آخر 10 مشاركات
جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          رسائل من سراب (6) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          116 - أريد سجنك ! - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : angel08 - )           »          91-صعود من الهاوية - بيتي جوردن - ع.ج ( إعادة تصوير )** (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          [تحميل] حصون من جليد للكاتبه المتألقه / برد المشاعر (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          كوب العدالة (الكاتـب : اسفة - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1161Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-12-19, 05:05 PM   #411

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي




أنا بعتذر جدا جدا عن تأخري في فصل اليوم .. كان عندي مشكلة في الجهاز تبعي مش عايز يشتغل .. وماقدر أنشر الفصل من الموبايل..


خلال نص ساعة ينزل الفصل


بعتذر جدا

Dr. Aya likes this.

Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-12-19, 05:23 PM   #412

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الحادي والعشرين

الفصل الحادي والعشرون




بعد أسبوعين
حل الربيع ضيفا شقيا مشاغبا .. يعد بتفتح الزهور وتوديع البرودة لكنه دوما ما يحمل في جعبته الكثير من المفاجآت ..
هبات الحر تارة .. والأمطار المفاجئة تارة أخرى ..
وبعض العواصف أحيانا ..
لكنه سيظل الربيع ..
الذي تتجدد فيه الأمنيات
وينتظره الحالمون عله يحمل معه الدواء من تقرحات الشتاء القارص .
في غرفة مكتبه بعد صلاة الجمعة .. قال فارس مغمغما بوجوم " باقي ثلاثة أيام على الموعد يا شيمي ولم يظهر أي حجز باسمه على قوائم شركات الطيران "
تطلع الشيمي في وقفته بجوار النافذة المطلة على الحديقة الأمامية وقال بهدوء " توقعنا أن يتلاعب في التوقيت يا بك "
قال فارس بصوت مجهد دون أن يلتفت إليه" هل تعتقد أنه سيغير رأيه ويعدل عن الزيارة ؟ "
لم يرد الشيمي مدركا بأنه لا يسأله بالمعنى الحرفي وإنما يفكر بصوت عال ليستمر فارس في غمغمته" غالبا يوم الخامس والعشرين هو يوم زائف من هذا الماكر ليعرف إن كنا لازلنا نتتبع أخباره أم لا .. (واستدار للشيمي يقول) تحركاتنا كلها ليست مكشوفة وبحساب أليس كذلك يا شيمي ؟"
رد الشيمي بهدوء" لا تقلق من هذه الناحية يا فارس بك"
هز فارس رأسه وتمتم بنفس الوجوم" اذهب أنت الآن يا شيمي لا أريد أن آخذك من عروسك في يوم الجمعة "
تطلع فيه الشيمي يتأمل حالته شاعرا بالقلق الشديد عليه .. وجهه شاحب مجهد ويبدو فاقدا للروح منذ تلك الليلة التي خرجت فيها كارمن من الفيلا.. فاقترب منه يقول بهدوئه المعتاد" هل لي أن أسألك سؤالا يا بك ؟"
جلس فارس على الأريكة الجلدية يرفع أنظاره المرهقة نحوه قائلا "تكلم يا شيمي لست بحاجة للاستئذان "
صمت لدقيقة يرتب أفكاره ثم قال" فرضا كانت زيارة الشماع للوطن حقيقية وجاء وأمسكنا به .. علام تنوي أن تفعل معه بالضبط ؟"
ظل فارس صامتا يحدق فيه بشرود .. فأكمل الشيمي وهو يضرب على رقبته بيده قائلا بثقة " تعرف يا بك أن رقبتي فداك .. لكني أريد أن أعرف علام تنوي بالضبط .. فلا أنت ولا أنا قد نتورط في جريمة قتل .. ليس لشيء سوى لمخافة الله سبحانه وتعالى .. فما الذي تخططه بشأن هذا الرجل؟"
اعترف فارس لنفسه بأنه لا يعرف بالضبط ماذا سيفعل مع الشماع .. ولا ينكر بأنه يتمنى أن يقتله بيديه لو لزم الأمر ويقتص لوالده فقال للشيمي " لا تقلق يا شيمي لن أطلب منك أن تقتله وأعلم بأني حتى لو طلبت لن تفعلها فلست هذا الشخص .. أنا لهثت طول هذه السنين للامساك به لكني بالفعل لم أفكر ماذا بعد .. كل ما أعرفه حاليا أني عند المواجهة سأقابله وحدي .. لا أنت ولا أحد من رجالك أريد أن أورطه في هذا الأمر فدوركم سينتهي عند الإمساك به .. بعد ذلك (وتقبضت يداه بقوة ينظر أمامه ويضيف بغل ) هو لي وحدي وسأجبره على الاعتراف بجريمته أو أحرك ملف القضية لإعادة التحقيق .. إما أن يعترف أو اقتص أنا لأبي منه بيدي "
قال الشيمي بسرعة "وأنا لن أتركك يا بك تواجهه وحدك هذا خطر جدا .."
قال فارس يهز رأسه متفهما" أعلم بأنه رجل خطر لكني لن أورط أحدا معي كما قلت أنا كفيل به ومستعد لأي شيء وأدرك جيدا منذ أن بدأت البحث عنه بأني أضع حياتي في كفي في مواجهته "
ازداد قلق الشيمي لما يفكر به فارس فقال معترضا "لكن يا فارس بك...."
رفع إليه فارس أنظاره من جديد يقول بصرامة "مهمتكم ستنتهي بعد أن أمسك به يا شيمي هذا أمر "
اكفهر وجه الأخير بغير رضا شاعرا بالقلق الشديد لكنه آثر امتصاص عناده بدبلوماسية مقررا في رأسه أنه لن يسمح بذلك أبدا فقال مهادنا " نتمنى فقط أن يصدق في سعيه لزيارة الوطن .. عموما لا تقلق فارس بك سننتظر ونتابع الأمر حتى نكتشف التاريخ الحقيقي لوصوله "
هز فارس رأسه فتحرك الشيمي مغادرا يبلع غصة مرة في حلقه .. فسأله فارس سؤلا حاول أن يكون عاديا وأجوفا "هل تحركت كارمن هانم من بيت مربيتها ؟"
استدار الشيمي يقول وهو ينظر في ساعته " على وشك التحرك (وقبل أن يسأله فارس قرأ الشيمي سؤاله في عينيه ليقول مطمئنا ) ولا تقلق بشأن التأمين الأمر كله تحت السيطرة "
هز فارس رأسه مهموما وأشار للشيمي للمغادرة ثم مال بجذعه يسند بمرفقيه على فخذيه يشبك أصابعه أمامه باذلا المزيد من الجهد ليبقى متماسكا .. يدعو الله أن يربط على قلبه وأن يتحكم في أعصابه حتى لا يهرع إليها ..
وضعهما في هذا الحال أفضل ..
هكذا قرر خلال الأسبوعين الماضيين الموحشين بدونها .. فلا يعرف كيف ستكون مواجهته مع الشماع وإلام ستنتهي .. لم يكن يخطط من بداية الأمر بأن يورطها معه خاصة بعد أن بادلته المشاعر .. على الأقل هي غاضبه منه الآن فليؤجل أي عودة لها للبيت حتى يركز هو على ما سيفعله بشأن الشماع ويتأكد إن كان الأخير سيزور الوطن بالفعل أم لا ..
لا ينكر بأنه لا يزال غاضبا منها .. ولا تزال كرامته مجروحة بعد فعلتها رغم محاولاتها الكثيرة للاتصال به وارسالها للعديد من الرسائل له على الواتساب خلال غيبتها التي كانت طويلة إلى حد العذاب ..
لكنه يعود ليحمّل نفسه نتيجة ما حدث بعدما أعمته الغيرة عن إدراك حساسية المعلومات التي اكتشفتها وصعوبة استيعابها . . هذا بالإضافة لأن خبر اقتراب وصول الشماع ساهم بشكل كبير في رد فعله الغاضب ساعتها .
نبهه هاتفه لوصول رسالة جديدة على الواتساب فأسرع يفتحها بلهفة ليجد كارمن قد كتبت "سأتحرك بعد قليل من مكاني ..يبدو أنك لازلت مشغولا .. إنك حتى لا ترد على اتصالاتي ولا رسائلي أبدا .. عموما سأكون في شقة بباه وحين تجد الوقت أخبرني لنتحدث يا فارس"
تحسس حروف اسمها بأطراف أصابعه ثم أغمض عينيه يحث نفسه على التماسك .
كم اشتاق إليها إلى حد الجنون !.
إلى حد يحرضه لأن يترك كل شيء ويذهب إليها
حتى كرامته العالقة كالجدار بينهما لو أراد أن يسحقها في قبضته من أجلها ومن أجل أن ينتهي من عذاب الشوق لفعل.
لكنه الدَيّن..
دَيّنه لوالده المعلق في رقبته ليأخذ بثأره..
إنه يخشى من الاقتراب بعد كل ما عاناه ليلة البحث عنها وبعد تلك الأيام الطويلة التي عاشها بدونها لأنه أدرك إلى أي حد هو غارق فيها حتى النخاع .. إلى أي حد تجربته في فقدها وذلك الشوق الذي يكويه على الجمر سيزيد من تعلقه .. من تشبثه .. من التصاقه بها
إلى أي حد ستضيعه في عالمها المسالم الناعم المغري للبقاء..
أجل كارمن ألهته عن هدفه
كارمن ستضعفه ..
كارمن ستربطه بالحياة ..
وعليه أن يحرر نفسه من التعلق بها حتى يستطيع الاقدام على ما سيفعل ..
لكن ..
مهمته ليست هينة .. وكل النهايات فيها واردة .. حتى موته على يد الشماع وارد ..وعليه أن يستعد لهذا .
لهذا يريدها غاضبة منه.. ليتها تكرهه حتى ..
فليبق خارج قصر العسل وليستفزها حتى تصدر الأميرة فرمانا بحرمانه من الدخول مدى الحياة ..
ليعود متسولا محروما يطالعها من بعيد .
لكن الأسئلة المؤرقة :
هل سيقدر على فعلها ؟.. على التماسك وبينه وبينها أمتار ..
هل سيتحمل المزيد من الدقائق دون أن يرى وجهها ..
يسمع صوتها ..
يقبّلها ..
يضمها إلى احضانه ..
يا الله !
ما هذا الوجع ..
أيستسلم للأمل بأنه قد ينتهي من الشماع ويقتص لوالده ثم يعود إليها ليعيش معها للأبد ..
أتوجد نهايات كهذه خارج صفحات الحكايات الخيالية؟

أم أن شوقه إليها وعذابه في فراقها جعله يفكر بمراهقة..

يدعو في صلاته أن يقدر على إجبار الشماع على الاعتراف بجريمته ويقدمه للعدالة ليتلقى عقابه ويعود بعدها لكارمن وياليتها تسامحه حينها ..
عاد ليطرد هذه الومضة من الأمل التي أنارت قلبه خوفا من أن يضعف وتثبط همته ..
أفق يا فارس وكفاك مراهقة ..
لقد دقت طبول الحرب
واقترب وقت القصاص
فلا وقت للالتهاء بغير الهدف
لا وقت للشوق ..للهفة .. لأنين القلب والجوارح
لا وقت لتوسلات عينيك لرؤيتها .
لا وقت للحب يا فارس !.
××××
قالت الحاجة نفيسة على الهاتف بانفعال "ما معنى أنك ستبقين عند والدك يا كارمن لا أفهم!"
قالت كارمن بلهجة متألمة" فارس لا يرد على مكالماتي يا حاجة ولا رسائلي .. يبدو أنه مشغول بافتتاح خط الانتاج الجديد "
قالت الحاجة مدافعة " يا بنيتي لا تؤاخذيني أنت من تركت البيت وأنت من عليك أن تعودي بنفسك .. فارس عنيد ونفسه عزيزة عليه .. والزوجة الذكية تكسر عند زوجها بألا تترك له المجال لأن يتمادى فيه .. "
تجاهلت كارمن ما تحاول الحاجة اقناعها به وقالت بلهجة هادئة حاولت فيها أن تخفي ما يجيش في صدرها من انفعالات " عموما سأنتظر حتى ينتهي مما يشغله لأني أحتاج لأن أجلس معه جلسة طويلة نضع فيها النقاط فوق الحروف بشأن حياتنا"
" ستنتظرين !! ( قالتها الحاجة بإحباط ثم صاحت بعصبية) افعلي ما تريدين يا كارمن "
قالت كارمن بسرعة شاعرة بالذنب من إغضابها " آسفة يا حاجة نفيسة .. أعرف بأنك حزينة بسببي لكن أرجوك ثقي بي .. (واختنق صوتها بالعاطفة رغما عنها وهي تقول) أنا أحب فارس يا حاجة .. أحبه جدا .. لكني أريده أن يعدني ببعض الوعود قبل أن أعود إليه ..صدقيني كلها في مصلحته هو ومصلحة علاقتنا"
سألتها الحاجة بسرعة" أية وعود وأي نقاط تريدين وضعها فوق الحروف يا كارمن أخبريني وسأساعدك ياابنتي "
قالت كارمن بسرعة" أعذريني يا حاجة نفيسة تعلمين هناك أمور تكون معقدة بين الزوجين "
اغتاظت نفيسة شاعرة بأن هناك أمر مريبا يحدث ويخبئونه عنها فهتفت بغيظ "اذهبي يا كارمن .. هيا أغلقي الخط "
وألقت بالهاتف بجوارها بعصبية فاقتربت فريدة آتية من الدار تسألها" ما بك يا أمي .. هل فشلت في اقناعها بالعودة؟"
صرخت الحاجة بضيق "لا تسأليني عن هذا الأمر تعبت منهما .. لا يريدان أن يعودان لبعضهما فليشربا من البحر لماذا أشغل رأسي أنا "
اطبقت فريدة على شفتيها غير راغبة في استفزازها أكثر متمتمة في سرها "غضبت نفيسة استرها يا رب"
××××
مهما يحاولوا يطفوا الشمس
مهما يزيدوا علينا الهمس
مهما يقولوا
مهما يعيدوا
أنت في قلبي
أنت وبس ..
فتح الشيمي باب شقته الأرضية خلف فيلا سعد الدين فاستقبلته نغمات الأغنية.. وجرت عيناه بنظرة سريعة على بهو الشقة المفروش بالأثاث بعد أن كانت مجرد مكان أجوف خالي من أي مظاهر للحياة لا يستخدِم منه سوى غرفة المعيشة كمكان للنوم ليراه أمامه دافئ الألوان بلمسات أنثوية أنيقة من اختيار ست الناس أضفت على الأثاث الجامد نعومة وطراوة .. كطراوة السجادة التي يتسحب عليها الآن بخطوات خفيفة حتى يفاجئها .
حبنا جوة قلوبنا بيكبر
مهما يحاولوا يطفوا الشمس
توجه نحو المطبخ الذي تنبعث منه النغمات ومال برأسه يتطلع من بابه المفتوح بعينين ماكرتين انقلبتا لمشتعلتين وهو يتطلع في ظهرها وهي ترتدي بنطالا من قماش أملس ملتصق تماما بجسدها يحدد منحنيات قدها الرشيق بدقة .. وبلوزة قصيرة تكاد تصل لخصرها بصعوبة .. واتسعت ابتسامته الطفولية وهو يسمعها تدندن مع الأغنية أمام الموقد :
أنت العمر الحلو الي زمان كان متأجل
عشته وشوفته جوه عنيك في معاده بيوصل
تحرك الشيمي بخطوات أكثر خفة وشقاوة متسللا حتى طوقها من الخلف فجأة يسحبها بعيدا عن الموقد مطلقا زمجرة مخيفة أطلقت رفيدة بسببها صرخة مرعوبة قبل أن تضع يدها على قلبها خائرة الأعصاب بين ذراعيه لا تحملها قدميها بينما ضحكة الشيمي تجلجل في أذنها فهتفت بحنق " شيمي .. ألن تكف عن هذه العادة .. سأموت والله ذات مرة "
أحاطها بذراعيه أكثر مغمغما وهو ينشر الدفء في تفاصيل جسدها بالتصاقه بها " بعيد الشر عنك يا تاج رأس الشيمي "
غمغمت رفيدة وهي لا تزال ترتجف وضربات قلبها تضرب بعنف " لا أستطيع لملمة أعصابي أقسم بالله "
أمالها قليلا على ذراعه حتى يتطلع في وجهها قائلا وعيناه ازدادتا ضيقا مصدرا طقطقة معترضة من لسانه " ضعيفة أنت يا أستاذة وخفيفة الأعصاب وهذا لا يعجبني .. لهذا أحاول أن أقوي قلبك "
طالعته رفيدة بقمريها متسعتين من خلف النظارة فزينت ابتسامة متسلية شفتيه ورفع عنها نظارتها يضعها فوق رأسه وأكمل مداعبا وهو يتحسس ذراعها " كما أن ذراعك ضعيف مليء باللحم الطري أريد أن أمرنك على حمل الأثقال لتكوين بعض العضلات في هذا الذراع الشبيه بحلوى ( الجلي ) "
لملمت ابتسامتها تطالعه باندهاش من وقفتها المائلة على ذراعه وتمتمت " لماذا تريدني أن أربي عضلات ؟!!"
قال الشيمي متصنعا الجدية رغم الابتسامة المتراقصة على شفتيه " تحسبا لأي شجار بيننا .. ستفقديني متعة منازلتك لأني سأنفخ بك فتطيرين من أمامي يا رفيدة"
قهقهت ضاحكة فضربها برأسه بخفة في مقدمة رأسها ثم سألها وهو يتأمل وجهها" هل سنتناول الغداء هنا وحدنا ؟ظننت بأننا سنأكل في الدار مثل كل يوم "
غمغمت وهي تتحسس صدغه "يوم الجمعة سنتغدى هنا وحدنا أنا وأنت فقط "
تركت عيناه تجولها في صفحة وجهها ومال يقبل عنقها مغمغما "والمباراة أين سنشاهدها وأين بالضبط ستتلقون الهزيمة ؟"
طالعته بكبرياء تقول "أي مكان سيكون مناسب لتتلقوا الهزيمة يا سيد ميمي "
رفع عنها وجهه يضغط عليها بذراعه الذي يلف جذعها بخشونة قائلا "وتتبجحين يا مؤيدة الفريق المنافس .. كان عليّ التأكد من هويتك الكروية قبل أن أتورط في الزواج من مشجعة للفريق المنافس.. ألم أقل لك أنك ضيعت هيبة الشيمي ! "
لملمت ضحكتها تقول بتسلي مغيظة وهي تلعب حاجبيها " وستضيع هيبته اليوم حين يهزم فريقه شر هزيمة "
رفع الشيمي رأسه يقهقه بضحكة متهكمة قبل أن ينزلها متطلعا فيها بملامح مخيفة قائلا بوعيد" سنرى من سيهزم شر هزيمة يا أستاذة ( ثم سألها بلهجة متسلية ) علام سيحصل من يكسب فريقه؟ "
ضربته على صدره تقول من بين ضحكاتها" أنا لست متعصبة لكرة القدم بهذا الشكل ..لكني حين رأيتك متعصبا وتشجع الفريق المنافس قررت أن اتعصب لفريقي أنا الأخرى "
كرر الشيمي سؤاله بلهجة أكثر حرارة ووجهه يقترب منها قائلا " هيا أخبريني علام سيحصل من سيفوز فريقه"
أحيانا لا تصدق ذلك الدفء وتلك الحرارة الحارقة الحلوة التي تزّين حياتها .
وأحيانا..
تخاف أن يكون طعم الحلوى الساخنة الشهية في فمها ما هو إلا وهما اختلقته سنوات الوحدة .
رن هاتفها لكنها تجاهلته وهي تتطلع في ملامحه ثم تحسست صدره العريض الذي بكت عليه أكثر من مرة خلال الأيام الماضية .. كلما ازداد حنانه وعطاؤه لها وأدفأتها ذراعيه كلما نكأ ذلك جرح مخفي في روحها لا تعرف بمكانه..
استطالت تقبل شفتيه فاستقبل شفتيها مرحبا بشدة ..
إن أكثر ما تقدره فيه هو تفهمه الغريب لها .. واستقباله للحظات انهياراتها هذه التي تحرجها من نفسها شخصيا .. بهدوء واحتواء بل أحيانا – وهذا يصيبهما بالضحك معا – يخبرها بشعوره بالذنب بأنه قد تأخر في إيجادها .
حرر الشيمي شفتيها وهمس مداعبا " يبدو أننا سنشاهد المباراة في غرفة النوم وقد كنت أخطط لأشاهدها مع زغلول وأطفال الدار "
قهقهت رفيدة وأفلتت من بين ذراعيه تقترب من الموقد من جديد وهي تقول " بل في الدار إن شاء الله "
ثم التقطت الملعقة من القدر ونفخت فيها قليلا ورفعتها إليه تقول " ما رأيك .. حاذر ساخنة "
مال الشيمي برأسه يلتقط الطعام في فمه وأومأ بإعجاب في الوقت الذي رن جرس الباب بإلحاح فعقدا حاجبيهما قبل أن يتركها مغادرا للمطبخ .
فتح الشيمي الباب ليجد إحدى مربيات الدار يكسو الانزعاج وجهها تقول وهي تنهت " السلام عليكم .. أين أبلة رفيدة .. نريدها بشكل عاجل جدا "
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-12-19, 05:23 PM   #413

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 2

تطلع عاصم من أمام عجلة القيادة في كارمن الساهمة بجواره ثم تحركت أنظاره لينظر في مرآة السيارة الجانبية يراقب السيارة التي تحرس كارمن منذ أسبوعين والتي تتحرك خلفهما الآن في طريق العودة للبيت .. ليستدير بعد قليل ويسألها للمرة الأخيرة " هل أنت متأكدة من أنك لا تريدين الابتعاد عن شقتي؟ .. أعرف بأنك لا ترغبين في الذهاب لفيلا السيوفي لوجود أمك فيها لكن نستطيع أن نذهب لفندق أو أي مكان أخر"
ابتسمت كارمن تقول بهدوء" كلا بباه احتاج بشدة لأن أعود للمدينة وللدار ولأهل فيلا سعد الدين"
آلمه حالتها بشدة فقال " اسمعي يا كارمن لولا أنك تحبينه وأني تأكدت بأنه يحبك .. ولولا أني اقدّره كرجل وأحمل ما فعله معي منذ أن عرفته جميلا له في عنقي لما صبرت على هذا الحال الغير واضح الملامح بينكما "
غمغمت كارمن مهدئة وهي تمسد على ذراعه "لا تحزن بباه فكما قلت هناك أكثر من سبب يجبرنا أن نصبر قليلا "
هتف عاصم بغيظ " إلى متى يا كارمن .. خاصة مع عدم افصاحك له عن موضوع الحمل وهذا لا يعجبني "
ردت بهدوء تقاوم نوبة بكاء " كما قلت لك بباه أنا في حاجة للتحدث معه .. في حاجة لإيضاح بعض الأمور .. في حاجة لاستثمار أهمية كارمن عنده حتى يدير ظهره لذلك الانتقام الذي يسعى إليه .. سأجرب سلاح الضغط بأهمية كارمن عنده وإن لم أفلح سأخبره بأمر الطفل كورقة ضغط أخرى "
زفر عاصم بعصبية فربتت على ذراعه من جديد مواسية .. رغم أنها في حاجة ماسة لمن يواسيها وأشاحت بوجهها تتطلع في الطريق عبر النافذة تتذكر كيف قضت الأسبوعين الماضيين ..
لقد فكرت وحللت واستعادت لحظات كثيرة بينها وبين فارس ورجحت كفة قلبها رغم الدلائل المادية التي بحوزتها ووصلت لنتيجة مهمة ألا وهي.. أنها بحاجة لسماع تفسيره لتلك الدلائل التي قدمها لها لؤي .. ولهذا استمرت في الالحاح في الاتصال به وارسال رسائل الواتساب له لكنه كان عنيدا ولم يرد .
لكن خبر طلاق والديها انزل في قلبها حزنا لم تتحمله حين اتصلت بها شويكار في حالة هياج وغضب شديدين تخبرها بأن والدها قد طردها من الشقة بمنتهى الجلافة وطلقها .. كان الأمر صادما رغم معرفتها المسبقة بنية والدها الجادة في الانفصال لكنها كانت متعلقة بأحبال الأمل لربما هدأت بينهما الأوضاع .. وحين انهارت واتصلت بوالدها تسأله عن السبب راوغها ولم يخبرها بالسبب الحقيقي .. حتى اتصلت بها شويكار في مكالمة لاحقة واخبرتها بكل شيء
منذ عشرة أيام
سمعت كارمن صوت أمها في الهاتف تقول " اسمعي .. أتركي المكان الذي تختبئين فيه واتركي هذا المبلط وتعالي لنعيش سويا .. هذه هي أخر مرة سأمد فيها يدي لانتشلك مما انت فيه .. انظري أين أوصلنا عنادك .. من أول مشاجرة بينكما انهرت لدرجة هروبك من البيت .. فيا ترى ما هي المعلومات التي أخبرك بها لؤي ففعلت بينكما ما فعلت "
تعجبت كارمن وسألتها " أتعرفين بأمر لؤي ! "
وقبل أن تستدرك في القول ( لم أكن أعلم بأن بباه أخبرك ) أسرعت شويكار تدافع عن نفسها قائلة " اسمعي أي كلام مغلوط سيقوله لك والدك عن المقطع المصور غير صحيح .. الأمر ببساطة أني قد لمحت وجود لؤي اثناء حديثه معك عند البوابة وحين هربت من البيت ليلتها اغتظت وقررت أن أفضحه هو وأمه التي تتشدق بالمبادئ .. "
اتسعت عينا كارمن على الهاتف تحاول فهم ما تقوله أمها بينما استرسلت الأخرى في مزيد من التوضيح "المقطع كله كان دقيقة واحدة عرضته على شاشة القاعة في ندوة ثريا ليروا لؤي وهو يحاول أن يمسك بمرفقك وأنت تنهرينه لا أكثر ولا أقل وصدقيني لولا ما فعلت لما اختفى لؤي عن الوسط تماما منذ ذلك اليوم حرجا وخزيا"
ازدادت ضربات قلبها بانفعال تقول بعدم تصديق "هل فضحتني يا أمي !!.. فضحت ابنتك أمام أعضاء الجمعية؟!!"
صرخت شويكار قائلة" لماذا تفكرين دوما بنفس الطريقة التي يفكر بها والدك؟... أين الفضيحة لا أفهم؟؟ ولمن ؟؟ .. نحن الطرف المجني عليه الطرف الذي يتعاطف معه الناس .. هل كنت ترغبين في أن يتعامل معه ذلك المبلط بالهمجية والضرب فيفضحنا ! .. ها أنا ضربته في مقتل بهذه الفضيحة فلم يعد قادرا على مواجهة الناس واختبأ كالجبان "
انفلتت أعصاب كارمن وصرخت مصدومة " كفى .. كفى يا أمي .. كفى .. أرجوك كفى .. كفى"
بهتت شويكار لانفعالها وصمتت بترقب لتقول كارمن بعد قليل بلهجة باكية وهي تدعك جبينها بيد مرتعشة " يا رب .. لو علم فارس لا أعرف ماذا سيفعل .. يا رب يكفينا ما تمر به علاقتنا .. يا رب ماذا أفعل أنا الآن"
هتفت شويكار باستنكار " ألا زلت تهتمين بشأنه؟ .. ألن تخبريني بسبب خروجك من بيته أم إن سرك فقط مع أبيك ؟"
شعرت كارمن بالتقلصات تعود لبطنها رغم أنها قد تحسنت عن ذي قبل بينما استطردت شويكار" اسمعي يا كارمن .. أنا الآن أصبحت وحيدة وفي حاجة إليك .. ألست أمك ؟ .. استغلي فرصة خروجك من عند هذا المبلط وأخبريني أين أنت وسآتي لآخذك فورا .. سنعيش معا في فيلا السيوفي .. انفصلي عن هذا الرجل ودعينا نعود من جديد أم وابنتها لقد ابتعدنا عن بعضنا منذ أن تزوجت .. وأعدك يا كارمن أن أزوجك زيجة تتحدث عنها الأوساط الثرية كلها .. صدقيني لو استخدمت جزء صغير مما تمتلكين لأصبحت نجمة في سماء المجتمع "
تبا لهذا الشعور القاسي حين يخذلك أقرب الناس ..
شعور بالضياع .. بالانكسار .. بوجع يحفر في القلب ندبة مؤلمة للأبد.
قالت كارمن بلهجة متألمة وهي تمسك ببطنها " آسفة مماه .. كارمن القديمة ماتت .. لم يعد لها وجودا .. الآن أنا كارمن الحقيقية ولست تلك العروس الماريونت التي كنت عليها من قبل .. أنا الآن كارمن عاصم السيوفي زوجة فارس سعد الدين التي تحمل بطفله وتعمل كمعلمة لتدريس اللغات في دار السعد للأيتام .. وتعشق العيش بهدوء .. فإن كنت تهتمين بالتعرف عليها وتقبلها كما هي .. بكل حسناتها ونقاط ضعفها سيسعدني بشدة وإن لم ....."
قاطعتها شويكار صارخة " حااااااامل .. بهذه السرعة .. هل أنت مجنونة !!"
عادت كارمن من شرودها مع بوق السيارة الذي ضغط عليه عاصم فانتبهت للطريق ثم سألته بفم جاف " هل تعتقد بأن فارس سيصله أمر ذلك المقطع المصور ؟"
رد عاصم بضيق " إن شاء الله لن يحدث خاصة وأن السيدة والدتك لم تعرضه سوى من هاتفها على الشاشة ولقصر مدته لم يستطع أحد تصويره سيبقى فقط محور حديث أعضاء الجمعية لفترة ثم سيتناسونه والحمد لله أن فارس ليس محتكا بغالبيتهم "
غمغمت بقلق لم يهدأ " ماذا سنفعل لو علم فارس أشعر بأني يجب أن أخبره بنفسي "
قال عاصم مطمئنا " لا تخبريه فلا داعي لتأجيج المزيد من الغضب بداخله .. فما وصلني أنه لا يزال يبحث عن لؤي وما دام يغار بهذه الطريقة المجنونة فليس هناك داع لصب المزيد من الزيت على النار .. وإن وصله الخبر دعيني أنا اتعامل معه فيكفي أني طلقت شويكار عقابا لها على فعلتها "
لا يزال أمر انفصال والديها رسميا يؤلمها .. لكنها أيقنت بعد تفكير أنه الأفضل لكليهما فسألته " كيف هو شعورك يا أبي بعد أن انفصلت عن أمي؟ .. ألا تشعر ببعض الحنين للماضي حتى؟ "
غمغم عاصم بوجوم مشيحا بوجهه نحو النافذة " شعور رائع بالتحرر من صخرة ثقيلة كانت معلقة في رقبتي تكتم على انفاسي .. شعور بإنسان قد ابتلي برفيق ثقيل مزعج في سفرة طويلة الأجل واستطاع أخيرا أن يتخلص منه في أقرب محطة"
انتبه عاصم لما تفوه به في وجودها فنظر إليها قائلا بلهجة نادمة أمام عينيها المتألمتين " اعذريني يا كارمن أعرف بأنها والدتك وكلامي يضايقك لذا لا تسأليني هذا السؤال مجددا "
ابتسمت كارمن بتعاطف مبتلعة طعما مرا في حلقها وغمغمت بحب " لا بأس بباه .. أنا من عليها أن تتأسف لأنك بسببي أضعت سنينا من عمرك معها وأنت تشعر بهذا الشعور "
ربت عاصم على يدها بحنان بينما شردت كارمن تحدق في الطريق أمامها تتساءل ..
ماذا لو لم يتخلى فارس عن انتقامه؟ ولم يمنعه حبه لها أو معرفته بأمر الطفل عم يخطط له ؟ ..
ماذا ستفعل حينها؟ ..
هل ستعيش عمرها مع رجل يضع حاضره ومستقبله تحت رحمة مجرم قاتل !
×××××
تحركت ضحى بقلب ملتاع تخرج من باب شقتها مسرعة .. مرتدية ملابس رياضية والكروكس في قدميها تطلب المصعد .. وحين لم يأتي بسرعة اسرعت على السلم بينما فادي يهرول خلفها مناديا لكنها لم ترد وإنما استمرت تجري باكية حتى لحق بها الأخير يهتف بغضب وهو يمسك بذراعها" ضحى .. قلت انتظري يا ضحى واهدئي .. هل ستجرين في الشوارع؟! "
هتفت من وسط دموعها " أين ذهب الولد ؟ .. سأموت يا فادي سأموت .. رفيدة لا ترد على الهاتف"
قال فادي متماسكا ومداريا شعوره بالفزع الذي يسحق قلبه "أنا سأذهب وأبحث عنه لكن اهدئي أنا غير قادر على التحرك بسبب حالتك "
خارت قواها فأسندها فادي يقول "بالله عليك لا تفعلي هذا إن شاء الله سنجده في الدار"
قالت ضحى تضرب على قلبها " سأموت يا فادي أخشى أن يكون قد حدث له مكروها .. لقد أخذ بعضا من ملابسه هل يستطيع العودة للملجأ وحده؟ ..( واجهشت بالبكاء تغمغم ) يبدو أنني أم سيئة يا فادي أم سيئة.. الولد تركنا وذهب "
ضمها فادي بتأثر وهمس وهو يقبل رأسها "حبيبتي أنت أحن أم أقسم بالله.. بالتأكيد هناك شيء أخر هو السبب لما فعل"
رن هاتف ضحى فأسرعت بالرد بلهفة تقول "رفيدة"
قالت رفيدة بلهجة هادئة" براء عندنا يا ضحى فاهدئي"
ارتخت أعصاب ضحى فأسندها فادي بقوة بينما ضحى تتمتم" الحمد لله والشكر لله"
لتضيف رفيدة " يقول بأنه ترك البيت لأن الأستاذ فادي لا يريده "
اتسعت عينا ضحى ونظرت لفادي هاتفة " أبدا والله العظيم .. صدقيني فادي لم يضايقه أبدا !"
قالت رفيدة " أتفهم ذلك لكني أوضح ما حدث "
هتفت ضحى " سنأتي حالا"
حين أغلقت الخط قال فادي "اصعدي .. وأنا سأحضره"
قالت ضحى بسرعة وهي تحاول تحريك جسدها بصعوبة "لابد أن أذهب معك "
قال لها بحزم " بل ستصعدين يا ضحى.. أنت غير قادرة على حمل جسدك ..وأنا من سيذهب (وأكمل ببعض الضيق ) فيبدو أن ذهابه كان بسببي "
قالت ضحى مدافعة" لكنك لم تفعل له شيئا"
رد بلهجة نادمة " يبدو أن ذلك هو السبب ( وأسندها لتصعد من جديد قائلا ) دعيني أقم بهذا الأمر وحدي يا ضحى أرجوك .. وإن فشلت سآتي لآخذك إليه"
××××
قبل قليل :
قال فهيم حارس الدار لزميله نبيه يشير للطفل الآتي من بعيد يسحب حقيبة صغيرة تمشي على عجلات خلفه ويحمل في يده سيارة لعبة وشخصية كرتونية من الفراء " هذا براء صدقني "
قال نبيه معاندا " كيف سيمشي وحده هكذا في الشارع .. هل تعتقد بأن تلك المطربة ستتركه يتجول بهذا الشكل في الشارع "
جز فهيم على أسنانه يقول " أتراهنني؟ "
اقترب براء منهما بوجه تكسوه الملامح الجادة فحدق فيه الحارسان بذهول قبل أن يخترقهما في صمت ويدخل بوابة الدار ثم يتوقف في أول الحديقة يتأمل المبنى الشاهق أمام عينيه الصغيرتين .
ها قد عاد لنفس المكان الذي كان يسعى دوما للهرب منه..
لكن هذه المرة عاد بإرادته .. فإن كان غير مرغوب في تواجده في مكان ما فمن الأفضل أن يعود لهذا البيت الذي يحبه فيه الجميع ..
تقدم بهدوء يغرز قدميه الصغيرتين بعزم في عشب الحديقة يجرجر الحقيبة ويمنع نفسه عن البكاء لمفارقة ماما ضحى .
بعد قليل وقف الصبي يتطلع بهدوء في وجوه بعض المربيات والمعلمات وعدد من الأطفال الذين تجمعوا متفاجئين من عودته بينما فريدة تدلك جبينها بكفها عاجزة عن التصرف وتخشى أن يكون رد فعلها غير سليم .. فانتظرت رفيدة لتتصرف بخبرتها والتي دخلت عليهما بملامح ذاهلة يتبعها الشيمي.
وقفت رفيدة تتطلع في براء قائلة بوجه شاحب " ماذا حدث وكيف حضرت إلى هنا ؟"
رد براء ببساطة " ألم تخبريني أن هذا بيتي أيضا .. ها أنا قد جئت إليه "
تطلعت رفيدة في وقفته يضم ساقا خلف الأخرى ويحضن اللعبة ذات الفراء وكأنه يطمئنها واعادت السؤال " كيف حضرت يا براء ؟!!"
حرك كتفيه مغمغما " حضرت وحدي .. تتبعت الخريطة في ذهني .. لكني تهت قليلا حين دخلت شارع بالخطأ فعدت لنفس النقطة وتحركت من جديد حتى وصلت للشارع الذي يقع فيه الدار"
ولاحت منه نظرة سريعة نحو الشيمي الذي يقف خارج الغرفة يتابع ما يدور بوجه جاد .. وكأن الصبي يستجدي إعجابا على شجاعته .. فأهداه الشيمي إيماءة معجبة من رأسه بينما نزلت رفيدة أمامه تقول ببعض التوبيخ " خرجت بدون أن تخبر ضحى وفادي يا براء !!!.. هل تريد لماما ضحى أن تصاب بالفزع!! "
أطرق الصبي برأسه صامتا وقد ارتجف تأثرا لسماع اسم ضحى فقالت رفيدة بحزم للمتجمعين " اتركونا وحدنا من فضلكم"
بعد نصف ساعة
قالت رفيدة للشيمي باستنكار من خلف نظارتها "ماذا تعني بأنك ستحضر المقابلة بيني وبين فادي ؟!!.. إنه عملي"
رد ببرود خطر" وأنا لم ولن أتدخل في عملك سأبقى معكما صامتا"
اسندت جذعها على المكتب خلفها تقول بعدم فهم "إذا لماذا ستحضر؟!!!"
تطلع فيها بعينين نصف مرتخيتين ثم قال بامتعاض "لأني لا أحب نظراتك المراهقة لهذا الرجل .. ألا تذكرين هيئتك وأنت تتقافزين كالبلهاء أمامه بمجرد أن علمتِ بهويته وبأنه المذيع الشهير"
اتسعت عيناها وغمغمت باستنكار " أنا تقافزت كالبلهاء يا شيمي!!"
رد بلهجة متهكمة" لا ..أنا من تقافزت عند رؤيته وكدت أن أقبل وجنتيه اعجابا !"
لملمت ابتسامة على شفتيها ثم قالت ببعض الجدية "شيمي!"
وضع يديه في جيبي بنطاله ووقف أمامها في غرفة مكتبها كالجدار بإصرار .. فضربت رفيدة كفيها ببعضهما تتمتم" شيمي .. هل ستحضر كل مقابلاتي مع المترددين على الدار من الرجال؟"
رد بلهجة جادة أخافتها " هذا بالذات يا رفيدة لأن المرة الماضية لم يعجبني طريقتك في الحديث معه هل أكررها أكثر من مرة "
قالت وهي تشعر بالضيق فلم تعتاد أن تفرض عليها وصاية في عملها خاصة بعد هذا العمر " لكن يا شيمي كيف سيكون شكلي أمامه ... "
قاطعها يقول بنظرة صارمة" لن اتناقش في هذا الأمر.. انتهى "
شعرت رفيدة أنه غاضب بالفعل .. ورغم اندهاشها مما يحدث وضيقها من أن يفرض عليها وصاية كالأطفال لكنها كانت تدرك بأن حياتها اختلفت عن السابق .. فالتزمت الصمت .. وتحركت نحو مكتبها ترتب بعض الأوراق غير راغبة في اثارة عناده .. بينما حاول الشيمي مراجعة نفسه والتحكم في ذلك الشعور المغيظ بالغيرة عليها فوقف صامتا يركن إلى الحائط حتى دخلت إحدى المربيات تخبرها بوصول فادي الذي دلف إلى الغرفة بوجه قلق ثم لمح الشيمي فمد يده قائلا بمجاملة " مرحبا ..مبارك الزفاف "
سلم عليه الشيمي بوجه مظلم جعل الثاني يشعر بالغرابة .. فسحب يده بسرعة وأكمل طريقه نحو رفيدة مرحبا " أهلا أستاذة رفيدة "
رسمت رفيدة الجدية على ملامحها رغم ارتباكها ترحب بفادي وطلبت منه أن يجلس ثم استدارت لتجلس خلف مكتبها .. فتحرك الشيمي خارجا من الغرفة يقول بهدوء تدرك أنه عكر المزاج" سأنتظر بالخارج يا رفيدة "
ازداد ارتباكها وطالعته وهو يغادر بدون أي كلمة أخرى لكنها تحكمت في ملامحها باحترافية وبدأت في التحدث مع ضيفها.
××××
ركن عاصم سيارته أمام البناية وتحرك حارس الأمن يأخذ حقيبة كارمن الصغيرة بينما ترجلت هي تتطلع في بوابة فيلا سعد الدين الموصدة الأبواب أمامها .. وفي بوابة الدار التي يقف الحارسان أمامها وقد قاما بتحيتها باحترام فابتسمت لهما وعادت تتطلع في مبنى الفيلا من وراء الأسوار العالية نسبيا.
بلعت طعما مرا في حلقها وغمغمت في سرها " أكنتِ تتوقعين بأنه سيستقبلك أمام الفيلا بالورود مرحبا يا كارمن! "
اقترب منها عاصم يقول بشفقة " إذا أردت العودة لفارس أخبريني وسأعيدك أنا بنفسي رافعا عنك الحرج لدي ألف طريقة لعمل ذلك"
أسرعت بالقول بخفوت متألم" لا بباه اتفقنا بأنني سأحاول التفاوض معه من خارج الفيلا حتى أضغط عليه للعدول عما يخطط "
قال عاصم بحنان وهو يفرد ذراعه على كتفيها ويسحبها " إذن هيا يا حبيبتي لا تقفي بهذا الشكل في الشارع"
تحرك معها نحو البناية لكن وجهها ظل يحدق في مبنى الفيلا تغمغم في سرها "بالتأكيد هو في البيت الآن فاليوم الجمعة .. لابد أنه يعمل في مكتبه كعادته"
لكنها لم تدر بأن هناك عينان زرقاوان يطالعانها من بعيد .. وبالتحديد من خلف ستائر غرفة نومهما حيث يقف فارس يتأمل وصولها بقلب لم يتب أبدا عن عشقها مهما فعلت فهو أسير لكل نَفََس تتنفسه أميرة الحكايات .. وتمنى لو يحمل نظارة معظمة ليكبر صورتها أمامه ..
رآها ترتدي بنطالا من الجينز وبلوزة طويلة باللون الأبيض وحجاب من نفس اللون وحذاء رياضي .. ولاحظ وجهها الذي يتطلع نحو الفيلا .. فانشطر قلبه لنصفين بلوعة .. لكنه قبض عليه بقوة .
بعد أن اختفت في البناية .. أطرق برأسه في حزن وتحرك يهرب من تلك الغرفة التي لا تزال تحمل عطرها في كل ركن فيها ..
الخزانة والمقاعد والأدراج ..
وكأن عطرها باقيا بعدها ليعذبه !.
بعد دقائق طالعته الحاجة ينزل السلم عائدا لمحبسه الانفرادي في غرفة مكتبه فنادت عليه ليقول بوجوم" هلا أجلنا أي حديث يا أمي لوقت أخر فأنا مشغول؟"
قالت نفيسة بإصرار" لا سنتحدث الآن .. فأنت مشغول طوال الوقت"
أغمض فارس عينيه يحاول تصنع الهدوء يشعر بأن الوقت ليس مناسبا أبدا لأي ضغط عاطفي من والدته ثم اقترب من جلستها المتربعة فوق المقعد تطالعه بعينين زرقاوين غاضبتين ليقف متقبضا أمامها فسألته " زوجتك ستعود لبيت والدها اليوم ألن تذهب لتحضرها للبيت "
رد فارس بعينين شبيهتين بعينيها في كل شيء " هي من خرجت وعليها أن تعود وحدها "
قالت أمه تتصنع الهدوء " يا بني .. نحن عاطفيات وأحيانا نتصرف من هذا المنطلق وأنت رجل ناضج وحكيم عليك أن تحتويها .."
أشاح فارس بوجهه عنها ليداري ملامحه بينما أكملت الحاجة " لا أنكر بأنها تهورت بخروجها وأنا أبلغتها هذا صراحة .. لكن أنت الأكبر والأنضج والأكثر صلابة وتحملا يا فارس .. وهي كما تعلم مرهفة وحساسة .. وبالتأكيد لم تفعل ما فعلت إلا لأمر جلل تخبئانه عليّ كلاكما فمن تتحمل اختلاف البيئات كما فعلت كارمن وتتكيف مثلها لن تقوم بأمر كهذا لسبب تافه "


لم يحب فارس تطرقها لسبب شجارهما فتحرك يغادرها قائلا بعناد " وأنا لن أذهب لأحد يا أمي "
انفجرت الحاجة تقول بعصبية "اتعبتم قلبي اقسم بالله اتعبتم قلبي ( ونادت بصوت عال ) خضرة .. أنت يا خضرة"
اسرعت خضرة مهرولة من المطبخ لتقول الحاجة بمزاج عكر " ساعديني لأذهب إلى غرفتي .. ولا يدخل عليّ أحد .. لا أرغب في رؤية أحد منكم "
تحركت خضرة تسندها بينما طالعها فارس متقبضا وهي تتحرك مبرطمة بغضب .. ثم أطرق برأسه ارضا يحاول التماسك أمام تلك الضغوط التي تحاصره من كل جانب قبل أن يتحرك إلى غرفة مكتبه يحمل قلبا مثقلا بالهموم والجراح والشوق المعذب إلى أميرته .
×××××

قالت رفيدة لفادي وهي تتحرك معه في ممر الدار " إذا حدث ولم تستطع اقناعه بالعودة معك فلا بأس اتركه ليبيت ليلته هنا وسأتحدث معه أنا باستفاضة ( وأشارت ناحية الممر تضيف ) غرفة الصبيان أخر الممر وأنا سأكون بالخارج "
أومأ فادي برأسه متفهما .. فتركته وخرجت تبحث بسرعة عن الشيمي الذي كان يقف بوجه واجم يساعد المربيات في رص المقاعد في الحديقة.
تطلعت رفيدة حولها فوجدت الحديقة قد تحولت لمقهى وقد علق الشيمي في أحد جوانبها الشاشة الكبيرة فاقتربت منه تقول "شيمي علينا أن نتحدث"
ترك ما يفعل وانتحى بها جانبا يتطلع في ساعته ثم قال بمزاج عكر " كنت سأمنحك خمس دقائق أخرى وبعدها سأدخل لأرى فيما يرغي ويزبد هذا المذيع"
سألته رفيدة "هل فعلت شيئا أغضبك؟"
حرك رأسه بلا ..فقالت" تفاجأت بمغادرتك للمكان بعد اصرارك على الحضور"
صمت قليلا ثم قال موضحا بوجوم " رغم شعوري بعدم الراحة لكني رأيت صورتنا من وجهة نظر الضيف مستهجنة .. وسألت نفسي هل أثق بك أم لا فكانت الإجابة أني اكتفيت بلفت نظرك لعدم استساغتي لما فعلت من قبل ووثقت فيك بأنك ستتجنبين تكراره"
تطلعت إليه بقمريها من خلف النظارة واتسعت ابتسامتها فرفع حاجبه يقول بملامح خطرة "لكني مازلت أشعر بالضيق وسأظل أشعر بالضيق كلما جاء هذا الرجل إلى هنا ولا تستفزيني أكثر بتلك الابتسامة"
تعلقت بذراعه كطفلة بابتسامة متسعة فقال بغيظ يشهر قبضته في وجهها "قلت لا تبتسمي يا رفيدة "
زمت رفيدة شفتيها متصنعة الجدية فسألها بلهجة خطرة" كنت جادة أمامه أليس كذلك؟"
ردت بجدية مصطنعة "جادة جدا .. كعسكري دورية .. عبوسة ..عاقدة الحاجبين ..ثقيلة الظل جدا "
هز رأسه برضا ثم سألها" لم تبتسمي أليس كذلك ولو حتى بمجاملة؟"
رفعت سبابتها أمامه تحركها بسرعة نافية وهي تقول "ولا نصف ابتسامة .. كعسكري دورية"
هز رأسه مجددا لكنه استمر على عبوسه .. فركزت رفيدة فيما يقوم به الأطفال بالمشاركة مع المربيات .. كانوا يصنعون من الورق المقوى قبعات وأعلام بلونين مختلفين كل منهما يمثل لون فريق من الفريقين المتنافسين فسألت باستنكار " من سمح بإخراج هذا الورق من المخزن؟"
نظر الجميع للشيمي .. فتركت رفيدة ذراعه الذي تتعلق به واستدارت إليه تقف أمامه واضعة قبضتيها في خصرها مثلما يفعل تقول بلهجة مديرة الدار" من سمح لك يا سيد شيمي بإخراج هذا الورق؟ إنه عهدة "
سحب الشيمي حافظة نقوده من الجيب الخلفي في بنطاله وأخرج منها مبلغا من المال وهو يقول ببرود " لم نجد الوقت للذهاب لشراء ورق بألوان الفرق فاليوم الجمعة (وفتح كفها ولصق ورقة النقود فيه بخشونة قائلا )هذا ثمن الورق الذي أخذناه"
تفاجأت رفيدة بالنقود في يدها فرفعت إليه أنظارها تقول "ولكن هذا أكثر بكثير من ثمن الورق"
تحرك يتجاوزها قائلا "اعتبري الباقي تبرعا مني للدار (وأكمل مغيظا ) وإن شاء الله فريقكم مهزوم"
رفعت حاجبيها ثم عادت تنظر للمبلغ في يدها.. بينما كتم الحاضرين ضحكاتهم .. لتعود وترفع أنظارها تتطلع فيه وقد ارتدى إحدى قبعات فريقه وجلس وسط الأطفال يهتف بعبارات تشجيعية أمام الشاشة .
أما فادي فتحرك بخطوات بطيئة في الممر ..
ما فهمه من رفيدة أن براء قد خمن من ثورته وحالته الغاضبة في الفترة الماضية بسبب ما تعرضت له ضحى من إشاعات بأنه غير راغب في وجوده .. وشرحت له أن الصبي غير مطلع على ما يدور في العالم الخارجي وبالتالي عدم التوضيح له مع عدم تعامل فادي معه منذ وصوله جعله يصل لهذا الانطباع.. فقرر المغادرة .
لم ينكر فادي بأنه لم يتعامل معه بشكل مباشر خلال الفترة الماضية .. واعترف لرفيدة بأنه لا يعرف كيف يتعامل معه .. لكن العبارة التي أخبرته بها اراحته كثيرا (أن بعض الآباء لا يبدئون في التعلق بأولادهم إلا حينما يحتكون بهم ويتعاملون معهم بشكل مباشر .. يتحدثون .. يتشاكسون يقضون أوقاتا تخصهم سويا ) لهذا نصحته بأن يبذل الجهد حتى يستطيع تقريب المسافات بينهما .
وقف فادي أمام باب الغرفة متوترا وكأنه على وشك القيام بمقابلة هامة للحصول على وظيفة ..
وظيفة أب ..
طرق على الباب ثم دخل ليجد براء يوليه ظهره يضرب الكرة في الحائط فترتد إليه ليضربها من جديد بحركات رتيبة .. فتنحنح فادي قائلا" براء هل أستطيع الدخول؟"
لم يرد الصبي وإنما استمر فيما يفعل .. فهرش فادي في رأسه واقترب منه لا يعرف كيف يبدأ فسأله بعد فترة من الصمت" هل من الممكن أن تفسر لي ما فعلت ؟"
رد براء بهدوء دون أن ينظر إليه مستمرا في ضرب الكرة في الحائط" لأني لا اريد أن أتسبب في مشاعر حزينة لماما ضحى"
قال فادي "لكن ضحى كانت سعيدة جدا بوجودك"
التقط براء الكرة ورفع أنظاره نحوه قائلا" لكنك لا ترغب في وجودي وهذا يحزنها "
أسرع فادي بالقول مدافعا "هذا غير صحيح "
حين عاد براء لضرب الكرة .. تصرف فادي كما نصحته رفيدة بألا يتحدث معه من علو وأن ينزل لمستوى عينيه لتنجح عملية التواصل بينهما .. فسحب مقعدا وجلس بالقرب منه يقول بهدوء يغلفه بعض الحزم "هلا توقفت عن ضرب الكرة من فضلك حتى نتحدث؟"
ضربها براء مرتين متتاليتين .. ثم التقطها واستدار إليه ليواجهه فقال فادي موضحا "أنا لم أكن غاضبا أو متوترا بسببك .. ولكن من أجل ضحى .. فبعض الناس يقولون عنها كلاما سيئا "
بدا الاهتمام على وجه الصبي فسأله " ماذا تعني؟ "
فكر فادي كيف يوضح الأمر في صياغة مفهومة تتناسب مع عمره فقال" امممم يقولون أنها امرأة ليست مؤدبة وهذا كلام افتراء عليها وليس له أي علاقة بك"
سأله بعبوس" ولماذا يقولون ذلك عنها؟"
حرك فادي كتفيه قائلا" لأنهم سيئون"
فكر براء قليلا ثم عاد ليسأل " ولماذا هي بالذات؟"
فسر فادي للصبي " لأننا مشهوران ومعروفان فالكل يحاول اختلاق قصصا ليست حقيقية عنا ( وراقبه وهو يطرق برأسه بحزن فأضاف) اعتقد انك لو كنت مكاني كنت ستغضب وستقرر معاقبتهم مثلي "
رفع براء رأسه قائلا باندفاع " هل ستضربهم ؟.. خذني معك لأضربهم"
فكر فادي قليلا وقد ازداد توتره فلم يعتقد أنه سيقوم يوما ما بعمل فلترة لكلماته .. ثم أجاب " سأقاضيهم واسجنهم لو لزم الامر"
أومأ براء برأسه متفهما وتعلقت أنظاره بالأرض في شرود قبل أن يرفع رأسه ويسأل فادي بشجاعة " وأنت .. هل تريدني أن أكون ابنك؟"
شجاعته .. وتلك النظرة الجريئة في عيني الصبي أعجبت فادي وغازلت مشاعر أبوة تبزغ على استحياء بداخله فأجاب بهدوء وثقة " بالطبع أريدك أن تكون ابني ولولا ذلك لما اتخذنا أنا وضحى القرار بتبنيك أنت بالذات دونا عن كل أولاد الدار "
سأله براء بسرعة " لماذا أنا بالذات؟ "
تحركت عينا فادي في الغرفة يحاول إيجاد إجابة مؤثرة ثم عاد إليه ليقول " لأننا شعرنا بأنك مميز ولأن الله وضع حبك في قلوبنا "
ساد صمت ثقيل وكلاهما يتطلع في الأخر يريد أن يفهمه .. ليقطعه براء بعد قليل قائلا "لكنك كنت تتجنبني"
شعر فادي بالحرج فقال معترفا" لم أكن أتجنبك أبدا .. الأمر كله أنني كنت اترك المساحة لضحى حتى تخرج مشاعر الأمومة المتدفقة بداخلها تجاهك؟"
اندفع براء يسأله بشك " وأنت .. ألم يكن لديك مشاعر أبوة تجاهي ؟"
هرش فادي في رأسه مشيحا بوجهه لثوان في مزيد من الحرج ثم عاد إليه يقول مفسرا كما فهم من رفيدة " اسمع يا براء .. الرجال ليسوا كالنساء فهن متدفقات العاطفة .. هذا جزء أصيل من تكوينهن .. أما نحن الرجال فلا نعبر عن عاطفتنا بشكل مباشر كالنساء (ونظر إلى عيني براء اللتان تطالعانه بشك وأضاف ) هل تعلم ماذا كنت أعد لك لكن الفرصة لم تسمح بعد؟ .. كنت ( وبدأ يفكر مستحضرا علاقته بوالده ثم أسرع بالقول ) كنت أنوي أن نذهب للصيد .. صيد السمك "
عقد براء حاجبيه وسأله ببراءة "سمك حقيقي أم لعبة الكترونية؟"
تفاجأ فادي ثم ضحك يقول" كلا بالطبع سمك حقيقي"
لمعت عينا الصبي وعاد ليمطره بالمزيد من الأسئلة " وهل سنصطاد سمكا حيا يتحرك أمامنا ؟"
أكد فادي وقد هدأ توتره قليلا" بالطبع سمك حي وسنشويه على النار بعدها ونأكله"
دب الحماس في عيني الصبي ليكمل فادي شاعرا بالفرح أنه استطاع اشعال هذا الحماس فيه " وكنت أيضا أخطط لأن نركب الدراجات .. هل تعرف كيف تقود دراجة هوائية؟"
حرك براء رأسه بلا فقال فادي بحماس "إذن سنذهب اليوم لنشتري دراجة لك وسأعلمك كيف تركبها"
زينت الابتسامة شفتي براء لأول مرة .. فتأمل فادي ملامحه المليحة وقد هبت بهجة مفاجئة في قلبه .. فاسترسل في وعوده للصبي قائلا وهو ينظر للكرة التي يحضنها "وسنلعب الكرة سويا في النادي أنا وأنت"
لاح الفرح على وجه براء لثوان ثم انقلب للعبوس فجأة وهو يقول" لكنك بدين كيف ستجري خلف الكرة؟!!"
شعر فادي بالغيظ .. فاتسعت عينا الصبي يراقب انقلاب ملامحه ليقول الأول بلهجة خطرة "أنا لست بدينا وسأريك كيف ألعب الكرة يا خلة الاسنان أنت"
فغر براء فمه باندهاش ونظر لنفسه ثم عاد يقول مستنكرا" أنا خلة أسنان؟!!"
رد فادي بعناد طفولي " وهل أنا بدين !!.. أنا رشيق"
عانده براء بإصرار " بل بدين"
قال الآخر " وأنت خلة أسنان"
أصر الأول على كلامه " بدين صدقني واضح جدا انظر لنفسك"
رد الأخر ببرود " انظر لساقيك ستعرف بأنك خلة اسنان ولا تأكل جيدا"
في الحديقة قالت رفيدة باستنكار وهي تتطلع لترتيب المقاعد كل مشجعي فريق في ركن "هل قسمت الأطفال لحزبين يا شيمي؟!!"
رد عليها بابتسامة هادئة من مقعده في الركن الخاص بفريقه " لا تقلقي فالأطفال عليهم أن يتعلموا كيف يتنافسون ويتقبلون الخسارة بصدر رحب (وأكمل يغيظها) بالطبع أتحدث عن خسارة المجموعة التي قررت مساندة ماما رفيدة"
ضاق قمريها من خلف النظارة وهي تتطلع فيه بينما زغلول يجلس بجانبه يكتم الضحك .. فاستقام يقول للأطفال بلهجة خطرة مصطنعة " أين قبعة ماما رفيدة يا أولاد ؟"
أسرع طفل من حزبها يناوله قبعة من الكرتون باللون المنافس فألبسها لها الشيمي وابتسامة متسلية تزين شفتيه .. لتتحكم رفيدة في ملامحها حتى لا يفضح وجهها بما يقوم به قلبها لحظتها من القفز في صدرها بسعادة .. وهب عطره الرجولي حين مال الشيمي عليها هامسا " أعدي نفسك للهزيمة النكراء يا استاذة .. وساعتها هدية الفوز سأختارها بنفسي"
لملمت شفتيها تحافظ على ملامحها الجدية لتتلاقى الأعين في حديث صامت قبل أن يقطعه خروج فادي من مبنى الدار يجر حقيبة براء بينما الآخر يحضن سيارته ولعبته ذات الفراء.
ابتسمت رفيدة لفادي ابتسامة مشجعة ثم اسرعت بلملمتها بارتباك تدفع نظارتها للخلف ملتزمة الجدية .. فتقدم الشيمي نحو فادي ليوصله إلى البوابة بوجه مظلم .. جعل الأخر يسحب براء بعيدا عنه بحركة حمائية قبل أن يودعهم الشيمي ثم يقول للحارسين " هذا الرجل إذا عاد مجددا أخبراه بأننا قد نقلنا الدار لجزر القمر "
وتركهما يتطلعان في السماء بغباء وعاد للحاق بالمباراة.
في الشارع الخالي من المارة سأله براء وهما يسيران بجوار بعضهما " هل أنت وماما ضحى مشهوران ؟"
رد فادي وهو يمسك بيده ليبعده عن طريق سيارة آتية من الناحية الأخرى " أجل .. لكن هي أكثر شهرة مني "
تكلم الصبي بحماس "إذن إذا اخبرت اصحابي في المدرسة الجديدة بأن أبي وأمي الجدد هما ضحى وفادي سيعرفونكما؟"
أجاب فادي "لو سألوا والديهم عنا سيخبرونهم بالتأكيد"
قال براء وهما يبتعدان أكثر عن الدار" هل تعتقد بأن أبي وأمي الحقيقين غاضبين مني لأني احببت أما وأبا آخرين؟"
صمت فادي قليلا وكأنه يفكر في إجابة مناسبة للسؤال ثم قال " الأب والأم يحبون لأولادهم الأفضل دائما وبالتأكيد كلما شعرا بأنك سعيد سيكونا سعداء جدا "
فأضاف براء " ماما رفيدة قالت محظوظ هو من لديه أمين وأبين .. إذن أنا محظوظ أليس كذلك ؟"
وافقه فادي وهو يضع الهاتف على أذنه ليرد على مكالمة واردة "بالتأكيد محظوظ هو من يكثر المحبين حوله (وتكلم في الهاتف ) نعم ضحى ها نحن آتيان في الطريق"
توقف براء يقول بحماس وهو يقترب من الحائط " أنظر .. أنظر لهذه الحشرة الغريبة ! "
اقترب فادي قائلا" إنها حشرة ( فرس النبي )"
سأله متطلعا فيها بانبهار "هل أمسكها؟"
رد فادي بتلقائية منشغلا بالهاتف "لا بأس"
صرخت ضحى في أذن فادي " سيمسك الحشرة يا فااااادي!!!!"
ابعد فادي الهاتف عن أذنه منزعجا من صوتها ثم قال للصبي الذي مال بجذعه يمد إليها يده" قف"
توقفت يد براء في الهواء ورفع إليه وجهه فأشار فادي للهاتف قائلا" ضحى تقول لا "
ابتعدت يد الصبي عنها بتوجس ليسحبه فادي ويكمل الطريق بينما الصبي يدير وجهه نحو الحشرة بفضول ليقول الآخر موضحا " إنها تخاف من أن تصيبك الحشرة بأذى .. تفعل هذا لأنها تحبك"
سأله ببراءة " وأنت ؟.. هل ستأخذني لنصطاد لأنك تحبني مثلما هي تحبني ؟"
رد فادي مؤكدا "بالضبط ( ثم اضاف بطفولية ) لكن بالطبع ضحى ستظل تحبني أكثر منك"
صرخت ضحى من جديد في الهاتف" ماذا تقول للصبي بالله عليك يا فادي !.. هل هذا كلام مناسب لحالته ؟!"
رد عليها فادي بعناد طفولي" عليه أن يعرف الحقيقة كاملة"
قال الصبي بهدوء " لا بأس سأجعلها تحبني أكثر منك"
رد فادي بغيظ" سأظل أنا صاحب القطعة الأكبر في قلبها مهما فعلت لأني أحبها أكثر من أي أنسان في هذا الكون"
ضحك براء ضحكة متهكمة ورد بثقة اسعدت فادي " سنرى من سيحبها أكثر أنا أم أنت (ورفع إليه انظاره وقبضتيه قائلا بتحدي ) لأني أنوي أن أحبها جدااااا"
قال فادي مستمتعا بمنافسته" يا بني عد عدد السنين التي احببتها فيها أنا وانظر لعمرك"
انفجرت ضحى ضاحكة وهي تستمع لشجارهما الطفولي.. بينما سأله براء فجأة مغيرا الموضوع " هل هناك متحفا للحشرات؟"
أجاب فادي مؤكدا " طبعا هل تريد زيارته؟ "
هتف بحماس " حقا نستطيع الذهاب ؟!!!!"
وصل فادي لنهاية الشارع ..
فأمسك بيده ليحميه من السيارات وهو يقول بثقة "بالطبع سنذهب أنا وأنت وماما ضحى لمتحف الحشرات"
وانعطف بعدها يمينا يكمل طريقه مع براء ..
إلى البيت ..
××××






يتبع


Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-12-19, 05:24 PM   #414

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 3

بعد ساعتين وقد اقتربت الشمس من الغروب كتبت كارمن لفارس " وصلت إلى شقة بباه منذ بضع ساعات .. علينا أن نتكلم إن كان وقتك يسمح .. لكن الآن سأنام قليلا لأني أشعر بالإجهاد "
وعادت ترسل رسالة أخرى " هل تشاهد المباراة ؟أم تعمل أم ماذا ؟.. أتعلم حين علمت بوجود مباراة نهائي الدوري ورغم أني لست متابعة لكرة القدم .. لكني تساءلت هل تتابع كرة القدم وأي الفرق تشجع؟ .. تصور لا أعرف زوجي أي الفرق يشجع ! "
تطلع فارس في الرسالة بصمت ثم بلع ريقه وهو يضع الهاتف ويعود ليركز فيما يقرأ مغمغما بخفوت" ومن له مزاج لمتابعة أي شيء "
أما في غرفة المعيشة فجلست فريدة بأعصابها متحفزة أمام الشاشة تقول ليونس في الهاتف" باقي دقيقتين على نهاية المباراة والتعادل سلبي حتى الآن "
قال يونس " ابقي معي حتى أعرف النتيجة (ثم برطم يقول بغيظ ) حتى المباراة يا ربي غير قادر على متابعتها .. وزياد الكلب لا يرسل لي سوى رسائل إغاظة وهو يتابعها مع عائلته "
في حديقة الدار وقبل أن تنتهي المباراة بدقيقة واحدة .. هب الشيمي صائحا هو وزغلول "جووووووووووووووول"
فوقف فريقه من الأطفال يصرخون من الفرح حين سدد فريقهم هدفا عزيزا في الدقيقة التاسعة والثمانين بينما وقفت رفيدة صارخة باعتراض "تسلل اقسم بالله تسلل"
لم يرد الشيمي وإنما وقف يتراقص مع الأطفال مهللين بالفوز .. فوقفت تتطلع فيه بغيظ متكتفة .. ليرميها بغمزة شقية من عينيه ..ويعود ليشارك فريقه الفوز تعلو شفتيه ابتسامته الطفولية الشهيرة ..
فلم تملك هي إلا الاستسلام لزخات البهجة التي تمطر فوق قلبها شاءت أم أبت لوجوده في حياتها.
××××
حين يخيم الليل يثقل القلوب بالوحشة إلا التي تتحصن بالرفقة ودفء المحبين .
ترك فارس الأوراق أمامه بإنهاك لينظر للساعة فيجدها اقتربت من منتصف الليل .. فتحرك يترك غرفة مكتبه .. وقادته قدماه نحو باب الفيلا في لحظة تمرد من كل جوارحه التي استبد بها الشوق ..
الهدوء من حوله لم يعد رفيقه الذي يؤنسه بعد أن اعتاد على وجودها في حياته .. حتى حين كان يغرق في أعماله كان يعلم جيدا بأنه مهما تأخر سيصعد في النهاية ويندس بين الأغطية يأخذها بين ذراعيه ..
قد يكون غضبه وكرامته وذهنه المشغول بانتقامه مع بُعد المسافة ما كان يمنعه من الذهاب إليها أو هكذا كان يبرر لنفسه خلال الأيام الماضية..
لكنها الآن تسكن في البناية المقابلة .
إن الأمر اصعب مما توقع واقسى على النفس مما قد تحتمل..
أن تكون في البناية المقابلة ولا يراها ..
لا ترسمها عيناه عن قرب ..
لا يغرق في عينيها الواسعتين ولا يرتشف من شفتيها ماء الورد ..
تحرك بخطوات بطيئة في الحديقة وهو يتطلع في البناية المقابلة .. لكنه توقف في منتصفها يكبح جماح مشاعره ..
لقد اشتاق للمسها ..
لأنفاسها ..
لذبذبات صوتها في أذنه.
يكفي هنا يا فارس..
لا تتخطى حدود الحديقة .. إنها ستلهيك .. ستشدك إلى عالمها الذي يأخذك من الواقع ويثبط من همتك.
هذه المرة أنت ذقت مرارة الفقد بعد وصالها وتعلم جيدا كم هو معذب .. فلو اقتربت مجددا قد لا تستطيع الابتعاد ابدا.
قبض على مشاعره بقوة ووقف يرفع أنظاره نحو شرفتها بنظرات لم يدر بأنها متوسلة لإطلالة واحدة منها ..
من أميرة الحكايات ..
وقف لا يسمع في سكون الليل سوى دقات قلبه العالية التي تهتف باسمها مع كل دقة .
ثم فتح هاتفه يعيد قراءة رسائلها له على الواتساب على مدى خمسة عشر يوما متسائلا .. هل ستفقد صبرها على عدم رده عليها وستهجره للأبد ؟.
لمَ انخلع قلبك للتو من تلك الخاطرة يا فارس ؟..
ألم يكن هذا ما تطمح إليه لتبعدها عن طريقك المرصوف بالأخطار ؟!.
أما كارمن فتململت في سريرها وكأنها تتلوى على الجمر .. كانت تعتقد هي الأخرى أنه باقتراب المسافة سيهدأ شوقها إليه قليلا .. لكنه ازداد اضعاف ..وعليها أن تبذل مجهودا للتحمل ..
أيعني تجاهله لها بأنه لم يعد يريدها؟ ..
اعتدلت جالسة تشعر بالغيظ وتتملكها رغبة في البكاء ..
هل بجفائه هذا يساعدها على ايجاد الأجوبة التي تبحث عنها؟ ..
يخبرها بأنها ليست بهذه الاهمية؟؟..
لقد تعبت من التفكير وهو لا يرغب في مواجهتها .. هل يعترف بما خمنته ويشعر بالذنب لهذا لا يريد مقابلتها؟ أم أنه يهرب منها حتى لا تتحدث معه في أمر انتقامه ؟.
تركت السرير واقتربت من النافذة تتلصص من خلف الستائر لترى إن كانت إنارة مكتبه لا تزال مضاءة فتفاجأت بذلك التمثال الذي يتوسط حديقة الفيلا يوجه نظراته نحو شرفتها..
استفزها الأمر بشدة
إنه يعاند نفسه ويعاندها إذن !
فتحطمت آخر مقاومة لديها ولم تعد تتحمل .
اسرعت نحو الخزانة تلتقط بنطالا من الجينز تحشر نفسها فيه وبلوزة وحجاب ووضعت قدميها في الكروكس تسحب ميدالية مفاتيحها وتتجه بلهفة مغلفة بالغضب نحو باب الشقة.
بعد دقائق خرج فارس من شروده حين تفاجأ ببوابة الفيلا تتحرك وتفتح بعد أن ضغطت كارمن على زر مفتاحها الالكتروني من ميدالية مفاتيحها .. فوقف متسمرا يديه في جيبي بنطاله الرياضي وهو يشاهدها تظهر أمامه وتدخل باندفاع نحو الحديقة فتمتم بصوت خافت "كارمن !"
لأول وهلة حسبها من خياله .. وظلت عيناه تراقب اقترابها حتى وقفت أمامه لا يفصلهما إلا ..
مترا واحدا .. وكرامة مجروحة .. ونية للخروج من جنتها من ناحيته ..
وقلب مجروح .. ونية للضغط عليه للإفصاح من ناحيتها.
لكن كيف تنجح النوايا في حضرة سطوة القلوب وتمرد الجوارح !
هبات النسيم التي حملت عطرها إليه ..
ورجفات الدفء التي داعبت قلبه ..
وشعلات اللهب التي أججت حمم الشوق في أعصابه ساعدوه على استيعاب حقيقة وجودها أمامه ..
أما كارمن فطلبت من الله أن يمنحها القوة حتى لا تضعف وترتمي في حضنه فمهمة اثنائه عما ينويه أهم مما تشعر به من عذاب الشوق لحظتها وهي تتطلع فيه بكليته يقف أمامها أخيرا بعد أيام من الفراق .. فبادرت بالقول متحكمة في رغبة في البكاء "كيف حالك؟"
تكلم بصوت اخرجه من حنجرته اجوف" ما الذي انزلك للشارع في هذا الوقت المتأخر؟"
رغبتها في البكاء ازدادت حين داعبت نبرات صوته أذنها فردت بخفوت " لأني شاهدتك تقف في الحديقة"
تأملها متقبضا لثوان وخانته عيناه تجري على تفاصيلها ثم قال مبررا" سمعت صوتا غريبا فخرجت لأتفقد الوضع ( واشار بيده يحاول الحفاظ بصعوبة على مسافة بينهما قائلا بلهجة آمرة ) هيا عودي بسرعة الى الشقة فالجو بارد .. اقصد متأخر .. الوقت متأخر"
وقفت تتطلع فيه بصمت تروي اشتياق عينيها لرؤيته فأشاح بأنظاره بعيدا عنها قبضتيه في جيبي بنطاله يقاوم رغبة ملحة للهجوم عليها وتقبيل كل جزء فيها..
إنها .. هنا .. تتجسد أمامه أخيرا ..
وهو غبي !
أيحسب نفسه قادرا على الفكاك منها ؟؟..
قد يخرج من قصرها لكنه سيظل مرابطا في محيط القصر رغم أنفه .
قالت كارمن تستفزه ليتخلى عن جموده" حاولت الاتصال بك كثيرا .. وأرسلت إليك على الواتساب .. لكن يبدو أنك تساعدني على إيجاد أجوبة على اسئلتي بما تفعله معي "
رفع حاجبا وسألها بلهجة متهكمة " وهل وصلت لتلك الأجوبة؟"
قالت تستفزه أكثر " أجل اكتشفت بأني مجرد فتاة جميلة تزين بها بيتك كمن يشتري تحفة أنيقة يضعها في برواز ليفتخر به أمام الناس "
تألم قلبه لكلامها فقال بهمس غاضب مشيرا لبوابة الفيلا "عودي للشقة فورا يا كارمن"
طالعته بأنفاس متسارعة ولم تتحرك .. فحدجها بغيظ يقاوم مشاعره التي تضغط عليه لكنها ظلت متسمرة فاقترب منها يمسك بمرفقها ويسحبها نحو بوابة الفيلا قائلا بخفوت بين سكون الليل" هيا معي يا كارمن سأوصلك"
بروده المصطنع استفزها ومشاعرها المشتاقة إليه خنقتها فنزعت مرفقها منه بعصبية تصيح " هل اعتبر هذا آخر كلام لديك بشأننا يا فارس ؟"
صوتها جرح سكون الليل فتطلع فارس حوله في المكان ثم عاد إليها يقول من بين أسنانه " اخفضي صوتك يا كارمن الناس نيام وستفضحيننا"
هتفت بتحدي ترفع أنظارها نحوه" أنا لا يهمني الناس ولا يهمني سواك (وضربت بقدمها في الأرض بعصبية تضيف ) أريد أن أعرف لمَ تتهرب مني إن كنت لا تريدني قلها الآن وحالا.."
حالتها مزقت قلبه .. وكلامها ذبحه فلم يدري إلا وهو يسحبها من معصمها متجها إلى الداخل يغمغم" تريدين التحدث .. تعالي .."
كان يسحبها خلفه بخشونة وبخطوات متسارعة جعلتها تهرول خلفه فقالت وهو يدخل بها من باب الفيلا "تمهل يا فارس سأنكفئ على وجهي !.."
لم يرد ولم تتباطأ خطواته بينما ارهفت الحاجة نفيسة من غرفتها السمع ثم تنفست الصعداء وأكملت قراءة القرآن .. تدعو في سرها ان يجمع الله بينهما على خير .
ادخلها فارس غرفة مكتبه بغيظ مما يجيش في صدره من مشاعر تضغط عليه وتمنعه من تنفيذ خطته في إبعادها عن حياته مؤقتا .. فوقفت كارمن تدلك معصمها وتكتم غضبها ليقول فارس متصنعا اللامبالاة" تفضلي ..أنا أسمعك .. أي اجوبة تريدينها الآن بعد كل هذه الأيام ؟!! ..( وأضاف بلهجة ساخرة متألمة ) هل انتهى عقابي أخيرا ؟!!.. أم تريدين الأجوبة لمد فترة العقاب ؟!"
تجمعت الدموع في عينيها وردت بصوت مرتجف "إن كنت أعاقبك فتأكد أني كنت أعاقب نفسي أنا أيضا "
قال بسخرية مُرة" ولماذا تعاقبين نفسك ؟ .. ألم يرضيك العرض الذي قدمته أمام والدك أم تريدين إذلالي أكثر كارمن هانم!"
الغضب الذي يطل من زرقة عينيه وكلماته المتألمة شطرت قلبها لنصفين فقالت بصوت متهدج بالمشاعر " أنا لا أريد إذلالك يا فارس ولا يرضيني هذا أبدا ..ولم أتوقع... اقصد .. لم احسبها بهذا الشكل.. أردت فقط دليل على أني مهمة عندك وكنت متألمة جدا لما حدث"
هدر مستنكراً " متألمة لدرجة ألا ترغبي في رؤيتي لخمسة عشر يوم !!... أنت حتى لم تنتظري مني تفسيرا يا كارمن!.. من أول مشكلة بيننا تركت البيت"
هتفت مدافعة " أنا لست تافهة لهذه الدرجة يا فارس .. لماذا لا تُقدّر ما كنت أمر به من فترة صعبة .. قبلها كان موقف أمي ثم تلك المعلومات الغريبة التي اخبرني بها لؤي"
اشتعلت مراجل الغضب في صدره حينما نطقت باسم لؤي فهجم عليها يمسك بمرفقها قائلا من بين أسنانه" لا تنطقي باسمه أمامي إن كنت تريدين لهذا الحديث أن يسير بشكل متحضر”"
قالت ترفع إليه عينيها الواسعتين مغرغرتان بالدموع" آسفة لأني خيبت ظنك .. لكنك أيضا خيبت ظني يا فارس"
هزها من مرفقها يقول ببحة صوت معاتبا "وأنا كنت أتوقع منك ثقة أكثر من هذا في فارس .. حتى لو كانت الدلائل في يدك تخالف المنطق .. كنت أنتظر هذا منك.. لكنك خيبت ظني وجعلتني أقر بأني غِر ساذج .. وبعدها ماذا كنت تريدين مني أن أفعل .. بعد خروجك دون إذني ودون إخطاري بمكانك وبعد تلك الساعات القاتلة التي قضيتها وأنا أبحث عنك كالمجنون .. وبعد إذلالي أمام والدك .. وبعد أن استطعتِ البقاء خمسة عشر يوما بعيدا عني .. ماذا كنت تريدينني أن أفعل ؟ أذهب إلى حيث تختبئين وأتوسل إليك العودة إليّ؟ .. أم استقبلك على بوابة الفيلا عند عودتك أفرش الأرض لك بالورود !! .."
قالت مدافعة " أنا لم اصدق الدلائل يا فارس .. أنا انتظرتك لتجيب عن تساؤلاتي .. ولم أرحل إلا حين أدرت لي ظهرك"
مال بجذعه وهو لا يزال يحتجز مرفقها في يده مقتربا بوجهه من وجهها المرفوع إليه يقول بخفوت متألم " ومع هذا استطعت أن تبتعدي خمسة عشرة يوما"
تطلعت في وجهه عن قرب وودت لو تتعلق بعنقه لكنها ردت بخفوت مماثل تسحب هبات عطره إلى رئتيها " لم يكن باختياري صدقني .. فبعيدا عن مشاعري التي كانت منهارة بالفعل بعد أن فقدت توازني النفسي .. فإن هناك ما كان يمنعني من مغادرة المكان والعودة إليك "
لمس بجبينه جبينها يسحب أنفاسها إلى صدره باشتياق مغمغما بغضب من بين أسنانه " لا يوجد أبدا ما يمنعك عن رؤيتي كل هذه المدة إلا إذا كنت لا ترغبين في ذلك"
رائحة عطره المختلطة برائحة جسده أنعشت قلبها المحتضر فقالت بخفوت " والله العظيم كان هناك سببا قهريا"
سألها وعيناه تتجولان في صفحة وجهها
" ما هو؟"
قالت بإصرار " لن أبوح به الآن إلا بعد أن نتحدث"
قال من بين أسنانه بخفوت " أنت تراوغين يا كارمن "
ردت بصدق " أبدا صدقني .. فالسبب ستعرفه عاجلا أم آجلا .. سواء اتفقنا أم اختلفنا .. سواء كانت كارمن مهمة أو لا شيء عندك"
ضغط على مرفقها يكبت رغبة معذبة لتقبيلها وقال بغضب " اسكتي.. اسكتي يا كارمن "
افلتت مرفقها منه تقول بتحدي وهي تبتعد للخلف لتفلت من مجال جاذبيته القاتلة " لن أسكت .. لم آتي لأسكت .. بل انني أقاوم مشاعر كثيرة الآن حتى لا تلهني عما أريد أن أقوله"
اقترب منها مجددا يرمقها بعينين زرقاوين غاضبتين فابتعدت بدورها مقاومة لتجد الحائط خلفها يمنعها .. ليضرب فارس بجوارها بكفه على الحائط قائلا بلهجة غاضبة ساخرة " ما ترغبين في قوله وانتظر خمسة عشر يوما .. يمكن أن ينتظر لخمسة عشرة سنة لأنه غير ملح بالتأكيد "
هتفت تدافع عن نفسها " يا فارس كما طلبت مني أن أصدقك برغم الدلائل الصادمة التي قُُدِمَت لي.. عليك أنت أيضا بتصديقي حين أقول لك كان لدي سببا قهريا منعني من الخروج من البيت"
قال بإصرار "لخمسة عشر يوم! !"
كسى الحزن وجهها وردت بصدق " الحقيقة كانوا بضعة أيام.. لكن ما حدث بين أبي وأمي صدمني وأمرضني لعدة أيام أخرى "
عقد حاجبيه الكثيفين يسألها "ماذا حدث بينهما ؟!"
اطرقت برأسها بحزن مغمغمة " انفصلا "
تفاجأ فقال " ها ؟!"
رفعت أنظارها إليه توضح بصوت مخنوق " انفصلا رسميا يا فارس .. وحزنت كثيرا .. واحتجت لوقت أكثر لأستعيد فيه قوتي"
أشفق عليها من الخبر وازداد غضبه منها في نفس الوقت فقال معاتبا بمرارة " لو كنتُ مهما عندكِ كنتِ لجأتِ إليّ ..ونسيت غضبك مني"
هتفت بلهجة معذبة " قلت لك كان لدي سببا قهريا منعني من الخروج من البيت"
قاوم مشاعره وتحرك مبتعدا يقول وهو يوليها ظهره " أنت كاذبة يا كارمن .. سأسميك الأميرة المخادعة وليس أميرة قصر العسل"
صرخت باستنكار " أنا مخادعة يا فارس أم أنت المراوغ الذي ترفض أن تعطي إجابات!!"
استدار إليها يصيح بمرارة " أنت مخادعة لأنك أوهمتني أنك تحبينني .. تظنينها كلمة سهلة تتفوهين بها لأني أحسن معاملتك !.. ها أنت مع أول اختبار لعلاقتنا ومع أول انفعال مني تركتني وعذبتني دون رحمة لساعات .. حتى إذلالي أمام والدك لم يشفع لي واحتجتِ لخمس عشر يوما حتى تريني وجهك.. هذا ليس حبا يا كارمن هذا أي شيء غير الحب"
كلماته آلمتها وأغضبتها في نفس الوقت فصاحت بانفعال "تشكك في حبي لك يا فارس !! .. ماذا عنك ؟ .. أنا لا أعرف حتى لماذا تزوجتني ! .. أنت حتى لم تجبني بالإجابة الشائعة (لأني أعجبك ).. أنا لا أعرف ماذا تخطط له يا فارس.. حتى أمر علاقتك بفريدة عرفته بالصدفة ومن حكى لي قصة والدك كان يونس ..
تشكك في مشاعري نحوك ! .. ماذا أعرف أنا عنك ؟.. عن ماضيك ؟.. عن حاضرك؟.. عن تفاصيل يومك في العمل؟ .. ماذا أعرف عن طموحاتك ؟.. عن أحلامك ؟.. عن الأشياء المفضلة لديك كلها ؟ .. ماذا أعرف أنا عن فارس .. أم أنك ترى أن الزواج علاقة فراش فقط؟"
شعر بالإهانة فهجم عليها يمسكها من مرفقها صائحا بغضب " أنا أُختصر ما بيننا على علاقة الفراش فقط يا كارمن ؟.. أنا !!!!! .. لو كنت كذلك ماكنت صبرت عليك أول زواجنا"
حزنت لانفعاله فقالت موضحة وقد بدأت تنهت من تسارع دقات قلبها " أنا لم اقصد هذا المعنى الفج أردت أن أقول .. أردت أن أقول .. أنا .. أنت تعرف كيف عشت حياتي السابقة لذا بعدما حدث بيننا أصبحت أشعر بأني كعروس باربي جميلة تمتعك في الفراش وكفى .. ولست زوجة وشريكة حياة .. لست نصفك الثاني ... (وأضافت بانفعال ترفع أنظارها إليه ) أنت حتى لم تجيب عن تساؤلاتي .. لماذا كنت تراقبني؟ .. ماذا كنت تفعل بالصعود خلفي في شقة لؤي؟.. لماذا تزوجتني أنا بالذات يا فارس؟.. كل ما تتحدث عنه غضبك من سيرة رجل آخر .. وغضبك مني لأني صدقت ما قاله .. ولأني رحلت .. ولأني بقيت بعيدا .. كل ما تردده أني أذللتك ولم ترى نفسك وماذا فعلت أنت بي .. عموما لو كان ما فعلته أمام والدي قد جرح كرامتك إلى هذا الحد فسأفعلها أنا أمامك علها ترضي غرورك "
وهبطت بجسدها أمامه لتنزل على ركبتيها لكنه لحقها يرفعها من ذراعيها قبل أن تفعلها قائلا بانزعاج " ماذا تفعلين يا كارمن!! .."
أجبرها على الاستقامة فأجهشت بالبكاء وهي ترفع أنظارها نحوه قائلة بحشرجة "لاستحلفك بالله أنا أيضا أن تصدقني القول وتخبرني لماذا تزوجتني يا فارس سعد الدين ( وامسكت بصدر ملابسه البيتية تهزها صارخة بهمس متوسل) أتريد توسلا أكثر من هذا يعيد إليك كرامتك ؟.. ها أنا أتوسل إليك .. لماذا يا فارس؟"
لم يستطع الصمود أكثر
كل محاولاته للمقاومة نسفت من قواعدها
دموعها وحدها التي تتدفق من عينيها أمامه كانت تنزل على قلبه تكويه فمال عليها بسرعة يحضن وجهها بين كفيه يقول بصوت أجش " لأني .. أحبك .. أحبك يا كارمن .. كل هذا العدد من ( لماذا ) التي ذكرتِها له إجابة واحدة وتفسير واحد .. لأني .. أحبك"
كلمة (أحبك ) اخترقت قلبها كسهم حارق .. وظلا يحدقان في عيني بعضهما فانسابت دموعها على كفيه الممسكان بوجهها .. لتسأله بعدم استيعاب" كيف يكون ذهابك خلفي إلى شقة لـ ... أقصد إلى تلك الشقة قبل زواجنا اجابته (لأنك تحبني)؟!!"
اسند يده على الحائط بجوارها قائلا بخفوت " لأنني أحبك منذ ثلاث سنوات يا كارمن"
اتسعت عيناها تطالعه بمفاجأة ليكمل بخفوت معترفا أمام عينيها باستسلام " أجل أنا أخطط للانتقام من صفوت عظمة .. ونعم كنت أراقبك .. ونعم تعرفت عليك حينما كنت أراقبه هو وولده .. لكني بعدها أصبحت أراقبك أنت من أجلي أنا.. من أجل فارس.. ولم أكن لأصدق أبدا أني قد أقترب منك يوما .. أن تنظر عيناك نحوي تختصني بأي حديث .. كنتِ بالنسبة لي كأميرة من أميرات الحكايات الخرافية "
همست مصعوقة "فارس !!"
اعترافه صدمها وفاق كل توقعاتها .. والطريقة التي نطق بها الكلمة ( أحبك ) أطارت عقلها فاندفعت تستطيل على أصابع قدميها تطوق رقبته بذراعيها وتبكي .. لينهار جزء من تماسكه ويحضنها بقوة متأوها " آآآآآآه يا كارمن .. ثلاث سنوات لا أفعل أي شيء إلا مراقبتك .. ألهيتني عما أخطط له .. كنت أزورك يوميا إما صباحا وأنت تتريضين أو مساء .. وأتلهف فقط لدقيقة واحدة لأراك فيها ..أنا الذي أعتبر كل دقيقة لها ثمن كنت انتظر في السيارة لأحظى بدقيقة واحدة أراك فيها ثم أعود وكأني كسبت صفقة مربحة .. وكنت أعتبر اليوم الذي لم أرك فيه يوما خاسرا لا أحسبه من عمري"
علا نشجيها وضربته قبضتها في كتفه وظهره تغمغم بغيظ " كل هذا يا فارس .. كل هذا في صدرك ولم تبوح به لي "
لم يعبأ بضرباتها في أعلى ظهره .. و رغم محاولاته لكبح جماح شوقه إليها واقصار الأمر على بوحه بمشاعره فقط لكن يده عصته وتحركت على ظهرها وخصرها باشتياق وهو يضيف" ثلاث سنوات وأنا أحبك بيأس .. وأعلم بعلاقتك بهذا الكلب .. ثلاث سنوات وأنا أموت غيرة وحسرة عليك .. كنت أعلم بما يفعل لكني لم اجرؤ أبدا على اخبارك .. خشيت أن تنهاري ولم أكن أعرف أن كنت تحبيه أم لا"
ابتعدت تنظر إلى وجهه بملامح مغرقة بالدموع بعدم تصديق .. فمد يده يمسح وجنتها قائلا " أتعلمين ذلك اليوم الذي اكتشفت فيه خيانته .. كنت اقف أمام الفيلا أراقبك كالعادة .. ورأيتك وأنت تطعمين تلك القطة .. وكنت على وشك أن أرسل لك صورا له وهو يخونك في أحد الملاهي الليلية التي يتردد عليها .. لكني أحجمت عن ذلك خوفا عليك .. حتى وجدتك تتركين الحفل وتركبين سيارة أجرة (وازدادت ملامحه عبوسا ليضيف بعينين تتأججان بنار الغيرة ) فلحقت بك لأجدك تصعدين لشقته لم أدر بنفسي وإلا أنا أهرول خلفك .. كنت خائفا من أن يكون قد استدرجك لشقته.. وكنت أشعر بالدماء تفور في رأسي وأنا أتخيلك قد ضعفت وذهبت إليه بقدميك .. صعدت خلفك ووقفت احجز باب المصعد حين لمحت باب الشقة مفتوحا وصوت صراخك فعلمت بأنك قد قبضت عليه في وضع متلبس وحين خرجت من عنده نزلت أنا بالمصعد والباقي تعرفينه"
مع كل كلمة قالها من تصريحه كان قلبها تزداد ضرباته حتى انفجرت في النهاية فتقافزت بين يديه بفرح غير قادرة على تحمل ما يبوح به .. وعادت لتعانقه بقوة مرددة باسمه بهمس مرتجف " فارس .. فارس .. لا أصدق.. لا أصدق "
عاد ليغرق نفسه في حضنها معترفا بأنه وقع في فخها مرة أخرى .. وأنه انهار وضعف أمام دموعها وتوسلاتها .. فدفن وجهه بين كتفها وعنقها مغمض العينين يشتم رائحتها يسحبها إلى صدره .. مقاوما لرغبات حارقة تطالب بالمزيد بينما عقله يحذره بأن الدخول إلى عالمها من جديد سيضعف عزمه .. سيلهيه .. سيربطه للبقاء بجوارها وقد يمنعه من تنفيذ خططه ..
أبعدت كارمن وجهها تسأله" ولماذا لم تخبرني بهذا حين تقدمت للزواج مني .. كان وجهك خاليا من أي تعبير كنت حتى لا تنظر إليّ"
تجولت أنظاره في ملامح وجهها الذي اشتاق إليه ثم قال ويده تتحسس عظام ظهرها " الحقيقة ما دمتِ ترغبين في سماع الحقيقة فأنا لم أكن انوي الزواج منك .. ولم أتوقع ولو بعد ملايين السنين أني قد اقترب منك أو ألمسك أو اشتم رائحة عطرك.."
طالعته متفاجئة ليضيف بهدوء " فقط الازمة التي تعرض لها والدك جعلتني اقرر المساعدة .. لم أسعى لتحيّن الفرص للاقتراب منك أبدا .. كنت اعرف بأن طرقنا مختلفة .. ماضينا وحاضرنا.. حتى أهدافنا في الحياة .. أنا كنت أكرس نفسي للانتقام .. أحمل روحي على كفي .. فإذا بي اتورط في عشقك .. ما جعلني أقترب هو أني لم أتحمل أن أراك ذليلة أو مهانة إذا ما أشهر افلاسكم .. أنا جربت هذا الشعور وأعلم كيف هو صعب .. ومر .. يغمر النفس بالحسرة .. أشفقت عليك من أن تخوضي هذه التجربة يا كارمن .. لهذا قررت أن اتدخل بحجة الزواج لأعرض على والدك المساعدة .. لم يكن هناك حلا أخر فكيف كنت سأتقدم لوالدك بدون مقدمات لأقدم يد المساعدة .. أنا اقتربت لأنقذك فعقدتِ أنت شباكك حولي ولم استطع الفرار .. حتى حين عقدتُ عليك .. كنت أعلم بأنك ارتبطت بي بسبب الأزمة المالية ولم ألومك أبدا بل انني كنت أنوي أن أطيل مدة عقد القران وأنا أعلم بأنك ستطلبين الانفصال بعد بعض الوقت .. ( بلع ريقه يغرق معها في مآقيها وأضاف بصوت مرتجف معذب ) لم أرغب في أن أتورط فيك يا كارمن لكنني تورطت .. ( وطالع شفتيها بحرمان وهو يقول ) الزواج منك كان الصفقة الوحيدة التي لم أدرسها جيدا قبل الخوض فيها .. فإن كنتِ بالنسبة لي صفقة كما تقولين فأنت صفقة لم أسعى إليها .. ولم أدرسها .. تورطت فيها بمشاعري.."
ظل يحدق فيها وهي تحاول استيعاب كل ما قاله .. وعقله يبذل جهدا خارقا لفرملة مشاعره ثم سألها بخفوت "هل بقى لديك ( لماذا ) أخرى لم أجب عليها"
سألته عاقدة حاجبيها " لماذا لم ترغب في التورط معي؟؟"
جاء السؤال الذي يشفق عليها من إجابته لكنه أجاب مجبرا حتى يمنعها من رسم صور وردية متفائلة باعترافه " لأني كما قلت لك روحي أحملها فوق كفي"
وكأنه رمى قلبها بحصاة ضخمة .. فكشرت عن أنيابها تقول " أمر الانتقام هذا علينا أن نناقشه سويا يا فارس "
صعب عليه إيلامها لكنه كان مجبرا على توضيح الأمر لها بكل تفاصيله المؤلمة .. فتحرك مبتعدا يوليها ظهره مداريا مشاعره وقال بصوت أجوف " طلبتِ أن تعرفي كل شيء عن شعور فارس تجاه كارمن فأخبرتك بكل شيء .. لكن هذا الأمر لن اتناقش فيه معك ولا مع أي شخص أخر"
فارت هرموناتها في لمح البصر فأسرعت خلفه تقول باستنكار "ماذا تعني بهذا الكلام ؟؟؟!!"
تقبض بقوة وأغمض عينيه يتحمل آلام قلبيهما معا ثم رد " أعني ما قلته .. بأن هذا الأمر غير قابل للنقاش يا كارمن .. الكلام واضح"
هتفت باستنكار " و كيف سأتحمل أن تعرض نفسك للخطر وتطلب مني أن أبقى صامتة!!!"
أشاح بوجهه أكثر عنها وهو يطبق على شفتيه وقبضتيه بقوة ليحتمل الآلام المبرحة ثم قال " هذا هو الشق الثاني من الاعتراف ما دمتِ قد أردتِ الإجابات كاملة .. أنا لن أترك ثأر أبي يا كارمن .. ولن اتناقش في هذا الأمر معك أبدا"
أمسكت بذراعه لتديره بقوة إليها حتى يواجهها هاتفة بغضب " ما معنى ألا أناقشك في هذا الأمر !!..بعيدا عن المشاعر التي تجمعنا .. أنا زوجتك ولي حق عليك في أن أشاركك في كل تفصيلة من حياتك !"
استدار يوليها ظهره من جديد مداريا عذاباته عنها ليقول بإصرار" هذا الأمر خط أحمر"
صاحت باستنكار " تريد أن أعيش معك كعروس باربي جميلة تسلي وقت فراغك وتدفئ سريرك ولا تطالب بالأمان ولا بالاستقرار .. وليس كشريكة حياة حقيقية.. ما ذنبي أنا في خطتك هذه !"
استدار إليها يقول بانفعال مدافعا " قلت لك لم أكن مخططا للزواج منك"
رفعت إليه انظارها بتحدي تقول " وها قد تزوجتني والقدر ربط بين قلبينا"
هتف بإصرار وعناد " لكني لن أتخلى عما أخطط له .. هذه هي ظروفي .. ولهذا كنت أرفض بأن أخبرك بمشاعري حتى لا ترسمي الأحلام الوردية للمستقبل الذي لا أعلم عنه شيء .. ولا بمخططاتي وأهدافي حتى لا تتألمين وتتعذبين "
أمسكت بملابسه تقول بغضب " وأنا لن أقبل بهذا الوضع"
تقبض بقوة مشيحا بوجهه عنها محاولا التماسك وهو يتوقع القادم .. فصرخت كارمن وهي تشده من ملابسه تشعر بالغيظ من عناده " لن أقبل بهذا يا فارس إما أن أكون زوجة كاملة أو لا أكون في حياتك"
تماسك قائلا بحشرجة وهو يكمم صرخات قلبه " وأنا لن أجبرك على الحياة معي"
تركت ملابسه فجأة تحدق فيه ..ثم ابتعدت للخلف قليلا .. فتحرك ببطء هاربا من نظراتها يقترب من مكتبه يفتح ويغلق الملفات بغير سبب ..
أما كارمن فدلكت موضع قلبها وكأنها تهدئ من روعه .. لكنها هذه المرة كانت مستوعبة لأبعاد الموقف .. الفترة الماضية جمعت قطع الأحجية وكان ينقصها بعض الإجابات التي حصلت عليها منذ قليل لتكتمل اللوحة أمامها ..
وبرغم الألم .. والعذاب .. والإحباط .. لوضعهما بشكل عام .. لكن كلماته الأخيرة لم تهزها ولم تأخذها على محمل الجد .. كانت مدركة بأن مهمتها لن تكون سهلة .. وأنها ستخوض حرب إرادات وعليها أن تكون متماسكة وشجاعة لتنتصر إرادة الحب ..
سحبت نفسا عميقا ثم قالت له بلهجة متألمة " هل تعلم ماذا فعلت بي الآن يا فارس ؟.. أنت كررت مأساة يوم الحفل .. رفعتني فوق ذراعك لأحلق طائرة في سمائك لتقتنصني رصاصة غادرة توقعني أرضا .."
أغمض فارس عينيه متألما .. فأضافت كارمن بلهجة باكية " لكن الرصاصة هذه المرة جاءت منك أنت يا فارس"
أولاها ظهره يعض على نواجذه بقوة بينما رن هاتفها لتجد أن والدها يتصل بها .. فسحبت نفسا تهدئ من انفعالها وردت بسرعة "نعم بباه"
جاءها صوت والدها قلقا " أين أنت يا كارمن؟؟؟"
نظرت لفارس ثم ردت بصوت حاولت أن يكون عاديا " أنا في فيلا سعد الدين مع فارس"
قال عاصم بغضب " لماذا لم تخبريني حتى برسالة نصية"
ردت بهدوء معتذرة " آسفة حدث الأمر فجأة"
سألها مستفهما "وهل تنوين المبيت عندك؟"
تطلعت في فارس الذي لا يزال يوليها ظهره ثم قالت بسخرية مرة " المبيت ! .. لا بباه أنا عائدة فورا فالحديث مع فارس بك غير مجدي .. سلام"
مزقه شعورين..
شعور بالراحة لأنها لن تبقى حتى يظل متماسكا فلا تلهيه ..
وشعور بالألم وكأن روحه ستفارق جسده .
تطلعت كارمن في ظهره المتشنج ويديه المتقبضتين بقوة إلى جانبه .. وأدركت أن معركتها لحثه على ترك مسألة الانتقام ستكون صعبة ..
لكنها لن تستسلم ..
لذا عليها أن تستخدم ذلك السلاح الذي اكتشفته منذ قليل باعترافه بحبه لها .. إنه السلاح الوحيد الذي تمتلكه لتكسير رأسه الصلبة ..
فقالت بهدوء ظاهري " تذكر هذه اللحظة يا فارس بك .. لحظة أن توجتني ملكة على عرش قلبك ثم طعنتني بخنجرك في قلبي .."
ضغط على شفتيه بقوة ليتحمل ذلك الحصى الذي تقذف به جراحه النازفة .. بينما سحبت كارمن نفسا عميقا واتجهت نحو باب الغرفة تفتحه وهي تضيف" حسنا فارس بك .. سأعتبر نفسي أني لم أسمع عبارتك الأخيرة .. وسأعطيك مهلة لتفكر وتقرر .. إما أن تشاركني كل شيء .. كل فارس .. عقله وقلبه وكل جوارحه .. حلوه ومره ..حاضره ومستقبله أو سأبقى عند والدي للأبد "
قالتها وخرجت باندفاع تقاوم البكاء قبل أن يدفعها الشوق للقبول بنصف الحلول .. بينما ضغط فارس على مقدمة رأسه بكفيه بقوة شديدة حتى كاد أن يكسر جمجمته مغمغما بهمس " أسألك القوة والمدد يا الله فارحمني من هذا العذاب"
ثم استدار بسرعة خلفها يقطع الفيلا والحديقة حتى اطمئن على دخولها بوابة البناية .. فوقف خارج البناية يشاهد قدها المتشنج ودموعها التي تمسحها .. بينما حارس الأمن يمرر نظراته بينهما بعدم فهم .. لتدخل المصعد وتستدير لتواجهه .. فمزق قلبه وجهها الباكي وعيناها المتوسلتان .. قبل أن يضع باب المصعد حدا بينهما.
××××




يتبع




Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-12-19, 05:25 PM   #415

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 4

بعد قليل سألها عاصم يحاول فك شيفرات ملامحها الواجمة "لماذا ذهبت إليه؟"
قالت بصوت مخنوق "كان لابد أن أفعلها"
سألها بترقب " والنتيجة؟"
فركت جبينها بإعياء ثم غمغمت " النتيجة يا بباه مزيجا من الحب والحصى"
ظل عاصم يتأملها صامتا مهموما .. فأضافت" أعترف لي بحبه لي لكنه لن يتخلى عما ينويه بشأن ثأره ولن يتناقش فيه"
جز عاصم على أسنانه بينما همت كارمن بالتحرك فسألها "وعلام تنوين؟"
لمع الاصرار في عينيها وأجابت بجدية" لن أيأس منه ولن أتركه يفعل ما يخطط لهسأفعل أي شيء مهما كان "
سألها عاصم " هل اخبرتيه بموضوع الحمل؟"
قالت بعناد "كلا لم أخبره"
تمتم عاصم بهدوء مقدرا لحالتها" قد يردعه الخبر ويجعله يترك الماضي ويفكر في الحاضر"
هتفت بلهجة باكية "وأنا كارمن بباه .. أنا لا أريد وسيطا بيننا.. أريده أن يختارني أنا .. لا أن يتشدق بالحب بدون تضحيات .."
كان مشفقا عليها بشدة ومقدر تماسكها لكنه قال "عليك بتأهيل نفسك للخسارة في هذه المعركة يا كارمن .. فظروفه ونشأته وما مر به هو وعائلته كفيل بأن يكون حائط صد كبير أمام محاولاتك "
أطرقت برأسها تقول بأسى" أعلم ذلك ووقتها سأخبره بأمر الحمل .. أنا فقط أؤجل الخبر لبضعة أيام لا أكثر"
غمغم عاصم مهموما " أتمنى أن يكون أمر الحمل فرصة لأن يعيد حساباته فشخصيته بخلفيته وتكوينه وهذا الإصرار الذي لمسته حتى في أصعب اللحظات لا يدعوا للتفاؤل "
غمغمت كارمن بالفرنسية " أحتاج للراحة .. تصبح على خير بباه "
لم يرد عاصم وإنما ظل يحدق في خطواتها البائسة يشعر بالحيرة فلولا أن ابنته تحبه وأنه بالفعل يقدره كرجل وكصهر لكان له تصرفا مختلفا معه .
أما كارمن فارتمت على السرير تحدق في السقف متسائلة إن كانت ستنجح في إقناع فارس بالعدول عن أمر الانتقام أم لا ..
وإن كان وجود ابن له يتخلّّق في رحمها الآن سيثنيه ؟"
رغم إحباطها .. استحضرت اعترافه المؤثر الرائع لها بالحب منذ قليل فشردت في سقف الغرفة تستعيد كلماته في أذنها بقلب يرتجف في صدرها بانفعال وسالت الدموع من جانبي عينيها وهي تربت على بطنها تحدث جنينها بتأثر " بباه يحبني يا (فيتوس) .. احفظ هذا التاريخ .. تاريخ أول اعتراف بالحب لمماه من الشاطر فارس .. الذي صمت دهرا ونطق دررا "
××××
بعد ساعة :
فتح يونس هاتفه واستمع للأغنية التي أرسلتها له فريدة بسماعة الهاتف الإضافية والابتسامة والحنين يزينان وجهه .
مش عارفة .. أنا حاسة ..
أنا كل ملامحك وحشاني
في بعادك في حاجة نقصاني
ابتديت اسرح كأنك جوة حضني
ابتديت أحس إنك جوة قلبي
عارف أنت عين ونني
عارف أنت حتة مني
كل عمري.
اتصل بها فردت بسرعة تقول " يونس .. أين كنت هاتفك مغلق منذ ساعات "
قال بهمس حتى لا يسمعه زياد الذي يركن سيارته بجوار فيلا سعد الدين " هل أعتبر هذا وعد ؟"
سألته باندهاش" ماذا تقصد؟"
ترجل من السيارة وتحرك ليلتقط حقائبه من حقيبة سيارة زياد قائلا " أنك ستأخذينني في حضنك كما تقول كلمات الأغنية "
تلوت في السرير وقالت بدلال" لا تراوغ لماذا أغلقت هاتفك؟"
غمغم بخفوت ساخن" أنا سأعتبره وعد واجب التنفيذ .. هيا افتحي باب الفيلا "
استقامت بجذعها تسأله متفاجئة "ماذا تقصد؟!!!"
اتسعت ابتسامته وهو يستدير وينظر لزياد الذي خرج من سيارته ثم قال بخفوت" أنا على بوابة الفيلا وأريد أن تكوني أول من يستقبلني في البهو بالمنامة التي ترتديها الآن "
صرخت بفرح "يونس هل عدت فعلا !!! .. ألم تقل بأن السفر سيمتد لأسبوع أخر .. يونس .. يونس "
اتسعت ابتسامته لصراخها السعيد وقال " هيا انزلي سلام"
رفع زياد حاجبا وقال " هل انتهت المكالمات الهامسة ؟!"
علق يونس حقيبة سفر متوسطة الحجم على كتفه وامسك بالكبيرة يجرها قائلا " اذهب لبيتك"
هتف زياد باستنكار " ألن تدعوني حتى على مشروب ساخن "
قال يونس باستنكار معترفا لنفسه بأنه قد افتقده بالفعل" ألا تمتلك أي نوع من التمييز .. الساعة تجاوزت الثانية صباحا كيف اضيّفك يا بني آدم ؟!!"
وضع زياد يديه في جيبي بنطاله وقال بامتعاض مداريا سعادته بعودة صديقه " وما دامت الساعة متأخرة لماذا اتصلت بي قبل اقلاع طائرتك تطلب مني انتظارك في المطار ألا تستطيع طلب سيارة أجرة !"
هتف يونس باستنكار" أتريدني أن استقل سيارة أجرة في هذا الوقت المتأخر من الليل واتعرض للسرقة أو القتل حتى لا تترك أنت سريرك الدافئ يا ( .... )"
طالعه زياد بنظرة دونية وهم بركوب سيارته قائلا بقرف "ستظل ابن الحواري طويل اللسان مهما ارتديت من سترات فاخرة "
رد يونس متهكما وهو يضغط على مفتاح البوابة المتحكم عن بعد " حبيبي ابن الذوات المؤدب !"
استقر زياد في مقعده أمام المقود ثم مال برأسه يقول لصاحبه "عبر النافذة لا تنسى الحفل .. لقد أجلته بسببك حتى تعود "
أشار له يونس بيده بتعال أن يذهب وهو يدخل من بوابة الفيلا ويضغط زر إغلاقها خلفه .
في غرفتها قفزت فريدة من فوق السرير مرتبكة .. وأسرعت بحركة عفوية تلتقط عباءة من فوق المشجب .. ثم تراجعت وتركتها بوجنتين مخضبتين بالحمرة .. واسرعت نحو المرآة تتطلع في منامتها ذات البنطال القطني ذا المربعات الكاروهات بألوان متداخلة من الرمادي الداكن والوردي والأبيض وبلوزتها الناعمة باللون الرمادي .. وتركت شعرها معقودا في عقدته فوق رأسها لكنها انزلت بعض الخصل حول وجهها بشكل عشوائي بسرعة .. ثم وضعت قدميها في خفين قماشيين من نفس قماش وألوان البنطال واسرعت تخرج من غرفتها .
دخل يونس من بوابة الفيلا في الوقت الذي ظهرت فيه فريدة ووقفت أعلى السلم فلمعت عيناه وهو يتطلع فيها وأنزل حقائبه أرضا ثم فتح ذراعيه إليها بابتسامة متسعة تخلب لبها بدون مجهود منه.. فأسرعت إليه تقطع الدرجات نزولا حتى وصلت إليه خلال ثواني ترمي بنفسها في حضنه مغمغمة " يونس "
تأوه يونس وهو يغمرها في حضنه ويرفعها عن الأرض وكأن روحه قد ردت إليه هامسا " روح يونس وحب عمره "
أبعدت رأسها عنه لكنه ظل يسجن خصرها بين ذراعيه فقالت بخفوت وخفر" أخي في مكتبه"
لم يكن منتبها لكلامها ولكن لملامح وجهها بدون الحجاب أخيرا على الطبيعة ثم ابتعد قليلا يتطلع في تفاصيل المنامة بنظرات جائعة قبل أن يخرج فارس من مكتبه قائلا "حمدا لله على سلامتك يا يونس "
شعرت فريدة بالحرج الشديد فحاولت الابتعاد لكن يونس بسط ذراعه على كتفها بامتلاك يحتجزها بجواره قائلا لفارس" كيف حالك يا كبير"
غمغم فارس بإنهاك وهو يتحرك أمامهما ليصعد إلى غرفته " بخير الحمد لله .. سنتحدث في الصباح بعد أن تستريح"
نظر يونس لفريدة وتبادلا النظرات القلقة على أخيهما قبل أن يصيح يونس يلحقه بصوته" أنا سأبيت هنا يا كبير في غرفتي فلن اذهب في هذا الوقت المتأخر لأبحث عن فندق "
غمغم فارس وهو يعتلي درجات السلم بخطوات مثقلة بهمومه "لا بأس أنا اثق فيكما "
أمسك يونس بصدره وكأنه قد تلقى رصاصة وغمغم ساخرا " آي .. قصف الكبير جبهتي بأدب وأحرجني "
ضحكت فريدة .. فعاد يتطلع فيها بعينين لامعتين وأنزل ذراعه من فوق كتفيها يحتجز خصرها هامسا بلهجة ساخنة "بدأت مرحلة المنامات والشعر المكشوف أخيرا .. وأشعر أن مرحلة ( البدون ) قد أصل إليها حين أصبح فوق التسعين فاقد الأمل في كل شيء "
ضربته في صدره وغطت عينيها بكفها في حرج.. فشدد ذراعه حول خصرها يلصقها به ليسمع صوت والدته تنادي من غرفتها "هل وصلت يا يونس ؟"
أفلتت فريدة منه بسرعة ليقول يونس " وصلت يا أمي (وتحرك نحو غرفتها وهو يقول لفريدة بخفوت) أنا جائع جدا ومعدتي تلبكت من طعام الأجانب .. فهلا اشبعت معدتي ما دمنا لن نستطيع اشباع أي جوانب أخرى"
هرولت إلى المطبخ بسرعة تهرب من عينيه اللتان ترسمان قدها بتقييم ذكوري قبل أن تتسع ابتسامة سعيدة على وجهه ويدخل غرفة والدته قائلا بتهليل "اشتقت إليك يا ناااااافيسااااااه "
بعد دقائق دخل يونس المطبخ يتطلع في تفاصيل فريدته باشتياق فحانت منها التفاتة خجولة نحوه وعادت لتكمل ما تصنعه.. ليقترب منها يدقق النظر في ظهرها ورقبتها قبل أن يلمس ذراعيها ويميل ليطبع قبلة حارة على مؤخرة عنقها فانتفضت فريدة من مكانها تغمغم بارتباك "يونس !"
سحبها إلى حضنه يروي قليلا من الشوق فاستسلمت بشوق مماثل لثوان وهي تسمعه يغمغم" يا رب امنحني المزيد من الصبر قبل أن تطير بنت سعد الدين عقلي "
أبعدت وجهها عنه تقول بهمس معترض " اتركني يا يونس "
سحب الطوق المطاطي من عقدة شعرها فانسدل على كتفيها .. ليمد يده يلمس خصلاته هامسا "اشتقت إليك يا بنت .. اشتقت بشكل يكاد أن يقتلني اقسم لك "
مال ليقبلها فحاولت الإفلات هامسة بحرج " آبيه بالأعلى "
غمغم بحنق طفولي وهو يتركها لتفلت منه ويتحرك ليجلس بجوار المنضدة الصغيرة في المطبخ" أنت وأخوك والكون كله تتآمرون على يونس المسكين "
وضعت الأطباق أمامه وخطفت السيجارة التي كان يهم بإشعالها تقول" هيا إلى الطعام "
سحبها يقول بمداعبة" اجلسي على حجري قليلا "
قفزت بخفة بعيدا عن يديه ووقفت تطالعه بوجه مشتعل مشتاقة له بشدة .. فقال وهو يبدأ في الأكل" الحقيبة الصغيرة كلها لك "
برقت عيناها بحماس وأسرعت تغادر المطبخ أمام مقلتيه العسليتين المتفحصتين بتدقيق في قدها النحيف وراقبها وهي تحمل الحقيبة وتعود لتضعها على المنضدة .. وتخرج منها الهدايا وهي تصرخ بإعجاب وانبهار مع كل قطعة او كيس تخرجه منها هاتفة "هدايا رائعة يا يونس رائعة "
اتسعت ابتسامته سعيد بفرحتها .. ولمعت عيناه وهو يراقبها تسحب أحد الأكياس بالذات .. فرفع حاجبا يتحكم في ابتسامة شقية وتأملها وهي تفتحه بفضول وتمد يدها فيه قبل أن تشهق وتعيد إغلاقه بسرعة تنظر إليه بعينين متسعتين ووجه أحمر فكتم ضحكته .. لتقول فريدة "يونس ... يا .. يا .... "
قال مشفقا" تنفسي أولا "
صاحت وقد ازداد احمرار وجهها" أنت وقح يا يونس" وكورت أحد البلوزات وضربته بها فالتقطها يقول " إياك أن تصفيني بهذه الصفة المستفزة .. فكل البشر يمارسون وقاحاتهم بأريحية إلا أنا "
فتحت الكيس من جديد تتطلع بداخله محرجة بعينين جاحظتين فتمتم يونس" أعجبتني الألوان .. ستكون مع لون بشرتك قطعة فنية مبهرة "
سألته بتأتأة " كيف .. كيف.. ذهبت للبائع وطلبت هذه الأشياء "
اتسعت ابتسامته مغمغما بشقاوة "مثلما طلبت الملابس الأخرى "
كورت قطعة ملابس أخرى ورمته بها فالتقطها ضاحكا لتقول بحنق" ماذا لو كان المقاس خاطئا يا مجنون !"
رد بثقة يغمز بعينه "مقاسك يا فريدة أنا متأكد من ذلك "
احمر وجهها حتى أصبحت كحبة طماطم وسألته بعفوية" كيف عرفت ؟"
رد متهكما "كنت أود أن أجيبك بأني أراهنك على أنه المقاس الصحيح لأشعر بفخر ذكوري أنني خبير في الملابس الداخلية للنساء لكن للأسف لن استطيع .. فاصغر طفل ذكر على سطح هذا الكوكب سيعرف من نظرة واحدة أنك ترتدين أول مقاس حريمي يا فريدة "


امتقع وجهها وطالعته بحرج ولم ترد وإنما دفنت الكيس مرة أخرى في الحقيبة بخرس فشعر أن مزحته كانت ثقيلة عليها ليحرك مقعده للخلف ويستقيم مقتربا منها بانزعاج ..فرفعت إليه وجهها بتساؤل .
مال يونس عليها يحضن صدغها بكفه متطلعا في قطعتي الشيكولاتة أمامه قائلا " هل ضايقتك دعابتي .. أنا أمزح يا هبلاء "
تطلعت بعينين مشتاقتين في وجهه صامتة فقال بخفوت ساخن "لو تمنحيني الفرصة سأريك كيف أنا مشتاق وكيف أني اعشق كل تفصيلة بك .. وأريك ماذا تفعلين بي من نظرة من عينيك ومن ابتسامة من شفتيك .. وكيف أني سأموت لأحصل على قبلة أخرى يا فريدتي "
أطرقت برأسها فلمحت الطوق المطاطي الأسود الذي كانت تعقد به شعرها قد لبسه في معصمه فلمسته بأطراف أصابعها متأثرة ليرفع يونس ذقنها إليه قائلا "تم الاستيلاء على طوق شعرك يا كحيلة العينين وسيظل هكذا يزين معصمي"
ومال ليقبل شفتيها في لحظة استسلام منها لجاذبيته التي لم تستطع الفكاك منها .. لكن صوت أمه أتى مقاطعا من غرفتها تقول " هل انتهيت من طعامك يا يونس .. أريدك لبعض الوقت يا ولدي "
شهقت فريدة وأخفضت رأسها تدفن وجهها في كفيها بحرج شديد بينما جز يونس على أسنانه وابتعد للخلف متقبضا بقوة يحاول ضبط أعصابه .
بعد قليل كان يونس يضجع بجانب والدته على سريرها فقالت بتعاطف "هل بالفعل أجلت حفل الزفاف يا يونس؟"
رد عليها وقد وجمت ملامحه " مضطر يا أمي .. ألا ترين ما يمر به فارس ! "
ربتت على صدره بحنان وغمغمت" الله لا يحرمكم من بعضكم يا أولادي ويحفظكم من كل شر"
شرد يونس للحظة في حال فارس قبل أن تنظر نفيسة نحو الباب المفتوح ثم تقول ليونس بخفوت " ولد يا يونس أشعر بأن هناك أمرا غير طبيعيا يدور بين كارمن وفارس "
اعتلت الجدية وجهه وسألها لعله يجد إجابة لأسئلة كادت أن تقتله على مدى الأسبوعين الماضيين "ماذا تعنين يا أم فارس؟ "
قالت بخفوت" ما حدث غريب جدا .. فجأة بدون مقدمات تترك كارمن البيت بهذا الشكل وتتعمد أن تثير قلقه عليها وحين تعود تسكن مع والدها وهو يعاند .. وهي تقول بأن لها شروطا للعودة لابد أن تناقشها معه .. لو كان الأمر عاديا في أنها تريد أن تستقل بحياتها مثلا أو تعمل في وظيفة أو أي سبب قد يتشاجر بسببه زوجين كانت استسلمت لإلحاحي بأن أعرف الأسباب لأحاول التوسط بينهما "
صمت يونس يرمقها بشرود بينما أضافت الحاجة "منذ قليل جاءت كارمن إلى هنا فتفاءلت خيرا .. وأخذها فارس في غرفة مكتبه وليس إلى جناحهما وظلا يتشاجران بصوت عال لبعض الوقت ثم ساد الصمت ولم ألتقط من كلامهما أي شيء مفيد قبل أن تقول كارمن سأعطيك مهلة لتفكر إما أن تشاركني فارس كله أو أظل عند أبي للأبد .. ما معنى هذا الكلام؟.. معناه ما أشعر به من أن الأمر له علاقة بأخيك لكني غير قادرة على تخمين السبب .. وفارس كما تعرف بئر عميق "
كلامها أكد له شكوكه هو الأخر .. هناك أمر ما يحدث مع فارس .. ولا يعلم لم تذكر حديث فارس مع الشيمي من قبل عن كون هناك أعداء يترصدون لأخيه .. فانتابه القلق لكنه قال بغيظ محاولا اشغال ذهنها عن الأمر "مهما حدث ومهما فعل فارس لا يستحق من كارمن ما فعلت يا أمي .. وأتمنى ألا أراها أمامي حتى لا أنفعل واسمعها كلاما لن تحبه"
أسرعت الحاجة تقول" إياك يا يونس .. فارس سيغضب منك جدا يا ولدي .. إنه يحبها جدا أنا أكيدة من ذلك لهذا علينا ألا نقوم بما قد يؤذيه .. عاجلا أم آجلا سيعودان لبعضهما إن شاء الله أنا أدعوا لهما في صلاتي وأتمنى من الله الا يكون هناك ما يقلقنا على أخيك "
شرد يونس يفكر ثم غمغم مطمئنا" لا تقلقي عليه يا أمي فأنا بجواره"
ربتت الحاجة على كتفه تدعو لهما بينما اشتعلت عينا يونس بإصرار أن ينفذ ما قرره قبل عودته .. إنه لن يترك فارس بمفرده أبدا .. عله يعلم أي نوع من الأعداء يواجه .. و.. سيراقبه بنفسه حتى يحميه من أي خطر خاصة بعد أن أقنعه بتعيين الشيمي في وظيفة أخرى غير حراسته .
×××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-12-19, 05:25 PM   #416

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 5



بعد ثلاثة أيام

خرج فارس من بوابة الفيلا في موعده بمزاج متعكر فاليوم هو الخامس والعشرين من الشهر ولا أثر للشماع على أي طائرة ..



رفع وجهه نحو شرفتها كما يفعل كل صباح خلال الأيام الماضية فيجدها تقف في الشرفة مستيقظة على غير عادتها في هذا الوقت المبكر تطالعه بصمت .. فتسمرت عيناه عليها بشوق يعانده في نفسه لكنه بهذه الطلة من الشرفة يطمئن من أنها بخير خاصة وأنها قد توقفت عن إرسال رسائل له على الواتساب أو الاتصال به منذ تلك الليلة بينهما في المكتب .



بعد دقيقة أنزل نظراته وارتدى نظارة الشمس يداري بها مشاعره وملامحه الواجمة ودخل إلى السيارة ليستدير زغلول حولها ويتخذ مقعده أمام المقود ويتحرك مبتعدا عن عيني كارمن التي لا تزال تراقب سيارته شاعرة بالبؤس من عناده تحاول أن تقوي نفسها بألا تضعف وتذهب إليه لربما الحرمان منها يهزم إصراره فيتقبل النقاش فيما يخطط له ..



وبرغم الإحباط والشعور بالوحدة في هذه الفترة الحساسة من حياتها والتي تلعب هرموناتها بنفسيتها فيها .

وبرغم اليأس الذي بدأ يتسلل إليها تحركت لترتدي ملابسها وتستعد للعودة للدار ولدروس الأطفال ..



لقد طالت غيبتها واتصلت بها رفيدة أمس فوعدتها بأنها ستستأنف نشاطها صباح اليوم .



بعد قليل كانت تعبر بوابة الدار فلمحت يونس وفريدة يقفان في حديقة الفيلا فتحركت نحوهما تعبر الباب الجانبي الصغير تقول بلهفة "صباح الخير .. اشتقت إليكما"

قالت فريدة بسرعة "أخيرا تذكرتينا يا كارمن "

واقتربت منها تعانقها .. بينما لوي يونس رقبته متقبضا .

حضنت كل منهما الأخرى فقالت فريدة معاتبة "لم أتوقع منك ما فعلت يا كارمن ..أنت أذيت أبيه جدا لهذا لم أرغب في التحدث إليك خاصة وأني شغلت بظروف أمي الصحية الأيام الماضية"



قالت كارمن مغمغمة وهي تحضنها من جديد" أعرف بأني تهورت لكن صدقيني كان الأمر بيني وبين فارس محتدما وجن جنوني ولم أتوقع .. أو .. تغابيت للحظة ولم أعتقد بأن الأمر سيتطور بهذا الشكل"



قال يونس بخشونة" أنا سأغادر يا فريدة"

لحقته كارمن بصوتها تقول" ألن تسلم عليّ يا يونس اشتقت إليك "

تحفزت فريدة مرتعبة من رد فعله بينما استدار يونس يقول بحدة" لا توجهي لي أي كلام من فضلك "



شعرت كارمن بالضيق لكنها بلعته تقول "هل أنت غاضب مني يا يونس "

رد متهكما" لا سعيد جدا بحالة أخي .. في غاية السعادة وسأنشر شكرا باسمك في الجريدة الرسمية"



قالت بصوت متأثر" أنت حتى لم تسألني ما السبب ربما هو المخطئ "

استدار ليواجهها قائلا بصرامة " حتى لو كان فارس هو المخطئ لن أنسى لك ما فعلتيه به أبدا "



قالت بصوت متهدج جعل فريدة تشفق عليها" لكنك بهذا الشكل لست عادلا يا يونس"

رد بقرف "إذا ما تعلق الأمر بفارس فلا أريد العدل أريده ألا يحزن .. ومن يحزنه أمحوه من حياتي .. ( وأشار بيده يقول بلهجة قاطعة ) فارس خط أحمر .. أعيديه فارس الذي كان قبل أسبوعين وسأحاول أن أتخطى ذلك الأمر وحتى يحدث ذلك ليس لك أي وجود عندي (واستدار مغادرا يقول ) أنا ذاهب يا فريدة"

تطلعت كارمن فيه وهو يغادر بخطوات عصبية ولمعت الدموع في عينيها فقالت فريدة بلهجة دبلوماسية "لا تغضبي من يونس إنه يصبح متطرفا في مشاعره إذا ما تعلق الأمر بفارس .. وبصراحة يا كارمن ما فعلتيه أذانا جميعا لولا أننا نحبك ما كنا حاولنا تخطي الأمر أنا وأمي "

تطلعت فيها كارمن مغمغمة" لا بأس أعلم بمدى تعلقه بفارس .. هل الحاجة بالداخل ؟أريد أن أسلم عليها قبل أن اذهب للدار .. "

قالت فريدة " أجل .. اذهبي أنت والحقي بي في الدار (وتحركت خطوتين ثم عادت تقول بغيظ ) لولا أني أحبك وأعلم بأن أبيه يحبك كنت ضربتك يا كارمن على ما فعلت بنا جميعا "



تطلعت فيها كارمن مستقبلة ذلك التصريح العاطفي الذي لمسها جدا بتأثر .. فتعانقتا من جديد وقد غلبتهما المشاعر قبل أن تبتعد فريدة وتسألها " أنت تحبي أبيه أليس كذلك يا كارمن؟"



اندفعت كارمن تقول " أعشقه يا فريدة .. أحبه بجنون"



قالت فريدة بلهجة متألمة" ما المشكلة بينكما إذن؟"

ربتت كارمن على ذراعها تغمغم " لا تشغلي بالك إن شاء الله زوبعة في فنجان وستمر اذهبي وسألحق بك "



تحركت فريدة فاستوقفتها كارمن تقول " بالمناسبة لقد طلبت من مربيتي تدعى دادة حميدة أن تأتي للدار وإن أعجبها المكان ستبيت فيها إنها وحيدة وتقضي حياتها بين الجدران وفكرت في أن أجواء الدار ستعجبها إنها تستطيع المساعدة في أي شيء"



قالت فريدة بابتسامة" لا بأس أهلا وسهلا بها طبعا (وأشارت للفيلا تقول ) إذا كانت نفيسة غاضبة فتحمليها فهذا ليس ما في قلبها تجاهك"

فأومأت كارمن برأسها بتفهم .



بعد قليل وقفت كارمن صامتة تشعر ببعض الرهبة أمام الحاجة نفيسة التي تحدجها بعينيها الزرقاوين بغضب .. فاقتربت منها تميل عليها لتقبلها قائلة" لا تغضبي يا حاجة نفيسة صدقيني شعرت ساعتها أني أريد الهروب من الجميع "

مالت تقبلها على وجنتها قبلة رقيقة فأشاحت الحاجة بوجهها بعد ذلك .. لتجلس كارمن بجوارها تداعبها قائلة" يا نااااااني "



لاح شبه ابتسامة على شفتي نفيسة فهي المرة الأولى التي ترفع كارمن التكلف وتناديها بلفظ تحببي.. فطوقت كارمن ذراعيها حول كتفي الحاجة تقول بلهجة رقيقة مدللة " يا ماما ناني لا تكوني صلبة الرأس مثل ابنك "



لقب (ماما ناني ) داعب مشاعر الأم بداخلها لكنها استمرت في عنادها تقول متصنعة الامتعاض "اذهبي ومارسي هذا الدلال على زوجك أولا وعودي لبيتك ثم تعالي وتحدثي معي "



ضيقت كارمن عينيها ثم مالت عليها متخلية أكثر عن تحفظها المعهود وطبعت قبلة على خد الحاجة وهي تقول "لولا أني أحبك يا نونّة ما كنت اتصلت بك أطمئنك عليّ.. عموما سأظل آتيك كل يوم حتى تسامحيني (واستقامت وهي تضيف ) علي أن أذهب حالا لألحق بالحصة "



راقبتها الحاجة بعينين متفحصتين ثم سألتها بعبوس" هل أنت حامل يا كارمن ؟"



تسمرت كارمن وبلعت ريقها ثم ردت بتلقائية ترغب في الاحتفاظ بالسر لبعض أيام أخرى حتى لا تخبر ابنها وتنزع ما تخطط له " لم .. لم تسمح لي الظروف بعمل اختبار حمل .. تلك المشاكل شغلتني وكما قلت لك من قبل أحيانا عادتي الشهرية تتأخر .. إن شاء الله سأقوم بالتحليل وأخبرك "



ضيقت الحاجة عينيها تطالعها بشك فشعرت كارمن أن كذبها مفضوحا .. فتحركت مغادرة بسرعة وهي تقول "علي أن ألحق بالحصة .. أراك في وقت آخر يا نونّة"

شيعتها الحاجة بنظرات مغتاظة وتمتمت " هذه البنت تكذب .. ويبدو أني سأريها الوجه الآخر من نفيسة (وغمغمت بامتعاض ) ناني .. وماما ناني .. ونونّة ! .. هل تستخف بعقلي ! .. فلتمارس هذا الدلال على يابس الرأس وتريني شطارتها .. بنات أخر زمن ! "

×××××



قال زياد بانفعال لعهدالتي تجاوره في جلسته أمام عجلة القيادة " لا اعلم من أين أتت أمي بفكرة أن تبيتي لديهم من بداية الأسبوع حتى يوم الخميس!"



كتمت عهد ضحكتها وهي تطالع عصبيته وردت موضحة "قلت لك أكثر من مرة هناك الكثير من الامور التي ندبرها سويا للحفل .. كما أنني أتعلم منها كل تفصيلة تخص الحدث واستفدت منها كثيرا خلال الثلاث أيام الماضية .. وصدقني الوقت لا يكفي .. بالنهار أكون في المكتب وفي المساء أكون معها"



قال زياد بغيظ" وما دخل ذلك في ألا أبيت معكم لا أفهم .. هل صدقت أمي أننا سنقيم حفل زفاف حقيقي !"



احمر وجهها وردت بحرج " أولا هي تعتبر الأمر كذلك واتفقنا أنا وأنت أننا سنتركها تعد كل شيء فيه حتى نسعدها ونعوضها ولو بجزء ضئيل عن عدم حضورها لزفافك"

زفر زياد فأسرعت تضيف بخجل انثوي " وتريدك أن تشتاق لي حتى يوم الحفل"



قال زياد بغير صبر" سأمنحك إجازة من العمل اذن حتى تنتهين من تلك الامور سريعا وتعودي للبيت قبل حفل يوم الخميس"

قالت بعبوس" كيف آخذ اجازة والعمل يتراكم فوق رؤوسنا .. أنسيت بأننا سنسافر لعدة أيام بداية من يوم السبت"



لانت ملامحه عند ذكر السفر فقال بلهجة شقية "تقصدين سأخطفك على جزيرة نائية في تايلاند لبضع أيام سنفعل فيها الأفاعيل"

تخضبت بالحمرة .. واستدارت تنظر أمامها .. فتذكرت بأنهما مرابطان بالقرب من البناية التي تسكن فيها والدتها منتظرين أن يخرج عبود لعمله .. وطارت كل البهجة من قلبها حين أدرك عقلها موقعهما بينما استمر زياد في شقاوته قائلا" الجزيرة منعزلة ولهذا حضري ثوب سباحة ساخن جدا يا بنت الدهاشنة"



ملامح وجهها التي اظلمت فجأة جعلته يتنبه لما تنظر إليه أمامها .. فوجد رجلا فوق الخمسين يخرج من البناية متوجها نحو سيارة متوقفة أمامها فقال متحفزا "هذا هو أليس كذلك؟!"

أومأت برأسها دون أن تنظر إليه فاندفع زياد يحل حزام مقعده ويده الأخرى تمسك بعتلة الباب متمتما من بين أسنانه " ابن الكلب "

لتسرع عهد وتتعلق بذراعه قائلة بلهجة متوسلة " زياد أنت وعدتني بأنك لن تحتك به أرجوك لا تفتعل المشاكل.. أرجوك "



قال من بين أسنانه "حين رأيته الآن أيقنت بأني لن اهدأ إلا بضربه حتى لا يفتري على سمعتك مجددا "



قالت بتوسل " فكر فيما سيحدث بعد ذلك.. فكر في الفضيحة .. فكر في والديك وبالذات والدتك التي تنتظر حفل يوم الخميس بفرحة .. فكر ماذا سيحدث لو اشتكى عليك في قسم الشرطة سننفضح وأهلك سيكرهونني بعد كل ما قطعناه أنا وأنت من أجل إنجاح زواجنا .. لن نهدم كل هذا من أجل رجل حقير مثله "



أمسك زياد في المقود بقوة يكبح جماح غضبه متطلعا في سيارة عبود التي تبتعد لتقول عهد" سأطمئن على أمي ولن اتأخر أعدك"

قال بصرامة " نصف ساعة فقط يا عهد .. نصف ساعة بالضبط .. وأتمنى ألا يعود هذا النذل خلالها لأي سبب حتى لا أفقد اعصابي واضربه"



فأومأت عهد برأسها وتحركت بسرعة تخرج من السيارة.

وكأن الأماكن التي تلفظنا تبقى على العهد فتنقبض صدورنا حتى لو أعدنا زيارتها فيما بعد بظروف ومشاعر أكثر إيجابية..

وكأن العودة لنفس درجات السلم .. ونفس الجدران والأبواب الكالحة يمحو الحاضر ويستحضر الماضي بكل آلامه واحباطه وأحاسيسه المقبضة.



وكأن الأماكن تضيق علينا بحجم الضيق الذي نحمله لها في أنفسنا وتتسع بحجم سعة صدرنا نحوها فتصبح براحا فسيحا .



ولولا أنها مضطرة لهذه الزيارة .. ولولا أنها عثرت بالصدفة مساء أمس على منشور لأختها رحاب كتبته الشهر الماضي تقول فيه( ادعوا لي فأنا في كرب شديد ) وبعدها لم تجد لها أي نشاط على الفيسبوك فشعرت بالقلق .. واتصلت بوالدتها التي بادرتها بنوبة من البكاء لم تفهم منها شيء .. لما عادت الى هذا المكان المقبض للنفس مرة أخرى.



فتحت سعاد الباب وهتفت بمفاجأة" عهد !!"

رسمت عهد ابتسامة على وجهها وهي تدخل وتميل لتقبّلها قائلة " كيف حالك يا أمي؟"

تغرغرت عينا سعاد بالدموع وتمتمت" حالنا اصبح لا يسر عدو ولا حبيب يا عهد"

سألتها عهد بقلق" لماذا يا أمي ماذا حدث أقلقتني على الهاتف"



دخلتا الي غرفة المعيشة والتهت عهد عن شعورها بالضيق والانقباض لعودتها لهذه الشقة بحالة أمها التي قالت بفضول "أخبريني أنت عنك أولا "

ردت عهد بلهجة حاولت أن تكون عادية لكنها خرجت مغلفة بالمرارة " لو كنتِ تريدين معرفة أخباري يا أمي كنت اتصلت بي"

هتفت سعاد مدافعة عن نفسها " ألم تصرخي في وجهي في الهاتف في آخر مكالمة بيننا واتهمتِ عبود بتهم غريبة!! .. وهذا الذي تزوجتيه كان يصرخ بجانبك هو الآخر!"



تأملتها عهد لثوان ولوهلة شعرت بالندم لمجيئها.. لكنها عادت واستغفرت ربها فما احضرها اليوم هو الإبقاء على صلة الرحم لا أكثر رغم عدم رغبتها في أن تصلهفقالت بهدوء " دعينا لا نفتح سيرة الماضي يا أمي أنا أعيش بخير وأعتقد هذا ما يهمك اليس كذلك؟"



ردت سعاد" مؤكدة بالتأكيد"

سألتها عهد تتطلع حولها "هل اخوتي في مدارسهم؟ "

اومأت سعاد برأسها" أجل عدا رحاب"



عقدت عهد حاجبيها وسألت" أين هي إذن .. ماذا حدث؟"

ربتت سعاد على فخذيها فجأة تقول بولولة " ما حدث لم يخطر على البال أو الخاطر يا عهد .. لقد فضحتنا بنت (... ) واحنت هامة عبود بين الناس"



اتسعت عينا عهد متعجبة من هذا الوصف لرحاب مدللة أبيها بينما اكملت سعاد بحسرة " والله لو تقابلي عبود الآن لن تعرفيه .. منذ أن رأى تلك الصور التي تخص الهانم والتي أرسلها له شخصا من رقم غير معروف "



واسندت رأسها في كفها مشيحة بوجهها عن عهد تستغفر فقالت عهد بعدم صبر" عن أي صور تتحدثين يا أمي؟؟!! "

عادت سعاد إليها تقول بعينين دامعتين" صور لها بملابس داخلية "

شهقت عهد بعينين متسعتين.. لتكمل سعاد وقد سقطت دموعها على خديها " ولا استطيع وصف الحالة التي كان عليها عبود .. المشكلة الأكبر أن نفس الصور أرسلت من ذلك الرقم الغريب على هواتف بعض رجال الحي من اصدقاء والدك ثم أغلق هذا الرقم للابد .. وكاد عبود أن يقتل بنت (...) في يده وهي تصر أن هذه الصور كانت بحوزة زوجها"



صرخت عهد" زوجها !!!!!!!!!.. إنها في السادسة عشرة؟!"



قالت سعاد بحسرة" الهانم تزوجت بورقة عرفية من شاب تعرفه .. وحين سألها عبود عما يثبت ذلك أخبرته بأن هذا النذل سرق منها الورقة .. في محاولة للانفصال عنها .. وحين حاولت تهديده بأنها ستخبر أهله قرر الشاب فضحها وفضحنا بإرسال الصور لعبود وبعض أصحابه من رقم هاتف استخدمه في الارسال والقى به بعدها .. "

سألتها عهد بانزعاج" وماذا فعلتم ؟"

ردت سعاد " عبود لم يسكت وذهب هو وأهل الحي للشاب واهله الذين يقطنون على بعد شارعين .. فأنكر معرفته برحاب لكن مع الضغط والتهديد اعترف .. ولم نجد حلا للتعامل مع هذه الفضيحة سوى إقامة عقد زواج بشهود عند محامي لأن اختك لا تزال قاصر مع إجبار الشاب على توقيع ايصال أمانة بمبلغ كبير يتم تسليمه للشاب حين تتم أختك الثامنة عشرة ونوثق الزواج عند المأذون ثم يطلقها "

توقفت ضربات قلب عهد لبعض الوقت تتطلع في والدتها مصعوقة لسانها عاجزا عن الكلام ..

ولوهلة فكرت في عبود بتشفي .. لكنها اسرعت للتغلب على شيطانها مغمغمة في سرها" اللهم لا شماتة .. (وسألتها حزينة على أختها ) وأين هي الآن؟"



اشاحت أمها بيدها تقول بقرف" يحبسها عبود في الغرفة ولا يفتح لها الباب إلا حين يعود لتدخل الحمام حتى الاكل ندخله لها .. وقد سحب منها هاتفها وقطع الانترنت عن البيت وقطع عنها كل شيء .. ونعيش في كرب وسواد منذ ذلك اليوم أنا وأخوتك "



بلعت عهد ريقها الذي جف مع تسارع أنفاسها وأطرقت برأسها أرضا في حزن حقيقي على أن يكون مصير طفلة في السادسة عشر من عمرها بهذا الشكل.



ليسود صمت ثقيل لم تعرف عهد ماذا تقول فيه .. صحيح تمنت أن ترى الله يقتص لها من عبود .. لكن مهما حدث فرحاب اختها ..



قطعت سعاد الصمت الطويل قائلة" أين زوجك يا عهد؟ ألن يأتي لأتعرف عليه؟ كيف لا تحضرينه معك ليتعرف عليّ وعلى عبود ؟!.."



طالعتها عهد بعينين ناريتين تحاول كبت انفعالاتها فأضافت سعاد باستهجان " أليس عبود من رباك وفي مقام المرحوم والدك ؟ ..أم انك اكتفيت بأعمامك أمام زوجك؟!!"



وكأن سعاد بحماقتها قد أشعلت فتيل قنبلة فانتفضت واقفة تصرخ" عبود ليس أبي ولن يكون أبدا يا أمي .. وبالنسبة لأعمامي فأنت لا تعلمين كيف تزوجت زياد (وضربت على صدرها تقول بقهر ) لا تعلمين كيف جرجروني كالبهيمة إلى هناك .. ولا تعلمين حجم الخوف الذي كنت أشعر به .. ولا تعلمين (وتهدج صوتها بالبكاء ) كيف هو الشعور حين تخضعين لكشف عذرية يا أمي لتنقذي نفسك ومن معك من قتل مؤكد .. ولا تعلمين كيف شعر زياد وهو يبحث عني معرضا حياته للخطر .. ولا تعلمين أن الرصاصة التي أصابت ذراعه كان من الممكن أن تكون في قلبه "



شعرت أمها بالألم فقالت بسرعة لترفع عن نفسها المسئولية "كل هذا بسبب هروبك من البيت يا عهد .. لو كل فتاة عاشت ظروفا صعبة في بيت أهلها تركت البيت لكان نصف البنات في الشارع.. كان من الممكن أن تتحملي عبود قليلا ويأتي زياد هذا ويخطبك منا مثل أي فتاة"



كان اسم عبود يضرب من جديد في عمق ذكرياتها السوداء التي تهرب منها .. والتي تبذل مجهودا خرافيا لتقصيها في أقصى نقطة في عقلها حتى لا تنغص عليها حياتها مع زوجها .. خاصة الحميمية .. فصرخت عهد بانفعال " لا تتحدثي عن عبود أمامي .. لا تذكري اسمه.. أنت لا تعلمين ماذا فعل لا تعلمين "

انتفضت أمها واقفة تقول بحمائية " اتركي عبود في حاله يا عهد.. يكفيه ما هو فيه .. أنت بالضبط كأبوك .. متعالية تتحدثين من أنفك مثله .. لم ينسى أبدا أني من أصل بسيط .. لم ينس بأني ممرضة عرفها وتزوجها في فترة مرضه.. كان دوما يعتبرني نزوة في حياته .. وها أنت تنظرين إلينا بدونية مثله خاصة بعد عودتك من ألمانيا "



نظرت إليها عهد يائسة من أن يتحدثا للحظة واحدة بلغة واحدة مفهومة لكلتاهما .. دوما تفصل بينهما بلايين المجرات .. ولم تدر لمَ قررت أن تكتفي بهذا القدر من الحديث.

كانت على وشك اخبارها بسبب هروبها من البيت .. لكنها تيقنت بأنها مهما تكلمت لن تصدقها سعاد .. والأهم من ذلك لم ترغب في التلفظ بما حدث بعد أن نجحت في دفنه بداخلها في صندوق أسود لذكريات أكثر سوادا..



خشيت إذا ما تكلمت وافصحت أن تخرجه من مخبئه فيلوث حاضرها .. أمرت نفسها أن تنظر للمستقبل .. وألا تلتفت للماضي .. فماذا سيفيد الافصاح إن كان لن يغير شيء !.

فبعض الحقائق دفنها أقل خسارة من البوح بها .



مالت عهد تلتقط حقيبة يدها وتلملم اعصابها وغمغمت بهدوء مصطنع وهي تنهت " اسمعي يا أمي .. دعينا نقصر العلاقة بيننا عليّ أنا وأنت فقط بدون إدخال أي أطراف أخرى .. كنتُ دوما عثرة في طريقك .. إصبع زائد في يدك غير مرغوب فيه ..ها قد أصبحنا في طريقين مختلفين وكل منا يمضي في طريقه فدعينا نحاول الحفاظ على العلاقة بيننا (وتحركت مغادرة وهي تقول لأمها ) أنا راحلة يا أمي وسأطمئن عليك بالهاتف واطمئنك عليّ .. وإذا احتجت لشيء وفي استطاعتي تلبيته لن اتأخر"





بالقرب من باب الخروج .. حانت منها التفاتة نحو الممر حيث تقع غرفة رحاب الموصدة ..

الغرفة التي كانت تشاركها فيها يوما ما وطُُردت منها حين عادت من ألمانيا .. فبلعت غصة مسننة في حلقها وتحركت لتتعثر عيناها بصورة كبيرة لعبود معلقة بجوار الباب حدقت فيها لثوان واستحضرت هيئته منذ قليل وهو يركب سيارته بكتفين محنيين مطأطئ الرأس .. ثم اسرعت تغادر متمتمة في سرها " اللهم لا شماتة .. اللهم لا شماتة"

××××


يتبع









Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-12-19, 05:27 PM   #417

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 6

في المساء :
تجاوزت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وكارمن يجافيها النوم رغم أنها تنام عدد ساعات أكبر هذه الأيام بسبب الحمل.
كانت تتفتت من الغيظ لأنه لم يفعل أي شيء منذ تلك الليلة بينهما في غرفة مكتبه قبل ثلاثة أيام .. حتى بعد أن تعمدت ألا ترسل له ولا تحاول الاتصال به لم يتحرك .. لم يحاول الاتصال بها .. أو الاطمئنان حتى عليها .. كل يوم تنتظره في شرفتها في الصباح الباكر فلا يفعل سوى أن يرفع أنظاره نحوها يتطلع فيها لدقيقة في صمت ثم يدخل سيارته ..
إلى متى سيستمر هذا الوضع؟.. إنه يتجاهلها تماما وكأنه قد طوع نفسه للعيش بدونها حتى لم يحاول أن يقنعها بالعودة ..
بدأت تيأس من نجاح خطتها .. فقد كانت تعتقد بأنها لو تمنعت قليلا سيحاول التواصل معها ..
ازداد ضيقها حين سألت نفسها اسئلة وجودية بالنسبة لها ..
ألا يقتله الشوق كما يقتلها؟ ..
ألا يفتقدها في حياته ؟..
أهذا هو الحب الذي يتحدث عنه ؟


إنها على وشك الجنون .. تشتاق إليه بشدة .. لكل تفصيلة فيه ..
ملامحه ..
رائحة عطره ..
صوته الرجولي ..
ودفء وصاله.
تحركت نحو باب شرفتها متلصصة من وراء الستائر لتعرف إن كان قد انتهى من العمل أم لا .. فوجدت أن أنوار المكتب لا تزال مضاءة ..
تملك الغيظ منها وأسرعت لهاتفها تكتب له رسالة على الواتساب مغمغمة " عمل .. عمل .. عمل .. ألا يمل من العمل !!.. هل تزوجت انسان آلي لا يشعر ولا يكويه الشوق!!."
في مكتبه تقفد فارس عددا من التقارير مرة أخرى يحاول إغراق نفسه بالعمل أكثر وأكثر حتى تخرج هي من رأسه ومن قلبه .. مؤجلا صعوده للجناح البارد الخالي منها إلا بعد أن يقتله التعب فلا يتاح له سوى النوم على الأريكة .
انه اليوم الخامس والعشرين من الشهر ولا يوجد خبر عن وصول الشماع على أي رحلات آتية للوطن في كل المطارات .. ولا يعرف إن كان قد أجلها أم ألغاها أم ماذا؟؟ عقله سيجن .. وقلبه يئن .. واستبد به التعب .
صوت تنبيه على الواتساب جعله يلتقط الهاتف بلهفة متسائلا لماذا لم تخلد للنوم حتى الآن ؟
أتتعذب مثله ؟
ليجدها قد كتبت له "فارس بك .. ما دمت لا تزال مستيقظا .. تعمل .. وتعمل .. وتعمل كعادتك .. وما دمت أنا لا أزال زوجتك حتى تاريخه .. فأنا أرسل إليك لأبلغك يا زوجي العزيز بأنني أشتهي (أخت البسبوسة ) إلى حد الجنون ولا استطيع النوم ؟"
اشرقت ابتسامة متألمة مشتاقة على شفتيه ليجدها قد أرسلت رسالة أخرى " بباه ليس موجودا في الشقة إنه في سهرة مع أصدقائه وأنا وحدي بالبيت وإن لم تحضر لي أخت البسبوسة خلال ساعة سأطلب سيارة أجرة وأذهب بنفسي لإحضارها"
رفع فارس حاجبا مستنكر ليجد رسالة أخرى منها " باقي من الزمن تسع وخمسون دقيقة "
مط شفتيه بامتعاض وزفر بعصبية قبل أن يترك مقعده بعد قليل ملتقطا مفاتيحه وحافظة نقوده من فوق المكتب.
من برج المراقبة الخاص بها من خلف الستائر شاهدته يخرج من بوابة الفيلا يرتدي ملابس رياضية مريحة ويتوجه نحو سيارته يركبها بعد أن رفع أنظاره نحو شرفتها ليشاهد خيالها خلف باب الشرفة فتصنع التأفف وهو يركب السيارة في الوقت الذي غمغمت كارمن بلهجة متهكمة " أوووه ! .. فارس بك بنفسه سيذهب لإحضارها .. وبالملابس الرياضية والحذاء الرياضي الأبيض ( ودلكت بطنها تقول لجنينها ) ليتنا كنا معه يا (فيتوس) ستحب رؤيته جدا وهو يقود السيارة .. يبدو ساحرا ( وفردت كتفيها تقلده وهي تقول ) يفرد كتفيه بشموخ هكذا ( ثم اتسعت ابتسامتها وأضافت) في انتظار اخت البسبوسة بشدة"
أما فارس فغمغم لنفسه وهو يحرك السيارة " مضطر للذهاب قبل أن تجن في عقلها وتخرج لإحضارها .. وتفضحنا حين تطلب من البائع ( أخت البسبوسة ) وهي تتقافز على اطراف أصابعها"
ولم يدري بأن يونس قد خرج بعده وأسرع إلى سيارته هو الأخر ليراقبه .
بعد قليل قال يونس بامتعاض وهو يرابط بسيارته بعيدا عن سيارة فارس ينظر ليافطة محل الحلويات الشهير في السوق التجاري بالمدينة" يخرج بعد منتصف الليل حتى يشتري طبق من الحلوى .. منذ متى يحب الكبير الحلويات أصلا ! "
نفث يونس دخان سيجارته نحو النافذة وفتح أحد الأدراج أمامه ليتأكد من أن مسدسه موجودا وجاهز في أي وقت إذا ما أحتاجه للدفاع عن أخيه .. وحين خرج فارس يحمل علبة الحلوى هبط برأسه تحت المقود بسرعة حتى لا يراه ثم شغل السيارة عائدا بحرص خلفه.
بعد دقائق ركن فارس السيارة أمام الفيلا وهو يفتح هاتفه ليجدها قد كتبت له" باقي من الزمن ثلاثة عشر دقيقة "
فترجل من السيارة يحمل علبة حلوى الهريسة ويرفع أنظاره نحو شرفتها فلم يجدها ..
كانت كارمن قد ابتعدت عن الشرفة بمجرد أن لمحت سيارته تركن أمام الفيلا وأسرعت نحو المرآة تعدل من شعرها المسدل على كتفيها وتتأمله .
أحبت شكله الجديد بعد أن انتهى مفعول الفرد وعاد لطبيعته الأصلية مجعدا فرأت نفسها بعيون جديدة .. لكنها كانت تتحرق شوقا لأن يراها ومتحمسة جدا لتعرف رأيه في شعرها الحقيقي .
عند أول الشارع توقف يونس بسيارته بزاوية جانبية ينتظر دخول فارس الفيلا لكنه وجده يتوجه نحو البناية المقابلة للدار.. فضرب كفا بكف يغمغم باستنكار" لا حول ولا قوة إلا بالله !.. خرجت خلفه في هذا الوقت المتأخر لأجد الكبير يراهق مع الغندورة !.. "
قالها وضغط على البنزين بعصبية عائدا للفيلا.
أما كارمن فتطلعت لنفسها في المرآة بنظرة أخيرة وهي ترتدي بلوزة قطنية بنصف كم مرتفعة كثيرا عن ركبتيها بينما ساقاها عاريتان وغمغمت متسائلة" هل سيرسلها مع أحد أم سيصعد بنفسه ؟"
جاءها الرد حين رن جرس الباب .. فجرت لتخرج من غرفتها بعد أن تأكدت بنظرة سريعة أن البلوزة فضفاضة ولا تظهر بطنها رغم أن بطنها لم تظهر بعد بشكل ملحوظ لكن كما يقول المثل الشعبي (من يحمل فوق رأسه بطحة يتحسسها دوما !).
عند الباب وقفت على أطراف أصابعها تنظر من العين السحرية قبل أن تلملم ابتسامتها وتحاول رسم الوجوم على وجهها بينما فارس ينتظر أن تفتح الباب بترقب وشوق لم يستطيع أن ينكره أمام نفسه .
فتحت كارمن الباب ووقفت تنظر له .. فتسمرت عيناه لأول وهلة على وجهها وشعرها في شكله الجديد واتسعت عيناه بمفاجأة بينما لم تتفوه كارمن مترقبة ليبلع فارس ريقه ويقول بحشرجة " شعرك "
دبت الحرارة في جسدها وردت بوجنتين مشتعلتين وهي تلمس خصلاته " انتهى مفعول الفرد "
تنحنح يحاول اشاحة نظراته عنها لكنه فشل وهو يقول " أحضرت لك الهريسة"
تناولت الهريسة بفرح وفتحت العلبة لتشمها بانتشاء قبل أن تستدير وتضعها على الطاولة الجانبية بجوار الباب فبلع فارس ريقه وهو يتطلع في ساقيها الأبيضين العاريين أمامه .
استدارت كارمن تقول بخفوت " شكرا فارس"
حاول التصرف بخشونة ليتحكم في الحمم السائلة التي بدأت تتمدد في أعصابه فقال " في المرة القادمة لا تهدديني بخروجك من البيت ولا تطلبي طلبات بعد منتصف الليل ( وأكمل بوعيد ) وحاولي النزول في وقت متأخر يا كارمن إن كانت لديك الشجاعة وسترين وجها آخر من فارس "
تكتفت تقول بغيظ " أهذا تهديد فارس بك؟"
جرت مقلتيه الزرقاوين عليها باشتياق يعذب صاحبها وقال " اعتبريه تهديدا"
قالت بتحدي " وأنا لا أقبل التهديد"
كانت شهية إلى حد معذب وكان مشتاقا إلى حد أكثر عذابا لكنه رد ببرود متعمد " هذا شأنك"
وحاول اجبار قدميه على التحرك بصعوبة لكن الأمر بدا وكأنه يجدف ضد التيار فسألها بحاجب مرفوع" هل ترتدين بهذا الشكل أمام العم عبده؟"
حدجته بنظرة معاتبة فشعر بغرابة سؤاله لكنه برر قائلا "أنا أعرف بأنك لن تفعليها لكني كنت أتأكد فحسب"
ردت كارمن مؤكدة " بالطبع لا .. والعم عبده لم يعد يبيت هنا منذ أن جئت لأبيت مع بباه .. هل هناك أسئلة أخرى؟"
تمنت أن يطول الحديث ..
وتمنت باستماته أن تطلب منه أن يحضنها..
ولا تعرف لمَ بدت رائحته المختلطة بعطره أكثر قوة وروعة في أنفها .
سألها فارس "هل عاصم بك لا يزال بالخارج؟"
أومأت له برأسها تحدق في عينيه الزرقاوين .. فتلاقت الأعين في حديث يحكي لوعة مشتاق ..
حديث معاتب .. مستجدي .. متوسل .. وصل إلى درجة حرجة من المعاناة ..
حديث تأبى الشفاه بأن تبوح به .. بينما تتسارع الأنفاس و ترتفع حرارة الطقس حولهما ..
كل اللوعة ..
كل الشوق ..
كل لحظات العذاب ..
وكل وجع الافتقاد قيل في حديث سري مشفر بين عينين زرقاوين وأخرى واسعتين ..
فجأة انفلتت أعصاب فارس وهجم على كارمن حاضنا وجهها بين كفيه يقتنص شفتيها معانقا لروحها يسحب نفسا عميقا إلى صدره وكأنه يتلقى جرعات من الأكسجين من بين شفتيها ليحيي قلبه الموشك على الاحتضار ..
ولم تكن كارمن أقل منه لهفة وجنون فلفت ذراعيها حول جذعه لتقربه اكثر منها وتلتصق به.
الشوق حارق ..
واللهفة مؤلمة ..
والرغبة مجنونة.
ترك فارس وجهها ولف ذراعيه حول جسدها الطري يسحقه بين ضلوعه بينما قدمه تغلق الباب خلفه قبل أن يحرر شفتيها ويتطلع في وجهها مغمغما من بين لهاثه" هذا عذاب .. اقسم بالله عذاب "
حاولت كارمن التحكم في نفسها للسيطرة على الموقف فخطتها قائمة على الضغط على مشاعره واستغلال شوقه ولهفته ليلين ويقبل بالتفاوض في مسألة انتقامه.. لكنها ضعفت وتعلقت بعنقه لتقف على أطراف أصابعها وتقبله بجوع .. فاستجاب فارس لقبلتها بقلب قد عادت له الحياة ويديه تتحسسان قدها بحرمان .. قبل أن ينزل بجذعه قليلا ويرفعها من خصرها .. فحمّلت على عنقه وفي لحظة كانت تلف ساقيها العاريين حول خصره متمتمة باسمه بين شفتيها وهي تقبله .. بينما كف فارس تتحسس فخذها قبل أن يتحرك بها و يميل على أقرب أريكة يمددها مخيما فوقها يمطرها بالقبلات المحمومة .. على وجهها وجفنيها وعنقها هامسا " جسدك به شيء غريب وساخن "
ملاحظته .. وشعورها بعدم الراحة أسفل ظهرها حين وضعها على الأريكة دون حرص جعلا حواسها تستفيق من خدرها .. وخشيت أن تفقد السيطرة على الموقف .. مؤكدة لنفسها أنها بتمنعها ستضغط عليه ليتنازل عن صلابة رأسه .. فقالت تقاوم رغبتها القوية للتشبث به .. وتقاوم وقع قبلاته اللاهبة على جسدها "فارس يكفي هذا أرجوك"
مد يده يخلع الساعة من معصمه ويضعها في أي مكان مجاور ثم سحبها من خصرها تقترب أكثر واعتلاها مقبلا عنقها يهمس بحرارة "كل خلية فيك تفضحك الآن يا كارمن وتخبرني بأنك تشتاقين لفارس بجنون"
خانتها يدها وأخذت تتحسس عضلات كتفه وظهره بينما تغرغرت عيناها بالدموع تقول " لن أنكر هذا لكن الاستسلام لمشاعرنا لن يحل الموقف بيننا .. فقط سنطفو فوق سحابة وردية عالقة في الهواء بدون جذور متينة تدعمها "
اخرسها بقبلة عنيفة على شفتيها اشعلت المزيد من النار في أعصابها واعصابه لكنها كانت تعلم بأن مهمتها صعبة فمن ناحية رأسه اليابس ومن ناحية أخرى مشاعرهما الضاغطة بقوة بألا يفترقا لكن من أجل مصلحته حاولت المقاومة بكل ما ملكت من قوة لإبعاده قائلة بعصبية حين حرر شفتيها "كفى أرجوك.. لا أريد .. لا أريد يا فارس"
توقف يرفع رأسه عنها ليقول من بين اسنانه بعناد ذكوري وأنفاس لاهثة مختلطة برائحة عطره التي تشعرها بالخدر " أنت زوجتي وأنا أريدك الآن"
ومال من جديد يقبل عنقها بقبلات حارقة نزولا بطول جذعها بينما يديه التي تسللت تحت ملابسها ترفع بلوزتها يقبل بطنها العاري .
هتفت كارمن بتحدي بارد من وسط عذابها" لك ما تريد اذن لكن بدون رغبتي"
أخذ فارس بعض ثوان حتى يستوعب ما قالته ويصل لعقله الغارق في دوامات الرغبة والشوق ثم رفع رأسه عن بطنها يطالعها بعينين غاضبتين بدا فيهما الموج الأزرق عال جدا وضرب على الأريكة بجوارها بقبضته قائلا بعصبية" ماذا تريدين بالضبط يا كارمن؟.. ألا يكفيك الوضع الذي نحن فيه! .. ألا يكفيك حالتي ! "
قالت بلهجة باكية " يؤلمني بشدة ألا ألبي رغباتك يا حبيب كارمن.. ولم اتخيل أبدا أن تطلب شيء ولا أمنحه لك .. لكني أريد قبل أن نثمل بتواصلنا أن نتحدث في مستقبلنا .. لا أريد لعلاقة كارمن وفارس أن تختصر في علاقة الفراش فقط"
كلامها أوجعه وأهانه .. فاعتدل مبتعدا عنها يهتف باستنكار " علاقة فراش !! .. مرة أخرى تصرين على اختصار العلاقة بيننا في الفراش يا كارمن !!! ..( استقام واقفا يتناول ساعته ويرتديها وهو يقول بغضب ) إن كانت حاجتي إليك حاجة جسدية بحتة كارمن هانم فأنا أعفيك من تلبيتها حتى لا تكون عبئا عليك ..ولا تشغلي بالك أستطيع تلبية رغباتي الجسدية في الحلال"
جحظت عيناها وجُنت هرموناتها فاعتدلت هاتفة باستنكار "هل تهددني بالزواج من أخرى يا فارس ؟"
اعجبته فكرة اغاظتها فرد ببرود "ربما"
انتفضت واقفة وانقضت عليه تمسك في ملابسه قائلة بوعيد طفولي " سأقتلك أقسم بالله يا فارس إن وقعت عيناك الزرقاوين هاتين على فتاة أخرى .. "
تفاجأ بحالتها وتطلع فيها باتساع عينيه بينما أكملت كارمن تهديدها المجنون قائلة " إياك أن يخدعك مظهري الناعم.. سأقتلك وأقتلها واقتل نفسي لو فكرت مجرد تفكير أن تلمسك انثى غيري"
نظر لصدر بلوزته المكوم في يديها وراقبها باندهاش وهي تتقافز على مشط قدميها بعصبية كحبة ذرة على سطح ساخن صائحا " اسمع أنا أعاني حاليا من نوبات جنون فاحذرني يا فارس سعد الدين واتق شري "
اتسعت ابتسامته فجأة واشاح بوجهه بعيدا عنها فبدا شهيا ومستفزا أمامها إلى حد معذب .. فضربت صدره بقبضتها تقول من بين أسنانها بغيظ " تضحك !.. تضحك !.. تعتقد بأني لست قادرة على فعل ما أقول!"
عاد يتطلع فيها في هيئتها الجديدة بشعرها المجعد وذلك الشيء الغريب الجاذب فيها والذي لا يستطيع تحديد كنهه وقال بلهجة مغيظة " إن كانت زوجتي ترفض العودة للبيت .. وترفض منحي ما أريد ( واخفض صوته يقول بلهجة حارة محدقا في عينيها ) رغم أن كل شبر فيها يتأوه تحت يدي في اشتياق لي أنا .. فارس .. فمن حقي أن أفعل ما يخفف عني "
تلاقت الأعين في موجة انجذاب أخرى كقطبي المغناطيس وتعانقت الأنفاس وحمم الرغبة لا تهدأ .. فقالت كارمن بحشرجة " وبرغم ذلك سأعاند مثلما أنت تعاند .. وسأحرم نفسي منك وسأحرمك مني (وجزت على أسنانها تقول بغيظ وهي تعود لسحق ملابسه بين قبضتيها ) وإياك في مجرد التفكير في امرأة أخرى "
تطلع فيها لا يعرف أعليه أن يفرح لما تقوله أم يحزن لأنه لن يستطيع تلبية ما تريد .. لن يستطيع التخلي عن هدفه .. لكنه نظر لملابسه التي تقبض عليها وقال بحاجب مرفوع ويده تتحسس خصرها " ستمزقين ملابسي كارمن هانم وأنا بالكاد اسيطر على وحوشي التي تطالبني الآن بتمزيق ملابسك والتهامك بالكامل "
تعانقت العيون والأنفاس .. وارتعشت القلوب بهبات عطر الأجساد .. لتنهار كارمن كليا غير قادرة على المقاومة أكثر ووقفت على أطراف أصابعها تقبل شفتيه بغيظ وهي لا تزال ممسكة بتلابيبه .. ليلف فارس ذراعيه حولها يسحقها بين ضلوعه يروي جزء من عطشه وظمأها .
حررت كارمن شفتيه بعد قليل .. لكن الجباه لا تزال ملتصقة ترفض الابتعاد فقالت من بين أنفاسها وهي تغرق في زرقة عينيه" أرأيت مدى عذابي يا فارس .. لماذا تقتل فرحتي بوجودك في حياتي؟"
رفعا كفه يلمس شعرها وجانب من وجهها قائلا من بين لهاثه "لهذا لم أرغب في أن أورطك معي .. لماذا فتحتِ للمحروم قصر العسل يا أميرة؟!.. عليك إذا بتحمل المسئولية .. فإن كنت تحبيني فلا تحرميني منك"
غمغمت بهمس متألم " أنت من تخطط لأن تحرم نفسك مني "
همس بلهجة معذبة " ليس بيدي يا أميرة "
قالت بنفس الهمس " لكني مصرة لأن أجعله بيدك "
عانق شفتيها مرة أخرى ويده ترفع بلوزتها لتتحسس فخذها العاري قبل أن يسمعا صوت المصعد في الخارج فابتعدت كارمن تقول لاهثة" أعتقد أن أبي قد حضر"
اتسعت عينا فارس وأخذا يسويان هيئتهما بسرعة وارتباك .. بينما صوت المفتاح في باب الشقة يزيد من توترهما ليفتح عاصم الباب وتتسع عيناه في مفاجأة وهو يطالع الاثنان اللذان يقفان متجاوران في بهو الشقة فغمغم متفاجئا " فارس!!"
تمنى فارس أن تنشق الأرض وتبتلعه .. وتنحنح يقول بصوت رخيم " مساء الخير عاصم بك"
بينما غمغمت كارمن ترفع خصلة من شعرها عن وجهها " هاي بباه"
كانت هيئتهما مريبة وكأنهما قد ضبطا متلبسان بفعل فاضح في الطريق العام .. فرد عاصم مضيقا عينيه" مساء النور.. ماذا تفعل هنا في هذه الساعة؟"
قال الاثنان في صوت واحد" أخت البسبوسة"
ونظرا لبعضهما في ارتباك ثم اكمل فارس باستدراك "أقصد الهريسة "
فأكملت كارمن ببعض اللجلجة توضح أكثر" كنت اشتهيها بشدة وفارس احضرها لي"
وأشارت نحو الطاولة المجاورة للباب خلفه فاستدار عاصم نصف استدارة يكتم رغبة في الضحك من منظرهما المرتبك محتفظا بوجهه الجاد يتطلع في العلبة .. ليتنحنح فارس قائلا بحرج " سأغادر الآن تصبحان على خير"
وأسرع بالمغادرة شاعرا بالحرج الشديد وكأنه مراهق قد ضبط يقبل فتاة في المصعد .. بينما سأل عاصم كارمن وهو يغلق الباب" ماذا يحدث بالضبط؟"
اجابت بوجنتين مشتعلتين وهي تتحرك لتلتقط علبة الهريسة" لا شيء بباه اشتهيت هذه الحلوى بشدة وطلبت منه أن يحضرها لي"
طالع عاصم احمرار وجهها وعيناها الشقيتين وسألها بمكر "وهل وصلت لأي تطور في علاقتكما "
أطرقت برأسها بحزن تغمغم" مازال عنيدا ومازلت أعانده ولا أعلم إلى متى سنظل بهذا الشكل"
قال عاصم شاعرا بغصة في قلبه " غدا سأحاول التحدث معه وأتمنى أن يستمع إليّ"
زينت ابتسامة واهنة شفتيها وغمغمت " تصبح على خير بباه"
وتحركت نحو غرفتها تحضن نفسها وعلبة الهريسة .
أما فارس فدخل إلى جناحه بعد قليل يلتقط الانفاس محاولا التخفيف من لهيب مشاعره وتفقد هاتفه ليجد أحد رجاله قد اتصل به أكثر من مرة فعاود الاتصال متلهفا " نعم ياسر"
تكلم ياسر قائلا " فارس بك .. وجدنا الشخص الذي تبحث عنه .. وجدنا فؤاد نشأت الشماع .. سيحضر يوم الجمعة الثامن والعشرين من الشهر الجاري على متن الخطوط الجوية الصينية.
××××




يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-12-19, 05:29 PM   #418

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 7

مساء الخميس
في غرفة في أحد الفنادق الفاخرة دخلت ناهد تقول بتوتر "ماذا تريد يا زياد لقد تركت الحفل بالأسفل وقد بدأ المدعوين في التوافد"
استدار إليها يرتدي قميصا وبنطال الحلة يمسك في يده( البابيون ) قائلا " هلا ساعدتني في ارتداء هذه يا نهودتي وتتممي على هيئتي بعد أن ألبس الحلة كاملة .. الستِ أم العريس؟"
اطفأ يونس سيجارته ووقف يراقب ناهد التي ترقرقت الدموع في عينيها وهي تتطلع في ابنها متمتمة" بسم الله ما شاء الله "
فاقترب زياد يستعرض نفسه أمام عينيها الدامعتين بتعمد فعدلت له كتفي القميص بينما ربط زياد البابيون من الخلف وتركها تضبطه على الياقة متأثرا لارتعاش يدها.. فأمسك بكفها ولثمه مغمغما" لمَ البكاء يا نهودتي ؟"
رفعت ذراعيها تتعلق بعنقه فمال زياد يحضنها ويمسد على ظهرها بينما تدخل يونس مشاكسا "بالطبع لابد أن تبكي لتنعي حظها .. هذا الجمال ينجب هذه الدمامة ماذا تعتقد أن يكون شعورها"
ابتسمت ناهد وهي تترك حضن ابنها وتمسح دموعها .. فالتقط زياد سترة الحلة يناولها لوالدته التي ساعدته في ارتدائها وضبطها عليه .. ثم أخذت تمسح بكفيها على كتفيه .. فمال يقبل رأسها متأثرا ثم همس يشاكسها "هل ستفرجين عن زوجتي اليوم يا ناهد إذن .. انا اعيش وحيد منذ أسبوع .."
همست تقول" كنا مشغولتان ألا تراها في المكتب كل يوم "
همس في أذنها " هناك أشياء لم توافق على أن نفعلها في المكتب يا نهودتي"
قالها وأبعد رأسه عنها ليرقب امتقاع وجهها قبل أن تضربه على صدره تقول "وقح"
انفجر زياد ضاحكا وهو يشاهدها تغادر فقال يونس "اضحكنا معك يا عريس"
لم يرد ولكن سألته ناهد في طريقها " متى زفافك يا يونس ألم يكن مقررا خلال أسبوعين"
رد يونس بهدوء" قريبا إن شاء الله يا طنط"
ابتسمت له بمحبة ثم قالت لزياد "لا تتأخر فلا يصح ألا تكون في استقبال ضيوفك"
اومأ زياد برأسه وتطلع في وجه يونس المهموم وقال يكمل حديثا كان قد بدأ قبل دخولها " لمَ لا تواجه فارس بمخاوفك وتسأله مباشرة إن كان لديه أعداء أم لا"
رد يونس شاردا "سألته من قبل بشكل غير مباشر فلم يخبرني بشيء سوى أن كل شيء على ما يرام وألا أشغل فكري بأي شيء .. فارس كالبئر العميق صعب الوصول لما يفكر فيه"
قال زياد وهو ينظر لنفسه في المرآة" كعادتكم يا عائلة سعد الدين تحبون بعضكم البعض بمبالغة وتطرف"
لمح وجه صاحبه المهموم فأضاف" اعتقد يا يونس أنه لا يوجد أي شيء مريب يحدث وأن ما جرى بين فارس وزوجته كان شجارا عاديا بين زوجين تطرفوا قليلا في رد فعلهما وسيمر بسرعة إن شاء الله"
قال يونس بإصرار" إحساس قوي يسيطر عليّ أن هناك شيئا ما قادم سنواجهه .. لكني غير قادر على تحديد ماهية هذا الشيء"
رد زياد يطمئن صاحبه "صدقني لن يحدث شيء إن شاء الله وستعود زوجة فارس وستتزوج أنت أيضا"
غمغم يونس وكأنه يحدث نفسه" لكني لن أترك مراقبة فارس حتى اطمئن بنفسي من إنه بخير"
ضرب زياد على كتف صاحبه بخشونة قائلا "عموما مهما فعلت لن تتساوى بي أنا ابن الذوات وتقيم حفلتين للزواج وليس واحدة فأولاد الحواري سيظلون أولاد الحواري".
في غرفة أخرى بالفندق قالت عهد لفريدة متوترة" ما رأيك؟"
طالعت فريدة فستان عهد الابيض وتلك الطرحة القصيرة جدا البسيطة المثبتة في شعرها المرفوع وقالت بصدق "رائع"
قالت عهد مفسرة " حاولت اختياره مع ماما ناهد بحيث يكون ما بين فستان سهرة و فستان زفاف"
قالت فريدة " صدقيني رائع .. أنا أراه فستان زفاف"
ابتسمت عهد ممتنة لوجودها منذ عدة ساعات معها فهي لا تملك من الصديقات من تتشارك معها لحظة كهذه ولم تتخيل أبدا أن فريدة قد تكون بجانبها في يوم كهذا
طرق زياد على الباب .. ثم دخل يقول" عهد باشا هل أنت مستعدة؟"
ابتسمت فريدة وتركتهما بينما وقف زياد يتأمل فستانها مبتسما .. كان الفستان باللون الأبيض يغطي الجذع الدانتيل المخرم البارز وينزل بتنورة من الثلاثة طبقات متدرجة الطول من قماش الشيفون قصيرة من الأمام تحت الركبة وتستطيل تدريجيا من الجانبين وتلمس الأرض من الخلف والأكمام ملتفه حول أعلى ذراعيها بقماش الشيفون .. بينما شعرها ترفعه لأعلى مع بعض الخصل التي تلامس وجهها وطرحة قصيرة مثبته فيه ..
قال زياد " اشعر بأني عريس حقيقي والليلة ليلة زفافي فعلا "
شاكسته قائلة "وماذا عن الايام الماضية بيننا؟"
قال غامزا "كنا نجرب بعضنا يا عهدي الجميل "
قهقهت عهد واقتربت منه تطالع وسامته بعينين متأثرتين .. فمنحها ذراعه لتتعلق به.
في اسفل السلم المؤدي لقاعة الحفل كان يونس يتطلع في فريدة التي تنزل بخطوات رشيقة تتعانق عيناها بعينيه مبتسمة .. فرسمت مقلتيه قدها الانثوي رغم نحافته بنظرات مشتعلة .. تتهادى على درجات السلم وكأنها في كل خطوة تخطو على قلبه .. فستانها وحجابها من درجات اللون البني ولمسات ذهبية خفيفة وناعمة جدا في زينة وجهها .. وحين اقتربت أطلت عليه قطعتي الشوكولاتة بنظرات شهية حلوة المذاق تغطي طعما غير مستساغا عالقا في حلقه منذ مدة لا يعرف مصدره.
فتح كفه لها .. فوضعت يدها فيه فعلقها في ذراعه وتحركا ليختلطا بالحاضرين اللذين يثرثرون على أنغام فرقة الموسيقى التي تعزف ألحانا كلاسيكية هادئة ..
قالت ناهد لزوجها بتوتر " أنا لا أفهم يا رأفت لماذا لم ينزلا حتى الآن .. كنت أود أن يستقبلا الناس معي فهذا الحفل على شرفهم كيف لا يكونون في استقبالهم!"
قال رأفت مهدئا" سينزلان حالا "
ضيقت ناهد عيناها تقول "اشعر بأنكم تدبرون شيئا من خلف ظهري يا رأفت .. فانتحائك جانبا مع مدير القاعة أكثر من مرة يشعرني بتدبير أمر غير طبيعي"
هتف رأفت متصنعا البراءة "أنا!!"
قبل أن يكمل دخلت القاعة فجأة فرقة تعزف الحانا شرقية .. وبالتحديد أغنية زفة شرقية كلاسيكية شهيرة .. فتفاجأت ناهد تنظر حولها .. وتفاجأ معها الحاضرون .. بينما توقفت الفرقة الغربية عن العزف.
نظرت ناهد لرأفت لتجده هو والحاضرين تتعلق أنظارهم بأعلى السلم .. فاستدارت لتجد زياد وعهد يقفان عند أول الدرج وقد وضعت عهد طرحة قصيرة جدا في تصفيفة شعرها .. وعلى انغام تلك الاغنية القديمة خرجت راقصة شهيرة ترتدي زيا كلاسيكيا للراقصات وتضع شمعدانا فوق رأسها لتنزل الدرجات وهي ترقص أمام العروسين اللذان كانت عيناهما متعلقتان بناهد التي وقفت تتطلع في مشهد الزفة الذي خططوه بدون علمها مذهولة .
يا نجف بنور يا سيد العرسان
يا قمر ومنور على الخلان
تعلقت عينا ناهد بالمشهد وبدأ جسدها في الارتجاف من التأثر فلف رأفت ذراعه حول خصرها لتنظر إليه بعينين دامعتين .. ثم تعود لتتعلق بذلك الوسيم في عينيها الذي ينزل مع عروسه بخطوات هادئة وعيناه لا تنظران إلا لها وحدها دونا عن كل الحضور.
على خدك 100 مليون وردة
وعنينا عليك ساقعة وباردة
قال رأفت بجوار أذنها " أصرا أن يقوما بمفاجأتك حتى تعيشي تلك اللحظة كاملة"
رفعت منديلها تمسح الدموع المتساقطة من عينيها ومالت برأسها على كتف زوجها تغمغم " أنظر يا رأفت كم هو وسيم .. ما شاء الله لا قوة الا بالله اللهم احفظه"
ونظرت للراقصة الشهيرة تقول" كيف اقنعتموها أن ترقص بالشمعدان!!"
رد رأفت مبتسما" لقد رحبت بالفكرة بشدة"
اقترب العروسان منهما فوقف زياد يرقص أمام أمه بذراعيه لتمسك ناهد بوجهه بين كفيها وتسحبه لينحني نحوها وتغرقه بقبلاتها ودموعها في مشهد تأثر له الجميع"
يا حلو ومدلع من يومك
اسمالله عليك ملو هدومك
بعد قليل كان الحفل قد عاد لقواعده التي رتبتها ناهد هانم بعد أن وضحوا للحاضرين أن فقرة الزفة كانت اهداء لأم العريس التي لم تتسنى لها الفرصة لحضور حفل الزفاف الذي اقيم في الجنوب .. ثم افتتح العروسين الرقص على الموسيقى الكلاسيكية الهادئة .. ووقفت ناهد تراقب عهد في بداية الرقصة بتوتر أم تعرّف ابنتها للمجتمع لأول مرة .. تقيّم حركاتها وسكناتها ومدى تنفيذها للإرشادات .. ثم هزت رأسها برضا وتجولت عيناها تلتقط الاعجاب بكنتها الجميلة حاملة الماجستير من المانيا بفرحة ومحبة .
أما زياد فقال لعهد " اعتقد أننا نجحنا في اسعادها قليلا الحمد الله "
اومأت برأسها مبتسمة وغمغمت" أنا سعيدة لسعادتها وتأثرت جدا لتأثرها "
داعبها قائلا " ترقصين برشاقة عهد باشا"
اتسعت ابتسامتها تقول بثقة وهي تتحرك على حذائها ذي الكعب العالي بخفة" الفضل لدروس والدتك"
قال بغيظ "التي اخذتك مني لمدة أسبوع"
غمغمت بشقاوة" هل اشتقت لي؟"
رد زياد بلهجة حارة" اشتقت جدا .. اشتقت بعنف"
قهقهت عهد .. فسألها زياد باهتمام" هل اشتريت قمصان نوم العروس هذه المرة ؟"
تطلعت في وسامته بابتهاج وأومأت برأسها .. فشهق مغمغما " حقا .. كم عددهم ؟"
بعد دقائق لمح زياد والديه يرقصان بجانبهما فاقترب يميل على والدته قائلا بخفوت" تخيلي يا ناهد لو تسقط عهد الآن مغشيا عليها أمام الجميع ونستدعي الطبيب فيخبرنا بأنها حامل .. يا الهي سيكون موقفا كوميديا جدا"
قهقه رأفت بينما حدجته ناهد بتوبيخ .. ليضيف مشاكسا" كنت أود أن نؤجل هذا الحفل حتى نرزق بطفل ونحمله معنا في الزفة ما رأيك في هذه الفكرة المبتكرة يا نهودتي ؟"
زمت ناهد شفتيها بغير رضا .. فغمز زياد بعينه لعهد ثم لوالده وقال وهو يمد كفه مفتوحا " هل تشرفيني بهذه الرقصة ناهد هانم؟"
اتسعت ابتسامتها فتركها له رأفت وتحرك يراقص عهد بينما أخذ زياد يراقص أمه برشاقة جعلتها تتذكر الدروس الأولى التي كان يتعلم فيها الرقص وعزف البيانو حين كان صبيا.
وكأن زياد يشاركها نفس الذكريات حين قال" أتذكرين يا أمي حين كنت في الثالثة عشر وتعلميني الرقص؟"
غمغمت بتأثر "كنت وقتها أقصر مني قليلا ( وتطلعت لطول قامته تضيف ) ما شاء الله حفظك من عيني قبل عين الآخرين "
فحضنها زياد سعيدا أن استطاع تعويضها بجزء بسيط من الفرحة التي حرمت منها قدرا .
في ركن آخر من ساحة الرقص كان يرقص عاشقان متعانقان يتمنيان ألا تنتهي الموسيقى أبدا .
قالت فريدة أمام عيني يونس العسليتين" ما بك يا يونس أشعر بالقلق عليك؟"
غمغم بابتسامة ضعيفة "ماذا تقصدين؟"
ردت بحيرة " لا أعلم لكنك شارد أو مهموم"
صمت ولم يقل شيئا ..
أيخبرها بأنه قلق ويشعر بأن فارس يدبر لشيء ..
أم يخبرها بأنه يراقب تحركاته ويسير خلفه بالسيارة كلما خرج حتى أنه لولا أهمية حضوره لحفل صاحبه لما حضر حتى يستمر في مراقبة أخيه ..
أيخبرها أنه اطمأن حين علم بأن الشيمي يسهر معه الآن في الشركة وأن فارس لن يعود في وقت متأخر وحده.
قاطعت فريدة صمته تقول بوجنتين مخضبتين بالحمرة "ألم تؤجل بنفسك الزفاف؟"
لاح شبه ابتسامة ذكورية على زاوية فمه وازدادت حركة كفه على ظهرها وهو يقول" هذا لأني لم أجد حبيبتي مشتاقة إلى حضني .. إلى قبلتي"
اندفعت تقول بعفوية" أنا يا يونس!"
سألها بلهجة متسلية" إذن هل تشتاقين لقبلتي؟"
احمر وجهها واسبلت أهدابها تتمتم بحياء" اسكت يا يونس"
قال مشاكسا " ولمَ اسكت ؟.. أريد أن أعرف .. ( وأضاف بمكر ) رغم أن الأمر واضح .. لو كنت تشتاقين لي لكنت طلبت بنفسك"
رفعت اليه عينيها المكحلتين بالأسود متسعتان لتقول باستهجان" طلبت ماذا؟؟!"
رد مداعبا وهو يشدد من ذراعه حولها لتلتصق به أكثر " طلبتِ قبلة .. أو حضن أي شيء من يونس "
اشاحت بوجهها تبتعد عن مجال عينيه المحاصرتين وهمست باعتراض وهي تتحكم في ضحكة خجلة "يونس"
اكمل يونس مشاكسته هامسا بجوار أذنها" كنتِ تتسللين وتأتين لغرفتي ليلا والكل نيام .. تقولين لي (احتاجك بشدة يا يونس )
اشاحت بوجهها أكثر ثم مالت تنام على كتفه بابتسامة خجلة وهي تضرب على كتفه بذراعها الملتف حول عنقه بدون تعليق فغاص بوجهه في طيات حجابها يقول بهمس ساخن " سأموت لأنال قبلة يا فريدة منذ أن عدت من السفر لا أجد مكانا مناسبا لأفعلها.. في البيت ترفضين.. في الدار تقولين لا يصح .. ليس أمامي إلا أن اذهب بك إلى مكان ناء لأقبلك .. والحقيقة أن هذه الفكرة مزعجة بالنسبة لي .. أن تكوني زوجتي وافعل ذلك"
لم تجد فريدة ما تقوله فمن ناحية حياءها يمنعها ومن ناحية أخرى تشعر بالشفقة عليه بعد أن أجّل حفل الزفاف رغم كونه متلهفا .
قال يونس فجأة وهو يبتعد بوجهه عنها لينظر إليها" ما رأيك أن احجز غرفة لنا في هذا الفندق؟!!"
اشاحت بوجهها من جديد تداري ضحكة خجولة.. فأضاف بلهجة معذبة " ولو بضع دقائق يا فريدة .. بضع دقائق علني اطفئ بعضا من الشوق الذي يمرضني"
لم تجد ما تقوله مرة أخرى .. لكنها تعلقت بعنقه تحضنه .. فلف ذراعيه حولها وذابا معا لبضع دقائق حتى انتهى العزف وصفق الحاضرون .. فتنبها أخيرا لموقعهما..
××××
عند منتصف الليل ترجل يونس من السيارة خلف سيارتي عهد وزياد ورأفت وناهد اللتان توقفتا بالقرب من الدار أمام البناية التي يسكن فيها عاصم .. والتي تقع فيها شقة زياد وعهد .. بعد أن قررا الانتقال إليها بعد الحفل .
وقفت ناهد تودع ابنها وزوجته وتتمنى لهما حياة مليئة بالسعادة.. بينما وقف يونس بعيدا أمام باب فيلا سعد الدين يديه في جيبي بنطاله يناظر صاحبه بامتعاض واضح وفريدة تقف بالقرب منه.
تحرك زياد نحوه وملامح متسلية تعلو وجهه جعلت يونس يزيد من امتعاضه فقال الأول بلهجة مغيظة " ألن تبارك لي يا صاحبي؟"
رد يونس بقرف " باركت لك عشر مرات هذه المرة والمرة الماضية هل تريدها الفا؟"
مال زياد على أذنه هامسا بإغاظة" ادع لي يا صاحبي فأنا متوتر جدا "
ضربه يونس في صدره بخشونة يبعده بغيظ .. فضحك الأخير متسليا ليقترب منه يونس هذه المرة يهمس من بين أسنانه" سأدعو أن يقع فوق رأسك سقف الشقة وتعيش في جبيرة ثلاث سنوات "
انفجر زياد ضاحكا ثم استدار يعود لأمه قائلا" ارقيني يا أمي من شر حاسد إذا حسد"
تطلعت فيه ناهد بعدم فهم في الوقت الذي سحبها رأفت من يدها لتركب السيارة ويغادران بعد أن ودعا الجميع.
نظر يونس حوله فوجد أن فريدة قد اختفت فاسرع خلفها يغلق البوابة الالكترونية ملقيا تحية المساء على العروسين .
أما زياد فقد لصق عهد بجسده بعد دقيقة في أحد أركان المصعد بمجرد أن أغلق بابه يقول بعينين مشتعلتين" ليلة العمر الليلة"
سألته تتحكم في ابتسامة خجولة "وماذا كانت الليالي السابقة إذن"
أجاب بثقة "لا لا ..انسي الأيام السابقة .. كانت مجرد تجربة قلت "
قهقهت فأضاف مؤكدا" صدقيني ذلك كان مستوى مبتدئين .. الآن سنبدأ في مستوى المحترفين"
اسرعت تكتم فمه بيدها وهي تضحك بحرج فبادلها الضحك المكتوم قبل أن تتطلع في وجهه وتهمس بتأثر "سأظل عمري كله اشكر رب العالمين أن رزقني حبك .. ورزقني وجودك في حياتي .. وعوضني بك يا زياد الحب"
أمسك زياد باطن كفها من فوق فمه وقبله بقبلة حارة مغمغما " لا حرمني الله منك في حياتي يا عهدي الجميل"
اما يونس فتطلع حوله في الفيلا فلم يجد فريدة فشعر بالإحباط ودخل إلى غرفته يخلع سترته ورابطة عنقه بغيظ ثم اتصل بها قائلا "صعدت بسرعة ..حسنا كما ترغبين"
قالت بإنهاك "سبقتك للفيلا لأطمئن على أن أمي تناولت دواء المساء .. ثم صعدت لأبدل ملابسي .. أشعر بتوعك "
سألها قلقا" ما بك ؟"
أجابت بإعياء" اعتقد بأني التقطت انفلوانزا"
تمتم بخفوت "الف سلامة على الحلو"
سألته فريدة " هل أنت بخير كنت شاردا طوال الطريق"
أجاب وهو يستلقي على السرير " أنا قلق جدا هذه الأيام فتحمليني .. وصدقا احتاجك يا فريدة بشدة .. وأشعر بأني محاصر أكثر من كل السنوات التي مرت بيننا .. لا أعرف هل لأنك اصبحت زوجتي أم لما اشعر به من قلق أم هناك سببا آخر لا استطيع تحديده "
قالت متألمة لما يشعر به" أنا .. أنت تعرف .. لا زلت أخجل .. واشعر بالخوف من أن يرانا أحد سيكون موقفا محرجا جدا و ..."
قاطعها قائلا بذلك الهدوء الذي يقلقها" يا حبيبة يونس أنا لا اعاتبك .. أنت سألت ما بي وحاولت الشرح"
حاولت تخفيف ضيقه فقالت بدلال" كل شقاوتك أثناء الحفل لم تكفيك"
لاحت ابتسامة ضعيفة على زاوية شفتيه ورد باستنكار "ماذا فعلت أنا .. أين الشقاوة لا افهم!!.. هل هذا مستوى معلوماتك عن الشقاوة ؟!"
ضحكت برقة فانعشت ضحكتها قلبه ليقول" طق طق"
سألت بخفوت مائع "من بالباب"
همس "بقلظ ينادي كرنبة"
اتسعت ابتسامتها وسألت "وماذا يريد بقلظ من كرنبة؟"
تكلم هامسا "يريدها أن تعطف على شخصه المسكين بدقيقة واحدة "
غمغمت بحياء" كرنبة ملك بقلظ"
قال بلهجة طفولية غاضبة " كرنبة كاذبة"
ردت بنفس اللهجة الطفولية " كيف وهي تحبه ووهبت نفسها له"
قال بامتعاض طفولي " لو كانت تحبه لعطفت عليه"
سألت باندهاش " ماذا تريدها ان تفعل ؟"
انقلبت لهجته الطفولية لأخرى ذكورية يقول بصوت أجش " قلت لك .. تمنحه دقيقة واحدة يروي شوقه"
همست باعتراض "يونس"
اعتدل على السرير يقول بتوسل " فريدة.. دقيقة واحدة اعدك انها ستكون دقيقة واحدة .. اصعد إليك أو تنزلين إليّ "
غمغمت بحرج " يونس أنت مجنون"
قال ليقنعها " دقيقة قبل أن يصل أخوك"
هتفت بارتباك " أنت مجنون وستفضحنا وستضعنا في موقف محرج جدا "
غمغم بإحباط وحزن" حسنا .. شكرا .. تصبحين على خير "
"يونس !!"
اغلق الخط .. فنكشت فريدة شعرها بأصابعها في حيرة لا تعرف كيف تتصرف معه .
استقامت تتجه نحو المرآة .. وتطلعت في منامتها الزهرية بنقوشها متناهية في الصغر واحتارت .. وترددت .. وشعرت بالخجل والارتباك.. ثم توجهت للخزانة ووقفت أمامها بغير هدى لا تعلم.. هل تطاوعه وتنزل إليه حتى لا يحزن ؟.. أم تتحمل ساعات الليل وتصالحه في الصباح ؟
دوما يؤثر فيها بمسكنته ..
ذهبت كما هي ناحية الباب .. ثم تراجعت في حياء لا تجد الجرأة لتفعلها.
فجأة فُُتِح الباب ودخل يونس واغلقه خلفه فشهقت هامسة " يونس يا مجنون !!!!"
اختصر المسافة بينهما في لمح البصر يحيطها بذراعيه هامسا" دقيقة واحدة وإلا سأموت كمدا "
استسلمت لشفتيه المهاجمتين اللتان تعانقان شفتيها واستمعت لهمساته الحارقة يعلّّمها كيف يكون الوصال..
كيف تكون اللحظات بين ذراعي حبيب شوقه
اضناه حتى أمرضه.
قبلها يونس يعانق روحها مطلقا زمجرة متوجعة من حنجرته .. وتحركت يديه تستكشف تفاصيلها اللينة الناعمة تحت منامتها الرقيقة مغمغما باسمها كترنيمة عذبة هي تهويدته .. فاختبرت فريدته أخيرا تجربة أن تكون قطعة سكر تذوب بين شفتيه الناريتين فتصبح حلوى شهية..
بعد دقائق وقع بها على السرير خلفهما ويديه تعبثان في ازرار منامتها بلهفة ..يقبّل كل ما ينكشف أمامه .. فأحست فريدة وكأنها في مواجهة طوفان حارق .. وأنهما على وشك الذهاب في طريق اللا عودة فتمتمت بخفوت "يونس أرجوك يا يونس .. أبيه قد يأتي في أي لحظة "
" يونس بالتأكيد أمي قد احست بخروجك من غرفتك "
"أنت قلت دقيقة واحدة أليس كذلك"
"يونس !"
كان يونس كطائر يحاول فرد جناحيه للتحليق في سمائها الوردية ذات الرائحة المسكرة فلم ينصت لتوسلاتها .. يحتلها بثقل جسده ويطبع على عنقها قبلات عشوائية مجنونة قبل أن تنجح يديه في فتح أزرار منامتها بالكامل ويدس ذراعيه تحت جذعها يرفعها إليه فتوترت فريدة وأحست بأنها على وشك الخوض في لعبة خطرة فهتفت برعب تتشبث بذراعيه بقوة " يونس أنا خائفة "
وكأن استغاثتها كأمر واجب النفاذ لإدراكه وإرادته .. فتوقفت شفتيه عن تقبيلها فورا .. وسحبها يدفنها في صدره مطمئنا يحتويها بين ذراعيه وهو يهمس بجوار أذنها من بين لهاثه "حاضر .. حاضر"
تشبثت به أكثر تنتفض في خوف وغمغمت لا تعرف كيف تتصرف " أنا آسفة يا يونس أنا...."
همس من بين لهاثه وذقنه تستقر على كتفها " بل أنا الذي يعتذر يا حب عمري لا تخافي مني "
اعترف لنفسه بأنه قد فقد التحكم في أعصابه دون أن يراعي حياءها وتوترها فأضاف " ابق في حضني لبضع دقائق حتى أهدأ "
بدأ جسدها يرتخي بين ذراعيه لكنه كان يبذل مجهودا جبارا لإعادة التحكم في نفسه فشدد من احتضانها هامسا "وكأن قلبي مثقوب يا فريدة وضمك لحضني يغلق هذا الثقب ويشعرني بالاكتمال "
تأثرت بكلماته فبدأت تمسح على شعره من الخلف بحركة رتيبة ..فأغلق جفنيه مستندا بذقنه على كتفها وذراعيه تأبى أن تطلق سراحها .. وسمعته يقول بخفوت "احيانا أشك بأني سأنام في حضنك يوما ما .. حتى بالرغم من ورقة المأذون التي أحملها في جيبي كالمهووس .. وأحيانا ( وبلع ريقه الجاف ) يتملكني الخوف يا فريدتي من أن اؤذيك .. لا اعرف لما يسيطر عليّ هذا الشعور دوما"
غمغمت وذقنها مستندة على كتفه "هذه وسوسة شيطان لا تستسلم له"
حرك مقلتيه العسليتين بقلق ثم سألها" هل ستسامحينني إن تسببت في أذيتك يوما ما بدون قصد ؟"
حركت كفيها على ظهره بحنان وردت بابتسامة "سأسامحك بالتأكيد .. مهما فعلت سأسامحك .. لماذا خلق الحب إذا .. ليجبرنا على مسامحة من نحبهم "
رفع رأسه عن كتفها أخيرا يتطلع فيها بابتسامة قبل أن تنزل نظراته إلى منامتها المفتوحة على مصراعيها فجحظت عيناه وشهق.. فاطلقت فريدة صرخة فزع وهي تلملم طرفي المنامة بيد وتدفعه ليبتعد بيدها الأخرى وهي تهتف بهمس" هيا يا يونس .. قلت دقيقة وأصبحت عشرة"
ظل يحدق فيها بعينين متسعتين بعد أن استقام واقفا فأخذت تدفعه بيدها وبكتفها حتى يخرج فقال بخفوت " انتظري يا فريدة .. أريد أن أتحقق من المقاس يا بنت"
دفعته بقوة أكثر وهي تقبض على ملابسها وأخرجته بصعوبة وهو يقول هامسا على الباب " يا بنت يبدو أن مقاسك أكبر مما توقعت صدقيني أريد أن اتأكد فقط"
اغلقت الباب خلفه بصعوبة بالمفتاح واستدارت تستند بظهرها عليه بأنفاس متسارعة .. قبل أن تنزل لتفترش الأرض بينما يونس ينادي بهمس من وسط ضحكات خافتة" فريدة .. فريدة .. سأنظر نظرة واحدة من بعيد"
نظرت لنفسها فوجدت أن المنامة لا تزال مفتوحة فضمت طرفيها تغلقها وهي تلملم ابتسامة خجلة زينت شفتيها اللتان لا زالتا تحملان أثر هجومه عليهما منذ قليل .
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-12-19, 05:33 PM   #419

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 8

بعد ثلاث ساعات
في العاصمة الصينية بكين .. ربط حزام مقعده في درجة رجال الاعمال الفاخرة وهو ينتظر بحماس اقلاع الطائرة .
أخيرا سيزور الوطن .
أخيرا سيزور مسقط رأسه.
مرت المضيفة ذات الملامح الأسيوية بجانب مقعده المطل على الممر ومالت عليه تقول بأدب بعض التعليمات له وللرجل العجوز الذي يجلس بجواره .. فرد عليها بالصينية ببعض عبارات الشكر بينما رمقها العجوز بنظرات وقحة مع ابتسامة لزجة تظهر سنا ذهبيا يزين فكه العلوي فتبدلت ملامح المضيفة من الاشراق للتحفظ .. وتحركت تتركهم .. ليقول العجوز بالعربية" ساخنة جدا هذه المضيفة ساقاها ابيضان كالشمع مذيبان للأعصاب يا مالك "
امتعض مالك وقال بضيق "ألن تكف عن هذه التصرفات يا أبي!"
مط فؤاد شفتيه وقال" ألست ذكرا مثلي ؟.. ألا توجد حرارة في دمائك كباقي الذكور !.. لماذا تمتعض كلما غازلت هذه وتلك !!"
زفر مالك شاعرا بالاختناق وقال " يا أبي هذا لا يعني أن اجرح هذه وتلك بنظراتي وكلماتي الوقحة لأثبت بأني ذكر .. أنا لست حيوانا أسير بغرائزي وأنا اتعامل مع الاناث"
مط فؤاد شفتيه بغير رضا مغمغما" بدأت اشك فيك أيها الولد "
هتف مالك بخفوت مستنكر" أتريدني أن أتصرف بوقاحة حتى أثبت لك رجولتي يا أبي !!"
قال الشماع بقرف" اسكت ودع هذه السفرة تمر على خير .. ألا يكفي بأني سأترك أعمالي لعدة أيام"
قال مالك بهمس غاضب" أنت من أصريت على مصاحبتي .. أردت السفر وحدي"
اتسعت ابتسامة لزجة بسن ذهبي على شفتي فؤاد وقال بلهجة متهكمة" كيف اترك الشاب العاطفي دون أن أرافقه لأحضان الوطن .. وأقبِّل تراب الأرض الطيبة معه وأملأ عيناي بسمرة الوجوه الكالحة "
ازداد ضيق مالك واحجم عن الرد أدبا منه واعتدل في مقعده يضع السماعات على أذنه لينسى بأنه يرافقه ويشرد بخياله بعيدا عن هذا الرجل الذي من المفترض بأنه والده .
احيانا يسأل نفسه لمَ يشعر دوما بوجود حاجز نفسي يقف حائلا بينه وبين والده رغم انه الشخص الوحيد الذي يملكه من عائلته .. فكونه من أصل عربي ولد وعاش وتربى في دولة أسيوية بدون اخوة بدون عائلة .. والدته الصينية ماتت وهو صغير ولا يذكر عنها أي شيء .. كان ذلك يشعره دوما بأنه غريب .
ولا يزال يشعر بالذنب والخزي من نفسه أن يكون شعوره تجاه والده بهذا النفور !.
أجل النفور .. مهما جمّّل الحقيقة وزينها هو نفور مجهول المصدر ..
حين كان صغيرا ارجع هذا الشعور لأنه قد عاش كل حياته حتى سن الثامنة عشر في مدرسة داخلية تضم أبناء الطبقة الثرية في بكين .. فانحسرت علاقته بوالده في زيارات روتينية قصيرة يقوم بها والده له وزيارة سنوية صيفية لبيت والده كان يقضي معظمها وحيدا لانشغال الأخير في عمله كرجل أعمال له مكانة ليست بالهينة في دولة الصين .
وحين تخرج من المدرسة الثانوية وبدأ في الذهاب للجامعة استقر في العيش معه لكنه لم يستطع ابدا هدم ذلك الجدار الكبير بينهما ..
حاول أن يحبه لم يقدر .. ربما لشخصيته التي يراها منفرة وربما لأنه يشك في مصادر أمواله .. بعد أن تيقن بأنه يغطي بعمله في تصدير المنتجات الصينية رخيصة الثمن للوطن العربي نشاطا مشبوها .. فمن خلال مكوثه معه الخمس سنوات الماضية لاحظ بعض التحركات المريبة واكتشف بعض المستندات وسمع مكالمات كلها تؤكد له شكوكه أن هناك نشاطا مشبوها يمارسه تحت ستار التصدير للوطن العربي .
كل هذا حاول أن يتعامل معه .. أو يرضى به كواقع رغم رفضه له .. حاول أن يقبله من مبدأ النصيب والقدر فلا أحد يختار أهله.
لكن ما اكتشفه صدفة منذ عامين قلب عالمه رأسا على عقب وصعقه وهزه بقوة .
كان طيلة عمره يتعجب لأنه يحمل اسم عائلة والدته الصينية (هوانغ ) وليس والده (الشماع ) رغم أن هذا ليس غريبا في دولة الصين .. وكان يبرر ذلك لنفسه بأن والده يرغب في أن يستفيد بالدماء الصينية التي تجري في عروقه.. لكن الحادثة التي تعرض لها منذ عامين جعلته يكتشف زيف تلك الدماء الصينية التي من المفترض أنها تجري في عروقه .. حين انقلبت السيارة به هو وبعض من أصدقائه الصينيين والعرب في طريقهم لأحد المزارات فوق الجبال وفقد دم كثير توجب عليه أن ينقل له دم .. بعدها أخبره طبيب المستشفى الذي أسعفه بملاحظة غريبة .. بأنه وقت الحادث عاد لسجلاته على قاعدة البيانات العامة للمواطنين ووثيقة تأمينه والتي أشارت بأن فصيلة دمه هي (o) ولفت انتباهه في السجلات أن فصيلة دم والدته المتوفية AB)) ووالده (A) فأخبره الطبيب بأنه بالتأكيد هناك خطأ ما في تسجيل تلك البيانات ونصحه بضرورة تعديل سجلاته مؤكدا له معلومة كان يعلمها جيدا لكنه ابدا لم يطبقها على عائلته بأن تزاوج فصيلتي (A&AB) من المستحيل أبدا أن ينجبا شخصا يحمل فصيلة الدم) o) !!
ساعتها اظلمت الدنيا امامه .. كيف لم ينتبه لذلك ؟
وبدأت آلاف التساؤلات تتفجر في رأسه دفعة واحدة .
كيف حدث هذا ؟!
ومن منهما ليس من عائلته الحقيقية؟
هل هو ابن السيدة الصينية (هوانج لي ) فقط ؟
ام ابن فؤاد نشأت الشماع فقط ؟
ولا ينكر بأنه تمنى ساعتها ألا يكون ابن فؤاد !! ..
وليقطع الشك باليقين اجرى فحص DNA بينه وبين فؤاد.. بدون علم الأخير .. واظهرت النتائج بأنه ابن فؤاد الشماع مما أكد بالتبعية بأن تلك السيدة التي تدعى هوانج لي والتي لم يستدل لها على اقارب بأنها حتما ليست أمه .. وما أكد شكوكه حين طابق السنة التي وصل فيها والده للصين مع عمره .. فوجد أنه بهذه الحسبة قد وصل للصين في عمر ثلاث سنوات ..
وبالبحث في أوراق والده السرية الذي يجهل التكنولوجيا والتقنيات العصرية مما أتاح له فرصة الوصول لتلك الاوراق بعد بعض الجهد لاختراق خزنته السرية الرقمية .. حين أبطل مفعول الحماية وحصل على نسخة من اوراق كثيرة .. فهم بعضها ولم يفهم البعض الأخر .. استطاع أخيرا أن يصل لنسخة من شهادة ميلاده العربية ويعرف اسم والدته الحقيقية .. لتتفجر في رأسه المزيد من التساؤلات الملحة ..
أين هي؟
هل ماتت؟؟
لماذا كُُتِب باسم امرأة أخرى؟
لماذا يحمل اسم عائلة والدته؟؟
لماذا خبأ عنه والده الأمر؟
هل لحادثة قدمه القديمة لها علاقة بالأمر ؟ فهو لا يذكر تفاصيل تلك الحادثة التي تسببت في عاهة مستديمة في قدمه اليسرى اصابته بعرج خفيف مزمن ؟
هل كانت حادثة السيارة تلك التي حدثت له وهو طفل صغير في الصين كما أخبره والده أم في الوطن؟؟
والسؤال الاهم :
هل هذا كله له علاقة بذلك الحلم المتكرر الذي يزوره دوما في منامه منذ أن كان صغيرا .. فيرى امرأة لم تظهر أبدا ملامحها ترتدي عباءة شرقية سوداء وتجلس على رصيف في الشارع وحيدة تبكي بحزن ..
أم له علاقة بحلم أخر أو كابوس بمعنى أدق يزوره من وقت لأخر فيرى نفسه في وسط خناقة وأصوات عالية وصراخ امرأة متألمة بينما أيادٍ كثيرة تشده إليها بقوة ..
لم يستطع السكوت على كل هذه الحقائق الصادمة التي اكتشفها فواجه والده ولم يتلق من الأخير تفسيرا مفهوما إلا الاعتراف بأن والدته عربية ماتت وهي تنجبه فهاجر به للصين حزنا عليها .. وأنه وقد سجله باسم امرأة صينية بعد أن دفع لها مبلغا من المال ليحمل اسم عائلتها رغبة منه في أن يحصل على تسهيلات وامتيازات المواطن الصيني ويعامل معاملة حسنة في المدرسة الداخلية التي وضعه فيها .
وبرغم ذلك لم يقتنع .. ولم يهدأ ..
هناك شعور ما توّلّد بداخله وأضيف لمشاعره تجاه هذا الرجل تجعله لا يثق به .. فمن يزوّر ويختلق الاكاذيب ويتعامل في التجارة المشبوهة .. يستطيع أن يفعل أي شيء ..
لهذا حاول أن يعود للوطن متعللا برغبته في التعرف على الأرض التي ولد فيها .. لكن والده كان يحاصره .. يرفض سفره .. حتى كاد أن يفعلها بدون علمه ويضعه أمام الأمر الواقع .. لكن يبدو أن العجوز كان يخشى من أن يفعلها فوعده أن يذهب معه في زيارة للوطن وماطل .. وماطل حتى نفذ أخيرا .
وبالرغم من أنه لم يخبر والده بالسبب الحقيقي لرغبته في زيارة الوطن وهو البحث عن والدته الحقيقية سواء كانت حية أو ميتة.
وبالرغم من أنه يكره مصاحبة ذلك العجوز ..
لكنه وضع احتمالا لأن تكون والدته من المعارف التي يعرفها والده في الوطن .. وبالتالي من يعرف فؤاد الشماع قديما ربما يعرف من هي والدته .. وكيف كانت .. لذا لن يترك أحد من معارف والده إلا وسيسأله عنها أو عن مكان قبرها .
علا صوت شخير والده فاستدار يتأمله وهاجمه النفور المخزي ذاته من ذلك العجوز .. فرفع عيناه يدقق في انعكاس صورته في زجاج نافذة الطائرة التي اقلعت منذ قليل.. ليتأمل ملامحه التي كانت دوما محيرة له والتي تنفي عنه أي جينات صينية ..
وتساءل :
ترى كيف كان شكل والدته؟! .
الساعة الذكية التي يرتديها العجوز بجانبه اصدرت صوت تنبيه ايقظ الأخير مفزوعا .. فقال مالك بهدوء "اهدأ إنها ساعة يدك "
غمغم فؤاد يدلك جبينه بأنفاس متقطعة " سمعتها كصوت تنبيه قنبلة قبل الانفجار "
نظر مالك حوله بانزعاج ثم قال بخفوت " اشششش يا ابي لا تأتي بسيرة القنابل على متن الطائرة !!"
مط فؤاد شفتيه بامتعاض فسأله مالك " هل ضبطتها لتنبهك في هذا الوقت "
قال فؤاد بغيظ " وهل أفهم فيها شيء !!.. أنا تائه فيها ولا أعرف كيف أجري منها اتصالا أو أتعامل معها "
امسك مالك بمعصم والده يضغط على ازاراها ليتعامل معها قائلا باستنكار " وما دمت لا تعرف كيف تتصرف معها لماذا أصريت على أن ترتديها وتسافر بها لا أفهم!!"
رد الشماع ببرود لزج "لافتخر بها بالطبع .. فكيف أكون رجل أعمال عائد لزيارة بلده بعد غياب دام لعشرين سنة ولا أحمل أي علامة من البلد الذي عدت منها "
ارتفع حاجبي مالك اندهاشا وغمغم ساخرا "وهل ارتداءك لهذه الساعة هي علامة على عودتك من دولة الصين !!"
اجاب فؤاد بفخر " بالطبع فأنا أكيد بأنها ستكون شيئا متطورا ونادرا في مسقط رأسي ستجعلني أفتخر أمام الجميع باقتنائها .. ومن لا يعرف تفاصيلها باعتبار أن هذه التقنيات لم يروها على الطبيعة من قبل .. سيقدر ثمنها الباهظ جدا والتي تليق برجل أعمال مثلي"
اعتدل مالك في كرسيه يقول باستخفاف " أشك في معلومة أن هذه الساعة ستكون شيئا عجيبا في الوطن .. أعلم بأن الصين أكثر تطورا لكن مما أعرفه من معلومات عن بلدي انهم ليسوا بهذا الجهل الذي تصفه "
صدرت ضحكة متهكمة من الشماع وتمتم ساخرا" أحب الانتماء الوطني .. يليق بقلب رقيق وشاعري مثلك "
شعر مالك بالاختناق ودعا أن تنتهي هذه الرحلة الطويلة بمصاحبة هذا العجوز المستفز على خير .. فوضع السماعات في أذنه مرة أخرى ليستمع الى بعض الاغاني العربية المحببة له والتي كانت هي والدراما وصديقه الذي يحمل نفس جنسيته العربية سببا في أن يتقن لهجة بلده بشكل كبير ..
فتح هاتفه ليستعرض بعض الصور لتلك الأوراق الرسمية التي عثر عليها في خزانة والده .. ثم تصفح صورة شهادة ميلاده العربية .. يدقق جيدا في اسم امه
(رتيبة عبد المعطي زيان)
××××
صباح الجمعة الثامن والعشرين من الشهر
دخل الشيمي عليها مكتبها فابتسمت رفيدة تقول " صباح الخير .. أردت أن أعطيك قليلا من الوقت لتنام فأنت لم تنم سوى بضع ساعات "
أغلق الباب بالمفتاح .. وتحرك أمام قمريها المندهشين يغلق ستائر النافذة التي تطل على الحديقة ثم اقترب منها واضعا قبضتيه في خصره يقول بحاجب مرفوع " كيف خرجت من البيت دون أن آخذ قبلة الصباح!! "
ضحكت وردت "أعطيتك إياها وأنت نائم"
هجم عليها يميل بجذعها على ذراعه قائلا" هذه لا تحسب لأني كنت نائما "
ضحكت رفيدة من جديد قبل أن تذوب تلك الضحكة بين شفتيه وهو يميل ليقبلها .. ثم رفع رأسه يتأمل قمريها قائلا " أعلم بأني كنت مشغول عنك اليومين الماضيين وأرجو أن تعذريني "
ردت بخفوت "أعلم بأنك مشغول مع فارس في افتتاح خط الإنتاج الجديد لكني اشفق عليك من السهر معه في المصنع لوقت متأخر ولا تنام لوقت كاف .. عموما اليوم الافتتاح وبعدها لن يكون لديك حجة للانشغال عني "
غمغم وهو يداعب عنقها بأنفه " وكيف انشغل عنك وأنت تحتلين كل تفكيري حتى وأنا أعمل"
عدلت وقفتها المائلة على ذراعه .. وطوقت عنقه بذراعيها تحضنه بقوة ليغمغم الشيمي" اشتقت إليك خلال الأيام الماضية .. وأتمنى أن يمنحني الله فرصة لأن أعوضك عنها"
ابعدت رأسها عنه تضيّق حاجبيها باندهاش للهجته .. تشعر أن به شيئا غريبا منذ بضعة أيام .. ذهنه مشغول بشكل مستمر فسألته " لماذا تتكلم بهذه الطريقة هل تحسبني طفلة مدللة سأتذمر من انشغالك في العمل لبضع أيام!!"
اتسعت ابتسامته وداعب ذقنها بأصابعه قبل أن يبعدها ناظرا في ساعته ومسرعا للمغادرة وهو يقول " علي أن أغادر فورا .. ولا تقلقي عليّ إذا ما تأخرت اليوم "
ابتسمت وهي تشاهده يغادر بضخامته .. فوصل الشيمي عند الباب ثم استدار إليها يقول " ست الناس .. تعلمين قدر المحبة التي أحملها لك في قلبي أليس كذلك ؟"
اندهشت رفيدة وردت " بالتأكيد "
غمغم الشيمي بملامح غامضة " عليك أن تعلمي بأن حقيقة ما أحمله في قلبي لك أكبر وأعمق بكثير مما يمكن أن يصل له إدراكك .. ومهما حدث أنا أكيد بأنك تفهمين الشيمي جيدا "
قالها وأغلق الباب خلفه فوقفت رفيدة متسمرة وقد استقر كفها على قلبها .
أما الشيمي فلاحت الجدية على وجهه .. يمشى يضرب الأرض بساقيه الطويلين بعزم .. مخترقا الدار نحو مهمة شديدة الحساسية لا يعلم كيف ستكون نتيجتها..
ولا ينكر بأنه لأول مرة يشعر بالقلق ليس خوفا على نفسه ولكن خوفا على رفيدة من بعده ..
لكنه عاش وسيموت رجلا ذا قلب جسور ..
××××
قالت الحاجة نفيسة لفريدة على طاولة السفرة " حبيبتي اذهبي واستريحي في فراشك وخضرة ستعد لك مشروبا ساخنا "
عطست فريدة في منديلها وقالت بإعياء "أعتقد بأني سأفعل ذلك "
تطلعت الحاجة في فارس الواجم الذي يشرب الشاي واقفا بشرود .. غير مقتنعة أبدا بأن الحالة التي يبدو عليها منذ يومين بسبب ذلك المشروع الجديد في مصنعه ..
وقلبها مقبوض بشدة منذ أن استيقظت من النوم صباح اليوم ..
قطع تأملها عطسة عالية مزعجة من يونس الذي خرج من غرفته بملابس العمل .. فانتبه فارس من شروده ونظر إليه يرفع حاجبا مستنكرا وهو يقول " لماذا تعطس مثلها !"
نظر يونس لفريدة التي عطست في منديلها عطسة متوترة وهي تطالعه بوجه أحمر فقال " أأأأأأأأأ تعاطفا معها .. أتشششو "
عطس مجددا ونظر لفريدة المرتبكة ثم أضاف " يبدو أننا قد خرجنا من الحفل للجو البارد ليلة أمس "
اومأ فارس بذهن مشغول وتحرك مغادرا بسرعة فاليوم هو يوم الحسم .. فتعلقت عينا نفيسة بظهره قبل أن يقول دون أن يلتفت لها " ادع لي يا أمي "
غمغمت بتأثر لا تعرف مصدره " حفظك الله يا فارس "
حانت من يونس نظرة لفريدة التي تخضبت بالحمرة فغمز لها بعينه وابتسامة سعيدة تزين شفتيه ثم التقط من فوق السفرة لقمة ليأكلها متحسرا على مائدة الفطور الشهية التي سيفارقها .. لكن عليه التحرك بسرعة خلف أخيه ..فاقترب من نفيسة يقبل رأسها قائلا وهو يهم بالمغادرة " أحبك جدا يا نفوسة "
عطست فريدة في منديلها فعاد إليها وطبع قبلة سريعة على خدها تفاجأت بها محرجة ثم اسرع بالمغادرة وهو يقول " وأذوب في عشقك يا عبد الجبار"
ذاب يونس أمام عيني نفيسة بسرعة واختفى .. فتعلقت عيناها بباب الفيلا الذي تركه مفتوحا خلفه حتى اقتربت منها فريدة تقول " ما بك يا أمي لماذا تحدقين في الباب بهذا الشكل ؟؟"
رفعت إليها نفيسة عينان تلمعان بالدموع وقالت " لا أدري قلبي مقبوض بشدة يا فريدة .. ساعديني حتى أعود لغرفتي .. أريد أن أختم المصحف اليوم لعل شيطان القلق يعتقني "
دخل فارس سيارته لا يعرف هل يشعر بالامتنان لأنها لا تقف لتودعه ككل يوم في الشرفة قبل ذهابه للعمل فهي بالتأكيد نسيت أن اليوم برغم أنه الجمعة لكنه سيذهب للمصنع لافتتاح خط الإنتاج الجديد ..
أم يشعر بالحسرة لأنه لن يراها .. لربما لآخر مرة يراها فيها .
لا تفكر في كارمن يا فارس
اخرجها من عقلك كما فعلت اليومين الماضيين منشغلا عنها تماما حتى أنك مسحت تطبيق الواتساب الذي ترسل لك عليه .. ولا تعرف إن كانت لا تزال تراسلك بعد تلك الليلة بينكما في شقة عاصم السيوفي أم لا.
لا يعلم إلا أنها كانت تقف تودعه في الشرفة في صباح كل يوم .. وبالتأكيد لاحظت أنه لا يعود إلا في وقت متأخر جدا من العمل ..
لا تفكر في كارمن يا فارس
وركز في احتفال اليوم الذي سيحضره لفيف من رجال الأعمال والذي لا تعرف إن كان الشماع قد اختار تاريخ عودته ليتزامن مع انشغالك هذا في هذا اليوم بالتحديد أم هي مجرد صدفة ..
عموما وكما خطط هو والشيمي لابد أن يحضر الاحتفال بنفسه حتى يثبت للشماع إن كان لا يزال يراقبه بأنه منشغلا بحياته العملية ليطمئن الأخير ويدخل البلاد .
يدخلها لتبدأ المهمة
مهمة الإمساك بقاتل والده
مهمة القصاص.
رن هاتفه فعقد حاجبيه باستغراب وهو يطالع اسم صفوت عظمة أمامه على الشاشة .. فلاحت نظرة ساخرة في عينيه ورد " ما الذي ذكرك بي في هذا الوقت من الصباح يا صفوت بك؟ "
قال صفوت بهدوء " علينا أن نتحدث "
حرك فارس مقلتيه الزرقاوين نحو نافذة السيارة وقال " لا بأس بالحديث لكني مشغول جدا اليوم .. لابد أنك تعلم بأن لدي احتفال في مصنعي في العاشرة صباحا "
قال صفوت بإصرار" أريد أن أراك حالا يا فارس .. الأمر لا يحتمل التأجيل "
صمت فارس قليلا ثم قال " لا بأس أنا حاليا على الطريق السريع في طريقي للمصنع أراك في مكتبي بعد ساعة أم .. (وصمت لثوان ثم قال ) ترغب في أن آتي أنا إليك"
قال صفوت بتوتر " لا هذا ولا ذاك أريد أن نتقابل في مكان لا يرانا فيه أحد "
رفع فارس حاجبا بينما أكمل صفوت " أنا قريب منك .. دعنا نتقابل بالقرب من محطة الوقود الوطنية .. "
في سيارة يونس بعد دقائق عقد الأخير حاجبيه باندهاش وهو يرى زغلول ينعطف بالسيارة لطريق فرعي مؤدي للطريق الدولي فتحفزت حواسه واعتدل في جلسته أمام عجلة القيادة متسائلا إلى أين سيذهب فارس في هذا الوقت المبكر من الصباح ؟.. ولماذا غير وجهته فجأة ..
قاد السيارة خلف سيارة أخيه محتفظا بمسافة كبيرة بينهما يخشى أن يلمحه زغلول في مرآة السيارة ويتعرف عليه في هذا الطريق الخالي تماما .
بعد قليل لمح يونس سيارة فارس مرابطة على الطريق فانعطف بسيارته يمينا بجوار أحد المباني في هذا المكان الهادئ تماما .. وترجل مسرعا يتسلل من خلف أحد البنايات حتى أصبح موازيا لسيارة فارس فتجازوها دون أن يلمحه زغلول .. ولاحظ أن فارس ليس موجودا بها .. ليتقدم أكثر نحو قطعة أرض فضاء محاطة بسور قصير يقف بداخلها فارس متخصرا يحجز طرفي سترته للخلف .. أمام أحد الرجال.. فاختبأ خارج السور ينظم أنفاسه ويهدئ من ضربات قلبه.. شاتما نفسه أن نسي أن يحضر مسدسه ..
بعد دقيقة رفع رأسه فظهرت عيناه من خلف السور يتأمل الرجل الذي يقف أمام أخيه .. وفي خلال دقائق كانت عيناه العسليتان قد تحولتا لعيني نمر شرس شديد الخطورة .. بعد أن تعرف على الرجل الواقف أمام فارس ..
الآن
تذكر أين سمع باسم (صفوت عظمة)
الآن
تذكر من يكون..
وكيف ينساه !!..
وكيف ينسى تفاصيل تلك الليلة !!
الآن
علم أي عدو يواجه أخيه ..
الآن
كل الماضي قد تشخص أمام عينيه اللتان أصبحتا شرستين في لمح البصر .
×××××




نهاية الفصل الحادي والعشرين



بعتذر مرة ثانية على التأخير اليوم لظرف طارئ



ارجو أنه الفصل يحوز على اعجابكم



خالص حبي

شيماء يسري شموسة







Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 02-12-19, 06:45 PM   #420

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 172 ( الأعضاء 62 والزوار 110) ‏Shammosah, ‏RazanB, ‏حووووووور, ‏مجد صالح, ‏د/عين الحياة, ‏tasoo, ‏زهره الحقول, ‏صبا., ‏موضى و راكان, ‏shdn, ‏rofyrofa, ‏Samraus, ‏dm992, ‏ميمو كوكي, ‏تقوي عمر, ‏يمنى ذيب, ‏Algraba, ‏oopps, ‏Sohair 88, ‏Msamo, ‏Light dream, ‏سامبو, ‏عفة وحياء, ‏باسم محمد ابراهيم, ‏Hagora Ahmed, ‏wiamrima, ‏ارض اللبان, ‏faria, ‏أميرة الساموراي+, ‏منيتي رضاك, ‏سميحة غالب, ‏awttare, ‏s. essa, ‏Kokinouna, ‏همس البدر, ‏برق الشمال, ‏Tuta Al3fifi, ‏hhanen, ‏نورسه, ‏شاكره لله, ‏زهره ابي, ‏محبة ريم, ‏samam1, ‏asaraaa, ‏لولو عماره, ‏Berro_87, ‏عربيه90, ‏Saro7272, ‏lolo ahmed, ‏Roro adam, ‏Soy yo, ‏طوطه, ‏فديت الشامة, ‏ملاك الفاسي, ‏عبق الوطن, ‏ري 10, ‏HEND 2, ‏سمو الرواد, ‏Ki na, ‏shatoma, ‏نو الحق, ‏عشقي لديار الخير
Dr. Aya likes this.

Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:22 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.