جعلها تقطب بريبة من تبدل حاله السريع وهي تسأله: " ماذا بك؟ إن كنت تريد أكل ما تبقى أنا لا أمانع إطلاقا "
هز رأسه سلبا وهو يتمتم بلا وعي: " أنتِ جميلة "
رمشت بحرج وهي تتنحنح مغمغمة: " اممم حسنا أنت فاجأتني "
قطب بخفة وهو يردد: " فاجأتكِ! كيف؟ "
أطرقت برأسها لمائدة الطعام وهي تتهرب من نظراته الولهة بها مجيبة: " لم أعتد بعد على سرعة تنقلك بين المواضيع.. أنت تغير سير الحوار فجأة فتربكني "
ابتسم بمكر وهو يقول: " اممم هكذا إذن.. حسنا شمس هانم أعدكِ بأن انبهكِ في المستقبل قبل أن أغير الحوار "
رفعت رأسها، تنظر له وهي ترد بعفوية: " لن يكون هناك داعي لتنبيهك بإذن الله فأنا سوف أعتاد طريقتك قريبا "
إبتسم برقة وهو يقول: " هذا ما أتمناه يا شمسي "
توردت بخجل وهي تتمتم: " وأيضًا سأحاول إيجاد حل وسط لكي أتقبل غرورك وطبعك الأناني المستفز هذا لكن سيكون عليك أنت الآخر أن تترفق في معاملتي "
مد يده يمسك بكفها المستريح على سطح المائدة وهو يرد بصدق خالص: " لستُ في حاجة لأن تخبريني بالطريقة التي يجب أن أعاملكِ بها يا شمسي، وليس الرفق فحسب كل ما تستحقينه فمن هي مثلكِ يحق لها كل الدلال، والرفق واللطف "
ابتسمت برقة وهي تنظر له دون تعقيب فأردف هو بعذوبة: " هل أخبرتكِ من قبل بأنني أحبكِ؟ "
هزت رأسها وهي ترد ضاحكة بنعومة: " نعم قبل ساعتين تقريبا "
تصنع التفكير للحظات قليلة قبل أن يغمغم بمرح: " لا هذه لا تُحسب.. تعالي لنبدأ من جديد وأخبركِ كم أحبكِ بالتفصيل الممل "
استجابت له بخجل ونهضت معه مستسلمة لمصيرها الذي كتبه لها القدر مع زيد بخيره وشره، وصلا إلى باب غرفة النوم فأجفلها قليلا وهو يستدير فجأة هامسا برقة: " نور حياتي لن تدخل غرفة نومها إلا وهي محمولة بين ذراعي "
هزت رأسها بسرعة وهي تهتف: " لا.. ليس هناك داعٍ لكل هذا أنا... "
قطعت حديثها شاهقة بقوة وهو ينحني بخفة أمامها وفي لحظة كانت تشعر بنفسها تطير عاليا قبل أن تحط بنعومة بين ذراعيه وكأنها فراشة وهو يضحك هامسا: " الجدال هو ما ليس له داعي في هذه اللحظة يا حبيبتي "
كتمت ضحكتها في كتفه وهي تطوق عنقه بذراعيها هامسة: " ماذا أفعل فيك؟ "
ضحك بمرح وهو يرد: " أحبيني "
لحظات ووضعها على الفراش برفق وظل مائلا أمام وجهها حين لم تخف من طوق ذراعيها حول عنقه وهي تهمس برقة: " ولكنني أحبك بالفعل "
غامت مقلتيه في بحور العشق وهو يميل إليها أكثر هامسا أمام شفتيها: " إذن أحبيني أكثر لأنني أحبكِ بجنون يا نور حياتي "
همست شمس بنعومة: " سأفعل "
ولم تكد المسكينة أن تحظى بقبلتها الأولى في ليلة زفافها كأي عروس حتى شعرت بزيد يسبح وحده في عالم آخر بعيد لم تظن أن أحدهما كان ليستسلم له في هذا الوقت بالذات
***

في العاصمة / قبل الفجر بنصف ساعة
خرج صخر من الحمام وهو يجفف شعره الندي بمنشفة صغيرة، عاري الجذع بينما كل ما يرتديه هو بنطال أسود ذو خطين جانبيين طوليا باللون الرمادي
اقترب من الفراش بخفة وهو يخيم بطوله الفارع على نبض التي يبدو أنها غفت سريعا حينما وصلوا مباشرة فلم يشعر بها وقد تأخر لساعة كاملة في الحمام محاولا قدر الإمكان تنظيم أنفاسه وأعصابه حتى لا يؤذيها بدون قصد بسبب غضبه الذي لا يزال ينبض في داخله بضراوة
بضعة قطرات من الماء سقطت من خصلات شعره بدون قصد وحطت على خد نبض التي أجفلت فجأة شاهقة، وهي تفتح عينيها على أقصى اتساع مهمهمة بخوف: " ماذا حدث؟ "
نزل بجسده بخفة جالسا القرفصاء أمام الفراش وهو يربت على شعرها بحنو هامسا: " لا شيء حبيبتي.. لا تخافي أنا معكِ "
فرمشت قليلا وهي تطالعه مهمهمة بصوت ناعس طفولي: " صخر "
انفرج ثغره باسما وهو يهز رأسه مؤكدا: " نعم صخر يا نبض صخر "
أغمضت عينيها وهي تتنهد براحة، متمتمة بعتاب رقيق: " اخفتني يا صخر "
مال يقبل خدها هامسا: " لم أقصد اخافتكِ يا جنتي "
انقلبت على جانبها الأيمن لتكون في مواجهته وهي تفتح عينيها من جديد وتطالعه بصمت فأردف بهدوء وهو يتلمس شعرها بحنان: " تبدين مرهقة للغاية يا جنتي "
ردت بخفوت: " أوَ لست مرهقا أنت الآخر؟ "
هز رأسه سلبا وهو يقول: " لا.. أنا بخير "
فعقبت هي برقة: " جعلك الله في خير دائماً وأبداً يا صخر "
مال يقبل خدها من جديد وهو يهمس: " طالما أنتِ معي سأظل بخير بإذن الله ولن يعكر صفو حياتي أي شيء "
ابتسمت دون رد فتنهد هو قائلًا: " أوشك موعد أذان الفجر.. هيا انهضي لتتوضئي "
نهضت على الفور وهي تسأله بحماس: " هل ستصلي معي؟ "
ابتسم وهو يرد بسؤال آخر: " ألا تريدين أن أكون إمامكِ في الصلاة؟ "
رمقته بخجل وهي تجيبه بينما تخطو مسرعة تجاه الحمام: " انتظرني، لن أتأخر عليك "
وبعد لحظات سمع صوت المياه وهي تنساب كالشلالات في الداخل فصاح بمرح: " لم أكن أعلم أن هناك جيشا كاملا يتوضأ يا صغيرة "
ردت نبض ببرود مصطنع: " أنا لا اتوضأ "
لمعت عيني صخر بمكر وهو يقول: " اممم إذن تستحمين أليس كذلك؟ ألا تريدين مساعدة؟ "
صاحت نبض بضيق: " احترم نفسك يا صخر "
ضحك صخر قائلا: " هل هذا جزائي لأني أعرض عليكِ خدماتي؟ "
تأففت نبض وهي ترد: " لا فائدة ولا حل في وقاحتك.. لقد سئمت "
شهقت في اللحظة التالية وهي تسمع طرقاته على الباب وصوته القريب وهو يقول: " أنا أتحدث جديا.. أنا أخشى عليكِ حقا "
غمغمت بنزق: " مما تخشى عليّ بالضبط؟ هل أسبح في المحيط أم ماذا؟ "
كتم ضحكته وهو يرد: " أخشى أن يغلبكِ النعاس فتصطدمين بلا وعي منكِ بأي شيء.. كل ما في الأمر أنني لا أريدكِ أن تتأذي "
تنهدت قبل أن تجيبه بنفاذ صبر: " لا تخف عليّ.. أنا بخير ولا أشعر بالنعاس كما أنني لستُ بحاجة إلى خدماتك على أي حال "
ضحك مازحا وهو يبتعد بخطواته عن الباب: " أنتِ الخاسرة.. كثيرات غيركِ كن ليتمنين هذا العرض مني وأبداً ما كانت أي فتاة عاقلة لترفضه "
صرخت نبض وقد احتقن وجهها خجلا وغضبا من حديثه: " كف عن مزاحك السخيف هذا حالا يا صخر.. نفذ صبري "
صاح بلامبالاة: " إن كنتِ تحسبينني أمزح فأنتِ حرة (تابع باستفزاز وهو يتوجه ناحية طاولة الزينة) لكنني أؤكد لكِ أنني لا أمزح "
لم يصله منها رد فعبس وهو يفكر، ترى ماذا ستفعل نبض بعد أن استفزها بهذا الشكل؟

حينما تأخرت في الحمام علا صوت صخر وهو يطرق على الباب بقلق: " نبض! صغيرتي هل أنتِ بخير؟ "
هزت رأسها كرد لكنها سرعان ما زفرت بيأس من غبائها حينما وعت بأنه لا يراها فردت بصوت مرتبك: " نعم صخر أنا بخير.. سأتوضأ وأخرج بعد دقيقة "
وصلتها تنهيدته وهو يقول: " حسنا حبيبتي لا تتأخري.. الفجر يؤذن "
عجلت بالوضوء وهي تبتسم بإتساع بعدما نحت كل أفكارها جانبا وتركت المساحة خالية لحب وحنان صخر حتى يتسرب لها كيفما شاء
خرجت وهي تجفف وجهها فوجدته يقف إلى جوار النافذة يطالع السماء البعيدة بشرود عميق لم يمكنه من اكتشاف خروجها من الحمام حتى اقتربت منه ووضعت كفها على كتفه برفق تقول: " ما بك؟ "
رمش مجفلا لوهلة وهو يلتفت لها باسما برقة بينما يرد: " لا شيء، أنا بخير (أضاف وهو يغلق النافذة) هيا اذهبي وارتدي حجابكِ لنصلي معًا "
اومأت بطاعة وهي تخطو ناحية خزانة الملابس بينما يلحقها هو بخطوات هادئة وابتسامته قد تلاشت تماما وكأنها لم تكن منذ لحظة تزين ثغره ببهاء
***

في تمام الساعة السادسة صباحًا
بيت صخر
كانت نبض لازالت على جلستها المتربعة على الأرض منذ أدت صلاة الفجر مع صخر وانشغلت بقراءة وردها اليومي الذي تحافظ عليه كعادة ثابتة منذ الصغر وقد تعلمت ذلك من والديها الراحلين، بينما صخر هرب على الفور إلى النافذة من جديد
عقدت حاجبيها وهي تطالع وقوفه المائل وهو يستند بكتفه على إطار النافذة، عاقدا ساعديه أمام صدره وبصره مثبت على السماء
تشعر بالقلق من صمته الطويل وسكونه العجيب والذي ينتابها بشأنه شعور بغيض يقبض على صدرها يخبرها بأن خلفه الكثير من التعقيدات والثورات المكبوتة
تنهدت بتعب نفسي وليس جسدي وهي تنهض من جلستها متمتمة في سرها: " متى سينتهي هذا الكابوس يا ربي؟ "
طوت سجادتها بخفة ووضعت مصحفها في مكانه المخصص ثم تقدمت من صخر بخطى هادئة وهي تدعو الله في نفسها أن يهديه ويصلح حياتهما معا
تنهيدات متتالية تخرج منه دون أن يعلم لها سببا أو ربما الأسباب جلية أمامه وهو من يتنكر لها ويرفض أن يعترف بها
شعر بحركة خطواتها من خلفه.. يشعر بتقدمها منه ويتمنى لو يلتفت إليها قاطعا المسافة بينهما، محتويها بين ذراعيه لكنه عاجزا عن ذلك
وضعت كفها على كتفه تزامنا مع صوتها العذب وهي تحدثه برقة وحنو: " أخذك التأمل في الطبيعة مني وقد بدأت فعليا أغار من كل هذا حتى تلك السماء التي تحتكر نظراتك لها منذ ساعات "
شبح ابتسامة زحف رغما عنه إلى شفتيه وهو يميل برأسه قليلا يستند بها على إطار النافذة هامسا: " لا يجدر بكِ أن تغاري من شيء فما دونكِ دون "
عبست بطفولية وهي تتمتم: " بهذه البساطة.. الكلمات وحدها لا تفيدني في شيء دكتور "
اتسعت بسمته قليلا وهو يتنهد من جديد دون تعقيب فمالت هي تستند برأسها على كتفه هامسة: " أشركني معك فيما تحمله بداخلك يا صخر "
أغمض عيناه وهو يرد بخفوت: " لا أستطيع يا نبض.. ما بداخلي أكبر من طاقتكِ على التحمل "
ردت هي بعناد: " هذا شأني وحدي.. أخبرني فقط وأترك تقييم الأمر عليّ.. ليس عدلا أن تنحيني جانبا وتخفي عني كل ما يحدث معك بهذه الطريقة وكأنني بلا فائدة "
لم يرد وظل على حالته وسكونه حتى تحركت هي مبتعدة عنه متمتمة بنبرة ماكرة: " يبدو أنك تنوي قضاء المزيد من الوقت أمام النافذة تتطلع إلى الطبيعة ناسيا تماما أن الله وهبك من الطبيعة ما هو بالداخل أيضًا "
قطب بعدم فهم وهو يفتح عينيه ملتفتا برأسه للخلف ناظرا لها وهي تضيف بنفس النبرة: " ظننت أنك تريد التأمل في الداخل أيضا كما الخارج لكن للأسف يبدو أنك لا تحسن تقدير ما تملك "
رفع حاجبيه بصدمة أقرب منها للذهول وهي يراها تخلع عنها إزار الصلاة، واضعة إياه على المشجب بينما تتحرك بهدوء ظاهري لا يظهر ارتباكها الداخلي وهي تتجه إلى الفراش
ارتفع صخب دقات قلبه فجأة وهو يطالعها بثوبها الحريري الزهري الطويل ذو الحمالات الرفيعة.. يغطيها كلها لكنه يحدد منحنياتها بإثارة مغرية بل مهلكة للأعصاب
سؤال واحد تردد في كل أنحاء كيانه.. أ هذه هي نبض؟
تلك الحورية المبهرة التي تخبره بدعوة صريحة أنها لا تمانع قربه منها.. هي نبض؟
من أين حصلت على هذا الثوب من الأساس؟
أما هي فكانت تلعن بداخلها استسلامهما لحديث ملك ونصيحتها الوقحة في محاولة التقرب من صخر حتى تكسر حاجز الرهبة والخجل الذي يسيطر عليها معه
كم تتمنى لو ظلت على غبائها ولم تنفذ نصيحتها بل وتقبل منها هذا الثوب الذي تراه فاضحا كهدية
بمجرد أن استلقت على الفراش حتى سحبت الغطاء على جسدها تخفي نفسها عن عيني صخر التي تعلم يقينا بأنهما تحدقان فيها
كانت أنفاسها صاخبة كهدير قلبها وهي تتمسك بحافة الغطاء بقبضتين متشنجتين وقد بدأت بعض حبات العرق البارد في التجمع على جبينها رغم اعتدال حرارة الجو التى تميل إلى البرودة.. وانتظرت
طال بها الانتظار وبعد بضعة دقائق كانت تقطب بتعجب وحيرة من السكون المحيط بها وهي تلتفت بحذر للخلف ناظرة نحو صخر قبل أن تشهق بإجفال حين وصلها صوته من الخارج يناديها قائلا: " نبض! تعالي ساعديني في إعداد الفطور فأنا جائع جدا "
رددت بغيظ وهي تعتدل جالسة: " إعداد الفطور! في أي تجاه تسير نصيحتكِ يا ملك؟ "
***

في المطبخ
كان يجلس واضعا ساقا على الأخرى وهو يرتشف بهدوء من فنجان القهوة الذي أعده لنفسه للتو
يكبح لجام بسمته بصلابة وهو يدعي اللامبالاة وكأن ما رآه قبل دقائق لم يؤثر فيه
كاااذب..
يعلم أنه كاذب مدعي.. هرب من الغرفة قبل أن يلتهمها كأجمل وجبة إفطار قد يحصل عليها يوما
تراءى له طيفها وهي تقترب من المطبخ بخطى عصبية كطفلة متذمرة تضرب الأرض بقدميها الصغيرتين فكادت أن تفلت بسمته لولا أنه جاهد نفسه متمسكا بقناع الهدوء الظاهري وهو يقول: " أعدي لي الإفطار وبعدها يمكنكِ أن تنامي إذا أحببتِ "
رمقته شذرا وهي ترفع يديها إلى شعرها تعقده بإهمال فوق رأسها متقدمة من المبرد وهي تغمغم: " سبق واخبرتك أنني لا أجيد طهي الطعام.. لا أعرف حتى كيف أتعامل مع أي شيء في المطبخ "
وقفت أمام المبرد تطالع محتوياته بعبوس بينما صخر يرد ببرود: " تصرفي "
إلتفتت له تطالعه بنفس العبوس وهي تقول: " ليس هذا ما فهمته منك حينما ناديتني.. ظننتك أنت من ستعد الفطور بينما يقتصر دوري أنا في مساعدتك إن احتجت لشيء "
رفع حاجبا باستفزاز وهو يرتشف من فنجانه بتمهل قبل أن يرد بهدوء مغيظ: " فهمتِ كلامي خطأ إذن "
صفعت باب المبرد بغيظ وهي تصيح: " بل فهمته بطريقة صحيحة تماما لكن على ما يبدو أنك أنت من نسيت كلامك "
خطت نحو الباب فسألها بحيرة: " إلى أين؟ "
ردت بحنق دون أن تتوقف: " إلى غرفتي.. سأنام وإن كنت جائعا أمامك خيارين إما أن تعد الطعام بنفسك أو تطلبه من الخارج "
وحين اختفت من أمامه قطب بعبوس مغتاظ قبل أن يترك فنجان القهوة على المنضدة ويلحق بها صائحا بحنق: " ماذا تعنين بهذا الهراء يا هانم؟ "
كان قد دخل إلى الغرفة بينما هي تعدل الوسادة ببرود مجيبة: " أعني ما فهمته يا بك "
استلقت ببساطة على جانبها الأيمن مولية إياه ظهرها وهي تردف: " وهذا ليس بجديد عليك فأنت لديك علما مسبقا بأنني فاشلة تماما في الطهي بصفة خاصة وشئون البيت بصفة عامة "
زمجر صخر وهو يغمغم من بين أسنانه: " وماذا عن حياتنا؟ كيف سنتدبر أمر الطعام فيما بعد؟ "
زفرت بنفاذ صبر قبل أن ترد: " المطاعم كثيرة ولله الحمد وإن نفذ الطعام من عندهم ما عليك سوا أن تعطيني خبرا بذلك حتى أطلب من عمتي فاطمة... "
قاطعها وهو على وشك الصراخ من الغيظ: " وماذا إن لم تكن العمة فاطمة موجودة؟ "
سحبت الوسادة بعنف ووضعتها على رأسها وهي ترد بغمغمة حانقة: " حينها ستذهب بكل هدوء إلى عمتي ليال والدتك لتطعمك أو لإحدى أختيك العزيزتين وإن أردت نصيحتي أذهب لحفصة ابنة عمك فهي طباخة ماهرة وطعامها شهي للغاية "
ضيق عينيه وهو يجز على أسنانه غيظا وقبضتيه متشنجتين إلى جانبيه.. يعلم علم اليقين أنه لو بسطهما فستتوجهان مباشرة إلى رأسها الجميل ذو الأفكار الفذة وتهشمانه إلى مائة قطعة وقطعة.
اقترب ببرود يسحب الوسادة من على رأسها وهو يقول: " آسف زوجتي المصون.. طالما لن تعدي لي طعاما يسد جوعي فلن أترككِ تنامين "
طالعته نبض بعبوس شديد فرفع حاجبا باستفزاز يضيف: " العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم "
زفرت بعصبية وهي ترد: " حسنا قد أمرر مسألة البادئ هذه لكن لا تتحدث عن السن إذا سمحت.. ألا ترى فرق السن بيننا يا زوجي العزيز؟ من يرانا معا يظنني ابنتك لا زوجتك "
حرك كتفيه بلامبالاة وهو يرد ببساطة مغيظة: " ما ذنبي أنا؟ المشكلة فيكِ أنتِ "
قطبت بعدم فهم تردد: " في أنا! كيف؟ "
لملم بسمته التي تجاهد للظهور وهو يجيبها: " لأنكِ قزمة "
هبت نبض من استلقائها، تقف على الفراش وهي تتخصر أمامه هادرة بغضب: " ماذا؟ من القزمة يا سيد متوحش أنت؟ أنا؟! "
طالعها ببراءة مصطنعة وهو يرد: " ليس رأيي وحدي على فكرة.. الجميع يقولون عنكِ قزمة "
توسعت عينيها غيظا وهي تتحدث من بين أسنانها بحنق: " من تقصد ب 'الجميع' لا أفهم؟ "
رمش ببراءة وهو يرد: " الجميع يعني الجميع يا نبض.. قاسم وياسين والبقية.. جميعهم يقولون أنكِ قزمة "
زمت شفتيها للحظات تفكر في شيء ما قبل أن تتكلم على مضض: " ربما أكون قصيرة قليلا لكن.. لكني لست قزمة "
اومأ لها بتأكيد دون رد فتابعت وهي ترمقه بطرف عينها: " هناك فتيات أقل مني طولا على فكرة.. ماذا تقولون عنهن إذن؟ "
تصنع التفكير للحظات قبل أن يجيبها كابتا رغبته في الضحك بصخب: " اممم أظن من الصعب تقييم هؤلاء لأننا لن نراهم من الأساس.. أنا شخصيا انتبه كثيرا أثناء سيري حتى لا تتعرقل قدماي في واحدة منهن "
شهقت نبض وهي تتمتم: " ماذا؟ يا إلهي! ألهذه الدرجة تروننا قصيرات؟ "
اومأ لها من جديد وهو يعقد ساعديه أمام صدره قائلا: " لذا عليكن استخدام جهاز تنبيه أثناء حركتكن حتى ينتبه إليكن البشر فلا يتعثرون بكن "
ضيقت عينيها الزرقاوين بغيظ وهي تطالعه مغمغمة: " أيها الفظ المتوحش! "
تلفتت حولها للحظات تبحث عن شيء ما ثم انحنت بخفة والتقطت إحدى الوسائد التي سرعان ما رمته بها وهي تصرخ بغيظ: " حسنا اعتبر هذا جهاز التنبيه الخاص بي "
تلقف صخر الوسادة متمتما بعبوس: " ما هذا الجنون الذي تفعلينه؟ "
ردت ببرود وهي تنزل عن الفراش: " ماذا؟ أنا أطبق نصيحتك إن لم تكن لاحظت ذلك "
زفر بحنق وهو يرمي الوسادة على الفراش هاتفا بحيرة: " إلى أين أنتِ ذاهبة؟ "
ابتسمت بسماجة وهي ترد دون أن تلتفت له: " سوف أخرج إلى الحديقة.. أحتاج لاستنشاق هواء نظيفا بدلا من ذلك الخانق الموجود في الغرفة "
لحق صخر خطواتها وفي لحظة وجدت نفسها تطير في الهواء قبل أن تحط على ذراعيه العضليين وهو يغمغم بضيق: " بهذه الهيئة والملابس ليس مسموحا لكِ بالخروج من غرفة النوم "
أخذت تدفعه في كتفه وهي تحاول التملص منه هاتفة: " صخر انزلني.. ما هذا المزاح الثقيل الذي تقوله؟ "
هدر بخشونة وهو يضعها على الفراش: " ما قلته ليس مزاحا أبدا.. هذا أمرا مؤكدا يا هانم "
اعتدل مستقيما وهو يتخصر أمامها هادرا: " لا نقاش في هذا يا نبض.. الحديقة مكشوفة وبيتنا ليس الوحيد في تلك المنطقة ولا أضمن من قد يراكِ هكذا.. لذا أنا لن أغامر في هذا الأمر "
رفعت نبض جذعها، مستندة بمرفقيها إلى الخلف على الفراش وهي تطالعه بعبوس طفولي دون أن تعقب بشيء بينما هو يهدر من جديد: " ثم أنا لا أفهم أين ذهب خجلكِ المستفز لتقرري فجأة الخروج هكذا؟ أم إن هذا الخجل لا يكون إلا معي أنا رغبة منكِ في إغاظتي وجلطي ذات مرة؟ "
تبسمت شفتيها رغما عنها وقد بدأت حمرة الخجل تزحف تدريجيا إلى وجنتيها فعبس صخر بغيظ يتمتم من بين أسنانه: " ها قد بدأنا.. إنه يأتي على السيرة على ما أظن "
انفجرت نبض في الضحك وهي تضع كفها على فمها بينما هو يرفع حاجبا بحنق هاتفا: " وتضحكين! "
كلماته لم تفعل سوا أن زادت ضحكاتها صخبا حتى دمعت عيناها وهي تطالعه بنظرات براقة خطفت لبه وقلبه على حد سواء فوجد نفسه يبتسم هو الآخر قبل أن يزفر بحنق مصطنع، مشيحا بوجهه عنها
هدأت ضحكاتها قليلا فنادته برقة: " صخر "
رمقها بطرف عينه دون أن يتنازل ويرد عليها فاتسعت بسمتها بعذوبة وهي تقول: " هل تخاصمني صخر؟ "
تأفف وهو يتمتم: " ماذا ترين؟ "
ردت بشقاوة لا تعلم من أين سيطرت عليها: " أراك أنت حبيبي "
جحظت عيناه بذهول أقرب إلى الصدمة وهو يلتفت لها بجسده دفعة واحدة هامسا: " حبيبي! "
اومأت برأسها إيجابا وهي تؤكد بهمس رقيق خجول: " نعم صخر.. أنت هو حبيبي ومن قد يكون سواك؟ "
فغرت فاهه ببلاهة لحظية وهو يردد: " نبض أنتِ قلتِ حبيبي.. لي أنا؟ نطقتِها أخيرا "
رمشت لوهلة قبل أن تعتدل جالسة وهي ترد: " أعرف أني قولتها لك أنت وما كنت لأقولها لرجل غيرك يا صخر لأنه... اممم لأنه... "
أقترب بلهفة حتى جلس إلى جوارها وأمسك يدها يحثها على المتابعة بترقب: " ماذا يا نبض؟ أكملي "
أطرقت برأسها بحياء وهي تجيبه: " لأنني لم أحب رجلا من قبل كما أحببتك أنت ولا أظنني بقادرة على الشعور بذلك اتجاه غيرك.. أنا أحبك أنت.. "
لم تعرف كيف أو متى قاطع كلماتها بشفتيه وهو يهمس لها من بين قبلة وأخرى بإسم التحبب الذي أطلقه عليها 'جنتي'
حينما حرر شفتيها بعد لحظات امتدت إلى دقائق ربما كان كلاهما يلهثان بجنون العاطفة والمشاعر التي يُكِنها أحدهما للآخر.. حاولت نبض الابتعاد عنه قليلا لكنه رفض متمسكا بها بين ذراعيه وهو يتمتم بعبث: " لا.. لا تحاولي بل لا تفكري في الهروب الآن يا زوجتي لأنني لن أسمح لكِ.. ثوبكِ هذا أظن كانت له مهمة محددة أداها على أتم وجه وحان وقت أن نريحه قليلا ونضعه جانبا.. خارج المعركة "
ضربته نبض في كتفه وهي تحاول الإفلات من قبلاته مغمغمة بخجل: " أنت وقح بجدارة.. صخر ابتعد.. هذا يكفي "
ابتسم بمكر محبب وهو يخيم عليها من علوه هامسا: " صخر.. لم.. يفعل.. شيء.. بعد.. يا جنة.. صخر "
همست برجاء رقيق: " صخر"
رده لها بابتسامة حنونة عذبة هامسا: " استرخي يا جنتي.. أنتِ في أمان معي "
تنهدت باستسلام وهي تهمس لنفسها: " نعم أنا في أمان معك وقلبي في أمان.. لن يصيبه مكروه وهو بحوزة مالكه "

انتهى الفصل / قراءة ممتعة..
🍃 في إنتظار آرائكم،،، دمتم بخير..🍃
أرجو ألا تنسوني من دعائكم الطيب فأنا بحاجته في تلك الفترة التي أمر فيها بامتحاناتي الجامعية..🌺

م ام زياد 19-12-19 04:27 PM

ولا تزعلي يا حاجه هند قراها الفصلين اهوه
بس انت خليتي صخر خارج حدود الأدب كده ليه
لميه شويه عيب كده فيه انسات يا بنتي 😒
حياة اخيرا نطقت بس حلو انها تطلب العريس أهو تغيير بردوا 🤷
فرح ديه لسانها عاوز القطع صراحه ديه خارج نطاق الخدمه العاديه 😏
الصراحه الفصلين دسمين فعلا تسلم ايدك يا هنود

**منى لطيفي (نصر الدين )** 19-12-19 04:41 PM

ايجييييت حروووح اقرأ 💃💃💃💃

Hend fayed 19-12-19 10:29 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة م ام زياد (المشاركة 14672923)
ولا تزعلي يا حاجه هند قراها الفصلين اهوه
بس انت خليتي صخر خارج حدود الأدب كده ليه
لميه شويه عيب كده فيه انسات يا بنتي 😒
حياة اخيرا نطقت بس حلو انها تطلب العريس أهو تغيير بردوا 🤷
فرح ديه لسانها عاوز القطع صراحه ديه خارج نطاق الخدمه العاديه 😏
الصراحه الفصلين دسمين فعلا تسلم ايدك يا هنود


قرأتيهم؟ طيب الحمد لله 😌
التغيير مطلوب برضو ومش معقول قاسم بعد حرقة الدم اللي شافها دي كلها حياة متتنازلش شوية عشان خاطره.
معلش فرح هنعتبرها بتمر بطفولة متأخرة وهنسامحها.😂
أما صخر (معنديش تعليق ) انا اصلا احتارت معاكم لا بؤس نافع ولا فرح نافع.

عااامة.. هانت وتخلصوا مني😁
يسلم لي مرورك الحلو يا قمراية❤🌹❤

Hend fayed 19-12-19 10:32 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** (المشاركة 14672940)
ايجييييت حروووح اقرأ 💃💃💃💃

يا هلا يا أستاذتي..❤

زهرة الغردينيا 20-12-19 04:10 PM

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
فصلين رووعة
تسلم ايدك حبيبتى
اخيرا علاقة صخر و نبض اصبحت مستقرة
انتهى حفل الزفاف على خير دون مشاكل
بالرغم من توتر الاجواء ...
❤❤❤❤❤


الساعة الآن 02:29 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.