آخر 10 مشاركات
خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          قصر لا أنساه - مارغريت مايلز- عبير الجديدة -(عدد ممتاز ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          79 - قسوة وغفران - شريف شوقى (الكاتـب : MooNy87 - )           »          1 - من أجلك - نبيل فاروق (الكاتـب : حنا - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1161Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-12-19, 12:09 PM   #451

Soy yo
عضو جديد

? العضوٌ??? » 390429
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 483
?  نُقآطِيْ » Soy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond repute
افتراضي


بانتظار الفصل ......مبدعة شموسة ما شاء الله اسلوب مميز يخليك تخيلك كل التفاصيل

Soy yo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-12-19, 12:17 PM   #452

سوووما العسولة
 
الصورة الرمزية سوووما العسولة

? العضوٌ??? » 313266
?  التسِجيلٌ » Feb 2014
? مشَارَ?اتْي » 928
?  نُقآطِيْ » سوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond repute
افتراضي

بانتظار الفصل شموسة يامبدعتنا وحزينة جدا لنهاية رحلتنا الجميلة معك.. اوعدينا بجديد قلمم وابداعك دائما..

سوووما العسولة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-12-19, 12:29 PM   #453

maryam ghaith

? العضوٌ??? » 457425
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 116
?  نُقآطِيْ » maryam ghaith is on a distinguished road
افتراضي

بانتظار الفصل وبجد من احلى الروايات

maryam ghaith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-12-19, 01:03 PM   #454

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الاخير

الفصل الثالث والعشرون والأخير




"فاااااااارااااااااااس"
في تلك اللحظة التي انطلقت فيها الرصاصة .. كان اثنان يندفعان نحو فارس .. اسرعهما الشيمي الذي حضن فارس وسقط فوقه أرضا .. فتوقف يونس بالقرب منهما لثوان مذهولا بعد صرخته القوية وقد توقف الزمن حوله يحاول فهم ما حدث .
في نفس الوقت انتبهت ريتا ومالك في الغرفة لما يحدث فأمسكت الأولى برأسها تطلق صرخة فزع هي الأخرى
"فاااارس لا "
ثم ارتخت اعصابها وافترشت الرمل.. فالتهى مالك الذي لا يزال مقيدا بمحاولة ابقائها منتبهة صارخا " أاااااامي أمي"
أما فارس فلم يفهم مما حدث سوى أن الشيمي يرقد بثقل جسده فوقه.. ولم يعرف من ألم صدمة الارتطام بالأرض إن كان قد أصيب أم لا .. لكن استكانة الشيمي وارتخاء جسده جعله يصرخ بقوة "شيميييييي ... شيمييييي"
كانت بقعة الدماء تتوسع في ظهر الشيمي أمام ناظري يونس الذاهل .. بينما فارس يحاول أن يرفعه عنه بكل قوته... فنزل يونس على ركبتيه يساعد فارس في رفع الشيمي عنه .. لكن الأخير كان يجاهد لتحمل كرة النار التي تفجرت في جسده.


في نفس اللحظة كان الشماع مشغولا بفك عقد ساقيه بسرعة شديدة.
وبمجرد أن تمكن فارس من الامساك بجسد الشيمي ورفعه .. كانت عينا يونس تفوران بالغضب المستعر فرفع وجهه للشماع وهو يرميه بسبة ويستقيم واقفا مطلقا زمجرة غل مكبوت يهم بالهجوم عليه كنمر شرس على وشك الفتك بفريسته.. فترك الشماع الحبل الذي قد تحرر منه تقريبا ورفع المسدس بسرعة في وجه يونس قبل حتى أن يكمل وقوفه.


رصاصة ..
وجزء من ثانية ..
كانتا مرعبتان للجميع
فإن كانت الرصاصة الصامتة التي انطلقت من يد الشماع نحو فارس منذ دقائق ..وتلك الصرخة التي اطلقها يونس وشقت صدره قد افاقت الأخير من صدمته وغيبوبته النفسية ..
فتلك الثانية التي لمح فيها الشماع يرفع المسدس ويصوب به ناحيته كانت كفيلة بأن تمزق تلك الشرنقة حول رأسه ليدرك بأنه على وشك الموت
وبأنه لم يعد سيد الأمر .


رصاصة ..
وجزء من ثانية ..
توقف فيها قلب فارس وهو يحاول الاستقامة ويهم باعتراض مجال الرصاصة قبل أن تصل لأخيه ..
جزء من ثانية انطلقت فيه رصاصة .


ليست من مسدس الشماع وإنما من مسدس صفوت عظمة الذي صعد بسرعة مع صيحة يونس
وصوب على المسدس الذي في يد عدوهم ..
وعلى الرغم من أنه ليس متمرسا .. لكن يد القدر كانت معه ليطير المسدس من يد الشماع ويصرخ ممسكا بيده.


تلك القوة التي استجمعها صفوت للإطاحة بالمسدس جعلته يقف مذهولا ينظر لعيني يونس الأكثر ذهولا ليتأكد من أنه استطاع إنقاذه بالفعل .
لكن الشماع كان الأكثر خوفا والأكثر رغبة في الفرار .. فتجاهل ألم يده ..واستغل لحظة ذهول الجميع ورفع المقعد الخشبي مسرعا نحو صفوت الواقف بجوار باب الشقة يضربه في وجهه بقوة .. فابتعد صفوت للخلف وارتطم بالحائط مطلقا صرخة ألم.. في الوقت الذي اسرع الشماع يخرج من الباب يطير فوق السلم لينجو بحياته ..
في نفس الوقت الذي نفض يونس عنه ذهوله واسرع خلفه مصرا على عدم السماح له بالإفلات
فصرخ فارس خلفه "عد يا يونااااس .. يونااااس .. الشيمي يموت .. ساعدنيييسي أرجوك "
اسرع يونس على السلم ونداء فارس يلاحقه .. وقبل أن ينهي درجاته توقف لثانية مشدودا بين طرفين قويين .. لكن الغضب بداخله كان لا يزال له الغلبة فقفز يخرج من البوابة وأسرع بالعدو خلف الشماع الذي شاهده يجري بكل ما أوتي من قوة هاربا ..
حين التفت الشماع خلفه رأى يونس فزاد من سرعته متجاهلا ذلك الألم الشديد في صدره ..
إنها غريزة البقاء حين تلح على نفس طامعة ..متشبثة بالحياة..
معاندة ..
تستهين بالأقدار..
يجري ويجري ويونس يلاحقه .. حتى وصل لنهاية الشارع ينظر حوله ..
إنه في حي شعبي بسيط وعند نهاية الشارع استقبله الاسفلت .. فتطلع أمامه ليجد صحراء على الناحية الأخرى..
لا يجب أن يتوقف لثانية .. بالتأكيد سيلحقه ذلك الشاب الشرس .. وربما كان يحمل مسدسه.. بالإضافة لأنه بمقارنة بعمريهما ستكون للأخر الغلبة في سباق العدو بكل تأكيد .


وقف الشماع لثوان على الطريق .. يبحث حوله ثم استدار ليجد يونس قد اقترب كثيرا فعاد ينظر للطريق ثم أشار بإلحاح لتلك الشاحنة الكبيرة التي تقترب ..لكن سائقها تجاوزه .. فازدادت ضربات قلبه عنفا وهو ينظر ليونس قبل أن يلمح الشاحنة قد توقفت على بعد أمتار .. فأسرع إليها وتسلق بابها بسرعة يفتحه ويلقي نفسه بداخلها بجوار السائق.


وصل يونس للأسفلت .. فوجد الشماع يركب شاحنة تحمل القمامة تسرع في الابتعاد .. فوقف متخصرا يلهث بشدة .. بينما الشاحنة تبتعد أكثر ليخرج الشماع رأسه من نافذتها ينظر للخلف..
ينظر ليونس ..
نظرة ماكرة .. متوعدة.
ثم قصفه بابتسامة إغاظة ..
يقسم يونس لحظتها أنه قد رأى سنه الذهبي رغم المسافة..
ويقسم أيضا ..
أن نداء فارس واستغاثته به سمعها واضحة رغم المسافة أيضا..
فأطلق زئيرا عاليا معذبا من حنجرته وهو ينظر للسماء بشكوى يفوض فيها أمره لخالقه .. ثم استدار عائدا يمشي بإنهاك .. بخطوات مهزومة مغلولة .. قبل أن تزداد سرعة خطواته تدريجيا وقد استعاد السيطرة على نفسه .. حتى تحولت خطواته عدوا.. ليلبي استغاثة أخيه.


أما فارس فبمجرد أن ذهب يونس وقف متحيرا بين ملاحقته وبين الشيمي الملقى على الأرض ينزف
ثم اسرع يحاول رفع جسد الشيمي الثقيل .. ليسرع في إنقاذه .. ففتح الشيمي عينيه بصعوبة وهمس وتلك الكرة من النار تفتته من الألم " زوجتي .. أمانة في أعناقكم يا فارس "
ثم ارتخى جفناه فصرخ فارس " لا يا شيمييييي .. لا إياااااك ..تـماسك أرجوك "
حاول رفعه على ظهره .. فتحرك صفوت مسرعا نحوه ليساعد في رفعه فوق ظهره قائلا "علينا ألا نترك أي أثر لنا في هذا المكان"
لم يكن فارس منصتا أو مستوعبا لأي شيء سوى لتلك المصائب التي نزلت فوق رأسه وأسوأها الشيمي الذي ينزف بشدة بين يديه .. حتى أنه قد خلع سترته وطلب من صفوت أن يساعده في الضغط على الجرح النازف بعد أن حمله على ظهره وتوجه نحو السلم.


نزل فارس بصعوبة حاملا الشيمي وصفوت بجانبه فقابلهم يونس صاعدا .. ليتمتم فارس بسرعة " الحمد والشكر لك يا رب (ثم أضاف بصوت مبحوح ) اسرع يا يونس ..ساعدني ..الرجل يموت"
حاول يونس أن يبادر بحمله .. لكن فارس رفض خاصة مع عدم وجود وقت ولا متسع في مساحة السلم فقال صفوت " امسك أنت بالسترة لمنع تدفق الدماء وأنا سأصعد لتنظيف المكان ثم ألحق بكما"
في الغرفة كانت ريتا قد بدأت تستجمع قواها وتستفيق .. خاصة حين أخبرها مالك بأن الرجل الضخم هو من أصيب..
وبقوة الأم بداخلها مالت رغم قواها الخائرة وأعصابها المرتخية تحاول فك عقدة الحبل من معصمي ابنها بأسنانها بسرعة.. فقال مالك" اهدئي يا أمي ستكسرين أسنانك دعيني أحاول "


"أمي"
كلمة ( أمي )
غردت في أذنها ودغدغت قلبها .. فتركت الحبل ترفع إليه عينين دامعتين .. ثم أمسكت بوجهه وقد بدأ ضوء النهار يتسلل للغرفة على استحياء وامطرته تقبيلا
جعل عيني مالك تدمع .. قبل أن يدخل صفوت ويقول "اسمحي لي يا هانم"
انتبهت ريتا واستدارت لتجد صفوت .. فأصابها الهلع واسرعت بإلقاء جسدها على مالك تحيطه بذراعيها صارخة بذعر " لا لا .. لن يأخذه مني أحد بعد الآن "
قال صفوت" يا هانم سأحل وثاقه لنترك المكان ..


لابد أن نتحرك فورا .. معنا رجل ينزف وعلينا الابتعاد عن هذه المنطقة قبل أن يستيقظ سكانها .. إن لم يكونوا قد استيقظوا بالفعل من الصياح"
قال مالك مهدئا "لا تقلقي يا أمي .. سيفك وثاقي .. اهدئي أرجوك"
انتحت ريتا جانبا بصعوبة .. لتعطي مجالا لمالك يخرج يديه المربوطتين .. بينما استمرت هي في أحاطة كتفيه ورأسه بذراعيها متشبثة به تتطلع بتوجس في صفوت الذي مال يتعامل مع الحبل .. وبمجرد أن حل وثاق يديه قالت بشراسة " كفى .. كفى .. ابتعد أرجوك ونحن سنحل الباقي"
ادرك صفوت أنها في حالة غير متزنة فوجه حديثه لمالك قائلا" حرر نفسك بسرعة علينا الابتعاد عن هذه البناية فورا"
ثم تحرك يلم مسدسي فارس ويونس بكيس بلاستيكي قديم .. ويخفي أي أثر لتواجد أحد في المكان .


بينما تخلص مالك من الحبال واستقام واقفا بسرعة فرفعت ريتا .. انظارها المتأملة إليه في حالة صدمة كبيرة وتفحصت طوله وتفاصيل جسده من جلستها ..
لقد كبر واستطال .. وتشكل بعيدا عن عينيها.
لكن عودته من العدم كافية رغم الوجع لأن تحمد ربها وتوبخ نفسها على جشعها.


انحنى مالك يمد لها يده .. فأنزلت يدها لكفه المفرود أمامها .. ثم اطبقت على كفه بكلتا يديها تمطرها بالقبلات .. فاستحى مالك ونزل إليها متأثرا ولثم يديها الاثنين قبل أن يأخذ رأسها في صدره بعينين دامعتين.


دخل صفوت يقول بقلق " يا جماعة .. لابد من أن نغادر بسرعة"
نظر مالك لريتا فغمغمت "لست قادرة على الحركة"
حاول مساعدتها للقيام لكنها لم تستطع .. فمال يحملها فوق ذراعيه لتصرخ ريتا" لا يا مالك .. قدمك .. قدمك!"
ابتسم مالك ابتسامة مرهقة وهو يستقيم واقفا ثم قال " لا بأس"
أما صفوت فقال وهو يمشط المكان " لا تنسوا الحذاء "
ثم التقطه من الأرض وناوله لريتا.


تحرك مالك حاملا أمه فغمغمت بقلق" متأكد أن قدمك لا تؤلمك يا مالك؟"
قال وهو يخرج من الشقة "حتى لو كانت تؤلمني يا .. رتيبة عبد المعطي زيان"
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-12-19, 01:04 PM   #455

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 2

بعد قليل استقبلت الطوارئ الشيمي بينما جلس فارس على اقرب مقعد في ممر المستشفى يدفن رأسه بين يديه وكأن عالمه كله قد سقط فوق رأسه ..
بحلوه ومره ..
بحقيقته ووهمه ..
بواقعه وخياله !
جلس مقهورا .. مهزوما .. مصدوما .. يحاول التماسك .. ويشعر بأنه على وشك الموت ..
لكن إيمانه القوي بالله كان الحبل المتين الذي يتشبث به بشدة حتى لا يسقط مكمودا أو يفقد عقله .


أما يونس فلولا تلك الصرخة التي خرجت من صدره لحظة توجيه المسدس لفارس وتلك الرصاصة التي تلقاها الشيمي بدلا من أخيه ..
ولولا تلك اللحظة التي واجه فيها الموت الحقيقي وقت أن رفع الشماع فوهة المسدس في وجهه ..
ولولا أن معرفة فارس للحقيقة أصبح أمر واقع ..
لما استفاق من تلك الصدمة التي حدثت له وكأنها صفعات قوية متتالية لتنبه حواسه .. فيخرج من هلوسته ويدرك حجم وخطورة ما كان مقدما عليه ..
اقترب يونس من أخيه وملامح الألم والشفقة تتجسد على وجهه ثم نزل على عقبيه بجواره يلمس ركبته قائلا "فارس أرجوك تماسك"
رفع فارس رأسه وحرك نحوه مقلتيه ببطء يسأل بحشرجة "هل .. ما قاله .. ذلك الكلب ..صحيح؟"
تلاقت عينيهما لثوان قبل أن يشيح يونس بوجهه مغمض العينين بقوة .. يقاوم وحوشا تنهش في صدره..
فتجعدت ملامح فارس بالحزن الشديد .. وأعاد رأسه بين كفيه .. فلم يدري يونس ماذا يفعل ..
بعد دقيقة غمغم فارس بتأنيب " لمَ لم تخبرني .. لماذا يا يونس .. لماذا؟"
لمعت الدموع في عيني الأخير هامسا بتأثر " حتى لا أراك في هذه الحالة التي أمامي الآن .. أنا أعرف مدى حبك له .. وأعرف بأن هناك أمور لا ترى فيها إلا الأسود والأبيض .. (وأضاف من بين أسنانه بغل ) لهذا كنت على استعداد لأن أقتل ذلك الكلب حتى لا يتفوه .."
ظل فارس مطرق الرأس فأضاف يونس " آسف يا فارس .. آسف لما واجهتم بسببي الساعات الماضية .. وآسف لأني لم أستطع اخراسه للأبد حتى لا يخبرك .. ولأني لم آخذ بثأرنا منه"
رفع فارس رأسه من بين يديه ونظر في ملامحه المتألمة ثم وضع يده على مؤخرة رأس أخيه قائلا" أنا رفضت حتى أن تُستجوب في تحقيقات القضية عن الحادث حتى لا أذكرك به .. فإذا بك لا تزال تحمل وجعه وتفاصيله حتى الآن ! ..(وضرب على رأسه يهزها للأمام عدة مرات معاتبا) لماذا حملت السر وحدك .. مهما كانت صدمتي فأنا الأكبر .. أنا من يجب أن يتحمل أكثر .. ويحمل فوق ظهره أكثر .. ( ثم هدأت ضربات يده وغمغم موبخا نفسه ) وأنا قصرت في حقك.. التهيت بما أخطط له ولم انتبه لك .. لم أشعر بما في داخلك من وجع وألم فاق ما أحمله .. لم أنتبه لضرورة اخضاعك لاستشارة نفسية تنقذ ما يمكن انقاذه .. اشعر بأني قد تركتك ملقى في مكانك تنزف حتى أشرفت على الموت وبدلا من أن أنقذك اسرعت بالعدو خلف ذلك الحقير للانتقام لك"
هتف يونس بسرعة وقد ازداد التماع الدموع في عينيه" كلا يا فارس .. أنت أعظم شخص في الوجود أنت ( واختنق صوته ) لو لم تكن موجودا في حياتي .. لما استطعت أن أجد طريقي.. أنا ظللت لسنوات عديدة أشعر بأني أسير في طريق مظلم ولولا أنك كنت تقود المسيرة حاملا مصباحا.. لما اهتديت لطريقي .. ولما خرجت من عنق الزجاجة .. أنت من اشعلت في داخلي الضوء حتى استمر على قيد الحياة (واطرق في خزي ) المشكلة عندي أنا .. لازلت لا اسامح نفسي عن كوني السبب في أنه قد تم الإيقاع به .. فلو لم أكن ..."
قاطعه فارس قائلا بخفوت متأثر من بين أسنانه وهو يضرب مؤخرة رأسه بعنف" كف عن هذا الهذيان .. كيف تكون السبب !.. كيف تحمل نفسك السبب !.. وهل يُسأل طفل في الثامنة !! .. الكبار الراشدون العاقلون هم من يُسألون عما اقترفت أيديهم .. "


أطرق يونس برأسه متألما فقبض فارس على شعره من الخلف يرفع وجهه إليه قائلا " يا يونس .. لا تحمل نفسك فوق طاقتها .. في ذلك اليوم في تلك الساعة في نفس الدقيقة كان عمره سينتهى .. سواء كنت أنت السبب أو غيرك .. حتى لو كان يبيت في فراشه .. فإياك أن تحمل نفسك أي ذنب بالله عليك .. تخيل طفل في الثامنة عندنا في الدار قد تسبب في كارثة هل نحمله المسئولية !!"
قد يكون يونس في حاجة لوقت طويل ومجهود كبير مع الذات لإعادة برمجة عقله ومشاعره حتى يتخلى عن هذا الاعتقاد ..
لكن كلام فارس أراحه قليلا .. فقال بتأثر يتطلع في عينيه "أهم ما عندي أن تجتاز أنت صدمتك سريعا .. إن كنت تريدني أن أجتاز صعوبة ما حدث وأعود للملمة شتات نفسي مرة أخرى"
هز فارس رأسه بصعوبة مغمغما "الله المستعان"


اقترب صفوت منهم فجأة فاستقام يونس واقفا مشيحا بوجهه يمسح عينيه بينما تطلع فيه فارس من جلسته متفاجئا بحضوره .
قال صفوت وهو يعطي فارس كيسا بلاستيكيا أسودا" هذا هو مسدسك .. أما المسدس الآخر اعتقد بأنه يخص يونس فهو في سيارتي"
سأله فارس بهدوء مرهق" لماذا لم تخبرني بالحقيقة؟.. لماذا تركتني أتهمك بالإجرام وأنا معتقد بأني ابن رجل شريف"


وضع صفوت يديه في جيبه بينما نظر إليه يونس شذرا فرغم معرفته بأنه لم يكن شاهدا على جريمة القتل لكنه شريك المجرم ورؤيته تذكره بتلك التجربة الصعبة ليقول صفوت مفسرا" حين ظهرت منذ سنوات تهددني بالانتقام ظننتك تعلم وترغب بالثأر لوالدك بشكل عام .. لكني أدركت منذ فترة قصيرة بأنك تتحدث عن أوراق وغش في البناء ونفس القصة التي رويتها وأنت مراهق في التحقيق والتي اثبت أنا عدم صدقها للشرطة حينها ..فقلت لنفسي لربما لو حافظت على سر الرجل ما دام الله قد أراد ستره أن يغفر لي جزءا من ذنوبي (وتطلع في وجوههم ثم أكمل) لا تنظرا إليّ هكذا .. أنا لا أنكر بأني أخطأت .. وبأني اضطررت تحت ظروف قهرية أن أفعل ما فعلت .. لكني لست شيطانا .. أنا فقط شخص ضعف وشارك في جريمة لينقذ نفسه .. وصدقوني لازلت أحمل وزرها الثقيل فوق ظهري حتى الآن وأسأل الله المغفرة"


عاد فارس يطرق برأسه وقد ازداد ثقل وصعوبة ما يمر به.
أن يتبدل مقعدك فجأة.. وتكتشف بأنك كنت ترى جانبا واحدا من صورة كبيرة وقد كنت تعتقد بأنك تراها كلها لإحساس شديد المرارة.
غمغم صفوت بهدوء "المهم ماذا ستقولون للشرطة؟"
ظل فارس صامتا فأكمل صفوت "بالتأكيد المستشفى قد أبلغت الشرطة بوصول رجل مصاب بطلق ناري وسيحققون معكم .. ولا أعتقد أنك بعد ما حدث وما علمت قد تغامر بإعادة فتح القضية القديمة وتوريط والدك وأخوك فيها .. "
اندفع يونس قائلا " أنا سأخبرهم بأني قد أصبته بالخطأ"


رفع فارس رأسه يقول بصرامة آمرا" اسكت"
قال يونس بحمائية "أنا من تسببت في هذه الفوضى وإذا حدث للشيمي مكروها لا سمح الله سأحمل وزر دمه في رقبتي"
قال فارس هادرا بانفعال "قلت اسكت يا يونس"
تقبض يونس يكبت انفعاله .. بينما تدخل صفوت قائلا "على كل حال المسدس ملك لفارس وبالطبع أول سؤال سيسألونه سيكون عن مسدسه وسيعلمون بأن الرصاصة قد خرجت منه .. علينا باختلاق قصة فورا وبسرعة"


اطرق فارس يمسك برأسه مغمغا بإنهاك" أنا ذهني مشلول وغير قادر على التفكير في أي شيء .. يكفي أن الشيمي بين الحياة والموت الآن ..وأنا مطلوب مني أن أخطط لأنجو بنفسي"
قال صفوت مقترحا " عليك اختلاق قصة للدفاع عن النفس أصيب فيها رجلك بالخطأ .. ولا تقل لي بأنك ستخبرهم بأن مجهولون قد هجموا عليكما وفروا هاربين لا أتوقع بأن قصة كهذه ستمر مرور الكرام .. بل ستفتح عين الشرطة وتوجههم لتحقيقات موسعة بدلا من تحجيم الأمر"


قال يونس بهدوء " سأخبرهم بأني كنت أنظف مسدس فارس وأصيب الشيمي بالخطأ"
رفع إليه فارس عينين صارمتين فاندفع الثاني يقول" انسى أني قد اسمح لك بأن تتحمل الأمر بدلا مني أبدا.. لن استطـــــ......"
قال فارس بإعياء " يونس .. هلا ترفقت بحالي بالله عليك!"
تقبض يونس بشدة وابتعد يشيح بوجهه لا يعرف كيف يتصرف .. غير راغب في أن يتأذى فارس وفي نفس الوقت لا يريد أن يضغط عليه مدركا بأنه يعاني.


بينما استمر صفوت يفكر بصوت عال بنية حقيقية للمساعدة "من المفروض أن تكونا سويا ولا يوجد شهود غير الشيمي الذي سيؤكد روايتك بالتأكيد .. وإن كان في البيت فبالتأكيد لن تنظف المسدس ساعة الفجر .. كما أنهم سيلجؤون حتما لاستجواب أهل الفيلا( وصمت قليلا ثم قال مقترحا ) ماذا لو قلنا كنتما تبيتان في المصنع"


لم يرد فارس .. كان ذهنه مشغولا على الشيمي مشلولا مرتبكا بينما رد يونس على صفوت بعبوس" لو في المصنع لابد أن يتم استجواب أفراد الأمن .. وبالطبع لن نطلب منهم الكذب .. ولن نرشوهم ونضع سمعتنا تحت رحمتهم..الحل الوحيد أن يكون فارس والشيمي في الطريق"
رد صفوت ملتقطا طرف الخيط " أجل في الطريق .. وبالتأكيد طريق سريع أو خارج زحام العاصمة "
وصمت يفكر ..فتكلم فارس أخيرا" بالتأكيد سيتتبعون تحركات سيارتي من الكاميرات في بعض الشوارع الرئيسية بأننا ذهبنا في اتجاه ذلك الحي الذي تقع فيه البناية"


قال صفوت يكمل له الفكرة "الكاميرات ستقف عن حد معين قبل ذلك الحي .. تلك المنطقة من العشوائيات ولا يوجد كاميرات هناك .. وبالتالي آخر ما سيلتقطه فحص الكاميرات بأنك اتجهت إلى ذلك الطريق السريع دون تحديد وجهتك .. والميزة هنا أن ذلك الطريق متاخم لمنطقة صحراوية حيث أن البقعة السكنية على يسار الطريق عبارة عن أحياء عشوائية متفرقة .. أما يمينه فتوجد صحراء المهم أين كنتما ذاهبان؟"


ساد الصمت لبعض الوقت ثم رد يونس" إلى محاجر الرخام"
هز فارس رأسه وغمغم " أجل لدينا محاجر رخام في هذه الناحية .. لكنها أبعد بكثير من ذلك الحي ولنصلها لابد أن نتخذ هذا الطريق اجباريا "
قال صفوت بحماس " ممتاز .. منطقي جدا هذا التفكير والحمد لله أن القدر في صفنا وأن لديكم محاجر بالقرب من هذه المنطقة .. المهم أن نحاول اختلاق قصة أخرى غير قصة (المجهولون الملثمون ) فلنجعلها الخطة البديلة إن لم نجد أفضل منها .. لأني أخشى أن يفتح ذلك مجالا موسعا للشرطة للبحث حولك .. إذن ما هو السبب الذي جعلك تستخدم سلاحك في ساعة الفجر على الطريق السريع واصبت الشيمي بالخطأ"


نطق يونس بهدوء من وقفته محدقا في الأرض بشرود "(سِلعوّة )
رفع إليه فارس عينيه بينما غمغم صفوت" نعم !!"
أدار يونس وجهه لصفوت قائلا باستخفاف" ألا تعرف حيوان السلعوّة يا بك؟"
غمغم صفوت بحرج" بالطبع أعرف .. انه حيون هجين بين الذئب والكلب البري والثعلب ويهاجم بعض المدن والقرى مؤخرا "
أكد يونس كلامه بملامح عابسة بينما أخذ فارس يدرس الفكرة في رأسه وهو يتطلع في يونس بعينين مجهدتين.. فغمغم صفوت معجبا بالفكرة" فكرة جيدة .. هاجمتكما سلعوة فاضطررت لتتعامل معها بمسدسك .. ( ثم غمغم بشك ) لكن أخشى أن تبدو القصة وهمية"


رد يونس مؤكدا " ليست وهمية .. بل إن هناك زوج من السلعوة في هذه المنطقة بالفعل منذ مدة .. قتلوا واحدة والثانية لا تزال طليقة قرأت هذا الخبر منذ عدة أيام في الصحف وعلق في ذهني اسم المنطقة لأني أعلم بأن تلك البناية المشؤومة تقع فيها "
أنزل فارس رأسه بين يديه مغمغا" على آخر الزمان أكذب لأدفن ماض معيب .."
تحدث يونس بإجهاد وهو يحك جبينه بيده يصيغ الفكرة في شكلها النهائي" كنتما متجهان لمحاجر الرخام فجر اليوم أنت والشيمي .. وأختلِق أي سبب لذلك .. فتعطلت السيارة .. فنزل الشيمي يتفقدها .. ولمحت أنت سلعوة تخرج من الصحراء على وشك الهجوم فحاولت استعمال مسدسك في نفس الوقت الذي استقام الشيمي واقفا من جلسته من فحص السيارة .. فأصبته في ظهره وهربت السلعوة ( ثم أضاف محاولا مرة أخرى ) ومن الممكن أن أكون أنا بدلا منك واستعملت مسدسك الذي كان في السيارة"


رفع فارس رأسه ينظر ليونس بنظرة حادة جعلته ينخرس بينما قال صفوت رافضا الفكرة " لا نريد تعقيد الأمر باستخدامك لسلاح ليس لك .. إن شاء الله هذه الفكرة تكون مقنعة المهم أن تصل لرجلك ليقصها هو الآخر حين يتحسن بإذن الله"
نظر فارس لذلك الممر الذي أخذوا فيه الشيمي وغمغم بألم حقيقي" المهم أن يتحسن .. أن يرأف الله بحالي وتمر على خير ويشفى"
×××××


وقف زياد في شرفة شقته يتطلع في حديقة فيلا سعد الدين بتوتر.
يكاد يجن من القلق والخوف على يونس ومصيره .. ويشعر بالإحباط الشديد أنه لم يكن بجوار صديقه .. ذلك المجنون الذي لا يعرف كيف ومتى خطط ليفعل ما فعل .
نظر خلفه فتطلع لوالدته النائمة في السرير يغطي أنفها وفمها جهاز الاستنشاق الخاص بأزمات الربو .. وعاد يضرب على سياج الشرفة بعنف مشطورا لنصفين .. مشدودا بين اختيارين .. كلاهما صعب ومؤلم .


اقتربت عهد منه مشفقة لا تعرف كيف تتصرف .. تشعر به وتتعاطف مع كليهما زوجها وحماتها.. بالإضافة لما يحدث مع آل سعد الدين وخاصة يونس ..
رفعت كفها تلمس ظهره في محاولة منها للمواساة لكنها استشعرت تشنج عضلاته وازدياد عبوسه .. فرفعت كفها عنه وغمغمت " ماما ناهد نائمة .. سأذهب لأطمئن على آل سعد الدين"


بعد قليل دخلت فيلا سعد الدين تسأل كارمن الجالسة على المقعد في بهو الفيلا بصمت وكأنها في انتظار عودة زوجها وأخوه "كيف حال الحاجة؟"
غمغمت كارمن بخفوت "لا يزال ضغطها مرتفع لكنها امرأة قوية الحمد لله وايمانها يزيد من تماسكها .. الطبيب يتابع معنا حالتها أولا بأول"
سألت عهد وهي تتطلع في المكان حولها" وأين فريدة؟"


تكلمت كارمن بألم "بالداخل .. في غرفة الحاجة.. المسكينة لا تنطق .. وهذا مقلق "
استأذنتها عهد " هل ممكن أن أدخل؟"
أومأت كارمن برأسها فطرقت عهد الباب ودخلت بينما ظلت كارمن تفرك في يديها تحاول التماسك ..
فعلى أحد أن يكون متماسكا في هذا البيت.


في الغرفة تطلعت عهد في الحاجة الراقدة في سريرها مغمضة العينين بينما خضرة تفترش الأرض بجوار سريرها تسند رأسها بيدها.. وتحركت نحو فريدة المتكومة فوق أحد المقاعد تحدق في اللاشيء كطفلة تجلس على باب المنزل بعد أن تركوها ورحلوا جميعا.
اقتربت عهد وحاولت التحدث معها لكن فريدة كانت هادئة ساكنة بشكل مثير للشفقة تتلقى ابتلاءات القدر باستسلام .. فأمسكت عهد بيدها لتجدها مثلجة .. فجلست أمامها على عقبيها تمسك بكفيها وتدلكهما مغمغمة" إن شاء الله سيعودان بخير يا فريدة ربك كريم"
لم تستطع فريدة تحريك لسانها لكنها هزت رأسها ببطء وهمست في سرها "لا ملجأ من الله إلا إليه "


رسالة على هاتفها الذي تمسك به بتشبث أعادت الحياة لجسدها الميت .. فأسرعت بفتحها لتجد رسالة من يونس " كرنبة .. أنا وفارس بخير .. لكنا لن نستطيع التحدث الآن طمئني الجميع .. وادعوا لنا كثيرا "
لولا اسم ( كرنبة ) لشكت بأن هناك من يستخدم هاتف يونس لطمأنتها .. لكنها تعرف بأن يونس قد كتبه عمدا لتصدق ..فصرخت باكية " أميييييييي"


في الخارج كان عاصم الذي يتحرك في الحديقة جيئة وذهابا بتوتر لا يعرف إلى أين ذهبوا وماذا حدث ولماذا ذهبت ريتا خلفهم !!..
لقد انشغل بنجدة الحاجة وإحضار الطبيب والاطمئنان على حالتها وها هو يتصل بفارس وبريتا ولا يرد عليه أحد
منهما.


بعد قليل اسرع زغلول الجالس على البوابة مع باقي أفراد الحراسة حول الفيلا بالرد على فارس بلهفة فجاءه صوت الأخير ينضح بالحزن وهو يقول باقتضاب "زغلول أحضر السيدة رفيدة إلى مستشفى ( .... ) فالشيمي أصيب بطلق ناري .. وأبلغ عاصم بك والجميع بأن يونس بخير وبأنني غير قادر على الرد على الهاتف حاليا"
جحظت عينا زغلول مفجوعا على صاحبه واستدار برأسه ينظر عبر بوابة الدار إلى رفيدة التي تتحرك جيئة وذهابا في الحديقة تتطلع في هاتفها كل دقيقة واحتار كيف سيبلغها هذا الخبر .
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-12-19, 01:05 PM   #456

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 3

"ماذا فعل ؟!!"
أيكون هذا عقابا من الله لأنه سعى للانتقام بيده من قاتل أبيه؟
إنه لشعور مر .. مخزي .. وغاية في القسوة أن تكتشف بأنك كنت تطارد سرابا.
دخان أسود لا تعرف ما يختبئ لك خلفه.
سراب من دخان أسود يعمي عينيك وقلبك فلا ترى سوى ما تصوره لك شياطينك.
كارمن كانت على حق ..
لقد نصب نفسه الحاكم والجلاد.
يا خسارة سنين عمرك يا فارس التي ضاعت في الوهم !.
ويالخيبتك أن سعيت بكل قوتك لنبش ما ستره الله حتى انكشف ! .
أراد الله أن يستره ويطهركم من المال الحرام .. لكنك بعنادك وعدم تفويض أمرك لله كشفت المستور.
ماذا جنيت بعد طول لهاثك ؟!
لقد كدت أن تحول أخيك لقاتل أو مجنون أو كليهما ..
أنت دللته على طريق الشماع .. أنت..
ولولا رحمة الله بك لما توازن يونس واستفاق بعد تلك الحالة التي كان عليها قبل ساعات.
أنزل فارس ذراع قميصه بعد أن انتهى من التبرع بالدم ثم استقام واقفا يغادر الغرفة بخطوات بطيئة شاردة .. فشاهده يونس وهو يخرج منحني الأكتاف مهزوما ..وتمزق قلبه نادما على عدم قتل ذلك الذئب العجوز ..
فبالرغم من أنه قد استعاد سيطرته على نفسه خاصة بعد أن زال السبب الأكبر لحالته وهو معرفة فارس بالسر ..
لكن نار الانتقام لا تزال مشتعلة في صدره .. وأضيف عليها الرغبة في الثأر منه بسبب صدمة فارس ..
اقترب منه يقول" كلفت أكثر من شخص للذهاب لبنك الدم وسيحضرون الاكياس المطلوبة بأي ثمن .. لو كان زياد في البلد لكنت طلبت منه المساعدة في هذا الأمر أيضا"
قال فارس بخفوت "زياد لم يسافر .. زياد عاد من المطار ليبحث عنك "
اتسعت عينا يونس بمفاجأة وأطرق برأسه أرضا في حزن قبل أن يجد هاتفه الذي فتحه منذ قليل يرن برقم زياد فأسرع بالرد ..
أما فارس فنظر في ساعته يشعر بالقلق الشديد .. فالشيمي قد تأخر كثيرا بالداخل ولا أخبار حتى الآن.
بعد قليل وفي أول الممر ظهرت رفيدة تهرول مفجوعة تبحث يمينا ويسارا عن الممر المؤدي لغرفة العمليات يهرول خلفها زغلول وعاصم.
حين لمحت فارس ويونس اسرعت إليهما تقول بذهول" أين الشيمي ؟؟ماذا حدث؟؟!!"
أطرق الاخوان في صمت مخروسان وكل منهما يمزقه الإحساس بالذنب بينما قال زغلول متألما" إن شاء الله سيكون بخير يا أستاذة (وغلبه البكاء وأكمل ) إن شاء الله الشيمي قوي وسيخرج منها بخير"
اقترب عاصم يقول" ماذا حدث؟"
غمغم فارس هامسا باقتضاب "المجرم أصاب الشيمي وهرب"
قال عاصم "وبم ستخبر الشرطة ؟.. هل ستورط يونس في جريمة خطف؟"
تدخل يونس قائلا بخزي" سنختلق قصة عن إصابة خطأ"
أما رفيدة فأسندت ظهرها للجدار الرخامي البارد تحاول ألا تفقد وعيها.. فلا وقت لذلك ..
لقد عادتوحدها كما كانت طوال عمرها.
والحلم يهددها بقرب انتهائه .
عادت بدون الشيمي.
بدون الشيمي يا رفيدة.
بدونه..
وقفت تضرب على قلبها بقبضتها تحاول التماسك بينما الدموع تعصى أوامرها .. وحركت عيناها في الموجودين الذين انعقد لسانهم لا يجدون ما يقولونه .. حتى رأت عمر آتيا يهرول نحوها من آخر الممر مفزوعا بعد أن اتصلت به في طريقها ..
لحظتها انهارت اعصابها ..
انهارت حتى قبل أن يصل إليها وأطلقت صيحة وجع .
أحاطها عمر قبل أن تسقط وسألها بفزع" ماذا حدث يا رفيدة ؟.. ماذا حدث؟.. كيف أصيب بالرصاص؟!!"
أمسكت بملابسه تولول في انهيار" أنا نحس .. أنا نحست الرجل .. نحسته يا عمر .. اختك نحس .. نحس"
صاح عمر يهزها بقوة "ما هذا الكلام يا رفيدة !!.. أنت مؤمنة ومثقفة ..هل سنعترض على أمر الله؟!"
أطلقت صرخة وجع أخرى واستمرت تضرب على قلبها بقبضتها وغمغمت بخفوت " آآآآآآآآآه يا شيمي .. آآآآآآآه يا شيمي .. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .. اللهم لا اعتراض اللهم لا اعتراض.. اللهم لا اعترض"
ولولتها كانت تمزق قلوب الواقفين .. وكادت أن تقتل فارس بالتحديد الذي حمل نفسه الذنب أضعافا ..
كان في حالة من اليأس والألم مالا يمكن تحمله .
هو السبب..
هو من نبش المستور فخرجت الوحوش المحبوسة تقضي على كل من يحيطه ..
بسببه ..
بسبب غبائه وعناده وعدم رضاه بنعم الله من حوله.
انتحى جانبا يهمس في سره وهو يلتقط هاتفه" لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين .. استغفرك ربي وأتوب إليك"
وطلبها..
كان بحاجة للحديث معها..
وكان بحاجة لإخبارها..
رغم الخزي والعار والشعور بالذنب..
كان بحاجة لإخبارها..
ردت كارمن بلهفة "فارس .. علمنا انكما بخير من يونس ومن زغلول لكني تركتك لتتصل حين تجد الفرصة"
تكلم بنبرة رجل يموت" كارمن .. أنا كنت أطارد سرابا يا كارمن .. لقد كنتِ على حق .. نصبت نفسي حاكما وجلادا وأفنيت سنين عمري اطارد وهما"
لم تفهم .. ولم تعقب ..
لكن اجهشت في البكاء تعاطفا وشفقة على حالته تكتم فمها بيدها بينما أكمل فارس بذهول" لقد تزوجتِ ابن مهرب آثار يا كارمن .. أبي لم يكن ضحية ولا مظلوما.. أبي كان شريكا للشماع .. وأنا ابن مهرب الآثار .. أنا يا كارمن "
كتمت كارمن شهقتها وذهولها وتقلص رحمها ..فساد الصمت لثوان قبل أن تستحضر قوتها وتقول "اهدأ يا فارس المهم أنك وأخوك بخير .. وما حدث كان في الماضي البعيد "
غمغم فارس وقد ترك لنفسه اظهار ضعفه أمامها" والشيمي بين الحياة والموت بسببي .. الشيمي يا كارمن .. إنه .. إنه .. (ونظر حوله يبحث عن مسمى ثم أكمل ) إنه رفيقي الذي لم يتسنى لي أن أخبره بذلك"
سحبت نفسا عميقا تتماسك من وسط بكائها الصامت المتألم وقالت بهدوء" فارس أنت مؤمن بالله .. هل معك مصحفك؟"
هز رأسه ببطء عدة مرات ثم همس " معي نسخة على الهاتف"
قالت بسرعة " اقرأ منه حتى تطمئن على الشيمي .. وإن شاء الله يمر كل شيء على خير .. إن الله لا يترك عباده أبدا"
لمح بعينيه ضابط شرطة آتيا من بعيد فاعتدل في وقفته المنحنية للأمام يداري وجهه للحائط ثم استعاد وجهه المتخشب قائلا" اذهبي الآن ولا تخبري أحدا بما أخبرتك سلام"
اقترب الضابط يسلم على فارس فاسرع يونس إليه ووقف بينهما ليحدجه فارس بنظرة صارمة ألا يتهور ثم انضم إليهم عاصم السيوفي ..
قال الضابط" تفضل معنا لنحقق فيما حدث للرجل الذي أحضرته للمستشفى مصابا بطلق ناري فارس بك "
غمغم فارس قائلا "هلا اعطيتني بعضا من الوقت حتى اطمئن عليه .. انه في غرفة العمليات منذ فترة"
غمغم الضابط" لا بأس فلننتظر قليلا"
بعد قليل خرج الطبيب أخيرا من غرفة العمليات.. فامسك عمر برفيدة جيدا.. ليقول الطبيب" أخرجنا الرصاصة بفضل الله ولم تكن في موقعا حساسا .. لكنه نزف كثيرا وهو تحت الملاحظة حاليا ولم يفق بعد "
قالت رفيدة بعدم فهم "ما معنى هذا الكلام؟ (ورفعت انظارها لعمر ) ماذا قال لم أفهم يا عمر.. لماذا لم يفق"
رد الطبيب متعاطفا" حالته حاليا غير مستقرة وسيكون تحت المراقبة خلال الأيام القادمة"
ثم حياهم برأسه وتحرك مغادرا فشدد عمر من ذراعيه حولها يقبل رأسها بمواساة وألم وعيناه تلمعان بالدموع شفقة عليها بينما استمرت رفيدة تضرب على قلبها بحركة رتيبة مرددة "اللهم لا اعتراض اللهم لا اعتراض"
فقال فارس بحشرجة للضابط" أنا آت معك"
××××
اقترب زياد من والدته يقول بوجوم "يونس وفارس بخير (واكمل كاذبا ) ويحتاجون لمن يحضر أكياس دم من بنك الدم بشكل عاجل ( ونظر لوالده يطلب المساعدة وعاد ليكمل ) إن مساعد فارس قد أصيب و.. وامسكت الشرطة بقاتل والدهم وانتهى الامر .. استطيع أن اتصل بيونس لتتأكدي بأنه بخير"
تدخل رأفت قائلا " أجل .. انا اتصلت بعاصم بك واكد لي بأن كل شيء على ما يرام وأنهم بالمستشفى حاليا"
أضافت عهد التي عادت للتو من فيلا سعد الدين " رأيت بالفعل رسالة من يونس لفريدة بنفسي"
فغمغمت ناهد بخفوت" اذهب يا زياد"
انطلق زياد وكأنه كان محبوسا يجري نحو باب الشقة وتبعه رأفت يخرج من الغرفة .. فقالت ناهد بلهجة باكية" أعلم بأنه غاضب مني .. أعلم ذلك لكني لم أقدر .. لم أتحمل"
جلست عهد بجانبها على السرير تربت على كتفها قائلة" لا بأس .. من حقك أن تخافي عليه .. أنا أيضا كنت على وشك أن أفعلها لكنك سبقتني .. فشعرت بأنك ستكونين أكثر ضغطا .. وتأثيرا عليه .. وتركت لك الجولة"
عبست ناهد تقول بطفولية " لأكون أنا الشخص الشرير الذي يغضب منه "
اسرعت عهد تقول ضاحكة "ابدا أقسم بالله"
اشاحت ناهد بوجهها تقول بامتعاض طفولي" لا أصدقك أنت لئيمة يا عهد "
طبعت عهد قبلة على رأسها متمتمة" أبدا اقسم بالله"
رفعت ناهد سبابتها تقول "إذن عليك بإخباره بأنك كنت ترفضين أنت أيضا ذهابه .. وبأنك كنت ستترجيه وستمنعينه "
قالت عهد تراضيها "حاضر وسأخبره بأنني من حرضتك لتفعلي ذلك"
تطلعت فيها ناهد لثوان ثم مطت شفتيها تقول برضا طفولي" أحببت الفكرة"
ابتسمت عهد وسألتها" هل أصنع لك الغداء .. عمي رأفت لا يريد "
تذمرت ناهد ثم قالت " يكفي قليلا من الشوربة"
قلدتها عهد متهكمة " قليلا من الشوربة !.. سنعيش حياتنا على الشوربة يا نهودتي !.. حاضر "
واستقامت مغادرة في الوقت الذي كان رأفت يجري اتصالاته في غرفة الصالون بسرية ليوصي من يعرفهم من وزارة الداخلية على فارس الذي يتم التحقيق معه حاليا بتهمة إصابة مساعده بطلق ناري عن طريق الخطأ بعد أن فهم من عاصم بأن قاتل والد يونس قد هرب وأصيب الشيمي بالخطأ اثناء مطاردته.
××××
غمغمت ريتا بإعياء وهي راقدة في السرير في شقتها الأنيقة "واكتشفت بأن الشاب الذي قابلته في المطار وأخبرتك عنه هو ابني فعلا يا عاصم .. هل لك أن تتخيل وقع الأمر عليّ"
غمغم عاصم مذهولا" قصة غريبة بالفعل! .. لا يمكن تصديقها .. لكني قلق من ذلك الرجل الذي هرب لا أعتقد بأنه سيصمت ويكتفي بالهرب وهذا يقلقني جدا"
قالت ريتا وهي تتطلع في مالك الذي دخل يحمل كوبا من مشروب ساخن ويضعه بجوار السرير "أنا أيضا قلقة جدا لكني لازلت تحت تأثير الصدمة وغير مستوعبة "
سألها بقلق" كيف حالك الآن؟"
غمغمت وهي تتطلع في مالك الذي جلس بجوارها على السرير" نفسيا لازلت أتخيل بأني أهلوس .. وجسديا غير قادرة على الحركة ..اشعر بجسدي .. لكني غير قادرة على التحرك أبدا وحملني مالك حتى وصلنا للشقة"
قال عاصم بانزعاج" هل أرسل لك الطبيب؟؟"
ردت مطمئنة" أحضرته وأخبرني بأنه وضع مؤقت من تأثير الصدمة ..كيف حال فارس طمئني؟"
غمغم عاصم "بخير لكنه في قسم الشرطة بتهمة الإصابة الخطأ"
صاحت بانفعال" لكنه لم يفعل شيئا لذلك النذل (ونظرت لمالك ثم قالت ) فارس لم يطلق النار أبدا "
غمغم عاصم" أنا لست ملما بتفاصيل ما حدث حتى الآن لكني اعتقد بأن فارس لا يرغب في ذكر قصة خطف يونس لذلك الرجل ويرغب في إنهاء الأمر .. عموما قضية بسيطة ستنتهي بتنازل الشيمي إن شاء الله .. المهم أن يستفيق من الغيبوبة"
غمغمت ريتا بتعاطف " مسكين انه متزوج حديثا"
قال ينهي الحديث" سأطمئن عليك فيما بعد ..وأعتقد بأنك ستحتاجين لحراسة سأبحث هذا الأمر .. ارتاحي الأن"
قبل أن تغلق قال عاصم" ريتا"
ردت بنعم فقال" كيف يكون قاتل والد فارس هو طليقك؟.. كيف جاءت هذه الصدفة ؟؟.. وهل كان يعلم فارس بهذا؟"
غمغمت بحرج" لا فارس لا يعلم والأمر حدث بالصدفة البحتة .. وبعدها توطدت علاقتي بفارس لكني لم أجرؤ على اخباره"
قال بصرامة" لكنك كنت تغذين فيه روح الانتقام"
اسرعت بالقول" أبدا أقسم بالله.. أنا فقط كنت اساعده في ايجاده ..وحين قرر منذ فترة أنه سيأخذ هدنة ليرتب أوراقه شعرت بالراحة .. صدقني يا عاصم أنا فعلا كنت اساعده.. وعدته بذلك قبل خمسة عشر سنة تقريبا حين علمت بقصته لكني أبدا لم أتمنى له الأذى"
غمغم عاصم بضيق" لكنك لم تمنعيه .. عموما اذهبي الآن
يا ريتا "
قالت ريتا بسرعة" يا عاصم أنا ليس لدي سلطة عليه لأمنعه .. أنا شريكة وصديقة لا أكثر .. حدودي في المساعدة أو النصح أو تسهيل شيء بعلاقاتي"
لم يعجب عاصم ما قالت فرد ينهي الحديث "عليّ أن أذهب .. وسأخبرك حين أدبر أمر الحراسة.. سلام"
شعرت بالضيق لغضبه .. لكنها كانت مشغولة ومشحونة بمشاعر من نوع آخر فنظرت لمالك الذي يناظرها بعدم رضا ثم تحسست ذراعه بحنان تغمغم" لازلت لا أصدق أنا في حلم"
قال مالك بامتعاض "من هذا الرجل؟"
اتسعت ابتسامتها وردت" هذا ( وفكرت قليلا ) صديق"
غمغم مالك بغير رضا " والرجل الاخر أيضا صديقك؟!"
عقدت حاجبيها تسأل " أي رجل"
ردد مالك "الرجل الذي حل وثاقي ..والذي اكتشفت بأنه صاحب المنتجع الذي كنا سنقيم فيه عندما أرسل لي حقائبي منذ قليل مع أحد من اتباعه"
ردت ريتا" هذا صفوت عظمة رجل أعمال ..لكني لست على علاقة قوية به"
غمغم مالك قائلا بغيرة" امممممم"
مدت يديها تمسك بكفيه وتقول" تعال لأقبلك تعال"
مال نحوها فأمطرت وجهه بالقبلات .. ليدفن مالك رأسه في صدرها يقول بتأثر" أنا عشت عمري كله وحيدا في مدرسة داخلية وتمنيت أن يكون لي أما .. وحين اكتشفت منذ بضع سنوات بأن أمي عربية تمنيت أن تكوني على قيد الحياة .. وجئت خصيصا إلى هنا للبحث عنك.. لكني لم أكن أتصور أني سأجدك تستقبلينني في المطار .. أنا لساني عاجز عن التعبير وعن شكر الله"
مسدت ريتا على ظهره بحنان وشددت في ضمه قبل أن تربت على السرير بجانبها قائلة" تعال استلق بجانبي وأحك لي عن كل شيء"
غمغم مالك وهو يستلقي بجوارها "اريد أن أعرف أولا كل شيء عنك ... كيف تزوجت أبي وكيف أوهمك بأني مت .. وأريد أن أعرف القصة الحقيقية لحادثة قدمي .. أريد أن أعرف كل شيء يا أمي"
لا تزال الكلمة تصيبها بالقشعريرة
(أمي)
تُدغدغ قلبها ..
تشعرها بالاكتمال ..
فغمغمت بعنين دامعتين وهي تتأمل لون عينيه البنيتين "حاضر يا حبيب ماما سأحكي لك كل شيء"
×××××


يتبع


Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-12-19, 01:06 PM   #457

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 4

في المساء :


اقتربت ببطء وخطواتها تتعثر في أحزانها .. من سريره الذي يتسطح عليه جسده الضخم بسكون مُقبض .. وتأملت وجهه الباهت والمصفر وتلك الاجهزة الموصلة بجسده ثم انفجرت في بكاء حار وهي تميل عليه تدفن رأسها في رقبته.


كانت قد وعدت نفسها ووعدت عمر الواقف على باب الغرفة في صمت بأنها ستتماسك ..لكن ما حدث فوق طاقة احتمالها فغمغمت بخفوت من بين دموعها" شيمي ..رد علي يا شيمي.. رد على رفيدة ..ألم تعدني بأنك لن تتركني أبدا .. ألم تعدني بأنك ستصلح تقصيرك تجاهي .. ألم تخبرني بأنك لن تخذلني أبدا ولن تتركني وحيدة بعد الآن .. (وبدأت بدفعه في حالة من اللا وعي ) أفق يا شيمي .. أفق ووف بوعدك أنت قلت بأنك لم تخلف وعدا أبدا"
طوقها عمر بذراعيه مهدئا يحاول ابعادها فرفعت رأسها تقول من وسط دموعها "لم يرد يا عمر .. الشيمي لا يرد .. وسيخلف وعده لي"
همس عمر مهدئا "ثقي في الله وفيه .."
وسحبها للخارج بصعوبة وعيناها مثبتتان على الشيمي الغائب عن الوعي
××××


قال يونس مطرق الرأس بحزن "حتى الآن لا أعرف ماذا حدث لي ساعتها وكيف حدث .. لا أنكر بأن النار لا تزال تتأجج في صدري تجاه هذا الكلب .. لكني لا أذكر بعض الأجزاء مما حدث طوال يوم أمس ..هناك أجزاء مقطوعة من الذاكرة خاصة الفترة الأولى حتى وصلت للبناية"
قال زياد منفعلا .. ثم انتبه لأنهم في مبنى النيابة ينتظرون خروج فارس من التحقيق فأخفض صوته " قلت لك مرارا وتكرارا بأنك تحتاج لطبيب نفسي لتفرغ تلك المشاعر السلبية المكبوتة و الغضب والخيبات ولتخرج من رأسك بأنك كنت السبب فيما حدث قديما"
بلع يونس ريقه وغمغم بخفوت وهو يدلك فكه يحاول جاهدا العودة لمرحه " أعتقد بأن قبضتك أصابتني بكسر في الفك وسأقاضيك وسأطلب تعويضا كبيرا يتسبب في افلاسك أنت وعائلتك "
قال زياد بغضب" أتمزح يا يونس .. أنت قلبت الدنيا وفجعت قلوبا كثيرة حولك .. أنت تستحق بأن تجلد على ما فعلته وليس مجرد لكمة في وجهك"
أغمض يونس عينيه مقاوما كعادته المشاعر المؤلمة بهزره وعبثه ثم غمغم بتأثر" صدقني أنا أحاول بذل مجهود جبار للتوازن .. أقاوم السقوط في بئر الاكتئاب .. تلح عليّ رغبة شديدة في العودة لحالة الخرس .. أشعر بها قادمة بقوة ومغرية بشدة وأنا شديد الضعف والاجهاد.. "
تأمله زياد بتعاطف بينما أطرق يونس برأسه يفرك جبينه بيده مضيفا " ما مررت به خلال الساعات الماضية لم يكن هينا أبدا .. أشعر وكأن شاحنة سحقتني تحت عجلاتها .. لكن الشيء الوحيد الذي يجعلني أقاوم هو فارس وحالته وصدمته .. ( ورفع رأسه لصاحبه يناظره بعينين ذابلتين ) صدقني لولا أن ذهني مشغولا بفارس لما استطعت أن أكون معكم الآن بعد ما مررت به ليلة أمس .. ( وصمت قليلا يتطلع فيه بشرود ثم أضاف بعد دقيقة ) كانت ساعات صعبة .. صعبة بحق .. وثانيتين كانتا فاصلتان عندي لأستفيق من هلوستي.. لحظة أن اطلق ذلك الكلب النار نحو فارس ولحظة أن ظننت بأني ميت لا محالة وهو يرفع المسدس في وجهي "
سأله زياد" هل تحدثت مع البيت؟ "
غمغم يونس "حدثت أمي بضع كلمات فقط لاسمعها صوتي .. ولم أقدر على اكمال المكالمة ..كانت تبكي بشكل أوجع قلبي .. ولا أعرف كيف سأواجهها .. أما فريدة فترفض الحديث معي .. لكني كنت أتوقع ذلك "
غمغم زياد وهو ينظر أمامه بحرج " آسف يا صديقي لم أكن بجانبك.. ولم أكن بجوار فارس كتف بكتف لكن أمي..."
قاطعه يونس يربت على فخذه قائلا بتفهم " يكفيني ما حدث لفارس والشيمي وما أحمله من ذنب تجاههما"
قال زياد بإصرار " يونس أنت لابد أن تتابع مع طبيب نفسي ليغير لك نظرتك لنفسك بأنك السبب في مشاكل الكون..
طبيعي أن يدافع عنك من يحبونك مثلما تدافع أنت عنهم .. ويضحوا من أجلك ويتحملونك "
أومأ يونس موافقا "أعتقد بأن ما مررت به ليلة أمس يحتاج فعلا لأن الجأ لمتخصص .. لكني أشعر رغم كل شيء أن الرجوع لنفس المكان حررني من مشاعر كثيرة كانت مكبوتة وتتعفن في صمت "
قال زياد بقلق" أتمنى أن تكون التجربة التي مر بها هذا الرجل هنا جعلته يسافر فورا عائدا للصين ولا يعود أبدا"
غمغم يونس من بين أسنانه" وأنا أتمنى أن تتفجر به الطائرة ليتحول لأشلاء"
خرج فارس ومعه المستشار فتحي ووقفا يتحدثان لدقائق ثم سلم عليه الأخير وغادر ..
فاستقبل يونس وزياد فارس بلهفة وترقب ليغمغم الأخير" تم اخلاء سبيلي على ذمة القضية في انتظار استفاقة الشيمي
اندفع يونس يحضنه هامسا بتأثر "كنت قلقا من أن يحتجزك وكيل النيابة .. سبحانه وتعالى يريد التخفيف عني"
ربت فارس على كتفه وقال بإنهاك وهم يتحركون للخروج " عد أنت للبيت وطمئن الجميع عنك.. ولا تنسى أن تتابع بنفسك إجراءات تأمين الفيلا.. نحن لازلنا في خطر وأنا قلق جدا من رد فعله"
سأله يونس باعتراض" وأنت؟!!"
رد فارس وهو يتحرك نحو السيارة التي يقف أمامها زغلول "أنا سأعود للمستشفى لن أعود للبيت إلا بعد أن يستيقظ الشيمي"
غمغم يونس مشفقا "تعال لتستريح وفي الصباح..."
استدار فارس يقول بقلة صبر" يونس ..نفذ"
أطرق يونس برأسه فقال فارس لزياد " هذا في عهدتك حتى يدخل باب الفيلا .. لا تسمح له بالابتعاد عن عينيك"
أومأ زياد برأسه متفهما بينما وقف يونس يتأمل ظهر فارس بألم شديد .. يمشي بإجهاد وانهزام وخيبة أمل وصدمة ويركب سيارته مغادرا .
××××


في الطريق للمستشفى قال صفوت عظمة لفارس في الهاتف "الحقيقة أنا لم يتسن لي فعل شيء.. فعاصم والوزير السابق رأفت وجدي قلبا الدنيا وتوسطا لك على أعلى المستويات "
غمغم فارس بإرهاق" الحمد لله أفرج عني على ذمة القضية لحين افاقة الشيمي"
قال صفوت مهموما" الخطر لم ينته يا فارس ..هذا الرجل لا يزال حرا طليقا وسينتقم منا جميعا"
غمغم فارس بإرهاق" أعلم بأني قد أخرجت المارد من القمقم وأصبح خطرا على الجميع"
قال صفوت مشجعا " لا تقلق سنقف ضده سويا فأنا وأنت أصبحنا في خطر .. أنا ابحث عنه حاليا .. حقائبه عندي لكن الحقائب الخاصة بابنه ارسلتها له عند بيت تلك المرأة شريكتك .. وراسلت جميع الفنادق في العاصمة لأرى إن كان موجودا بأحدها (وأكمل مفكرا ) المشكلة أني لا أعرف له أي معارف هنا في البلد حتى أخمن مكانه"
قال فارس" علينا بتأمين أنفسنا وعائلاتنا أولا .. ولا أعرف حتى الآن ماذا يمكن أن نتصرف معه .. فرغم كل شيء ورغم ما كنت اصر عليه طوال عشرين سنة الماضية .. لن استطيع أن اقتله وألوث يدي بدمه ( وأكمل بمرارة ) خاصة مع تلك الحقائق الجديدة التي علمتها .. لن استطيع أن اتصرف إلا في وضع دفاع عن النفس أو الأهل والحقيقة ذهني متوقف حاليا .. "
رد صفوت قلقا " لا اتوقع أن يهاجمك وجها لوجه .. هذا الرجل جبان .. سيرسل رجالا بدلا منه .. المشكلة أنه لم يخرج من البلد حتى الآن ولا أعرف أين اختفى هذا الحقير "
حين ساد الصمت غمغم صفوت مشفقا " اذهب الآن لابد أنك متعب وسنتحدث في الصباح "
فهز فارس رأسه وأغلق الخط .
ما أعجبها الأيام !
من كان عدوا أصبح حليفا !..
ومن ظن أنه شريف وجده لصا !..
ومن كانت حليفة .. وجدها كاذبة غشاشة..
تملكه الغضب وغلت الدماء في رأسه فطلبها..
طلب ريتا التي ردت بلهفة" فارس طمئنني عليك"
قال فارس من بين أسنانه" ريتا هانم زيان .. أم أقول رتيبة عبد المعطي زيان .. هل تزورين في الأوراق وتتعاملين ببطاقة شخصية مزورة !"
سقط قلب ريتا في قدميها..
لقد حانت لحظة المواجهة مع فارس .. ولم تتوقع أن تكون بهذا الشكل وفي هذا الظرف فغمغمت بهدوء" كلا لقد غيرت اسمي في السجلات رسميا وأصبحت ريتا ولم أعد رتيبة"
هدر فارس فجأة غاضبا فانتفض زغلول من مقعد القيادة مرعوبا" كنتِ تستخدمينني طُعما لاستدراج زوجك يا ريتا؟!! .. كل ما فعلتيه من مساندة لي حتى أكون يدك التي ستمسكين بها زوجك!!"
قالت ريتا صارخة" ليس زوجي يا فارس .. ليس زوجي وإنما طليقي .. أخذ ابني وأوهمني بأنه مات وكنت ابحث عنه لأنتقم منه"
قال فارس ساخرا " ثم قابلت فارس الغر الساذج وقدمت له يد المساعدة لتستخدميه كسلاح ضده"
قالت باكية "لم يحدث .. لم يحدث أبدا (ومسحت دموعها تقول ) الأمر باختصار أني قابلتك في البورصة لأول مرة من خمسة عشر سنة كنت شابا واعدا في مجال الأعمال والكل يتحدث عنك وفي الوقت نفسه كنت لازلت أبحث عن الشماع لانتقم منه بعد أن تسبب في وفاة ابني .. وبالصدفة علمت بأنك أيضا تبحث عنه .. أي أن من كلفتهم للبحث عن الشماع أبلغوني بأن هناك من يبحث عنه أيضا وبإلحاح .. فانتابني الفضول لأعرف من ولماذا .. حتى علمت من أنت وتذكرتك .. فتقربت منك اثناء مضاربتنا في البورصة .. وحين لمست فيك مؤهلات قوية لأن تكون رجل أعمال وليس مجرد تاجر للرخام ساعدتك بأن أدخلتك لذلك العالم .. وأخبرتك بأسراره ولم أبخل عليك بشيء .. وحين قررت أن تبني مصنعا للرخام شاركتك وساعدتك في التعرف على شركاء لأني ( وصمتت قليلا ثم قالت ) لأني أمنت بك وبقدراتك بكل صدق وحين بدأت تسألني عن علاقاتي في المطار والداخلية للبحث عن شخص طلبت منك أن تخبرني لماذا وأنت أخبرتني بقصة والدك ألا تذكر .. فوعدتك بأني سأساعدك"
هدر فارس بغضب" أجل وثقت بك واعتبرتك أختا أكبر وكنت اقدر مساعداتك لي في التعرف على الطبقة العليا لكنك خذلتني واخفيت عني حقيقتك"
صرخت ريتا" ما هي حقيقتي!! .. ما هي؟!! .. أنا امرأة وحيدة تبحث عن زوجها السابق وجدت بأن هدفنا مشترك وهو الانتقام منه فساعدتك"
قال فارس بإصرار " لكنك أخفيتِ عني حقيقتك"
غمغمت ترفع شعرها عن وجهها " لا أعرف كنت خائفة أو كنت لا أرغب في البوح عن الماضي الذي لا أحب أن أذكره أو كنت غير واثقة فيك بعد .. ( وأكملت مؤكدة ) أجل .. من الطبيعي ألا اثق بك في فترة شراكتنا الأولى لكن بعد ذلك أصبح البوح بالحقيقة صعبا فاستمريت في كتمان الأمر بل اني ( وحكت جبينها بيد مرتعشة باكية في الوقت الذي دخل مالك مفزوعا من انفعالها ) بل إني احيانا كنت أنسى ثأري وافكر في ثأرك يا فارس .. ولا تقل لي مثل ما قال عاصم بأني غذيت نار الانتقام بداخلك أبدا ..أبدا .. حتى في الفترة الأخيرة كنتُ دوما أذكرك بأن هدفنا استدراجه للفخ والإيقاع به حتى نعيد فتح القضية .. وتذكر بأني رفضت أكثر من مرة أن نتصادم معه وهو في الخارج حتى لا يرسل من ينتقم منك .. وتذكر بأنك حين أخبرتني بأنك تحتاج لهدنة تنفست الصعداء واطمأننت بأنك ستلقي بالأمر من رأسك خاصة بعدما تزوجت .. تذكر كل هذا يا فارس ولا تظلمني .. أنا فقط جبُنت أن أخبرك حين وثقت بك "
سحب مالك الهاتف فجأة من يدها وتكلم بجلافة" ماذا تريد منها بالضبط؟"
هدر فارس غاضبا "هذا الأمر بيني وبينها لا تتدخل ؟"
قال مالك بتماسك " لم يعد كذلك .. الآن أنا طرف في أي شيء يخصها خاصة وأن الأمر يتعلق بوالدي أيضا"
صمت فارس بإجهاد ثم سأله بعد ثوان " كيف وصلت لمكان الشماع.. كيف عرفت مكان البناية ؟"
صمت مالك في تردد .. لا يعرف بم يرد عليه فمن جهة يشعر بالقلق من الرجل العجوز ومما يمكن أن يفعله ويتملكه الفضول لمعرفة أين يكون .. فهو يتتبع تحركات الساعة منذ الصباح والتي لم تستقر في مكان واحد لأكثر من ساعة تتحرك بشكل مستمر وغريب في العاصمة وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يثق في فارس هذا فقال "هذا ليس من شأنك"
قال فارس بلهجة صارمة " اسمع يا مالك ابوك رجل خطر وقد هرب وسيعود ليؤذي الجميع .. وأنا مما توسمته فيك أنك لست مثله أبدا .. لهذا أريدك أن تخبرني .. كيف وصلت إليه"
قال مالك بتوتر "هل ستفتح أنت وذلك الرجل الأخر صفوت عظمة تحقيقا معي لتعرفا كيف وصلت إليه"
غمغم فارس بهدوء" ثق بأننا نريد أن نحمي أنفسنا ولا نريد التسبب له في أي أذى ..صدقني لو كان في نيتنا أذيته لكنا قد فعلناها فجر اليوم وأنت كنت شاهدا على ما حدث بل إن هذا الكلب قد أطلق الرصاص عليّ وتأذى رَجلي وهو الآن بين الحياة والموت .. ثق بي وأخبرني أرجوك"
تملكت الحيرة من مالك وقال أمام عيني أمه الدامعتين المتابعتين "ولماذا أثق بك أنا لا أعرفك"
قال فارس بإنهاك "والدتك تعرفني جيدا فاسألها عني .. عموما آخر ما سأقول لك ذنب أي شخص سيؤذيه هذا الرجل سيكون في رقبتك إذا كنت تعرف كيف تصل إليه ولم تخبرنا .. وقل لريتا أن للحديث بقية"
اغلق فارس الخط فغمغمت ريتا" هل لا يزال غاضبا؟"
سألها مالك بغيظ "أهو صديق أيضا يا أمي؟!!"
ابتسمت من وسط دموعها وسحبته من ذراعه ليجلس بجوارها تهمس "أنا سيدة أعمال ولي معارف كثيرون لكنها كلها في إطار الاحترام .."
سألها مالك بحاجب مرفوع" وفارس هذا"
لم تدر بما تجيبه .. لكنها ربتت على صدغه واقتربت تطبع قبلة على الصدغ الآخر مغمغة بابتسامة "هذا شريكي في العمل وشخص عزيز ورجل مميز أتمنى أن أراك يوما ما مثله"
ناظرها بتدقيق ثم قال بلهجة متهكمة " لدينا رجلان ..واحد منهما شخص مميز .. والآخر صديق .. هل يوجد رجال آخرون؟"
اتسعت ابتسامتها تربت على صدره قائلة" يوجد شاب رائع هو ابني الذي لا أصدق حتى الأن أنه موجود"
ظل يتطلع فيها بغيظ فقالت" سلمت لي هذه الرجولة وهذه الدماء الحارة .. هذه الجينات ورثتها من أبي اقسم بالله ..كان جدك يشدد جدا معنا"
لانت نظراته فتطلعت في تفاصيله تريد أن تحفظها كلها وغمغمت" كما أنك تشبهه كثيرا جدا في الملامح سبحان الله كيف لم انتبه لهذا إلا الآن"
ضمها مالك مشفقا بشدة عليها أن عاشت لسنين طويلة وحدها .. بعد ما قصت له حكايتها كلها ..
يشعر بأنها هشة ضعيفة بعكس ما تدعي فغمغم وهو يسند بظهره على ظهر السرير" من هذه اللحظة ستقدمين لي تقريرا مفصلا لكل علاقاتك يا رتيبة"
ضربته على صدره تقول بتوبيخ "ولد هل ستفرض عليّ حصارا وتخضعني للتحقيق "
تأملها .. وذلك الشعور بالدفء والحنان يملأه منذ أن التقيا ثم تمتم قائلا" هل تصدقين بأننا لم نلتق إلا منذ بضع ساعات لكننا نتعامل وكأننا عشنا حياتنا كلها معا !!.."
ترقرقت الدموع في عينيها فأكمل مالك" كنت دوما اتساءل ماذا لو كانت أمي على قيد الحياة .. ماذا لو تقابلنا.. كيف سأشعر بها .. هل سأحتاج لوقت لأعتاد عليها .. هل سأحبها بسرعة.. أم أن هذا الحب يأتي بالاعتياد .. خاصة وأني فشلت في أن أحب أبي فلم أجرب شعور الأهل الحقيقي من قبل كيف يكون ..ولم أعرف كيف سأتعامل معك إذا ما قابلتك ..وكيف ستتعاملين معي ...لكني الآن حتى تلك الرهبة التي نشعر بها عند مقابلة الغرباء لم أشعر بها للحظة .. وبالرغم من أني لم أذكر تفاصيل وجهك أبدا لكني الآن أشعر تجاهك بأُلفة غريبة "
أمسكت ريتا بوجهه بكلتا يديها تمطره بالقبلات المختلطة بالدموع ثم قالت" اليوم ستنام بجواري لم أشبع منك بعد.. وأخشى أن استيقظ في الليل معتقدة بأني كنت أحلم"
غمغم مالك بتعاطف "حاضر "
وعاد يلتقط هاتفه ويفتحه ليتابع تحركات الساعة في شوارع العاصمة التي لم تهدأ بعد .
××××


البيت..
الرجوع للبيت..
حيث الأحبة والدفء والراحة.
ما كان مستعدا لأن يضحي به في سبيل ألا يعرف فارس بالحقيقة حتى لا تكسر ظهره.
نزل يونس من سيارة زياد وتطلع في سيارته التي أرسلوا شخصا لإحضارها من أمام تلك البناية المشؤومة ثم دخل لمبنى الفيلا الخاضع لحراسة مشددة بعد أن ودع صاحبه .
كانت خطواته بطيئة مجهدة مترددة..
كيف سيواجه الجميع بجنون ما فعل؟..
هل سيتفهمون ما كان يعانيه؟..
هل سيعذرونه؟..
سيسامحونه؟..
هل سيدركون بأنه غير قادر على تحمل فكرة أنه قد تسبب في أي ألم لهم ؟
وهل ستسامحه فريدة كما وعدته؟
بمجرد أن فتح الباب وجدها تجلس متكومة على درجات السلم .. فاستقامت واقفة تحدق فيه من بعيد لتتأكد من أنه قد عاد بالفعل وانفجرت دقات قلبها انفعالا.
ليبتسم لها يونس ابتسامة ضعيفة بينما اقتربت منه كارمن تقول بلهفة" حمدا لله على سلامتك يا يونس ..كيف حالك؟"
نظر نحوها قائلا" الحمد لله أنا بخير"
وعاد ينظر لفريدة التي لم ترغب في أن تشعره بالذنب أكثر مما هو يشعر به فاستحضرت غضبها وغيظها منه ليحل محل خوفها ورعبها السابقين عليه وجزت على أسنانها تصعد السلم بعصبية إلى غرفتها فقال يونس بصوت بدا للجميع شديد الاجهاد "قولي حتى حمدا لله على سلامتك يا زوجي المجنون"
هتفت الحاجة نفيسة من الداخل وقد تفاجأت بعودته بعد أن ظنت بأنهم سيبيتون مع الشيمي" يونس .. ولدي يونس"
تحرك يونس يدخل على والدته الجالسة على السرير بوجه متورم من البكاء تفتح ذراعيها إليه.
آلمه منظرها .. لم يحب أن يراها بهذا الشكل .. فتحرك يميل عليها ويضمها مقبلا كتفها لا يجد من الكلمات ما يفسر به جنون ما فعل بينما غمغمت الحاجة نفيسة "أهنت عليك يا يونس !.. هنت عليك يا ولدي "
حاول التماسك وتحمل الألم الذي يزداد برؤية حالتها ليمسك بيدها يقبّلها قائلا" سامحيني يا أمي .. لقد أصابني الجنون حين رأيت الرجل أمامي ولم أحتمل .. اجتررت كل الماضي وكنت بالفعل على وشك أن أقتله .. ودعواتك فقط هي ما منعتني من ألا أفعل ..وأخرجتنا أنا وفارس من هناك سالمين"
أخذته الحاجة في حضنها تربت عليه وهي تهتز مغمغمة "ولدي .. يا رب لك الحمد والشكر .. يا رب كرمك كبير أن حفظت لي أولادي اللهم أهد صدورهم لما تحب وترضى واشف الشيمي شفاء لا يغادر سقما وأعده لزوجته وارزقه بالخير الكثير"
رفع يونس رأسه عنها فسألته" هل مازال فارس يخطط للانتقام من ذلك الرجل؟"
قال يونس بخفوت "اعتقد بأنه قد تخلى عن الفكرة لأن الفرصة كانت مواتية لأن يقتله ولم يفعل"
غمغمت الحاجة مولولة" أي انتقام .. عن أي انتقام تتحدثون .. لم لا تدعون الماضي يموت لم تنبشون في المدفون"
طالعها يونس بشك ثم سألها بمكر" توقعت بأنك تريدين فتح القضية من جديد!"
نظرت إليه الحاجة وغمغمت " هذا خطئي بأني لم أخبركم الحقائق كاملة .. أردت ألا أكسر نفوسكم .. أردتكم أن تكبروا بدون إعاقة نفسية ..أردت دفن الماضي"
جز يونس على ضروسه وأطرق برأسه وقد فهم بأنها تعلم كل شيء عن والده.. فرفع أنظاره يسألها" ماذا تقصدين بإخفاء الحقائق عنا يا أمي؟"
غمغمت نفيسة "سأخبرك أنت وأخوك بكل شيء حين يعود .. هذا الأمر لابد أن يدفن للأبد .. المهم أن يبعد عنا هذا الرجل وشره ..أين فارس لماذا لم يأتي معك"
استقام يونس واقفا وتمتم "فارس يصر على البقاء بجوار الشيمي"
قالت بشفقة وهي تتأمل هيئته المزرية" اذهب يا حبيبي واسترح ولا تضغط على فريدة .. المسكينة في حالة سيئة منذ ليلة أمس"
أطرق يونس برأسه وتحرك مغادرا .. فقابلته كارمن تسأله بلهفة" كيف هو فارس يا يونس؟"
غمغم بخفوت " الحمد لله لا يزال صامدا كعادته رغم الأهوال"
لم تعرف كارمن إن كانت تتناقش معه فيما سمعته من فارس أم لا لكنها آثرت اغلاق فمها وقالت" بباه أخبرني بأنه قد افرج عنه على ذمة القضية فأين ذهب لا يريد أن يرد على اتصالاتي؟"
قال يونس متوجها بإرهاق نحو غرفته "سيبقى مع الشيمي"
وتحرك مبتعدا وهو يكتب رسالة لفارس ( الحاجة نفيسة تعلم بحقيقة ابي أيضا .. وفضلت عدم ذكرها معتقدة بأنها تدفن الماضي .. لم يكذب زياد حين قال بأننا عائلة نحب بعضنا بشكل مرضي ونحمي بعضنا اكثر من اللازم"
تطلع فارس في رسالة أخيه بعينين متسعتين وأشاح بوجهه يتطلع في الظلام خارج نافذة السيارة ثم قال لزغلول" قف على أي جانب يا زغلول "
تفاجأ زغلول من طلبه .. لكنه نفذ في صمت ليخرج فارس من السيارة ويقف أمام النهر متخصرا يحاول تحمل هذا الكم من الحقائق دفعة واحدة .. ثم سحب نفسا عميقا ورفع هاتفه يطلب أمه التي ردت بلهفة" فارس"
قال فارس بصوت مبحوح "كيف حالك يا أمي؟"
ردت نفيسة بتماسك "بخير ما دمتما بخير"
سألها فارس يحاول السيطرة على الغضب الذي يغلي في رأسه" هل كنت تعلمين حقيقة أبي يا أمي؟"
تفاجأت الحاجة فسألته" ماذا تعني؟؟"
رد فارس بانهيار "حقيقة أنه لم يكن ذلك الرجل الشريف الذي قتل ظلما وإنما مهربا للآثار"
الاعتراف بالحقيقة المفجعة ..أكثر ايلاما من التكتم عليها .. ذلك ما شعرت به الحاجة وهي تسمع ما يقوله ابنها فغمغمت "هل أخبرك ذلك الرجل؟"
صاح بعذاب " أخبرني يا أمي ..أخبرني بما لم تخبريني به أنت"
قالت نفيسة بسرعة " لم أخبرك حتى أحافظ على صورة والدك أمام عينيك .. أردت ألا أشعركم بالعار ما دام الماضي مدفونا .. لكني لم أكن أعلم بأنه ظل حيا في صدريكما ولم تنسوه"
صاح فارس " لم ننسه يا أمي لم ننسه هل نسيته أنت ؟"
غمغمت بصوت مبحوح " أبدا والله ..لكني لو أعرف بأنك ستخلف وعدك لي وتخطط لذلك الانتقام لكنت أخبرتك يا فارس"
قال فارس معاتبا "يونس كان يعلم يا أمي"
شهقت الحاجة تكتم فمها بيدها فأكمل "ابنك الصغير الذي ظنناه قد نسي الحادث فهم وقتها بأنه يتشاجر من أجل شيء مشبوه .. وحين كبر قليلا فهم كل شيء وعاش حاملا للسر ليحمي سيرته"
تألم قلب الحاجة بشدة وغمغمت "لم أكن أعلم .. لم أكن أعلم ظننت بأني احميكم من الألم ..ظننت بأني ادفن الماضي .. تحملت كل شيء من أجل العيش بالحلال ودفن الماضي "
رق قلب فارس شفقة على أمه فلملم صدمته وخيبة أمله وقال ينهي الحديث "عموما يبقى الخطأ الكبير خطئي أنا.. أنا من نبشت في الماضي المدفون وأخرجته ليرعب الجميع أنا من يشعر بالخزي .. أنا من عليه تحمل المسئولية كاملة"
أمسكت الحاجة برأسها فقال فارس" سأذهب الآن يا أمي وسأتصل بك فيما بعد"
غمغمت الحاجة بخفوت" في حفظ الله يا ولدي"
تركت نفيسة الهاتف واجهشت بالبكاء .. فدخلت كارمن التي سمعت انفعالها تقول بانزعاج" ما بك يا حاجة؟"
استمرت في البكاء تدفن وجهها بين كفيها فجلست كارمن تهدئها قائلة "أرجوك يا حاجة انا أعهدك دوما قوية رغم المحن"
رفعت إليها عينيها الزرقاوين منتفختين فتمزق قلب كارمن وبدأت في البكاء هي الأخرى لتقول نفيسة من بين دموعها " أحيانا يقرر الانسان قرارا من أجل أولاده يتصور وقتها بأنه لمصلحتهم .. فإذا به يكتشف بأنه قد أضرهم ضررا كبيرا"
لم تفهم كارمن لكنها قالت مواسية من بين دموعها "من الوارد أن نخطئ في قراراتنا حتى مع أبنائنا ..أبي أيضا أخبرني أمرا مشابها بأنه اتخذ قرارا في حياته كان يعتقد أنه في مصلحتي لكنه ندم على ذلك .. مهما حاولنا لن نصل للكمال ..فالكمال لله وحده"
قالت الحاجة وهي تمسح دموعها وتحاول السيطرة على نفسها "ونعم بالله .. بالتأكيد الله سبحانه وتعالى يلطف بنا حتى في قراراتنا الخاطئة ويخفف من تأثيرها ..أنا واثقة من ذلك ..وسيهونها على أولادي ويحفظهم"
قالت كارمن لتسعدها "وأحفادك يا نونّة ..أكملي الدعاء بأن يحفظ أحفادك أيضا"
حدجتها نفيسة بعينين زرقاوين تحملان بقايا دموع ثم قالت بغيظ " كنتِ تعلمين منذ مدة واخفيت الأمر أليس كذلك!!"
حركت كارمن مقلتيها مستهبلة وقد أسعدها أن شغلتها عن حالتها ثم همهمت "امممممممممممممم"
قالت الحاجة ناهرة" لا تنكري يا بنت السيوفي تحسبين نفسك قادرة على استغفالي!!"
اسرعت كارمن بالقول "حاشا لله!"
سألتها الحاجة بتوبيخ" لماذا انكرت إذن حين سألتك؟"
ردت كارمن بصراحة "لأنك كنت ستخبرين فارس وأنا كنت أؤجل ذلك"
قلبت نفيسة مقلتيها الزرقاوين تسألها" ولماذا تحرمين ابني من معرفة هذا الخبر السعيد!"
غمغمت كارمن بإجهاد " لأني كنت في حرب معه حتى يتخلى عن انتقامه ..ولأني رغبت في أن أرى مقداري عنده .. لا تلوميني لكني كنت أرغب في أن اشعر بأني مهمة عند زوجي وكنت سأخبره بخبر الحمل عاجلا أم اجلا إذا لم يستجب"
سألتها الحاجة بهدوء" أهذا هو سبب خلافكم؟"
أومأت كارمن برأسها فغمغمت نفيسة مولولة تضرب على رأسها بكفها " يا ويلي ورفض حتى بعد أن علم بأنه سيكون أبا!"
اسرعت كارمن مدافعة "لا بل اقتنع الحمد لله واختارني أنا وعائلته قبل أن يعلم بأمر الحمل حتى أتانا ذلك الخبر عن يونس "
وضعت الحاجة يديها على قلبها الموجوع فقالت كارمن مشفقة" نامي الآن واستريحي وسيكون كل شيء بخير إن شاء الله "
تسطحت الحاجة على سريرها فانسحبت كارمن مغمغمة "تصبحين على خير"
غمغمت الحاجة بخفوت "وأنت من أهل الخير"
خرجت كارمن بإرهاق وقد استراحت جزئيا بعودة البيت للهدوء ..لكن فارس لم يعد بعد ولا يرد على اتصالاتها المتكررة.
صعدت درجات السلم بخطوات ثقيلة نحو جناحها الذي لم تدخله منذ ثلاثة أسابيع رغم أنها باتت ليلة أمس بالفيلا لكن لم يتسن لها فرصة لا للنوم ولا للراحة.
دخلت الجناح الذي اشتاقت إليه بشدة ..وتجولت بعينيها في أركانه وكأنها تسأله عن حال ساكنه في غيابها.. ثم ألقت بنفسها على السرير تحضن نفسها وترقد في وضع الجنين شاعرة بالوحدة والتعب والارهاق والاستنزاف وبالشوق الكبير لفارس.
في الدور السفلي فرغ يونس من الصلاة يسأل الله أن يهدي له نفسه واستقام بإرهاق شديد ليجلس على سريره ثم أمسك بهاتفه متجاهلا عددا كبيرا من الاتصالات من أصدقائه ومعارفه يرغبون في الاطمئنان عليه بعد أن كان زياد وفارس يبحثون عنه ليلة أمس .. وأرسل لها رسالة كتب فيها : "وعدتني بأنك ستسامحينني "
تلقت فريدة الرسالة وقرأتها وهي تقف على باب غرفته تهم بفتحها ..فبلعت ريقها وفتحت الباب تتطلع فيه لتطمئن عليه .


كان يجلس هادئا على السرير يرمقها بنظرات مجهدة وجفون مرتخية .. وبمجرد أن رآها رفع كفه يشير لها لتقترب .. فدلفت للغرفة ليقول بحشرجة "أغلقي الباب جيدا"
نفذت فريدة في صمت واستدارت تغلق الباب بالمفتاح ثم اقتربت منه ببطء تتمتم بالحمد والشكر في سرها لأن عيناها لم تحرم من رؤيته سليما معافى.
بمجرد أن وصلت إليه رفع إليها عينيه العسليتين متألمتين وكأنه يشتكي لها .. فلمست صدغيه بكفيها ليسحبها يونس إليه ويدفن رأسه في حضنها محيطا بذراعيه خصرها بقوة ..
حاول التماسك لكنه لم يقدر.


ولم يخجل ..
معها بالذات..
مع فريدته لا يخجل أبدا ..
ولا يشعر بالانتقاص من رجولته أمامها .
بكى يونس..
بكى .
بعد عشرين سنة من الحادثة سمح لنفسه بأن يبكي..
بكي يونس فتحركت فريدة بصمت وجلست على ساقه وحضنته أكثر..
فبكى أكثر..
حتى أفرغ دموعا حبست عشرين سنة في صدره .


بعد دقيقة رفع إليها وجهه هامسا " تذكرت كل شيء وكأنه البارحة .. كل المشاعر .. كل الخوف ..حتى أن قلبي ظل يضرب في صدري أول نصف ساعة من وجودي في المكان وكأنني يونس الصغير .. كان كل شيء كما هو ..كما تركته .. حتى رائحة المكان لم تتغير "
بعد دقيقة مسح وجهه بكفه وقد افرغ بئر الدموع لكنه لم يكن قد فرغ من الحديث بعد .. فتركته يتحدث صامتة تعانق عينيه بعينيها وهو يضيف" بعدها بدأت أدرك بأني لم أعد ذلك الطفل الصغير .. وبأني تغيرت .. حتى الأشياء التي كنت أخشاها بت أنظر إليها بنظرة شخص ناضج .. وأدركت بأني أقوى وبأنه اضعف رغم أني تمنيت أن يظل بقوته حتى أصارعه وأهزمه.. ( صمت قليلا فمسحت على شعره ليكمل بعد ثوان ) أحببت فكرة قلب الأدوار ..تلذذت بها جدا .. شعرت بالتشفي .. بالقوة.. وكنت أنوي أن أقتله"


تسارعت ضربات قلب فريدة لكنها لم تبدي أي رد فعل فاستطرد يونس " تلك اللحظة التي اتصلت بي فيها كنت على وشك أن أقتله ..أردت أن أنهي المهمة بدلا من فارس واثأر لنفسي ولأبي"
صمت واخفض نظراته شاردا فسألته بهدوء ليستمر في تفريغ ما في صدره "وماذا حدث بعد ذلك؟"
رفع إليها عينيه المجهدتين يقول " عندما رأيت فارس أمامي ..شعرت وكأني في غيبوبة وعليّ أن أستفيق .. لحظتان كانتا كصفعتين لي .. الأولى حينما صوب ذلك الكلب على فارس وظننته قد أصيب والثانية حين رأيت فوهة المسدس في وجهي وذلك التصميم في عينيه لأن ينهي حياتي .. لم أكن خائفا .. بل شعرت بالغضب لأنه سيقتلني ويبقى حيا كما قتل أبي وبقي بعدها.. اللحظتان أيقظاني من هلوستي .. وسقوط الشيمي غارقا في دمائه أشعرني بفداحة ما فعلت .. بدون وعي مني صدقيني يا فريدة بدون وعي .. حتى أن هناك فترات خلال اليوم لا أذكر تفاصيلها"
عاد ليدفن رأسه في حضنها يشعر براحة شديدة بعد أن أفرغ ما في نفسه فحان دورها لأن تفرغ المكبوت في صدرها..
أجهشت فريدة بالبكاء مغمغمة " مهما حاولت لن استطيع أن أصف لك كيف شعرت .. أنا اختبرت في تلك الساعات كيف يكون الموت ببطء .. كيف يكون الاحتضار "
وأخذت تضرب بيديها على كتفيه وازدادت ضرباتها قوة كلما ازداد نشيجها فقال يونس منزعجا "يا بنت يدك تلسع كمضرب الذباب"
انتفضت واقفة بغضب فاتسعت عيناه متفاجئا ..لتهتف فريدة من بين دموعها بغيظ " كنت سأموت بسببك يا يونس يا .. يا ...."
وأمسكت بالوسادة تضربه عدة مرات بكل قوتها وهو يتحاشاها حتى أمسك منها الوسادة بغيظ صائحا" توقفي يا مجنونة لست قادرا حتى على فتح عيني"
استمرت في ضربه تتفتت من الغيظ فشد منها الوسادة بقوة ..
بحثت فريدة عن شيء أخر تضربه به مغمغمة "ظننت بأني لن أراك مجددا .. هل تعرف كيف هو هذا الشعور "
واقتربت تضربه بكفيها وهو يحاول الإمساك بساعديها صارخة في وجهه "هل تعرف كيف هو هذا الشعور يا يونس"
امسك بساعديها يكبلهما قائلا " هل هذا مناسبا بالله عليك لحالتي .. أين الصفح؟ .. أين الرومانسية ؟( فعضته فريدة في ذراعه فصاح ) أين مستشفى المجانين "
سكنت تتأمل ملامحه المليحة وابتسامته المجهدة قد سلبت لبها كالعادة فقال متهكما وكأنه يهدئ مجنونا " الله أكبر الله أكبر "
أجهشت بالبكاء من جديد.. فسحبها لتجلس على ساقه ودفن رأسه في حضنها يهمس "آسف ..والله العظيم آسف لم أكن في وعيي"
فضمته بقوة وأخذت تقبل رأسه فأغرقت دموعها شعره وهي تهمس " لا حرمني الله منك أبدا "
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-12-19, 01:08 PM   #458

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 5

الثالثة فجر الأحد


هبت ريتا فزعة من نومها تبحث حولها وصرخت" ماااالك" إنها لا تهلوس .. أبدا لا تهلوس
رائحته لا تزال في الغرفة.
صرخت بفزع "مالك .. مالك"
لم تجد ردا ..فحاولت القيام بصعوبة .. لكن ساقيها لا تحملانها وكأن أعصابها مرتخية صرخت من جديد "مالك أين أنت أين ذهبت ؟"


حين استمر في عدم الرد .. أجبرت نفسها على الاستقامة لكن قبل أن تتحرك سمعت باب الشقة يفتح من الخارج فصاحت "مالك .. "
بعد ثوان دخل مالك مرتديا ملابس الخروج فسقطت جالسة على السرير تمسك بقلبها الذي كاد أن ينفجر
ليهتف مالك بفزع "ما بك يا أمي ماذا حدث؟"
رفعت إليه وجها مغرقا بالدموع وغمغمت" حسبتك حلما ولست حقيقة"
اتسعت ابتسامته فأشرقت أمامها كالشمس وهو يقول" أنا أصبحت واقعا في حياتك يا أمي وأنت كذلك أسأل الله أن يدوم للأبد"
قالت وهي تتأمل ملابسه" أين ذهبت؟"
استدار يخلع سترته وحذائه وهو يغمغم بارتباك" ذهبت لشراء شيء من السوبر ماركت"
غمغمت باندهاش "الآن !!.. لماذا لم تخبرني كنا اتصلنا به"
قال مراوغا" لا أعرف رقم السوبر ماركت ولم أشأ أن أوقظك"
سألته بفضول "أين هو ما اشتريته إذن؟"
هرش في رأسه ثم قال" لم أجد ما أريده"
قالت بسرعة "أخبرني ما هو وسأجلبه لك مهما كان ومن أي مكان"
اتسعت ابتسامته وغمغم "في الصباح يا رتيبة في الصباح .. فأنا متعب ومرهق ولم أنم لحظة واحدة منذ أن جئت لهذا البلد"
استلقت على الوسادة فتسطح بجانبها يوليها وجهه المزين بابتسامته التي تجعل قلبها يغرد .. وظلت تراقب حركة جفونه وهي ترتخي حتى استسلم للنوم بجوارها لأول مرة بعد عشرين سنة من الفراق.. وتساءلت : أين ذهب في هذا الوقت المتأخر ؟!!
××××


أما فارس فجلس في المسجد القريب من المستشفى يسند بظهره على الحائط مجهدا يسبح بسبحته لعل روحه تلقى الهدوء ..
كانت رأسه تضج بالأفكار شاعرا بالقلق والخوف على أهله ومحبيه .. يحاول أن يجد حلولا للتعامل مع هذا الرجل الخطير ..
لاحظ هاتفه ولاحظ عدد المكالمات الفائتة من بينها كارمن..
إنه بحاجة ماسة لها ..
يشتاقها إلى حد معذب ..
يتمنى أن يسكن إليها ..
لكنه لن يرضى لنفسه بأن يفعلها ورجله الذي فداه بروحه يرقد في المستشفى وزوجته المفجوعة تبيت إلى جواره هي وأخيها.
أمسك بالهاتف وأعاد تحميل تطبيق الواتساب يقرأ رسائلها له خلال الأيام الماضية بتأثر قبل أن يكتب لها رسالة " كارمن لست قادرا على الحديث .. امنحيني بعض الوقت .. أنا لست بخير لكني متماسك .. "
حين أعاد الهاتف لجيبه وجد القطعة الصغيرة من الحجر التي كانت في يد والده والتي جمع مثلها على مدى سنوات عمره حصوات مثلها لتذكره بهدفه .. أخرجها يتفحصها بين أصابعه متألما ثم عاد ليسند رأسه للحائط مغمض العينين في خزي .
××××


في فيلا سعد الدين..
وفي الوقت الذي كانت كارمن تقرأ رسالة فارس ثم حضنت الهاتف تبكي في جناحها..
وبينما كان يونس مستلقي بجوار فريدة على سريره يحضن يدها فوق صدره وقد غلبه النوم بينما هي تقترب منه لتقبل جبينه..
كان الحاج محمود سعد الدين يزور نفيسة في المنام لأول مرة منذ عشرين سنة ..
رأته آتيا من بعيد يرتدي ذلك الجلباب الذي يجعله وجيها والمفصل خصيصا له .. جسده كجسد ابنه فارس .. بل إن فارس يشبهه كثيرا عدا لون العينين ..
جاءها الحاج أخيرا فهتفت باندهاش وسعادة "محمود!"
ابتسم لها الحاج ابتسامة حزينة ومد يده يلتقط يدها ويضع شيئا في كفها وهو يقول "أحضرت لك هذا يا نفيسة فلا تحزني بعد الآن .. هل سامحتني ؟"
نظرت في كفها ذاهلة فوجدت سنا ذهبيا..
شهقت الحاجة نفيسة وهي تفتح عينها الزرقاوين على اتساعهما واعتدلت من رقدتها على السرير تهدئ من ضربات قلبها ثم تطلعت حولها لتجد نفسها في غرفتها ..ففتحت كفها ووجدته فارغا لتغمغم بارتجاف" ما هذا الحلم الغريب !!.. وما معناه ؟!.. هذه أول مرة تأتيني فيها في المنام يا محمود منذ أن رحلت "
غلبها الحنين فأنزلت قدميها من السرير وتحركت بصعوبة حتى خزانة الملابس .. ثم فتحت احدى أبوابها والتقطت طرف جلباب رجالي .. وحضنته بقوة ثم دفنت وجهها فيه تبكي بحرقة مغمغمة "سامحتك يا محمود .. سامحتك .. وهل لنا على القلب سلطان .. سامحتك وأتمنى من الله أن يغفر لك ويسامحك"
××××




بعد يومين
صباح الثلاثاء
اقترب فارس بخطوات مجهدة من عمر أخو رفيدة الجالس على أحد المقاعد في الممر يسند رأسه للخلف على الحائط نائما بعد إصراره على عدم ترك المستشفى منذ صباح السبت الماضي لأن أخته ترفض المغادرة ..ونظر للعسكري الواقف على باب الغرفة فألقى عليه السلام ثم تحرك يتجاوز غرفة الشيمي ليقابل الطبيب لعله يخبره بأي تطور في حالته ..
رن هاتف عمر ففتح عينيه بفزع ثم حرك رقبته بألم ورد بصوت أجش " نعم ايمان "
سألته إيمان " هل من جديد ؟"
غمغم بإجهاد "لا جديد "
صاحت بغيظ" ومادام لا يوجد جديدا.. لماذا لا تعود للبيت أو تتركك هي لتعود للبيت حتى تنام بضع ساعات"
قال عمر بعصبية" ومن قال بأنها تجبرني على البقاء !.. كيف سأتركها يا ايمان بالله عليك وحدها في المستشفى!"
قالت باكية " لكنك تتركني انقل كل شيء للشقة الجديدة وحدي"
جز عمر على أسنانه وقال" أنت من أصريت على عدم التأجيل .. قلت لك نؤجلها حتى نطمئن على زوج اختي ولكنك أصريتِ.. كما أنك لستِ وحدك .. والدك معك والشقة في نفس المبنى الذي تقع فيه شقة والدك"
قالت ايمان باكية "أنا فقط أردت أن أفرح معك بالشقة الجديدة"
رد عمر بانفعال" لا يا إيمان .. أنت مشكلتك مع رفيدة .. ولا أعرف لماذا تغارين منها وتتعمدين مضايقتها"
هتفت ايمان باستنكار" أنا أغار منها وأضايقها !!"
قال عمر بصرامة " اسمعي يا ايمان أنا تحدثت معك كثيرا في أمر رفيدة وحاولت التجاهل كثيرا لربما تتعقلين .. لكنك مصرة على التصرف بصبيانية .. أنا لن اقدر على أن أغير قلبك .. لكن أحذرك من التدخل في أي شيء يخص علاقتي مع رفيدة .. هل سمعت؟"
غمغمت ايمان بسرعة "أنا فقط اتصلت لأني مشفقة عليك ولأخبرك بأن أولادك مشتاقون لك جدا.. كريم يسأل أين بابا"
أطرق عمر برأسه بإجهاد وتمتم" وأنا اشتقت إليهما جدا .. سأتحدث مع كريم بعد قليل اذهبي الآن هداك الله"
في غرفة الشيمي اقتربت رفيدة منه وطبعت قبلة مبللة بالدموع على وجهه قبل أن تقول بخفوت" ثلاثة أيام يا شيمي .. ثلاثة أيام والوجع في قلبي يزيد ولم أعد أحتمل (مسدت على ذراعه ) أتعرف .. إن فريدة أرسلت لي هدايا صنعها أطفال الدار لك (وفتحت حقيبتها تخرج قصاصات من الورق وهي تضيف ) أرسلوا لك رسائل يا شيمي لابد أن تستيقظ لتراها مليئة بالكلمات الحلوة والحروف الضائعة والرسوم البريئة الملونة .. أتعرف أفكر في أن اعلقها هنا في الغرفة على حبل طويل حتى تراها حين تستيقظ .. وعندما نعود للبيت سويا سأحتفظ بها في ألبوم خاص لها .. (ونظرت لبعض الرسوم وبراءتها تكمم فمها بيدها وانهمرت دموعها تقول ) انظر يا شيمي رنا الصغيرة رسمت صورة مبهرة لك وكتبت تحتها وحش الدغدغة .. هذه البنت موهوبة وعلينا أن نهتم بموهبتها
(وعادت تنظر إليه ) سنعود معا يا شيمي للبيت أليس كذلك؟.. وسنضع هذه الصور في ألبوم وسترتبه بنفسك أليس كذلك"
حين لم يقابلها إلا الصمت مالت تطبع قبلة على ذراعه ثم أسندت جبينها على السرير وانفجرت في البكاء.


كان الشيمي يبذل مجهودا شاقا منذ ساعات ويقاوم ضد تيارات تسحبه نحو دوامة في وسط الماء .. فيسمع صوت رفيدة ويلتقط بعضا مما تقول ويضيع الباقي مع صوت البحر الهادر.


لكن ما أدركه عقله أنها تبكي ..
أنها حزينة ..
تناديه ..
كلما تاه مع الدوامة تناديه فيقاوم ويبذل مجهودا ليعود إليها.. هذه المرة كان صوتها أكثر وضوحا عن السابق .. وكان يتألم بشدة لأنها تبكي وهو غير قادر على الخروج من الدوامة .. لكنه استجمع قواه وحرك أصابع يده التي ترقد بجوار رأسها .. ثم حرك يده ببطء يبحث عنها حتى أمسك بكفها برفق .. ففتحت رفيدة عينيها على اتساعها ورفعت رأسها تنظر ليده التي تستقر فوق يدها .. ثم مررت نظراتها بين وجهه النائم ويده وصرخت "شيمي .. شيمي .. أنت حركت يدك شيمي ..عمر .. عمر"
دخل عمر مفزوعا من صراخها وتبعه فارس الذي سقط قلبه بين قدميه لتقول " حرك يده .. حرك يده .. انظر يده فوق يدي"
بعد قليل وقف طبيبان يفحصان الشيمي فقال أحدهما بهدوء" لا أريد أن أحبطكم لكن في بعض الأحيان يفعل المرضى في الغيبوبة حركات لا إرادية"
اندفعت رفيدة تقول "لا لا صدقني كان يقصدها( ومالت عليه تقول )شيمي .. أنت تسمعني أليس كذلك ؟.. أرجوك يا شيمي اثبت لي بأنك تسمعني "
مضت الثواني بطيئة جدا بالنسبة لرفيدة .. قبل أن يرفع الشيمي يده ببطء ويضعها على يدها الموضوعة على السرير بجانبه .. فانفجرت رفيدة في البكاء ليعود الأطباء لاستكمال فحصه .


أما فارس فرغم اليأس الذي سيطر عليه الأيام الماضية دب الأمل في قلبه وتحرك يغادر الغرفة بإجهاد يتخذ له مقعدا خارجها كاليومين الماضيين .. يقضي الوقت إما في المستشفى أو في المسجد القريب منها يقرأ القرآن ويتابع بعض الأعمال الضرورية بالهاتف ...
فجلس يسند ظهره للحائط بإنهاك ونفس السؤال الملح لا يهدأ في رأسه ..
أين اختفى ذلك الكلب الشماع؟؟؟
××××


عند الظهيرة
تطلع مالك من نافذة شقة والدته في ذلك الحي الراقي ساهما .. رأسه يكاد يجن ليعرف أين ذهب ذلك العجوز ..
لقد تتبع الساعة فجر الأحد حين وجدها قد استقرت في مكان ما في العاصمة فلم يستطع النوم وذهب خلفها في ذلك الوقت المتأخر من الليل ..
كان ممزقا محتارا لا يعرف كيف يتصرف..
هل يخبر فارس بأنه يستطيع تتبعه ؟..
ماذا لو تصادما من جديد وقتل أحدها الأخر ..
يشعر بأن الأمر أكبر منه ليقرر..
وأراد أن يعرف على الأقل أين مكانه.. رغم أنه لم يكن يعلم كيف سيتعامل معه ..
لقد ازداد كرهه له ..
ما علمه عن ماضيه وما تسبب فيه من إصابة وقتل جعله ينفر منه ويكرهه ..
وبالرغم من ذلك تمنعه اخلاقه من أن يسلمه لأعدائه لهذا مزقته الحيرة .. ولهذا أراد أن يذهب ليعلم أين هو أولا ثم يقرر ماذا سيفعل ..
لكن كانت دهشته كبيرة حين تتبع الساعة حتى وصل لمحل هواتف في وسط العاصمة .. تطلع في المحل الخالي من الزبائن في هذا الوقت من الليل ولصاحبه الذي يجلس وحيدا يشاهد التلفاز وتيقن بأن الساعة موجودة في المحل .. حينها عاد للبيت وقد ازدادت حيرته متسائلا هل باع العجوز الساعة؟ .. ألا يملك بطاقات ائتمانية تتيح له الفرصة بأن يسحب ما يشاء من أمواله.. لماذا باع الساعة إذن ؟.. وأين هو الآن ؟!!
استدار مالك يترك الشرفة وعاد للداخل ليطمئن على أمه التي لا تزال واهنة الجسد تلتزم الفراش فتفاجأ بالرقم المحلي الغير مسجل لديه الذي يتصل به على رقمه الصيني .. فهو لم يعطي رقم هاتفه لأحد ولم يتصل به سوى صفوت.
أجاب مالك الاتصال" آلو"
جاءه صوت أحد الأشخاص يقول " هل أنت السيد هوانج مالك ؟"
×××××




الخامسة من صباح يوم السبت الماضي
بوق السيارة العالي التي مرت من جانب شاحنته أجفله واستفزه فنظر بغِل من نافذته العالية في مرآتها الجانبية للسيارة الثمينة مكشوفة السقف التي يركبها شاب تحت العشرين يقودها بمنتهى العنجهية .. وقد مر من جانبه دون أي اعتبار أو رهبة لضخامة تلك الشاحنة التي يقودها .
صحيح يحمل فوق ظهرها قمامة .. وصحيح أن السيارة التي يركبها ذلك الشاب بمبلغ مهول كاف لأن يطعم حياً بأكمله لعدة شهور ..لكن تبقى للشاحنة الهيبة على الأسفلت .
أسند مرفقه على النافذة المفتوحة يميل برأسه الذي سيتفتت من الصداع يسندها على راحة يده وعاد لشروده.
لقد وصل لحالة سيئة ولم يعد قادرا على تحمل الألم وعليه أن يجد حلا سريعا ..
الكلب (عالوكة ) صاحبه يصر على أن يأخذ المبلغ كاملا قبل أن يعطيه الجرعة وهو لا يملك حتى ربعه ..
رأسه ستنفجر وجسده ينغزه بدبابيس من نار صعبة الاحتمال .. ولم يعد لديه شيئا ليبيعه .. حتى الاجهزة الكهربائية باعها ..
لم يعد أمامه سوى بيع أثاث غرفة النوم .. لكن زوجته التي استعانت بالجيران منذ أيام لطرده من المنزل لن تسمح له بالدخول ليبيع الغرفة ..
قضم أظافره بتوتر وقرر بحسم أن يوصل هذه الشاحنة بسرعة لمقلب النفايات .. ويسرع للبحث على من يشتري غرفة النوم بأي ثمن ..
هرش في أنفه وتنشق بقوة متوعدا لزوجته بأنها لو اعترضت سيطردها هي والأولاد خارج الشقة الإيجار إذا منعته .
لا أحد يشعر بما يعانيه ..
لا أحد يدرك كيف يتعذب لأنه غير قادر على توفير ثمن الجرعة .
الجميع بكل بسهولة يتفوهون بنصائحهم ويعلنون ازدرائهم لحالته كمدمن ويطلبون منه ببساطة أن يتوقف ..
لكنهم لا يعلمون أن الأمر صعب.
صعب جدا..
وهو متماسك حتى الآن .. لكنه يعلم أنه خلال ساعات سيقف على حافة الموت ككل مرة .. وعليه ألا يسمح بأن يصل لهذه المرحلة أبدا .
لقد عقد العزم واتخذ قراره .. سيوصل هذه الشاحنة لمقلب النفايات .. ويسرع للبحث عمن يشتري غرفة النوم .. أو حتى يسأل (عالوكة ) إن كان يأخذها مقابل إعطائه بضع جرعات مستقبلية .. أو حتى جرعة اليوم لا يهم ..
المهم تأمين الجرعة هذه المرة .
مر في ذهنه ذلك الشاب الذي يركب تلك السيارة الفارهة وتملكه الحقد والحسد .. إن هذا المدلل بالتأكيد لا يحمل هم شراء جرعة من المخدر لو أراد .. بل إن سيارته وحدها ثمنها يكفي لأن يؤمن له جرعات من المخدر كثيرة مقبلة دون أن يحمل لها هما .. ستؤمن له تلك المتعة التي ينشدها دوما بتعاطيه للمخدرات .
انتبه لذلك العجوز الذي يشير له بإلحاح حتى يتوقف .. واحتاج لبضع ثوان حتى يهدئ من سرعته ويقف أخيرا فتفاجأ بالعجوز يتسلق الشاحنة بسرعة ويجلس بجواره قائلا من بين لهاثه "انطلق بسرعة أرجوك"
نظر السائق في مرآة السيارة الأمامية والجانبية وهو ينطلق بها في صمت وفضول .. في الوقت الذي أخرج الشماع رأسه من النافذة ينظر خلفه ليجد يونس قد وصل لأول الشارع .. فشعر بالانتصار والتشفي .. وناظره بإغاظة .. ترتسم على ملامحه ابتسامة تسلي قبل أن يدخل رأسه ويسند ظهره على المقعد يتنفس الصعداء ويهدئ من لهاثه ..
لقد استطاع الهرب أخيرا ..
تطلع السائق الشاب في ذلك العجوز الذي يلهث بشدة وسأله" إلى أين ؟ "
اعتدل الشماع بسرعة ونظر إليه قائلا" أوصلني لأطراف العاصمة على الأقل فهذه المنطقة نائية ولا أجد فيها مواصلات"
غمغم السائق " المواصلات على الاسفلت كثيرة تستطيع أن تستقل أي سيارة أجرة"
اسرع الشماع بالقول" أجل .. لكن يبدو أنه لم يحالفني الحظ لأجد واحدة .. هلا أوصلتني في طريقك فأنا لدي موعد هام جدا ( وبحث في جيوبه وهو يضيف) وسأعطيك مبلغا جيدا"
أخرج الشماع حافظة نقوده ممتنا بأنها لا تزال معه ولم يجد إلا ورقة من فئة العشر دولارات فقال" أنا عائد من السفر يوم أمس .. ولم يتسن لي تبديل العملة لكن بالطبع ستجد مكتب صرافة لتغييرها "
نظر السائق للورقة النقدية بعينين لامعتين .. صحيح ثمنها لن يصل لثمن الجرعة .. لكنها أفضل من لا شيء .. فمد يده يلتقطها من العجوز في صمت .
أخذ الشماع بعد أن التقط أنفاسه يبحث في جيوبه ليتأكد من أن جواز سفره معه ولم يسقط من جيب سترته الداخلي ذو السحاب.. فأخرجه سعيدا ينظر فيه ثم لمعت عيناه بالشر متوعدا ..
سينتقم منهم جميعا ..
سيجعلهم يندمون على مجرد التفكير في الوقوف أمامه ..
كلهم ..
فارس .. وذلك الشاب الشرس أخوه .. وصفوت الكلب الخائن .. ورتيبة التي حصلت على ابنه بدون مجهود .
كلهم سيريهم من هو الشماع.
فلم يُخلق بعد من يقف في وجهه.
أما ذلك المدلل مالك ..
فسيعيده إليه سواء بإرادته أو رغما عن أنفه.
الأغبياء يجهلون مع من يلعبون ..
انه فؤاد الشماع..
آلمته سنته الذهبية التي ضربه فيها يونس أكثر من مرة فأخذ يضغط عليها من الألم فوجدها تلخلخت من مكانها قليلا .. ليشتم في سره وهو يزيد من وعيده في الوقت الذي راقبه السائق ولمع لون الذهب أمام عينيه.
تطلع الشماع لتلك الساعة الغبية الموجودة في معصمه واخذ يضغط على شاشاتها وازرارها بشكل عشوائي ..
إن هذه الغبية مسجل عليها أرقام الهواتف كلها الخاصة برجاله .. ويبدو أنه سيضطر لشراء جهاز هاتف عادي ويضع فيه الشريحة لإخراج الأرقام .. لكنه حتى لا يعرف كيف يخرج من هذه الغبية الشريحة.
في نفس الوقت استمر السائق يتفحصه والصداع يكاد يشق رأسه لنصفين .. فلفت انتباهه الخاتمين الذهبيين الكبيرين اللذان يزينان أصابعه.. فبلع ريقه الجاف بصعوبة وهو يقدر كم من الجرعات يساوي هذان الخاتمان .. ثم عاد ليتساءل في سره :
ترى كم يحمل هذا العجوز في حافظة نقوده من الدولارات ؟
عاد لينظر للطريق يدلك بيده الحرة مؤخرة عنقه .. ثم عاد ينظر من جديد للعجوز يتأمل تلك الساعة التي تشغله ..
إنها تبدو غالية الثمن .. وتلك الأنوار والاصوات التي تصدر منها كلما ضغط على شاشاتها تؤكد ذلك..
ترى كم ثمنها؟ .. لقد شاهد واحدة في صفحة جريدة وجدها في القمامة تتحدث عن إن تلك الساعات تستخدم كالهواتف وأن اسعارها خيالية.
أخذت ضربات قلبه في الازدياد .. وأخذ شيطانه يصيغ له فكرة مغرية ..
سيسرقه..
سيسرق منه كل شيء ..
الخاتمين والنقود وتلك الساعة .. كله في ضربة واحدة ستؤمن له مبلغا كبيرا يكفي لعدة جرعات قادمة ..
نظر في ساعته وتساءل إن كان سيستطيع أن يجد عالوكة مستيقظا في هذا الوقت أم لا ..
إن لم يكن مستيقظا سيوقظه.
حك صدره بأظافره يتابع العجوز المنهمك في ساعته وتنشق بقوة يدعك أنفه السائلة التي تحرقه.. ثم تحسس جيب بنطاله ليتأكد من أن مطواته موجودة .
أما الشماع فتسمرت عيناه بشرود على الطريق الأسفلتي الخالي أمامه يخطط بالضبط ماذا سيفعل ..وكيف سيجعلهم يندمون جميعا ..
لن يكون الشماع إن لم يجعلهم عبرة لمن يفكر في الوقوف في وجهه .
بعد نصف ساعة دخل السائق بالشاحنة في أرض فضاء واسعة تحتوي على أطنان من القمامة على مرمى البصر .. فخرج الشماع من شروده على صوت مذياع عالٍ جدا يبث تلاوة قرآنية من إذاعة القرآن الكريم .. فنظر حوله ثم قال باستنكار" أين نحن؟.. ولماذا جئنا إلى هنا؟"
رد السائق بهدوء "سأفرغ هذه الشاحنة أولا من القمامة ثم نكمل طريقنا للعاصمة فلن نأخذ القمامة معنا كل هذه المسافة"
نظر الشماع في ساعته بينما فتح السائق الباب وترجل منها ليستدير حول السيارة ويفتح باب الشماع فجأة يشهر في وجهه المطواة قائلا بلهجة خطرة " أعطني كل ما معك"
جحظت عينا الشماع وهتف باستنكار" ماذا تفعل؟؟"
وضع السائق نصل المطواة على رقبته قائلا بعينين تطل منهما رؤوس الشياطين وأنف أحمر" قلت اعطني ما معك ولا تضطرني لأذيتك"
أدرك الشماع خطورة موقفه خاصة مع خلو المكان حوله فأسرع بخلع الخاتمين بأصابع مرتجفة فالتقطهما السائق ينظر فيهما بسعادة ثم وضعهما في جيبه وقال "والساعة وحافظة النقود "
جحظت عينا الشماع وصاح برعب " لا ..لا .. إلا الساعة .. أنا أعطيتك خاتمين ثمينين ولن أطلب منك إيصالي سأنزل هنا "
قالها وحاول النزول فهدر السائق وقد بدأت رأسه تطن "قلت أعطني الساعة"
ضربه الشماع بحركة مفاجئة في صدره بقدمه فارتد الشاب للخلف .. ليقفز الأول من الشاحنة في محاولة للهرب .. فباغته السائق بطعنة قوية من مطواته في جانبه حتى لا يهرب دون أن يعطيه الساعة الثمينة.
أطلق الشماع صرخة ألم قوية ..لكنها لم تُسمع مع صوت المذياع العالي .. لكن السائق تلفت حوله متوترا يتفحص إن كان الحاج عبد الباقي موجودا أم ذهب ليتناول فطوره .. وخشي أن ينفضح أمره أو يهرب ذلك العجوز دون أن يعطيه الساعة فطوق عنق الأخير من الخلف بذراعه بقوة يجر قامته الضئيلة ويسحبه أكثر إلى الداخل ويختبئ خلف شاحنة أخرى تركن في الساحة بجوار مقلب هائل للنفايات ..
بمجرد أن وصل كان الشماع قد استحضر كل قوته ليخفف من ذراع الشاب حول عنقه ويميل بوجهه للأمام يعض ساعده بقوة .. فتألم السائق واضطر لإطلاق سراحه .. ثم باغته قبل أن يفر منه بسحبه من ملابسه ليواجهه وطعنه مرة أخرى في بطنه لينحني الشماع للأمام جاحظ العينين متألما وقد خرجت بعض الدماء من فمه .. فدفعه السائق ليسقط خلفه فوق مقلب القمامة.
نظر الشماع بذهول للشاب الشاخص أمامه يناظره من علو ورآه فجأة مخيفا..
مخيفا بشدة.
حتى أنه رغم ألامه الشديدة.. ظل ينظر إليه وكأنه يناظر ملك الموت.
وبرغم تشبثه القوي بالحياة ..
وبرغم الفكرة التي سيطرت على عقله تحفزه بألا يستسلم أبدا..
ألا يستسلم للموت ..
برغم كل شيء..
كان خائفا بشدة ..
خاصة وهو يشعر بصدره يضيق بألم عظيم لم يشعر به أبدا في حياته ..
نظر الشاب للعضة المؤلمة في ذراعه بغِل وتذكر السنة الذهبية .. فمال على الشماع الملقى أمامه غير قادر على الحركة وقد جن جنونه .. مقررا أن يسلبه كل شيء .
التقط حجرا بحجم قبضة يده من الأرض وهدر فيه بشراسة " ذكرتني بالسن الذهبي .. افتح فمك"
ناظره الشماع بعينين جاحظتين غير مستوعبتين لما يحدث ..شاعرا بالذهول لعدم تنفيذ جسده لأوامر عقله بأن يتحرك ويقاومه..
ناظره متألما بشدة من النار التي تغلي في بطنه..
ومتألما من ضيق صدره .. شاعرا بأن روحه تنتزع منه..
ناظره وهو يشعر بخوف شديد..
فأمسك بذراع الشاب بترجي صامت أن يرحمه .. لكن الأخير كان شيطانه تملك منه وفقد عقله تحت إلحاح حاجته لجرعة المخدر .. فضربه في صدغه بالحجر هادرا "قلت افتح فمك "
ألم أخر رهيب أضيف لآلامه ..
جعله يفتح فمه مطيعا لعله ينتهي من عذابه .. ليضرب الشاب السن الذهبي بالحجر بكل قوته .. ويصرخ الشماع بقوة .. قبل أن تتفجر الدماء من فمه وينتزع الأخر السن ويعتدل واقفا يتفحصه ثم يدسه في جيبه .. ثم مال عليه مرة أخرى بأنفاس متسارعة وأنف سائل .. فرآه الشماع هذه المرة وقد تشكل أمامه كحيوان وحشي أسود مرعب لا يعرف له اسما ..في الوقت الذي فتش فيه الثاني جيوبه والتقط كل ما فيها ثم استقام يلتفت حوله بقلق .. قبل أن يسرع بترك المكان.
عليه الهرب بسرعة قبل أن يعود الحاج عبد الباقي..
عليه أن يلحق بعالوكة ليعطيه الجرعة ..
ثم بعدها سيجلس ويقيم حجم الغنيمة التي حصل عليها.
تحرك الشاب مسرعا يغادر ساحة النفايات وهو يدس الساعة وحافظة نقود العجوز في جيبه .. ثم تطلع في جواز السفر الصيني بعبوس و اسقطه من يده بعدم اهتمام ليستقر على الأرض .. وخرج على الطريق يشير لسيارة الأجرة التي تقترب ويلقي بنفسه فيها مسرعا.
أما الشماع فكانت الآلام التي يشعر بها عظيمة.. تختلط بخوف شديد..
خوف تخطى الخوف من البشر..
أو الخوف من الموت..
خوف لم يقابله ولم يخطر على ذهنه من قبل..
خوف رهيب..
نما إلى مسامعه أصوات آتية .. لكنه لم يكن قادرا على فعل شيء .. والتقط بعض أطراف الحديث مختلطا بصوت القرآن العالي ..
لكنه كان كالمشلول.
القى الحاج عبد الباقي سُبة وهو يرى الشاحنة التي تتوسط الساحة لا تزال تحمل القمامة ثم قال من بين أسنانه" ابن (.....) كيف يترك الشاحنة بهذا الشكل .. وأين هو ؟!"
بحث حوله فلم يجده فتوجه نحوها قائلا لحفيده الصغير "سأفرغ هذه الشاحنة من القمامة أولا ثم آتي معك يا غالب"
قال غالب بحماس "دعني أنا اقلبها يا جدي أرجوك .. أرجوك"
ابتسم الحاج لحفيده ثم مال عليه يقول محذرا" لكن إياك أن تخبر جدتك المزعجة"
أومأ غالب برأسه وتوجها معا نحو الشاحنة التي تركها سائقها قبل قليل .. ليفتح الحاج بابها ويرفع حفيده الصغير ليجلسه فوق المقعد المجاور للسائق .. ثم استدار ليصعد ويجلس أمام عجلة القيادة ينظر للمفتاح المتروك فيها .. ويضرب كفا بكف مغمغما " وترك المفتاح بالشاحنة لأي سارق .. ارحمنا يا رب من رعونة شباب هذه الأيام"
سحب الذراع حتى تعود الشاحنة للخلف يشرح لحفيده الخطوات بالتفصيل .. بينما عيني الصبي متعلقتان بجده تتطلعان فيه بانبهار .. فتحركت الشاحنة ببطء نحو مقلب القمامة الذي يرقد الشماع فوق جانب منه غير قادر حتى على الاستغاثة .. تغادره روحه ببطء وعذاب وألم.
تحركت الشاحنة للخلف ببطء تقترب من الشماع.. ثم توقفت ليقول الحاج عبد الباقي لحفيده" اسحب هذا الذراع لينقلب القلاب"
شمر الصبي ذراعه النحيف وحاول سحب الذراع بقوة فلم يقدر فتأمله جده بحنان وقال بتوبيخ رقيق " إجمد يا ولد!"
رفع حفيده ناظريه إليه بإحباط فرق قلبه وطبع قبلة فوق رأس حفيده ثم قال" لهذا عليك أن تأكل جيدا حتى تصبح قويا كأبيك وجدك (ووضع قبضته فوق الذراع وقال لحفيده ) هيا .. ضع يدك "
نفذ الصبي ووضع يده الصغيرة فوق يد جده القوية المتعرقة .. فسحب الحاج عبد الباقي الذراع .. لترتفع حاوية الشاحنة بكل ما فيها وتنقلب للخلف
فوق الجسد الراقد على حافة الموت .. وتغطيه بكُلِّيته عدا وجهه .. ثم تحركت الشاحنة للأمام مرة أخرى مبتعدة.
ركن الحاج الشاحنة في أحد الزوايا بينما صفق غالب بيديه بسعادة فخورا بما أنجزه .. ففتح الحاج الباب يقفز من الشاحنة وتحرك الصبي ليخرج من نفس الباب لتتلقاه ذراعي جده قبل أن تلمس قدميه الصغيرتين الأرض .. ليقول الحاج عبد الباقي بصوت عال ليسمعه من صوت القرآن" هيا لنلحق بالفطور قبل أن تتذمر جدتك المزعجة"
قال غالب وهو يتقافز على أصابع قدمه بحماس يسير بجوار جده "حين أكبر سأكون صاحب ساحة نفايات حتى أخلص الناس من القاذورات "
قهقه الحاج وغمغم قائلا وهو يلتقط يد حفيده الصغيرة ويتحرك تاركا الساحة "ولماذا لا تكون مهندسا كبيرا يسر العين كوالدك ؟"
قال غالب وقدمه الصغيرة تدعس على جواز سفر صيني ملقى بإهمال على الأرض " حسنا .. لقد قررت أن أكون مهندسا .. وفي نفس الوقت صاحب مقلب نفايات ما رأيك يا جدي ؟"
قهقه الحاج عبد الباقي مبتعدا مع حفيده
ولم يبقى إلا صوت القرآن يملأ الساحة ..
أما الشماع فانتفض جسده الراقد تحت القمامة للمرة الأخيرة..
انتفض بقوة وروحه تُنتزع منه ..
فخرجت القليل من الدماء من فمه .. قبل أن يسكن كل شيء حوله..
ويسكن جسده تحت أكوام القمامة
واستقرت عيناه مفتوحتان شاخصتان نحو السماء.
وآخر ما التقطته أذنه قبل أن يغادر الدنيا.. آية قرانية خرجت من المذياع ..
((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا))
صدق الله العظيم
××××××





يتبع









Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-12-19, 01:09 PM   #459

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 6

خرج مالك من المشرحة لا تحمله قدماه فاستند على الحائط وأسرعت ريتا التي كانت هي الأخرى تستند على ذراع عاصم بملاقاته .. بينما ظل فارس واقفا متخصرا يناظره من بعيد بترقب بعد أن اتصلت به ريتا هو وعاصم تطلب منهما الوقوف بجانب ابنها الذي استدعته الشرطة ليتعرف على جثة رجل يظن بأنه الشماع.


لقد اتصلت الشرطة بمالك تسأله إن كان يعرف رجلا يدعى فؤاد الشماع .. وطلبت منه أن يحضر للمشرحة ليتعرف على جثته التي وجدت مساء السبت تحت القمامة حين تجمع حولها عددا من الكلاب فانتبه الجميع لوجودها..
وبفحص المنطقة وتمشيطها جيدا عُثر على جواز سفر صيني لرجل يحمل اسما عربيا .. ففتحت التحقيقات حول الواقعة وأشارت أصابع الاتهام بسهولة لسائق الشاحنة الذي ترك شاحنته صباح نفس اليوم واختفى ولم يعد .. حتى استطاع رجال الشرطة تحديد مكانه وإلقاء القبض عليه .. فاعترف بكل شيء .. وبأن غرضه كان السرقة .. وأدلى بأماكن بيعه للخاتمين والساعة والتي ظل يدور بها على المحال طوال يوم السبت ليحصل على أعلى سعر لها ..
بعد الحصول على الساعة تم افراغ الارقام من شريحتها ليجدو اسم مالك وهو اسم الشخص الذي كان مرافقا له في رحلة الطيران فاتصلوا به ليحضر للمشرحة ويتعرف على جثته.


تطلع مالك في الأنظار المترقبة من حوله فلم يجد فيهم واحدا قد يشاركه شعوره بالحزن .
رغم كل شيء ..
ورغم أنه كان مرعوبا خلال الأيام الماضية من انتقام هذا العجوز ..
لكن تبقى نطفة تربطه بهذا الرجل.


تحركت مقلتيه نحو أمه القلقة عليه ..ولذلك الرجل الذي لا يعرف من هو يقف يسند ذراع والدته فخمن بأنه من يدعى عاصم .. وللآخر الواقف من بعيد والذي قتل الشماع والده منذ عشرين سنة .. ثم اكتمل المشهد أمامه بوصول صفوت يهرول من بعيد بعد أن أخبره فارس.
وقف الجميع يتطلعون فيه بترقب يحاولون قراءة وجهه ويتمنون أن يؤكد لهم الخبر لا أن ينفيه.
أن الجثة جثة الشماع .. وأن العالم قد تخلص منه للأبد..
ولا يعلمون كيف كان شعوره وهو يرى جثة والده قبيحة مشوهة اقشعر لها بدنه حتى أنه افرغ ما في جوفه بالداخل بمجرد أن رآها.
أخيرا تكلم.


أخيرا نطق مالك..
أخيرا أراحهم بجملة واحدة منه حين قال بصوت مبحوح "إنه هو .. فؤاد .. نشأت .. الشماع"
زفرات الراحة التي خرجت من أفواه الرجال أمامه زادت من شعوره بالمرارة .. فلاحت ابتسامة ساخرة على وجهه من المشهد .. فبدلا من أن يتلقى العزاء والعبارات المشجعة تلقى زفرات راحة ونظرات تشفي.


أما ريتا فكان وضعها حساسا.. من ناحية كانت سعيدة بالخبر .. في غاية السعادة للتخلص من هذا النذل للأبد .. ومن ناحية الأخرى متعاطفة مع مشاعر ابنها..
قال ضابط الشرطة" ستأتي معنا يا سيد مالك لنستكمل التحقيق قبل أن نمنحك تصريحا بالدفن"
شعرت ريتا بالفزع واستدارت تنظر لعاصم الذي طمأنها فاقترب فارس ينظر لمالك نظرة قلقة وكأنه يسأله .. ماذا ستقول للشرطة؟
فتلاقت عينيهما قبل أن يخفض مالك عينيه ويتحرك مع الضابط تتبعه ريتا جزعة تستند على ذراع عاصم.


قال صفوت لفارس "ماذا تعتقد ؟ ..هل سيخبرهم مالك بأمر الخطف وما تلى ذلك ؟"
رد فارس بقلق "لا أعرف .. لكني لا أعتقد بأنه غبي لقد مر ثلاثة أيام ولم يبلغ بما حدث أو باختفاء والده وبالتالي ستعتبره الشرطة متورطا"
مسح صفوت وجهه بكفه بتوتر ثم نظر لباب المشرحة قبل أن يلتفت لفارس يسأله" هل تفكر فيما أفكر فيه؟"
هز فارس رأسه ايجابا وهو يرفع الهاتف على أذنه قائلا "أريد تصريحا للدخول لمشرحة ( .... ) سنلقي نظرة سريعة على جثة شخص معين ولن يأخذ الأمر منا إلا دقيقة واحدة .. تصرف بأي طريقة بأي ثمن وبتكتم شديد"
××××


عند الغروب وقف مالك وحده أمام قبر والده في مقابر الصدقة والشيخ يقرأ ما تيسر له من القرآن .. بينما وقف الأربعة الذين رافقوه في رحلته اليوم بدءا من المشرحة ثم قسم الشرطة ثم هذه المدافن التي لم يتاح لهم إلا هي في هذا الوقت الضيق وساعدوه في إنهاء اجراءات الدفنوقفوا بعيدا في صمت .


وها هو يقف أمام قبر والده وحده يحمل غصة في قلبه ..
كان متحيرا بم يجيب تحقيقات الشرطة .. فما علمه بأن الجاني قد قُبض عليه واعترف بارتكابه الجريمة بغرض السرقة .. فلم يجد بدا من دفن ما حدث بعد وصولهما للأبد .. فمن ناحية عدم إبلاغه سيجعله متورطا ومن ناحية أخرى اقتنع بأن ما حدث لوالده كان انتقام رب العالمين منه .. فاضطر للادعاء بأنهما قد اختلفا بمجرد وصولهما للمطار حيث أراد والده أن يذهب لأحد المنتجعات لكنه كان يرغب في زيارة والدته الحقيقية وتفرقا متخاصمين كل إلى وجهته .. وأنه حاول الاتصال به أكثر من مرة بعدها فكانت الساعة في يده لا تستقبل المكالمات ..
سبحان من له الدوام.


وكأن والده قد جاء به إلى البلد ليسلمه لوالدته ويموت فيها..
في البلد التي تخلى عن جنسيتها ولم يكن راغبا في العودة إليها ..
ركن يونس سيارته بالقرب من المقابر وترجل منها بسرعة يبحث عن فارس الذي زف إليه الخبر منذ ساعة .. فجاء مسرعا غير مصدق لأن الشماع قد مات ..
لمح فارس فهرول نحوه.. ثم أخذت خطواته تتباطأ كلما اقترب .. يتطلع في وجه أخيه المرهق .. ليتوقف أمامه أخيرا وينظر إلى اللحد من بعيد وهم بالاندفاع نحوه لكن يد فارس امسكت بذراعه توقفه قائلا بحزم" قف مكانك ولا تتقدم .. للموت حرمة ولابد أن نحترم مشاعر ابنه يكفي بأننا لا نستطيع تعزيته .. الشماع الآن بين يدي خالقه"
قال يونس بحشرجة" هل رأيته يا فارس بنفسك ؟.. هل تأكدت من أنه هو لربما..."
قاطعه فارس مؤكدا" رأيته بنفسي أنا وصفوت عظمة وتأكدنا بأنه هو .. ولن أقول عما رأيت سوى أنه سبحانه المنتقم الجبار.. ولا حول ولا قوة إلا بالله"
اقترب يونس منه .. فتطلع فارس في عينيه .. وبعد لحظة كان كلاهما يحضنان بعضهما بقوة وكأنهما يهنئان بعضهما أو يطمئنان بعضهما أن الكابوس قد انتهى..
ربت فارس على ظهر أخيه قائلا "انتهى كل شيء وقد حسبنا بجهلنا أنه لن ينتهي .. لكن أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد .. الحمد لله أن هدانا ولم نلوث أيدينا بدمه"
غمغم يونس براحة كبيرة "الحمد لله .. الحمد لله"
ابعده فارس وربت على صدغه قائلا" ثأر الله لك منه يا يونس وعليك أن تنسى الماضي كله الآن "
ابتسم يونس ابتسامة متألمة وغمغم "سأنساه إن شاء الله .. ووعدت فريدة بأن استشير مرشد نفسي لو شعرت بأني لا أتحسن.. لكني الآن اشعر بأني سعيد .. سعيد جدا"


ربت فارس على صدغه بمحبة فقال يونس مشفقا" تبدو في حالة سيئة جدا أما آن الأوان لتعود للبيت لتستريح؟"
قال فارس بإرهاق "لن أعود إلا بعد أن اطمئن على الشيمي .. اذهب أنت"
فجأة هطلت الأمطار بشكل مفاجئ ..
أمطار ربيعية منعشة تفاجأ بها الجميع فكرر فارس كلامه "عد للبيت وخفف الحراسة عن الفيلا واسترح .. ثم باشر العمل من الغد لأننا أهملناه"
أومأ يونس برأسه بطاعة وربت على ذراع أخيه بمحبة قبل أن يغادر ..
في الوقت الذي اقتربت ريتا من ابنها تمسد على ذراعه .. فربت على ذراعها متطلعا في وجهها المغرق بالمطر لتقول ريتا "هيا بنا"
أمسك بيدها وطبع عليها قبلة.. ثم خلع سترته وفردها فوقهما بذراعيه كمظلة تقيهم من الأمطار التي هطلت بشكل سخي .. وتحركا يتبعهما عاصم بعد أن ودع صفوت وفارس ليوصل ريتا وابنها للبيت بسيارته .


بقي تحت المطر رجلان يقفان أمام بعضهما وقبر خلفهما.. فقال صفوت براحة كبيرة" انتهينا من الكابوس والحمد لله "
ناظره فارس بصمت ثم قال بعد ثوان " الاحداث خلال أيام قليلة اتخذت منحنى غريب وصادم .. لكني تعلمت من أمي أن اقف أمام اختبارات القدر صامدا واتلقى الضربات واقفا على قدماي"
غمغم صفوت "هنيئا لك بهذه القوة .. إياك أن تضعف أبدا"
بدا الأمر غريبا وغير مستساغا بعد بالنسبة لفارس .. لكن ما فعله صفوت خلال اليومين الماضيين وما سبقهما بإخفاء سر والده كان يفرض عليه أن يشكره.


تكلم صفوت قائلا "يعلم الله بأني فعلت الكثير للتكفير عن ذنب الماضي .. فأرجو أن تسامحني على جرم لم ارتكبه في حق والدك"
ابتسم فارس ابتسامة مرة وغمغم" عليّ أن أشكرك لإنقاذك حياة أخي ..ولمساعدتك لنا خلال اليومين الماضيين"
قال صفوت بهدوء "دع الماضي الآن خلف ظهرك وتطلع للأمام"
اشاح فارس بوجهه وقد تبلل كليا.. فوقعت انظاره على القبر من بعيد فقال" سأحاول التعافي أولا من صدمة الماضي .. عموما أراك على خير صفوت بك"
مد صفوت يده للسلام فنظر فارس إليها لثانية ثم مد إليه يده يسلم عليه مغمغما " في حفظ الله"
قالها وغادر فوقف صفوت يراقب ابتعاده .. ثم استدار ينظر للقبر من بعيد غير راغب في الاقتراب .. ورفع وجهه للسماء فأغرقه المطر وهو يتمتم" يا رب .. أنا تبت إليك منذ سنوات ولازلت ألح في التوبة فهل ستقبل توبتي وتغفر لي ؟!"
××××


مساء
بمجرد أن خرج الأطباء الذين تم استدعائهم منذ نصف ساعة حين فتح الشيمي عينيه يتطلع في سقف الغرفة يحاول تحديد أين هو .. مالت رفيدة على صدر الشيمي باكية بينما وقف عمر على الباب يتطلع فيه بصمت وراحة وذراع العسكري مفرودة أمامه تمنعه من دخول الغرفة .. فقد سمح الضابط لرفيدة فقط بالدخول إليه أثناء غيبوبته .
أما الشيمي فزينت ابتسامة ضعيفة شفتيه ورفع ذراعه ببطء يضع يده على ظهرها غير قادر على التحدث .
تحرك عمر بعد قليل يترك الغرفة بينما رفعت رفيدة إليه وجهها المغرق بالدموع تقول " شيمي ..شيمي .. يا حبيب العمر .. يا قلب رفيدة ..الحمد لله الحمد لله"
تأملها من بين جفنيه المرتخيين وهمس بصعوبة" الحمد لله أن في العمر بقية حتى اقضيه معك يا تاج رأس الشيمي وإلا لما كان للعمر أهمية بدونك "
طبعت قبلات عشوائية على وجهه وهي تقول من بين دموعها" ولا بدونك يا شيمي.. ليس للحياة معنى بدونك"
في خارج الغرفة وقف عمر يتابع في صمت ما يحدث بعد أن حضر فارس سعد الدين وعلم باستفاقة الشيمي ..حيث اقترب زغلول من العسكري الواقف على باب الغرفة قائلا وهو يسلم عليه " تعرف منذ أن عرفت بأنك من نفس بلدتي وأنا أحببتك في الله"
ابتسم العسكري البسيط بمحبة فقال زغلول " المهم أني أريد أن أقوم معك بالواجب وأضيّفك يا رجل وأنت ترفض طوال الوقت "
قال العسكري بابتسامة " ما دمت في الخدمة لا آكل ولا أشرب "
قال زغلول وهو يفتح كيسا بلاستيكيا به سندوتشات شهية الرائحة " إنها مجرد سندوتشات يا عمنا "
حانت نظرة مختلسة من العسكري لفارس الذي ادعى انشغاله بالحديث في الهاتف يقف بعيدا .. ولعمر الذي انزل نظراته حين تطلع فيه ثم أخذ من زغلول الساندويتش بتردد وقضم منه بجوع .. فأخذ زغلول بمشاركته في الأكل ثم قال "هل علمت ماذا حدث لابنة عمدة البلدة ؟"
عقد العسكري حاجبيه بعبوس وتمتم بغل " فلينتقم منهم رب العالمين العمدة وعائلته كلها "
شعر زغلول بأن مهمته باتت سهلة فهم بقص ما سمعه من رواية حقيقية ليقول " انتقم الله منه في ابنته .. ألم تعلم .. لقد انفضحوا فضيحة كبيرة "
جحظت عينا العسكري متفاجئا وتملك منه الفضول فقال زغلول وهو يسحبه من يده " تعال نجلس بعيد عن الآذان فالحكاية حساسة قليلا تتعلق بالأعراض كفانا الله الشر "
تردد العسكري قائلا "ممنوع أن أترك المكان "
قال زغلول باستنكار " لن تتركه نحن في نفس المكان .. اعتبر نفسك ذهبت للحمام يا رجل .. سنجلس على المقاعد الموجودة هناك على بعد بضعة أمتار وسأحكي لك القصة .. اقسم بالله لن تصدق ما ستسمعه"



فنظر العسكري للغرفة في تردد بينما غمغم فارس في سره " احسنت يا زغلول .. احسنت "
في غرفة الشيمي تحركت حدقتاه الصغيرتان ببطء يتطلع في وجهها القريب منه وهمس "تبدين متعبة جدا .. أنا آسف .. كان الأمر خارجا عن إرادتي .. فارس وأنت أفديكما بحياتي"
فهمت ما حدث فعَلا نشيجها وحضنت صدغه بكفها تقول بلهجة عاتبة "فديت فارس فأصابتني أنا الطلقة في قلبي يا شيمي "
اجهشت بالمزيد من البكاء تدفن وجهها في رقبته فغمغم متألما" بعيد الشر عنك يا ست الناس ..الشيمي يعتذر لكن الأمر كان خارجا عن إرادته اقسم لك .. وإياك أن تخبري أحد بهذه القصة"
طَرق على الباب جعلها تعتدل وتطرق برأسها تمسح الدموع من وجهها المتورم من البكاء بينما قال عمر" فارس بك يستأذن للدخول"
ابتسم الشيمي ابتسامة واهنة بينما دخل فارس متلهفا بعد أن وصل منذ قليل وزفوا له الخبر السعيد .


قال فارس بصوت هارب منه "شيمي .. اللهم لك الحمد والشكر .. اللهم لك الحمد والشكر "
اتسعت ابتسامة الشيمي فاقترب فارس يتطلع فيه عن قرب وغمغم بتأثر وهو يربت على يده المستقرة على صدره "والله لأذبح وافرق على المساكين شكرا لله على سلامتك يا شيمي"
غمغم الشيمي بوهن" أعزك الله يا بك (ثم قال لرفيدة ) اذهبي لتغسلي وجهك "
تحركت رفيدة في صمت وقد فهمت أنه لا يريدها أن تسمع ما سيقولان ليقول الشيمي بضعف بعد مغادرتها "بم أخبرتم الشرطة؟"
بعد دقائق عادت رفيدة فقال فارس وهو يربت على كتف الشيمي " يعلم الله كيف رُدت إليّ الروح يا شيمي بتحسن حالتك .. ويعلم الله أن مقامك ومحبتك عندي كبيران وبأني أعتبرك من أهلي "


غمغم الشيمي بضعف" اعزك الله يا بك .. اذهب لبيتك واسترح .. انتهى كل شيء وصاحب الجود موجود"
قال فارس بمحبة " الف حمدا لله على سلامتك يا وحش .. سأزورك في الصباح إن شاء الله "
ونظر لرفيدة يحييها برأسه ثم غادر.. لتنظر رفيدة له في حيرة ثم قالت "هل كنتما تتفقان عما ستقولان للشرطة .. بصراحة هذا الأمر غريب ولا أفهمه!"
رفع إليها يده بوهن فاقتربت تمسك بها .. ليسحب يدها إلى شفتيه بصمت يقبل ظاهرها ثم أغمض عينيه بإعياء.
××××




"ففرك علاء الدين في المصباح ليخرج منه دخان أزرق كبير أرعبه"
وقف يونس على باب الغرفة يتطلع في فريدة الجالسة القرفصاء فوق المقعد يجلس أمامها الأطفال أرضا يتطلعون فيها بعيون متسعة ويستمعون للقصة.. فأكملت فريدة" قال الجني ( وغلظت صوتها ) شبيك لبيك الجني بين يديك.. ماذا تطلب يا علاء الدين"
قال يونس" أريد سكر"
انخرست فريدة وادارت وجهها نحو الباب متفاجئة تطالعه بوجه ممتقع وعينين جاحظتين في نفس الوقت الذي تحولت كل الأعين إليه فأضاف مستدركا" اقصد أمي تسألك أين وضعت السكر؟"
عادت الأعين الصغيرة تنظر لفريدة التي سألته بحرج " أي سكر؟"


عادت الأعين ليونس فقال غامزا" أمي تقول تعالي لتريني أين وضعت السكر احتاجه بشكل عاجل"
احمر وجهها وأنزلت ساقيها لتستقيم واقفه ثم اقتربت منه تقول هامسة" يونس ماذا تفعل!!"
همس قائلا بإصرار " أريدك حالا وفورا"
همست بغيظ" أنا مع الأطفال الآن انتظرني نصف ساعة"
قال بعناد طفولي "ولا ثانية واحدة ستأتين معي حالا وإلا سأفعل أشياء أمام تلك العيون الصغيرة المحدقة فينا لن تعجبك"
ظلت تتطلع فيه بغيظ .. فأمسك بياقتها من الخلف فأسرعت بمناداة إحدى المعلمات لتدخل مكانها قبل أن تتحرك بجوار يونس وهي تقول بغيظ" يونس أنت تقبض عليّ كلص الغسيل"


قال يونس مهددا "وإن لم تتحركي بشكل أسرع سأضع المطواه في جانبك"
بدلا من أن يخرجا من الدار توجه بها إلى إحدى الغرف بعد أن تأكد من خلوها وأغلق الباب خلفه .. وأمالها فجأة على أحد ذراعيه .. لتطلق فريدة صرخة مفاجئة قبل أن يكتمها يونس بشفتيه مقتنصا شفتيها.. يتذوق طعم الحياة أخيرا وقد انزاح جزءا كبيرا من قلقه..
حرر شفتيها بعد قليل وظل يحدق في قطعتي الشيكولاتة أمامه فهمست فريدة تحيط ذراعيها برقبته "ماذا تفعل بالضبط !"
قال وهو يتطلع في شفتيها يلجم انفجاراته العاطفية" آكل سكر"


قالت له مضيقة عينيها "وهل استأذنت؟"
داعب أنفها بأنفه ورد مغيظا "لا يُسأل المرء فيما يملك"
زمت شفتيها تتحكم في ابتسامة وقالت" ومن منحك هذه الملكية؟"
تحركت عيناه العسليتان على صفحة وجهها ثم غمغم أمام شفتيها قبل أن يميل ويقبلها "أنت ملكي رغما عنك ..وافقت أم لم توافقي .. خلقتي ليونس فقط ولم يستطع يونس إلا أن يكون لك"
قبلها مشددا ذراعيه حولها .. فضمته فريدة بقوة تشعر بالخجل من أن تخبره بأنها تترقب تلك اللحظات التي يقترب فيها منها .. تشتاق لكل لمسة منه حتى لو عفوية..
وبرغم الخوف الذي يعتريها والتوتر الذي تشعر به حين يتمادى .. لكنها تتمنى لو تحرر نفسها بين ذراعيه .. وتطلق العنان لمشاعرها ..
تتمنى أن تذوب فيه ..



إنها بالفعل في حاجة لأن تذوب فيه بشدة..
بعد قليل أبعد رأسه عنها مطلقا سراحها فتعلقت بعنقه لتعتدل واقفة ثم حضنت وجهه بين كفيها هامسة " بك شيئا مختلفا"
سألها من بين لهاثه وهو يتحسس جذعها بيديه " للأحسن أم للأسوأ"
غمغمت بابتسامة وهي أسيرة لعينيه "للأحسن الحمد لله"
اتسعت ابتسامته وقال" لأني تلقيت خبرا سعيدا منذ قليل"
تطلعت فيه بفضول فأكمل "مات الرجل"
عقدت حاجبيها مستفهمة فقال" قاتل أبي مات اليوم"


اتسعت عيناها بهلع فقرأ يونس ملامحها ليسرع بالقول" مات بعيدا عني وعن فارس الحمد لله .. قتله مدمن بغرض السرقة "
صرخت فريدة وقالت متأثرة" صدقا يا يونس ؟ .. الحمد لله .. سبحان من له الدوام .. كنت مرعوبة من أن يحاول الانتقام منا .. (وألقت بنفسها عليه تحضنه مغمغمة ) الحمد لله الحمد لله"
حضنها يونس بقوة وهو يقول " أشعر بأن جبلا كان جاثما فوق صدري وانزاح .. أشعر بأني أخف روحا يا فريدتي"
مسدت على ظهره هامسة بحنان "اسأل الله أن يبعد عنك الهم ولا ترى إلا السعادة في كل أيامك القادمة"
غمغم يونس مغمض العين مستكينا في حضنها" اللهم آمين "
بعد دقائق قال يونس" هيا اذن"
سألته "ماذا تقصد؟"
قال ويده تتسلل تحت بلوزتها" أريني"
انتفضت تبعد يده قائلة بحرج " ماذا أريك ؟"
زينت ابتسامة شقية شفتيه ورد وهو يمد يده ليرفع بلوزتها "ألم تتمني لي ألا أرى إلا السعادة أريني إياها"
افلتت بلوزتها من يده وابتعدت تقول محذرة "يونس نحن في الدار"
قال وهو يتقدم نحوها "ما المشكلة الأطفال مشغولون بقصة علاء الدين والمصباح .."
مد يده يمسك ببلوزتها من جديد فقفزت للخلف محذرة "يونس تعقل يا مجنون"
رفع اصبعه أمامها يقول بكبرياء" من فضلك لست مجنونا فقط .. أنا مجنون ومكبوت ..فتخيلي ماذا يمكن أن يفعل شخصا مثلي"
تحركت للخلف أكثر .. فاصطدمت بالسرير ..بينما استمر يونس في التقدم نحوها .. فصعدت فوق السرير تهمس بغيظ" يونس بالله عليك ستفضحنا"
رد ببساطة "سنحتفل بالأخبار الحلوة .. لدقائق فقط "
لملمت ابتسامة خجولة وقالت "يونس نحن في الدار"
قال لها وعيناه ترسمان تفاصيلها" ما رأيك أن نصعد لنستريح قليلا في غرفة مسز روز القديمة ( وأكمل هامسا بحرارة ) فأنا متعب جدا جدا"
وقف أمام السرير فقالت مهددة "سأصرخ يا يونس"
فُتح الباب فجأة .. ودخل أحد أطفال الدار ثم تسمر متفاجئا بوجود فريدة واقفة فوق السرير ويونس بجانبه فقال مصدوما "ماذا تفعلان؟"
هرش يونس في مؤخرة رأسه بينما نزلت فريدة من فوق السرير بحرج ليكمل الطفل" هل تبحثان عن السكر في غرفتنا؟!!"
أغمضت فريدة عينيها بحرج شديد بينما قال يونس متنحنحا " نحن نبحث عن أكياس السكر في كل مكان فالأبلة فريدة لا تذكر أين وضعتهم"
سألها الطفل ببراءة "هل تخزنين السكر خارج المطبخ؟"
نظرت فريدة ليونس ثم قالت بوجه أحمر" أجل .. لأن ..لأن .. لأن المطبخ كان فيه فأر ..فخشيت أن يأكل السكر .. لكني لا أذكر أين وضعت الأكياس(وتحركت مغادرة وهي تقول ) من فضلك يا إياد ساعدنا في البحث هنا في غرفة الصبيان .. وسأذهب لأبحث في مكان أخر .. وإذا وجدته أخبرني"


ربتت على رأسه في طريقها وخرجت مسرعة فتحرك يونس خلفها قائلا " انتظريني يا أبلة لأبحث معك عن السكر (ونظر لأياد قائلا من بين أسنانه بغيظ ) لم تجد إلا الآن وتدخل علينا !.. كانت بعد بعض الإلحاح ستريني جزءا من السعادة"
ناظره إياد بعدم فهم فغمغم بامتعاض "أكره الأطفال الصغيرة (وعلا صوته ) يا بنت يا كرنبة انتظريني لنبحث عن السكر سويا"
حين خرج هرش إياد في شعره بغباء .. ثم اسرع يبحث في أركان الغرفة وتحت الأسِرّة والفضول يشغل عقله الصغير أين خبأت أبلة فريدة أكياس السكر من الفأر؟!!
××××


بخطوات مجهدة مستنزفة دخل فارس الفيلا أخيرا ..مساء الثلاثاء .
وكم كانت عودته تختلف كليا عن ذهابه فجر السبت الماضي.
لم يكن قادرا حتى على التنفس .. ألقى السلام على والدته التي صرخت بفرح حين رأته .. فقبل رأسها بصمت صاعدا لجناحه متحاشيا النظر في عينيها بخزي .
في غرفة الصالون كانت كارمن تقول لوالدتها على الهاتف " أعدك بأن اتحدث مع فارس وأحضر يوم الانتخابات إن شاء الله يا أمي"
صرخت شويكار "ما معنى ستتحدثين !.. هل هناك احتمالا لأن يرفض"
قالت كارمن شاعرة بالإجهاد تطلب من الله الصبر والقوة "يا أمي لا اعتقد بأن فارس سيمانع .. لكني لا أعرف كيف ستكون الظروف حينها .. "
سألتها شويكار بفضول" لماذا؟"
اسرعت كارمن بالقول" أقصد لأني مجهدة من الحمل جدا"
ألحت شويكار في السؤال بفضول قاتل يتملكها " سمعت بأن يونس كان مختفيا منذ عدة أيام أين وجدتموه؟"
ردت كارمن" كان عند أحد أصدقائه وقد فرغ شحن هاتفه دون أن يدري ( واكملت بعتاب ) ومع هذا لم تتصلي لتطمئني يا أمي"
قالت شويكار ببرود" كنت مشغولة جدا في جولة لبعض القرى الصغيرة لتحديد أهداف المرحلة القادمة على أرض الواقع"
تكلمت كارمن بمجاملة" كان الله في العون "


دخلت شهد مسرعة تشير لكارمن بوصول فارس فاتسعت عينا الأخيرة متفاجئة ثم قالت بسرعة" عموما يا أمي اتمنى لك كل توفيق .. عليّ أن أذهب الآن سلام (أغلقت الخط ثم قالت لشهد لتتأكد ) فارس وصل!!"
أومأت شهد برأسها .. فأسرعت كارمن تهرول بسرعة نحو جناحها ووبختها نفيسة في الطريق " بدون جري يا كارمن لا حول ولا قوة إلا بالله !"
دخلت كارمن بلهفة تبحث عنه في الجناح فلم تجد سوى سترة الحلة ملقاة على الأرض .. فالتقطتها لتجدها مبللة من المطر الذي لا يزال يتساقط في الخارج .. فخلعت عنها حجابها واسرعت تقترب من الحمام لتسمع صوت (الدُش ) ففتحت الباب ودخلت بسرعة .. لكنها تسمرت بعد خطوتين مصعوقة..
كان فارس يقف تحت الماء بملابسه .. يولي ظهره لها ووجهه للحائط يتطلع في شيء بيده تاركا للماء الفرصة أن تنهمر فوق رأسه .. فاقتربت منه ببطء ونادته " فارس"
لم يرد بل استمر في التحديق في يده فاقتربت أكثر لتجده يمسك بقطعة صغيرة من الحجر ..
رفعت كفها تمسد على ظهره فأدار لها وجهه المبلل بالماء يقول بصوت هادئ مهزوم "هذا الحجر الصغير أخرجته من يد أبي بصعوبة .. كان يقبض عليه بشدة.. (وابتسم ساخرا وهو ينظر ليده ) واحتفظت به ليذكرني بثأره .. وظللت أضع كل عام في نفس اليوم حجرا جديدا في البرطمان حتى كونت عشرين قطعة من الحصى .. وكنت أنظر إليها وكأنها أحد أهم انجازاتي في الحياة أني أخطط للأخذ بالثأر .. فإذا بها تكون شاهدا على خيبتي (ورفع إليها مقلتيه الزرقاوين مجهدتين يكمل بسخرية ) أرأيتِ رجلا من قبل أكثر سذاجة و خيبة مني يا كارمن؟"
آلمها قلبها بشدة لكنها لم تبدي رد فعل عاطفي بل قالت وهي تمد يدها لتفتح له ازرار القميص المبلل لتنزعه عنه "لا أرى في الأمر سذاجة يا فارس .. أنت انسان عادي محدود القدرات تعرف ببعض الأمور وتجهل ببعضها"


قال بانفعال وهو مستسلم لها تخلع عنه بنطاله "لكني كنت أجهل أمرا مهما عني وعن عائلتي .. ما أصعب أن يكتشف المرء بأنه كان مخدوعا يتطلع في الناس حوله متشدقا بالشرف والنزاهة وهو ابن لص آثار"
تجعد جبينها للحظة متألمة ثم قالت بحشرجة" استرح يا فارس"
تطلع فيها بعدم فهم فأشارت لحوض الاستحمام الواقف فيه تقول وهي تشده من ذراعه لأسفل "اجلس واسترح"
أطاعها وجلس على حافة الحوض يكمل هذيانه" أنا ابن لص آثار يا كارمن .. لمَ بقيتِ معي بعد أن عرفتِ بالحقيقة؟"
أمسكت بوجهه المبلل بكفيها ترفعه إليها قائلة" أنا تزوجت من فارس سعد الدين .. وأحببت الرجل العصامي الذي بنى نفسه بنفسه .. ولم أعرف أبدا والدك .. ولم يعرفه أحد أبدا .. الجميع يعرف فارس سعد الدين فقط ويفتخر بمعرفته ( صمتت قليلا تتطلع في عينيه ثم أضافت ) وأنت تزوجت من كارمن السيوفي وتحمّلت حماقات والدتها شويكار الشبكشي في الوقت الذي كان والدها على وشك الإفلاس .."
انزل نظراته الذاهلة للحجر في يده.. فوضعت كارمن الصابون على جسده وبدأت في تحميمه بينما هو لا يزال غارقا في صدمته المتأخرة وكأنه كما يقول المثل الشعبي(ذهبت السَكْرَة وجاءت الفكرة).


وضعت كارمن الصابون على شعره فرفع إليها وجهه المبلل بالماء يتمتم" كنت أراه كأبطال الأساطير يا كارمن .. الرجل الشريف الذي لم يسمح بالتلاعب في مواد البناء حتى لا تسقط فوق رأس الأبرياء .. الذي مات شهيد الواجب .. بمن سأفتخر الآن؟"
اوقفت غسلها لشعره وقالت " بنفسك .. بفارس .. بما انجزت وما حققت .. بمن ربيت وعلمت .. بنفسك"
انفعل قائلا باستهجان " كيف أفتخر بنفسي وأنا عشت عمري أسعى لثأر ليس من حقي .. لقد عشت عشرين سنة في كذبة .. أتدركين ما أقول.. في كذبة !"
ردت بهدوء " انظر للوجه الأخر من الأمر .. هذه (الكذبة) كما تسميها كانت السبب في أن تكِد وتجتهد لتثبت ذاتك .. طاقة الانتقام رغم سوادها وسلبياتها .. كان لها جانبا إيجابيا في دفعك للقفز لأعلى .. أنت أصبحت مثلا يُحتذى به .. وأولادك سيفخرون بك للأبد .. ربما لا نختار آبائنا .. لكنا بالتأكيد نختار كيف نكون لأولادنا .. "
أنزل فارس أنظاره لبطنها مغمغما "ابنائي!"
قالت بخفوت مؤكدة " أجل أبناءك الذين سننجبهم إن شاء الله خلال عمرنا معا .. وستحرص كل الحرص أن تترك لهم سيرة طيبة حقيقية يفتخرون بها"
وضع كفه على بطنها من فوق ملابسها المغرقة بالماء يتحسسها وقال بخفوت" وماذا سأخبرهم عن جدهم؟"


رفعت وجهها إليها تحدق في عينيه قائلة" ستقول الحاج محمود سعد الدين أبي وكفى .. والباقي سيبقى مدفونا كما دفن من عشرين سنة"
قال بسخرية مرة " دُفن وأنا نبشت فيه بغبائي"
ردت بإصرار " بل بعدم معرفتك للحقيقة وهذا لا يعيبك .. ما أخطأت فيه هو ايمانك بمبدأ الانتقام من الأساس ولقد عدلت عنه قبل أن تُجبر على المواجهة"
تجعدت ملامح وجهه يقول بنظرات هلعة "تخيلي حالتي لو كنت قتلته قبل أن أعرف الحقيقة ..أو قدمته للعدالة وانفضح سر أبي على الملأ باعتباري شخصية معروفة"
قالت كارمن " هذا ستر الله .. أراد أن يعطيك درسا قاسيا لكنه في نفس الوقت كان رحيما بك"
قال بتأثر" رحيما جدا فالرجل مات"
اتسعت عيناها تسأله" من؟"
فسر موضحا " القاتل مات يا كارمن ..مات ميتة حقيرة على يد مدمن أراد سرقته .. مات وألقي وسط القمامة حتى نهشت الكلاب جسده"
اقشعر بدنها وحضنت رأسه تغمغم في سرها بعينين دامعتين "الحمد لله"
اسند فارس خده على صدرها وأغمض عينيه يقول بإجهاد " أنا متعب بشدة وكأنني كنت في ماراثون لمدة عشرين سنة"


ابعدته عنها تقول وهي تفتح الماء على جسده من جديد "هيا لتنام .. وانس كل شيء .. ارمي كل شيء خلف ظهرك"
أمسكت بالمنشفة الكبيرة تجفف بها شعره ثم قالت" سأحضر لك الملابس"
بعد دقائق كانت تسحبه من ذراعه نحو السرير كإنسان آلي عاري الجذع يحمل وشما على جسده..
استلقى فارس على السرير مغمض العينين .. وأسرعت كارمن بتبديل ملابسها المبللة ثم عادت إليه تفتح أحد الأدراج وتلتقط منها زجاجة بها أحد أنواع الزيوت الخاصة بالتدليك وهمست " استلق على بطنك"


نفذ فارس بطاعة .. فقطرت الزيت على ظهره ثم بدأت تدلكه بكفيها ببطء .. وكأنها تحرره من أحمال السنين الثقيلة .. ومع كل عضلة لمستها بأصابعها خرج من حنجرته أنينا آلم قلبها وزاد من بكائها الصامت شفقة عليه .


بعد نصف ساعة كان قد استسلم للنوم .. فرقدت بجانبه تريح ساعديها المجهدين وظهرها ثم حضنت ذراعه والتصقت به تدفن وجهها في كتفه واستسلمت هي الأخرى للنوم براحة .
××××




يتبع


Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 09-12-19, 01:10 PM   #460

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 7

بعد يومين
صباح الخميس
وقف عمر في غرفة الشيمي بالمستشفى متخصرا يقول بانفعال "والحقيقة لا أفهم كيف تصاب برصاصة وأنت لم تعد تعمل حارسا شخصيا لفارس سعد الدين!"
قالت رفيدة موبخة" عمر !!"
اشار لها الشيمي الجالس يسند ظهره إلى ظهر السرير بيده أن تصمت بينما أكمل عمر متجاهلا اعتراضها" انظر لحالتها .. إنها من اسبوع كامل مقيمة في المستشفى ترفض بكل عند أن تذهب للبيت .. والحقيقة ما حدث لك يقلقني جدا على مستقبلها معك "
همت رفيدة بالدفاع لكن الشيمي أشار لها ألا تتحدث ثم قال بهدوء" معك كل الحق فيما قلت .. وأنا مقدر خوفك على أختك .. لكن عليك بأن تعرف ملابسات ما حدث وأنه كان قدريا .. أنا بالفعل لم أعد حارس فارس الشخصي وإنما مدير أحد أكبر معارضه وكنا في زيارة للمحاجر تعطلت السيارة بنا في الطريق فترجلت لتفحصها فإذا بفارس يلمح سلعوة آتية .. فأخرج مسدسه يطلق عليها النار في الوقت الذي كنت فيه أنا استقيم واقفا أمام مجال الرصاصة فأصبت بالخطأ وكان الله بي رحيما"
امتقع وجه عمر متفاجئا بالسبب ومتحيرا في التصديق فأضاف الشيمي " تستطيع أن تراجع محضر الشرطة لتتأكد"
صمت عمر ولم يعقب فأكمل الشيمي "لهذا أقول لك ما حدث كان مقدرا .. هل سنعترض على القدر ( ونظر لرفيدة قائلا ) أما بالنسبة لوجودها في المستشفى فاليوم بإذن الله ستعود للبيت"
قالت رفيدة تمسك بكفه " لا لا لن استطيع سأبقى هنا معك"
قال الشيمي بحزم" اليوم ستبيتين في البيت يا رفيدة انتهى الكلام"
فجأة أجهشت بالبكاء .. فأجفل الشيمي وحاول الحفاظ على جديته أمام عمر الذي غمغم بامتعاض" عموما أنا مضطر للذهاب فورا لأن لدي اجتماعا هاما وإذا استقريتما على عودتها للبيت اليوم فأخبريني يا رفيدة حتى أمر عليك في المساء لأوصلك .. "
ونظر لأخته التي تغطي وجهها بكفيها تبكي ومط شفتيه بغير رضا ثم ألقى السلام وغادر .


بمجرد أن خرج عمر لانت ملامح الشيمي وابعد كفيها عن وجهها يقول "لمَ البكاء يا ست الناس؟"
قالت بوجه متورم من البكاء "أعرف بأني أبدو تافهة لكني لا أريد المغادرة"
سحبها الشيمي إليه فنامت على صدره تفرغ المزيد من الدموع .. فقال بحنان " أنت روح الشيمي والله .. حقك فوق رأسي .. (وقبل رأسها ) حقك فوق رأسي"
××××


مشطت شعره بأصابعها تحاول إيقاظه لكنه كان يرفض فغمغمت بغيظ " فارس أنت نائم منذ يومين .. كفى وقم لتأكل بعض الطعام"
دفن رأسه تحت الوسائد رافضا .. فحاولت نزع الوسائد من فوق رأسه فزمجر بغضب وقال" أريد أن أنام يا كارمن أرجوك"
قالت بغيظ "كل ثم نم مرة أخرى"
أدار وجهه للناحية الأخرى وقال بضيق" لا أريد إلا النوم"
زفرت بإحباط وتحركت تغادر الجناح بغيظ .


في الدور الأرضي صفق يونس بخشونة وهو يرى فريدة تنزل على السلم ترتدي بنطالا من الجينز وبلوزة ربيعية قصيرة تلتصق بجسدها .. بينما شعرها ينام كضفيرة سوداء على أحد كتفيها فقال مهللا "حبيبي .. والله حبيبي يا عبد الجبار .. أنت ونحافتك وبناطيلك الجينز الساخنة .. لقد هرمت وشاب شعري من أجل هذه اللحظة "
احمر وجهها بينما ضحكت نفيسة سعيدة لعودة البيت لهدوئه ولانقشاع الغمة التي أوشكت بأن تميتها .. وتحمد ربها حمدا كثيرا أن مات ذلك القاتل ورحل للأبد .
مال يونس على أمه يقول بخفوت مسموع " المهم يا ناني أننا لابد أن نسرع في اعلان الزفاف قبل أن تظهر الأعراض"
تحكمت في ابتسامة ملحة ورفعت حاجبا تسأله "أي أعراض يا ابن ناني "
نظر لفريدة التي تطالعه بحاجبين معقودين وقال "أعراض الحمل على فريدة يا أمي"
شهقت فريدة وضربته أمه على ذراعه ليقول" ماذا تتوقعين من اثنين باتا ليلة كاملة في غرفة وعلى سرير واحد ؟!"
عقدت الحاجة حاجبيها تقول" متى كان هذا؟"
قال مؤكدا "ليلة أن عدتُ إلى البيت"
نظرت الحاجة لفريدة فغطت وجهها بكفيها حرجا ليكمل يونس يمثل ببراءة "جاءت غرفتي يا أمي بكل وقاحة وأنا شاب وضعفت أمام اغرائها"
هتفت فريدة بحرج "يونس اسكت"
نظر إليها بمقلتين مقلوبتين يقول بامتعاض "وهل تعتقدين بأني سأخبرها بأني نمت بجانبك طوال الليل كعامود إنارة صدمته عاصفة فانكفأ على وجهه فاقدا للنطق (وضرب رأسه بيده يقول بحنق صبياني ) والله كلما تذكرت اشعر بالخزي أمام رجولتي"
قهقهت الحاجة تربت على ظهره في الوقت الذي نزلت فيه كارمن تلقي بتحية الصباح .. فسألتها الحاجة" كيف حاله يا بنيتي؟"
غمغمت كارمن بهدوء" بخير يا نونّة لكنه يرغب في المزيد من النوم"
كست الجدية وجه يونس وقال وهو يلتقط بعض اللقيمات من فوق المائدة" أتركيه يأخذ وقته ليستعيد توازنه من جديد"
قالت فريدة بشفقة بعد أن أخبرتها الحاجة بالحقيقة كاملة "مسكين أبيه كانت صدمة قوية"
قالت الحاجة بحزم "لا أريد لهذه السيرة أن تُفتح مرة أخرى.. سندفنها جميعا ولن نتفوه بها لمخلوق .. ما كان مدفونا سيظل مدفونا "
ورفعت انظارها لكارمن برجاء فغمغمت تطمئنها" أتفق معك لا داعي للحديث عن الماضي علينا أن ننظر للمستقبل"
قال يونس يحاول أن ينفض عنه الذكرى" اجلسوا وتذوقوا الفطور الذي اعددته أنا وناني .. كما ترون يونس العظيم يعد لكم الفطور ثم يستعد لتوصيل زوجته وحماته للمستشفى لزيارة شهد"
سألته كارمن" هل ستزيل الرباط عن عينها اليوم؟"
أجابت فريدة بحماس" أجل إن شاء الله ..وأنا متحمسة بشدة"
قالت كارمن" أتمنى أن تعود للبيت بصحة جيدة"
قالت الحاجة" اجلسي يا ابنتي لتتناولي فطورك"
تطلعت كارمن في الطعام بامتعاض ثم قالت بدلع وهي تضع يدها على بطنها "فيتوس لا يريد أي صنف من هذا الطعام"
بخ يونس بعضا من الشاي الذي كان يحتسيه ثم التقط منديلا يجفف فمه قائلا بانزعاج" من !!!"
حركت كارمن كتفيها تقول مؤكدة ببساطة" فيتوس لا يريد"
حدقت فيها الحاجة بعينين زرقاوين مصدومتين ليسرع يونس بالقول مستهجنا " ناعااام !!.. ما هذا الاسم!! .. أخي ليس ميكانيكيا ليسمي ابنه( فتيس )كارمن هانم"
جعدت كارمن جبينها ..ونظرت لفريدة المبتسمة تقول "أنا قلت فيتوس .. ما معنى فيتس؟"
رد يونس لها مفسرا " (الفتيس ) هو عصا نقل الحركة في السيارة يا هانم .. وأنا لا أقبل أن يسمى ابن أخي بهذا الاسم أبدا "
قالت كارمن بعبوس وهي تلتقط طبقا وتضع به قطع من الخيار والجزر " أنا حرة انادي طفلي بما أريد يونس أفندي"
مالت الحاجة تشد ذراع يونس فمال بأذنه إليها لتقول بصوت مسموع " أليس( الفتوش ) هذا نوعا من السلطة يا بني ؟!!"
انفجر يونس ضاحكا فردت فريدة " فيتوس معناها جنين يا أمي"
أضاف يونس من بين ضحكاته " جنين باللغة الفرنسية"
هزت الحاجة رأسها بتفهم وعادت تنظر لكارمن التي ملأت طبقها بالجزر والخيار فقال يونس" ألم تقولي بأنك لا تريدين الطعام!"
نظرت إليه ببرود ثم تحركت وهي تقول " لا تتحدث معي ما دمت تتهكم على فيتوس ابني .. أنا عندي حصص في الدار الآن أراكم بعد أن تعودوا من المستشفى إن شاء الله"
وغادرت وهي ترفع ذقنها بكبرياء فاستدار يونس يصيح خلفها" عموما أنا لن أسكت على هذا التهريج .. فإن كان الكبير يوافق بأن يكون ( أبا فِس فِس ) فأنا لا أقبل أبدا أن أكون عم لطفل يدعى فِس فِس"
أغلقت كارمن الباب خلفها بغيظ في الوقت الذي انفجر ثلاثتهم ضاحكين لتغمغم نفيسة " سامحك الله يا بنت السيوفي "
××××




دخلت كارمن عند الظهيرة تتطلع فيه بغيظ ..ثم فكت حجابها وخلعت بلوزتها الطويلة وبقيت بأخرى ذات حمالات واقتربت من السرير مغمغمة" ما هذا !.. متزوجة من الرجل النائم !.."
كان فارس ينام على ظهره ويغطي عينيه بذراعه فمدت أصابعها تتحسس الوشم وتتبع خطوطه متألمة من رؤيته ..
فرغم أنها تحب ذلك الوشم لكنها أدركت بأنه سيذكره من الآن فصاعدا بصدمته .. وبإحباطه .. سيذكره بوالده وبالقاتل.


تحسست لحيته النابتة ثم قربت وجهها منه تتأمله عن قرب..
شفتاه المزمومتان كانتا مغريتين فطبعت عليهما قبلة رقيقة .. فحرك حدقتيه تحت جفونه ..
ابتسمت بشقاوة تعض على شفتها ثم اقتنصت شفتيه بجرأة..
فتح فارس جفنيه قليلا .. وأمسك بوجهها مستجيبا لقبلتها من قبل حتى أن يستوعب عقله لما يحدث .
حين تركت شفتيه .. تطلع فارس في ملامح وجهها التي تشرق عليه من هذا القرب وانشرح صدره .. فمد يديه حول خصرها يشدها إليه حتى أصبحت فوقه وعانقت شفتيه بشفتيها برقة فرفع فارس رأسه قليلا ليعانق روحها بعمق ويديه تتجولان على جسدها بلهفة شديدة..
حررت كارمن شفتيه وأخذت تدلل تفاصيله بشفتيها فاستسلم لها لبعض الوقت مسترخيا .. قبل أن ينتفض فجأة يدفعها على السرير ويخيم فوقها.. وقد سيطر عليه شوقه لها فاستيقظت كل حواسه دفعة واحدة ليمطرها بوابل من قبلات حارقة ..ثم توقف فجأة وابتعد قليلا ينظر لبطنها قائلا بتردد " هل ..هل هناك مشكلة ؟"
فأجابته بقبلة فجرت حمما سائلة في دمائه.


بعد بعض الوقت لفح بطنها بأنفاسه اللاهثة يطبع عدة قبلات عليها ثم رفع رأسه يقبل شفتيها ويهمس "يا الله!! .. لو تعلمين كم اشتقت إليك يا كارمن ستُذهلين"
طوقت عنقه بذراعيها بقوة مغمغمة "ليس أكثر مني أبدا أبدا .. كدت أن أموت بشوقي إليك "
ناكفها قائلا وهو يدغدغ عنقها بشفتيه" أنا أكثر أنا من يحبك قبل أن تحبيني بوقت طويل"
طقطقت بلسانها بجوار أذنه ثم قالت بدلال "أنا أحبك بفردين.. وليس واحدا "
تحسس بطنها وسألها "هل تعرفين إن كان ولد أم بنت؟"
هزت رأسها نافية وقالت " ليس بعد"
قبل جفنيها الواسعين وهمس" ولد إن شاء الله"
سألته ضاحكة "هل تريد ذكرا؟"
قال وهو يقبل وجنتها برقة" ذكر أو انثى لهو رزق من الله جاءني من غير حول مني ولا قوة.. لكني أشعر بأنه ولد "
ضحكت فابتهجت روحه قبل أن تقول" سنرى مدى صحة احساسك فارس بك"
حررها لينام على ظهره مغمض العينين باسترخاء فصرخت كارمن باعتراض "هل ستعود للنوم !!"


ارتسمت ابتسامة لئيمة على وجهه دون أن يفتح عينيه فقالت بغيظ وهي تهزه" فارس .. انهض ولا تغيظني"
انقلب على بطنه قائلا " أيقظيني إذا أردت أن تلعبي بشقاوة مرة ثانية"
قالت مهددة " اسمع .. سأنزل لأفعل شيئا بالأسفل .. وستلحق بي بعد ساعة .. إن لم تنزل بنفسك يا فارس بعد ساعة سأصعد واغرقك بالماء حتى تفيق .."
وضع الوسادة فوق رأسه قائلا" اغلقي الباب خلفك جيدا كارمن هانم"
××××


بعد ساعة ونصف تحرك فارس ينزل من جناحه وتفقد الفيلا الهادئة باندهاش ثم اقترب من المطبخ يظن بأن خضرة الموجودة فيه لكنه فوجئ بكارمن تنظر إليه مبتسمة فرفع حاجبه ودخل يقول" أين ذهب الجميع؟"
ردت كارمن وهي تسحبه من ذراعه ليجلس على الطاولة التي تتوسط المطبخ" ذهبوا جميعا لزيارة شهد ثم سيمرون على الشيمي"
عقد حاجبيه يقول بقلق" ما بها الصغيرة؟"
ردت وهي تتوجه نحو الفرن "شهد تجري عملية في عينها
يا فارس أنسيت !"
قال فارس متفاجئا" آه صحيح فريدة أخبرتني منذ عدة أيام لكني نسيت وكيف هي؟"
قالت كارمن وهي تضع صينية بجوار الفرن "الحمد لله انتهت من عين وبعد اسبوع ستقوم بعملية لعينها الأخرى"
غمغم قائلا "على خير إن شاء الله"
تأملته كارمن ثم اسرعت إليه تحضنه بقوة مغمغمة" أنا وأنت أخيرا يا فارس .. لقد مرت عليّ لحظات كنت يائسة فيها بشدة واحتاجك بشدة .."


غرق في حضنها يغمرها بحنانه قائلا بهمس" آسف يا أميرتي .. أعلم بأن الايام الماضية كانت صعبة عليك .. وبأنك عشت في رعب .. وأعلم بأني قصرت معك ولم احتفي بخبر حملك كما يجب .. هلا سامحتني أميرة قصر العسل"
ابعدت رأسها تتطلع في وجهه قائلة" لا توجد بيننا أي مساحة للاعتذارات فارس بك"
قال يداعب ذقنها بأصابعه" ماذا تريدين هدية بمناسبة حملك؟"
فكرت قليلا ثم قالت بحيرة" لا اعرف"
غمغم قائلا " إذن فكري وأخبريني"
اعتدلت واقفة ووضعت الطعام في الاطباق ثم تحركت لتضعها على المائدة تسأله" هل تذكر هذه؟"
نظر في الطبق ثم قال" تلك المعكرونة التي أكلناها في الفندق .. اممممم !.. لازانيا"
قالت مشاكسة "ذاكرة حديدية ما شاء الله .. أنت قلت أنك ستطلبها مني حين أكون زوجتك .. لكني صنعتها لك دون أن تطلبها لأني ( ونظرت في عينيه بتحدي ) شئت أنت أم أبيت زوجتك"
اتسعت ابتسامته وداعبها قائلا "تقصدين بهذا (غصب وإقتدار)؟"
اومأت برأسها بتسلي ثم أشارت بمقلتيها للطبق قائلة "بالضبط .. كما ستأكل هذه اللازانيا وستخبرني بأنها جميلة حتى لو لم تكن كذلك غصب واقتدار أيضا"
نظر للطبق أمامه ثم رفع أنظاره إليها يقول بتوجس "هل هذه هي المرة الأولى التي تصنعين فيها هذه الأكلة؟"
أومأت برأسها .. فعاد ينظر للطبق قليلا ثم أمسك الشوكة مغمغما "الله المستعان"
صرخت باعتراض "فارس !!.. ماذا تقصد؟!!!"
لاح شبح ابتسامة على شفتيه وقال يتصنع البراءة" لم اقصد شيء .. الإنسان يستعين بالله في كل شيء (ثم حرك الشوكة في الطبق مغمغما وهو يدفن رأسه فيه) في السراء والضراء"
عضت على شفتها تتابعه بترقب يضع الشوكة في فمه ويلوك الطعام بصمت .. ثم اتبعها بقطعة أخرى يمضغها وسألها" قلتِ ماذا عليّ أن أقول؟"
ردت بإحباط" تقول جيدة"
قال ببساطة وهو يكمل طعامه" جيدة مس سويتي"
ازداد احباطها بينما يد فارس تتنقل بين الأطباق يلتقط من هنا وهناك قائلا "ألن تأكلي"
قالت بحنق "فارس !!.. قل الحقيقة أعجبتك أم لا"
توقف عن المضغ وقال " تريدين الحقيقة ؟.. أم (غصّب واقتدار) ؟"
زمت شفتيها بطفولية ثم قالت "حسنا قل الحقيقة وأمري إلى الله "
أجاب وهو يدس المزيد من اللازانيا في فمه "مالحة .."
نظرت للازانيا بإحباط فأكمل "قليلا .. لكنها اعجبتني رغم أنها ليست بذلك الاتقان كالتي أكلتها في الفندق أو التي صنعتها لي فريدة"
زمت شفتيها فقال مؤكدا " اعجبتني صدقيني .. تعرفينني لا أجامل"
ازدادت ضربات قلبها وقالت بدلال وهي تزم شفتيها بطفولية " أعجبتك وهي مالحة؟"
هز رأسه مؤكدا " وهي مالحة"
قالت بمزيد من الدلال وهي تجلس على المقعد المجاور " رغم أنها ليست متقنة الصنع؟ "
ردد مؤكدا "رغم أنها ليست متقنة"
سألته تتحكم في ابتسامة "لماذا؟"
امسك بيدها ورفعها لشفتيه يقبلها قائلا" لأنها من صنع يدي مس سويتي.. أميرة قصر العسل "
اتسعت ابتسامتها واقتربت تطبع قبلة فوق حاجبه وهي تقول " أعدك أن اتقنها جيدا "
تطلع في ملامحها الحلوة ليشحن من رؤياها وقربها طاقة للمواصلة ثم سألها" ألن تأكلي؟"
نظرت للطعام بنظرة ممتعضة ثم ردت " لا أريد ..سآكل سلطة"
رفع حاجبا وهو يقول "تتبعين حمية مع الحمل؟"
طقطقت بلسانها بدلال ثم قالت" وكميات الحلويات التي آكلها هل هي من الحمية!"
مال عليها يفرد ذراعه على ظهر مقعدها يهمس بجوار أذنها "الزيادة الجديدة في الوزن مُهلكة يا أميرتي "
احمر وجهها وقبل أن ترد كان باب الفيلا يُفتح فاعتدل فارس يتخذ الوضع الوقور ليدخل يونس مهللا" الكبير ينير بيتنا .. (ونظر للطعام يقول باستنكار ) ما شاء الله!.. ما شاء الله!.. هناك طعاما بدوني"
سحب كرسيا وجر طبق كارمن الذي لم يمس وبدأ في الأكل في الوقت الذي اسرعت فريدة إلى أخيها بلهفة تقول " ابني حبيبي الذي اشتقت إليه وقلقت عليه بشدة "
مالت تطبع قبلة على خده.. فرفع فارس أنظاره نحوها يربت على ظهرها بحنو لتسأله" هل أنت أفضل الآن؟ "
غمغم بمحبة "نحمد الله"
قال يونس عابسا "الأكل مالح قليلا"
قال فارس بغيظ "انا أحبه مالح .. من دعاك إلى الطعام أصلا ! "
اكمل يونس أكله قائلا ببرود "أنا دعوت نفسي "
سأل فارس فريدة "هل ذهبت أمي لغرفتها ؟"
أومأت برأسها وقالت" تبدل ملابسها"


غمغم فارس" سأنتهي من طعامي وأذهب إليها"
بعد قليل دخل فارس على الحاجة نفيسة التي بمجرد أن رأته دمعت عيناها ..
كان كلاهما يشعر بالحرج أمام الآخر ..
اقترب يجلس بجوارها على السرير فربتت على ظهره تقول "هل أنت بخير يا حبيبي؟"
أومأ فارس برأسه في الوقت الذي وقف يونس على الباب يراقب ما يحدث ليطمئن على اغلاق هذا الأمر للأبد.
قالت الحاجة نفيسة" هلا سامحت أمك يا فارس .."
أسرع فارس بالقول" حاشا لله يا أمي .. أنت فوق رأسي"
أوضحت نفيسة وهي تمسح دموعها بطرف حجابها "لم أقصد أن أخدعكم .. كنت فقط أحافظ على سيرته بينكم وأحاول ألا أهدم صورة الأب عندكم خاصة بعد تلك المحنة الصعبة التي عشناها كلنا .. فتخيل وضعي امرأة وأولادها الثلاثة الذين قتل أبوهم ولا تملك شيء فكيف كنت سأخبرك بأمر كهذا "
اشفق فارس على أمه .. فأسرع يحني رأسه أمامها يلثم يدها وكتفها وهو يقول" بل أنا من يطلب منك السماح يا أمي .. وعدتك قديما بأني سأترك أمر الثأر لأبي وخدعتك وظللت أحفر حتى أخرجت المدفون وكدت أن افقد حياتي وحياة أخي"
قالت بسرعة وهي تربت على ظهره" بل قل الحمد لله الذي يدبر الأمر فيتلطف ويرأف .. الحمد لله الذي يأخذ فيعوض .. الحمد لله الذي يكشف الأقدار فترضى الروح وتأمن"
سحب فارس رأسها إلى صدره ثم قبّل جبينها مغمغما "الحمد لله حمدا كثيرا "
دخل يونس يرغب في اغلاق هذه السيرة المؤلمة فصفق بيديه ببطء قائلا بسخرية" رائع ..مؤثر جدا هذا المشهد العاطفي ..هلا نسينا الماضي وانتبهنا لحاضرنا من فضلكما .. لديكما مهمة انقاذ عاجلة"
قالت الحاجة تمسح ما تبقى من دموعها بطرف حجابها "انقاذ من كفانا الله الشر"
صاح فجأة بحنق طفولي "انقاذ ابنكم الذي سيموت إن لم ينتقل من غرفته بالدور الأرضي لجناحه بالدور العلوي"
رد فارس ببرود "فلتنتقل وهل منعتك!"
جز يونس على ضروسه ثم صاح مهددا " اسمع يا كبير سأمهلك أسبوعا .. أسبوعا فقط .. أي حتى الخميس القادم .. إن لم نقيم حفل زفاف .. سآخذها وأسافر .. وهذا آخر كلام عندي يا كبير.. ولقد أعذر من أنذر "
××××


في المساء
قال الشيمي بنظرة حازمة " ها قد أصبحت الساعة الثامنة مساء .. عليك بالمغادرة فورا مع أخيك حتى يذهب لبيته يا رفيدة"
زمت شفتيها كالأطفال فأضاف الشيمي" لم ترغبي في العودة مع آل سعد الدين عصر اليوم وها قد أمسى الليل"
نظرت لعمر الواقف على باب الغرفة وقالت " سأبيت معك الليلة أيضا ربما احتجت شيء أثناء الليل"
رد الشيمي بإعياء "يا رفيدة .. أنا أفضل بكثير عليك بأخذ قسطا من الراحة .. وجهك شاحب جدا ( وناظرها بحزم يقول ) هيا"
تحركت بعد قليل بعدم رضا تجمع حاجياتها وودعته بعينيها كطفلة ستترك والدها .. ثم غادرت .. فأغمض الشيمي عينيه بإنهاك شاعرا بالراحة أن أقنعها أخيرا بالعودة للبيت فوجودها واصرارها على البقاء كانا يمزقان قلبه.
قال عمر وهما يسيران في ممر المستشفى" لابد أن تستريحي يا رفيدة حتى تستطيعين المواصلة .. يفتحون الزيارة من الساعة العاشرة صباحا"
مسحت رفيدة الدموع من عينيها ولفت انتباهها لوحة أمام أحد الممرات تشير لقسم التحاليل .. فاندفعت رغم معرفتها بتعجلها وقالت لعمر "سأذهب للحمام هلا انتظرتني هنا"
أومأ عمر برأسه بينما اسرعت رفيدة تختفي في داخل الممر.


بعد قليل خرجت من قسم التحاليل تنزل كُم بلوزتها على ذراعها وتداريه بعد أن قامت بعمل تحليلا للحمل ..
تعرف بأنها متعجلة .. وبأنها تنتظر موعد دورتها الشهرية باليوم منذ زواجها .. وبأنها لم تتأخر سوى يوما واحدا..
وتعلم بأن فرصة انجابها ضعيفة جدا وربما تحتاج لاستشارة طبية ..
لكنها اشترت اختبارا منزليا للحمل واحتفظت به منذ أسبوع في حقيبتها .. واليوم كانت عازمة على أن تجريه لكنها حين رأت معمل التحاليل أرادت أن تكون أكثر دقة.


لكن للأسف النتيجة ستحتاج لبضع ساعات لذا طلبت منهم أن تستلمها عبر الانترنت فهي لن تتحمل حتى صباح الغد حتى تحضر لتستلمها.
خرجت لعمر الذي ابتسم لها بمحبة وتحركا يغادران المستشفى وهي ترفع رأسها للسماء طامعة في كرم ربها
××××




قال فارس في الهاتف وهو يجلس على طرف السرير ويتطلع في كارمن التي تتحرك أمامه في الغرفة ترتدي منامة ذات شورت قصير جدا" حسنا سيادة المستشار أنا لن أقلق ما دام سيادتك معنا .. أشكرك بشدة .. تصبح على خير"
استدارت كارمن من أمام المرآة تسأله " طمئني ماذا قال "
تطلع في ساقيها الجميلتين بنظرات مشتعلة ورد "يقول بأن القضية بسيطة إن شاء الله وفي طريقها للحل"
راقبها وهي تستدير لتنظر في المرآة وتمشط شعرها المموج الذي اضفى عليها بعض الشقاوة تتناسب مع شخصيتها الحقيقية التي خرجت مؤخرا محطمة قالب (عروسة الباربي ) التي كانت مغلفة به فأصبحت أكثر طبيعية وبساطة بينما غمغمت كارمن بتأثر "الحمد لله"
ظل يتأملها صامتا .. فسألته عبر المرآة بوجنتين مخضبتين بالحمرة" لماذا تنظر إليّ هكذا؟"
رد بحشرجة صادقا" أطبب جروحي "
تبللت عيناها بالدموع بتأثر وتقافز قلبها في صدرها فاستدارت تتطلع فيه تخرسها مشاعرها نحوه التي تتزايد اضعافا يوما بعد الآخر .. فأضاف فارس "أنت يا كارمن احدى النعم التي أنعم الله عليّ بها وكنت مشغولا عن شكره عليها .. والآن مجرد النظر إليك.. التطلع فيك ..سماع صوتك ..لهو الترياق .. المداواة لجراحي .. فما بال حين ألمسك وأضمك وأعانق روحك وأتلقى الحب منك !!"


سرت القشعريرة في جسدها بينما نزلت انظاره على بطنها وأضاف" وما بال وأنت تحملين قطعة مني في رحمك"
دلكت بطنها وغمغمت بدلال طفولي" لهذا عليك بحمايتي من يونس"
رفع فارس حاجبا وقال باندهاش "يونس ! ماذا فعل؟!!"
زمت شفتيها تقول بطفولية " يتفكه ويلقي النكات على ابننا فيتوس .. عليه أن يفهم بأنه سيكون له ابنا يوما ما
وسأتهكم عليه أيضا "
صاح فارس بعدم استيعاب" ها !! يتفكه على ابننا من؟!!"
زمت شفتيها تتحكم في ابتسامة ألحت بسبب ملامحه العابسة وردت "فيتوس.. ابننا فيتوس"
رمش فارس بعينيه عدة مرات .. ثم أشار لها في صمت لتقترب.


اشتعل جسدها واستقامت تقترب ببطء أمام انظاره التي ترسمها حتى وقفت أمامه ..فشدها من معصميها إليه يسألها " قلت من ؟"
لملمت ابتسامة وقالت بنظرة متحدية " فيتوس "
سحبها فجأة وانقلب بها على السرير وخيم فوقها متطلعا فيها بمقلتيه الزرقاوين يقول" قوليه مرة أخرى"
ردت بميوعة وبطء" فيـــــــــــــتـــــــــ ــــوس"
أطبق على شفتيها بشفتيه بقوة .. فسرت رعدة شوق له لم يرتوي بعد .. ويديه ترسمان تفاصيلها بلهفة ثم حرر شفتيها بعد قليل يرتفع بجذعه عنها قائلا وهو يخلع الساعة من يده ثم قميصه" اسمعي يا كارمن يا بنت السيوفي .. بعيدا عن كون اسم ابني قد حددته بالفعل من قبل أن يولد وانتهى الأمر.. فدعيني اعقد معك اتفاقا"


وخيم فوقها بجذعه العاري يثبت معصميها فوق رأسها قائلا وموجة خطر لذيذة تلوح في زرقة عينيه" أولادنا الصبيان بإذن الله ستتركين تربيتهم لي .. لا بباه ..لا مماه ولا تلك الرقة والميوعة ( ومال يدغدغ عنقها بشفتيه مضيفا ) أما البنات فسأتركهم لك "
استقبلت قبلاته الحارقة على جسدها بلهفة وهي تغمغم معترضة " تحت أي بند هذا الكلام فارس بك!!"
سمعت قهقهة خافتة بجانب أذنها جعلت ابتسامتها تتسع وهو يقول ملتهما رقبتها " (غصب واقتدار ) مس سويتي غصب واقتدار"
××××


استيقظت رفيدة في الثالثة بعد منتصف الليل .. بعد أن نامت بإجهاد شديد لعدة ساعات .. وبالرغم من الألم الذي تصرخ به كل عظمة في جسدها لكنها اعتدلت بسرعة تفتح هاتفها لتبحث عن رسالة المعمل التي تحمل رابط نتيجة التحليل ودخلت عليه .
قلبها كان يقصف بقوة في صدرها ..
فما أصعب من أن ترغب في أمر بشدة وتنتظره لسنوات.


وما أقسى من أن يباغتك اليأس في لحظة كهذه حتى يقلل من سقف توقعاتك.
فُتِح الرابط أمامها ..وتسمرت وكأنها قد نسيت ما تعرفه من اللغة الإنجليزية.


دققت في التقرير بصدمة .. وخيل إليها بأنها لم تستيقظ بعد ..
أو..
ربما تحلم ..
أو ..
ربما تخطئ في ترجمة كلمة ( إيجابي ) بالإنجليزية..
تطلعت حولها في الشقة الفارغة ..وقد انقطعت الأصوات حولها إلا من صوت واحد في رأسها يقول( أنت تهلوسين يا رفيدة )
فالتقطت حقيبتها بسرعة تدس يدها بداخلها بارتباك تبحث عن اختبار الحمل المنزلي وتخبر نفسها بصوت مسموع "لا تهلوسي يا رفيدة .. لا تهلوسي واهدئي .. إياك أن يروك مثيرة للشفقة"
لم تجد اختبار الحمل في حقيبتها ..فقلبت محتوياتها على السرير بعصبية تقول لنفسها "ربما أخطأ المعمل"
واسرعت لتمسك هاتفها من جديد مدققة في الاسم وهي تغمغم " كتبوا رفيدة عبد السلام ؟؟!!"
حين وجدت اسمها اسرعت في البحث في محتويات حقيبتها فوق السرير حتى وجدته أخيرا فالتقطته تحضنه مع الهاتف وأسرعت للحمام.


بعد دقيقة .. وقفت تحبس أنفاسها وهي تتطلع في الخط الذي تلون باللون الزهري أمامها .. وانتظرت ظهور الخط الأخر والذي سيخبرها بظهوره بوجود حمل من عدمه.
انتظرت أكثر من عدد السنين الماضية التي تمنت فيها أن تكون أما..
انتظرت تحبس أنفاسها ودموعها..
انتظرت حتى بدأ اللون الزهري يظهر في خط آخر فتسارعت دقات قلبها طرديا مع ظهوره..
ظهر خط زهري اللون ..فطرح ثمارا لزهرة شبابها التي أوشكت على الذبول .


عادت تحدق في الهاتف من جديد وبدون تفكير طلبت الشيمي.


جاءها صوته مختلطا بالنوم يقول بقلق "ماذا هناك يا رفيدة إنها الثالثة صباحا هل أنت بخير؟"
حين سمعت صوته انفجرت في بكاء حار وهي تنزل على عقبيها تجلس القرفصاء في أرض الحمام .. فاعتدل الشيمي من رقدته بصعوبة متألما وقال بفزع " رفيدة ما بك ؟.. هل حدث شيء؟"


تمتمت من بين دموعها" ميمي .. أنا .. حامل يا ميمي .. حامل"
سرت رعدة في عموده الفقري وسألها ببطء متحشرج" هل أنت متأكدة؟"
ردت من بين دموعها" خضعت لاختبارين واحد منزلي والأخر في المعمل.. والاثنان يؤكدان بأني حامل في الأسبوع الرابع"
أغمض الشيمي عينيه وانعقد لسانه لثوان وقد غلبته مشاعره بينما استمر نشيج رفيدة عاليا تغمغم من بين دموعها "لم يفت الوقت بعد .. لم يفت يا ميمي .. كنت أعلم بأن الأمل ضعيفا لكني .. لكني (واجهشت بالبكاء فتمزق قلبه ) لكني حملت من أول شهر "


لمعت عيناه بالدموع وقال بصوت أجش" رزقك كان محفوظا لك يا رفيدة اهدئي الآن واستريحي"
قالت تسخر من نفسها وهي تتطلع حولها" أنا جالسة في أرض الحمام كالهبلاء (وابعدت الهاتف تنظر في الساعة ثم اعادته على أذنها تقول ) الساعة لا تزال الثالثة والنصف ليتك كنت موجودا الآن حتى أحضنك .. سآتي لك بمجرد أن يأتي الصباح .. لابد أن يدخلوني قبل العاشرة لن اتحمل الانتظار"
قال الشيمي مهدئا" عودي إذن للنوم الآن ..أنت أجهدت نفسك الأيام الماضية وعليك أن تستريحي لتحافظي على هدية رب العالمين لنا"
غمغمت وهي تمسح دموعها " لا أصدق أنا أحلم "


قال بهدوء "تعدينني بأنك ستعودين للسرير فورا"
قالت مؤكدة" أعدك .. عد لنومك وسنلتقي في الصباح بإذن الله"
قبل أن يغلق الخط هتفت "شيمي"
رد بخفوت "نعم"
قالت تحاول أن تصيغ العبارات المتعثرة على لسانها " أنا سعيدة ..سعيدة ..سعيدة ..سأكون أما يا شيمي ..أم حقيقية لطفل من رحمي"
رد الشيمي بصوت متأثر" مبارك لنا يا تاج رأس الشيمي"
بعد دقائق أغلق الشيمي الخط وأنزل ساقيه من السرير يتحامل على الألم في ضلعه وصدره وتحرك يبحث عن ملابسه.
××××


بعد ساعة



حاول الشيمي فتح الباب بالمفتاح لكنه كان مغلقا بالقفل من الداخل فضغط على الجرس .. فعقدت رفيدة التي لم تنم بعد حاجبيها وغادرت سريرها لترى من سيزورها في الرابعة والنصف فجرا .
نظرت من العين السحرية وشهقت وهي تفتح الباب بسرعة تتطلع في الشيمي واقفا أمامها يمسك بصدره فصرخت بهلع" شيمي ! .. كيف خرجت من المستشفى!!"
ابتسم وسحبها لحضنه يحيطها بذراعيه قائلا بهمس "لم استطع الانتظار لثانية واحدة دون أن اشاركك هذه اللحظة الاستثنائية "
تشبثت بقميصه من الخلف وانفجرت في البكاء تغمغم "مازلت لا اصدق يا شيمي .. لا أصدق"
أبعدها يقول متحاملا على آلامه الجسدية" حمدا لله يا رفيدة حمدا لله"
انتبهت لحالته فأسرعت بإسناده ليدخل قائلة " يا الهي! لا أصدق بأنك خرجت من المستشفى بدون علمهم"


تحرك نحو الداخل ثم توجه نحو غرفة النوم واستلقى على السرير بتوجع قائلا "سأتلقى باقي العلاج في البيت معك يا ست الناس ومع الشيمي الصغير"
انتابتها نوبة بكاء هستيري فألقت بنفسها فوق صدره مغمغمة" أحبك يا ميمي الشيمي حمودة .. أحبك يا حبيب العمر"
اطلق الشيمي آهة توجع حين ضغطت على الجرح باندفاعها ثم غمغم بابتسامته الطفولية " وأنا أحبك يا تاج رأس الشيمي وفرحة عمره "
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:21 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.