آخر 10 مشاركات
287 - كذبة العاشق - كاتي ويليامز (الكاتـب : عنووود - )           »          284 - أنت الثمن - هيلين بيانش _ حلوة قوى قوى (الكاتـب : سماالياقوت - )           »          275 - قصر النار - إيما دارسي (الكاتـب : عنووود - )           »          269 - قطار النسيان - آن ميثر (الكاتـب : عنووود - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          التقينـا فأشــرق الفـــؤاد *سلسلة إشراقة الفؤاد* مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          ياسميـن الشتـاء-قلوب شرقية(26)-[حصرياً]-للكاتبة الرائعة::جود علي(مميزة)*كاملة* (الكاتـب : *جود علي* - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1161Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-12-19, 11:49 AM   #431

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسجيل حضور مبكر
يسعد صباحكم يا حلوين منورين صفحة شموسة 🌞
كف القمر، كليوباترا،موضى و راكان،انجى الشيخ، ريهان، بونبون 🌹🌹🌹👏
فى انتظارك يا شموسة 🌞


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-12-19, 01:04 PM   #432

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثاني والعشرون




قبل دقائق :
رغم تحذيرات الطقس باقتراب وصول عاصفة رملية بدت الأجواء صافية وكأن التحذيرات كلها كاذبة فوقف صفوت في الأرض الفضاء ينتظر وصول فارس ..
انه خائف ..
عليه أن يعترف بذلك ..
ليس على نفسه خاصة بعدما نجح في اجبار لؤي على السفر للولايات المتحدة بعد أن حدد اقامته لأسبوعين حتى رضخ أخيرا وسافر مساء أمس فتنفس الصعداء ..
لكن وصول الشماع للبلاد اليوم مع تحركات اتباع فارس للبحث عن لؤي في كل مكان يخشى أن يثير قلق الشماع بشكل أو بآخر فيؤذي فارس .
مدركا بأن الشماع إذا ما شعر بالخوف قد يفعل أي شيء لإنقاذ نفسه .
فأصبح جل ما يتمناه أن تمر الأيام التي سيقضيها الشماع في البلاد على خير وبدون أي مواجهات قد تريق المزيد من الدماء.
لقد تعب..
تعب من اللهاث لإخفاء آثام الماضي..
تعب من الاحتفاظ بالسر ..
تعب من فشله في إنهاء علاقته بالشماع وبالماضي الذي لا يزال يطارده.
تعب من محاولاته المضنية لإثناء فارس عن المضي في هذا الطريق الخطر الذي سيهدم ما بناه.
وتعب من الذنب الذي يحمله فوق ظهره.


وقفت سيارة فارس وترجل منها فشاهده يتقدم نحوه بخطوات واثقة وثابتة فتساءل في سره : هل يا ترى يعلم بوصول الشماع اليوم ؟
لكنه استبعد الفكرة فالشماع حذر جدا وقد اختار احد منتجعاته الهادئة ليقيم فيها بعد أن غيّر موعد رحلته .. بل إنه طلب حرسا خاصا في المنتجع وهذا ما وفره له شخصيا .. ليس لخوفه عليه ولكن زيادة في الحرص من أن يكون فارس على علم بوصوله ..
إنه مستعد لأن يوفر له الحرس والحماية على نفقته الخاصة لمنع المزيد من إراقة الدماء.
وقف فارس أمامه بملامح جادة مظلمة بينما تقدم يونس نحو تلك الأرض الفضاء المحاطة بسور قصير ولمح اخيه يقف بداخلها متخصرا يحجز طرفي سترته للخلف .. أمام أحد الرجال.. فاختبأ خلف السور ينظم أنفاسه ويهدئ من ضربات قلبه.. شاتما نفسه أن نسي احضار مسدسه ..


أرهف السمع جيدا فأتاه صوت فارس ساخرا " صفوت بك عظمة يدعوني بشكل عاجل ترى ما هو الموضوع الذي لا يحتمل التأجيل ؟؟؟"
لمعت عينا يونس عند سماعه للاسم .. إذن هذا هو الرجل الذي يعادي أخيه .. والذي ببحثه على الانترنت لم يستدل سوى على أنه رئيس مجموعة فنادق ومنتجعات سياحية .. ولم يفهم ما سبب العداء خاصة مع اختلاف مجالي العمل لكنه كان عازما على الاستمرار في البحث.


بعد دقيقة رفع رأسه فظهرت عيناه من خلف السور يتأمل الرجل الذي يقف أمام أخيه ..الملامح أيضا لا تبدو غريبة عن ذاكرته ..
قال صفوت بجمود " ألن تكف عن البحث عن لؤي .. أعلم بأنك تدور وتلف للبحث عنه منذ مدة أم تحسبني مغيبا"
انفجر فارس غاضبا يقول" وما دمت لست مغيبا صفوت بك فبالتأكيد تعلم ما فعله ابنك مع أهل بيتي ولن أكون فارس سعد الدين إن لم اؤدبه "
غمغم يونس مضيقا عينيه " من يقصد من أهل بيته !!"
بينما شعر صفوت بالحرج مما فعله لؤي لكنه قال" ألا تخشى من أن اسجل لك هذا التهديد يا فارس واقدمه للشرطة؟"
وكأن الريح قد ألقت في وجه يونس حفنة من الرمال فارتجف حين سمع صوت الرجل مرة أخرى وسرت رعدة في بدنه وهو يحاول تذكره بينما هدر فارس بانفعال "هل تهددني!!! .. افعل ما تشاء عظمة بك ..ومن الممكن أيضا أن تقدم معها اتصالاتي بك وأنا أهددك بإعادة فتح قضية أبي وأتهمك بالتورط في قتله"


انفجر كل شيء في رأس يونس ..
إنه هو ..
هو شريك المجرم ..
هو ذلك الرجل الذي رآه من شق الباب مع القاتل ..
اتسعت حدقتاه وهو يدقق فيه ثم تحولت عيناه العسليتان لعيني نمر شرس شديد الخطورة ..
بينما وقف صفوت يناظر فارس الغاضب أمامه والذي أضاف منفعلا" ما فعله ابنك أضيف لما فعلته أنت منذ عشرين سنة .. لكني لن اسكت عن ثأري يا عظمة بك سجل هذا التهديد عندك أيضا .."


لم يكن هذا ما أراده صفوت حين طلب لقائه لكنه خمن أنه لو كان فارس يعلم بمجيئ الشماع لذكر ذلك اثناء انفعاله فقال بلهجة صادقة " أنا اعترف بأن ما فعله لؤي غير مقبول لذا اقدم اعتذاري لك ومستعد لأي ترضية تقبلها "
هدر فارس قائلا وهو يرفع قبضته أمامه "ترضيتي سآخذها بيدي حين أعلم أين تخفيه .. لا تغرك هذه الحلة الغالية يا عظمة بك أنا لازلت ابن الحاج محمود سعد الدين "
سيرة الماضي ورؤية الرجل فجرتا الذكريات المؤلمة في رأس يونس واسم والده جعله يحدق مليا في صفوت عظمة .. متسائلا
هل أخبر فارس بكل شيء ؟..


هل فارس يعرف كل التفاصيل ما دام يعرف صفوت عظمة؟..
لا لا .. لا يمكن أن يعرف فارس أبدا ..
عليه أن يمنع صفوت من أن يخبره..
بحث حوله يفكر كيف يمكن أن يتدخل ليمنع صفوت من قول المزيد .. بينما قال صفوت بانفعال" لؤي سافر يا فارس فأرح نفسك من البحث واهدأ هذا ما جئت لأخبرك به .. ولأبلغك باعتذاري عما بدر من ابني من سوء تصرف تجاه زوجتك .. وتأكد بأني لا أرضى بما فعل .. ( ثم تحولت لهجته للتهديد مضيفا ) ولأحذرك بأنه لو حدث مكروها لابني سأتهمك أنت شخصيا بالتحريض على أذيته .. أما عن الماضي .. قلت لك مرارا وتكرارا أن تدعه وشأنه فلن يفيد فتح ما اغلق منذ عشرين سنة.. لن يفيد "


عاد يونس ينظر بحرص في جلسته القرفصاء بجوار السور لا يظهر منه سوى عينيه الشرستين يحاول تقييم الوضع ..وبدون ادراك منه أمسكت يده حجرة كبيرة تحفزا لما سينطق به صفوت .. بينما أكمل الأخير" على حسب معلوماتي أنك قد قررت عدم البحث عن الشماع لهذا كف أيضا عن البحث عن لؤي واخبرني بالترضية التي تريدها لنغلق هذا الموضوع"
الشماع..
انفجرت الصور في ذهن يونس..
ضحكة لزجة ..
وسن ذهبي..
وفحيح بجوار أذنه الصغيرة


" اسمي الشمااااااااااع وليس العم .. احفظ هذا الاسم جيدا"


اقشعر بدن يونس ووضع يده على أذنه بملامح معذبة يخرس ذلك الفحيح اللزج بجوار أذنه بينما الأخرى تتشبث بالحجر بقوة ..
أما فارس فآثر التزام الهدوء وعدم إثارة شكوك صفوت بمعرفته بموعد وصول الشماع حتى لا يتخذ تدابير قد تصعِّب على رجاله مهمتهم فقال منهيا الحديث وهو ينظر في ساعته" عظمة بك الحديث معك عن الماضي والحاضر لا يثمر .. وأنا عندي اليوم حدث مهم جدا في مصنعي .. فلنؤجل ذلك الحديث لما بعد .. وشكرا على إخباري عن سفر ابنك حتى لا اهدر طاقتي في البحث عنه في داخل البلاد .. ولأبحث خارجها إن شاء الله.. ( ووضع النظارة الشمسية على عينيه وأضاف ) للحديث بقية صفوت بك لكني مضطر للمغادرة سلام"


تحرك مبتعدا أمام عيني صفوت وحدقتي يونس الذاهلتين وركب السيارة ليتحرك بها زغلول بسرعة بينما تسمر يونس أمامه غير قادر على الاستقامة فاستدار وافترش الأرض يسند بظهره على السور يحدق في الحجر في يده يقبض عليه بقوة.


فارس يسعى للانتقام..
فارس يبحث عن الشماع..
صفوت على علاقة بفارس..
هل سيصل فارس للشماع؟
ألم يهرب هذا الرجل خارج البلاد؟؟
ماذا لو وصل له؟؟
ماذا لو أخبره صفوت بكل شيء؟


نما إلى سمعه صوت صفوت يتحدث في الهاتف فاستدار منصتا ليسمع الآخر يقول " اسمع يا درديري أريد أن تفتحوا أعينكم جيدا وأنتم تستقبلونه في المطار اليوم ..إنه شخصية مهمة جدا وذات مركز حساس لا أريد غلطة واحدة في تأمينه حتى يصل للمنتجع .. هل تحركتم؟ ( صمت لثوان ثم هدر ) كيف لم تصلوا للمطار بعد الرجل على وشك الوصول ؟؟!!.. أجل اسمه فؤاد نشأت الشماع.. احفظ هذا الاسم جيدا .


×××××


تطلع مالك حوله بحماس في مطار الوطن متسائلا ترى هل سيحب هذا البلد؟ ..
هل سيشعر به كوطن حقيقي؟
نظر لجواز سفره الصيني بضيق وتطلع في والده الذي يقف أمامه في الطابور يتحدث بمداهنة لزجة لضابط الجوازات مختلطة ببعض الزهو بجواز سفره الصيني الذي حصل عليه بعد تنازله عن جنسيته الأصلية ..
وتمنى لو يملك جواز سفر لجنسيته الحقيقية .
بعد استلام الحقائب حاول فؤاد التعامل مع الساعة الذكية لكنه لا يزال لا يفهم فيها بعد .. فأمسك مالك معصمه يضغط على ازرارها ثم قال" لقد عبثت في اعداداتها يا أبي وعليّ فحصها لأعيد برمجتها.. لمَ لا تعود لاستخدام الهاتف النقال العادي؟"
قال فؤاد بعناد" ستظل الساعة في يدي وستعلمني كيف استخدمها بمجرد وصولنا لمسكننا ( وتحرك يتركه قائلا) سأذهب للحمام"


فمط مالك شفتيه ممتعضا وتحرك يبحث عن مكان ليشتري منه كوبا من القهوة .
قالت ريتا وهي تدخل أحد الكافيتريات بالمطار" ها قد وصلت يا عاصم"
قال عاصم بصوت أجش من أثر النوم" لمَ لم تخبريني حتى أكون في استقبالك يا ريتا؟"
قالت ريتا بابتسامة وهي تضع بجوارها الحقيبة التي تجرها " قررت العودة فجأة ولحقت بآخر مقعد"


قال عاصم" لو كنتِ ابلغتني قبل صعودك للطائرة
لكنت جئت إليك "
ردت بابتسامة " لم أرغب في أن أوقظك ( ونظرت لمضيفة الكافيتريا الانيقة تقول ) أميركانو من فضلك"
في نفس الوقت وقف مالك بجوارها يقول" أمريكانو من فضلك"


بينما سألها عاصم " ما أخبار الاكتئاب؟"
أجابت ريتا بوجوم" على أشده .. ولهذا قررت العودة فجأة مادام مكوثي في تركيا لم يجدي"
قال عاصم" حسنا أنا لدي موعد ظهر اليوم ما رأيك بعده أن أمر عليك ونتغدى سويا"
وضعت المضيفة كوبين من القهوة أمام كلا من ريتا ومالك فمدا يديهما لالتقاطه في الوقت الذي قالت ريتا بلهجة شقية " هل استعد لطلب زواج إذن اثناء الغداء ومحبس مخبأ في طبق التحلية يا عاصم ؟.. أنا شخصيا احضرت فستان الزفاف معي من تركيا"


قهقها معا.. بينما أمسكت ريتا يد الحقيبة بيدها الأخرى تولي ظهرها لمالك الذي وقف ممسكا بكوب القهوة يعيد تشغيل هاتفه لتضيف ريتا ضاحكة "عليّ أن أستغل الفرصة فأنت أصبحت رجلا مطلقا وعيون النساء ستتكاثر حولك وحتما ستحتاج لمن يؤنس وحدتك"


استمر عاصم في القهقهة في الوقت الذي تصلبت عجلات حقيبتها فتحركت للخلف بحركة مفاجئة وهي تحاول تحريكها لتصطدم بظهر مالك وتطلق صرخة متوجعة حين انسكب القليل من القهوة الساخنة على يدها .. وتأوه مالك وقد انسكب معظم الكوب على يده فأوقعت ريتا الهاتف أرضا وأسرعت بإمساك الكوب الساخن بكلتا يديها في الوقت الذي وضع مالك الكوب وهاتفه على الطاولة أمام المضيفة واسرع بالاستدارة الى ريتا التي غمغمت بحرج "أنا آسفة "


أخذ منها مالك الكوب ووضعه على الطاولة وهو يقول" هل احترقت يدك؟"
رفعت إليه انظارها وتسمرت لثوان .. ثم ردت بخفوت " قليلا"
تحركت عيناها معه وهو يستدير للمضيفة ويطلب منها زجاجة مياه فأسرعت بتلبية طلبه ليعود مالك لريتا" قائلا اسمحي لي"
تطلعت فيه قليلا وسلمت له يدها بحركة لا إرادية فبلل مالك منديلا بالماء وتناول يدها في كفه يلطفه بحرص بينما ظلت ريتا تحدق فيه شاعرة بهبة نسيم دافئة عطرة قد لفحت قلبها .. ورغبة مفاجئة وغير مبررة في البكاء !!.
رفع مالك إليها وجهه وتطلع في ملامحها في صمت لثوان.. تبدو أمامه في الأربعين من العمر .. شديدة الاناقة تفرد شعرها الأسود على كتفيها وظهرها ..


تملكه شعور بالسكينة وهو يتطلع في وجه هذه السيدة ويمسك بيدها ..
وتملكه ..
شعور أخر.. غريب .. ألح عليه فجأة ..
فقد خيل إليه بأنه يشم رائحة خبز ساخن قد خرج للتو من الفرن !!! .
سألها بأدب " هل أنت بخير؟ هل تؤلمك يدك؟"


رمشت ريتا بعينيها تحدق في وجهه مليا .. عيناه تشبهان جدا عيني طفلها المرحوم .. فارتجفت للذكرى وردت بصوت مبحوح " أنا بخير ألم بسيط"


رائحة الخبز الشهية تشخصت بقوة في أنفه .. فدار بعينيه في المكان بحركة تلقائية وكأنه يبحث عن مصدرها ثم عاد إليها بابتسامة واسعة ساخرا من نفسه.
وكأن ضوء الشمس يخرج من وجه هذا الشاب الماثل أمامها حين ابتسم ..
وكأن رئتيها قد امتلأتا بالأكسجين برؤيته .


أطرق مالك برأسه يتفحص يدها فتحركت عيناها تتأمل شعره الأسود الناعم .. وعضلات كتفيه وطوله المتوسط .
كانت رؤيته تدخل السرور على قلب عجوز كقلبها .. وللحظة فكرت في أمه وفرحتها كلما نظرت إليه ..
حين انزلت أنظارها تتأمل كفها في كفه لاحظت احمرارا شديدا في ظاهر يده فقالت بانزعاج وهي تسحب يدها وتمسك بيده" يدك احترقت بشدة"


اتسعت ابتسامته الساحرة وغمغم وهو يسحب يده بحرج "لا بأس"
قالت شاعرة بالألم في قلبها ويدها معا " أنا آسفة جداً .. اصطدمت بك كالخرقاء "
وضعت النادلة كوبين أخرين من القهوة أمامهما فأسرعت بالقول" على حسابي من فضلك"
دس مالك يده في جيبه الخلفي وأخرج بطاقته البنكية يعطيها للنادلة وهو يقول بأدب " اسمحي لي "


ثم مال أمام عينيها المتسمرتين عليه يلتقط هاتفها الذي بدأ يرن ويناولها إياه.. فقالت من وسط ضربات قلبها الصاخبة "شكرا جدا ..جدا ( ونظرت ليده لتضيف بلهجة متألمة ) واعتذر بشدة "


اتسعت ابتسامته مجددا فأنارت الشمس في وجهها من جديد لتغمغم في سرها" ما شاء الله لا قوة إلا بالله .. سلمت هذه الابتسامة.. والله لو مالك على قيد الحياة لكبر يشبهك "
امسك مالك بكوب القهوة وهم بالرحيل لكنه سألها فجأة "هل تشمين رائحة خبز ساخن ؟"
هتفت ريتا بتلقائية "هل تشتهي الخبز ؟؟؟"
ثم بحثت بعينيها بسرعة عن محل يبيع مخبوزات فانتبه مالك لتفاهة وعدم منطقية ما يقول لامرأة غريبة قابلها للتو فقال بحرج وقد احمر وجهه" لا بأس يبدو أني جائع وأخرف"
ظل الهاتف يرن في يدها وقد سيطر عليها شعور بالشفقة لأنه جائع ليقول مالك مغادرا " فرصة سعيدة سيدتي "


ردت بتلقائية" ريتا.. أنا ريتا .. ما اسمك ؟"
استدار إليها يقول " تشرفنا سيدة ريتا .. أنا مالك"
هتفت متفاجئة وقد انفجرت دقات قلبها " ها ؟"
أوضح ببطء " هوانغ مالك .."
رفعت حاجبيها تقول " نعم !!"
تنحنح بحرج ثم قال ضاحكا " اقصد مالك هوانغ .. (ووضع يده على صدره موضحا ) أنا مالك واسم عائلتي هوانغ ... وفي الصين نذكر اسم العائلة أولا لذا هوانغ مالك بالصينية ومالك هوانغ بالعربية "
سألته باندهاش وهي تتجول بأنظارها في ملامح وجهه "هل أنت صيني؟ ( وأشارت بسبابتيها نحو جانبي عينيها تكمل ) عيناك ليستا صينيتين ( وغمغمت في سرها : بل تشبهان المرحوم كثيرا ) "


ظل هاتفها يلح بينما قال وهو يبتعد أدبا لترد على الهاتف وقد تذكر أن والده لا يعرف كيف يتصل به عبر الساعة الذكية بعد أن ترك المكان الذي افترقا فيه " عائلتنا لها وضع معقد قليلا .. (وأحنى رأسه يحييها وهو يقول ) فرصة سعيدة سيدة ريتا"
استدار يوليها ظهره من جديد وتحرك مغادرا ففتحت الهاتف الذي يلح وهي تناديه "مالك"
استدار إليها لتقول " ضع فوقها دقيق"
عقد حاجبيه في تساؤل فأوضحت" يدك.. ضعها في الدقيق"
رفع عيناه مندهشا فأكملت بابتسامة محرجة" أمي كانت تضع الدقيق فوق الحروق وصدقني ستذهل من النتيجة "


اتسعت ابتسامته التي تضيء كالشمس أمام عينيها ثم أومأ برأسه إيماءة خفيفة .. واستدار مبتعدا يعرج عرجا خفيفا فتأملت حذائه الرياضي وذلك العرج بشفقة بينما عاصم يهتف بفزع " ريتا .. ريتا ماذا يحدث ومن مالك هذا ؟؟؟"
بعد عدة خطوات استدار مالك ينظر إليها وابتسم ابتسامة أخيرة ثم أكمل طريقه في الوقت الذي انتبهت ريتا للهاتف المفتوح في يدها وردت وعيناها لا تريدان أن تتركا الشاب "نعم عاصم "
صاح عاصم بقلق" ارعبتني يا ريتا.. فجأة صرخت وانقطع الخط "
قالت وهي تدلك جبينها تحاول لملمة شتات نفسها " اصطدمت بشاب ووقعت على يدي القهوة"
سألها عاصم بقلق " هل أنت بخير؟"
ردت بتلقائية " يده احترقت المسكين؟"
سألها باندهاش " يد من؟؟؟"
قالت موضحة وهي تتفقد بعينيها أثره الذي تبخر من أمامها " يد الشاب .. تصور أن اسمه مالك يا عاصم؟!! .. هل ستصدقني لو أخبرتك بأني أكيدة أن ابني لو كان حيا لكان بنفس الشكل"
صمت عاصم مشفقا فأضافت" إنه صيني"
علق عاصم بهدوء " صيني !!"
ردت وهي تتحرك مغادرة " يبدو أن والده صيني اسمه هوانغ مالك"
ساد الصمت بينهما لثوان وهي تجر حقيبتها خلفها مغادرة ثم قالت " عاصم"
اجابها " نعم"
سألته مفكرة " هل تعتقد أن الأسماء تؤثر على أشكال الناس ؟"


سألها في حيرة " ماذا تقصدين؟"
قالت في حيرة مماثلة " أقصد أن يكون لأصحاب اسم معين صفات معينة شكلية أو تكوينية"
رد عاصم مفكرا" امممممم لم أفكر في هذا الأمر من قبل لماذا تسألين ؟"
غمغمت وقد شعرت بغرابة ما تقول" لا تشغل بالك .. بالنسبة لموعد الغداء دعنا نؤجله .. لدي مشوار هام جدا ألح عليّ الآن لأفعله .. سأتحدث معك لا حقا .. سلام"
أما مالك فلم يجد والده في المكان الذي افترقا فيه ففتح هاتفه يتتبع مكان ساعته الذكية الموصلة بهاتفه دون أن يدري أباه .. حتى وصل لكبائن الهواتف ليجده يتحدث في الهاتف فضيق عينيه يسترق السمع .. في الوقت الذي قال فؤاد على الهاتف بلهجة لزجة " أحب الصديق حين يقف مع صديقه ويوفر له حراسة خاصة .. أين ينتظرني رجال الحراسة ؟"
تكلم صفوت بامتعاض" لسنا أصدقاء يا فؤاد .. ولا أفعل ذلك خوفا عليك ولكن رغبة مني في أن تمر زيارتك على خير .. بمجرد خروجك من باب المطار ستجد يافطة عليها اسم (درديري) لم أرغب في وضع اسمك زيادة في الحرص"


قهقه فؤاد ورد " إلى هذه الدرجة تخاف من إراقة الدماء ما لي أحاط بالكثير من العاطفيين في حياتي ! .. (وأضاف بلهجة ذات مغزى ) عموما أنا متأكد من تفانيك في حراستي يا صفوت بك .. لأن الإمساك بي سيجر قدمك في القضية القديمة .. "
رد صفوت من بين أسنانه متمنيا أن يفجر فيه قنبلة وينسفه من الوجود" الشاليه في المنتجع عليه حراسة أيضا هذا ما استطيع أن أوفره لك وأرجو أن تفي بوعدك وأن تقتصر تحركاتك على المنتجع فقط "


اقترب مالك أكثر محدقا بتحدي في عيني والده وقد سمع عبارة (القضية القديمة ) جيدا ليقول الشماع وقد لمع المكر في عينيه العجوزتين منهيا الحديث "سأغلق الخط الآن .. سلام (وتحرك يقول لمالك ) هيا بنا السيارة التي ستقلنا في الخارج "
تحرك الاثنان متجاوران يدفع مالك الحقائب وكل منهما يفكر فيما يشغله ..
الشماع سعيد أن وفر له صفوت حراسة مستبعدا أن يخونه ليس لأنه يثق فيه ولكن لأنه يراه جبانا وضعيف القلب وفي الوقت ذاته سيأمر بتشديد الحراسة عليه حتى لا يسمح لابن سعد الدين بالاقتراب وذلك لعدم إعادة فتح القضية القديمة وتورط اسمه فيها رغم أنه متأكد أن إعادة فتح القضية لن يثبت عليه شيء .


هذا باعتبار أن ابن محمود سعد الدين لا يزال يفكر في الانتقام .. ولكنه يستبعد ذلك أيضا بعد أن توقفت تحركاته بعد تلك الليلة التي اتصل به فيها مهددا .


وفي الوقت نفسه هذه الحراسة من طرف لا يعرف بهويته الحقيقية سيكون أكثر أمانا بدلا من أن يلجأ لرجاله في الوطن ويتعرض لخيانة أحدهم فعلاقته بهم علاقة عمل.. وفي عالم التجارة المشبوهة الحذر الشديد فيها واجب .. لذا لا يرغب في أن يتعرف على شخصيته أحد مما يتعامل معه عبر الوسطاء .. ولا يرغب في أن يعلم أحد منهم بزيارته للوطن .. يريد أن يظل دوما الرجل الخفي بينهم ..
لذا طمأن نفسه بأن كل شيء على ما يرام فهو كعادته خطط بذكاء شديد .


أما مالك فظل يحدق في احمرار ظاهر يده القابضة على عجلة حمل الحقائب .. ثم رفع أنظاره يتطلع في الوجوه حوله يبحث بفضول عن تلك المرأة الأنيقة متعجبا من ذلك الإحساس الذي لا يزال يسيطر عليه باشتهاء الخبز الطازج !
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-12-19, 01:04 PM   #433

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 2

العاشرة صباحا
ترجل يونس من سيارته في حالة مزرية بعد أن بقي لفترة بعد مغادرة صفوت يحاول استيعاب ما سمعه .

هل المجرم سيعود للوطن اليوم ؟
هل فارس يعلم بذلك أم لا ؟

ماذا لو كان يعلم ؟..
هل هذا يعني انه سينفذ تهديده لصفوت الذي سمعه منذ قليل بالانتقام لوالده؟

هل يعلم فارس بالحقيقة كاملة؟

لا ... يستبعد تماما أن يكون على علم بها .. فلو كان يعلم لما تصرف هكذا أبدا ..

وهذا يعني أن فارس لا يمكن أن يقابل الشماع أبدا.

عليه أن يحاول استدراج فارس ليتأكد إن كان يعلم بمعلومة وصول الشماع صباح اليوم أم لا.

فجأة تذكر حديث فارس والشيمي في ذلك اليوم في المكتب .

الشيمي !
لمح الشيمي خارجا من المصنع يرتدي ملابس عادية كالتي كان يرتديها قبل أن يعين مديرا لأحد الفروع .. وتعجب من أن يترك الحدث الدائر في المصنع الآن ويغادر .
حدسه ألح عليه أن يذهب وراء الشيمي مستبعدا أن يستطيع التحدث مع فارس حاليا فهو بالتأكيد يستقبل المدعوين من كبار رجال الأعمال لذلك الاحتفال .. فعاد لسيارته وهو يتابع الشيمي بملامحه الجادة الذي دخل سيارة دفع رباعي ولم يكن معه زغلول .

فقرر الذهاب خلفه ليعلم إلى أين وجهته بالضبط

××××
منذ عشرين عاما
كان قلبه الصغير يرتجف بشدة وهو يُلقى في السيارة المرابطة في الظلام ..وتلتقطه يدا كبيرة تسد فمه بسرعة حتى لا يصرخ وصوت يقول بطريقة مخيفة " اتركوا الصبي لي .. واحرقوا البيت كله لا أريد منه حجرا غير متفحم .. ثم اختفوا وابقوا على أهبة الاستعداد إذا ما احتجت إليكم "
كاد الخوف أن يخلع قلبه من مكانه .. فظل ينتفض وعيناه العسليتان تحدقان في ذلك الرجل ذي الرأس المظلمة أمامه .. لا يظهر من ملامحه سوى سن ذهبي يضيء في الظلام بشكل مرعب.. لكنه بمجرد أن انتبه لأن السيارة قد بدأت في التحرك بعيدا عن بيته استجمع قواه وعض تلك الكف التي تكمم فمه.. فتوجع صاحبها بشدة وتركه ليتحرك يونس ويفتح باب السيارة التي تجري صارخا " انجدونيييييي"

ضربه الشماع بقضبته في ضلعه بقوة ضربة كادت أن توقف عضلة قلبه وصاح وهو يعيد غلق باب السيارة " اخرس .. لو سمعت لك نفسا سأقتلك وألقيك للكلاب هل تفهم؟ .. ستذهب معي حتى يعطيني والدك ما يرفض أن يسلمه لي"

الألم شديد في ظهره والرعب يسيطر عليه.. ويريد أن يعود لعائلته بسرعة فقال ببراءة" أرجوك .. أرجوك دعني اذهب يا عم.. وسأخبر أبي بأن يعطيك ما أخذه منك"

قبض الشماع على شعر يونس يشد رأسه للخلف وهو يقول بفحيح مرعب بجوار وجهه وقد برقت عيناه وسِنه في نفس الوقت " اسمي الشمااااااااااع وليس العم .. احفظ هذا الاسم جيدا (واحمرت عيناه أكثر وهو يهدر بعنف)لا أريد نفسا ( ثم توجه للسائق يقول ) اعطني شريطا لاصقا "
بحث الرجل قليلا ثم ناوله إياه ليسرع الشماع ويقطع قطعة أمام عيني يونس المرتعبتين.. وهو يتأمل وجه خاطفه المرعب ويلصقها على فمه قائلا "وهذا سيساعد في أن تبقى ولدا مؤدبا دون أن تزعجني "
فانهمرت الدموع من عيني يونس في صمت مرتعب ..

بعد قليل.. ركنت السيارة في أحد الشوارع .. فحدق يونس في الظلام وهو يشهق بحركة رتيبة من كثرة البكاء .. بينما وقف الشماع عند كشك سجائر صغير وسمعه يونس يجري مكالمة قائلا" اسمع يا رضا محمود سعد الدين بالتأكيد سيأتي ليبحث عني لأن معي شيئا يريده حين يأتيك أخبره عن لساني أن يجهز ما يخصني لديه ويبلغك ووقتها سأخبره أين نلتقي .. وإذا لم يأتيك خلال ساعات أرسل له من يخبره بأن أبنه الصغير عندي .. سأتصل بك كل ساعتين لأرى إن كنت قد أبلغته أم لا.."

بعد دقيقة جلس الشماع من جديد بجوار يونس قائلا بتلك السنة الذهبية المخيفة " تركت خبرا لوالدك يسلمني ما يخصني واسلمه ما يخصه .. (ثم أظلمت ملامحه وهو يضيف ) وبعدها يبدأ الحساب يا محمود سعد الدين "
واستدار لسائقه يأمره بالمغادرة.

لم يستقبله بعد ساعتين سوى خنفساء وبرص في ذلك المكان المرعب المهجور..
بناية تحت الانشاء من الطوب الأحمر أرضها رملية وبعض جدرانها غير مكتملة ..

ألقاه الشماع في إحدى الغرف فوقع على الأرض المليئة بالرمال وظل يحدق في تلك الخنفساء بجوار الحائط مرعوبا .. وقبل أن يحاول أن يزمجر بغل مختلطا بالدموع من حنجرته بفمه الذي لا يزال مغلقا بالشريط اللاصق .. أغلق الشماع عليه باب خشبي قديم للغرفة به شقوق وفراغات إحدى هذه الفراغات في منتصف الباب بحجم كف كبير سمح له رؤية ذلك الرجل منه بوضوح تحت الانارة الصفراء الوحيدة المنبعثة من صالة الشقة وهو يتحدث مع أحد رجاله .. فأخذ يضرب الباب بيديه وكتفه بعنف وغضب جعل الشماع يقترب من الباب بعصبية ويضرب عليه بكفه أكثر من مرة هادرا بصوت مرعب "لا أريد أن أسمع لك صوتا أيها الصبي وإلا سأقتلك قبل أن يصل والدك"

انخرس صوت يونس في حلقه وأخذ يشهق وهو يتطلع في الغرفة حوله متسائلا:
من سيأتي لينقذه؟ .. والده؟ أم فارس؟ أم الاثنان معا؟؟

الجو بارد ..
بل شديد البرودة .. وهو يريد أن يتبول .. وذلك البرص الكبير على الحائط يطلق صوتا يخيفه.

حضن نفسه وافترش الأرض يتابع حركة الخنفساء البطيئة جدا كالوقت الذي يمر عليه .. وتذكر ما قاله له فارس من قبل حين كان يخاف من الصعود وحده إلى السطح في الظلام .. بأن عليه ألا يخاف .. فهو دوما سيأتي لينقذه كسوبر مان إذا ما ألم به مكروها .

هل سيأتي فارس وينقذه كما وعد؟
هل سيأتي والده؟
هل لاحظ أحد خروجه من البيت؟

أسرع يا أبي ..
أسرع يا فارس ..
أنا خائف جدا .. وأريد دخول الحمام.
انتبه يونس من شروده واجتراره للذكريات التي تتفجر كأصابع الديناميت في رأسه منذ أن رأى وجه صفوت عظمة صباح اليوم وسمع اسم (الشماع ) وعلم بأنه قادم للبلاد ..
اعتدل في وقفته في الصحراء خلف أحد التلال وقد ركن سيارته على بعد يتابع من بعيد الشيمي الذي انضم لرجاله يقفون على جانبي الطريق السريع في تلك البقعة الفارغة من السيارات حيث أنها طريق فرعي ممهد ومخصص لمنتجع (ايزادورا السياحي ) على بعد عدة كيلو مترات فلا يمر بها إلا المتوجهين للمنتجع فقط أو العاملين فيه.

المعلومات التي علمها منذ قليل قلبت كيانه كله ووقوف الشيمي ورجاله هنا لا يحتاج لتفسير.. فارس يعلم بوصول الشماع وسيقوم بخطفه .. وهذا ما لن يسمح له بأن يحدث أبدا مادام هو على قيد الحياة .. لن يسمح لفارس بمقابلة الشماع حتى لو اضطر لقتل الأخير بيده.

عيناه اللتان تقدحان شراسة وغل وجنون دارت في المكان وهو يتحسس مسدسه في الجيب الخلفي لبنطاله ثم اطفأ السيجارة التي اوشكت على احراق أصابعه وأشعل أخرى ووقف يقيّم عدد رجال الشيمي ويضع أكثر من خطة في رأسه للتصرف ..

مادامت المواجهة قد حانت ..
مادامت لحظة الانتقام قد اقتربت ..
فلن يسمح لفارس بمقابلة الشماع.

ثأره وثأر والده سيأخذه بيده ..
سيقتله كما قتل والده ..
سيقتله ويسلم نفسه للشرطة .
سيقوم بالمهمة بدلا من فارس فهو الأولى بالقيام بها .. هو من له ثأر مباشر مع هذا الحقير ..
سيفعلها بدون ندم.
سيفعلها ولن يهتم أبدا بأي شيء أخر ..
و سيموت سعيدا جدا بعد أن يتشفى في هذا الكلب الحقير.
×××××

بعد دقائق صاح مالك في السيارة بغضب " منتجع !! أي منتجع يا أبي .. هل جئت إلى هنا لأمكث في منتجع يبعد عن العاصمة !! .. أنا أريد أن اتعرف على البلد وعلى الناس"

رد الشماع بتهكم " المنتجع فيه من أهل هذه البلد وليسوا مستوردين والله ! "

هتف مالك بعصبية " وأنا لا أريد السكن في منتجعات يا أبي .. وبمجرد وصولي سأغادر إلى أي مكان في العاصمة (ونظر للسيارة التي تسير أمامهم منذ أن خرجا من المطار والتي تحتوي على عدد من الرجال الأشداء وقال بغيظ ) ولا أفهم لماذا نحن نسير بهذا العدد من الحراسة كأفراد العصابات !!"

انقلبت مقلتي الشماع يحدج ابنه بنظرة خطرة قائلا من بين أسنانه "ستبقى يا مالك في المنتجع وستظل هذه الحراسة ترافقنا حتى نعود لأننا شخصيات هامة"

غلب غضبه حكمته فصاح مالك في السائق آمرا " أوقف السيارة .. أوقف السيارة قلت"

نظر السائق للشماع في مرآة السيارة الأمامية ينتظر توجيهاته فأشار له الأخير بألا يتوقف .. ليضع مالك يده على عتلة الباب والسيارة تجري على الطريق قائلا" وأنا لن أبق معك ما دمت مصرا على التصرف بالكيفية التي تراها أنت فقط .. لقد سئمت من هذا الأسلوب"

أسرع الشماع بإمساكه بقوة من سترته قبل أن يفتح الباب .. وهدر فيه من بين أسنانه" اسمع يا غبي .. أنا كأي رجل أعمال لي أعداء .. وسلامتك من سلامتي ..فأنت من سيرث اسم الشماع وسيبقي اسمه مخلدا .. لماذا لا تسمع الكلام .. لماذا تعاندني دوما "

تطلع مالك في وجه أبيه بغيظ وانفاسه تتسارع بانفعال..

كان محبطا بشدة .. لقد تصور بأنهما سيسكنان في فندق في العاصمة وسيستطيع أن يتحرك بحرية في الشوارع ويتتبع والده إن لزم الأمر ليرى من سيلتقي به من اصدقائه القدماء لربما علم أحد منهم عن أمه أو يبحث بصورة شهادة ميلاده عنها أو عن قبرها .. لكن في هذا المنتجع وبتلك الحراسة المشددة المرعبة ماذا سيفعل الآن؟.
فجأة ظهر على مرمى البصر سيارة دفع رباعي من خلف التلال تعترض الطريق فهدأت السيارتين سرعتهما تدريجيا قبل أن يقول الشماع بقلق" ما هذا ماذا يحدث؟؟"

قال الشخص الجالس أمامه بجوار السائق بعد أن سمع من زميله في السيارة الأخرى عبر السماعة المثبتة في أذنه "يبدو أنه هجوم علينا "

جحظت عينا مالك بعدم استيعاب لما يحدث بينما هدر الشماع في السائق "عد للخلف بسرعة"
قبل أن ينفذ السائق كانت سيارة دفع رباعي أخرى تظهر من الخلف تقف بعرض الشارع تغلقه ويترجل منها الشيمي وشخصين أخرين .. بينما السيارة الأولى الأمامية التابعة للشيمي قد ترجل منها عددا من الرجال الذين يمسكون العصيان الغليظة ليلتحم حرس الشماع مع أتباع الشيمي تحت شعار ( البقاء للأقوى ) .

نظر الشماع أمامه وخلفه يحاول استيعاب خطورة الوضع وقد ازدادت ضربات قلبه عنفا مرعوب كفأر وقع في مصيدة ويصارع للخروج منها .. بينما ظل مالك مذهولا مصدوما لا يفهم ما يحدث..

اقترب الشيمي من سيارتهما عملاقا مخيفا يحاول فتح الباب المجاور للشماع الذي أسرع بإغلاقه بالقفل من الداخل .. ليبتعد الشيمي للخلف يرفع عصاه الضخمة وقد اظلمت ملامح وجهه يهم بضرب الزجاج .. قبل أن يفاجئه أحدهم ويطوق رقبته من الخلف بسلسلة حديدية ضخمة في محاولة لخنقه وهو يسحبه بعيدا عن سيارة الشماع ..

حاول الشيمي تخليص نفسه من غريمه بينما صاح مالك بتوتر "ماذا يحدث يا أبي .. من هؤلاء وماذا يريدون منا ؟؟"
غمغم الشماع وعيناه الماكرتين تتجولان بسرعة في المكان "قلت لك لي أعداء لم تصدقني .. كان يوم أسود حين طاوعتك وعدت (وأمسك بذراعه يقول وهو يفتح عتلة الباب ) هيا بنا"
صرخ مالك وهو يرى والده يخرج " إلى أين يا أبي !! المكان حولنا صحراء !!.."
لم يسمعه الشماع وقد ترجل من السيارة بالفعل يحرك مقلتيه بسرعة في المكان يبحث عن مهرب .. فالتقت عيناه بعيني الشيمي المخيفتين الذي يزمجر بقوة وقد انتفخت عروق عنقه ووجهه يحاول بقوة التخلص من السلسلة حول رقبته ومن الشخص الواقف خلفه.. فأحس الشماع بأن هذا الضخم اوشك على التخلص من غريمه وسيكون هو التالي له .. فاستغل الحرب الطاحنة بين الفريقين وقال لمالك الذي ترجل من السيارة بجواره "هيا قلت "

تحركا فاعترضهم أحد اتباع الشيمي يحاول الإمساك بالشماع الذي جحظت عيناه .. فمال مالك يلتقط أحد العصيان من الارض وهو يصيح " أبتعد أنت يا أبي "

وبدأ يحاربه بطريقة (الكونغ فو) ليبعد الرجل عن والده الذي أسرع بالهرب وهو يقول لابنه "تخلص منه والحق بي"
تصارع مالك بعصاه ضد عصا الرجل بقوة وعزم وكلاهما منتفخ العروق يحدق في عيني الأخر قبل أن يضرب الشيمي مالك في ساقه بقدمه من وسط صراعه مع غريمه فاختل توازن مالك فجأة وسقط أرضا ليمسك به تابع الشماع يرفعه عن الارض ..

أدرك مالك حينها أنه قد وقع في قبضتهم فآثر الهدوء والاستسلام من مبدأ السلامة ونظر حوله يبحث عن والده الذي اختفى خلف التلال المتاخمة للطريق السريع ..
××××
منذ عشرين سنة.. في ليلة مظلمة خطف ذئب ماكر نمر صغير وحين أتى والد النمر ليخلصه افترسه الذئب وقضى عليه ..
والآن في وضح النهار .. وتحت الشمس وقف نفس النمر متربصا هادئا ظاهريا .. بينما الذئب الذي صار عجوزا ظل يعدو ويعدو رغم لهاثه واستغاثة رئتيه لكن غريزة البقاء قد دبت فيه طاقة تفوق عمره للنجاة لا يفكر سوى في نفسه .
كانت الصحراء وتلالها هي ما يراه الشماع أمامه وهو مستمرا في العدو .. ورغم الألم القوي في صدره كان يمسك بساعة معصمه يضغط على أزرارها بغيظ لا يعرف كيف يجري أي مكالمة منها ..

عليه أن يستنجد بأحد ..
عليه أن يتحدث مع صفوت..
لا لا .. من الممكن أن يكون صفوت متواطئا مع فارس ..
لا يجد أمامه سوى الاتصال برجاله في البلد متمنيا أن يسعفه أحد منهم.

لكن تلك الساعة اللعينة لا تعمل
لماذا اصر على ارتدائها
ما هذا الغباء !

واصل عدوه يتعثر في الرمال الساخنة التي يشعر بها وقد ملأت حذائه بينما يونس يتابعه وهو يقترب منه وكأن القدر يقدمه له على طبق من فضة.
إنه يراقب ما يحدث منذ بدايته وكان ينتظر ليرى من الفائز ليهاجمه بدوره مستغلا وجود مسدسه بحوزته ليجبرهم على ترك الشماع له .. خاصة أن هذا النوع من البلطجية أو الحرس لا يتعاملون بالمسدسات لخطورتها وقت الغضب ولكن يتعاملون بالعصيان والأسلحة البيضاء فقط .

وحين لمح ذلك العجوز يهرب من السيارة خمن بأنه الشماع .. وكلما اقترب منه .. كلما تيقن بأنه هو.

أوشك الشماع أن يسقط مغشيا عليه من الإعياء فأبطأ من خطواته بإجهاد وهو ينظر خلفه من وقت لأخر ليتأكد من أن لا أحد يتتبعه متسائلا إن كان مالك قد وقع في يدهم أم لا .

شتم مالك وشتم غباؤه وتوعد فارس وصفوت والجميع..
سينتقم منهم كلهم ..
وسيريهم كيف يكون غضب الشماع ..
المهم أن يصل لأحد من رجاله بسرعة.

فجأة ظهر أمامه شاب يشهر مسدسا في وجهه يقول" إلى أين يا ..... شماع"

جحظت عيناه وتفاجأ بأن هناك من اتبعه .. فأطلق ساقيه للريح .. لكن يونس كان لا يزال يحتفظ ببصيص من عقل في رأسه الذي يغلي كبركان خامد قد تفجرت حممه صباح اليوم .. فلم يطلق عليه الرصاص .. وإنما جرى خلفه .. ليطارد النمر الذئب العجوز قبل أن تخون الأخير ساقيه وتتعثر في الرمال أكثر من مرة لكنه ظل مدفوعا بغريزة البقاء حتى لحق به النمر الشاب وهجم عليه فأوقعه منكفئا على وجهه .

كبل يونس يدي الشماع خلف ظهره مبطوحا على الأرض جانب وجهه مدفونا في الرمال الخشنة الساخنة التي يأخذها إلى فمه مع تنفسه العالي .. فمال يونس يضغط بكفه على جانب وجه الأخر قائلا بجوار أذنه بلهجة ساخرة " اشتقت إليك يا ... شماااااااااع "

أحقا تلك اللحظة حقيقية.
هل يمسك بيديه الآن بمن هو سببا لكوابيسه على مدى عمره كله !
حاول الشماع المقاومة للإفلات من يدي يونس فهدر الأخير قائلا بجنون "اهدأ ولا تصعّب عليّ مهمتي (وسحبه من ياقة ملابسه بقوة يرفعه واضعا المسدس في رأسه آمرا ) انهض وتحرك معي "

بمجرد أن استقام الشماع ونظر يونس في وجهه مدققا تفجرت كل الذكريات والمشاعر المؤلمة المختزنة عبر السنين .

كل شيء بدا أمامه وكأنه الليلة الماضية ..
لكنه لم يعد خائفا ..
لقد كبر واشتد عوده و قوي قلبه وساعده .. وأصبح جاهزا للأخذ بثأره ..

كل شيء بدا وكأنه الليلة الماضية ..
لكنه يستطيع أن يدافع عن نفسه الآن .. فعاجل الشماع بقبضته القوية يلكمه في وجهه فسقط أرضا .
ليقول الشماع من بين لهاثه " اسمع يا بني .. سأمنحك كل ما تريد من نقود .. أكثر من التي سيمنحها لك من أرسلك.. صدقني أنا قادر على اغراقك بالأموال .. فدعنا نتفاهم "
انفجر يونس ضاحكا فجأة .. ثم عادت واظلمت ملامحه بعبوس خلال ثوان يقول بمقلتين مرتعشتين بالجنون "يبدو أنك لم تتعرف عليّ بعد .. ( وأكمل بلهجة متعاطفة مزيفة ساخرا ) معك كل الحق يا مسكين فقد كنتُ صغيرا جدا حينها .. وكنتُ أبكي كالفتيات "

رفع إليه الشماع عينيه الدامعتين المليئتين بالرمال لا يراه بوضوح .. لكن خيل إليه بأنه سبق وأن رآه من قبل .. وقبل أن تسعفه ذاكرته كان يونس يضع ساقه فوقه يثبته في الأرض ..ثم حشر المسدس في حزامه يخلع عنه سترته .. وألقى بالسترة أرضا ثم خلع قميصه .. ومال على الشماع يثبت جسده بركبته في الأرض ويربط معصميه بكم قميصه بقوة وهو يحدق في عينيه بتلك الحدقتين اللتين تتراقصا فوق حمم بركان متفجر .. فجحظت عينا الشماع وقد بدأ يخمن هويته .. وما خمنه لم يكن مريحا أبدا .. فعلى حسب ذاكرته قد رآه في صورة من ضمن الصور التي أرسلت إليه لعائلة سعد الدين .. وإن صح ظنه فهو ذلك الصبي الذي كان يحتجزه .. ابن سعد الدين .. وتلك العينان الشرستان أمامه تؤكدان ذلك .

سحبه يونس من ياقة ملابسه مجددا ليستقيم واقفا فوقف الشماع لاهثا يتطلع في يونس بفانلته السوداء ذات الحمالات وعضلات كتفيه اللامعة تحت أشعة شمس الظهيرة .. فازدادت ضربات قلبه بتوتر وارتفع الادرنالين في دمه ولم يكن قادر على التحرك أمام يونس الذي دفعه بخشونة آمرا "تحرك"

قال الشماع بعينين تقدحان شررا ومعصماه مقيدان أمامه "أنت ابن سعد الدين الصغير أليس كذلك؟"
صفق يونس ببطء وسخرية ورد متهكما" رائع .. رائع الذئب العجوز لا يزال يحتفظ بذاكرته (واظلمت ملامحه يقول وهو يدفعه بخشونة ) أم انك كنت تراقبني ؟!!.. ( وصاح بغلظة ) هيا أمامي "


كاد الشماع أن ينكفئ على وجهه فأمسكه يونس من ملابسه كما يُمسك اللصوص قائلا بسخرية " اجمد يا وحش .. أمامنا رحلة ممتعة سنسترجع فيها الذكريات"

بعد دقائق كان يونس يلتقط رابطة عنقه من داخل سيارته .. ويقترب من الشماع الذي هدر قائلا رغم رعبه "ماذا ستفعل بالضبط؟؟"

رد يونس ساخرا "لا تخف لن أخنقك بها .. سأتلذذ أولا بتعذيبك وبعدها...."
صاح الشماع منفعلا يحاول اخافته "ما تفعله ستندم عليه كثيرا.. فرجالي منتشرون في كل مكان و...."

لكمه يونس في وجهه بقوة .. فتفجرت الدماء من أنفه ليلف الأول رابطة العنق حول رأسه ويدخلها بين فكيه ويربطها بقوة .. ثم دفعه نحو حقيبة سيارته وسط اعتراض الأخير وزمجرته الغاضبة وعيناه اللتان كانتا تخيفان يونس ذات يوم .. فحشره بداخل حقيبة السيارة يربط ساقيه بكم القميص الأخر .. ثم أغلقها جيدا قبل أن يتوجه بهدوء شديد نحو مقعده أمام عجلة القيادة .. منفصلا تماما عن العالم من حوله وكأنه قد دخل هو وقاتل أبيه في كبسولة تفصله حتى عن أي صرخات لعقله بأن يستفيق من جنونه ..
أشعل يونس سيجارة .. وسحب منها نفسا كبيرا .. وشغل السيارة مبتعدا عن من لا يزالون يتقاتلون على بعد اثنين كيلو متر تقريبا.
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-12-19, 01:05 PM   #434

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 3

مع كل خطوة كانت تخطوها ريتا في المقابر كانت كمن تنبش في جرح لم يندمل بعد رغم مرور السنين ..
موجع هو فقد الابن ..
حارق هو ذلك الشعور فوجعه يفوق كل الأوجاع ..
كنار تحرق القلب ولا تهدأ أبدا.
ورغم مرور السنين يظل الألم هو ذاته ..
على نفس قوته ومرارة طعمه ..
وتظل تلك الأمنية التي تدور في الذهن والتي لا تهدأ أبدا رغم استحالة تنفيذها
( ليتني أستطيع أن أهبه حياتي ليعيش هو وأنا أموت) .
شعرت ريتا بالألم في قدميها فمالت تخلع عنها حذائها ذا الكعب العالي وتكمل طريقها بين المقابر لا ترتدي في قدميها إلا جوربها الأسود المصنوع من النايلون الشفاف .. ومدت يديها ترفع شعرها في عقدة فوق رأسها وهي تتذكر كيف حرمت حتى من توديع طفلها قبل أن يتركها ويتوارى تحت التراب ..
اقتربت من مقابر العائلة ووقفت تتلمس جدران المدفن من الخارج .. ثم بحثت بيد مرتجفة في حقيبتها على المفتاح داعية ألا يكون قد غيره خالها .
صوت صرير البوابة الحديدية وهو يُفتح بعد دقيقة كان كصرخات قلبها الملتاع .. فانهمرت الدموع من عينيها وهي تخطو حافية للمدفن وتتجه مباشرة إلى حيث يقع قبر صغيرها ..
لقد مر وقت طويل منذ آخر زيارة لها إلى هنا في محاولة منها لنسيان مالا يمكن نسيانه.
غمغمت ريتا بخفوت من وسط دموعها "مرحبا يا صغيري .. هل اشتقت لماما يا مالك .. أم إن من يرحلون لا يشعرون بعذاب ذويهم من الأحياء"
قالتها ثم فتحت حقيبتها لتخرج منها ورقة مصفرة قديمة تطلعت فيها ثم سقطت على ركبتيها و اجهشت بالبكاء بينما الورقة التي في يدها مكتوب فيها (شهادة وفاة الطفل مالك فؤاد نشأت الشماع )
×××××
وقف فارس بين ضيوفه من رجال الأعمال في ساحة مصنعه يرتدي قناعا خشبيا يداري به قلقا عظيما يعتريه .. ويتطلع في ساعته وهاتفه كل دقيقة.
إنه يعيش أصعب لحظات حياته حاليا .. ويتمنى المغادرة لكن يونس غير موجود ولا يرد على اتصالاته ..
ولا يعرف أين ذهب ذلك البغل في حدث مهم كهذا ..
كان يتمنى أن يتركه مع الحاضرين ليستكمل باقي فاعاليات الاحتفال بعد أن انتهت الأحداث المهمة فيه .
رن هاتفه فتطلع في الشاشة بسرعة ليجد كارمن .. فلم يرد ..
كما يفعل منذ تلك الليلة بينهما في شقة عاصم لم يرد..
منذ أن أتاه خبر وصول الشماع ..
وكأنه لو سمع صوتها سيتراجع .. رغم أنه بحاجة شديدة لمن ينصت إليه .. بدون لوم .. بدون انهيارات عصبية .. بدون محاكمات .. إنه بحاجة ماسة لأذن صديق يسمعه ويسمعه ويرتب معه ويفند أمور كثيرة لم يبح بها لأحد من قبل ..
فكر في يونس لكنه استبعد الفكرة فورا .. ليس فقط لأن يونس متطرفا في مشاعره وحمائي ولكن لأن هذا الأمر بالذات حساس جدا بالنسبة ليونس ولا يريده أن يقترب منه بأي شكل من الأشكال .
بل إنه رفض أن يسأله المحققون عن أي شيء وقت التحقيق في قضية والده .. صحيح أن يونس قضى وقتا لديه خرس نفسي بعد الحادثة لكنه حتى لو كان ينطق لما وافق أبدا على إعادة تلك الذكريات لذهنه .. لقد استلمه ذلك اليوم طفل محطم شبه ميت .. وكلما تذكر ما تعرض له ووقعت عليه عيناه حاليا يحمد ربه على فضله وكرمه أن استطاع يونس التغلب بشكل كبيرعلى أثر هذا الحادث.
يا الله ! !
الذكريات كلها تحاصره.
حاضرة في رأسه منذ مساء تلك الليلة التي علم فيها بالموعد الأكيد لوصول الشماع .. واليوم بالذات كل شيء حاضر في ذهنه كما لو كان قد حدث ليلة أمس .
دس يده في جيب بنطاله وأخرج تلك القطعة الصغيرة من الحجر التي كانت في كف والده حين وجده غارقا في دمائه والتي يحتفظ بها منذ ذلك اليوم لتذكره بانتقامه ..
رن هاتفه من جديد فأسرع ينتحي جانبا ويرد على الشيمي بلهفة " طمئني يا شيمي "
صمت الشيمي لثوان كانت معذبة لفارس ثم قال " كان معه حراسة مشددة كما توقعنا .. التحمنا معهم لكن بكل أسف فر الجبان هاربا في الصحراء مستغلا انشغالنا في التعامل مع الحرس وترك ابنه بين أيدينا"
قال فارس متفاجئا " ابنه !!"
ثم شتم بعصبية يلعن الشماع وهو يضرب الحائط بقدمه بإحباط قبل أن ينتبه لوجوده بين الناس .. بينما نظر الشيمي لحرس الشماع الذين يجلسون القرفصاء بجوار إحدى السيارات.. و مالك ذراعاه مكبلان خلف ظهره يتحفظ عليه أحد رجاله ثم أضاف " تعلم أن وجودنا في مكاننا لوقت طويل سيكشفنا وسيعرضنا للخطر.. هذا بالإضافة لأن رجال الحراسة اتوقع أنهم تابعين لصفوت عظمة وليس الشماع هذا ما يخبرني به حدسي وبالطبع لم ولن يخبرونا لأي جهة يتبعون .. لذا لن نستطيع البقاء هنا طويلا .. لابد أن نتحرك فورا ونفتح الطريق قبل أن يلاحظ أحد ويبلغ الشرطة بالإضافة لأنه هناك عاصفة رملية تلوح في الأفق ستصعب أي محاولة للبحث في الصحراء "
قال فارس بإنهاك وهو يدعك جبينه بقوة " حسنا انسحبوا من مكانكمفورا"
سأله الشيمي " وابنه هل نطلق سراحه أم نأخذه كورقة ضغط بها على الشماع ؟"
وقف فارس في حيرة .. صعب هو الشعور بأنك اقتربت مما تنتظره منذ سنوات ثم تفقده في ثانية فرد بإحباط " تحفظ عليه يا شيمي وحاول أن تعرف منه أي معلومة عن والده.. وسننتظر أن يتصل بنا هذا النذل "
قال الشيمي بهدوء " علم وينفذ "
ونظر لرجاله مشيرا بيده ففهموا أن يستعدوا للمغادرة ومعهم مالك ليسأله فارس " هل أصيب أحد ؟"
رد الشيمي بطريقة آلية " واحد من رجالنا في وضع مقلق وأمرت أحدهم باصطحابه للمستشفى فورا واثنان من حرس الشماع أصيبوا أيضا "
شعر فارس بالاستياء واثقله الشعور بالذنب بشدة فتمتم "اهتم برجلنا يا شيمي ولا أعرف ماذا أفعل للرجلين الآخرين "
رد الشيمي مطمئنا " لا تحمل هما يا بك اصابتهما ليست خطيرة كما أنها مهنتهم ويعلمون بمخاطرها جيدا (وتحرك يركب إحدى السيارات وهو يقول) سأخبرك بالتطورات أولا بأول "
قبل أن يغلق قال فارس " شيمي .. ذلك الشاب ابن الشماع لا تؤذيه "
نظر الشيمي خلفه لمالك الجالس بهدوء ثم قال " لا تقلق يا بك أنا رجلك وأعلم جيدا ما ستقوله قبل أن تتفوه به"
هز فارس رأسه عدة مرات وهو ينزل الهاتف من على أذنه وينظر لقطعة الحجر في يده بحسرة ثم اطبق عليها بقوة وغضب وشعور كبير بالذنب حتى كاد أن يكسرها في قبضته .
بينما تحركت سيارتي أتباع الشيمي بسرعة تحمل معها مالك مطلقة سراح حرس الشماع بعد أن مزقوا لهم إطارات سياراتهم .
××××
بعد عدة ساعات
فتحت ريتا عينيها تنظر حولها بعد أن غفت أمام قبر ابنها قليلا بعد وقت طويل من البكاء.. فوجدت نفسها جالسة تفترش الأرض ظهرها يستند على الحائط.. فنظرت فيهاتفها لتجد الساعة قد اقتربت من الرابعة عصر.
عليها المغادرة فالطريق إلى العاصمة يحتاج لثلاث ساعات تقريبا .. لكنها فاقدة للطاقة وترغب في البقاء قليلا بجوار ولدها .. فأسندت رأسها للخلف على الحائط واغمضت عيناها بإجهاد نفسي وبدني ..
بعد قليل أصدرت بوابة المدفن صريرا عاليا جعل ريتا تفتح عينيها بإجفال وهي تشاهد امرأة في أواخر الثلاثين من العمر تمسك بيد أخرى طاعنة في السن وتغمغم وهما تدخلان من البوابة " يا أمي لا أفهم لماذا ترهقين نفسك بهذا الشكل؟؟.. لقد كنتِ هنا قبل أسبوع .. والارصاد تحذر من هبوب عاصفة رملية وشيكة "
قالت العجوز غاضبة "حبيبي ناداني .. كيف يطلبني ولا آتي إليه "
ظلت ريتا على حالتها تتطلع فيهما بابتسامة حزينة قبل أن تنتبه المرأة لوجودها وتمسك في والدتها بقوة هاتفة برعب " بسم الله الرحمن الرحيم .. سلام قولا من رب رحيم .. من أنت ؟"
اسندت ريتا رأسها للخلف على الحائط غير قادرة على الحركة وهي تقول بنفس الابتسامة الحزينة" كيف حالك يا نجاة؟"
سألت العجوز ابنتها "من هذه يا نجاة؟"
هتفت نجاة وهي لا تزال تمسك بقوة في والدتها " قلت من أنت ؟ أنس أم......."
اتسعت ابتسامة ريتا وقالت" ألا تعرفينني يا نوجة؟ أم أن هيئتي الجديدة غيرتني لهذه الدرجة "
حدقت فيها نجاة بقوة تتأمل ملابسها الأنيقة وشعرها ثم دققت في ملامحها وغمغمت بشك "أبلة رتيبة؟؟!!!"
سحبت ريتا نفسا عميقا وهي تسمع اسمها الحقيقي بعد كل هذه السنين والذي يذكرها بأيام لا ترغب في تذكرها ثم ردت بهدوء" نعم رتيبة"
سألت العجوز ابنتها" من هذه يا نجاة؟"
أجابتها نجاة تعلي صوتها لتسمعها " أبلة رتيبة يا أمي (ونظرت لريتا تقول وهي تحاول استيعاب المفاجأة) ماذا تفعلين هنا بعد كل هذه السنين !!"
سألت العجوز بغباء وهي تحدق في ريتا مضيقة عينيها " رتيبة من؟"
في الوقت الذي ردت ريتا على نجاة ساخرة " ماذا تتوقعين؟.. أزور ابني بالطبع"
سألتها نجاة "ومن ذكرك به الآن؟"
اعتدلت ريتا في جلستها تقول باستنكار "ومن قال بأني قد نسيته!! .. ومن قال بأني لم أزره بعد أن تركتكم وتوجهت للعاصمة ! "
قالت نجاة معاتبة "لأنك لم تسألي فينا منذ أن رحلت"
حاولت العجوز من تلك المسافة التي تفصل بينهما أن تتعرف على ريتا لكن نظرها الضعيف وسنها الكبير لم يساعداها فصرخت في ابنتها "قلت رتيبة من يا نجاة؟"
قالت نجاة لأمها بعصبية " رتيبة يا أمي .. رتيبة ابنة عمتي هل لدينا أكثر من رتيبة !!"
قالت ريتا تعلي صوتها " كيف حالك يا زوجة خالي.. مر وقت طويل ؟"
لمعت عينا العجوز فجأة.. وتغيرت ملامحها لتصبح غاضبة وهي تهم بالاندفاع نحو ريتا لكن جسدها الطاعن في السن لم يسعفها فكادت أن تسقط ..
فأمسكت بها ابنتها بسرعة بينما قالت العجوز صارخة" ماذا أتى بك إلى هنا؟ .. ها؟ .. جئت لتشمتين! .. جئت لتشمتين فينا يا رتيبة !"
عقدت ريتا حاجبيها متفاجئة بينما شعرت نجاة بالحرج ونظرت لريتا معتذرة فحاولت العجوز الافلات من ابنتها مستمرة في صياحها" هيا اخرجي من هنا ..هيا"
قالت ريتا مندهشة " ولماذا اشمت بكم يا خالة صفية (ونظرت لنجاة تقول) كيف حال خالي؟"
ابتسمت نجاة في حزن وتمتمت " الدوام لله "
جعدت ريتا جبينها في حزن مغمغمة "لا حول ولا قوة إلا بالله "
هاجت العجوز مجددا تصيح " اتركيني يا نجاة .. اتركيني حتى اطردها هذه الشامتة قليلة التربية"
هتفت نجاة تمسك بها جيدا حتى لا تسقط " اهدئي يا أمي لا يصح ما تقولينه"
نظرت ريتا لنجاة تحاول أن تفهم ما يحدث مع العجوز فنظرت لها نجاة بملامح معتذرة وأشارت لها بأنها تخرف بينما استمرت العجوز في هياجها ورغبتها في الافلات من يدي ابنتها .. لتجلسها نجاة على أحد المقاعد القديمة وهي تقول "اهدئي يا أمي أرجوك"
جلست العجوز ظهرها للمدفن ثم أمسكت بطرف حجابها الطويل تغطي به وجهها وأجهشت فجأة بالبكاء .. فاتسعت عينا ريتا واعتدلت في جلستها أرضا تتطلع في العجوز باندهاش في الوقت الذي غمغمت فيه الأخيرة من بين بكائها" أخبرته .. أخبرته ساعتها .. قلت له هذا ذنب رتيبة وابنها .. قلت له الله عاقبنا بذنب رتيبة وابنها"
تطلعت ريتا في نجاة التي بدا عليها عدم الفهم هي الأخرى فشحنت الأولى قواها واستقامت واقفة بصعوبة تقترب من زوجة خالها.
قالت نجاة وهي تربت على ظهر أمها توجه حديثها لريتا" تغيرت كثيرا يا أبلة .. (وطالعتها من رأسها حتى أخمص قدميها ونظرت للحذاء والحقيبة المركونان بجوار الحائط واللذان يبدوان بثمن باهظ وأكملت ) ما شاء الله من يراك لن يعرفك أبدا"
بمجرد أن رفعت العجوز وجهها ولمحت ريتا تقترب انقلبت ملامحها من جديد وهتفت صارخة بشراسة وهي تفرد ذراعيها وكأنها تحمي المدفن خلفها " ابتعدي .. هل جئت لتأخذي مني ابني؟؟ .. اذهبي من هنا .. اذهبي"
اتسعت عينا ريتا وسألت بعدم فهم" ابنك ؟؟!!.. (ونظرت لنجاة وقالت مصعوقة ) ماذا تعني ؟؟؟"
لون الحزن وجه نجاة فصرخت ريتا تسأل بدون صبر "من منهما يا نجاة؟؟.. انطقي"
غمغمت الأخيرة بلهجة باكية وحروف مرتعشة " بودي يا ابلة .. أخي عبد الله"
كتمت ريتا صرختها بكلتا كفيها ووقفت تتطلع فيهما متسعة العينين..
إنه أصغر أولاد خالها آخر العنقود والذي تركته في سن السابعة .
وكانت تحبه بشكل خاص دونا عن باقي إخوته الأكبر.
تغرغرت عيناها بالدموع وسألت بصوت مبحوح" ماذا حدث؟"
ولولت العجوز مغمغة بلهجة منغمة تنعي ابنها" ليتك لم تذهب يا حبيبي.. وليت هذا الفراق لم يكن "
ردت نجاة وهي تمسح دموعها" مات منذ عشر سنوات .. سافر مع اصدقائه لإحدى المدن الساحلية يحتفل بنجاحه في الثانوية العامة وحصوله على مجموع كبير (وأكملت بحشرجة ) نزل يعوم في البحر ومات غريقا"
امسكت ريتا قلبها المتألم بقوة فأضافت نجاة بخفوت "كان أبي وقتها يقيم حفلا كبيرا في الحي احتفالا بمجموعه الكبير فإذا بنا نسمع الخبر الصاعق فتحول الحفل إلى مأتم "
غمغمت صفية تحدث نفسها مولولة" قلت له هذا جزاءنا .. أخذنا منها الولد فأخذ الله منا ولدنا ..قلت له .. قلت له"
اقتربت ريتا لتربت على كتفها لتواسيها تحاول أن تفهم بم تهذي العجوز لكن الأخيرة انتفضت وعادت لشراستها مجددا تصرخ "اذهبي من هنا .. اذهبي واتركينا .. هل جئت لتشمتين .. هل جئت لتشمتين فينا "
كانت المرأة هائجة بشكل أدهش ابنتها فحاولت حضنها لتهدئها في الوقت الذي أكملت العجوز صراخها في وجه ريتا" إياك أن تدخلي عند ولدي مرة أخرى .. لا أريد أن أراك هنا مرة أخرى .. (وبحثت حولها تغمغم ) أين الشرطة؟.. أين ناصر ولدي ؟.. اتصلي به فورا يا نجاة قبل أن تسرق مني بودي .. اتصلي به حتى يغير مفتاح البوابة"
اغتاظت ريتا فهتف منفعلة" هل جننت يا خالة !!.. أنا هنا لزيارة ما يخصني "
هتفت المرأة" لا يخصك شيء هنا .. اذهبي قبل أن يحضر ناصر الشرطة"
حاولت نجاة تهدئة الوضع بينما صرخت ريتا بغيظ ".. أركبوا أعلى ما في خيلكم لكن لن تمنعوني من زيارة ابني .. أنتم لا تعرفون من أنا .. وما من الممكن أن أفعل بكم إذا ما حاولتم منعي من زيارة ابني .. لم أعد رتيبة القديمة مهيضة الجناح .. أنا الآن .. سيدة الأعمال ريتا .. زيان"
قالت نجاة تهدئ الوضع" أمي .. ابنها أيضا هنا يا أمي .. ألا تذكرين مالك .. من حقها أن تزوره"
هتفت المرأة وهي في حالة هياج "ليس لها أحد هنا .. ليس لها أحد هنا .. فلتبحث عنه إن كان حيا أو ميتا في مكان أخر .. هنا ولدي أنا فقط .. فلذة كبدي الذي دفنته في حياتي "
كان حديثها غريبا ويثير شكوكا كانت قد فكرت فيها ريتا مؤخرا بعد أن قصت على عاصم حكايتها ورتب معها بعض قطع الاحجية مؤكدا لها بأن خالها هو المتهم الأول في التسهيل لطليقها للتأكد من أبوته لمالك ..
شكوكا جعلتها تتساءل في لحظات مجنونة عما إذا كان خالها قد تواطأ مع طليقها أيضا لإيهامها بأن ابنها قد مات خاصة أنها لم تحضر لحظات دفنه .
انقضت ريتا تمسك بذراع العجوز تقول بانفعال" ماذا تعنين بأنه ليس لي أحد هنا؟؟؟.. ماذا تعنين بأن أبحث عن ابني في مكان أخر؟؟؟.. قولي يا صفية .. انطقي"
صرخت نجاة باستنكار " ابلة رتيبة ماذا تفعلين اتركي ذراعها "
قالت ريتا بعينين دامعتين " هل سمعت ما قالت ؟... قالت أن ابحث عن ابني حيا أو ميتا.. هل سمعت؟؟"
استمرت العجوز في صراخها تحاول تخليص ذراعها من يد ريتا" ابتعدي عني وعن ولدي .. ولدك ليس هنا .. ليس هنا "
بينما قالت نجاة تستغفر ربها موجهة حديثها لريتا" هل ستأخذين بكلامها يا أبلة .. ألا ترين حالتها!!"
وقفت ريتا متسمرة تحدق في نجاة متسعة العينين تحاول تحليل الكلام فانقضت العجوز على يد ريتا تعضها .. لتصرخ الأخيرة متألمة وتتدخل نجاة بسرعة تخلص يد ريتا من بين أسنان أمها .
ابتعدت ريتا عنها مندهشة من حالة تلك العجوز بينما صرخت الأخيرة " ابتعدي عني وعن ولدي قلت .. ولدك ليس هنا"
وقفت ريتا كتمثال خشبي تمسك يدها وتحدق في العجوز التي استمر هذيانها بكلمات غير مفهومة وغير مترابطة .. ثم انزلت أنظارها لظاهر يدها تشعر بألم شديد لتجد آثار الاسنان فوق تلك البقعة التي احترقت في يدها صباح اليوم في المطار مما ضاعف شعورها بالألم .
××××
هدر صفوت في الهاتف بانفعال " هل فعلتها يا فارس!! .. زججت بنفسك في لعبة الانتقام الخطرة التي حذرتك منها مرارا وتكرار "
صاح فارس بغضب "أنتما من اجبرتماني على ذلك .. هل كنت تحسبني غر ساذج وأنت تطلب مقابلتي اليوم لتعرف إن كنت أعرف بموعد وصوله أم لا .. وفي الوقت نفسه تؤمن الحراسة لشريكك حتى تحميه !"
رد صفوت بنفس الانفعال "أردت أن أجنبك حربا قد تؤتي على الأخضر واليابس .. لماذا فعلت هذا .. لماذا .. ها قد هرب الشماع وسيتصل برجاله وسيفعل كل ما يستطيع للانتقام منك .. أنت لا تعرفه إنه لا يحمل ذرة إنسانية في قلبه"
قال فارس بعناد وعيناه تغليان بالغضب " فليفعل ما يريد.. ابنه بين يدي والعين بالعين والبادي أظلم .. اخبره ذلك لأني أعرف بأنك تخفيه .. واخبره بأنه إن أراد رؤية ابنه مرة أخرى عليه أن يريني وجهه ويقابلني رجل لرجل "
قال صفوت ناصحا " يا فارس لا تلوث يدك بالدماء ولا تتورط في قتل روح صدقني لن تهدأ .. وستحمل ذنب فعلتك اثقالا فوق ظهرك مدى الحياة"
رد فارس ساخرا" منكم نستفيد يا صفوت بك فلديك خبرة سابقة في الإجرام"
هدر صفوت غاضبا " اسمع يا فارس .. أنا نصحتك كثيرا ولآخر لحظة كنت أجنبك الخوض فيما لن تتحمله .. لكنك مصر على شنق نفسك بنفسك بكل غباء .. أنا لا أعرف أين ذهب الشماع لقد هرب في الصحراء واختفى أثره .. لذا سأخرج نفسي من هذا الأمر وافعلا ما تريدان لم يعد يخيفني شيء .. وللمرة الأخيرة أحذرك من الشماع ومما قد يفعله انتقاما لما فعلته .. وسأنصحك للمرة الأخيرة اطلق سراح الشاب الذي تحتجزه وسلمه لي وسأحاول أنا التغطية على الأمر أمام الشماع حين يظهر وابعاد الأمر عنك.. هذا آخر شيء أستطيع أن أقدمه لك حاليا "
هدر فارس هاتفا باستنكار " هل تحسبني جبانا أسلمك الشاب وأختبئ خلفك !! .. أم تحسب بأن محمود سعد الدين لم ينجب رجالا !"
قال صفوت ينهي المكالمة " حسنا كما تشاء .. فقط تذكر أني حتى آخر لحظة كنت انصحك بأن تتراجع عما تفعل .. وأحذرك بأنك ستخسر كل ما جنيت بكل غباء ..سلام "
اغلق صفوت الخط فحدق فارس في الهاتف بيده يتفتت من الغضب ثم قبض عليه بقوة حتى كاد أن يكسره .. فرن الهاتف من جديد ليجد اسم كارمن التي تلح في الاتصال به منذ الصباح .. فلم يتحمل فارس كل هذا الضغط الذي يمر به
وضرب الهاتف في الحائط بكل قوته مطلقا صيحة غاضبة
××××
عند غروب الشمس كانت العاصفة الرملية على اشدها تعمي العيون فلم يُرى إلا ما وقر في القلب وصدقه العقل ..
ركن يونس سيارته بهدوء تام كحالته منذ أن وضع الشماع في السيارة وعاد به للعاصمة .. وتحرك يلملم كل ما وجده من أدوات حادة ومدببة في سيارته واقترب من تلك البوابة الصدئة لبناية مهجورة .. فوقف يحاول فتح قفلها الصدئ وسيجارته المشتعلة تتدلى من فمه .
لقد دار بالسيارة كثيرا يخطط كيف سيدخل بها الشارع وينقل فريسته منها للبناية بدون أن يلمحه أحد.
كان هادئا .. بارد الأعصاب إلى حد مرعب وهو يضع أكثر من خطة للتنفيذ .. حتى أنه حين مر في الطريق على كمين للشرطة لم يهتز ولم يخف من أن يطلب الشرطي منه فتح حقيبة السيارة أو يلفت انتباهه ارتدائه لفانلة داخلية سوداء فقط .. كل ما ركز فيه عقله ساعتها وهو ينتظر في طابور السيارات أمام الكمين .. ماذا سيفعل لو طلب منه أن يفتح حقيبة السيارة؟ .. ليس خوفا من أن يقبض عليه .. فقد حدد مصيره فورا بدون تردد .. سيقتله ويقتص لنفسه ولوالده ويفدي أخاه ثم يسلم نفسه للشرطة .. لذا قرر بسرعة أنه إذا طلب منه فتح الحقيبة سينزل ويفتحها لهم بنفسه ويطلق النار على الشماع أمام الجميع ..
هكذا قرر ..
وهكذا صور له شيطانه الذي تمكن منه وخطط له كل شيء مستغلا تلك الصدمة النفسية التي يعيشها منذ الصباح ..
لكن لحسن حظه كان الكمين يفتش سيارات الأجرة فقط ويسمح للسيارات الملاكي بالمرور ..فمر بسلام .
في طريقه وقف عدة مرات في أماكن نائية ليتفقد غريمه ويسمح له باستنشاق بعض من الاكسجين ليس لشيء إلا ليبقي عليه حيا حتى يأتي الليل فيستطيع نقله من السيارة للمبنى الذي يقف أمامه حاليا بدون أن يلحظه أحد ..
لكن اشتداد حركة الرياح المحملة بالرمال رحمته من طول الانتظار حينما فرغت الشوارع من معظم مرتاديها اتقاء للعاصفة كهذا الشارع الذي تقع فيه البناية .
منذ أن وضع الشماع في حقيبة سيارته بعد ظهر اليوم كان مكان واحد فقط هو ما قرر أن يذهب إليه ..
هذه البناية القديمة الباقية على حالها منذ عشرين سنة .. والتي كانت سجنا له يوما ما وشهدت مقتل والده ..
لقد تشاءم الناس منها ولم يرغب أحد في شراء أي شقة فيها حتى مالكها لم يرغب في استكمال بنائها فظلت مهجورة لعدة سنين وقيل عنها اشاعات كثيرة حتى أنها تسمى بين الجيران (ببناية الاشباح ) .. حتى اشتراها فارس من مالكها منذ بضع سنوات واحتفظ بها قائمة كما هي لم يدخلها أحد من عشرين سنة .. وقد اكتشف يونس ذلك منذ فترة اثناء مراجعته لبعض الأوراق التي تخص أملاك العائلة وتذكر ذلك العنوان بسهولة بعد اطلاعه على محضر القضية في أوراق فارس أيام مراهقته.
وقف اثنان من الشباب اثناء اسراعهما للعودة للبيت للاختباء من العاصفة الرملية يدققون في ذلك الشاب الذي يتعامل مع قفل بوابة بناية الأشباح يرتدي فانلة ذات حمالات وسيجارة متدلية من شفتيه بينما شعره مغبر بالتراب يركز بشدة فيما يفعل.. فاقتربا منه باندهاش ليقول أحدهما " يا أخ .. "
لم يرد يونس ولم يبدو عليه انه سمعه من الأساس فقال الشاب وهو يتأمل سيارته باهظة الثمن " يا أستاذ .. ماذا تفعل وماذا تريد من هذه الخرابة؟ "
كمن يخبئ وحشا شرسا بداخله طحن يونس ضروسه والعرق يتصبب من جبينه واستمر يركز في قفل الباب ليفتحه متجاهلا وجودهما ولم يلاحظا قبضته التي تقبضت بجوار القفل لثانية يحاول فيها ألا يطلق عليهما وحوشه .
سحب الشاب الأخر زميله يقول بتوجس "تعال واتركه.. يبدو أنه مدمن ويبحث عن مكان يتناول فيه جرعته.. أنظر إن حواسه كلها متبلدة " .
ابتعدا عن يونس ليسأله الأخر" هل نبلغ الشرطة؟"
رد صاحبه " ليس من شأننا .. دعه ينجح في دخولها وستستقبله الأشباح وتقضي عليه "
قالها واسرع الخطى يسحب زميله مبتعدا تاركا الشارع فارغا من المارة من جديد .. في الوقت الذي نجح فيه يونس في فتح القفل أخيرا .. فألقى السيجارة المشتعلة من يده وتحرك بطريقة آلية نحو السيارة يفتح حقيبتها .. ليجد الشماع مغمض العينين لا يستجيب فحمل جسده الضئيل على كتفه وتوجه يدخل به البناية .. ثم ألقى به في بهوها وسط قطع الاخشاب والحجارة واستدار ليغلق البوابة من جديد.
وكأن تلك البناية ..
قد بقيت على حالها في انتظار هذه اللحظة.
وكأنها ..
قد كُتب لها أن تكون بداية القصة ونهايتها ..
وكأن تلك البناية..
هي البقعة التي تتحدد فيها مصائر آل سعد الدين!.
اقترب يونس من جسد الشماع ولكزه بقدمه بدون استجابة .. فمال يرفعه من شعره قائلا " افتح عينيك أيها الماكر حدقتاك تتحركان تحت جفونك "
حينما لم يرد لاح الغضب على وجه يونس ولطمه على وجهه بقوة .. ففتح الأخر عينيه يحدجه شذرا بنظرات نارية وقد بدأت أنفاسه التي كان يكتمها تتسارع بقوة .
تحرك يونس ليجلس على درجات السلم أمامه يستريح مغمغا بتهكم وهو يمسح العرق المتساقط من جبينه بساعده و ينهت "جميل .. جميل جدا .. لا أريدك أن تموت الآن .. علينا أن نلعب أولا لعبة الخاطف والمخطوف أتذكرها يا ... (ولمعت عيناه بالجنون يقول بابتسامة متسلية وهو ينظر لغريمه المتكوم أمامه مربوط ساعديه وقدميه بقمصيه ) يا ... شماااااااااع "
×××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-12-19, 01:06 PM   #435

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 4

في المساء :
تحرك بقلق جيئة وذهابا في الغرفة التي يُحتجز فيها منذ ساعات لا يعرف ما هو مصيره .. وتطلع حوله في محتويات الغرفة الأنيقة وذلك الطعام الموضوع على أحد الطاولات والذي لم يمسه ولا يجد من الشهية له واقعا فريسة لأفكاره القلقة .
كيف تحولت زيارته لوطنه لذلك الكابوس المرعب ؟
ومن هؤلاء بالضبط وماذا يريدون من والده ؟
هل ينافسوه في أعماله المشبوهة ؟
لكن لا يبدو عليهم ذلك فهم لم يؤذوه ولم يهينوه حتى باللفظ بل كانوا هادئين معه وذلك الضخم أخبره بأنه سيحل ضيفا لديهم لبعض الوقت حتى يظهر والده .. كما أن تلك الشقة الأنيقة التي يحتجزونه في إحدى غرفها وذلك الطعام يدل على أنهم ليسوا بمجرمين .
إذن ما وجه الخلاف بينهم وبين والده؟ ..
وكيف عرفوا بوصوله للبلاد ؟؟..
كلها أسئلة تدور في رأسه بدون إجابات وتزيد من حيرته كلما مر الوقت .
لقد أظلم الليل كما يرى من نافذة الغرفة التي تفقدها بمجرد وصوله للبحث عن وسيلة للهرب فوجد أنها شاهقة الارتفاع .
لكن السؤال الأهم والملح أين هرب ذلك العجوز؟ ..
لقد أخذوا منه هاتفه ولولا ذلك لاستطاع تتبعه عبر الساعة التي يرتديها .. فهل سيستطيع أن ينجو وحده في الصحراء ؟..
انه ماكر يعلم ذلك .. وقادر على أن ينجو بنفسه رغم كبر سنه..
ورغم ذلك ... فالموقف الذي يتعرض له حاليا عصيب ولا شيء يضمن سلامته ..
ماذا لو لم يعثر عليه والده ؟..
إنه من خلال عشرته مع هذا الرجل لا يستبعد منه أي شيء .. حتى حين تركه وهرب ولم ينظر خلفه يطلب منه أن يخلص نفسه بنفسه لم يندهش .. فعلاقتهما لم تكن أبدا علاقة حقيقية لأب وابنه .. ولم يرى فيه أبدا ذلك الأب القدوة والظهر والسند الذي يقدره كما تقدر الفلسفة الصينية الآباء.. ولولا أنه محتك طيلة عمره بالعرب .. وعاشق للدراما العربية لظن أن الأباء العرب كلهم على شاكلة ذلك الرجل الذي يعيش في بيته .
هل يشعر بالخوف ؟
لن ينكر ذلك .. ولا يجد غضاضة من هذا الاعتراف .. ويشعر أيضا بالغربة و الوحدة في بلد كان يحسبه وطنا دافئا سيستقبله فاتحا ذراعيه فإذا به يتعرض فيه لهذه المحنة بمجرد وصوله .
نظر ليده التي تؤلمه بشدة من أثر الحرق وقد بدأ لون الجلد يتغير .. وتذكر وجه السيدة ريتا في محاولة منه للشعور ببعض السكينة والهدوء ليتغلب على ما يعانيه من وقت صعب .
في خارج الغرفة استقبل الشيمي فارس الذي بمجرد أن دخل استقام الرجلين المكلفين بحراسة مالك واقفين احتراما .. فأمرهما الشيمي أن ينتظرا خارج الشقة .. فلبيا الأمر بسرعة ليعود الشيمي ويقول لفارس ذو الملامح الواجمة" أعرف بأنك محبط يا بك لكن صدقني لو كان أحدا منهم قد قصر في مهمته ..."
قاطعه فارس يقول مربتا على كتفه" أعرف يا شيمي لست بحاجة للتوضيح .. (وسأله ) أين الفتى؟"
أشار الشيمي على إحدى الغرف فتحرك فارس نحوها ليقول الأول يذكره " لا تخبره باسمك ولا هويتك يا بك ولا باسم أحد من الرجال زيادة في الحرص "
هز فارس رأسه بتفهم وتحرك نحو باب الغرفة ثم وقف لعدة ثوان يتحكم في مشاعر كثيرة تضغط عليه لحظتها أكثرها الغضب والإحباط والرغبة في التشفي من الشماع حتى لو كان في ابنه .
فُتح باب الغرفة فاستقام مالك واقفا بتوتر وقد تسارعت دقات قلبه يتطلع في الرجل الذي يدخل محدقا فيه بملامح صارمة .. فبلع ريقه وقد أدرك بأنه كبيرهم خاصة مع تلك الهيبة التي سبقته في الدخول والتي اصابته برهبة لم تحدث له من قبل .
وقف فارس يتأمله شاعرا لأول وهلة بأنه يشبه يونس وما عقّد المشاعر في صدره أكثر أن تذكر قصة خطف واحتجاز يونس قبل عشرين سنة فازداد شعوره بالذنب لكنه أخفاه مع شعوره بالشفقة على الشاب خلف وجهه صلب الملامح وأطلت من عينيه قسوة منبعها كرهه لوالده يقول" ما اسمك ؟"
قبض مالك كفيه بجانبه بقوة ورد بهدوء" مالك .. هوانغ مالك "
سأله فارس " هل تحمل الجنسية الصينية؟"
أومأ الثاني برأسه إيجابا فعاد يسأله" أنت ابن فؤاد نشأت الشماع ؟"
تحير مالك بم يرد لكنه لم يستطع إلا أن يقول الحقيقة فقال بحشرجة" أجل ابنه لكني أحمل اسم عائلة أمي بالتبني "
ساد الصمت يتطلع فيه فارس بعينيه القاسيتين متفحصا يحاول سبر أغواره .. مثنيا بينه وبين نفسه على شجاعته في عدم انكاره لصلته بالشماع رغم الموقف العصيب الواقع فيه ورغم نذالة والده الذي هرب وتركه .. فسأله مالك "هل لي أن أعرف سبب احتجازي هنا ومطاردة أبي؟"
وكأنه قد ضغط على الزر لينفجر فارس المشحون منذ بداية اليوم بخلطة انفعالات معذِبة.. وهدر بغضب أجفل مالك وأرعبه رغم احتفاظ الأخير بهدوئه الظاهري" على والدك دين قديم لي .. لقد قتل أبي قبل عشرين سنة وفر هاربا"
اتسعت عينا مالك وانخرس لسانه ولم يعقب .. فكل يوم يمر عليه يكتشف بلايا خلف والده .. ليسأله فارس مضيقا عينيه واقفا أمامه متخصرا " هل تعرف بمكانه .. أخبرنا بمكانه وسنطلق سراحك فورا فلست طرفا فيما يدور لكنك ورقة ضغط "
اشاح مالك بعينيه بعيدا عن عيني فارس الغاضبتين المتفحصتين المخيفتين وغمغم " وكيف لي أن أعرف بمكانه وأنا في قبضة يدكم "
قال فارس يعيد صياغة سؤاله " هل اتفقتما على مكان مثلا إذا ما حدث شيء أو افترقتما تلتقيان فيه "
هز مالك رأسه نافيه فقال فارس آمرا" اعطني رقم هاتفه.. بالتأكيد لديكما وسيلة للاتصال"
رد مالك بصدق " والدي لا يحمل هاتفا فقد بدله قبل سفره بساعة ذكية لكنها كانت معطلة حين كنا في المطار ولم يسعفني الوقت لإعادة برمجتها "
ظل فارس يحدق فيه بغير اقتناع فأضاف مالك "اقسم لك"
قال فارس "اعطني رقم هاتفه لأرى بنفسي "
بلع مالك ريقه ورغم أنه كان متأكدا بأن الساعة لن تستقبل مكالمات بعد أن عبث فيها والده لكنه تشبث ببعض الامل أن يستطيعوا الاتصال به مادام والده لم يحاول الاتصال على الهاتف المحمول الذي بحوزتهم .. فأملى له الرقم الذي دونه فارس في هاتفه الإضافي وحاول الاتصال بالرقم لكنه كان يستقبل رسالة صوتية باللغة الصينية .. وجرب أكثر من مرة ولم يفلح .
جز فارس على اسنانه بقوة ثم قال لمالك" اذا تذكرت أي معلومة قد تساعدنا .. وتكون السبب في اطلاق سراحك أبلغ رجالي بالخارج"
سأله مالك بقلق قبل أن يغادر" وماذا لو لم يظهر والدي؟"
حدجه فارس بنظرة ثلجية رغم ذلك الشعور بالشفقة الذي يزداد في قلبه تجاه هذا الشاب المسالم والذي لا يصدق بأنه ابن ذلك المجرم ومن صلبه ثم قال بصرامة " ستحل ضيف معنا حتى يظهر فؤاد الشماع فادع ربك أن يظهر بسرعة "
واستدار يوليه ظهره مغادرا .. فصاح مالك فجأة قائلا" من فضلك "
التفت إليه فارس فتحرك مالك خطوتين نحوه ليعقد الأول حاجبيه وقد لاحظ عرجه الخفيف فسأله بسرعة "هل آذى أحد من رجالي قدمك ؟"
أجاب مالك بصدق "لا .. هذه عاهة مستديمة إثر حادث قديم"
حدق فيه فارس مدققا ينتظر سؤاله فتكلم مالك ببعض التردد يسأله " هل تعرف سيدة اسمها رتيبة عبد المعطي زيان ؟"
مط فارس شفتيه وهز رأسه نافيه ثم سأله" لا .. لماذا تسأل هل تعتقد بأن الشماع قد ذهب إليها؟ "
اسرع مالك بالرد بحرج " لا لا هذا موضوع آخر "
تطلع فارس فيه لبضع ثوان ثم تحرك مغادرا وهو يختلس نظرة أخيرة لقدم مالك.. ورغم أنه يقف أمامه مستويا وأن العرج بسيط .. إلا أن الألم قد اعتصر قلبه شاعرا بالذنب لاحتجازه .
أما مالك فجلس على أقرب مقعد وقد تردد للحظة في أن يخبره بأنه يستطيع تتبع مكان والده عبر الساعة .. لكنه عاد ووبخ نفسه أن يفعل ذلك بوالده حتى لو كان لا يطيقه ..وحدق في ذلك الحرق الذي يزداد سخونة في ظاهر يده يؤلمه بشدة وقد عاد فريسة للقلق والترقب .
××××
ناظره بغيظ.. بغل.. برغبة قوية في تمزيقه لقطع صغيرة..
ماذا يحسب نفسه هذا الشاب ؟..
إنه فؤاد الشماع حتى لو وهن جسده وكبر سنه .
وصف نفسه بأنه غبي ..
كيف يرضخ لرغبة مالك بزيارة البلد!!.. كان من الممكن أن يماطل أكثر حتى لو اضطر لحبسه كي لا يفعلها بدون علمه.
وغبي أن بدّل هاتفه بتلك الساعة الغبية في معصمه والتي لا تستحق الثمن الباهظ الذي دفعه فيها.
وشديد الغباء أن اعتمد على صفوت الفاشل الذي لم يؤمن حراسته جيدا ..هذا إن كان غير متواطئ معهم .. لو كان لجأ لرجاله هنا لكانوا اتموا المهمة على أكمل وجه لكنه تصرف بغباء..
اتصال واحد فقط لأحد من رجاله سينقذه .. لكن كيف يجريه؟..
كيف؟.
جرت عيناه على يونس المنهمك في توثيقه بالحبال على أحد المقاعد القديمة في صالة الشقة المهجورة ..سيجارته المشتعلة تتدلى من فمه وعيناه يتراقص فيهما الجنون .
غريبة هي الحياة بحق !!
الطفل الخائف المرتعب الذي كان حبيس تلك الغرفة التي تقع في مواجهته بالضبط .. كبر الآن وتكونت عضلاته ويتعدى عليه ويحتجزه .
لكنه الشماع .. وعليه أن يجد مخرجا من هذا المأزق وبعدها سينتقم من الجميع..
يقسم بأن ينتقم من الجميع ويجعلهم عبرة للأجيال القادمة.
انتهى يونس مما يفعل .. ونزع السيجارة من فمه يقول بمرح "ها قد انتهيت من تقييدك بالحبال التي اشتريتها خصيصا للعبتنا .. ما رأيك ؟"
ناظره الشماع بغيظ من جلسته على مقعد في وسط الصالة .. تلف الحبال حول ذراعيه ومعصميه وساقيه .. فأكمل يونس يتطلع في المنظر حوله بتشفي .. شاعرا بالانتشاء والمتعة بأن يعود لنفس المكان وهو في موضع قوى" ها قد عدنا من جديد لنفس المكان .. انظر حولك لم يتغير شيء.. وكأن الزمن قد تجمد في هذه البقعة من الأرض (ومرر سبابته بينهما مشيرا) فقط تبادلنا المقاعد وكبرت اعمارنا"
ونظر للغرفة التي تقع على يساره والمواجهة لمقعد الشماع واضاف بلهجة آسفة متهكمة "كنت أود أن تكون محبوسا في مكاني أنا في الغرفة ما دمنا سنلعب لعبة الخاطف والمخطوف القديمة .. لكني احببت التجديد فربطتك كما ربطتني لكن سأضعك في الصالة في الموقع الذي قتل فيه أبي"
ونظر في الأرض الرملية متسمرا يستعيد شكل والده الغارق في دمائه ليختفي التسلي من وجهه ويرفع عيناه اللتان كانتا عسليتين وأصبحتا حمراوين تتأججان بمزيج من الجنون والغضب وقال وهو ينظر في ساعته "سنبقى هنا سويا نفس عدد الساعات التي مكثت فيها أنا هنا .. فأنت تلعب الآن دور يونس المحتجز المربوط .. (وأضاف بغل ) وبعد أن ننتهي من تلك الساعات (واخرج المسدس المحشور في حزام بنطاله من الخلف وصوبه نحو الشماع الذي جحظت عيناه وأكمل ) بعدها .. ستلعب دور محمود سعد الدين أبي المقتول رميا بالرصاص"
×××××
محملا بالهموم ..
وبمشاعر الذنب ..
وبذكريات الماضي التي تم النبش في قبرها وإخراجها لتتشخص أمام الأعين وتقبض القلوب.
مهزوما .. محبطا .. مشوش الرؤية ..
يقف مشلولا على مفترق طرق غير قادر على تحديد خطواته التالية لأول مرة في حياته ..
في حاجة شديدة .. للراحة..
وللنوم بدون تفكير .. نوما عميقا بعيدا عن وحوش الأفكار ..
وفي حاجة ماسة جدا لرؤيتها .
لكن منذ متى كل ما يتمناه المرء يدركه ! .
نقطة آخر السطر .
ترجل فارس من السيارة أمام الفيلا ورفع أنظاره نحو شرفتها فلم يجدها في استقباله .
وكيف ستستقبله وهو يتجاهل مكالماتها منذ أيام .. ولا يعرف إن كانت ترسل له رسائل على الواتساب أم لا.
تحرك بطريقة آلية يدخل البوابة بينما اندفعت كارمن التي تراقبه من خلف الستائر تخرج من شقة والدها وتطلب المصعد .
لقد استسلمت وقررت أن تخبره بحملها .
استقبلتها العاصفة الرملية في الشارع فأسرعت تفتح البوابة الالكترونية وتلحق به معلنة لنفسها عن هزيمتها في معركة الحب .. كانت تتمنى أن تفوز فيها بلقب الحبيبة شريكة العمر .. لكن يبدو أن مستوى وشكل الحب الذي كانت تتصوره مثاليا وخرافيا وساذجا أكثر من اللازم .
لذا عليها أن تعلن عن هزيمتها بمنتهى المرارة .. وبأن تخبره بحملها .. فلن تقدر على إخفاء الأمر أكثر من ذلك .
استقبلته خضرة مرحبة فاكتفى بهز رأسه بالنفي حين سألته إن كانت تحضر الطعام .. وتحرك يمر على غرفة أمه ينطق بتحية المساء بخفوت وصعوبة قبل أن يتوجه نحو مكتبه دون المرور عليها .
نادت عليه الحاجة من غرفتها فردت عليها خضرة الواقفة عند باب الغرفة " لم يسمعك يا حاجة ويبدو في مزاج عكر "
قالت نفيسة "اسأليه يا خضرة عن يونس إنه لم يرد على مكالماتي طوال اليوم "
همت خضرة بالتحرك لكن باب الفيلا انفتح ودخلت كارمن تلقي السلام على عجل وتتحرك بسرعة خلفه تدخل المكتب فقالت نفيسة "انتظري الآن يا خضرة واتركيهما يتحدثان ( ثم سألتها ) هل تفقدت فريدة؟"
ردت خضرة مطمئنة " كنت عندها منذ قليل مازالت نائمة لكن الحرارة انخفضت الحمد لله"
فغمغمت الحاجة بالحمد وأشارت لها بأن تعود للمطبخ .
دخلت كارمن غرفة المكتب واغلقت الباب تقول بانفعال "فارس بك"
التفت إليها متفاجئا يغمغم بصوت مجهد "كارمن!!"
قبل أن تمسح عيناه عليها باشتياق اندفعت تقول "طلقني"
غمغم وكأنه لم يكن متوقعا لطلبها " ها!!"
كانت تشعر بالإحباط والعصبية فحبست الدموع في مآقيها وقالت " اقول طلقني .. مادام قد وصل بنا الحال لأن ارسل لك على الواتساب فلا تراه .. واتصل بك مرارا وتكرارا ولا ترد فلا حاجة لنا بتلك العلاقة .. لذا سأعفيك من التورط معي فطلقني"
كان مستنزفا بشدة وعلى وشك اتخاذ قرارات يائسة في حياته لكنه قاوم ذلك اليأس بصعوبة وغمغم بإجهاد " اذهبي يا كارمن بالله عليك وسنتحدث فيما بعد"
ازداد انفعالها فقالت بإصرار " بل ستطلقني يا فارس الآن وفورا"
انتفض غاضبا وهدر فيها " تريدين الطلاق؟... أمرك مطاع كارمن هانم .. إذهبي الآن الى شقة والدك وغدا ستصلك ورقة طلاقك"
انقبض قلبها بشدة من الفكرة .. وبدلا من أن تهدئ الوضع أو تتراجع وجدت نفسها تهتف بعناد" قلها الآن قبل أن أرحل من هنا للأبد"
تقبض وطحن ضروسه ثم قال بلهجة متألمة " اذهبي يا كارمن الآن استحلفك بالله"
كانت تشعر به وكأنه قد عاد ليتحصن خلف تلك القشرة الصلبة التي كان عليها حين قابلته أول مرة فاقتربت منه تقول بإصرار لتكسر تلك القشرة " لن اتحرك قبل أن تنطقها بلسانك"
صمت وأدار لها ظهره متقبضا عقله وقلبه ومشاعره وافكاره يتقاتلون وهو عالق بين شقي الرحى.
فتحركت لتواجهه وقبضت على طرفي سترته تهزه بعصبية قائلة " هيا ان استطعت أن تنطقها قلها الآن ودعنا ننهي هذه العلاقة التي تثقل كاهلك "
رفع كفه وامسك بعنقها وكأنه يهم بخنقها.. لكنه جز على ضروسه بقوة حتى لا يؤذيها قائلا من بين اسنانه " ما تفعلينه هذا يأتي في وقت خاطئ جدا فارحميني"
قالت بخفوت متألم وهي ترفع أنظارها إليه تتأمل وجهه المجهد بشدة "انطقها لو تقدر يا فارس"
استمر في الإمساك بعنقها ومال فوقها يقرب جبينه من جبينها يقول بنفس الخفوت وهو يغطس في بحر عينيها لاجئا يطلب بضع ثوان من السكينة "لن اقدر .. تعرفين بأنني لن اقدر ابدا.. حتى وأنا أعاند نفسي الآن "
انهمرت الدموع من عينيها فقال بهمس متوسل "هلا تحملتني قليلا يا كارمن .. أنا أمر حاليا بأصعب ايام حياتي.. "
تأملته صامتة وفي عينيها ألف سؤال وسؤال يرفض أن يجيبها عليه بينما أكمل فارس " انتِ طلبتِ من قبل بعض الوقت وابتعدت .. امنحيني أنا أيضا بعض الوقت لألملم أشلاء نفسي المبعثرة "
قالت بخفوت معلنة لنفسها بأنها استسلمت "كان لدي عذرا قهريا"
رد عليها بإصرار " وأنا أيضا"
غمغمت بلهجة معاتبة " ولهذا لا ترد عليّ ؟.. ألم تشتاق حتى لصوتي !!"
غمغم أمام عينيها يحاول بذل مجهود للابتعاد " اذهبي يا كارمن أنا متعب ومجهد ومحبط"
قالت بلهجة مشفقة " لهذا عليك بالتحدث معي في هذا الموضوع الذي يتسبب في عذابنا"
هز رأسه ببطء قائلا " لن استطيع"
بأنظار متألمة وبإحباط شديد قالت كارمن " كنت اراهن على حبك لي .. وعلى اشتياقك لقربي بأن تعدل عما تنويه أو تقبل بالمناقشة فيه .. لكن يبدو أني لم أكن كافية لأكسب ذلك الرهان حتى بيني وبين نفسي "
قال بلهجة معذبة " كارمن أرجوك .. أنت تجلدينني بالسياط بهذا الكلام وأنا مستنزف كليا "
استمرت في حديثها تقول بمرارة " لهذا جئت لأخبرك بخبر أتمنى أن يثنيك عما تفكر فيه أنا..... "
قبل أن تنطق ترك عنقها وأدار لها ظهره يقول بصوت أجوف " لقد فات الأوان يا كارمن .. فات.."
عقدت حاجبيها وسألته " ماذا تعني؟"
كان بحاجة ماسة للحديث .. ومعها هي بالذات فقال بهدوء " اعني بأني قد تورطت وانتهى الأمر وفات أوان التراجع"
غطت فمها بكفيها .. فاستدار إليها قائلا " ألم تلحي لمعرفة الحقيقة كاملة ؟.. ها أنا أخبرك بأنه قد فات الأوان للتراجع "
سألته بحشرجة " ما معنى هذا الكلام؟؟؟"
صمت وقتا طويلا .. وتحرك مبتعدا للخلف ثم وقف أمامها متخصرا يقول بهدوء ظاهري " لقد وجدت قاتل أبي"
انقبض رحمها بقوة وازدادت ضربات قلبها لكنها حاولت التماسك حتى تشجعه على قول المزيد ليكمل فارس
"وجدته ونصبت له كمينا صباح اليوم ..لكنه هرب منا ولم أجد أمامي إلا القبض على ابنه واحتجازه حتى يظهر والده"
رفعت حاجبيها وعلقت مصعوقة " احتجزت شخصا بريئا !!"
ظل على وقفته متخصرا لكنه أطرق برأسه شاعرا بالخزي وغمغم " للاسف نعم .. لقد تورطت وانتهى الأمر .. ( ثم رفع رأسه لها يناظرها بعينيه الزرقاوين وأكمل ) لذا أطلب منك منحي مهلة لأرى إلام سترسو الأمور فقد بدأت المواجهة الأصعب في حياتي"
ندم لاندفاعه بإخبارها ووبخ نفسه في سره .. خاصة مع اصفرار وجهها وهي متسمرة تحدق فيه .. لكن كارمن تقبضت بقوة وحاولت التماسك والتعامل بحكمة رغم صعوبة المهمة فسألته " وماذا بعد؟"
عقد حاجبيه وسألها " ماذا تقصدين؟"
فسرت موضحة " ماذا بعد أن تقبض على القاتل؟.. هل لديك أدلة تدينه لتقديمه للعدالة؟"
بلع ريقه وغمغم بحشرجة "لا توجد أدلة إلا إذا اجبرته على الاعتراف"
ضيقت عينيها وسألته بهدوء ظاهري " وكيف ستجبره على ذلك ؟.. ستعذبه؟ أم تعذب ابنه؟.. أم أن الرجل ينتظرك لتمسك به بعد كل هذه السنين ليتوب فجأة ويقرر أن يعترف ويسلم نفسه للشرطة !!"
أطرق برأسه دون رد .. وشرد ليبحث عن إجابة فتحركت كارمن تخلع حجابها واقتربت قليلا تقف أمامه ببنطالها القطني وبلوزتها الواسعة وأضافت ببطء وبحروف واضحة وكأنها تضع الأمر أمام ناظريه واضحا محددا كأجراس الإنذار " إذن أنت ستختار ما بين .. أن تعذب الرجل .. أو ابنه .. أو تقتله"
ضغطت على الجرح المتقيح فصاح بانفعال مدافعا عن نفسه "ليس أمامي خيارا أخر"
صرخت بانفعال مماثل " لماذا .. ها؟ .. لماذا؟.. لمَ هذا الانتقام من الأساس؟!!"
جن جنونه فصاح فيها " لأثأر لأبي .. لأثبت أن محمود سعد الدين قد انجب رجالا .. ليرتاح أبي في قبره"
واجهته منفعلة تقارعه " بأن تقتل !!.. القتل سيثبت للجميع بأن محمود سعد الدين قد أنجب رجالا !!.. وسيرتاح هو في قبره حين تقتل يا فارس ؟؟!!.... ( وقف أمامها متخصرا كما هو يزم شفتيه منفعلا ويناظرها بغضب فأضافت كارمن ) وأين تدينك والتزامك وصلاتك وأعمال الخير؟؟؟ .. أين كل هذا وأنت تقرر قتل انسان حتى لو كان مجرما !!"
أشار بيده قائلا بغضب " من حقي أن أقتص لأبي في غياب العدالة"
ردت مستمرة في مقارعته " لو ترك الأمر لكل صاحب حق أن يقتص بيده لتحولنا لغابة نقتل بعضنا البعض .. ولاستحل كل شخص القصاص لنفسه بمعرفته دون اللجوء لقضاة عادلين ..ولأصبح الأمر فوضى"
قال بعناد " لكني متأكد جدا من الدلائل ومن الفاعل
.. كنت معاصرا للأحداث وأعلم بأنه من خطف يونس ومن كان يساوم أبي على الورق الذي بحوزته "
قالت تحاول اثنائه عن الفكرة المرعبة " لكنك بشر ولست إلها مطلعا على كل شيء .. مهما كنت حكيما وعادلا في نظرتك .. في النهاية أنت تصدر أحكامك من خلال عدد معين من الحقائق أو المعلومات .. مهما وصلت فأنت انسان ذو فكر محدود .. أنت حتى لم تراه وهو يقتله بنفسه .. "
رد ساخرا "وهل القاضي الذي يصدر الاحكام ليس ببشر!!"
قالت وهي تنهت " القاضي طرف محايد يا فارس .. طرف خارج القصة.. يحكم بالأدلة التي في يده ليس بحدسه أو بتخميناته .. ولا تتورط مشاعره عند إصدار الحكم .. بل من القضاة من يعتذر عن بعض القضايا لاستشعاره الحرج إن كان على معرفة شخصية بالمتهم مثلا.. كلها شروط وأحكام تحكم عملية القصاص يا فارس"
كان مجهدا محبطا وبحاجة لاعادة ترتيب أفكارٍ مختزنة في عقله على مدى سنوات طويلة دون أن يتشارك فيها مع أحد .
وكان مرهقا بشدة .. فتحرك يجلس على الاريكة بينما أضافت كارمن تجتهد في محاولة إقناعه داعية في سرها أن يستجيب الله لتوسلاتها بأن يهديه ويبعد عنه شيطانه " اسمع يا فارس .. أنا قضيت الأيام الماضية ابحث في الفتاوى حول الثأر والقصاص .. وبعيدا عما وجدته من ضرورة اللجوء للحاكم أو الحكومة لتنفيذ هذا الأمر.. أريد أن أسالك.. ألم تعطي لنفسك لحظة للتفكير في نتائج هذا الانتقام .. ألهذه الدرجة عشت معميا بالغضب تلهث وراء فكرة سيطرت عليك ولم تدقق فيها !!.."
رفع إليها انظاره يطالعها وهي تقف أمامه متحفزة .. وانصت لما تتفوه به يحلله بشرود بينما أضافت كارمن "كيف بعقلك الراجح .. وثقافتك والتزامك لم تقيم فكرة الانتقام وتصل لنتيجة حتمية ألا وهي أن ذلك الأمر لن يعيد والدك ولكن سيحرمك من حياة هادئة"
هاجمها باستنكار " واذا تخليت عن الانتقام من سيثأر لابي المسكين؟؟!!!"
قالت باستنكار مماثل " وهل تعتقد أن هناك أبا يرغب في أن يفسد ابنه حياته من أجله !!!!!!!!"
ضيق عينيه يناظرها بعناد فقالت كارمن " أنا اكيدة أن بباه سعد الدين لن يرضى لك إلا بحياة هادئة"
هدر فيها وقد استفزه كلامها " ومن سيأخذ بثأر أبي؟؟"
صرخت ترد عليه " رب العالمين .. إن لم يكن في الدنيا سيقتص الله لك في الآخرة.. أليس هذا ما يحدثك به إيمانك!!.. لماذا تفسد حياتك بالانتقام وتكرسها له وللكون إله أعظم من كل شيء!!"
بلع ريقه وصمت مشيحا بأنظاره بعيدا عنها فقالت بلهجة أقل انفعالا " أنظر كم من سنوات عمرك أفنيت من أجل انتقامك .. انظر كيف وصلت لهذا العمر ولم تؤسس عائلة تخصك .. ولم تنعم بعد كل هذا الشقاء بما جنيته .. حرمت نفسك من متع الحياة من أجل انتقامك .. أين الثقة في الله .. في عدله .. في حكمته .. أين اللجوء إليه .. "
ساد صمت طويل أخذت فيه كارمن تتأمله وهي تفكر في المزيد من العبارات التي بها قد تقنعه للعدول عما يفكر فيه .. بينما شرد فارس يحلل ويدقق ويعيد النظر في المطروح أمامه من حقائق .. وكأنه بالتحدث بصوت عال وإخراج كل شيء من الصندوق الأسود أمام ناظريه وإعادة تصنيف أفكاره ومشاعره ومبادئه اختلفت الصورة قليلا ليتحدث بهدوء بعد فترة صمت " ما تقولينه منطقي .. لكن للأسف فات الاوان أنا تورطت بالفعل"
قالت بلهفة وبصيص من الأمل بدأ يلوح في الأفق " لا لم يفت تستطيع التراجع وتقليل حجم الخسائر"
أشاح بأنظاره مراوغا شاعرا بالارتباك " احتاج وقت للتفكير"
اقتربت تقف أمامه وقالت " لا وقت للتفكير يا فارس .. فأنت تحتجز شخصا بريئا الآن"
رفع إليها وجهه مدافعا " أنا لم اؤذه أنا احتجزه فقط"
أمسكت بوجهه بين كفيها تحاصره وتدقق في عينيه تقول بإصرار " أنت تروعه باحتجازك له .. والله ينهى عن ترويع الآمنين .. وكل لحظه خوف وقلق يشعر بها هذا الشاب أنت ستتحمل ذنبها أمام رب العالمين"
هزته تلك الحقيقة التي كان يعلم بها لكن نفسه الأمارة بالسوء كانت تتجاهل شعوره بالذنب فاطرق برأسه شاردا وغمغم " أنت تطلبين مني أن أتخلى عن هدف عشت عشرين سنة أفكر فيه .. مستحيل أبدا أن أغير أفكاري في لحظة.."
رفعت وجهه بين كفيها من جديد تتطلع في زرقة عينيه الحائرتين وقالت بهدوء واصرار " هذا أمر غير صحيح .. يستطيع الانسان أن يتخذ قرارات مصيرية في لحظة ويغير مساره إذا ما اكتشف بأنه على الطريق الخطأ"
قال بإصرار مماثل "أنا تورطت قلت لك .. ومن الصعب أن اغير هدفي الذي كرست كل حياتي من أجله"
تركت وجهه وهتفت بغيظ "واهلك ما ذنبهم!"
رد ببساطة " ما بهم ! .. لو حدث لي مكروها فأنا والحمد لله أمنت لهم حياة كريمة طول العمر لن يحتاجوا لشيء من بعدي أبدا بإذن الله "
استفزها بكلامه واستفز هرموناتها فصرخت بانفعال "وأنا .. كارمن .. زوجتك ؟؟!!"
رفع إليها وجهه وبلع ريقه معقود اللسان متألم القلب مشتت التفكير فنزلت على ركبتيها بين ساقيه وأمسكت بتلابيبه تهزه قائلة بلهجة معذبة " وأنا يا فارس.. وأنا.. ماذا أفعل من بعدك وأنت مسجون أو...."
لم تستطع أن تنطقها بل دفنت وجهها في صدره وانفجرت في البكاء.
بقي ذراعاه بجانبه مشلولان عن الحركة كتفكيره وتحركت عيناه في محيط غرفة المكتب تائها يحاول ايجاد رد لنفسه قبلها .
بعد قليل أبعدت وجهها عن صدره ورفعت أنظارها إليه تقول من بين دموعها " بعيدا عن كوني خارج حسبتك العبقرية التي رتبت لها لسنوات طويلة .. هل تعتقد بأن الأموال والxxxxات ستغني عنك في غيابك عن أهلك ؟"
تطلع في وجهها المتألم وأنفها الأحمر بقلب يتألم بشدة بينما أضافت كارمن " ألم تفكر في والدتك ؟.. ما فهمته منكم أنها عاشت حياة صعبة .. وتعرض زوجها للقتل وابنها الصغير للخطف (واجهشت بالبكاء بتعاطف أمومي ) أنت لا تعرف كيف أن مجرد الفكرة وحدها فكرة خطف طفلك منك مرعبة وقاتلة ما بالك هي عاشت أربع وعشرين ساعة طفلها مخطوف .. كيف لم تشفق عليها من أن تخسرك .. لو خيرتها بين الاموال الطائلة التي تفتخر بتحقيقها وبأن تبقى أمام عينيها لاختارتك أنت حتى لو ستسكنون في الشارع وتعانون شظف العيش .. "
شاهدت الألم الماثل أمامها على وجهه وتفاحة أدم التي تتحرك في عنقه فاستمرت تضع الحقائق أمام عينيه وتساعده في تفنيدها بدون تدخل مشاعره فقالت "واخوتك ماذا سيفعلون من بعدك .. انتم عائلة شديدة الالتصاق كيف سيتخطون الامر هل فكرت في ذلك ؟..
ويونس.. ( وهزته من ملابسه وكأنها تريده أن يستفيق من غيبوبته ) يونس يا فارس .. يونس صاحب الضرر الاكبر بينكم من الماضي .. هل ستعرضه لفقدانك ؟!!.. انه شديد الارتباط بك وكأنك أنت والده .. هل ترغب في أن يعيش تجربة فقد الاحبة مرة أخرى؟.. هل تعتقد بأنه سيتحمل المزيد من الاوجاع"
بدأ يتصبب عرقا .. فضغطها ومواجهتها له ولأفكاره كان شديدا ومباشرا فغمغم بحشرجة " أنا اقتص له"
ردت بإصرار " لا .. لو فرضنا أن يونس قد فقد عينا بسبب ما مر به وهو صغير ويعيش كالأعور .. فأنت الأن بما تنوي أن تفعله لن تعيد له عينه .. وإنما ستفقده الأخرى حين يفقدك .. أنت لا تعالجه بما تفعل .. لا تشفيه .. أنت تتسبب عمدا في أن يفقد بصره كليا وتزيد من عذابه"
أطرق برأسه شاردا ثم رفع وجها متألما إليها يقول وهو يتجول بأنظاره في الغرفة معبرا أخيرا عن مشاعره المكبوتة .. لا أفكاره الصاخبة " صدقيني يا كارمن .. الاحساس بالظلم .. بالقهر .. بأن القاتل يعيش حياته ويتمتع لهو شعور معذب .. التفكير بأن أبي مات مظلوما .. وكيف تشردت عائلتي .. وكيف استنزفت أمي صحتها مبكرا .. وما عاشه يونس سيبقيني في عذاب طوال حياتي إن لم انتقم"
تركت ملابسه وحضنت وجهه بكفيها في نفس وقفتها على ركبتيها بين ساقيه وقالت بهدوء " أشعر بك .. وفخورة بك أن استطعت أن تنتشلهم وترسو بهم على بر الأمان .. لكنك يا حبيب كارمن .. تنظر للأمر بنظرة ضيقة .. انظر حولك .. أنت فقدت والدك وعشت أنت وعائلتك سنينا صعبة لكن الله كلل جهودك بالنجاح .. سخر لك من يساعدوك على أن تنجح لو كان سهلا لما أشاد الجميع بقصة كفاحك وعاملوك باحترام ..
انظر حولك يا فارس ماذا حققت .. انظر لنعم الله عليك لا ما أخذ منك .. منحك أما كنفيسة وليست كشويكار الشبكشي .. ولك أخ وأخت ولست وحيدا .. انظر لحياتكم الهادئة ولأخويك اللذان على استعداد لأن يمنحوك عمرهم.. وليونس بالتحديد كيف كان بذرة لشخص ضائع مستهتر لكنك قومته وصبرت عليه وصرفت عليه ما كنت تجنيه ليتعلم في أحسن الجامعات ويصبح شابا تفتخر به أي عائلة
انظر حولك ماذا حققت أنت .. ومن أي نقطة بدأت وكيف وصلت .. أليس هذا كله تعويضا من رب العالمين لك ولعائلتك ..!"
ظل هادئا بين كفيها ومقلتيه ترتعشان أمامها يستقبل ويفند ويحلل ما تقوله فأضافت كارمن بنفس الهدوء " قلت لي أنك تحبني منذ ثلاث سنوات ولم تتوقع أبدا أن يجمع بيننا الله لاختلاف بيئتينا .. ولكن ربك الكريم أهداك مالم تتوقعه .. بل وغرس حبك في قلبي في وقت قصير أنا شخصيا لا أعرف من أين نبع وتدفق كل هذا الحب الذي أحمله لك في قلبي.. وكيف أصبحت لي الحياة كلها يا فارس .. أليس هذا تعويضا من رب العالمين لك !"
ظل صامتا لكن أنفاسه وأفكاره كانتا تتسابقان فتركت كارمن وجهه وفتحت أمامه كفيها تقول وهي تحدق في عينيه بتركيز شديد تمضي في مهمة شديدة الصعوبة في وقت شديد الحساسية " عليك بالاختيار الأن .. ( أنزل أنظاره لكفيها المفتوحين فأكملت ) أنا وعائلتك ( واشارت لكفها اليمين) .. أم الانتقام ( وأشارت لكفها اليسار ) لن تستطيع ملء كفيك الاثنين في نفس الوقت ( وحركت يدها اليسرى) إما تغرف من الانتقام حتى الثمالة وتضيع بعدها .. أو ( وحركت اليمنى ) تنعم بوجودنا نحن عائلتك وتعيش يا فارس .. تعيش وتنعم بالراحة "
ظل صامتا يحدق في كفيها لبعض الوقت ثم رفع إليها أنظاره يقول بخفوت متألم " الاختيار صعب يا كارمن فكلاهما صعب التفريط فيه "
قالت بإصرار وصدق " لكنك ستقدر على اتخاذه .. أنا لدي ايمان قوي بك وبثوابتك وبمبادئك وقدراتك الذهنية ورجاحة عقلك .. ( وحركت كفيها المفتوحين) أيهما ستختار؟"
نفسه الأمارة بالسوء حاولت استعادة السيطرة فغمغم بخفوت " لكنني اقتربت من الهدف .. أنا الآن قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه "
لم تهتز وإنما قالت بإصرار " لهذا حان وقت الاختيار يا فارس فأنت على مفترق طرق الآن .. أيهما ستختار؟"
نظر من جديد في كفيها أمامه ثم قال مجهدا مرتبكا " من الممكن تأجيل هذا القرار لنرى إن كان القاتل سيظهر أم... "
قاطعته بلهجة صارمة هادئة " القرار لابد أن يكون نابعا من مبادئك وليس رد فعل لما سيقوم به القاتل يا فارس .. أيهما ستختار "
رفع كفيه إلى رأسه يدلكها بأصابعه بخشونة يخفف من عذاب عملية ( الاحلال والتبديل لأفكاره ) المؤلمة وقال مقاوما رغبة شديدة في الاستسلام " لكن كيف سأعيش في سعادة ووالدي لم يجد من يقتص له"
ردت بثقة " لو تثق بالله ستترك له الأمر .. أيهما ستختار"
قال بسرعة وقد هزه ذلك الشعور الذي أوصلته له بضعف إيمانه " ونعم بالله .. ولكن... "
بإصرار وتركيز شديد في ملامحه قاطعته "أيهما ستختار يا فارس؟ .. أنت الأن تقف على مفترق طرق كما قلت لك .. إما أن تبقى معنا .. أو تتحول إلى قاتل أو مؤذي "
ظهرت أمامه صورة مالك وحاصره احساسه بالذنب
فواصلت كارمن الطرق على الحديد الساخن حتى يستجيب ويلين " أيهما ستختار هيا قل ..(واشارت باليمين ) الحياة .. العائلة .. أنا ..(واشارت باليسار ) الانتقام .. التشفي.. ارتكاب الذنوب"
ظل متسمرا أمام كفيها .. ليس سهلا أن يتخلى عن فكرة عاش غارقا فيها ومؤمنا بكل حرف فيها لعشرين سنة فألحت تتعجله " ليس لدينا وقت .. فكل لحظة تمر على الشاب المحتجز ستتحمل أنت ذنبها حتى لو كنت تحسن معاملته"
رفع إليها أنظاره فحركت أمامه كفيها المفتوحين بإلحاح ليعود ينظر لكفيها ثم أحنى رأسه ببطء .. فتسارعت ضربات قلبها متحفزة .. مرتعبة مما سيقرره وكأنها تقف فوق نصل سكين حاد قد يشقها نصفين بعد لحظة ..
وفي خلال هذه اللحظة الفاصلة بينهما ..دفن فارس وجهه في كفها اليمين بصمت متألم.
فاطلقت كارمن صرخة فرحة وأحاطت عنقه بذراعها الاخر تدفن رأسها في كتفه وانفجرت في بكاء حار..
ضمها فارس إليه بقوة مغمض العينان مرهقا بشدة وكأنه قد قطع شوطا كبيرا من العدو على مدى عشرين سنة.. وها قد وصل أخيرا لخط النهاية.
شدد من ذراعيه حول جسدها الذي يرتعش وكأنه يطبب جروحا ظلت حية بالانتقام ولم تندمل بعد.. ودفن وجهه بين كتفها وعنقها يسحب إلى صدره رائحتها باشتياق في صمت هو ابلغ من أي تعبير ..
أما كارمن فاستمرت في بكائها وبدأت في ضرب ظهره بقبضتها مغمغمة بأنف مزكوم "ظننت بأني سأفقدك للأبد .. ظننت بأنك سترحل وتتركني .. وكنت على وشك الموت اقسم بالله"
لدقائق ظلا على هذه الحالة قبل أن تبتعد كارمن وتسأله "هل ستطلق سراح الشاب؟"
صمت قليلا بذهن مشلول ثم أومأ برأسه باستسلام لها فهبت على ركبتيها من جديد تلقي بنفسها على صدره تطوق عنقه بذراعيها مصدرة صرخات فرح خافتة بينما أخرج فارس هاتفه من جيبه وطلب الشيمي الذي رد فورا ليسأله" هل من جديد؟"
رد الشيمي بالنفي .. فقال فارس وكارمن لا تزال بين ساقيه متشبثة بعنقه" أرى أن الامر سيخرج من بين أيدينا يا شيمي وسنتحول لمجرمين .. وأشعر بأني من الحمق أن ورطتكم في الأمر معي وقد كنت أرغب في أن اخوضه وحدي.. وأعتقد بأني بحاجة لإعادة حساباتي بشأن هذا الثأر حفاظا على الارواح التي ليس لها ذنبا"
رد الشيمي بهدوء " كنت اتوقع هذا وانتظره يا بك .. لكني أشعر بك وبما يعتمل في صدرك من حريق لهذا تركتك حتى تقترب من هدفك لربما تشفيت قليلا .. لكن والله لم أكن لأتركك أبدا حتى لو فديتك بحياتي"
ابتسم فارس مغمغما بمحبة "أنت الوحيد من يفهم بما اشعر يا شيمي .. ثم سأله هل تعتقد بأننا لو أطلقنا سراح هذا الشاب سيضرنا؟"
قال الشيمي مفكرا " لا أتوقع .. خاصة وأنه غريب في البلد ولا يعرف أحد وحتى لو ذهب للشرطة فهو لا يعرف بهويتنا ولا أسمائنا وليس متآلفا مع البلد ليحفظ الشوارع أو الوجوه بعد وسأشدد عليه بأننا اطلقنا سراحه رأفة منا فعليه ألا يشكو علينا .."
قال فارس بقلق " ومع هذا علينا بمراقبته "
رد الشيمي موافقا " طبعا سأضع من يراقبه لنتأكد من أنه لن يبلغ الشرطة لا تقلق من هذا الجانب "
قال فارس يفكر بصوت عال " وأنا سأبلغ صفوت بقراري فإن كان صادقا فيما عرضه فسأخبره بأن الشاب قد أطلق سراحه .. ( وصمت قليلا يجز على أسنانه بغيظ ) رغم أني لازلت غير قادر على تقبل فكرة أن الشماع هنا في البلد وأنا أتركه ليهرب من بين يدي "


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-12-19, 01:06 PM   #436

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 5



سحب يونس نفسا عميقا .. ودخل تلك الغرفة مقتحما وكأنه يواجه أسوا كوابيسه .. ووقف في منتصفها متخصرا يتطلع في كل شيء حوله وعلامات الألم والعناد تكسو ملامحه .. يصر على التدقيق في كل شبر وكل ركن وكأنه ينبش بأظافره في الذكريات المخيفة الكريهة ليقتلعها من جذورها ..
بحركة عفوية تحركت عيناه بحثا عن تلك الخنفساء وذلك البرص رفيقا محبسه قبل أن يبتسم لنفسه بانتصار ويستدير قائلا " هل تعلم كم طوبة في هذه الغرفة ؟"
لم يرد الشماع فتحرك يخرج من الغرفة صائحا" أنا اسألك .. هل تعرف ؟ .. لقد عددتهم وأنا محبوس هنا منذ عشرين سنة فخمن كم عددهم "
ظل الشماع يطالعه ببرود استفزه ثم ابتسم له ابتسامة مستخفة .. فعاجله يونس بقبضته في فكه وبالتحديد في سِنه الذهبي وكأنه يهزم وحشا آخر من وحوش الطفولة .. ذلك السن المخيف أو الذي كان يوما ما مخيفا أمام عينيه الصغيرتين .
الألم وطعم الدم ملآ فم الشماع فبصق بجانبه ثم قال "اسمع يا فتى"
هدر يونس بملامح خطرة وقد احمر وجهه غاضبا" أنا لست فتى "
تناظرا لثوان بتحدي.. ثم مال يونس عليه يقول بجوار أذنه بفحيح مرعب" أنا ... يونس .. سعد الدين .. يا .. شماااااااع "
تماسك الشماع معاندا نفسه حتى لا يعترف بأنه يشعر بالخوف وقال ليونس الذي اعتدل ووقف أمامه يناظره من علو "اسمع يا يونس أنت لن تستفيد من قتلي شيئا .. فقط ستقضي زهرة شبابك في السجن .. ما حدث في الماضي حدث وانتهى وهناك أمور أنت لا تعرفها"
سحب يونس برميلا بلاستيكيا صغيرا ووضعه بجوار غريمه يرفع عليه ساقه ويميل بجذعه يسند بساعده على فخذه .. ثم مد يده التي تحمل المسدس يربت به على فك الشماع قائلا باستخفاف" لا تقلق .. أنا أعرف كل شيء يا شماع .. كل شيء .. كنت شاهدا على الأمر من أوله ( ورفع يده إلى نفسه يشير بفوهة المسدس نحو رأسه ويكمل ) كل شيء تخزن هنا في رأسي .. كلمة كلمة وحرفا حرفا .. ( وارتعشت عضلة تحت عينيه اللتان يتراقص فيهما الجنون يكمل بلهجة متألمة ) فهمت جزء منه ساعتها وحين كبرت فهمت الباقي كله "
قال الشماع مستنكرا " وما دمت تعرف أنت وأخوك ما حدث كله .. لماذا تطارداني؟!"
انزل ساقه من فوق البرميل وضربه بقدمه قائلا بغضب "فارس لا يعرف شيء ولن يعرف شيء لأني سأقتلك بنفسي "
ضحك الشماع متهكما وقال بلهجة لزجة
هاهاهاها .. أحببت عرض الأخوة والتضحيات المؤثر هذا!! "

عربد الجنون في عيني يونس بينما أكمل الشماع ببرود "وما دمت يا ناصح تفهم كل شيء.. فبالتأكيد تعرف بأن محمود سعد الدين يستحق ما حدث له"
برقت عينا يونس بالتحدي وقال " ومع هذا سآخذ بثأري وثأر أبي منك يا شماع"
هدر الشماع يقول وقد انفلتت أعصابه " هل تعتقد بأن القتل لُعبة يلعبها الأولاد الصغار "
أشهر يونس المسدس في وجهه بحركة مفاجئة وغضب مستعر وهو يقول" ما رأيك أن تختبر مدى جديتي؟"
بدت عيناه عازمتان أمام الشماع فازدادت ضربات قلب الأخير وبدأ يتعرق بينما أضاف يونس" يبدو أنك ستفقدني متعة اللعب معك وستضطرني لأقرر التخلص منك حالا.. الآن .. ( وانزل فوهة المسدس قليلا ليوجهها نحو قلب الشماع قائلا) ما رأيك أن أصوب على قلبك بالضبط كما فعلت مع أبي؟"
قال الشماع يقاوم رعبه " تعقل يا يونس"
رد يونس قائلا بتهكم " من قال لك بأني عاقل !!.. أنا مجنون ومتصالح مع جنوني جدا في هذه اللحظة "
تحرك اصبعه على الزناد يحدق بتحدي في عيني الشماع وهم بالفعل بالتنفيذ مقررا سرعة الانتهاء من المهمة .
وبقولك ايه
ماتروحش بعيد
وهقولك ايه
لو رحت بعيد
ماتروحش بعيد
دا الحزن بعيد
وبقولك ليه تبقى معايا وتروح لبعيد
صدح صوت أغنية من هاتف يونس رغم أنه على الوضع الصامت لكنه نسي بأنه يستثني مكالمتها هي بالذات من الحالة الصامتة ..
تسارعت ضربات قلبه المتألم .. تلح بأن يرد .. بينما عقله المتشنج يحذره بألا يفعلها.. فلاحظ الشماع اهتزاز حدقتي عينيه فقال بلهجة تميل للسخرية "رد على الهاتف ربما كان هناك من يستحق أن تنسى انتقامك من أجله"
خلايا دماغه بدأت تستيقظ .. لكنه عاند نفسه وأخرج الهاتف الذي بدأ يرن من جديد بنفس الأغنية وذلك الاسم الذي يضيء شاشته بإلحاح ( كرنبة ).
وبقولك ايه
ماتروحش بعيد
وهقولك ايه
لو رحت بعيد
ماتروحش بعيد
دا الحزن بعيد
وبقولك ليه تبقى معايا وتروح لبعيد
فأغلق الخط بيد مرتعشة ووضعه بسرعة في جيبه وكأنه يهرب من مواجهته .. ثم عاد وأخرجه وبكل علامات الألم على وجهه انتحى جانبا يخفي وجهه في الحائط ويكتب لها رسالة بأصابع مرتعشة ..
رسالة وداع .
ثم أغلق الهاتف تماما وأعاده إلى جيبه ووقف متقبضا يولي ظهره لغريمه ليسيطر على انفعالاته .
××××


الحادية عشر مساء
قبل قليل فتحت فريدة عينيها تشعر بالتعب الشديد .. ومدت يدها للترمومتر تضعه تحت لسانها وتجبر نفسها على رفع رأسها على ظهر السرير بصعوبة ثم مدت يدها تنظر في هاتفها .. وحين أيقنت الوقت وأنها قد نامت كثيرا تساءلت إن كان يونس قد عاد أم لا .. وتعجبت ألا تجد منه أي اتصالات طوال اليوم
فطلبت رقمه أكثر من مرة لكنه لم يرد واغلق الخط في المرة الأخيرة .. في الوقت الذي أصدر الترمومتر في فمها صفيرا فنظرت فيه ثم حمدت ربها أن حرارتها قد انخفضت لكن ذلك الألم في جسدها لا يزال موجودا .. فتحاملت على نفسها وتركت السرير نحو الحمام.
بعد دقائق خرجت من الحمام على صوت رسالة فالتقطت الهاتف لتجد يونس قد كتب لها:
كنت دوما أشعر بأني سأؤذيك يوما ما .. وقد وعدتني بأنك ستسامحينني إن فعلت ..
أتمنى أن أكون قد أكدت لك بالأدلة القاطعة بأني لم ولن أحب فتاة غيرك أبدا.. لكني مجبر على ما سأفعل ولا مفر من المكتوب ..
تذكري دوما ..
أن يونس قد أحبك بجنون ..
وكلما نظرتِ للسماء ..
تذكري
بأنني قد أحببتك بعدد نجومها ..
أنا آسف ..
آسف جدا يا حب عمري
اصابها الدوار وانقبض قلبها بقوة وهي تقرأ الرسالة أكثر من مرة تحاول التأكد من أنها لم تهلوس تحت تأثير المرض ..
ما معنى هذا الكلام!!
حاولت الاتصال به لتجد أن هاتفه مغلقا فعادت تنظر للكلمات مرة أخرى علها تفهم شيء .. ولم تفهم
كل ما استوعبته أن قلبها مقبوض ..
مقبوض بشدة
××××


قال الشيمي في الهاتف وهو يدخل الشارع " قليلا وسآتي إليك .. سأنهي بعضا الأعمال مع فارس بك أولا "
قالت رفيدة بانزعاج "أمتني من القلق يا شيمي كلما أتصل بك تغلق الخط"
قال بلهجة حانية " سامحيني يا ست الناس .. كنت مشغولا جدا .. ألم نتفق على أني إذا ما أغلقت الخط يعني أني بخير لكني مشغول "
غمغمت تقول " أعلم لكن هذه المرة كنت قلقة عليك جدا .. ( وأكملت بلهجة حانية ) طبخت لك ( الكِشْك ) الذي كنت تشتهيه "
اتسعت ابتسامته وغمغم بإجهاد " سأنتهي من أعمالي وآتي إليك بسرعة .. سلام"
××××


في نفس الوقت في غرفة مكتبه قال فارس لصفوت في الهاتف بلهجة صارمة وصوت مغلول وهو ينظر لكارمن التي تجلس بين ساقيه على السجادة " كما تعلم أنا لا أخاف .. ولست جبانا .. وقادر على الاستمرار في احتجاز الشاب بل وفعل ما هو أسوأ ويليق بالشماع وأفعاله لكني أخشى الله وأرفق بعائلتي من التمادي في الأمر .. وقد أثبت لكما أني قادر على الوصول إليه وبأني أطلقت صراح الشاب بإرادتي وأنا في موقف قوة .. لكني قررت أن أفوض أمري إلى الله وأتمنى أن أرى انتقامه من قاتل أبي في حياتي .. الشاب أوصلناه بالقرب من أحد الفنادق وتأكدنا من أنه يحمل بطاقته البنكية ونقودا محلية وذمتي منه أصبحت خالصة .. وأبلغ الشماع بأنه إذا ما اقترب مني فسأفعل كل ما أملك لأحمي نفسي وعائلتي .. أما أنت يا صفوت بك فلا أريد أن اعرفك منذ هذه اللحظة انتهى"
قالها وأغلق الخط قبل أن يسمح لصفوت بالرد وأشاح بعينيه بشرود يفكر في القادم .. إن الخطر لم ينتهي بعد .. وعدوله عن المواجهة قد يعطي فرصة للشماع لمهاجمته..
عليه أن يتخذ تدابير شديدة التأمين لعائلته في الفترة المقبلة .. وأن يستمر في مراقبة ذلك الشاب .. وتمنى من الله أن ينزل عليه الصبر وقوة التحمل أن يتقبل حقيقة أن الشماع في نفس البلد لكنه سيتركه لحال سبيله .
باغتته كارمن حين استقامت على ركبتيها أمامه وأمسكت بوجهه تعانق شفتيه بشفتيها غير قادرة على الصبر أكثر فاستجاب لها باشتياق فاق حدود التحمل ورد على قبلتها بقبلة أكثر عنفا وعمقا يئن وكأنه يتلقى مسكنا لآلامه .
حرر فارس شفتيها بعد قليل واستكان في عينيها الواسعتين في استراحة محارب يهمس بصدق من بين لهاثه " هل ستصدقينني لو أخبرتك بأني أشعر أني على قيد الحياة وغارقا في نعمها لحظة أن تعانق شفتاي شفتيك يا كارمن "
اتسعت ابتسامتها تنشر مزيدا من البهجة على قلبه المقبوض فهم بتقبيلها مرة أخرى لكنها أبعدت وجهها تقول بحماس لدي خبر أنا اكيدة بأنه سيفرح قلبك .."
نظر إليها بترقب فقالت "الحقيقة أن هناك فردا جديدا آت في الطريق ينتمي لعائلة سعد الدين وسيضاف لعدد الأفراد المتعلقين في عنقك "
ضيق فارس عينيه يحاول الاستيعاب بذهن مرهق فأكملت كارمن بابتسامة ساحرة " والحقيقة إنه ورقة الضغط التي كنت أنوي بأن اساومك بها وأبتزك عاطفيا أيضا "
رفع حاجبا فأمسكت بكفه ورفعت بلوزتها تضعه فوق بطنها وراقبت بقلب تتراقص دقاته بجنون مراحل تغير ملامحه حين جعد جبينه لأول وهلة ثم اتسعت عيناه وهمس بصوت متهدج " كارمن !"
قالت بصوت متأثر " هذا ما منعني أن أتحرك من بيت دادة حميدة.. لقد كدت أن أفقده وأخبرني الطبيب بضرورة أن ارقد على ظهري لعدة أيام .. وبرغم مشاعري المصدومة المحبطة لحظتها كنت في غاية الرعب أن افقد قطعة منك بداخلي يا فارس "
العبارة الأخيرة هزته بقوة فغمغم بتأثر" كارمن !"
أكملت بابتسامة " الآن لا أخاف من أن يعاقبنا الله في طفلنا بسبب احتجازك لابن القاتل.. الحمد لله أن هداك لما فيه الخير "
قرب وجهه منها معقود اللسان وهمس بصعوبة" كارمن .. أنا ..."
أكملت له بلهجة شقية " أنت ستصبح (بباه) بعد عدة شهور .. أميرة قصر العسل تحمل في رحمها ابن الشاطر فارس "
سحبها إليه ليحضنها بقوة ويغمغم هامسا" يا الهي! .. يا الهي ! .. كنت سأترك ولدي بدون أب "
ردت بلهجة قاطعة " ما كنت سأسمح لك بذلك أبدا .. وآسفة لأني اضطررت لإخفاء الأمر عنك لثلاثة أسابيع لكن أمور كثيرة كانت عالقة ومربكة وكنت أرغب في أن تختارني أنا قبله لكني جئت اليوم لأعلن هزيمتي أمامك وأخبرك بوجوده "
شدد في ضمها يقول بذهول وقد بدأ جسده يرتعش " لا أتصور بأني كنت سأترك ابني ليعيش بدون أب!! "
في الخارج رن الشيمي جرس الباب ففتحت له خضرة ليدخل متنحنحا ...
بعد دقائق خرج إليه فارس من غرفة المكتب فقال الشيمي بهمس حين اقترب منه " كل شيء على ما يرم"
سأله فارس "هل أرسلت من يتتبعه"
رد بثقة "لا تقلق يا باشا"
وقف فارس يشعر بالقلق مازال غير مستوعبا أنه قد اتخذ قرارا كهذا ..
وكأنه كان يحمل صخرة عملاقة فوق ظهره سنينا طويلة وفجأة نزعها عنه وحطمها.
وبرغم من أنه يشعر بأنه خفيف الوزن لكنه غير قادر على الشعور بالطمأنينة.
نزلت فريدة على السلم في هرولة تقبض على هاتفها بيد وطرف اسدالها بيد أخرى وكادت من الدوار أن تسقط تصرخ " أبيه .. أبيه"
استدار فارس نحوها مجفلا قبل أن تقبل عليه هو والشيمي تقول برعب" ما معنى هذا الكلام؟؟؟؟"
عقد حاجبيه وأمسك بهاتفها يغمغم" أي كلام؟؟"
ثم نظر في هاتفها يقرأ رسالة يونس قبل أن تجحظ عيناه يحدق في الشاشة لثوان.. فلم يفهم الشيمي إن كان الأمر شخصي أم لا .. فتحرك بحرج مغادرا ليقول فارس بعدم فهم " انتظر يا شيمي"
طالعه الشيمي بقلق بينما أخرج فارس هاتفه وحاول الاتصال بيونس .. لقد انشغل طوال النهار بما كان يواجهه ولم يتواصل معه.
صاحت فريدة بغير صبر "ماذا يحدث يا أبيه !!!"
رد فارس وهو يعاود الاتصال به مفكرا " لا أعرف لم أتواصل معه طيلة اليوم "
ردت فريدة بقلب مقبوض " ولا أنا كنت نائمة لساعات طويلة .. وقبل قليل اتصلت به فكان هاتفه يرن .. ثم ارسل لي هذه الرسالة واغلق الهاتف"
قال الشيمي مطمئنا "ربما فرغ شحن هاتفه"
خرجت الحاجة على وجهها علامات الفزع تقول" ماذا حدث؟"
سألها فارس" هل اتصلت بيونس اليوم يا أمي أو اتصل بك؟"
قالت الحاجة بسرعة" هذا ما كنت أريد أن أسألك عنه لقد اتصلت به مرتين اليوم ولم يرد ولم يعاود الاتصال وهذه ليست عادته"
خرجت كارمن من غرفة المكتب شاعرة بالقلق هي الأخرى ثم اسرعت تمسك بيد الحاجة التي ارتخى جسدها .. فأسرع إليها فارس مطمئنا وهو يسندها ليدخلها غرفتها "لم القلق يا أمي سيظهر بعد قليل ربما مع احد من أصدقائه"
همت فريدة أن تذكر أمر الرسالة فحدجها فارس بنظرة خطرة فبلعت قلقها وأغلقت شفتيها .
عاد فارس للشيمي الذي كلف أحد رجاله بالبحث في المصنع ثم رفع هاتفه يتصل بزياد .
بعد قليل أغلق زياد الخط مع فارس يحك جبينه بقلق ويحاول الاتصال بيونس لكن الهاتف كان مغلقا فاقترب منه رأفت يسأله بتوجس" ماذا هناك؟"
نظر زياد لوالدته وعهد اللتان تثرثران في أحد كافيتريات المطار استعدادا لتوديع العروسين لرحلة إلى تايلاند ثم قال " يونس مختفي في ظروف غامضة ..لم يتواصل مع أحد منذ الصباح وارسل رسالة غريبة لفريدة يعتذر فيها "
عقد رأفت حاجبيه مندهشا فقال زياد وهو يحاول الاتصال بأحد الأصدقاء" أنا أيضا حاولت الاتصال به اليوم أكثر من مرة ولم يرد .. وتوقعت بأنه مشغول في الاحتفال الذي بالمصنع ( ثم قال في الهاتف ) عماد كيف حالك .. هل رأيت يونس اليوم أو تواصلت معه ؟"
××××



منتصف الليل :
اقترب عاصم يحاول أن يستدل على العنوان في أحد أحياء مدينة ساحلية تبعد عن العاصمة .. يبحث عن السوبر ماركت التي اخبرته بأنها تجلس عنده..
اتصالها به في حالة انهيار تطلب منه أن يرسل سائقا ليقلها أقلقه عليها فلم يدري بنفسه إلا وهو يسرع الى سيارته تاركا اجتماعه مع أحد أصدقائه.
إنه يقود منذ ثلاث ساعات حتى وصل لتلك المدينة ولم يستطع أن يفهم منها إلا أنها كانت في زيارة لقبر ابنها.
وجد السوبر ماركت ولمحها بجانبه على مقعد خشبي فركن السيارة بسرعة ونزل يشعر بالشفقة هاتفا "ريتا"
رفعت إليه وجها متورما بالبكاء .. ثم استقامت والقت بنفسها عليه تدفن رأسها في صدره متشبثة بقميصه وهي تغمغم "عاصم ..عاصم "
تفاجأ عاصم بحالتها فربت على ظهرها يهدئها بينما خرجت امرأة من السوبر ماركت واقتربت منه تسأله" هل أنت زوجها؟"
الوضع الذي كانا يقفان فيه أجبره على الايماء برأسه بالإيجاب فقالت المرأة بتعاطف" المسكينة تجلس هنا منذ ساعات تبكي ورفضت أن تدخل لداخل السوبر ماركت رغم اشتداد الرياح ومن أجلها لم أغلق المحل واذهب إلى بيتي حتى لا تبقى وحدها في الشارع "
قال عاصم شاكرا" جزاك الله خيرا"
وربت على ظهر ريتا ثم ابعدها يقول" هيا يا ريتا"
تحركت معه نحو السيارة فأجلسها والتقط حافظة نقوده ثم استدار يقول لصاحبة السوبر ماركت وهو يخرج مبلغا من المال مغمغا " أنا شاكر لك جدا وشاكر لكرم اخلاقك"
عبست المرأة وهتفت باستنكار " ما تفعله عيب يا بك أعد نقودك لمكانها"
شعر عاصم بالحرج فقال " هذا عرفانا بجميلك في مساعدتك لزوجتي"
قالت المرأة بغضب" أنت تشتمني يا بك بهذا الشكل"
تكلم ممتنا" حاشا لله .. كنت اعبر عن امتناني لا اقصد الاهانة (ونظر للمحل الصغير يفكر بسرعة ثم قال ) اعطني مياه وعصائر وبعض التسالي للطريق واكثري فطريقنا طويل "
بعد ساعة على الطريق قال عاصم مهدئا "يا ريتا لا أنكر أن ما قالته المرأة غريب ومربك لكن لا يخبرنا بشيء .. قد تكون كما قال أولادها تخرف"
قالت باكية" لقد ذهبت خلفها حتى بيتها وحاولت أن أفهم من كلامها ولم اخرج بشيء مفيد.. كل كلامها بعد ذلك كان اشبه بالهذيان عن ولدها وعن أمور حدثت في الماضي .. الجملة الوحيدة التي كررتها كثيرا أن ابني ليس في مدافن العائلة ..وانتهى الأمر حين هددتهم بأني سأطالب بإعادة فتح المقبرة فانفعل ناصر وتشاجرنا وأصريت على المغادرة.."
قال عاصم يحاول الفهم وهو يتبادل النظرات بينها وبين الطريق" ناصر هذا الابن الاكبر لخالك ؟"
اومأت برأسها ثم قالت بوعيد "سأقيم الدنيا فوق رؤوسهم حتى اتأكد إن كان ابني مدفون هناك أم لا"
قال عاصم مهدئا "يا ريتا ما تقولينه ليس بهين ان يوافقوا على فعل ما تطلبين بناء على تخاريف امرأة عجوز"
دفنت وجهها في كفيها تجهش بالبكاء بعد أن قالت "انهم سيحرمونني من زيارة قبر ابني يا عاصم"
اعتصر الألم قلبه فربت على رأسها مهدئا وهو يقول " لا تبك وسنفكر سويا كيف نحلها ..وقد نزورهم ونتفاهم معهم .. ليسمحوا لك بزيارته .. مؤكد لن يحرمك أولاد خالك من زيارة ابنك خاصة وانهم معترفون بأن امهم تخرف"
×××××




الواحدة بعد منتصف الليل
وضع زياد الحقائب في سيارة والده واستدار بسرعة يجلس متوترا بجوار مقعد السائق بينما عهد وأمه ذاهلتين في المقعد الخلفي فتطلع فيه رأفت بتوتر قبل أن يشغل السيارة عائدين للبيت لأن زياد قد اصر على تأجيل رحلته بسبب اختفاء يونس في ظروف غامضة
××××




"اخبرني ما هو شعورك وأنت توشك على الموت بعد قليل؟"
قالها يونس وهو يتحرك أمامه جيئة وذهابا .. فتأمله الشماع وقد بدأ اليأس يسيطر عليه بأنه لن يستطيع اقناع هذا المجنون بالعدول عما ينويه.. ويحاول أن يفكر كيف سيخرج من هذه الورطة قبل أن تنفلت أعصابه والتي كادت أن تحدث أكثر من مرة وكأنه يتعمد تعذيبه ..
استدار يونس يصرخ بغضب" أنا سألت سؤالا فأجبني"
ناظره الشماع بغل ثم قال " قلت لك والدك هو من جلب عليكم هذه المصائب ولست أنا .. هو من طمع في الصفقة بمفرده "
تسارعت أنفاس يونس يحدجه بأنظار نارية يعلم بالضبط عم يتحدث.. بينما اكمل الشماع" أبوك استغل وفاة أخيه محمد في حادث السيارة واوهمنا بأنه لا يعرف أين البضاعة .. وأن أخوه مات دون أن يخبره بمكانها .. لكنه كان يخبئها .. كنت أعلم بهذا .. كان يريد أن يأخذها كلها بدلا من أن تقسم على أربعة .. وحين هددته هرب بكم فلم أجد أمامي حين ذهبت لبيتكم غيرك لأهدده به (واضاف بلكنة ساخرة ) وأنت تعرف الباقي وتشهد عليه كما كنت تتشدق منذ قليل .. أي أنني رد فعل لما فعل والدك أيها المنتقم"
هدر يونس فيه وكأنه يتعذب " اسكت .. اسكت.. اسكت.."
لم يستطع تحمل المزيد ..
كل هذا يعرفه ..
كل هذا فهمه بعقله الصغير حينها ..
فهم بأن والده كان شريكا لهم وبأنه كان يتشاجر معه على الحصول على شيء ما .. وحين كبر واستعاد تفاصيل تلك الليلة المؤلمة فهم كل شيء.. كل ما حدث .. وظل حاملا لسر أبيه كل هذه السنين.
وقف ينظر إلى الشماع بغل وأنفاسه تسابق ذكرياته إلى رأسه .. يشعر بالغضب لأنه نطق بما لا يريد لأحد أن يعرفه .
يعلم بأن محمود سعد الدين ليس بريئا ..
وليس شريفا ..
ولم يكن إلا شريكا في جريمة تهريب آثار..
وبأنه كان يرغب في الهرب بها بمفرده .
وبالرغم من ذلك كان يحمّل نفسه ذنب أن سقط والده في يد شركائه وبأنه السبب في مقتله .
كل هذه السنين كان يحمل في قلبه الجريح هذا السر.
ولم يخبر أحد .. اغلق فمه عليه للابد حتى فارس لم يعرف.. لقد فهم بسنه الصغير أن هناك جريمة ما متورط فيها والده .. لكنه لم يكن يفهم تفاصيلها بالضبط .. ثم فهمها بعد عدة سنوات حين كان يشاهد فيلما بالصدفة أبطاله يهربون الآثار..
وقتها فهم كل شيء وآثر اغلاق فمه على هذا السر خاصة وأنه يعرف بمدى حب وتعلق فارس بأبيه .. فلم يرغب في أن يهدم صورة الأب أمام عيني فارس الذي كان يفتخر دوما به..
يكفي ما عاناه هو وصورة الأب التي تحطمت أمامه فأشفق على فارس من أن يمر بما مر به ..
نفض عنه المشاعر المؤلمة واقترب من الشماع ببطء ثم قبض على شعره يشده للخلف قائلا بغضب "من سمح لك بالثرثرة.. ها؟ .. (وتحركت حدقتيه باشمئزاز على وجهه القميء وهو يقول ) أنت هنا لتجيب على ما أسأله لك فقط .. هل سمعت .. ( وحين لم يرد هدر بعنف وهو يشد شعره أكثر ) لم أتلق إجابة "
صوت صرير البوابة تفتح جعل عينا يونس تجحظ وقبل أن يفكر الشماع في الصراخ التقط يونس المسدس المحشور في حزامه من الخلف ووجهه نحو الشماع يقول بهمس لو نطقت سأطلق عليك الرصاص بدون ندم وتحرك ببطء يحاول أن يتذكر إن كان قد أغلق البوابة من الداخل أم لا .


قبل قليل
نزل مالك على أول الشارع يشتم غاضبا بعد أن رفض سائق سيارة الأجرة أن يدخل الشارع مصرا على أن ينزل على أوله وأخذ منه مبلغا يشعر بأنه مبالغا فيه جدا .
لقد طلب سيارة أجرة بمجرد أن أنزله أتباع ذلك الرجل الضخم في وسط العاصمة يخبروه بأن على بعد نصف كيلو فندقا يستطيع المبيت فيه إن أراد .. وذهل حين أعادوا له متعلقاته الشخصية كاملة .. واعطوه مبلغا من المال يكفي المبيت ليلة في الفندق لكنه بالطبع لم يستطع الانتظار دون أن يطمئن على مصير والده .. ففتح هاتفه وتنفس الصعداء أن برنامج التتبع على ساعته يعمل ولم يخرب والده الساعة كليا فحاول أن يرشد السائق المتأفف أولا بأول إلى المكان ..
تحرك في الشارع المظلم وكثير من الأفكار تعصف بذهنه ولا يجد لها إجابة .. أهمها ماذا يفعل والده في هذا المكان؟
أهو بيت أحد أصدقائه؟
ولماذا قرر ذلك الرجل ذو الحلة الافراج عنه فجأة هل هذا يعني بأنه قد أمسك بوالده؟
أشار الهاتف نحو بناية مهجورة مظلمة بأنها مكان الساعة فشعر بأن هناك أمرا خاطئا .. وتحرك يكمل طريقه لتشير له الخريطة بأن يعود للبناية .. وبعد عدد من المحاولات استسلم واشعل ضوء هاتفه يقترب من بوابتها التي فتحت بمجرد أن دفعها محدث صريرا أرعبه ..
نظر لأعلى عبر السلم للطوابق فوجد بصيصا من ضوء في طابقها الأخير ..
تردد قليلا ثم هم بالمغادرة فأصرت الخريطة أمامه أن الساعة في هذ البناية ..
كان يرتجف من الخوف لكنه استجمع قواه وصعد ببطء رغم أن قلبه كاد أن يخرج من حنجرته من الرعب ونظر حوله في رحلته على السلم فوجد سيخا من الحديد أمسك به وأكمل صعوده ببطء
عند تلك الشقة المفتوحة والتي لا تحتوي على أي باب نظر بقلق ليجد والده يجلس مربوطا في الصالة أمامه وبدون تفكير اندفع يخطو بداخل الشقة هاتفا بذعر "أبي!!"
فوهة مسدس كانت في استقباله بجوار باب الشقة مصوبة نحو رأسه فاستدار ليجد شاب يناظره بمقلتين متفحصتين قائلا بلهجة متسلية " الله .. الله .. الله .. (ونظر للشماع يسأله ) ابنك هذا !!..( ثم عاد لمالك يتطلع فيه ) ما هذه الصدفة السعيدة .. إنه بالتأكيد يوم سعدي .. الشماع وابنه في قبضة يدي في يوم واحد ! "
تطلع فيه مالك بذهول بينما هدر الشماع في ابنه يقول بغيظ من بين اسنانه " بالله عليك .. هل في رأسك القليل من الذكاء ! .. كيف تدخل بهذا الاندفاع دون أن تتأكد من خلو المكان .. تصورت للحظة بأنك ستستخدم قليلا من الذكاء وتنقذني .. فإذا بك تنضم إليّ!! (وتطلع في يونس يقارن بينه وبين ابنه مغمغما ) بقرف محمود سعد الدين ينجب شابا مثله وأنا انجب صرصور الحقل"
طالعه مالك بملامح مصدومة يشعر بالاختناق والإحباط مما تفوه به والده وبالرعب من فوهة ذلك المسدس المصوب نحوه يحمله شخصا يبدو عليه الجنون والذي انفجر ضاحكا بهيستيريا ثم قال ساخرا"" لا لا لا .. أهم شيء الحفاظ على الترابط الأسري في اللحظات الصعبة والأخيرة .. لا تشعروني بأني سببا في هدم العلاقة بين الأب وابنه !"
ثم قبض على قميص مالك الذاهل المرعوب يقول بلهجة آمرة" تعال كنا بحاجة ماسة لمن يلعب دور (يونس ) "
التقط باقي الحبل الذي اشتراه خصيصا وهو يدور بالسيارة قابضا على الشماع بينما قال مالك بهدوء يحاول عدم استفزازه "ماذا تريد منه؟"
دفعه يونس بخشونة ليدخل الغرفة المواجهة للشماع وهو يرد بلهجة خطرة "ليس من شأنك .. أدخل"
دخل مالك يحاول التماسك .. يفكر أن كيف سيسقط هذا المسدس من يده وتحفزت قبضته على السيخ الحديد .. لكن يونس باغته بضربة من كعب المسدس في مؤخرة رأسه فغامت الدنيا أمامه .
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-12-19, 01:07 PM   #437

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 6

الثالثة من صباح السبت :
هدر فارس بغضب قائلا بوعيد وهو يقف في بهو الفيلا عائدا من الخارج من رحلة بحث فاشلة عن يونس " والله العظيم لو كان هذا مقلبا لأضربه حتى تتفجر الدماء من وجهه "
وقفت كارمن تتطلع فيه بتوتر ثم نظرت إلى فريدة الجالسة بظهر محني متكومة في اسدالها على درجات السلم عيناها تتجولان في الجميع بذهول فاقدة للنطق حتى أنها لا تبكي وهذا يقلق كارمن كثيرا .. بينما الحاجة نفيسة جالسة على أحد المقاعد تربت على رأسها بحركة رتيبة مولولة " ولدي .. أين أنت يا ولدي .. يا رب استرها يا رب"
دخل الشيمي فاسرع إليه فارس لكن ملامح الأول جعلته يشعر بالإحباط .. وأخبره بأنه لا جديد ثم همس لفارس بخفوت" هل تعتقد يا بك أن الشماع له يدا فيما يحدث ؟"
جحظت عينا فارس بذهول .. فما يفكر به الشيمي مخيفا بحق ورد" ماذا تريد أن تقول يا شيمي؟. . أن الشماع قد أرسل من يخطف يونس ردا على ما فعلناه !"
غمغم الشيمي مفكرا "لكن ما معنى تلك الرسالة التي أرسلها لفريدة؟"
شعر فارس بأن رئتاه تتقلصان مع هذه الخاطرة بينما رن هاتفه ليجد اسم ريتا فلم يرد .. إنها تلح في الاتصال منذ قليل والوقت والظرف غير مناسبين أبدا للرد عليها .. فعاد للشيمي يقول هامسا "لو كان تخمينك صحيحا لمَ لم يتواصل معنا ليخبرنا بأنه في قبضته "
ثم حدقا في بعضهما وتذكروا شيئا فتكلم فارس قائلا "أين مالك؟؟"
قال الشيمي وهو يرفع الهاتف على أذنه" سأتصل بالشخص المكلف بمراقبته ليخبرنا "
دخل فجأة زغلول يقول "هناك شخص يريد مقابلة فارس بك "
أنزل الشيمي الهاتف من على أذنه بينما وقف فارس متخصرا متفاجئا باقتحام صفوت عظمة للفيلا بملامح غاضبة قائلا " أتمزحون معي يا آل سعد الدين أم تستخفون بي !!.. تخبرني بأنك قد اطلقت سراح مالك بينما أخوك قد خطف الشماع!!.. ألن ننتهي من هذا الكابوس أبدا .. أنا تعبت من محاولة منع إراقة الدماء لكنكم تصرون على ذلك الانتقام السخيف من قاتل أبيكم"
شهقت الحاجة نفيسة تضرب على صدرها وهي تسمع بما تفوه به ذلك الرجل واسم الشماع وسيرة الانتقام بينما هدر فارس بعدم استيعاب وقد تلفت حوله ليجد أن الجميع قد سمعوا كل شيء " ماذا يحدث يا صفوت بك ؟.. وما الذي أتى بك في هذه الساعة لتلقي في وجهنا هذا الهذيان الذي تقوله "
قال صفوت بغضب " أين أخوك ؟"
رد فارس بقلب مقبوض يحاول استيعاب ما قاله صفوت منذ ثوان " انه مختفي ونبحث عنه "
أشار صفوت بسترة حلة كان يقبض عليها منذ دخوله قائلا" أليست هذه تخص أخيك؟؟؟"
نظر فارس باندهاش لسترة الحلة في الوقت الذي أخرج صفوت من جيب السترة بطاقات عمل تحمل اسم يونس وأضاف " أليست هذه تخص أخيك؟؟ "
جحظت عينا فارس وازدادت ضربات قلبه ليسأله بصوت مبحوح "أين وجدتها ؟؟؟!!!"
هدر صفوت بانفعال " طلبت من رجالي تمشيط المنطقة لاخمن أين هرب الشماع فوجدوا هذه ملقاه على بعد اثنين كيلو متر من مكان الكمين الذي أعددتموه صباح اليوم "
تسارعت أنفاس فارس بينما أخرج صفوت هاتفه ليريه بعض الصور وهو يقول "احدى سيارتي حرس الشماع كانت مزودة بكاميرا أمامية التقطت صورة سيارة من بعيد تخرج من الصحراء على الطريق وتغادر المكان .. حاولنا تكبير الصورة فلم نحصل على رقم اللوحة لكنني أعتقد بأنها تخص أخيك "
نظر فارس في الصورة فسقط قلبه بين قدميه ثم عاد يحدق ذاهلا في وجه صفوت الذي هدر قائلا وهو يلقي بالسترة أرضا بانفعال" تعبت .. أنا تعبت من هذا الموضوع ( وتطلع في فارس يقول بغيظ ) أرأيت ماذا فعلت يا فارس !! .. أرأيت نتيجة استدراجك للشماع .. أرأيت ما كنت احذرك منه وأنا أطلب منك أن تتخلى عن سعيك للانتقام !!! "
كانت الحاجة نفيسة قد استقامت بصعوبة والجميع مشغول عنها بما يحدث .. وتحركت ببطء تنصت بذهول لما يقولونه وهي تحاول استيعاب الصدمة ..
في منتصف الطريق كادت أن تسقط وهي تستند لعصاها فانتبهت كارمن وأسرعت إليها صارخة " حاجة نفيسة !"
أسرع فارس إلى أمه يسندها قبل أن تقع أرضا فرفعت إليه عينين مصدومتين تترقرق فيهما الدموع تقول بعدم تصديق " أين ابني يا فارس؟؟؟ .. أين يونس؟؟ .. عن أي انتقام تتحدثون !!!"
ثم امسكت بملابسه تشدها صارخة بتوبيخ" ألم تعدني يا فارس .. ألم تعدني منذ سنوات بعيدة بأنك ستتخلى عن هذا الثأر .. ألم تعدني .. ألم تعدني "
ظلت تهزه من ملابسه عيناها الزرقاوان شاخصتان نحوه بنظرات معذبة بينما فارس كان كمن تهدم عالمه فوق رأسه .. ذهنه يعمل بسرعة كبيرة غير مستوعب كثيرا لحالة والدته .. يحاول أن يخمن بسرعة أين من الممكن أن يكون يونس .. ومئات الأسئلة الأخرى تتصاعد في ذهنه لكن لا توجد الرفاهية للبحث عن إجابات لها "
فصرخت الحاجة في وجهه تضرب بكفها على صدره بكل قوتها بينما هو يناظرها بملامح ذاهلة " ماذا فعلت بنا ؟؟ .. ماذا فعلت يا فارس ؟؟.. ماذا فعلت ؟؟ "
امسكت كارمن بالحاجة تحاول أن تبعدها عن فارس الواقف أمامها شاحبا معقود اللسان وقالت" تعال يا حاجة أرجوك .. اهدئي .. "
فتدخل الشيمي أيضا يفك أصابع الحاجة برفق عن ملابس فارس قائلا وهو يسندها "تعال معي يا حاجة وأجلسي"
فناحت الحاجة نفيسة" ولديييييييي "
تحرك فارس بسرعة بمجرد أن ابعدوا أمه وأجلسوها على أحد المقاعد يدخل إلى غرفة مكتبه ويفتح الخزنة ليبحث عن مسدس يونس فيها .. فلم يجد سوى مسدسه
فعاد ليتطلع في الجميع يحاول بسرعة نفض الصدمة والذهول عنه فلا وقت لهما حاليا ليقول الشيمي "أين من الممكن أن يكون قد ذهب به "
نظر فارس بحيرة لفريدة التي لا تزال متخشبة على نفس هيئتها وكأنها تمثال يجلس متكوما على نفسه على السلم لولا أنها حركت مقلتيها نحو فارس تتطلع فيه بدون استجابة .. فسأل صفوت الذي لا يزال واقفا يطالعهم بقلق" وأين مالك؟"
تذكر الشيمي .. فانتحى جانبا يجري اتصالا بأحد رجاله بينما اقتحمت ريتا باب الفيلا المفتوح فنظر إليها فارس مصعوقا يهتف باندهاش" ريتا !!!!"


قبل ساعة
وقف عاصم أمام البناية التي تقع فيها شقة ريتا قائلا " استريحي الآن .. لقد مررت بيوم طويل وصعب ومرهق للأعصاب .. وسأمر عليك مساء اليوم لنتحدث في الأمر ونجد له حلا"
أومأت برأسها بإنهاك ثم فتحت حقيبتها لتلتقط هاتفها الذي يرن .. فوجدت مكالمة من أحد الرجال التي كانت تكلفهم بإخبارها بأي معلومات تخص فؤاد الشماع وتعجبت من اتصاله في وقت كهذا بالإضافة لأن سجل المكالمات قد اشار لها بأنه قد اتصل بها أكثر من مرة خلال الساعات الماضية لكن يبدو أنها لم تكن منتبهة .. فأسرعت بالرد بينما وقف عاصم مندهشا من هذا الاتصال في هذا الوقت من الليل .
قال الرجل على الهاتف "ريتا هانم .. أحاول الاتصال بك منذ الصباح .. جئت إليك بخبر أكيد من المطار.. لقد عاد فؤاد نشأت الشماع للبلاد .. "
صرخت ريتا فأجفلت عاصم " من تقول ؟؟!!!"
قال الرجل بثقة " أؤكد لك يا هانم أن الرجل الذي تبحثين عنه فؤاد نشأت الشماع دخل البلاد صباح اليوم آتيا من الصين بجواز سفر صيني"
نظرت لعاصم تقول بذهول " طليقي وجدته .. وجدت النذل طليقي .."
وأغلقت المكالمة فجأة دون حتى أن تشكر صاحبها لتطلب
فارس بسرعة لكنه لم يرد فقالت وهي تعود لسيارة عاصم " أوصلني لفارس بسرعة يا عاصم"
قال عاصم باستنكار وذهول " نعم ؟!!.. من؟!! .. وفي هذه الساعة ؟؟!!"
قالت في عجلة تحثه على الإسراع " أرجوك يا عاصم لا وقت للشرح .. سأخبرك في الطريق "
وقف عاصم متسمرا غير مستوعبا ثم قال باستنكار وهو يشاهدها ترفع الهاتف على أذنها من جديد" لن أتحرك حتى أفهم ما علاقة طليقك بفارس .. وما وجه الاستعجال في الذهاب في هذه الساعة"
انزلت الهاتف تقول بتوسل "أرجوك يا عاصم أرجوك سأشرح لك في الطريق"
هدر بصرامة" ريتا .. لست سائقا لك .. أخبريني أولا"
لولا أنها في حالة من الذهول والصدمة لكانت ارتعبت من لهجة عاصم وملامحه الصارمة.. لكنها أسرعت تفتح حقيبتها وتلتقط مفتاح سيارتها منها وهي تهرول نحو مرآب المبنى لتحضر سيارتها .
دخل عاصم فيلا سعد الدين .. خلف ريتا لاهثا يتطلع في الجميع بدهشة بعد أن وجد بوابة الفيلا في الخارج مفتوحة على مصراعيها وعدد من رجال الشيمي منتشرون في الوقت الذي قالت ريتا لفارس "ماذا يحدث هنا ؟.. (ثم اقتربت منه تقول) هل علمت أنت أيضا بأن الشماع قد دخل البلاد ؟؟؟!"
عقد عاصم حاجبيه بغير فهم بينما اقتربت منه كارمن تلقي بنفسها في حضنه لتهدئ قليلا من اعصابها المشدودة التي تحاول استجماع شجاعتها لتحمل فاجعة ما يحدث ..
أما فارس فقال بذهن مشغول " أعرف يا ريتا اتركيني الآن بالله عليك "
تطلعت حولها تحاول الفهم بينما قال الشيمي بوجه شاحب كالأموات وهو ينزل الهاتف من على أذنه " فارس بك حددنا مكان مالك "
في الخارج اسرع زياد باقتحام الفيلا يترجل من السيارة التي لم تستقر عجلاتها على الطريق بعد وقطع حديقتها هرولة يدخل لينضم لجميع الواقفين في حالة تأهب يسأل "هل من جديد؟"
أشارت له كارمن الواقفة مع والدها عند باب الفيلا وتسند برأسها على صدره بلا.. بينما سألها عاصم بذهول "ماذا يحدث يا كارمن ؟"
غمغمت كارمن فسمعها الجميع " يونس بباه .. يبدو أنه قد علم بوصول ذلك المجرم قاتل والده والشواهد كلها تقول بأنه قد قام باختطافه لمكان غير معلوم وبعث برسالة اعتذار ووداع لفريدة"
هدر فارس بأعصاب منهارة" تكلم يا شيمي .. أين مالك؟"
رد الأخير بوجه شاحب "العنوان الذي يصفه رَجُلنا يقول بأن مالك الآن في تلك البناية القديمة التي قتل فيها الحاج محمود رحمه الله .. يقول الرجل بأن الشاب قد دخلها منذ ساعتين أو ثلاث تقريبا ولم يخرج منها حتى الآن وهو مازال مرابطا أمام البناية في انتظار خروجه "
غمغم فارس "وكيف علم بذلك العنوان؟"
فهتف زياد من بين أنفاسه العالية يحاول أن يربط ما سمعه للتو ببعضه بغير فهم" ما معنى أن يونس قد خطف قاتل أبيه؟؟؟؟؟ ...ومن مالك هذا؟؟"
نظر فارس للشيمي وبرقت عينيهما وكأنهما قد وصلا لنفس الحدس في الوقت الذي حركت فريدة شفتيها بصعوبة تقول ببطء ولسان ثقيل وهي تحدق في الأرض وكأنها تحدث نفسها فانتبه إليها الجميع " يونس هناك .. يونس أخذ الرجل إلى هناك .. إلى نفس المكان"
أسرع فارس نحو غرفة مكتبه بينما تحفز الشيمي واستعد .. ليخرج فارس وهو يضع مسدسه في حزامه من الخلف يقول للشيمي "هيا بنا ..( واخترق المتجمعين آمرا بصرامة ) لا يتبعنا أحد ..( وقال للشيمي ) أعط أوامر رجالك بتأمين الفيلا جيدا .. حراسة مشددة يا شيمي"
تطلعت كارمن في ظهره حتى اختفى من أمامها فتقلص رحمها بقوة وتقبضت تحاول التحمل مغمغمة في سرها "اللهم أني استودعتك زوجي .. يا من لا تضيع ودائعه .. فرده إليّ سالما غانما .. واحميه وأخوه من كل أذى يا كريم "
بينما استمرت فريدة في غمغمتها مرددة " يونس هناك .. يونس أخذ الرجل إلى هناك .. إلى نفس المكان"
الموقف كان عجيبا وضاغطا على الجميع
فتحرك عاصم وصفوت وزياد خلف الشيمي وفارس
بينما أمسكت ناهد الواقفة على باب الفيلا مع زوجها وعهد بملابس زياد صارخة "كلا كلا .. لا تذهب .. برضاي عليك يا زياد لا تذهب"
حاول زياد التخلص من يد أمه التي تقبض على ملابسه وهو ينظر لفارس والشيمي اللذان يستعدا للتحرك وقال " يونس في خطر يا أمي دعيني أرجوك "
تشبثت به ناهد أكثر وسط صدمة عهد ورأفت تصرخ بهستيريا" لا .. لن تذهب .. بالله عليك لا تذهب معهم .. يتحدثون عن قاتل ومجرم وخطف .. وفارس يحمل مسدسا .. "
هدر زياد منفعلا" هل سأتخلى عن صاحبي يا أمي؟؟!!"
تشبثت ناهد أكثر وقد أصابها الخوف بانهيار عصبي بينما حاول رأفت ابعادها وتهدئتها رغم قلقه فغمغمت متوسلة وهي لا تزال تتشبث به بكل قوتها " اتوسل إليك لا تذهب يا زياد .. أقبّل يدك لا تذهب يا بني"
نظر زياد لأمه يفرك جبينه بتوتر ولمعت عيناه بالدموع ثم رفع انظاره ليجد سيارة فارس تتحرك فصاح باستنكار" ماذا تفعلين يا أمي بالله عليك !!"
تحرك الشيمي بالسيارة يجلس بجواره فارس .. فمنع الأول نظراته عمدا عن التطلع في رفيدة التي وقفت أمام بوابة الفيلا تشيعه بنظرات غير مستوعبة لكل ما يحدث تحضن نفسها في رعب وتحاول أن تتماسك وألا تجري خلف السيارة في انهيار كالفتيات الصغيرات ..
أما ناهد التي تقف في الحديقة متشبثة بكل قوتها بابنها فقد تحول وجهها للون الأزرق .. وبدأت تهاجمها أزمة ربو شديدة .. فأسرعا زياد ورأفت بحملها إلى داخل الفيلا بينما عهد تبحث في حقيبة ناهد عن بخاختها ..
في الوقت الذي خرجت ريتا من الفيلا مسرعة لتلحق بهم فقال عاصم عند البوابة مستنكرا" إلى أين أنت ذاهبة؟؟"
لم ترد ريتا ..
ولم تسمعه ..
وإنما اسرعت نحو سيارتها في الوقت الذي صرخت كارمن من الداخل " بباه انجدنا الحاجة نفيسة سقطت مغشيا عليها "
××××


يتبع


Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-12-19, 01:08 PM   #438

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 7

منذ عشرين عاما
بكل مشاعر الخوف دخلوا لبيت محمد سعد الدين والد فريدة متخفين قبل الفجر فانطلقت الأخيرة ذات الأربع سنوات تبحث عن والدها في غرفته والذي لم تراه منذ يومين جاهلة بحقيقة أنه مات في حادث سيارة.. فظل يونس ذو الثماني سنوات يتابعها بقلق مشفقا على حالتها..
بينما وقف فارس بسنوات عمره الثامنة عشرة يقول لوالده بهمس "لماذا لا نبلغ الشرطة يا أبي عن ذلك الرجل الذي يهددك لتعطيه الأوراق التي تدينه؟"
غمغم محمود متوترا وهو يرفع سماعة الهاتف ويطلب رقم صديقه الذي سيأتي ليقلهم بعيدا عن الحي
"بالطبع سأطلب الشرطة يا فارس لكن هناك بعض الأمور لابد أن أقوم بها أولا"
قال فارس بهدوء يحاول إقناعه "بدلا من أن ننتظر فلنذهب للشرطة فورا ونطلب منهم بأن يحمونا ونخبرهم بأننا تركنا بيتنا في هذا الوقت بسببه"
قال الحاج سعد الدين بتوتر" سأنقلكم أولا بعيدا عنه ثم ابلغ الشرطة عن فؤاد الشماع أعدك بذلك "
غمغم فارس بخفوت "حسنا .. هل ستصلي معي الفجر؟"
قال الحاج "اذهب وتوضأ وسألحق بك
بعد قليل كانت فريدة تبكي تطلب عروستها التي نسوها في بيت عمها محمود سعد الدين فأخذها فارس من ذراع أمه وحملها وخرج بها من الغرفة يحاول تهدئتها وقد لاحظ بأن حرارتها قد عادت للارتفاع فهي مريضة منذ الليلة الماضية .. بينما فكر يونس بأن بيتهم ليس ببعيد عن هنا .. فلو تسلل وأسرع بإحضار العروسة لفريدة لربما هدأت.
أما الحاج محمود فأغلق باب الغرفة خلف الأولاد الذين غادروها للتو .. واستدار ليواجه نفيسة التي ترتدي السواد لوفاة أخيه والتي تناظره بغضب.


كان يعلم بأنه لولا خوفها على أولادها لما طاوعته وخرجت من البيت وذهبت معه في أي مكان.. إنها تقاطعه منذ ان اكتشفت بأنه لا يزال يتاجر في الآثار بعدما وعدها أكثر من مرة بالتوقف.. لكنه كان يعلم بأنه لن يتوقف إلا بعد صفقة كبيرة يجني منها مكسبا يغنيه عن تكرار ذلك مرة أخرى.
وها هي قد جاءت صفقة العمر.. تمثال نادر ثمين جدا استطاع سرقته من أحد المقابر في الجنوب .. ومن أجل الحصول عليه .. دفع هو وشركاءه مبلغا كبيرا جدا لتأمين وصوله للعاصمة ودفع الرشاوي وتكميم الأفواه لكن المبلغ المهول الذي سيتم الحصول عليه عند بيعه هو بالتأكيد يستحق هذه المغامرة الكبيرة ..
لكن نفيسة علمت بالأمر خاصة بعد وفاة أخيه من يومين وتلقيهم تهديدات من الشماع الذي ادعى محمود أمامه بعدم معرفته لمكان البضاعة مستغلا موت أخيه والذي كان موكلا باستلام التمثال وتأمين وصوله لكن الحاج محمد مات فجأة في حادث سيارة .. وقرر هو أن يحتفظ بالتمثال كله له وحده .. وسيستطيع بالمبلغ المهول الذي سيحصل عليه أن يؤمن مستقبل أولاده ويعلن توبته ويرضي نفيسة.
اقترب منها قلبه يعتصره الألم لأنها غاضبة منه فقال "هلا تحدثنا قليلا"


ردت بعصبية" فيم سنتحدث ؟.. عن استحلالك للحرام؟ .. على رفضك لتطليقي؟ .. عن تشريدنا قبيل الفجر نتخفى من اللصوص خوفا من تهديد شركائك لنا ؟؟"
قال بتوسل " هذه المرة آخر مرة أعدك"
استدارت توليه ظهرها تحاول التماسك حتى لا يضعفها حبها له والذي برغم كل شيء لم تتب عنه أبدا .. واستحضرت خيبة أملها فيه لتقول" بمجرد أن نصل للمكان الجديد ستطلقني يا محمود"
اقترب منها يطوقها بذراعيه من الخلف قائلا بخفوت "ألن تصفحي عني .. ألن تتفهمي موقفي وبأني لم أفعل ذلك إلا من أجلك أنت والأولاد يا نفيسة"
أبعدته عنها بخشونة تقول" ماذا فعلت من أجلنا؟؟ .. اطعمتنا من الحرام لسنين طويلة !!"
تماسك يقول" يا نفيسة إنها مجرد تماثيل يضعون لها قيمة كبيرة .. نحن نأخذها ونبيعها.. أنا لا أضر أحد بما أفعل .. لست سارق .. ولست قاتل .. لا أتاجر في المخدرات"
واجهته بصلابة " ما دمت تفعل ما يخالف القانون وتأخذ ما ليس لك فيه حق وتستحله لنفسك وتنتفع به إذن هو حرام يا أبا فارس .. حرام "
هتف بانفعال متألما " أنا فعلت هذا من أجلك .. هل كنت تعتقدين بأني لو كنت ظللت كما أنا عامل بناء كنت سأستطيع أن اشتري لك بيتا كبيرا أنت وأولادك وتعيشون في راحة "
هتفت بلهجة مستنكرة " ومن قال بأني أرغب في هذا البيت من الحرام؟!.. أنا تزوجتك ورضيت بأن أعيش في أي وضع في أي ظروف لكنك خذلتني يا محمود خذلتني وصدمتني فيك .. بعد كل هذا الحب وكل هذه التضحية من أجلك اكتشف بأنني تزوجت من لص سارق للآثار"
تسارعت أنفاسه يحاول اقناعها " فعلت هذا من أجلك يا نفيسة لم اتحمل أن تعيشي معي في فقري .. كنت أريد أن اسعدك .. أن أجعلك مرفوعة الرأس أمام أهلك الذين وقفتِ في وجوههم من أجلي .. أردت أن اخفف عنك معاناة الفقر وأنت بنت العز ..أردت أن أرى أولادي يدرسون في أحسن المدراس .. فعلت كل هذا من أجلكم"


كان قلبها يتمزق وهي تراه يستحل الحرام ويبرر له شيطانه ما يفعله فهتفت بلهجة قاطعة " لا خير فيما يغضب الله يا محمود ..والله ينهى عن أكل السحت .. وما دمت تصر على ما تفعل فعلينا أن ننفصل كل منا له طريقه"
قال بلهجة متألمة " تتخلين عني يا نفيسة؟!!!!"
غمغمت بصوت باك تحاول التماسك " أنت من تخليت عن نفسك وعنا .. تحدثت معك مرارا وتكرارا ولم ترتجع أبدا .. ها قد مات أخوك فجأة .. ماذا جنى بمشاركته لك فيما تفعل .. وبماذا سيقابل رب العالمين .. ألم تتعظ مما حدث له !!.."


أسرع يعدها مهدئا " اسمعي يا نفيسة أعدك أن هذه المرة توبتي حقيقية ولن أعود لهذه التجارة مرة أخرى"
قالت بإصرار" كل ما نملكه من حرام يا محمود"
رد مراوغا "ها أنا تبت .. ومن أجل توبتي يطاردونني"
ناظرته بغير تصديق .. فما يحاول أيهامها به غير منطقي أبدا .. فاقتربت تمسك بملابسه وتقول بألم" يا خبيبة أملي فيك .. يا خيبة قلبي الذي أحبك وضحى من أجلك .. بت أكرهك .. كل الحب الذي كان في قلبي لك تحول لكره يا محمود.. كره وأنا أرى زوجي وحبيبي يتحول لسارق وكاذب ومراوغ .. ويطعمنا من سحت"
أمسك بكتفيها يقول متألما متوسلا " آخر مرة ... صدقيني آخر مرة يا نفيسة .. لن أكررها اقسم لك لكن لا تتركيني .. فعلت كل هذا من أجلكم"
طرقة قوية متعجلة على الباب أجفلتهما بينما أقتحم فارس الغرفة يقول بفزع " أبي .. لا أجد يونس في أي مكان في الشقة!!"


في فجر اليوم التالي للأحداث منذ عشرين عاما


صعد الحاج محمود يحمل شوال ملفوف فيه تمثالا بحجم ذراع إلى تلك البناية تحت الانشاء التي يعمل هو ورجاله في تشطيبها حاليا لكن العمل متوقف بها لعدة أيام مقبلة .
لو كان يعلم بأن يونس محتجزا في هذه البناية لما كلف نفسه عناء الذهاب لإحضار التمثال من مخبئه في مدينة أخرى بعد أن علم بأن الشماع قد خطفه ويريد أن يسلمه التمثال خلال اربع وعشرين ساعة وإلا سيقتل يونس ..
لو كان يعلم لاستحضر رجاله ونصب كمينا له
لكن ذلك الماكر لم يخبره إلا منذ نصف ساعة بمكان اللقاء بعد أن أكد له بأن معه التمثال.
عليه أن ينهي هذا الكابوس بسرعة .. فنفيسة منهارة منذ البارحة وكل نظرة تنظرها إليه تطلق فيها خناجر تعذب قلبه .


دخل بخطوات مستسلمة محبطة لأنه سيتخلى عن التمثال صفقة العمر فاستقبله الشماع يقول بمرح " أهلا بشريكنا الخائن"
تطلع في الشماع وفي صفوت عظمة المتوتر والذي قال بسرعة " يا حاج محمود سلمه التمثال وخذ ولدك من هنا بسرعة "
سألهم بصوت متحشرج "أين يونس؟"
قال الشماع بلهجة متسلية" في الحفظ والصون لا تقلق عليه .. ولكن اكشف عن التمثال لأتأكد أولا "
فتح محمود الشوال على مضض وأخرج التمثال منه وهو يقول" ها هو التمثال أين يونس ؟"
وتوجهت انظاره للغرفة المغلقة .. فسمع بكاء مكتوما يخرج منها فصاح "يونس .. هل أنت بخير؟"
كان يونس في الغرفة مقيدا من معصميه وساقيه بعد أن لجأ الشماع لتقييده حين لم يكف عن ضرب الباب يريد دخول الحمام ليتبول.. شاعرا بالقرف من أن يتبول في أي مكان بالغرفة كما طلب منه الشماع .. وانتهى الامر به مقيدا بهذه الطريقة ومبللا بعد أن صعب عليه التحكم في نفسه ..



تحرك يونس يقفز على الرمل بساقيه المقيدتين مقتربا من شق الباب حين سمع صوت والده أخيرا .. وأخذ يصرخ صراخا مكتوما حتى بعد أن قال الحاج مطمئنا" أنا موجود يا يونس لا تخف سأخرجك بعد قليل"
قال الشماع بلهجة خطرة " اعطني التمثال"
حضن محمود التمثال قائلا " ليس قبل أن نتفق"
عقد الشماع حاجبيه وسأل " علام سنتفق؟"
قال محمود " على أني سآخذ نصيبي.. ونصيب أخي من هذه البيعة على حسب الاتفاق القديم"
ضرب الشماع كفا بكف ضاحكا فظهر سنه الذهبي ثم قال متهكما يوجه الحديث لصفوت" هل هذا مجنون؟ (ثم انقلبت ملامحه وهو يعود ليطالع محمود قائلا بشراسة ) هل أنت مجنون عن أي نصيب تتحدث وأنت خنتنا وكنت ستأخذ كل نصيبنا في جيبك!!"


قال محمود مراوغا "صدقني لم أكن أعلم بمكانه وبحثت عنه حتى وجدته"
نظر إليه الشماع بنظرة ساخرة ثم هدر فيه " هات التمثال فورا"
قال محمود بعناد متشبثا بالتمثال" كلا لن أعطيك التمثال .. ولو أخذته مني سأبلغ عنكما الشرطة واخبرهم بكل شيء "
عند سماع اسم الشرطة تدخل صفوت قائلا" أرجوكما اهدآ ودعونا ننتهي من هذا الموضوع ونبيع التمثال وكل منا يذهب لطريقه .. ما تفعلونه لن يجدي ( وتوجه بحديثه للشماع يحاول طرح حل يرضي الجميع ) على الأقل اعطه يا فؤاد نصيبه وليس بالضرورة أن يأخذ نصيب أخيه"
هتف محمود باستنكار" لماذا؟؟؟؟ ألم يدفع أخي معنا؟؟.. أليس لديه ابنة من حقها أن ترث أمواله"


هدر الشماع بصرامة يقول " اعطني التمثال وإلا لن تخرج من هنا على قدميك"
صاح محمود بإصرار "أنا تداينت من أجل هذه الصفقة في انتظار نصيبي منها ونصيب أخي ولن أترك حقنا فيها والا سأخبر الشرطة عن كل شيء"
قالها محمود بانفعال غير قادر عن التخلي عن تلك الصفقة التي ينتظرها منذ سنين.
فصاح صفوت متوترا" يا جماعة بالله عليكما ماذا تفعلان أنتما تعرضونا للخطر .. ( وأشار على الشماع ) هو خطف أبنك ( وأشار على محمود ) وأنت ستبلغ الشرطة"


ثم نظر للنافذة ليجد أن النهار على وشك البزوغ فخشيّ أن يلمحه أحد من أهل الحي .. فهو لا يريد أن يظهر في أي مكان مع هذين المشبوهين .. لكن أزمته المالية هي ما أجبرته على الشراكة في هذه الصفقة المشئومة .. كما أنه على وشك الانهيار بسبب ذلك الطفل البائس المحتجز بالداخل دون ذنب والذي حاول كثيرا قبل أن يصل أبوه أن يثني الشماع عن احتجازه أو الإساءة إليه .. لكن الشماع سخر منه كعادته القميئة فقال بتوتر " أنا مضطر للمغادرة حتى لا يراني أحد من أهل الحي .. كما أن أعصابي لن تتحمل تهديداتكما .. اتفقا وابلغاني .. ولا تتصل بي يا شماع مجددا .. لا أريد أن يعرف أحد بصلتي بكما.. أنا سأتصل بك لأعرف علام اتفقتما ( وتحرك مغادرا وهو يقول ) سلام"


أسرع بالمغادرة شاعرا بالاختناق بينما ظل الشماع وسعد الدين يحدقان في بعضهما بتحد ليقول الأول بعد فترة صمت وبهدوء شديد" يا حاج محمود .. ستعطيني التمثال .. وتأخذ ابنك .. وتغادر.. وإلا ستندم كثيرا"
قال محمود بعناد متشبثا بالتمثال " لن اتركه لكما ونخرج من الحسبة أنا وأخي"
انفجر الشماع غاضبا وانقض على محمود وقد نفذ صبره يحاول أن يأخذ التمثال من يديه.. فتقاتلا بقوة قبل أن يضرب محمود بطوله وضخامته الشماع قصير القامة في ساقه.. فوقع الأخير على ركبته .. ليضربه محمود بالتمثال بشراسه فأصابت الضربة كتف الشماع الذي تأوه بشدة وشتمه في الوقت الذي حضن محمود التمثال بتشبث وامتلاك وتوجه نحو الغرفة ليحرر يونس.
صوت مسدس في وضع الاستعداد جعله يلتفت نحو الشماع الجالس على الأرض .. ليجده يشهر في وجهه مسدسا .. فجحظت عينا محمود .. ليطلق الشماع النار عليه فسقط غارقا في دمائه وسقط التمثال أرضا .


أسرع الشماع يلتقط التمثال والشوال بسرعة ويفر هاربا.. خاصة بعد أن سمع بصوت أقدام تهرول على السلم.
فارتطم اثناء خروجه بفارس ودفعه بقوة ليفسح له الطريق هاربا .. لكن الأخير لم يكن ليهتم بالعدو خلفه قبل أن يطمئن على والده .. بعد أن سمع صوت اطلاق الرصاص.
أما محمود سعد الدين .. فآخر ما رآه قبل أن يموت هو تلك القطعة من الحجر التي انكسرت من التمثال اثناء سقوطه والتي بقيت في الأرض بجواره .. فمد أصابعه بصعوبة .. يلتقط الحجر .. ويطبق عليه كفه قبل أن يطبق جفونه للأبد وهو يغمغم في سره
" سامحيني يا نفيسة "
××××


استيقظ ليجد نفسه مربوطا من يديه وقدميه ويجلس على برميل بلاستيكي صغير في الغرفة المواجهة لجلسة والده.. فتطلع في والده الذي يناظره بغل وصاح بانفعال" هل من الممكن أن أفهم ماذا فعلت بالضبط لهؤلاء الناس حتى يسعون في قتلك؟؟"
ظهر يونس أمامه فجأة ينظر إليه من الباب المفتوح هادرا بصرامة "لا أريد أن يعلو صوتك هنا"
بلع مالك ريقه وتطلع في يونس الذي يقترب منه قائلا بلهجة أهدأ " اسمع .. أنت تمثل هنا دور يونس الصغير وهو لم يُسمح له بالكلام لأن فمه كان مكمما بشريط لاصق لكني للأسف لم اشتري واحدا"
لمح مالك والده خلف يونس يرفع معصميه المقيدين إلى فمه ويحاول بكل شراسة وسرعة أن يفك عقدة الحبل فلم يجد مالك بدا من أن يشغل يونس قليلا .. لعل والده ينجح في تحرير نفسه .. رغم عدم تأكده من رد فعل الأخير تجاه يونس إذا ما تحرر ..
وبالرغم من أنه يشعر بأن هذا الشاب الماثل أمامه يتألم نفسيا بشدة .. لكنه لا يجد مفرا من هذا الوضع الصعب إلا هذا فسأله مالك ليطيل الوقت "من يونس؟"


فأشار يونس لنفسه قائلا" أنا يونس .. وأنت ستتظاهر بأنك أنا حين كنتُ صغير .. "
ضيق مالك عينيه فأسرع يونس يقول مطمئنا " لا تخف يونس لم يمت .. والده فقط من مات .. لذا فوالدك فقط من سيموت مثله"


أنهى الشماع من حل عقدة يديه بأسنانه ثم مال ليتعامل مع ربطة قدميه بينما سأل مالك يونس " وماذا حدث ليونس بعد ذلك؟ "
عبس يونس يقول " هل أنت غبي! .. ها أنا ذا أمامك!"
قال مالك بلهجة صادقة ذات مغزى " أنا أسأل عن ذلك الطفل يونس .. ماذا حدث له بعد ذلك "
وقف يونس أمامه يناظره من علو صامتا لبضع دقائق ثم رد بصوت متهدج " يونس الصغير .. ذلك الصبي الذي يتسبب دوما في أذية من يحبهم .. عاش بعدها .. ميتا "


أشفق عليه مالك بشدة مستشعرا بحجم الوجع الذي يحمله هذا الشاب فغمغم له بصوت متأثر صادق " أنا آسف جدا لما حدث ليونس الصغير "
تقلص لسان يونس في جانب فمه المفتوح ولمعت الدموع في عينيه قائلا بهدوء " أما أنا فلست آسفا عليه .. لأنه يستحق ما حدث له "
سُمعت فجأة أصواتا لأشخاص يدخلون البناية فسأله يونس بعينين جاحظتين "هل أغلقت البوابة خلفك ؟؟؟"


بلع مالك ريقه وغمغم بخفوت "لا أعتقد"
أما الشماع فلم يفلح في فك وثاق قدميه ولكن وسع قليلا من ربطة الحبل حول ساقيه فأسرع قبل استدارة يونس أن يضم ساعديه ويضع عليهما الحبل بعقدة مزيفة .. حتى لا يلفت انتباه أحد .. متمنيا لو تأتيه فرصة ليكمل حل وثاق قدميه ..
في الوقت الذي انقلب وجه يونس غاضبا وتسارعت ضربات قلبه يسرع بالخروج من الغرفة وهو يسمع بهرولة آتية من السلم .. فلم يتسنى له بأن يذهب لاستقبال القادمين بجوار الباب وينصب لهم كمينا مثل ما فعل مع مالك .. فأشهر مسدسه من مكانه بجوار باب الغرفة نحو باب الشقة المفتوح .. في الوقت الذي ظهر فارس يلهث صاعدا وهو يصوب مسدسه نحو باب الشقة.. فسقط قلب يونس بين قدميه واشتعل جنونه ورعبه من أن يعرف فارس بكل شيء .
تلاقت عينا الأخوين لثوان كسر بعدها يونس عينيه عن عيني أخيه .. بينما جحظت عينا فارس وهو يرى يونس يشهر المسدس في وجهه من بعيد.. فأنزل المسدس وأخذ يصعد ببطء هاتفا باستنكار متألم ليونس الذي تخشب من المفاجأة على وضعه " يونس!"
عبس يونس غاضبا كطفل على وشك أن تنزع منه لعبة ممتعة .. فحول فوهة المسدس لناحية اليمين ليصوبها تجاه الشماع .. وبدأت أنفاسه تزداد سرعة .


اقترب فارس يدخل من الباب وهو يسمع صوت المسدس وقد اتخذ وضع الاستعداد لإطلاق النار.. فحاول السيطرة على الألم الذي يعتصر قلبه وهو يرى يونس في هذه الحالة المزرية شعره مغبر منتكش وفانلته مغرقة بالعرق لا ينظر إليه وإنما يكسر نظراته للأرض متحاشيا النظر في عيني أخيه .
دخل فارس ببطء شديد .. لا يرى أمامه سوى يونس فقال بحشرجة " يونس لا تفعل ذلك"
بتلك النظرة الجانبية من عينيه غمغم يونس بصوت مبحوح " لا تقترب .. سأطلق عليه الرصاص"
حاول فارس بذل مجهود خارق للتماسك وقال مهدئا " اسمع يا يونس لا تلطخ يدك بدمائه"
هتف يونس بانفعال " ولماذا تلطخ يدك أنت ؟؟.. أنت لا تستحق ذلك .. لا تستحق"
رد فارس بسرعة " وأنت لا تستحق أيضا .. لذا سنحتسب ما حدث لنا عند الله سبحانه وتعالى "
بأنفاس متسارعة وبغير اقتناع تحرك يونس للخلف مبتعد أكثر عن فارس.. حين وجده يقترب .. واستمر في توجيه المسدس نحو الشماع قائلا" اذهب من هنا يا فارس .. أنا سأفعل كل شيء عنك"
اتسعت عينا فارس وقال متوسلا " أنا لا أريد أن أفعل شيء يا يونس .. هذا خطئي أنا .. أنا من اوصلتك إليه .. فلا تعاقبني بهذا الخطأ .. لا تذبحني يا يونس .. لا تفعلها بالله عليك أعطني المسدس"


مسح يونس العرق المتصبب من جبينه بساعده الحر واستمر مشيحا بعينيه عن عيني فارس يقول" على هذا الرجل أن يصمت للأبد"
قرأ الشماع الأخوين بسرعة من جلسته .. الصغير متردد وغير قادر على فعلها .. لقد تيقن من هذا بعد كل هذه الفرص التي اتيحت له على مدى ساعات ليفعلها .. كل ما كان يوتره أن يفقد في لحظة أعصابه نتيجة لتوتره لكن بوصول أخيه وهذه الرهبة التي استشعرها في الصغير تجاه الكبير اطمأن بأنه لن يفعلها بعد ارتباكه في حضرة الكبير .. أما فارس فكلامه عن عدوله عن الانتقام طمأنه بأنه لن يفعلها.. فببساطة لو كان عازما على قتله لأفرغ فيه الرصاص في ثانية قبل أن يفعلها أخيه أو لترك أخيه يفعلها ولأخفى هو جثته في أي مكان .. هكذا تفكر العقول الداهية كعقله .. لكنهما ليسا مثله أبدا .. فتدخل قائلا" وهو يحافظ على شكل الحبل فوق معصميه مضمومان حتى لا يكتشف أمره " اسمع كلامه يا بني( وغمز بعينه يقول متهكما ) وأعدك بأن السر سيبقى في بئر عميق "
صوب فارس مسدسه بسرعة في وجه الشماع وهتف هو ويونس في نفس اللحظة" اخرس !"
حرك عينيه بينهما وتأكد من أنهما لن يفعلاها فتوقفت عيناه على فارس يتأمله وتلاقت عينيه الساخرتين بعيني فارس المتأججتين بالغضب لكن الأخير لم يكن ليهتم بحقير مثله ويونس في خطر.. فهدر فيه بصوت مرعب "لا أريد أن اسمع لك نفسا فحسابك سيأتي فيما بعد"
قال يونس بإصرار" قلت لك يا فارس اتركه لي .. ابتعد وسأخلص الجميع منه .. سآخذ بثأرنا جميعا "


تحرك فارس يقف في منتصف المسافة بينه وبين الشماع يولي ظهره للأخير ويضع مسدسه في حزامه من الخلف وهو يقول مهدئا " يونس .. اسمعني أنا أخطأت فيما كنت أخطط له .. ولن اسمح لك بأن تقضي على حياتك بسبب سوء عملي .. أرجوك يا يونس سأموت إن فعلتها"
تألم وجه الأخير مستمرا في عدم مواجهته لعيني أخيه فأكمل فارس يقول بصرامة " أنظر لي .. أنظر لي يا يونس هذا أمر"
حرك يونس رأسه رافضا بعناد وأنفاسه تتسارع قائلا بلهجة متألمة " اقسمت ذات يوم بأني لن أعصي لك أمرا .. ولن أحزنك أبدا .. لكني الآن مضطر لأن أخذلك من أجل مصلحة الجميع .. فأنا استحق هذه النهاية لأني أنا من تسبب في استدراج أبي و في مقتله .. هيا ابتعد"
تحرك فارس نحوه ببطء قائلا" هل ستطلق عليّ النار إن لم أفسح لك المجال.. ستطلق على فارس أخوك"


ارتعشت يده يشعر بضغط شديد على أعصابه وتسارعت الأفكار المجنونة المزعجة في رأسه .. وسيطر عليه خوفه الشديد من أن يتفوه الشماع بأي شيء.
فرفع المسدس فجأة وألصق فوهته برأسه .. مستمرا في عدم التطلع في عيني أخيه ثم قال بصوت مرتعش "ابتعد يا فارس عني.. وأفسح الطريق... وإلا سأفجر رأسي أنا"
كان المشهد أقوى من أن تتحمله أعصاب فارس .. ولا يعتقد بأنه قد مر بلحظة أصعب من هذه .. فتجعدت ملامحه ودمعت عيناه يشيح بوجهه بعيدا لثانية.. ثم رفع يديه بجانبه باستسلام يقول مهدئا " حسنا .. لا بأس تريد أن تفعلها بنفسك لا بأس"


كان الشيمي صعد خلف فارس قد تحرك بمجرد أن لمح الموقف ولم يدخل وراءه وإنما دخل الشقة التي تقع إلى اليسار يبحث على ضوء هاتفه على منفذ موصل للشقتين فالبناية كلها لم يكتمل بنائها .. خاصة هذا الطابق .. وبسرعة اتجه يتفحص الشرفات فوجد أن شرفة إحدى الغرف ملاصقة لشرفة غرفة أخرى في الشقة الثانية .. يفصلهما سور صغير فتسلقه لينزل للشقة الأخرى.
في الصالة لمح فارس الشيمي آتيا من خلف يونس ببطء .. فحاول اقناع يونس بإبعاد المسدس عن رأسه يقول "سأتركك تقتص لنا .. لكن أنزل المسدس (وتحرك للخلف ببطء ) ها أنا ابتعد .. وأفتح لك المجال لأن تأخذ بثأرنا .. أنزل المسدس عن رأسك يا يونس ..ها أنا ابتعدت"


وقف الشيمي متحفزا ينتظر أن يبعد المسدس عن رأسه ليهجم عليه بينما كان الشماع منشغلا في المسدس المحشور في حزام فارس من الخلف والذي يرجع بظهره الآن .. فتحفز ليسقط الوثاق المزيف عن يده ويقفز ليلتقط المسدس .. لكن قدماه لا زالتا مقيدتان وعليه أن ينتظر اللحظة المناسبة .. بينما مالك معقود اللسان يطالع الجميع بذهول تام وأعصاب مشدودة .. لا يعرف علام سينتهي الأمر .. لكنه أشفق كثيرا على الأخوين وازداد اشمئزازه من والده.


قال فارس مستمرا في الابتعاد للخلف ببطء "أنظر في عيناي يا يونس"
رفض يونس بشدة .. يعلم أنه سيؤثر عليه .. فقال فارس "انزل المسدس .. اقسمت عليك بحياة فريدة أن تنزله .. ها أنا ابتعدت .. "
تألمت ملامحه حين سمع باسم فريدة .. فأسرع فارس ليضيف " لو تعرف كيف هي حالتها المسكينة وكيف حالة أمك لن تفعل ما تفعله .. أقسمت عليك بحياة فريدة يا يونس"


سيرتها .. وحياتها .. وذلك القسم .. أجبراه على الطاعة فانزل يونس المسدس ببطء .. واغمض عينيه بشدة ليتحمل الألم الشديد في قلبه حينما سمع باسمها .. في الوقت الذي ضرب الشيمي المسدس من يده بكل قوته بقطعة من الخشب فانتحى فارس في نفس اللحظة عن مجال فوهة المسدس الذي طار من يد يونس بعيدا وسُمع صوت ارتطام معدني في اتجاه باب الشقة برصاصة انطلقت مكتومة رشقت في الحائط وقبل أن تستقر في الأرض كان الشيمي ينقض على يونس يحضنه من الخلف مكبلا ذراعيه بقوة..
فأطلق الأخير زئيرا عاليا متألما كنمر مجروح وقع في مصيدة صائحا " لاااااااااااااا... اتركني يا شيمييييي"


كمم الشيمي فمه بسرعة حتى لا يلفت انتباه الناس في سكون الليل لما يحدث في هذه البناية المهجورة..
كان مالك لا يرى من الباب إلا والده وظهر فارس لكنه فهم بأن هناك من كبل حركة يونس .
أما الشماع فشتم في سره حين فشلت محاولة اقتناصه للمسدس الموجود في خصر فارس بعد أن ابتعد الأخير وشاهده يمسك بركبتيه مائلا بجذعه في وضع الركوع في الصلاة يغمض عينيه بشدة ويحاول لملمة اعصابه أن استطاع أخيرا السيطرة على يونس الذي أصابه هياجا شديدا يحاول التخلص من ذراعي الشيمي بكل قوته ومن يده التي تكمم فمه .


في الوقت نفسه كانت ريتا قد وصلت أخيرا بعد أن تاهت من سيارة فارس عند أول الحي فلفت لبعض الوقت حتى استطاعت أن تتعرف على سيارته فركنت سيارتها وتطلعت في البناية المفتوحة المظلمة بتردد لكن صرخة ما أتت من أعلى جعلتها تسرع في الصعود بعد أن خلعت حذائها العالي الغير مريح وصعدت حافية.
أخيرا.. اعتدل فارس واقفا بعد أن سجد لله شكرا بعينيه بينما يونس لا يزال في حالة هياج شديد مكتوم الفم يصارع ليتخلص من الشيمي الذي يضاعف قوته للسيطرة عليه..


فنظر فارس للشماع وكل مشاعر الألم والكره والغضب والغل والرغبة في تفجيره لأشلاء تلوح في ذهنه لكنه استوعب الدرس جيدا وعليه أن يجد طريقة ليتحمل كل ذلك ولا يضيع نفسه ولا يورط أخوه ورَجله في جريمة قتل .. فقال بصوت أجوف "التقينا أخيرا يا شماع .. التقينا بعد أن وصلت إليك.. واستطيع أن انهي حياتك حالا وفورا"
فكر الشماع في معصميه الحرين وفيما فهمه بأن فارس لن يفعلها ..فقال بنبرة متهكمة "لكنك ستطلق سراحي وستكتفي بالدعاء عليّ .. صدقني حل جميل ليتك كنت وصلت إليه في وقت أبكر بدلا من أن تعرض هذا المسكين لهذه الصدمة بهذا الشكل"


كاد الغضب أن يفجر رأس فارس لكنه تماسك بقوة خوفا من ألا يقدر على السيطرة على نفسه لو ضربه فهدر قائلا" اخرس يا حقير ..من قال بأني سأطلق سراحك ..أنا سأسلمك للشرطة وأطلب منعك من السفر وفتح القضية من جديد ..ولا تقلق ..فلم أعد فارس الشاب الصغير وإنما رجل الأعمال الذي لديه صلات بأعلى الشخصيات في الدولة .. واستطيع تحريك ملف القضية حتى يعاد فتحها "


بدأ القلق يسيطر على الشماع .. لكنه تماسك يقول بلهجته المستفزة" لا بأس .. قدمني للعدالة وسأكشف كل شيء .. وسيعرف الجميع كيف أن فارس رجل الأعمال الكبير الذي لديه صلات بأعلى الشخصيات في الدولة والده لص آثار"
صرخة مكتومة من يونس جعلت فارس ينظر لأخيه ثم يعود للشماع هادرا" اخرس .. لا تتحدث عن أبي "


نظر الشماع ليونس وقال بلهجة مستهبلة " آه .. تلفظت بالسر يا يونس .. انزلق لساني بدون أن أدري"
صرخات متألمة من يونس ومحاولات مستميتة منه للإفلات من الشيمي .. الذي يبذل مجهودا كبيرا للسيطرة عليه .. وهو يتابع ما قاله الشماع مصعوقا
بينما مرر فارس أنظاره بين يونس والشماع ولاحظ حركة رأس أخيه للشماع ينهاه عن المواصلة بعينين مرتعبتين .. فهدر قائلا" عم تتكلم أيها المخرف !!.. وما السر الذي بينك وبين يونس؟!!"
ظل مالك متابعا بإنصات لما يحدث وفي كل لحظة تمر عليه كان يزداد احتقارا لهذا العجوز وتعاطفا مع هذه الأسرة وقد خيل إليه للحظات وهو تحت هذا الضغط الشديد بأنه يتابع حلقة من حلقات الدراما من هول ما يحدث ومن صعوبة تصديقه .


في الوقت الذي حرك الشماع عينيه بين يونس وفارس بنظرات متسلية وقد شعر بأنه أخيرا قد سيطر على الوضع .. لكنه لم يلحظ بأن هناك امرأة تقف خارج باب الشقة مشلولة الأطراف وهي تتطلع فيه غير مصدقة بأنها أخيرا قد عثرت عليه .
ولم يعلم أيضا بأن صفوت يتابع في صمت شديد ما يحدث بوقوفه على السلم يبعده عن ريتا بضع درجات .. فلم يتحمل البقاء بعيدا .. ولم يستطع تحمل ذنب موت شخص آخر .. وجاء بنفسه ليرى إلام ستستقر الأمور.
قال الشماع بلهجة متسلية "أنا لا أخرف يا فارس وأخوك يعرف بكل شيء"
حرك فارس نظراته بينه وبين يونس الذي مازال يزمجر وكأنه يُذبح ثم هدر" تكلم ماذا تقصد؟"
انقلب وجه الشماع ليقول بغل" أقصد بأن محمود سعد الدين ليس بالصورة التي تتصورها .. والدك...."


زمجر يونس بعذاب .. فحانت نظرة منه ليونس ثم عاد يقول بشراسة " والدك وعمك كانا يعملان معي في تهريب الأثار لعدة سنوات .."
اتسعت عينا فارس فأكمل الشماع "هل كنت تعتقد بأن انتقاله من عامل بالأجرة لمقاول كبير .. وكل هذه الحياة الرغدة التي كنت تعيشها أنت وأخوتك نزلت عليه من السماء؟! .. كانا يعملان معي وكنا نقوم بتهريب قطعا صغيرة من الآثار للخارج أو بيعها للمهتمين في الداخل .. حتى قررنا أن نقوم بصفقة كبيرة ستكون هي ضربة العمر لثلاثتنا لكنها كانت تحتاج لمبلغ كبير من المال لتغطية عملية سرقتها ونقلها من أقصى الجنوب في رحلة معقدة حتى تصل للعاصمة ونسلمها للمشترى فوضعنا ما معنا من مدخرات واستطاع والدك أن يقنع شخصا رابع ليدخل معنا شريكا لندبر المبلغ كامل .. كان هذا الشريك الرابع هو صفوت عظمة رجل الأعمال المتعسر ماليا والذي كان يدير له بعض انشاءاته من قبل .."


شعر فارس بالخدر في ذراعيه وتطلع في وجه يونس ليجده يغمض عينيه بقوة متألما.. فعاد ينظر للشماع بذهول بينما الأخير يستطرد" وبالفعل وصلت البضاعة للعاصمة وأخفاها عمك .. وقبل تسليمها بيوم مات محمد سعد الدين في حادث سيارة فادعى والدك بأنه لا يعرف بمكان البضاعة وظل يراوغ ويراوغ راغبا في الحصول على الصفقة وحده وتواصل مع المشتري الأجنبي بالفعل .. وحين واجهته أنكر .. وحين هددته لم يرتجع وانما قرر الهرب بعائلته فلم أجد أمامي إلا خطف ابنه .. فجاءنا فجر ذلك اليوم بالبضاعة .. لكنه رفض بأن يغادر دون أن يأخذ نصيبه ونصيب أخيه واختلفنـــــــــــــا و......"


استمر فارس بالتحديق فيه بعينين ذاهلتين ولسان مشلول وحرك انظاره ببطء نحو يونس الذي حدق في عينيه لأول مرة .. ورأى فيهما عذابا يؤكد صدق رواية الشماع ..
فساد صمت ذاهل..
وكأن فارس قد فقد السمع .. والنطق .. والرؤية.
خواء..
كل ما حول فارس خواء..
وكأنه قد سقط في ثقب فلكي مختلف الأبعاد المكانية والزمانية..
فتقبض بقوة يغمض عينيه مصدوما بشدة..
والده!
والده لص!
والده كان يستحل المال الحرام!
والده وعمه!!
وهو فارس كان يطارد سراب !!
سراب!!
كرس حياته من أجل الوهم !!
هذا كذب .. هذا كذب
بالتأكيد كذب .


اشفق على فارس قلوب محبيه .. الشيمي ويونس الذي هدأ واستكان رغم أنه لا يزال مكبلا من الشيمي..
واشفق عليه مالك المتابع في صمت لا يرى منه إلا ظهره
.. وتمزق قلب ريتا عليه .. رغم صدمتها فيما قصه الشماع عن والده .. فساعدها ذلك الغضب من أن تتخلص من حالة التبلد التي أصابتها وهي تتطلع فيه .. فاندفعت تدخل صارخة "نذل .. نجس يا فؤاد .. وستظل نتن .. ومن سيقتلك ويخلص الكون منك هو أنا"
وفي حركة سريعة.. كانت قد خطفت المسدس من حزام فارس المذهول .. وصوبته نحو الشماع .. فتحفز الجميع وانتبهت حواس فارس رغما عنه .. ليستدير بكليته نحوها هاتفا بحشرجة ومتفاجئا بوجودها ومندهشا لما فعلت " ريتا !!!.. ماذا تفعلين!! "
نظرت لفارس تقول "هذا النتن لي أنا .. فأنا لم أعد باقية على الحياة"
كان فارس لا يزال تحت تأثير الصدمات المتتالية فتسمر يحاول استيعاب هذا الكابوس بينما دقق الشماع في ريتا باندهاش وهو يقول" ومن أنت؟؟"


أطلقت ريتا ضحكة هستيرية واقتربت أكثر منه فأصبحت في مجال رؤية مالك الذي تحفزت أعصابه أكثر لهذه الوافدة الجديدة.
قالت ريتا بتهكم " ألم تعرفني .. أم أنك عرفتني ولكن عيناك لا تصدقان ما تراه ( وأضافت ساخرة ) أم أنك قد أصابتك الكهولة .. فلم تعد تميز يا فؤاد"
على الرغم من أنها تقف بجانبها أمامه إلا أن مالك ميزها بسرعة .. نفس الملابس التي رآها عليها صباح أمس في المطار .. لكنها كانت حافية تمسك بمسدس فشهق بذهول وكاد أن يفقد وعيه ..


ما يحدث هذا كثير..
كثير على أعصابه ..
وكأنه يهلوس.
ما الذي يحدث بالضبط ؟؟؟
ومن هذه السيدة؟؟
وما علاقتها بوالده؟؟؟
أما الشماع فكانت صدمته شديدة وهو يستوعب ببطء الماثلة أمامه .. فآخر ما كان يتوقعه أن يقابلها يوما ما .. وفي هذا الظرف وفي هذه الهيئة الصاعقة فغمغم مذهولا وهو يطالعها من رأسها حتى أخمص قدميها "رتيبة !!!"


تطلع فيها فارس مصدوما بينما قالت بابتسامة ساخرة "أجل رتيبة يا فؤاد .. رتيبة التي حرمتها من ابنها"
شهق مالك وجحظت عيناه مرددا بهمس "رتيبة!!"
بينما لم يجد الشماع ما يقوله.. كان مذهولا بحق ولا يعرف ما علاقتها بفارس .. وكيف أصبحت على ما هي عليه أمامه الآن .. فقال" كيف ... كككككيف...."
قالت ساخرة" كيف تغيرت لهذا الشكل؟.. هذه قصة طويلة لا أتوقع أن ما بقي من عمرك سيتسع لأن تعرف بتفاصيلها لأني سأنهي حياتك الآن بيدي"


كان الذهول يشل الجميع.. فتسمروا في مشهد صامت لثوان .. قبل أن ترتخي يد الشيمي عن فم يونس المتخشب هو الآخر ليفهم ماذا يحدث .. بينما فارس قد فقد النطق كليا .. يجاهد مع عقله المرهق لاستيعاب ما يحدث حوله .. حتى أنه لم يبادر بأن يأخذ منها المسدس .. كان مشلولا ومبهوتا .
لشعوره بالخطر .. فإن الشماع أول من تخلص من ذهوله .. فبلع ريقه يسألها وهو يتطلع في المسدس المصوب نحوه "علام تنوين يا مجنونة ؟؟!


قالت ببساطة" على قتلك يا فؤاد ( واكملت بوعيد) اتفقت مع خالي وأخذت عينة من مالك لتثبت أبوتك أليس كذلك؟"
حانت نظرة مختلسة من الشماع نحو مالك الذي تذكر للتو بأنه لا يزال موجودا لكن الغرفة كانت مظلمة فلم يتبين له إن كان مستيقظا أم أنه سقط مغشيا عليه ولم تتحمل أعصابه الرقيقة ما يحدث .. ثم قال بلهجة ذات مغزى" الكل يبيع ضميره يا رتيبة بالمال اهدئي وسنتفاهم"
كسى الألم ملامحها وقالت بلوعة" لن أهدأ حتى تخبرني أين ابني .. أ هو حي أم ميت .. وأين دفنته بالضبط"


قال الشماع مهدئا بلهجة ذات مغزى وهو ينظر لفوهة المسدس" قلت لك الكل يبيع ضميره بالمال حتى الأطباء (عقدت حاجبيها تستوعب ما يقول فأضاف ) اهدئي وسأخبرك بكل شيء"
قربت المسدس منه أكثر وصرخت" أنطق بسرعة أين مالك؟؟"
"هل أنت رتيبة عبد المعطي زيان؟"


قالها مالك أخيرا بعد مجهود مضني منه للنطق
فاستدار فارس بإجفال متفاجئا بوجود شخص غريب في الغرفة خلفه.. ثم عاد ينظر مصعوقا للشيمي الذي لم يكن أقل منه ذهولا .. ثم ليونس الذي كان ساكنا خائر القوى مهزوما .
بينما تجمدت ريتا لوهلة معتقدة بأنها تهلوس تحدق في عيني الشماع الذي استغل الفرصة الوحيدة أمامه للنجاة من فوهة المسدس القريب منه وقال" دعيني أعقد معك صفقة .. سأفدي روحي بإهدائك ما سيرد إليك روحك"
قبل أن تستوعب كلامه .. كان فارس قد سلط ضوء هاتفه نحو مالك في الوقت الذي قال فيه الأخير بإصرار وهو يتحاشى الضوء" أنت رتيبة عبد المعطي زيان؟"


فاستدارت ريتا ببطء شديد نحو مصدر الصوت.. تشعر بوغز ينتشر في كل جسدها .. وقلب قد توقف عن النبض لتنظر لذلك الشاب المسلط عليه ضوء الكشاف والمربوط في ركن الغرفة ..
وعلى الرغم من المسافة..
وعلى الرغم من عدم كفاية الضوء..
إلا أنها رأته بعيني قلبها بوضوح..
فغمغمت بهمس لم يسمعه سواها "مالك !.. الصين! ..وصل صباح اليوم!"
سقط المسدس من يدها ورفعت كلتا يديها ببطء تمسك بجانبي رأسها مصعوقة .. ولم تدر بأنها قد تحركت نحوه ببطء شديد وكأن ساقيها مربوطتان بأكياس من الرمل ..
لو طلب منها فيما بعد أن تصف تلك اللحظات التي قضتها في مشوارها نحو الغرفة لأقسمت بأنها لا تذكر منها أي شيء..
سوى أنها كانت لا ترى سواه ..
انفصلت كليا عما يدور..
تدقق ..
تستوعب ..
تستشعره بأمومتها ..
تبحث عن رائحته في الهواء قبل أن تصل لتتأكد إن كان ابنها أم لا ..
نسيت حتى وجود الشماع الذي كان هدفا تتمنى الوصول إليه منذ عشرين سنة .


راقبها فارس وهي تدخل الغرفة واستمر مسلطا الضوء فيها بينما اقتربت ريتا تطالع ابنها الذي قال يتطلع فيها بتدقيق يشعر بأن هلوسته قد زادت عن حدها ووصلت إلى حد الخرف " أنا مالك فؤاد الشماع وعمري ثلاثة وعشرين سنة .. هل أنت ...( وبلع ريقه وأكمل بحشرجة ) رتيبة عبد المعطي زيان .. أمي؟!!!"
رددت الكلمة خلفه بشفتيها وهي تسقط على ركبتيها أمامه" أمي... أمي !!!"
لمعت عينا مالك بالدموع وتذكر إحساسه تجاهها حين قابلها في المطار .. بينما مدت ريتا كفيها رغم وجود الضوء تتحسس ملامح وجهه ككفيف يستشعر الأشياء.
رغم نظرات مالك الذاهلة المجهدة إلا انه نطق بخفوت جملة خبرية هذه المرة وليست استفهامية" أنت .. رتيبة .. أمي"
"آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ? ?آآه "
صرخة معذبة اطلقتها ريتا وهي تتشبث بملابسه تدفن وجهها في صدره منفجرة في البكاء.


في الوقت الذي استغل الشماع الذهول المسيطر على الجميع وفي ثوان وقبل أن يستوعب الشيمي ويونس حرر يديه فجأة من الربطة المزيفة وانحني بجسده يلتقط بسرعة المسدس الذي أوقعته ريتا .. ثم باعد بين قدميه .. وأطلق رصاصة مكتومة على الحبل فاستدار فارس منتبها يهدر "ماذا تحسب نفسك فاعلا!!"
فرفع الشماع المسدس نحو فارس مغمغا" هكذا يمسك الرجال بالمسدسات "
وأطلق الرصاصة ..
وانقطع الضوء عن ريتا وابنها..
بينما صرخة قوية خرجت من حنجرة يونس شقت سكون الليل
"فااااااااااااااراااااااا? ?اااااااااااااااااس"
×××××




نهاية الفصل الثاني والعشرون



الاثنين القادم الفصل الأخير بإذن الله تعالى



والاربعاء الخاتمة





ارجو أن يكون الفصل قد حاز على اعجابكم





مع حبي

شيماء يسري شموسة






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 04-12-19, 01:24 PM   #439

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
Chirolp Krackr

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عندى مشكلة كلما ضغطت على صفحة 44 ترجعنى الى الصفحة الاولى من الرواية و هذا حدث مع روايات اخرى

هل عندكم نفس المشكلة أم أنا وحدى من أعانى؟

أرجو الافادة و لكم جزيل الشكر يا حلوين




موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-12-19, 01:36 PM   #440

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
Chirolp Krackr




الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 94 ( الأعضاء 28 والزوار 66)


‏موضى و راكان, ‏ذسمسم, ‏Roro adam, ‏rosemary.e, ‏lama., ‏عبير سنوسي, ‏asaraaa, ‏shstar87, ‏ليش ؟, ‏السكاكر, ‏همس البدر, ‏عشقي لديار الخير, ‏أميرة الساموراي, ‏HEND 2, ‏zozah2000, ‏Shammosah, ‏zezo1423, ‏نورسه, ‏منارًً, ‏منوني1, ‏haboo$, ‏Ki na, ‏سودوكوو, ‏كيلوبتراء, ‏lucyman, ‏Donia yasser, ‏أنت عمري, ‏سامبو




اهلا و مرحبا بالحضور منورين


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:16 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.