آخر 10 مشاركات
زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          حب في الصيف - ساندرا فيلد - الدوائر الثلاثة (حصريــا)** (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )           »          52 - خداع المرايا - أجاثا كريستي (الكاتـب : فرح - )           »          ليالي صقيلية (119)Notti siciliane ج4من س عائلة ريتشي:بقلمي [مميزة] كاملة و الرابط (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          287 - كذبة العاشق - كاتي ويليامز (الكاتـب : عنووود - )           »          284 - أنت الثمن - هيلين بيانش _ حلوة قوى قوى (الكاتـب : سماالياقوت - )           »          275 - قصر النار - إيما دارسي (الكاتـب : عنووود - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1161Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-11-19, 12:17 PM   #351

Berro_87
 
الصورة الرمزية Berro_87

? العضوٌ??? » 368495
?  التسِجيلٌ » Mar 2016
? مشَارَ?اتْي » 318
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » Berro_87 is on a distinguished road
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc
افتراضي


بانتظار الفصل ♥️♥️♥️♥️

Berro_87 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-19, 12:40 PM   #352

سوووما العسولة
 
الصورة الرمزية سوووما العسولة

? العضوٌ??? » 313266
?  التسِجيلٌ » Feb 2014
? مشَارَ?اتْي » 928
?  نُقآطِيْ » سوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond repute
افتراضي

تسجيل حضوور. بانتظارك ياجميلةة

سوووما العسولة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-19, 12:42 PM   #353

دودو عبده

? العضوٌ??? » 456178
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 73
?  نُقآطِيْ » دودو عبده is on a distinguished road
افتراضي

في الانتظار ياجميلة ❤❤

دودو عبده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-19, 12:44 PM   #354

نورسه

? العضوٌ??? » 426042
?  التسِجيلٌ » Jun 2018
? مشَارَ?اتْي » 213
?  نُقآطِيْ » نورسه is on a distinguished road
افتراضي

تسجييييييل حضووووور

نورسه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-19, 12:45 PM   #355

عائشة احلام

? العضوٌ??? » 441609
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 74
?  نُقآطِيْ » عائشة احلام is on a distinguished road
افتراضي

كنت انتظر ان نتهي من قرأة الفصول حتى اكتب لك تجربتي مع الرواية الرواية جميلة ومميزة وحببت السرد وشخصيات ولك مني كل الحب وتقدير وستمري فعطاء وبنتظار باقي الفصول

عائشة احلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-19, 12:57 PM   #356

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثامن عشر

الفصل الثامن عشر


بقلب تنهشه الوساوس.. وتأسره الهموم جلس زياد في اجتماعه الهام الذي امتد لساعات مع وفد أجنبي .. متمنيا في كل دقيقة أن ينتهي بسرعة حتى يعود للبيت بأي حجة ليطمئن على وجودها فيه ..
وفي الوقت نفسه يوبخ نفسه لتلك الحالة المزرية التي اصبح عليها ..
لكنه لم يكن قادرا على مقاومة ما يشعر به من عذاب .. يعرف نفسه جيدا ..
إنه عالق في حبها بشكل فاق الوصف والتعبير .




بذهن شارد استأذن الجالسين حول طاولة الاجتماعات واستقام ينتحي جانبا .. ليتأكد من الهاجس الذي يسيطر على عقله منذ أن تركها صباحا ... فأمسك بهاتفه ليطمئن نفسه بأن ما يفكر فيه ليس صحيحا .. وأن إغلاقها للهاتف منذ الصباح هو بالتأكيد محض صدفة لأنها رغبت في المزيد من النوم ..


لكن اتصاله بهاتف المنزل وعدم ردها عليه أيضا أرعبه وزاد من قلقه وتوجسه .. فقرر أن يتصل بهاتف العمل ..
ردت زميلة عهد على الهاتف فقال رغم معرفته بأنها ليست في العمل " أريد التحدث مع الأستاذة عهد الدهشان من فضلك"


ليأتيه الرد الذي كان يخشاه حين أجابت " استاذة عهد لم تعد تعمل لدينا يا أفندم .. استقالت .. فكيف يمكنني أن أساعدك ؟"
قال بحشرجة يحاول التأكد مما سمعه " استقالت !!"
صمتت زميلتها لثانية ثم قالت مؤكدة " أجل يا أفندم هل أتشرف باسم سيادتك ؟"


أغلق زياد الخط .. ووقف متقبضا متخشبا كتمثال من الشمع يحاول أن يتماسك ..
قلبه ينزف وكرامته تئن ومشاعر الخذلان تجلده ..
أبعد كل هذا استطاعت أن تفعلها ؟؟!
حتى لو كان ما فعلته من أجل تصحيح علاقته بوالديه .. كيف امتلكت القدرة على التنفيذ؟؟!!!..
كيف طاوعها قلبها أن تتركه وتسافر ..


هل سافرت عهد وتركته ؟!!
أخرجه محامي الشركة من شروده حين ناداه متنحنحا ليغمض زياد عينيه لثانية يتمالك نفسه ثم استدار إلى الحاضرين بوجه جامد يعتذر .. وتحرك عائدا إلى مقعده يمسك بعقدة رابطة عنقه متمنيا لو يستطيع حلها قليلا ليخفف شعوره بالاختناق.
داخله يتمزق وقلبه يتفتت بألم مبرح لقطع صغيرة لكنه تقبض بقوة وصلابة يطالع الوجوه بعدم تركيز ..




دخل عامل البوفيه يضع المشروبات أمام الضيوف فمال زياد على المحامي الذي لاحظ تجهمه وقال بحشرجة " أستاذ عزت .. أنا أشعر ببعض التوعك لكني بالطبع لن استطيع الاستئذان أو تأجيل صفقة هامة كهذه .. لذا أطلب منك أن تدقق بالنيابة عني فيما يقولون.. واذا استطعنا بأي حجة أن نستكمل الاجتماع فيما بعد سيكون هذا من حسن حظي .. ( وبلع ريقه يحاول التجلد ) المهم سأتفاوض أنا معهم لكن كن مستيقظا لربما أخفقت بشيء "
نظر إليه عزت بتعاطف ثم قال بخفوت " تبدو بالفعل مريضا إنك تتعرق "


قبض زياد على أعصابه ونظر لأعضاء الوفد الأجنبي يرسم ابتسامة مجاملة بصعوبة بينما صب عزت له كوبا من الماء ليرشف الأخير منه رشفة واحدة كانت مرة كالعلقم .. ويعود للتحدث بالإنجليزية وكفه الموضوعة على الطاولة تزداد تقبضا دون أن يدري حتى ابيضت مفاصل أصابعه .


قبل ساعات


خرجت عهد من غرفة النوم متعجلة بعد أن ارتدت حلة رسمية باللون الرمادي وصففت شعرها على شكل عقدة منخفضة خلف رأسها مرتبة بعناية مع زينة خفيفة على الوجه وطلاء شفاه باللون الوردي يتناسب مع بشرتها البيضاء.


لقد تأنقت أكثر من المطلوب لمقابلات التقدم للحصول على وظيفة ..
وكيف لا تتأنق وهي ستقابل زياد الحب بعد قليل .


أرادت مفاجأته بالانضمام له في شركته راغبة في مساندته .. وخططت لهذا الأمر من اليوم الأول الذي عادت فيه للعمل بعد الزواج .. وما ساعدها في الحصول على اخلاء طرف سريع بعد تقديمها الاستقالة هو أنها كانت عائدة من إجازة ولا يوجد في عهدتها أعمال تحتاج لوقت لتسليمها لزميل .. ففاتحت رئيسها المباشر فيما هي عازمة عليه وقضت بقية الأيام تستعد للمغادرة ..


كانت ستستقيل في كل الأحوال بعد أن حصلت على تأشيرة السفر لألمانيا .. لكنها أرادت أن تقف خلف زياد وتدعمه في عمله .. واشفقت عليه من شعوره بعدم الراحة بسبب عملها مع يونس رغم أنها تقريبا تمر أيام لا تقابل الأخير فيها..
حتى أنها استقالت بدون أن تخبر يونس ويتملكها الحرج الشديد بسبب ذلك .. فهو من منحها هذه الفرصة .. كما أن ما بينهما من صداقة وعشرة توجب عليها أن تخبره بنفسها .. لكنها خشيت أن يخبر زياد قبل أن تخبره هي فيضايق ذلك الأخير .. وبالطبع من غير اللائق أن تطلب من يونس بألا يخبر زوجها .. لهذا قررت ألا تخبر يونس رغم استشعارها بالحرج منه .. ونوت أن تعتذر له فيما بعد .. وتدعو في سرها ألا يعلم الأخير بالخبر في المصنع قبل أن تفاجئ هي زياد اليوم في الشركة ..
وبالرغم مما عزمت عليه .. لكنها لا تزال خائفة من أن تضغط على زياد بما ستفعل في نفس الوقت الذي يضغط عليه والديه في الانفصال عنها .. ولا تعرف إن كان ما تفعله صواب أم خطأ ؟..
يصب في مصلحته أو ضده؟ ..
يساعده أم يصعب الأمور عليه ؟..
لكنها أرادت أن تثبت له أنها تحبه ومتمسكة به رغم مخاوفها من أن تضره بهذا الحب ..
وقفت عهد في الصالة تضع يدها على صدرها لتنظم أنفاسها مطمئنة نفسها بأن التأشيرة لا تزال موجودة .. وبأنها ستتمسك به حتى آخر نفس .. لكن اذا ما وجدته يعاني من تمسكها به .. سترحل بعيدا .. وطلبت من الله أن يمنحها القوة لفعل ذلك ..
للرحيل ..
لتركه إذا ما تطلب الأمر .


تذكرت بأنها نسيت ملف أوراقها الذي يتضمن سيرتها الذاتية وشهاداتها.. فعادت بسرعة لغرفة النوم تلتقطه من فوق طاولة الزينة وتهرول نحو غرفة المعيشة ووقفت تشرب قهوتها على عجل وتتخيل رد فعل زياد حين تدخل عليه تطلب العمل معه ..


بحثت في حقيبة يدها عن هاتفها لكنها لم تجده .. فجرت مجددا نحو غرفة النوم لتلتقط الهاتف من فوق السرير عائدة لغرفة المعيشة ثم وقفت من جديد في الممر المؤدي للغرف الداخلية تهدئ من روعها .. ساخرة من نفسها على حالتها المتوترة المرتبكة ..وأخذت تسحب نفسا منتظما لتهدأ .. ثم ضيقت عيناها تتطلع في هاتفها مفكرة .. إذا اتصل بها زياد وهي في الطريق وردت سيكتشف بأنها في الشارع وسيحرق لها المفاجأة .. فكرت لثوان ألا ترد عليه إذا ما اتصل لكنها عادت تخبر نفسها بأنه قد يقلق ويترك مكتبه ويأتي ليطمئن عليها .. تعرفه مجنون ويقوم بأشياء غير متوقعة .. فقررت أخيرا أغلاق هاتفها خلال هذه الساعة التي ستستغرقها للوصول لمكتبه ومقابلته ..



ابتسمت عهد بتسلي وهي تغلق الهاتف.. لكن تلك الابتسامة طارت من على وجهها سريعا حين رن جرس الباب فتعجبت .. مَن مِن الممكن أن يأتيهم في هذا الوقت من الصباح .. وتمنت ألا يكون محصل فاتورة الكهرباء الذي تحرجت أمامه المرة الماضية وهي محبوسة لا تجد المفتاح .. لكن قبل أن تتحرك نحو الباب شعرت بأن احدهم يفتحه من الخارج فارتبكت لأول وهلة ..



أيمكن أن يكون زياد وضاعت مفاجأتها ؟!!.. لكنها استبعدت ذلك بعد أن انتبهت لأن القادم ضغط على الجرس أولا.. لتتفاجأ بوالدة زياد تقف عند حدود الباب تتطلع حولها بحرج.. حتى تلاقت عينيهما .
تلجمت عهد وانعقد لسانها من المفاجأة.. فقالت ناهد بهدوء" صباح الخير عهد (واكملت بحرج وهي تشير للمفتاح ) آسفة ضغطت على الجرس وحين لم يفتح أحد تصرفت بعفوية.."


حاولت عهد السيطرة على الارتباك والمفاجأة وغمغمت بكلمات غير مفهومة تشير لها بكفها بأدب للدخول
فتقدمت ناهد نحو غرفة المعيشة تشعر هي الأخرى بالحرج موبخة نفسها أنها فتحت الباب دون إذن ... فرغم أنها شقتها هي وليست شقة زياد وعهد لكن الأمر محرج ومربك وغير لائق .


جلست ناهد بأناقة تضع ساقا فوق الأخرى ثم هتفت باندهاش وهي تطالع ما ترتديه عهد " هل كنت تنوين الخروج .. لقد علمت من زياد وهو يلقي عليّ تحية الصباح منذ قليل على الهاتف بأنه خرج اليوم وحده وأنك فضلت الراحة اليوم.. لهذا وجدتها فرصة جيدة لنتحدث سويا في عدم وجود زياد"
ضربات قلبها تزداد وشعور بالإحباط الشديد تملك من عهد .. بعد أن كانت متحمسة للمفاجأة التي تعدها لزياد .. لكنها حاولت التماسك وسألتها بهدوء" اخبريني ماذا تشربين أولا .. لدي قهوة ممتازة (ثم ارتبكت لتقول) أقصد إذا كنت تحبين القهوة (ثم استدركت بلجلجة كرهتها من نفسها وهي تقف بارتباك واضح أمام ناهد) وعندي عصير إذا اردت"
قالت ناهد بتعاطف مع ارتباكها " لا بأس بالقهوة "


اسرعت عهد نحو المطبخ ممتنة لهذه الفرصة لالتقاط أنفاسها من المفاجأة .. وفكرت في الاتصال بزياد لتخبره بوجود والدته لكنها تذكرت أنها أتت بدون علمه فأسرعت لتجهيز القهوة وذهنها مشغول بألف سؤال وسؤال مرددة في سرها "تماسكي يا عهد أنت شجاعة وستفعلين كل شيء في مصلحته"


مدت ناهد يدها للملف الموضوع على الطاولة القصيرة التي تتوسط الارائك وتفحصت محتواه بسرعة وهي تراقب عهد التي توليها ظهرها في المطبخ .. فتعرفت سريعا على بياناتها وشهاداتها والدورات التي حصلت عليها واللغات التي تتقنها وما إلى ذلك لتتركه بسرعة بعد أن شعرت بعهد عائدة.. لتتفحصها بنظرة انثى مقيِّمة لزوجة ابنها قبل أن تشكرها بلباقة حين وضعت القهوة أمامها ثم جلست على الأريكة المقابلة .


لاحظت عهد كيس كبير كانت ناهد قد دخلت به موضوعا على المنضدة فقالت متهكمة بدون قصد وهي تشير إليه "يبدو أن المبلغ كبير"
عقدت ناهد حاجبيها وغمغمت بعدم فهم "أي مبلغ؟"
قالت عهد موضحة " المبلغ الذي ستعرضينه عليّ لأترك زياد .. هكذا يفعلون في الدراما.. تأتي أم الزوج وتعرض على زوجة ابنها الغير مرغوب فيها مبلغا من المال لتتركه .. لكن النقود تكون في حقيبة سوداء وليس في كيس"


خرجت النكتة من فم عهد دون قصد منها سهما مؤلما أصاب قلب ناهد التي رفعت حاجبيها ثم سألتها باهتمام "وماذا كانت تفعل زوجة الابن عادة في هذه القصص؟"


تنهدت عهد واجابت " عادة كانت ترفض أن تأخذ المال حتى تثبت للمشاهدين ولأهله أنها تحبه .. ثم تقرر أن تتركه وترحل مضحية بسعادتها من أجله "
تناولت ناهد كوب القهوة بهدوء ورشفت منه وهي تسألها بنظرة ماكرة" وهل ستفعلين أنت نفس السيناريو؟"


قالت عهد وهي تسند بيديها إلى جانبيها على الاريكة وجذعها يهتز بحركة خفيفة متوترة" الحقيقة لو كان زياد لن يتألم لذلك سأفعلها .. (وتهدج صوتها وهي تضيف ) حتى لو كان ذلك سيمزق قلبي ويقتلني.. (ونظرت في عيني ناهد مؤكدة ) لو تستطيعين تنفيذ ذلك يا هانم .. لو تستطيعين التأكيد لي بأن زياد لن يتألم سأفعلها من أجله .. ( وتحشرج صوتها ) أنا عشت حتى قبل يومين من زواجي منه أراه بعيد المنال وكنت أنوي السفر لألمانيا"


وضعت ناهد الكوب البورسلين على المنضدة وعدلت من جلستها لتضع ساقيها ملتصقتان تميلان قليلا إلى يسارها وبقيت صامتة .. متفحصة .. محللة .. فأكملت عهد بلهجة متوسلة ليست من شيمها " ناهد هانم .. ربما لم تتسنى لنا الفرصة ليقدمني زياد لك بالشكل اللائق.. لكن صدقيني.. لا أنا ولا هو تعمدنا أن نتزوج بهذه الطريقة.. الأمر كان من تدبير القدر ليختصر علينا المسافات الكبيرة بيننا .. ولا أرغب في أن يغضب قلبك على زياد .. لن أرضى له بهذا أبدا .. لكني استحلفك بالله أن تمنحي زواجنا فرصة .. ( وارتجف صوتها تضيف باختناق ) ربما لا أعرف كيف أكون زوجة جيدة .. أو زوجة ابن تتشرفين بها أمام الناس فلم تعلمني أمي أيا من هذه الأمور .. وربما لا أملك اسم العائلة الكبير ذا الصيت الذي تمنيتِه لزياد .. رغم أني من عائلة كبيرة في الجنوب لها وزن ليس بهين.. لكني متفهمة أنه من حقك كأم أن تتفاخري بنسب عائلة معروفة في محيط معارفك .. لكن ما أنا متأكدة منه كاسمي .. أني أحب زياد .. أحبه جدا .. ولم استطع الفكاك من هذا الحب من مراهقتي حتى الآن .. "


استمرت ناهد في تأملها بصمت فأضافت عهد بلهجة معذبة وقد بدأت الدموع تتدفق من عينيها " أنا أحب ابنك ناهد هانم .. ومستعدة أن أفعل أي شيء من أجله وأي تضحية لا تؤذيه .. هل تعلمين بأني قد حصلت على تأشيرة لألمانيا؟؟.. أي أنني استطيع أن أذهب لو أردت وكما خططت قبل الزواج منه.. لكني لم أقدر.. ولن افعلها إلا لو طلب مني هو ذلك .. ( وسحبت نفسا لتهدئ من انفعالها وتمسح بإصبعها دمعة فرت من طارف عينها ثم أكملت بنفس اللهجة المتوسلة ) أستحلفك بالله ألا يغضب قلبك عليه وامنحينا فرصة .. أنا أريد أن أسعده صدقيني لن تجدي فتاة تحبه بقدر حبي له.. فامنحينا مباركتك "


رق قلب ناهد لها .. واطمأنت بأن القرار الذي اتخذته والذي بسببه أتت هو قرار سليم .. وهو أن تقبل بالأمر الواقع رغما عنها حتى لا تفسد على ابنها سعادته.. لكنها قالت بعتاب " كنت أتمنى أن تكوني أنت يا عهد المبادرة بالذهاب إلينا.. لا أن تنتظري حتى آتي أنا إليك"
قالت عهد بسرعة " صدقيني فكرت في هذا الأمر أكثر من مرة لكني خشيت أن تنفعلي إذا ما رأيتني كما حدث في المرة الماضية وتمرضي "


قالت ناهد موضحة " المرة الماضية لم يكن رد فعلي ضدك أنت .. كان بسبب الخبر الصاعق الذي تلقيته .. ضعي نفسك مكاني.. ابنك الوحيد يتزوج دون أن.. (وتهدج صوتها لتكمل بألم ) دون أن تريه في حلة العريس .. دون أن تعيشي تلك اللحظة مثل أي أم تنتظر هذا اليوم وتنتظر ...."
تغرغرت عيني عهد بدموع التعاطف بينما قطعت ناهد حديثها وفتحت حقيبتها تبحث عن البخاخة لتندفع الأخرى مقتربة منها بسرعة تجلس أمامها على عقبيها قائلة " أرجوك اهدئي ناهد هانم .. أنا اتفهم تماما ما تتحدثين عنه .. ولا أعرف كيف يمكن أن أصلح الأمر"
اعادت ناهد البخاخة لحقيبتها بعد أن استشعرت عدم حاجتها لها .. ومسحت دموعها تقول بهدوء " لا بأس لعله خير .. ( واستحضرت كلمات زوجها ورددت بما قاله لها منذ أيام ) الله سبحانه وتعالى أراد للأمر أن يتم بهذا الشكل فاللهم لا اعتراض على أمره"


لم تجد عهد ما تعقب به فانخرست تتأمل حماتها من هذا القرب .. لقد اختلفت كثيرا عن عشر سنوات مضت حين رأتها أول مرة .. زاد وزنها زيادة محمودة .. وظهرت علامات طفيفة للسن على وجهها رغم أنها تبدو أصغر من منتصف الخمسين من العمر كما أخبرها زياد .. وتغير شكلها بالحجاب .. فحين قابلتها من عشر سنوات لم تكن محجبة .. لكنها ازدادت بحجابها القصير أناقة ورقة وارستقراطية ..


غمغمت عهد وهي لا تزال على جلستها أمامها " اعتقد انك لا تذكرين لقائي بك منذ سنين حين زرت المدرسة لكني اذكرك جيدا .. لأنك اخفتني"


رفعت ناهد حاجبيها وهتفت مندهشة" أنا اخفتك؟!!"
ابتسمت عهد واستقامت تزيح الكيس الكبير من فوق الطاولة الصغيرة وتجلس عليها بجواره ..فلم يعد يفرق بينها وبين ناهد سوى بضع سنتيمترات وقالت مفسرة بحرج "كنتُ وقتها صغيرة ومراهقة ورأيتك مدججة بالحرس والجميع يحسبون لك ألف حساب .. وكنتِ تتفقدين المدرسة كزوجة الوزير .. فشعرت وقتها أن احلامي مع زياد غير منطقية ومحكوم عليها بالفشل "


ردت ناهد مدافعة وقد ضايقها أن تكون مخيفة " أنا كنت كأي أم في زيارة لمدرسة ابنها .. لكن إدارة المدرسة حولت الزيارة لجولة تفقدية فاضطر الحرس للتجول حولي .. خاصة وأنها لم تكن جولة مخطط لها .. لكني كنت أرغب في معرفة المزيد عن ابني الذي كان في حال غريب وقتها( وصمتت قليلا ثم استطردت باقتضاب ) عموما هذا موضوع قديم لا داعي لفتحه"
قالت عهد متفهمة" أعرف .. زياد اخبرني مؤخرا عن موضوع انزلاقه للإدمان في هذه الفترة "
غمغمت ناهد" يبدو انه لا يخفي عنك شيء"
ابتسمت عهد لتقول ناهد فجأة وهي تمسك بالكيس الكبير" بالمناسبة هذه باقي الهدايا التي طلبت من حارس الxxxx توزيعها على الجيران تمهيدا لأن نقيم حفل كبير نقدمك لهم .. لكن علينا اختلاق سببا مقنعا لعدم اخبارهم بزواج زياد.. وابني الذكي أتى بك الى هنا وليس للبناية الأخرى التي لا تربطنا بسكانها أي روابط مثل هنا "


تفاجأت عهد بأن حماتها كانت عاقدة العزم بالفعل لتقبل الأمر فتأثرت لموقفها ولمبادرتها...
تأثرت بشدة وغلبتها المشاعر أن تتقبل هذه السيدة احباطها من زواج ابنها الوحيد بهذا النضج .. فكبرت في عينيها واحترمتها جدا .. لتغمغم والدموع تتجمع في مقلتيها " شكرا ناهد هانم.. شكرا جدا على منحنا هذا القدر من السعادة بمباركتك لزواجنا "


قرصت الدموع عينا ناهد لا تدري لم .. لكن هذه الفتاة تثير عاطفتها بشكل غريب ..بينما امسكت عهد يد حماتها بين يديها تقول بامتنان حقيقي ودموعها تسبقها " أعدك أن أفعل كل شيء من أجل اسعاده .. صدقيني لن تحبه فتاة أكثر مني أبدا أبدا"


تمتمت ناهد بلهجة طفولية وقد اصابتها عدوى البكاء "لكن عليك أن تعرفي بأني سأكون حماة صعبة.. شديدة.. دقيقة فيما يتعلق بابني"
سيطرت على عهد رغبة غريبة لاحتضانها لكنها تحفظت عن اظهار تلك المشاعر المفاجئة وأومأت برأسها موافقة تغمغم " لا بأس سأتحمل كل شيء من أجل زياد"
تطلعت فيها ناهد بتدقيق أكبر .. ثم قالت وهي تمسح عينيها " لماذا نبكي؟"


مسحت عهد عينيها وأجابت بابتسامة " لا أدري لكني سعيدة جدا جدا شكرا لك"
رن جرس الباب .. فعاقدتا حاجبيهما لتسألها ناهد "هل تنتظري احد؟"
ردت عهد باندهاش وهي تجفف وجهها من الدموع" كلا (ثم غمغمت باستدراك ) سوى محصل الكهرباء .. أتمنى ألا يكون هو"
سألتها ناهد بعدم فهم " لماذا؟؟... هل يتهرب ابني من دفع فاتورة الكهرباء؟!!!"


ردت عهد وهي تتحرك لتفتح الباب " لا .. لكنه حبسني ذات يوم وأغلق عليّ الباب من الخارج وجاء المحصل ولم استطع فتح الباب فكنت محرجة جدا وطلبت منه أن يأتي في وقت آخر"
اتسعت عينا ناهد تهتف باندهاش "لماذا حبسك ؟؟"
احمر وجه عهد وادركت أنها تسرعت في ذكر هذا الموضوع الذي لن تستطيع البوح بالسبب الذي دفع زياد لأن يفعل ذلك فقالت بمراوغة قبل أن تنظر في العين السحرية "كان يمزح"


جعدت ناهد جبينها تحاول استيعاب هذه المزحة الغريبة بينما قالت عهد بملامح متسائلة "هناك ثلاث نساء لا اعرفهم بالخارج "
جحظت عينا ناهد وانتفضت واقفة تقول بهمس" يا الهي أتمنى ألا تكن من الجارات"
رددت عهد متفاجئة تجاريها في الهمس "الجارات!!"


اسرعت ناهد نحو الباب تنظر من العين السحرية لتقول بهمس " انهن توتي .. وآنو ..وزيزي .. بالتأكيد أتوا بعد أن طلبت من حارس البناية توزيع الهدايا على كل الجيران .. لم احسب حساب لهذا ولست مستعدة لمقابلتهم بعد لكننا مضطرون"
اومأت عهد برأسها لا اراديا رغم أنها لم تفهم ما تقوله حماتها لتقول ناهد بسرعة "هيا اخلعي"
قالت عهد بهمس مصعوقة " ها ؟!!"


قالت حماتها بنفس الهمس " اخلعي سترة الحلة تبدين رسمية جدا .. اعتقد أن قميص السترة الحريري هذا بدون أكمام"
تطلعت فيها عهد بغباء .. ليرن الجرس مرة أخرى فأسرعت بالتنفيذ .. لتجد حماتها قد سحبت المشبك من شعرها الكستنائي المموج لينساب على كتفيها فاحمرت الأخرى خجلا .. بينما اسرعت ناهد تفتح الباب وتستقبل ضيوفها ببشاشة .


ارتبكت عهد وتحول وجهها للون الاحمر .. وهي تتلقى منهم التهاني بينما هن يثنين على جمالها ..
شعور مدغدغ ينتابها لأول مرة.. يتمازج فيه الارتباك مع الاحساس بأهميتها وانوثتها .. وتسللت إليها رغبة في أن تكون في عيون الأخريات تليق بأن تكون زوجة ابن لناهد .. ليس من أجلها كعهد ولكن من أجل اسعاد هذه السيدة ..
استأذنتهن وتحركت نحو المطبخ لتضيفهن.. لتلحق بها حماتها بعد ثوان تسألها "هل عندك ما سيقدم مع الشاي أو القهوة؟"


تسمرت عهد تسألها بغباء " مثل ماذا؟"
قالت ناهد هامسه " جاتو سواريه ..أو سابليه .. أو ساليزون .. أو حتى إنجلش كيك"
هرشت عهد في رأسها تقول" عندي كيك البرتقال أنا من صنعته (واكملت مازحة ) أما الباقي استغفر الله لا ندخل لبيتنا هذا المنكر"


تطلعت فيها ناهد لثانية بينما احمر وجه عهد لا تعرف لم اطلقت هذه المزحة بهذا الاندفاع رغم أنها شخصية يغلب عليها التحفظ لتقول بسرعة" آسفة لم اقصد .. بالطبع أعرف هذه الاصناف لكني لا أشتريها عادة"


غمغمت ناهد وهي تبحث حولها بسرعة "أعرف انك تمزحين أين الكيك؟"
ردت عهد بمزاح آخر " ابنك سيفتعل المشاكل إذا لمسنا صينية الكيك قبل أن يعود .. لقد طلب مني اعدادها في الثانية صباحا "
قالت ناهد وهي تفتح الثلاجة وتخرج منها صينية الكيك " كفي عن المزاح يا عهد "


ردت عهد ببساطة " حاضر ...لكني اتكلم الحقيقة صدقيني"
لملمت ناهد ابتسامة ملحة وقربت الكيك من انفها تشتمها.. لترفع عهد حاجبا .. فظهرت علامات الرضا على وجه حماتها .. لتنزل الأخرى حاجبها بارتياح ووقفت تتابعها وهي تقطع الكيك بيد متمرسة بينما قالت ناهد "أحضري الفناجين"
قالت عهد عاقدة حاجبيها "ألن يشربوا الشاي والقهوة في الأكواب البورسلين !"


تنهدت ناهد وأجابت" حفلات الشاي تقدم في الفناجين يا عهد
أومأت عهد برأسها تتصنع الفهم وردت" أجل تذكرت كنا ندرس ذلك في مادة الاتكيت في المدرسة وكنت دوما اهرب من تلك الحصة لأتدرب حصصا اضافية على تمارين كرة اليد"


استدارت إليها ناهد متفاجئة .. فأسبلت عهد جفنيها تهرش في رأسها بحرج مغمغمة" آسفة لم أكن اعرف بأني سأتزوج زياد وجدي (لاح شبح ابتسامة على وجه ناهد بينما اكملت عهد ) ولنفس السبب أيضا لم اشتري فناجين للأسف "
تغيرت ملامح ناهد وهتفت مصعوقة" هل كسرتم اطقم فناجيني الثمين؟؟!!! "
ردت عهد بسرعة" أقسم بالله لم أرها حتى .. اسألي ابنك ألم يكن يسكن هنا قبلي!!"


قالت ناهد بقلة صبر" ارحميني يا عهد ستجدينهم مرتبين بالتأكيد في إحدى الخزائن "
توجهت تبحث في الخزائن وشعور بالراحة غريب يتملكها بأنها طفلة صغيرة في حضرة امرأة أكثر خبرة.. وعادت إليها بعد دقيقة تضع الفناجين بجانبها ووقفت تراقبها وهي ترتبهم على صينية كبيرة .. وسمعتها تغمغم "لو كان لدينا وقت لكنا طلبنا أي صنف بجانب هذا الكيك"


قالت عهد بتردد" عندي بسكويت وكعك من عند اهلي بالجنوب يسمونه( كعك العروس) "
لمعت عينا ناهد وقالت "ولماذا لم تخبريني من قبل .. هاته بسرعة"
ردت عهد متفاجئة وهي تفتح الخزانة وتحضر علبة من العلب " لم اتوقع أن تعجبك فهي ليست أصنافا أجنبية"


تناولت ناهد منها العلبة بسرعة وقربتها من أنفها لتشتم الكعك والبسكويت ثم قالت برضا" رائع .. بالطبع سيعجبهم .. يكفي أنه مصنوع باليد كهدية مخصوصة للعروس "


توقفت عهد عند معنى الكلام وصاحبته .. ثم رفعت رأسها نحو الخزانة التي تحتوي على باقي العلب ..
ولأول مرة ترى الأمر بهذا الشكل العميق .. لقد كانت تركنهم في الخزانة وزياد فقط من كان يأكل منهم .
قاطعت ناهد أفكارها حين قالت بلهجة موجِهة " سأذهب إليهم لأننا تأخرنا عليهم .. وأنت أكملي رص الاطباق بنفس الشكل وهاتها .."


أومأت عهد برأسها وبدأت في التنفيذ بينما تحركت ناهد خطوة ثم عادت لعهد تقول " افردي كتفيك يا عهد .. لا تمشي بهما متدليان للأمام .. افرديهما وارفعي ذقنك وأنت تدخلين حاملة للصينية"
اومأت عهد مرة أخرى بطاعة غريبة على شخصيتها المعاندة فمدت ناهد يدها ترفع عن وجهها خصلة للخلف وعدلت من ترتيب الخصل على كتفيها مغمغمة بمشاعر صادقة " تبدين أجمل هكذا"
وتحركت تخرج على عجل لتلحق بضيفاتها مضيفة بلهجة حازمة" كما قلت ارفعي ذقنك وانظري أمامك ولا تتوتري كنت متوترة وأنت تسلمين عليهن"


رغبة في البكاء انتابت عهد فغمغمت بصوت متأثر خافت "حاضر "
بينما تركت ناهد المطبخ متوجهة لغرفة الصالون تاركة عهد لثوان تتطلع في أثرها تلتقط الأنفاس .. لكنها لم تجد وقتا لتحليل مشاعرها الغريبة التي تعتريها منذ أن جاءت هذه السيدة فأسرعت ترتب الصينية كتلميذة نجيبة ..لتلحق بحماتها في غرفة الصالون .


مرت عدة ساعات حتى غادرت الضيفات أخيرا بعد أن قضوا الوقت في ابداء اعجابهن بالكعك والبسكويت والكيك .. وسألن عهد عددا من الأسئلة الفضولية الشخصية عنها وعن عائلتها .. فاجابت بما اجابت وراوغت بما أرادت أن تراوغ فيه .. بينما وعدتهم ناهد بدعوتهن لحفل قريب احتفالا بزواج ابنها .. متعللة بأنها ووالد زياد كانا يعلمان بعلاقة الحب التي تجمع زياد بزميلته في الدراسة في المانيا وحين عاد زياد وعهد للوطن قاما بالتوجه فورا من المطار إلى عائلة عهد في الجنوب حيث كان عمها الكبير مريضا فأصرت عائلتها بأن تبقى عهد لديهم حتى موعد الزفاف .. مما اضطر زياد لعقد قرانه عليها بسرعة حتى يستطيع العودة بها للعاصمة حيث أنها لم تعتاد على الحياة في الجنوب.. وأن زياد كان ينوي أن يسافر إليهما بعروسه كمفاجأة خاصة مع وعكة ناهد الصحية الأخيرة التي منعتها من السفر لكنهما كانا منتظران استخراج التأشيرة لعهد.


ثم تحول الحديث بعد ذلك لذكريات كل منهما عن قصة زواجها .. واجترار الذكريات والتغيرات وأخر الصيحات في حفلات الزواج .. فظلت عهد تجاريهم في محاولة منها للاندماج شاعرة بالكثير من الراحة وهي تجلس بجوار حماتها والتي أمدتها بدعم أمومي كانت في حاجة ماسة إليه في جلسة غير متوقعة كهذه.
تطلعت عهد في حماتها التي تودع صديقاتها على الباب .. تتأمل حركاتها وسكناتها وطريقة كلامها وكل ما يخصها .. لتغلق ناهد الباب وتزفر براحة بمرور الزيارة على خير ثم انقلب وجهها للعبوس تقول ببعض التوبيخ وهي تلتقط حقيبتها استعدادا للمغادرة هي الأخرى " في أخر عمري أكذب بسببك أنت وزوجك "


لم تنطق عهد وإنما وقفت تشبك أصابعها خلف ظهرها لتضيف ناهد " سأرحل الآن لأني تأخرت على رأفت .. وسأرتب مع زياد أمور هذا الحفل الذي سنقيمه (وعلقت الحقيبة بأناقة على مرفقها تقول لعهد باهتمام وهي تتطلع في ملابسها ) كنتِ على وشك الخروج صباحا .. إلى أين ؟"
ردت عهد وهي تنظر في ساعة يدها " كنت أود أن أفاجئ زياد في المكتب فهو ( وتنحنحت في حرج ) لا يعرف بأني قد قدمت استقالتي وأنوي أن أجثم على صدره .. أقصد أعمل معه في شركته "


مطت ناهد شفتيها ترمقها بنظرة متسلية ثم قالت "أحببت فكرة المفاجأة .. إذن تعالي لأوصلك في طريقي السائق ينتظر في الأسفل"
شعرت بالسعادة أن وجدت ترحيب من والدته .. فلم تشارك أحد أفكارها من قبل.. فتحركت بحماس ترتدي سترة الحلة النسائية وتلف شعرها وهي تتحرك ناحية أقرب مرآة لتصيح ناهد باعتراض "لماذا تعقصينه في عقدة ؟!!"
قالت عهد مبررة "أنا ذاهبة لمقابلة عمل عليّ أن أكون في هيئة محترفة"


رفعت ناهد حاجبيها وردت باستنكار "وهل أنت في مقابلة عمل حقيقة !"


بررت عهد قائلة "لكن هناك موظفين في الشركة .. أخشى ألا أظهر أمامهم في مظهر محترف”"
اشارت ناهد بيدها تقول" لا تضعي هذه الأمور في رأسك .. المهم زوجك أما الانطباع الاحترافي دعيهم يرونه خلال عملك معهم "


أومأت عهد برأسها موافقة وأسرعت في فرد شعرها المموج .. واخرجت ملمع للشفاه من حقيبتها تطلي به شفتيها.
بعد دقائق كانت عهد مستعدة للخروج فتفحصتها ناهد مرة أخرى بنظرة مدققة شاعرة ببعض الراحة لتقول لعهد مشيرة على الكيس الكبير" خذيه معك لتوزعيه على الموظفين بالمكتب ..ستكون لفتة رائعة"


تخضبت وجنتي عهد وفتحت الكيس لتلتقط منه واحدة من الهدايا وتفحصتها بتأثر .. كانت صرة من التل ملفوفة حول قطع من الحلوى الملونة والشيكولاتة تتوسطهم قطعة من الكريستال على شكل قلب محفور عليه ( زياد & عهد ).
فتغرغرت عيناها بالدموع ولم تدري بنفسها إلا وهي تندفع لتعانق ناهد متمتمة بتأثر "شكرا ناهد هانم .. شكرا جدا جدا"
تفاجأت الأخيرة ..وربتت على ظهرها متعجبة من ذلك التحول الغريب في مشاعرها تجاه هذه البنت فقالت تحاول تصنع الجدية "هيا عليك اللحاق بزياد قبل أن ينتهي وقت الدوام"


ابتعدت عهد تمسح دموعها مغمغمة "لديه اجتماعات هامة اليوم وغالبا هو في اجتماع حاليا لكن لا بأس سأنتظره حتى ينتهي من اجتماعاته (وتحركت خلف ناهد تقول) آسفة لمشاعري الفياضة اليوم .. فكل ما مررت به منذ الصباح حتى الآن كان مفاجئا وغير متوقعا أبدا "
ثم أغلقت عهد الباب خلفها تسبقها لطلب المصعد لتقول ناهد موبخة " كتفيك يا عهد .. ارفعي ذقنك يا بنيتي"
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 25-11-19, 12:59 PM   #357

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 2

بعد ساعتين


تبادلت فريدة ابتسامات المجاملة مع كلاوديا وصديقها وبعض العبارات بالإنجليزية أمام الفندق وهي ترمق يونس باهتمام الذي انتحى جانبا يرد على مكالمة زياد قائلا باستغراب " ماذا؟؟ .. استقالت ؟؟!! متى وكيف؟؟!!"
هدر زياد على الطرف الآخر فيه صارخا" هذا السؤال أسأله لك يا صاحبي وتصورت بأنك تعلم ولم تخبرني"
صاح يونس بغضب" وكيف سأعرف ولا أخبرك يا بني آدم ؟!!..هل جننت .. سأحقق في هذا الأمر فلم يخبرني أحد لكن .. ( وضيق عينيه يضيف مندهشا ) لماذا أنت عصبي هكذا ؟.. هل حدث شيء ؟.. ألم تخبرك عهد لماذا استقالت؟ .. "


قبل أن يجيب لمح الوفد الأجنبي يهم بالرحيل فقال ليونس بسرعة " سأعاود الاتصال بك فالوفد سيغادر سلام "
وقف يونس يحدق بالهاتف متعجبا .. ثم توجه لكلاوديا التي بادرته بالألمانية" هل هناك مشكلة يا يونس؟"


أجابها يونس بوجه جاد يختفي منه المرح الذي كان طوال الرحلة من المطار للفندق " لا شيء كلاوديا بعض الأمور التي تخص العمل (ثم مد يده يسلم على صاحبها مودعا وهو يتمتم بلباقة ) أتمنى أن تكون اقامتكم سعيدة ( ووجه الحديث لكلاوديا وهو يمسح على شعر ابنها الصغير ) وسأدبر لقاء لنا يضم زياد وعهد أيضا قبل أن تنتهي زيارتكم "


غمغمت كلاوديا بسعادة " سيكون ذلك رائعا يونس .. وشكرا لاستقبالنا ولترتيب برنامج سياحي لنا بدون معرفة الصحافة (وتوجهت لفريدة تقول بالإنجليزية ) سعيدة بمقابلتك فريدة فيونس لم يكف أبدا عن الحديث عنك في ألمانيا حتى أنني واجهته ذات يوم بأنه يحبك لكنه كان ينفي .. الكاذب "


أطرق يونس برأسه يقول بالإنجليزية بملامح بائسة " لم استطع الفرار من شباكها .. كانت تسحر لي غالبا عند عرافة تمارس سحر أسود"
ضربته فريدة على ذارعه بتوبيخ مخضبة الوجنتين بينما قهقهت كلاوديا وصديقها.
بعد قليل كان يونس يغلق الهاتف منهيا مكالمة جماعية مع رئيس عهد المباشر ومدير قسم الموارد البشرية وقد أكد كلاهما أن عهد قدمت استقالتها بعد عودتها من الإجازة وظنا أنه يعلم بقرارها لذا لم يخبراه .. وأن أمس كان آخر يوم لها في العمل.


فحاول الاتصال بها ليعاتبها لكن هاتفها كان مغلقا .. ليزفر يونس بعصبية وهو يضرب على المقود في طريقه عائدا للبيت .. فسألته فريدة باندهاش " أين المشكلة يا يونس في أن تستقيل ؟.. لماذا زياد متوتر بهذا الشكل الذي فهمته من حديثك على الهاتف؟"
قال يونس بحيرة "لا أفهم لكن صوته كان غريبا واقلقني عليه"
حاول الاتصال بزياد لكن الأخير لم يرد فاستدار لفريدة يسألها مغيظا وعلى شفتيه ابتسامة متسلية " لم تخبريني بانطباعك عن آدم ابني وأمه "


حدجته فريدة بغيظ ثم اشاحت بوجهها نحو النافذة .. فعاد يونس لمزاجه الرائق يقهقه وصوت زياد القلق لا يريد أن يخرج من رأسه .



××××


خرج زياد من قاعة الاجتماعات ليودع ضيوفه حتى باب الشركة بذهن شارد لتلحق به السكرتيرة تقول "هناك آنسة تنتظر حضرتك منذ ساعة ونصف وحاولت ابلاغها بأنك مشغول لكنها مصرة على انتظارك"


صاح زياد بعصبية وهو عائد لمكتبه على الناحية الأخرى من غرفة الاجتماعات ليحضر مفاتيحه "لن أقابل أي أحد .. والغي كافة المواعيد التالية أنا سأغادر فورا .."
ورفع الهاتف ليتصل بعهد مجددا .. غير قادر على تحمل الألم أكثر من ذلك ..



صحيح وبخ نفسه ليتماسك ..
صحيح طلب من قلبه ألا يلح عليه ليجري خلفها على المطار إن كانت قد غادرت ..
صحيح كرامته تئن وتمنعه من محاولة اللحاق بها إن كانت قد قررت الرحيل ..
كل هذا صحيح
لكنه مؤلم ..
قاتل..


وكأن روحه ستغادره برحيلها..
فقرر على الأقل أن يسرع للبيت للتأكد من وجودها من عدمه.
قالت السكرتيرة وهي تهرول خلفه" ولكن يا زياد بك هذا الموعد قد تعبنا في الحصول عليه"
استدار زياد يصرخ في وجهها والجنون يتراقص في عينيه "ألا تفهمين .. قلت الغي كل المواعيد .. أنا ذاهب فورا"


وقفت عهد متسمرة في صدمة تحاول استيعاب حالة زياد وقد وصلها صراخه قبل أن يقترب.. وانزعجت من الحالة التي بدا عليها مرجحة أن تكون المفاوضات قد فشلت مع الشركة الأجنبية .. فهمت بالهرولة إليه بمجرد أن ظهر أمامها .


بينما تسمر زياد لثوان جاحظ العينين يحدق فيها متفاجئا بوجودها حتى ظن لوهلة أنه يهلوس .. فتدخلت السكرتيرة تقول بارتباك " الآنسة عهد تصر على مقابلة سيادتك وقد أخبرتها بانشغال جدولك اليوم "
تطلعت فيه عهد تسأله سؤالا صامتا " ما بك؟ .. ماذا حدث؟"
فاندفع زياد نحوها بسرعة يمسك مرفقها قائلا بغضب "أين كنت ؟؟.. ولماذا هاتفك مغلق ؟"


تفاجأت بهجومه فغمغمت وهي تتطلع حولها بحرج والسكرتيرتان تطالعاهما بملامح مصعوقة " زياد ماذا حدث ؟؟؟؟"


سحبها بخشونة نحو غرفة مكتبه وقلبه يوشك أن ينفجر في صدره .. فأغلق الباب ووقف خلفه يتطلع فيها بغير تصديق أنها أمامه وبين يديه .. بينما حدقت فيه عهد تحاول فهم غرابة ما يصدر منه هامسة بذعر "زياد ما بك أخبرني بسرعة؟ "


أخذها زياد بين ذراعيه فجأة في عناق مؤلم لكليهما .. يسحق عظامها بين ضلوعه وكأنه يعاقبها مرددا بهمس " آآآآه يا عهدي آآآآه ..أنت هنا .. أنت هنا "
مسدت عهد على ظهره تقول مفزوعة " زياد أنت ترتجف بشدة .. بالله عليك أخبرني ما بك ؟.. ماذا حدث؟"


ابتعد عنها قليلا ينظر لوجهها ليتأكد من أنها حقيقة .. وخيل لها أن عيناه تلمعان بالدموع ثم سحبها بعيدا عن الباب ليقول بنبرة غاضبة لم تغادره بعد وهو يغرز أصابعه في ذراعها "لماذا لم تخبريني باستقالتك يا عهد؟؟!! "


اتسعت عيناها وشعرت بالإحباط أن علم قبل أن تخبره ليكمل زياد بنفس اللهجة الغاضبة "ولماذا تغلقين هاتفك؟.. ألم تفكري فيّ وكيف سأكون قلقا عليك خاصة حين أعلم بأنك قدمت استقالتك؟ "
تذكرت اغلاقها للهاتف صباحا والذي نسيت أمره تماما فغمغمت بارتباك وهي تبحث في حقيبتها " هاتفي .. آسفة نسيت"
أمسك زياد بكلا ذراعيها يهزها صائحا بعذاب" نسيتِ يا عهد !! .. نسيتِ وأنا أموت هنا ببطء !! "
تطلعت في وجهه مرتبكة تحاول فهم الحالة التي يبدو عليها ليتركها ويجلس على أقرب مقعد يسند رأسه بين يديه يعاني من صداع قاتل .. فأوقعت حقيبتها أرضا واقتربت تجثو أمامه على ركبتيها تبعد يديه عن رأسه وتقول بعينين مغرغرتين بالدموع" آسفة زيزو لم أقصد حدثت أمور أنستني أني أغلقته في الصباح .. كيف .. كيف علمت بأني استقلت من أخبرك ؟.. هل يونس علم وأخبرك ؟"


حضن وجهها بين كفيه قائلا بألم وهو يسحبها لتستقر بين ساقيه ويميل ليلصق جبينه بجبينها محدقا في عينيها " أنا أعيش أيام مرعبة منذ أن حصلت على تأشيرة المانيا ولم تخبريني يا عهد .. كنت أخشى أن تتهوري وتتركيني .. واليوم حين اتصلت بك وكان هاتفك مغلق انتابتني الأفكار المزعجة فقررت أن أطمئن نفسي بأنك في البيت ونائمة لذا اتصلت بعملك أسأل عنك منتظرا أن يكذّبوا ظنوني ويخبروني بأنك في إجازة اليوم لكنهم أخبروني بأنك استقلت .. ( وأكمل بصوت مبحوح معبأ بالألم ) ذهب عقلي وأنا أظنك تركتني وسافرت .. لكني بصراحة لم أكن أنوي اللحاق بك .. فلن أجري خلفك متذللا يا عهدي .. أنا قدمت لك قلبي واسمي وحياتي.. بينما كرامتي هي ما تبقت لي كرجل .. ( وبلع ريقه ثم أضاف ) لكني أعترف بأن البضع ساعات القليلة الماضية كانت مؤلمة يا عهد .. مؤلمة جدا وكأن روحي تُنتزع مني لتغادرني برحيلك"


تألمها بسبب ما عاناه وتلك الحالة السيئة التي بدا عليها أمامها غلب سعادتها بمشاعره وتعلقه بها .. فانفجرت عهد بالبكاء ترتمي عليه وتحيط عنقه بذراعيها بقوة مغمغمة " آسفة زياد .. لم أكن أعرف بأنك علمت بأمر التأشيرة .. لماذا لم تخبرني؟"


أحاطها بذراعيه وشدد من احتضانها قائلا بصوت متأثر "خشيت أن أتعجل المواجهة بيننا .. أردت أن أكسب وقتا حتى اقنع والداي بزواجنا .. كنت أقلل الجبهات التي أحارب فيها يا عهد ( وأبعد رأسه عنها ليتطلع في وجهها يضيف بحشرجة ) كما أنني ( وصمت يبلع ريقه ثم أكمل ) كنت أريد أن أرى بنفسي إن كنت ستتمسكين بي أم لا .. ستتحملين من أجلي أم لا "


قالت بوجه غارق في الدموع وهي ترفع يديها لتحضن وجهه "أنا من أجلك أتحمل أي شيء يا زياد .. وأعيش معك في أي مكان .. ولو لم يكن رضا أهلك مهم بالنسبة لك لم أكن لأعاني أبدا .. لكني لم أكن أعرف ماذا عليّ أن أفعل .. أتمسك بك أم أتركك من أجل مصلحتك ؟.. كنت غارقة في مخاوفي .. ثم قررت أن أقوم بالمحاولة الأخيرة بالتمسك بك .. (وحدقت في عينيه بعشق تقول من بين دموعها ) لهذا استقلت لأعمل معك هنا .."
اتسعت عيناه متفاجئا لتكمل عهد " اليوم كنت اخطط لمفاجأتك باللحاق بك إلى هنا أطلب وظيفة في شركتك لهذا أغلقت الهاتف حتى لا تتصل بي وأنا في الطريق وتكتشف الأمر .. وخشيت ألا أجيب على الهاتف فتقلق لهذا أغلقته .. لكني تفاجأت بوالدتك عندنا في الشقة صباح اليوم"


هتف زياد بدون تصديق" أمي !! .. أمي جاءت اليوم إلى شقتنا ( وأكمل بلهجة قلقة ) وماذا حدث ؟"
مسحت عهد دموعها وجلست بين ساقيه أرضا ترفع إليه نظراتها قائلة " لم نقل شيئا معينا .. لكنها كانت تحاول تجاوز الصدمة بطريقة تستحق الثناء والاحترام"


تراقصت الفرحة في مقلتي زياد فأكملت عهد بابتسامة "ووزعت على الجيران هدايا بمناسبة زواجنا"


رفع زياد حاجبيه ثم اتسعت ابتسامته فأضافت عهد" ثم حضرت بعض الجارات لتحية والدتك وقضيت الوقت معهن حتى أوصلتني والدتك بعدها إلى هنا .. "
كان قلبه يتقافز في صدره من السعادة ..



عجيبة هي الاقدار أخذته من قمة الحزن إلى قمة الفرح بامتثالها أمام عينيه الآن .. ولقيام والدته بخطوة حكيمة كهذه ستقضي على معاناته .. فمد يديه يمسك بذراعيها ليدنيها منه فوقفت عهد على ركبتيها بين ساقيه ..ليمسح بقايا الدموع من على وجهها قائلا "
أعتقد أننا نحتاج لأن نقلل من حمايتنا لبعضنا بكتمان ما نفكر فيه يا عهدي .. أن نتشارك في أفكارنا ومخاوفنا معا .. عليّ أن أثق في أنك لن تتركيني .. وعليك أن تثقي في أني لن أتركك مهما حدث "
أومأت برأسها موافقة ليحضن زياد صدغيها بكفيه قائلا أمام شفتيها " قلت لماذا أتيت اليوم؟ "
غمغمت بخفوت "كنت أبحث عن وظيفة لديكم"


التهم شفتيها في رد عنيف على طلبها .. فتشبثت بتلابيبه وكأنها تخبره في قبلتها بخلطة المشاعر التي مرت بها منذ الصباح .. لكن طرقا على الباب بعد دقائق جعلهما يفترقان بسرعة ..فوقفت عهد على قدميها تعدل ملابسها وتمسح بقايا الدموع عن وجهها .. ليقول زياد بلهجة جادة وهو يستقيم هو الأخر "ادخل".


عدلت عهد من شعرها بينما دخلت السكرتيرة تقول بعد أن اختلست نظرة فضولية تجاه عهد" آسفة زياد بك لم أجد الفرصة لألغي هذا الموعد ووصل الضيوف إلى قاعة الاجتماعات "
تنحنح زياد قائلا "حسنا لا بأس أنا قادم لا تلغي أية مواعيد"


خرجت السكرتيرة ليقترب زياد من عهد قائلا بلهجة ذات مغزى وهو يلف ذراعه حول خصرها يضمها إليه "وأنت انتظريني هنا حتى أنتهي من الاجتماعات وآتي إليك لأختبر مؤهلاتك وامكانياتك التي ستؤهلك للعمل هنا "


احمر وجهها لكنها قالت مضيقة عينيها " يبدو أنك تُخضع كل من يأتي للعمل للفحص زياد بك .. بدليل أن شركة صغيرة كهذه بها اثنين من السكرتيرات مرة واحدة .. والاثنتان ترتديان القصير والضيق وتحدقان فيك بوله"


انفجر زياد ضاحكا .. فرُدت إليها روحها بضحكته لكنها لملمت ابتسامتها لتطالعه بوجه حازم ليميل زياد ويبعد شعرها عن كتفها ويطبع قبلة على عنقها .. ثم ضمها إلى صدره بقوة مغمغما بتأثر بعد أن هدأت ضحكاته " يا عهدي .. كنت قبل ساعة أموت ببطء"
لفت ذراعيها حول جذعه تهمس بحشرجة "بعيد الشر عنك يا حبيب عهد"


ابعدها يقول بلهجة عملية "سأذهب للاجتماع (ورفع اصبعه محذرا )وإياك أن تختفي مرة أخرى .. إياك"


وتحرك نحو الباب ثم توقف يشير لها أن تقترب قائلا "تعال .. نسيت أن أعرف الموظفين عليك"
وأمسك بيدها يخرج من المكتب قائلا لسكرتيرتيه "بالمناسبة هذه ليست الآنسة عهد .. وإنما السيدة عهد الدهشان حرمنا المصون"
اتسعت عينا السكرتيرتين فأضاف زياد " ونائب مدير الشركة من هذه اللحظة "


واستدار لعهد يغمز لها بعينه .. ليدخل عزت المحامي قائلا "أنا تفاجأت بأنك ستكمل اليوم وباقي المواعيد زياد بك .. هل أصبحت بخير؟"
غمغم زياد بلهجة غامضة " لا بأس أصبحت أفضل الآن.. أستاذ عزت هذه زوجتي عهد الدهشان نائب المدير وستشرف على الإدارة المالية في الشركة "


رحب بها عزت بحرارة قبل أن يتركها هو وزياد متجهان نحو غرفة الاجتماعات بينما وقفت عهد متكتفة تطالع السكرتيرتين اللتين لم تتخلصا من المفاجأة بعد ثم قالت وهي تدقق في ملابسهن القصيرة الضيقة بشكل لا يخفى عن فراسة الأنثى بداخلها أنه مقصود " هذا الكيس به هدايا زواجنا .. من فضلكما وزعاها على الموظفين وسأمر مع زياد في وقت آخر ليعرفني عليهم (وتوجهت للأخرى ترمقها بنظرة نارية لفتحة صدر بلوزتها المبالغ فيها وقالت ) قهوتي أشربها بسكر مضبوط .. "


أومأت السكرتيرة برأسها عدة مرات فتركتهما وعادت لمكتب زياد تتأمله ملتقطة حقيبتها من الأرض .. ثم تأملت أدواته الصغيرة المرصوصة بنظام على سطح مكتبه بشكل يستفزها فاقتربت تبعثر بعضها بابتسامة شقية وجلست على كرسيه مستعيدة تفاصيل هذا اليوم الغريب .. ومتألمة لساعات المعاناة التي عاشها زياد بسبب سوء الفهم .. ثم أخرجت هاتفها تفتحه أخيرا مقررة أن تتصل بحماتها لتطمئنها كما وعدتها.


××××


في المساء
"أسافر ؟؟؟؟؟!!.. ولمدة أسبوعين كاملين !"
قالها يونس متفاجئا ومصدوما وهو يقف في مكتب فارس في الفيلا والذي كان يقف مشغولا بالبحث في الملفات التي تملأ سطح المكتب .


فأجاب فارس وهو ينظر إليه بذهن مشغول" أجل.. هل لديك حلا أخر؟ .. لابد أن نقابل الشركة الإيطالية ونوقع معهم العقد بعد عرض منتجاتنا في المعرض الدولي للرخام (وأضاف موضحا أكثر حين أنتبه لوجه يونس المقلوب ) كنت سأبعث بأي من الموظفين للمعرض رغم أهمية وجود أحد منا لكن حين ظهر موضوع هذا العقد واهتمام الشركة الإيطالية بمقابلتنا هناك وتوقيع العقد معنا فلابد أن ننتهز فرصة ذهبية كهذه "


قال يونس بإحباط " ظننتك ستسافر أنت إليهم"
قال فارس وهو يعود لفحص ملفاته "أنت ترى بنفسك أن افتتاح خط الإنتاج الجديد سيكون خلال أيام وعليّ أن أشرف على بعض الأمور بنفسي .. والمعرض سيبدأ يوم السبت .. فعليك بأقصى تقدير أن تكون مساء الجمعة في روما"
أطرق يونس برأسه محبطا بدون رد .. ليتطلع فيه فارس عاقدا حاجبيه مستفسرا "ما بك؟ .. ألا تريد السفر؟"


غمغم يونس بلهجة جادة " الحقيقة كنت أعد نفسي لزفاف قريب وليس سفرة لمدة أسبوعين"
هدر فارس بغضب " أنا اتحدث عن العمل يا يونس وأنت تتحدث عن الزواج !.. ألا ترى كيف تراكمت الأمور مرة واحدة فوق رؤوسنا ! "


غمغم يونس بهدوء يداري انفعالاته "حاضر أخي سأعد نفسي للسفر .. هل تريد مني شيئا أخر"
ندم فارس على انفعاله وغمغم بخفوت "لا شيء شكرا"
تحرك يونس بوجه متجهم يغادر لتشيعه عينا فارس ثم عاد ينظر في أوراقه.


في بهو الفيلا سألته فريدة بقلق "ما بك يا يونس وجهك يبدو شاحبا؟ "
رد بهدوء" لا شيء"
سألته بإصرار" عم كنتما تتحدثان "
قال يونس وهو يغادر الفيلا" لا شيء سوي العمل"
عقدت حاجبيها تسأله متفاجئة" إلى أين أنت ذاهب؟؟"


أجابها دون أن يستدير إليها " إلى الملحق .. كان يوما طويلا وأريد أن أستريح"
اسرعت لتلحق به عند الباب تقول باندهاش "والطعام الذي أصريت أن أعده لك ؟!"


تطلع في وجهها ثم مد يده يربت على صدغها بحنان قائلا " غيرت رأيي يا كحيلة العينين .. أشعر بألم في معدتي سأحاول أن أنام مبكرا اليوم"


تركها وخرج من الفيلا فوقفت عاقدة الحاجبين تشعر بالقلق عليه .
أما فارس فلم يستطع التركيز في شيء وقلبه ينغزه فعاد يطالع الباب المقفول بعد خروج أخيه .. يقاوم شعور بالتعاطف معه ثم غمغم بغيظ "بَغْل"


××××


ضغط زياد على جرس الباب عدة مرات قبل أن يدس المفتاح فيه ليفتحه وابتسامة سعادة تضيئ وجهه بينما عهد تدخل معه بحرج للشقة التي يقيم فيها والديه في البناية القديمة .
لقد دعاه والده على العشاء فخرجا من الشركة على بيت والده بعد أن مرا على بعض المحال .


استقبلهما رأفت مقبلا وجنتي عهد المحرجة يرحب بها قائلا "مرحبا بك يا عهد في بيتنا .. بالطبع تعلمين أن ما حدث أول مرة التقينا بك فيها لم يكن ضد شخصك أبدا ولكن تفهمين موقفنا"


أومأت برأسها متمتمة بحرج" أعرف أنكما كنتما مصدومان وأقدر ذلك جدا ولو كان في يدي شيء لأفعله يجنبكما الصدمة لفعلته"
قال رأفت "دعونا ننسى الماضي.. لن أدعي بأني أنا وناهد قد برئنا من الصدمة بعد لكننا نحاول .. وقد اتفقنا على أننا مؤمنان بالقضاء والقدر وبأن الله لم يقسم لنا أن نعيش يوم كهذا .. وأن فرحتنا بزواج ابننا لن تتلخص في حفل عرسه فقط "


بلع زياد غصة مسننة في حلقه .. فمهما مر الوقت وتفهم والديه قصة زواجهما لكنه سيظل يحمل ذنب حرمانهما من لحظة زواجه للأبد .


ولم تكن عهد أقل منه شعورا بالذنب لكنها مدت يدها بارتباك تعطي السيدة ناهد صندوق هدايا صغير بوجنتين حمراوين .. فجعدت ناهد جبينها وهي تتناول منها الصندوق ليقول زياد مشاكسا لتبديد الغصة المرة التي يتشاركونها جميعا " أصرت عهد على احضار هدية لك يا أمي وسحبتني وراءها في المحال لشرائها ودفعت أنا مبلغا كبيرا فيها ( ومد يده لوالده يقول ) أريد المبلغ الذي دفعته هدية لزوجتك "


ضربه والده على يده مستنكرا بينما فتحت ناهد الصندوق لتخرج منه وشاحا أسودا مطرز برسوم بدوية يدوية باللون الفيروزي ..وتطلعت بانبهار طفولي له بينما ازدادت ضربات قلب عهد بسعادة .. لا تعرف لماذا فرحت لسعادة هذه السيدة الرقيقة ولماذا شعرت برغبة قوية في اهدائها هدية .


رفعت عهد أنظارها لزياد لتتلاقى نظراتهما الفرِحة لثوان قبل أن يعودا للتطلع في والدته التي لفت الوشاح حول كتفيها تجربه فقالت عهد "هذا مشغول يدويا .. شعرت بأنك ستحبينه لأنك تقدرين الجهد البشري المبذول في الأشياء "
اقتربت منها ناهد تطبع قبلة رقيقة على خدها تأثرت لها عهد بينما الأخرى تقول" شكرا يا عهد أحببت الهدية جدا "


سأل رأفت مشاكسا" وأنا أين هديتي؟"
احمر وجه عهد بحرج والتصقت بحركة لا شعورية بزياد الذي فرد ذراعه حول كتفيها مدعما بينما ردت هي " آسفة لم يكن هناك وقت .. لكن أعدك أني سأهديك هدية المرة القادمة "


رد زياد مازحا " بل لم يكن هناك نقود .. اعطني ثمن هذه الهدية وسأشتري لك واحدة "
ناظره رأفت بامتعاض ودعا الجميع للجلوس في غرفة المعيشة .. فتركتهم ناهد لتذهب للمطبخ قائلة " وأنا سأضع العشاء على السفرة ".
غمز زياد لعهد واستأذنا والده ليذهبا خلف والدته في المطبخ .. ووقفا يتهامسان على بابه فقالت عهد لزوجها متفاجئة "ظننت أن والدتك تعتمد على خادمة"


رد عليها موضحا بهمس "أمي طباخة ماهرة وكانت تعد بنفسها ولائم كبيرة ..مستعينة ببعض المساعِدات لكن مؤخرا لم تعد تقدر بسبب المجهود .. لكنها لا تزال تعتمد على نفسها معظم الوقت .. تستعين بخادمة تأتي عدد من الأيام أسبوعيا فقط "
شردت عهد فيما قاله زياد .. كم تغيرت نظرتها لتلك السيدة التي قابلتها يوما في الماضي ورسمت لها في ذهنها صورة مخالفة تماما عن الحقيقة..


قالت ناهد دون أن تستدير " هل انتهيتما من الهمس !.. لماذا تقفان بهذا الشكل على باب المطبخ ؟.. "
دخل زياد يحضن أمه من الخلف قائلا" كنت أخبرها أني أحبك يا نهودتي وأنك أعظم أم في الدنيا "
قالت ناهد بضيق وهي تحاول التخلص من ضغط ذراعيه شاعرة بأنه سيخنقها " قلت لك يا زياد لا أحب هذا الاسم "


طبع الأخير قبلات وحشية على وجنتها قائلا بمشاكسة "لماذا يا نهودتي"
أدارت وجهها ترفع نظراتها إليه قائلة بامتعاض " شعبي جدا هذا الاسم يا زياد قلت لك "
قال زياد مستمرا في مشاكستها " ما رأيك أن أضيف له لقب هانم فأقول نهودتي هانم هكذا لن يكون شعبيا"


حاولت التخلص من ذراعيه فكتم ضحكته وقال يعرض عليها اسما آخر " ماذا عن نَهْنَه ؟"
كتمت عهد ضحكتها بينما قالت أمه بغيظ" ابتعد ولا تدعوني بأي اسم أصبحت شعبيا بمصاحبتك ليونس"
قالت عهد بهدوء "اتركها يا زياد أنت تضايقها بهذا الشكل "


واقتربت تحمل بعض الأطباق فترك زياد والدته وحضن عهد من الخلف بدلا منها قائلا" أنرت أسرتنا يا عهدي "
احمرت وجنتي الأخيرة وأفلتت من ذراعيه تحمل الأطباق لخارج المطبخ .


بعد قليل على طاولة السفرة كاد زياد يطير من السعادة ..
أخيرا أصبحت عهد كما تمنى دوما .. جزء من عائلته .. فمال على والدته قائلا بتأثر حقيقي وهو يلثم يدها" شكرا يا أمي على كرمك أنت وأبي .. شكرا على حرصكما على اسعادي رغم كل شيء "
ربتت ناهد على صدر ابنها بحنان تتمتم بعينين غائمتين "لا يسعدنا إلا سعادتك يا حبيبي "


تنحنح رأفت لينبه زوجته فقالت مستدركة وهي تنظر لعهد" وبالطبع عهد اطمأن قلبي لها ( وأكملت بتهديد طفولي ) وخاصة بعد أن تيقنت هي أنني حماة شريرة وستخاف مني "


تملكت عهد رغبة في البكاء وشعور بالدفء يتسلل بخفة إلى قلبها.. لكنها ابتسمت لها بتأثر.. فشاكس رأفت زوجته قائلا " لهذا لازلت تضعين الوشاح حول كتفيك "
نظرت ناهد للوشاح وقالت ببعض الطفولية" أليس جميلا يا رأفت "
رد رأفت مغازلا "حبيبتي أنت هي الجميلة التي تزيده جمالا "
توردت وجنتي ناهد بينما مررت عهد انظارها بينهما وبين زياد الذي يرمقهما بامتعاض ليضيف رأفت وهو يضع لها الطعام في طبقها "كلي يا حياتي فقد تعبت اليوم بإعداد هذه المائدة سلمت يدك مقدما "


نظر زياد لعهد ثم قال لوالده " أبي أنا هو العريس وليس أنت بالمناسبة "


رفع رأفت حاجبا وقال بلهجة خطرة وهو يشير بالشوكة على طبق زياد" كُل وأنت صامت .. ولا تتدخل بيني وبين فراشتي الرقيقة "
اتسعت ابتسامة عهد لتضع ناهد في طبق رأفت الطعام وهي تغمغم بحرج " أنت أيضا ساعدتني في إعداده لأننا لم نستطع الحصول على خادمة بعد "


قال رأفت بابتسامة " أنا فداك يا حياتي "
اسند زياد مرفقيه على المنضدة مسندا صدغيه على قبضتيه بصمت ممتعض فكتمت عهد ضحكتها من جديد ومسدت على ظهره مواسية وهي تسأله بهدوء" ألن تأكل؟"


ادار وجهه نحوها يقول " الحقيقة لا أعرف كيف سأغازلك بعد الآن فإن كان أبي يفعل ذلك أمامك فلا أعرف ماذا أفعل وأنا العريس ؟!.. أخشى أن يرفع هذا سقف توقعاتك"
رفع والده حاجبه وقال مغيظا " إن لم تكن منافسا قويا في عالم العشق فلا تدعي بأنك عاشق يا خفيف ! ( وتوجه لعهد يسألها ) ألست على حق يا عهد "


اشتعل وجه الأخيرة ومررت نظراتها بينهم ثم قالت بلهجة دبلوماسية " صحيح كلامك يا عمي .. والحقيقة الآن فقط علمت من أين تعلم زياد الكلام الحلو "



ابتسم رأفت يطالعها بإعجاب بينما نفش زياد كتفيه مختالا يضحك لوالده ضحكة خشنة ملعبا حاجبيه .. فقاطعتهم ناهد قائلة" كفوا عن المزاح ولنحدد تاريخا للحفل الذي سنقيمه ونتفق على قائمة المدعوين "


××××


نفث دخان سيجارته وأخذ يطالعه وهو يتبخر أمامه صاعدا لأعلى وهو مستلقي على السرير في الملحق .. يحاول السيطرة على شعوره بالإحباط والضيق بسبب اضطراره للسفر..
طرقٌ خفيف على الباب وفتحه فجأة أخرجه من شروده ليجد فارس أمامه.. فاعتدل جالسا ينزل قدميه أرضا ويطفئ سيجارته في مطفأة السجائر متمتما بهدوء "أهلا أخي"


وقف فارس يديه في جيبي بنطاله يطالع وجهه العابس بعد أن فشل في التركيز في عمله بسبب قلبه الذي ينغزه على هذا البغل كما يحب أن يدعوه .. خاصة حين يكون هادئ ومطيع بهذا الشكل المثير لشفقته ولا يدعوه بلقب (الكبير) الذي يحب أن يسمعه منه.. فشاكسه قائلا" هل أنت غاضب وتلوي فمك؟!"


اسند يونس ساعديه على فخذيه مائلا بجذعه للأمام يرد بهدوء " لا بالطبع .. لقد حجزت تذكرة الطائرة مساء الجمعة لأن باقي الاسبوع لدي مواعيد هامة بالمكتب وضغط عمل كما تعلم "


غمغم فارس " اذن ستحضر جانب من حفل زفاف الشيمي وتسافر "
ازداد عبوس يونس وملأت الحسرة قلبه مغمغا بخفوت "إن شاء الله "
قال فارس موضحا " يا يونس أنا لم أتعمد أي تأجيل لمسألة زواجك لكن أنت ترى أننا اضطررنا لانزال خط الانتاج الجديد في السوق قبل موعده المقرر له من قبل .. وذلك لأسباب تنافسية تعرفها جيدا وهذا ضغطنا في الوقت والإعداد للأمر.. ليأتي أمر المعرض وعقد الشركة الإيطالية فيضيف على عاتقنا المزيد من الالتزامات العاجلة "
رد يونس بنفس الهدوء" أعرف يا فارس .. لكل شيء موعد بإذن الله"


لم يشعر فارس بالراحة رغم ادعاء أخيه بأنه متفهم فقال "لا بأس عندي أن تعقد قرانك على فريدة قبل أن تسافر "
هل قال عقد قران ؟!!!!!!
انفجرت دقات قلب يونس وهو يرفع أنظاره نحو أخيه بشك في جديته ليضيف فارس ببرود متعمد "لكن يوم الجمعة قبل حفل زفاف الشيمي مباشرة ليكون احتفالا واحدا "


لانت ملامح يونس لكنه هتف معترضا" قبل سفري ببضع ساعات !!!"
رد فارس متلذذا في استفزازه " وهل تعتقد بأني سأتركك تعيث في البيت فسادا بعقد زواج بدون زفاف! .. ستعقد قرانك عليها ثم تسافر وتعود على موعد الزفاف بالضبط "


مط يونس شفتيه بغير رضا ليقول فارس وهو يهم بالمغادرة "يبدو أنك غير موافق .. إذن نؤجل عقد القران لحين عودتك من الخارج "
صرخ يونس بسرعة " موافق ( وأكمل بملامح بائسة معذبة ) موافق وشاكر جدا لكرمك الفياض"
تحكم فارس في ابتسامة متسلية وغمغم مغادرا " اذا حضر نفسك يا عريس ليوم الجمعة تصبح على خير "


أغلق الباب خلفه ليتمتم يونس وهو يضرب رأسه بقبضتيه " عريس مع وقف التنفيذ .. لماذا الكون يعاند هذه الزيجة !! .. لماذا.. لماذا "


××××


الخميس
دخلت كارمن ظهرا عائدة من الدار لتمر على الحاجة نفيسة في جلستها المعتادة في مقعدها الوثير في غرفة المعيشة بيدها سبحتها فبادرتها كارمن قائلة " كيف حالك حاجة نفيسة ؟"
غمغمت الحاجة بابتسامة" بخير والحمد لله (ثم سألتها) لماذا تنهتين يا بنيتي؟"


ردت كارمن وهي تصارع في الحصول على النفس" لا أدري .. أتعب هذه الأيام من أقل مجهود"
تأملت الحاجة تفاصيل جسدها بعينيها الزرقاوين وتأكدت أكثر مما تخمنه لكنها قالت " ربما تحتاجين لبعض المقويات الغذائية .. هل انتهيت من حصصك في الدار مبكرا اليوم"


ردت كارمن نافيا" كلا ولكني عدت لأغير البنطال (ورفعت طارف بلوزتها لتري حماتها وهي تكمل ) انظري لقد اضطررت لفتح السحاب .. رغم أنه مقاسي لكني غير متحمله لغلقه لا أدري لماذا أشعر بأنه يطبق على نفسي "


اتسعت ابتسامة الحاجة نفيسة لكنها كعادتها لا تستبق الأحداث ولا تتعجل الأمور فقالت " لا بأس بدليه لشيء فضفاض لا يضغط على بطنك وأتمنى ألا تهرولي على السلم كعادتك "
سألتها كارمن" لماذا؟"


قالت الحاجة نفيسة بلهجة ماكرة " ابحثي عن السبب بنفسك يا ذكية"
طالعتها كارمن وقد ارتسمت على وجهها علامات الغباء في الوقت الذي رن هاتفها فأخرجته بسرعة من جبيها والهاتف ينطق باسم المتصل ( الشاطر فارس - الشاطر فارس) لتستأذن كارمن الحاجة نفيسة وتتحرك تصعد إلى جناحها بينما اتسعت ابتسامة الحاجة بسعادة تدعو الله أن تكون تخميناتها صحيحة.. ثم صاحت بصوت عال" لا تهرولي على السلم يا كارمن"


قال فارس لكارمن على الهاتف " لماذا تنهتين هل تجرين خلف الأطفال"
ردت كارمن وهي تفتح باب جناحها" كلا ولكني انهت هذه الأيام من أقل مجهود ( ثم دخلت إلى غرفتها تجلس على السرير ) لماذا تتصل في هذا الوقت المبكر؟"


رفع فارس حاجبيه وقال" ألا تريدين أن أتصل بك كارمن هانم؟"
قالت كارمن وهي تحاول التخلص من البنطال" لا .. أقصد أنك مشغول جدا من بداية الأسبوع تعود للبيت في وقت متأخر وتقضي بقية اليوم في مكتبك ثم تصعد بعد أن أنام"


قال فارس موضحا "أخبرتك السبب يا كارمن"
ردت كارمن بتفهم" أنا أعرف لهذا أرحمك من شقاوتي بالنزول إليك كل ليلة في المكتب حتى لا أعطلك عن عملك مثل تلك الليلة أول الأسبوع"


اتسعت ابتسامة فارس ورد" الحقيقة لا أعرف هل أتحسر على ما يفوتني كل ليلة أم اطمئن لأنك تساعدينني على انجاز ما أريد إنجازه من العمل .."


قالت كارمن وهي تخرج البنطال من ساقيها " سأتحمل فارس بك حتى تنتهي مما يشغلك عني ( ثم زفرت براحة وهي تدلك أسفل بطنها ) تخلصت منه أخيرا"
سألها فارس بفضول" ما الذي تخلصت منه؟"


ردت وهي تسحب نفسا عميقا " البنطال .. شعرت وكأنه يجثم فوق صدري .. "
تحرك فارس نحو نافذة مكتبه يغمغم بخفوت حار "كيف تخلصت من البنطال !.. أين أنت بالضبط؟؟ ألست في الدار؟!"
قهقهت كارمن برقة ثم ردت" كلا في الجناح .. جئت لأبدل هذا البنطال .. لا أتحمله على أسفل بطني"


استدار فارس ليتأكد من أن باب المكتب مغلق ثم قال بخفوت" لمَ لا ترسلين لي بثا حيا لك الآن بدون البنطال.. بث حصري لفارس سعد الدين"
انفجرت ضاحكة وهي تنقلب على جانبها وتسند بمرفقها على السرير قائلة " أصبحت شقيا جدا فارس بك .. لماذا تتصل الآن وسط كل مشاغلك؟"


أجاب بلهجة عاشقة " اتصلت لأني اشتقت إليك .. ولولا أن يومي ينتهي مهما طال باستلقائي بجانبك وتوسدك لصدري لما استطعت أن أشحن بعضا من الطاقة لمواصلة العمل في اليوم التالي "


تراقصت ضربات قلبها لهذا التصريح وغمغمت بصوت متهدج " وأنا كل ليلة أمنع نفسي من النزول إليك .. وأنام نوما متقطعا مشتاقة لرائحتك في الفراش .. حتى تستلقي بجواري فأنام في حضنك.. يبدو أني أدمنتك فارس بك .. عموما أنا مؤدبة وسأنتظر حتى تنتهي من مشاغلك.. فلقد اشفقت عليك تلك الليلة في المكتب حين ذهبت أنا في النوم على الأريكة الجلدية بينما ظللت أنت بجواري تراجع تقاريرك التي عطلتك عنها حتى ساعات النهار الأولى .. ثم أيقظتني لنصعد لغرفتنا فاغتسلت أنت وذهبت للعمل .. كما أنني اصبّر نفسي بأني سأراك غدا في الحفل .. أم إنك لن تحضر عقد قران أخوك وأختك؟! "


اتسعت ابتسامته ولم يعقب معقود اللسان تغمره السعادة وهو يستعيد كلماتها ..
معها يشعر بأنه فوق أرجوحة عالية مثبتة على قمة جبل فيرتفع بها معلقا في الهواء والفراغ أسفل منه تارة .. ثم يعود للخلف إلي الأرض القريبة حيث تقف هي وتنتظره تارة أخرى ..



ولا يعرف إلى أين ستستقر به الأرجوحة.. بجوارها في أمان .. أم سيقع من فوق قمة الجبل ممزقا لأشلاء .
وما يزيد من حيرته أنه كلما ازداد حبه لها وتعلقه بها وكلما ازدادت جرعة السعادة التي تتملكه في كل لحظة تقفز فيها إلى ذهنه وكل كلمة يسمعها منها ومن كل نظرة تقع عينيه عليها ..
كلما ازداد عذابه بهذه المشاعر .. مرعوبا من أن تلهيه عن الهدف الذي كرس حياته له ..
انهكته هذه الحرب الطاحنة وهي تستولي على مساحة كبيرة من تفكيره ..


متى سيرتاح؟ ..
متى سيستقر على ميناء؟
متى سينتقم؟
أخرجته كارمن من شروده حين قالت بحنق طفولي "فارس"
غمغم وهو ينظر في ساعته يتمنى ألا يحين وقت الاجتماع التالي بسرعة "نعم يا أميرتي"
قالت بحنق " أنا أشعر بالضيق الشديد والإحباط"
سألها باهتمام "لماذا؟.."


صمتت قليلا تلعب بخصل شعرها ثم قالت" سأقول لك السبب لكن لا تضحك عليّ"
اتسعت ابتسامته مسبقا لكنه قال بلهجة جادة" أخبريني ولن أضحك "



قالت بلهجة طفولية باكية" أنا اشتهي صنفا حلوا بشكل معذب منذ أيام .. ومحبطة ولأني أحاول جاهدة منذ مدة الامتناع عن اصناف الحلويات .. لكني لم أعد قادرة على التحمل .. فهلا ابتعت لي منه كمية صغيرة"


عقد فارس حاجبيه وقال "ولم تعذبين نفسك بالامتناع عن الحلوى؟"
هتفت باكتئاب "لأن وزني يزيد يا فارس .. يزيد بشكل غير مبرر .. ها أنا امتنع عن الحلويات منذ مدة ومع هذا زاد وزني خلالها اثنين كليو جرام .. هل تصدق اثنين كيلو جرام دفعة واحدة في وقت قصير جدا !!"


قال فارس باندهاش وبلهجة ذات مغزى " كارمن أين هذه الزيادة لا أفهم ؟؟( وأكمل بصوت أكثر خفوتا ) لم يمضى إلا بضعة أيام منذ أن كنا معا على الأريكة الجلدية ولم ألحظ أي زيادة .. رغم أني أدقق جيدا في كل شيء"
غمغمت بحرج" فارس أنا أتحدث بجدية"
قهقه فجأة بانتشاء ذكوري .. فدغدغ صوت قهقهته أعصابها وهي تسمعه لأول مرة يقهقه عاليا ليقول فارس مستدركا بعد ثوان " يبدو أن الأمر أصبح لا يمكن السكوت عليه يا كارمن"
قالت توافقه " أجل لابد أن امتنع عن كل الطعام "


قال فارس موضحا" لم أقصد هذا .. قصدت أن عليّ أن أتفحص بنفسي أين ذهب هذان الكيلوجرامان يا كارمن"
غمغمت بحنق " فارس لا تمزح أنا مكتئبة جدا"


رد بجدية " يا كارمن .. لا أرى أنك قد زاد وزنك بشكل كبير.. زيادتك محمودة.. بل أنها أصبحت مثيرة جدا خاصة بعد أن تغير جسدك لامرأة مكتملة الأنوثة .. كما أنني لا أفضل الحميات الغذائية القاسية فالحياة أبسط من هذا بكثير .. أقترح عليك القيام ببعض التمارين لحرق تلك الزيادة التي لا أعرف أين هي بالضبط .. ومن الممكن أن تستخدمي الأجهزة الرياضية خاصتي في غرفة مكتبي .."
غمغمت بهدوء" فكرة جيدة التمارين الرياضية .."


أضاف بلهجة شقية "ومن الممكن أن أساعدك أنا فيها.. (ثم استطرد يسألها ) أخبريني أي صنف كنت تشتهين؟"


ضحكت كارمن ثم قالت" أشتهي بشدة ذلك الصنف الذي صنعته رفيدة ذلك اليوم .. وبالطبع لن استطيع أن أطلبه منها وعرسها غدا.. وخضرة مشغولة بإعداد بعض الأمور التي تخص الحفل غدا أيضا وسأتحرج من طلبه منها"
طرقت السكرتيرة على باب المكتب ثم دخلت ليستدير فارس نحوها نصف استدارة فقالت" عفوا فارس بك ممثلي شركة إيكو قد وصلوا"


قال فارس بلهجة جادة " حسنا احضري لي الملف الخاص بهم من فضلك "
أومأت السكرتيرة برأسها بطاعة ثم غادرت ليعود فارس للهجته اللينة قائلا" كارمن أخبريني اسم ذلك الصنف وأنا سأشتريه لأميرتي فورا "


ردت كارمن " أخت البسبوسة"
قال فارس " تريدين بسبوسة ؟"
قالت بإصرار " أختها يا فارس .. أخت البسبوسة "
عقد فارس حاجبيه ثم قال " ما اسمها يا كارمن .. لا يوجد حلوي بهذا الاسم ؟"


قالت بضيق " لا أذكر .. تعرفها انها التي تشبه البسبوسة"
قال فارس وهو يلتفت مرة أخرى ويشاهد نسرين تدخل
"ماذا سأقول للبائع يا كارمن حاولي تذكر اسمه "
ردت تفرك جبينها" أنت أخبر البائع (بأخت البسبوسة) وبالتأكيد سيفهم"


رفع فارس حاجبا ثم قال ينهي المكالمة "حسنا.. أنا مضطر لأن أغلق الآن لألحق بالاجتماع وسنتحدث فيما بعد "
قالت كارمن بالفرنسية" لا بأس .. إلى اللقاء"


أغلق فارس الخط وتحرك نحو المكتب يلتقط الملف بينما همت نسرين بالخروج ليوقفها قائلا "نسرين .. هل تعرفين ما هو صنف الحلو الذي يشبه البسبوسة"
طالعته نسرين متفاجئة وغمغمت " أفندم ! "


تنحنح فارس وقال باستدراك محرجا " لا شيء يا نسرين اذهبي أنت لعملك"
ثم فتح الملف يتفحصه .. لكنه توقف بعد دقائق يتساءل بحيرة ( أخت البسبوسة ) ما هذا الاسم !!"


××××


عصرا :


يسحق الإسفلت تحت عجلات سيارته .. وينفث الغضب من صدره وقد اقترب من فيلا والده صفوت عظمة..
هل وصل الأمر لأن يخطط والده لإبعاده عن البلد بل ويرسل له تذكرة الطائرة وتفاصيل إقامته هناك؟!..
هل يحاول أن يبعده بعد أن علم كل شيء عنه .. وعن ماضيه ؟!..
كم كانت صدمته قاسية حين اكتشف تورط والده في جريمة في الماضي.. وكم كانت مؤلمة تلك المواجهة التي حدثت بينه وبين والده منذ فترة ..




منذ شهر:
تسلل من غرفته في وقت متأخر من الليل قاصدا غرفة مكتب والده.. وهو السبب الذي جعله يبيت في الفيلا تلك الليلة وليس في شقته الخاصة..
لم تهدأ أفكاره منذ تلك المواجهة بينه وبين فارس سعد الدين أمام المستشفى التي كان يرقد فيها والد كارمن فمن جهة يشعر بالغضب أن استطاع فارس الفوز بكارمن ..كارمن حبيبته التي لم يكن يعلم بمدى حبه لها إلا بعد أن فقدها ..
ومن جهة أخرى ينهشه الفضول ليعرف ماذا يربط فارس بوالده .. بعد أن تفاجأ به يتصل بوالده ببساطة وكأنه يعرفه حق المعرفة بل ويعرف بأنه ابنه .. بالإضافة لتلك اللهجة المهددة لأبيه التي تحدث بها فارس والتي لم تعجبه بل اشعرته بالصدمة..


لهذا قرر أن يبحث خلف الأمر .. وبداية البحث لابد أن تبدأ من مكتب والده في البيت خاصة وأنه يعرف كلمة السر الخاصة بخزانة المكتب حين اعطاها له ذات مرة عندما كان يمر بوعكة صحية واراده أن يحضر منها بعض الأوراق .. لذا يعلم جيدا أن الخزانة تحتوي على أوراق كثيرة لم يفكر يوما في الاطلاع عليها .. فعلى حسب اعتقاده كلها تخص العمل وهو بعيد كل البعد عنه .. تاركا لوالده كل ما يخص أمور الشركة .
حين نزل ليلتها لبهو الفيلا تفاجأ بصوت والده في غرفة المكتب .. فهم بالصعود بسرعة لكن الفضول تملك منه خاصة بعد أن شعر بعصبية والده على الهاتف ليقترب من الغرفة ببطء ويسمع بوضوح ما يقوله في سكون الليل.




قال صفوت منفعلا "ما معنى ما فعلته يا فؤاد؟ .. هل كنت تنوي قتل فارس عن طريق هؤلاء البلطجية الذين ارسلتهم له لتحطيم سيارته؟ .. "
رد الشماع بلهجة ساخرة على الطرف الأخر "مازال قلبك عاطفيا يا صفوت .. عموما هذا ما سيحدث بالفعل في المرة القادمة إن لم يترك الماضي وشأنه"
هدر صفوت بانزعاج " هل سنلجأ للقتل مرة أخرى يا فؤاد؟؟ .. ألا يكفي ما نحمله من ذنوب فوق ظهورنا بموت محمود سعد الدين ؟!"




قهقه الشماع ثم رد بلهجة متسلية " أرأيت .. قلبك رقيق كالفتيات يا صفوت ( وانقلبت لهجته للخطورة فجأة ليضيف ) هو من بدأ .. هو من يبحث خلفي ويتعرض لرجالي .. هو من أضر بالصفقة الأخيرة وفتح عيون الشرطة عليّ .. ولولا خاطرك والعشرة بيننا يا صديقي العزيز لما تحملت عبث الأطفال هذا .. فهو لا يساوي عندي سوى ثمن رصاصة تخلصني منه كما خلصتنا من والده.. ( وتغيرت لهجته للتسلي مرة أخرى ) أرأيت كيف أنك عزيز عليّ يا صفوت عظمة "
هدر الأخير بانفعال جعل ابنه ينتفض وتزداد ضربات قلبه بتوتر يحاول فهم الحديث الدائر رغم أنه لا يسمع سوى طرف واحد هو ما يقوله والده " لسنا أصدقاء يا فؤاد .. لسنا اصدقاء .. بل هي معرفة سوء التي ورطتني معك في جريمة قتل ليس لي فيها ذنب لكني أحملها فوق ظهري حتى أموت "




توترت ملامح لؤي وبدأ جبينه يتعرق فما قاله والده كان صادما بينما قال الشماع بلهجة متهكمة " وهل القتل ذنب لكن المال الذي تسبح فيه الآن من أموال صفقة تهريب الآثار تلك ليس ذنبا!! .. ألم تأخذ نصيبك كاملا من تلك الصفقة التي كانت سببا في مقتل محمود سعد الدين .. ألم تكن تلك الصفقة هي الحل الوحيد لك لإنقاذك من الديون ومن السجن ومن ضياع كل ما ورثته عن أجدادك .. نسيت أنك تخطيت أزمتك المالية بفضل هذه الصفقة لكنك لا تتحدث سوى على مقتل سعد الدين "


صاح صفوت بلهجة متألمة محملة بمشاعر الذنب " أنت قتلت انسان .. شردت عائلته .. ذنبي هذا الذي تتحدث عنه بشأن أموالي يخصني أنا وحدي لا يضر شخصا آخر .. لكن انهاء حياة انسان .. هذا ما لم استطع تخطيه أبدا .. لهذا لا أريد المزيد من القتل يا فؤاد.. تحمل الشاب فما حدث له لم يكن هينا .. نتحمله من أجل ذنبنا في الماضي .. نهدده .. نقرص أذنه .. نخيفه ليترك البحث خلفنا لكن لا المزيد من الدماء أرجوك "


رد الشماع بلهجة مستخفة " أنت قلت أنا من قتلته .. إذن أنا المتحمل ذنبه يا رقيق القلب.. فانعم أنت بأموالك واتركني أتصرف .. "
استمر صفوت في محاولة اقناعه لمنع ذنبا آخر يلقى فوق كاهله " لا تستهين بالذنوب يا فؤاد .. للأسف أنا بصمتي وعدم شهادتي ضدك أحمل معك هذا الذنب فوق كاهلي للأبد .. وكل يوم أرى ثمرة ما فعلت يدي بكتماني لتلك الشهادة ..لهذا أنا أتحمل معك ذنب ما حدث لسعد الدين وما سيحدث لأولاده من بعده "


انفجر الشماع صارخا بغل وتر صفوت نفسه " سعد الدين استحق ذلك .. هو من تحداني ولا أحد يجرؤ أن يتحدى فؤاد الشماع .. هل سمعتني؟ .. من يتحداني يا صفوت امحوه من فوق الأرض "
غمغم صفوت بإجهاد ذهني ونفسي وهو يمسك بصدره " يكفي الحديث عن تلك السيرة القديمة المتقيحة يا فؤاد.. والتي لا أعرف لما فُُتِحت الآن بعد كل هذه السنين .. أتمنى منك أن تترك فارس وشأنه"


رد الشماع بقرف " فارس حشرة ادعسها بقدمي بسهولة . لكني كنت صابر من أجل خاطرك أنت يا صفوت بك كما قلت لك .. ( واردف بلهجة ساخرة ) أرأيت كيف أملك جانبا رقيقا مثلك .. ( وعادت لهجته للخطورة بشكل مفاجئ كعادته فتوتر صفوت ) لكن ليس بعد الآن .. خطأ واحد من ابن سعد الدين وسينتهي أمره ويلحق بأبيه .. ولن أتراجع عن هذا "



اطرق صفوت برأسه في خزي من نفسه وبعذاب ضمير وغمغم قائلا " الله غالب على أمره .. اذهب الآن يا فؤاد يكفيني هذه الجرعة من ذنوب الماضي "
اغلق الخط بدون أن ينتظر رد فؤاد الشماع .. يجثم الضيق على صدره ويخنقه ..
ألن يتخلص أبدا من تلك الحادثة .
غلطة ..
غلطة واحدة فعلها في الماضي تحولت لذنب متعلق برقبته ليوم القيامة ولا يعرف كيف يتخلص منه ..



هم بالتحرك لكنه فوجئ بلؤي ابنه يقف يطالعه بنظرات مصعوقة عند باب المكتب المفتوح ..فهربت الدماء من وجه صفوت وازداد الألم في صدره مغمغا بصوت هارب منه "لؤي منذ متى وأنت هنا؟؟!!!"
رد لؤي وعيناه تطالعانه بنظرات ذاهلة " من أول المكالمة يا أبي .. ولا أصدق ما سمعته .. أنت يا أبي ! .. أنت قاتل"



تحرك صفوت نحوه بسرعة هاتفا بانفعال " أنا لست قاتل .. وانسى ما سمعته للتو فهو من الماضي ولا يعنيك "
صاح لؤي باستنكار " كيف أنساه ؟!!!!! .. كيف أنسى بعد ما سمعته منذ قليل ! .. ( وتطلع في والده مشدوها وأضاف ) كنت دوما أشعر بالذنب لأني ابن فاسد لأب مستقيم مثلك .. فإذا بالبذرة فاسدة من الأساس!"


هدر صفوت بقوة " اخرس (وامسك بتلابيب ابنه ) أخرس واحترم نفسك .. أنا لست بقاتل أنا تورطت في حادثة قديمة لكني لم أقتل أحد"


قال لؤي بلهجة متهكمة " والد فارس سعد الدين أليس كذلك ؟!.. أنا كنت مندهشا من ظهور فارس في حياة كارمن بمجرد أن انفصلت عنها رغم أن علاقتنا لم تكن رسمية .. واندهشت لسرعة زواجهما ولمعرفته بك فشعرت بأن الأمر فيه صدفا غريبة غير قابلة للتصديق فإذا بي أتفاجأ بأنه يسعى للانتقام كما فهمت من حديثك مع هذا الرجل الذي يدعى فؤاد .. واكتشفت بأن والدي قاتل !"


ترك صفوت ملابس ابنه وصاح منفعلا " قلت لك لست بقاتل.. لم أقتل أحد ( وازدادت سرعة أنفاسه ليضيف موضحا ) من عشرين سنة ألمت بي أزمة مالية كبيرة .. وكادت أن تدخلني السجن وتقضي على اسم عائلتنا .. فلم أتحمل أن أراك أنت ووالدتك تخسران كل شيء .. لم أقدر على تحمل فكرة أننا فقدنا كل شيء .. لم أتحمل أن تعيش أنت وثريا في مستوى لستم معتادين عليه .. لم أتحمل ذلك ..( ونظر أرضا يستعيد الذكريات) فلم يكن أمامي سوى أن أرضى بالمشاركة في صفقة مشئومة لتهريب آثار مع هذا الرجل ستربحني مبلغا كبيرا من المال سينقذني من الورطة .. ستنقذنا كلنا .. لكن الأمر انتهى بمقتل محمود سعد الدين على يد فؤاد الشماع وهروب الأخير خارج البلاد بعدها ..( ورفع أنظاره لابنه المصدوم مؤكدا ) أنا لم أحضر لحظة مقتله صدقني .. تركتهم قبل أن يتطور الأمر ولم أكن أعرف بأن الأمر سيتطور للقتل .. (وأطرق برأسه بخزي وهو يضيف ) واضطررت لإغلاق فمي في تحقيقات الشرطة بعد أن ذكر فارس باسمي فيها أنا والشماع لأني كنت على صلة بعمل والده في المقاولات الذي كان يشرف لي على بعض مشاريع الشركة الانشائية .. وأخبرتهم في التحقيق بأني لا أعرف عم يتحدث وانكرت صلتي بفؤاد في مقابل أن آخذ نصيبي من الصفقة .. ( ورفع انظاره يشرح وجهة نظره) حاولت أن انقذ اسرتي فإذا بي اتورط بشكل غير مباشر في جريمة قتل .. ولم أعرف ما ألم بعائلة سعد الدين بعد ذلك صدقني إلا حين ظهر فارس بعد سنوات يخبرني بوجوده وسعيه للانتقام فبحثت خلفه وتبين لي ما حدث له ولأسرته وحملت نفسي ذنبه وذنب عائلته فوق ذنوبي منذ تلك الحادثة التي ظننت بهروب الشماع أنها انتهت لكن الله ظل يعذبني بها .. يكفي أن أراك تضيع أمامي .. ابني الوحيد أمامي تائها في الحياة .. فأرى فيما يحدث معك عقاب رب العالمين لي .. هذا ما حدث فلا تقول بأني قاتل "



ساد صمت ثقيل ليقطعه لؤي قائلا بذهول " لا أصدق .. ما تقوله !.. هذا غير قابل للتصديق ابدا .. كنتَ دوما الرجل الفاضل الذي لا يخطئ أبدا .. وكنتُ أراني لا استحق أب مثلك لكن الآن ...."
هدر صفوت بألم " ماذا الآن؟!! .. أنا لا زلت صفوت عظمة والدك .. وربي يعلم أني نادم على ما تورطت فيه .. ويعلم بأني قد أخرجت ضعف المال الذي كسبته من تلك الصفقة لوجه الله لأكفر عن ذنبي .. لكني لن استطيع أن اعترف للشرطة بتورطي في الحادث القديم .. ولازلت أنكر أمام فارس معرفتي بالحادث .. هذا الأمر سيجر علينا بلايا نحن في غنى عنها .. كما أنه لن يحيي المتوفي .. والحي أبقى من الميت .. لكن فارس لا يريد أن يترك ذلك الانتقام الأسود الذي سيحرقه هو قبل الجميع "



طحن لؤي فكيه قائلا " اذن فارس يسعى للانتقام منك .. واختار الانتقام منك في شخصي أنا بزواجه من كارمن "
اقترب صفوت منه يقول بخفوت محذرا " أنا أخبرتك بسر خطير جدا لأني لم أتحمل أن تراني في نظرك قاتلا فيكفي ما أجلد به ذاتي .. لذا كن رجلا واحتفظ بسر أبيك يا لؤي "
تكلم لؤي بحسرة " حسنا يا أبي سأدفن معك الماضي .. لكن كيف سأتحمل الحاضر؟ كيف سأتحمل ضياع كارمن مني ؟.. بسبب ما فعلته أنت .. فبسبب انتقامه منك ضربني في مقتل يا أبي ..( وضرب على صدره يقول بعذاب ) ضرب ابنك في مقتل .. أخذ مني كارمن (وصمت قليلا يحدق في الأرض ليستوعب الحقائق الصادمة ثم لمعت عيناه بالجنون ليرفع نظراته لأبيه قائلا ) وبالتأكيد يرغب في الانتقام منها هي الأخرى .. فمن غير المنطقي أن يقرر الزواج منها في لحظة حتى يبني معها حياة مستقرة .. بالتأكيد يخطط لشيء ما ربما يخطط لأن يرميها بعد فترة مكسورة مذلولة .. فلا نعرف إلى أين سيأخذه الانتقام .. ولهذا لابد ان أتصدى له بنفسي .. لابد أن أبعده عنك وعن كارمن"



أمسك صفوت بتلابيبه يقول بصرامة " ابتعد عن هذا الأمر هل سمعت؟ .. انسى فارس سعد الدين وأنسى كل شيء .. وما تتشدق به بأنني السبب فالسبب هو أفعالك الدنيئة .. السبب علاقاتك النسائية وفراغ عينك واستحلالك للحرام ..فلا تلقي علي اللوم .. أترك أمر فارس سعد الدين تماما .. كارمن امرأة متزوجة فلا تعطيه الفرصة لأن يؤذيني فيك باقترابك من زوجته "


أوقف لؤي سيارته في ساحة فيلا والده وتوقف معها تدفق ذكرياته ليترجل منها صافعا بابها بعنف ويجري على السلم ليدخل الفيلا.
بعد دقيقة كان يقتحم مكتب والده الذي رفع اليه انظاره من خلف النظارة الطبية المعلقة فوق انفه في جلسته خلف مكتبه ليقول لؤي بانفعال وهو يضع تذكرة الطيران أمامه" ما هذا يا أبي؟.. ومن أخبرك بأني أرغب في السفر وترك البلاد؟"


رد صفوت بهدوء " أنا من قررت ذلك .. عليك بالابتعاد عن هنا .. عن كارمن وعن فارس وعن أصدقاء السوء والملاهي الليلية .. أنا أعطيك فرصة جديدة لتبدأ حياتك في مكان أخر .. فإما أن تنتهز هذه الفرصة لتغيير حياتك .. أو تذهب للمزيد من اللهو .. ففي الولايات المتحدة الأمريكية ستجد ضالتك أيا كان غرضك"


قال لؤي بانفعال " أنا لن أترك البلد يا أبي .. لن تبعدني منها من أجل ابن سعد الدين وهذا الانتقام السخيف بينكما .. لن أسمح له بأن يسلبني حياتي وأصدقائي هنا.. كما سلب مني كارمن"
لم يتفاجأ صفوت من رفضه فرد بالخطة البديلة قائلا " إذن ابحث لك عمن سيعطيك المال لتعيش حياتك مع معارفك وأصدقائك هنا "
ضيق لؤي عينيه مغمغما " ماذا تعني بهذا الكلام؟"


أجاب صفوت بثبات " أعني أن بطاقاتك البنكية كلها تم إيقافها لحين مغادرتك للبلاد .. وقتها سيكون لنا كلاما آخر"
هتف لؤي مصدوما "أبي !!"
أضاف صفوت بحسرة قلب " قد يكون هذا التصرف متأخر فقد استطيع أن أتغاضى عن فسادك لكني لن اتحمل ضياعك مني .. لهذا سأجبرك بأي طريقة على الرحيل "


تأجج الغضب في عيني لؤي وطحن أسنانه ليصيح متقبضا في وجه أبيه "حسنا يا أبي .. سنرى من فينا له الغلبة أنا أم ابن سعد الدين "


وتحرك مغادرا ساحبا قلب والده معه .. فتألم صدر صفوت يرمي بنفسه على كريسه بإعياء يردد في سره "هذا ما جنت يداك يا صفوت ( ثم التقط هاتفه بسرعة يطلب رقما و قال ) عينك على لؤي .. أخبرني بتحركاته أول بأول "
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 25-11-19, 01:00 PM   #358

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 3

في المساء :


كانت فتيات الدار من المعلمات والعاملات وعمة رفيدة وابنتها وحفيداتها يتجمعن في غرفة رفيدة يحتفلن بليلة الحنة .. فمنهن من ترقصن على أنغام الموسيقى الشعبية الراقصة .. ومنهن من تشاهدن الحنانة وهي ترسم رسومات الحناء للعروس رفيدة .. بينما جلست كارمن وفريدة تنتظران دورهما في رسم الحناء .. وتشاهدان رقص الفتيات .


تطلعت فيهن رفيدة سعيدة بهذا الجمع من الفتيات فلم تتوقع أن تكون ليلة حنتها بهذا الازدحام وهذه البهجة .
إنها العروس ..
بعد كل هذه الرحلة الطويلة مع الوحدة حان دورها لتجلس على مقعد العروس ..
رن هاتفها فاستأذنت الحنانة وتحركت نحو النافذة ترد بلهجة فرحة " نعم عمر "
جاءها صوته هادئا يقول" كيف حالك يا عروس؟"



لولا الملامة لتقافزت كطفلة كما تفعل ضربات قلبها الآن لكنها أجابت بسعادة واضحة "بخير يا عمر .. البنات عندي يقيمون لي ليلة الحنة "


جاءها صوته يقول بسعادة رغم تيقنها من عدم استساغته لتلك الزيجة حتى الآن " مبارك حبيبتي .. أنا منعت ايمان من الحضور لأني أعلم بأنها تستفزك .. لكن غدا سأكون عندك منذ الصباح فأنا أعلم أن الليلة خاصة بالنساء فقط "
اتسعت ابتسامتها وسألته بحماس " ما رأيك في فستاني يا عمر .. أنت الرجل الوحيد الذي أريته صورة الفستان حتى الشيمي لم يراه بعد .. أريده أن يراه لأول مرة وأنا أرتديه "


رد عمر سعيدا لسعادتها ومشفقا عليها في نفس الوقت" جميل جدا ورقيق .. رغم أني توقعت أن يكون أكثر زينة وبهرجة "
غمغمت بابتسامة محرجة" عليّ أن اراعي سني مهما كان فلست مراهقة لأرتدي المنفوش "


تألم قلبه ورد بانفعال " ما هذا الكلام يا رفيدة !!. أنت يليق بك كل الفساتين .. أخبريني أيهم كان يعجبك وسأبدل لك فستانك حالا "
قالت متأثرة من كلامه " هذا يعجبني جدا جدا صدقني ( ونظرت حولها ثم قالت بهمس ) الحقيقة أشعر كالأطفال وأريد للغد أن يأتي بسرعة لأرتديه "
غلبته مشاعره فغمغم بحشرجة " إن شاء الله يا حبيبتي .. أراك في الصباح "


جاءها تنبيه لمكالمة أخرى تنتظرها فأبعدت الهاتف عن أذنها لتجد اسم( شمشون )على الشاشة .. فأعادت الهاتف لأذنها تقول "إن شاء الله .. سلام يا حبيبي .. لا تتأخر غدا سأكون مرتبكة جدا "
انهت المكالمة مع أخوها لتجيب على الأخرى " أين أنت طوال النهار يا شيمي ؟"



اتسعت ابتسامة الشيمي ورد وهو يقف خارج أحد المطاعم " كنت انجز بعض الأمور التي تخص حفل الغد .. والآن أنا مع بعض الأصدقاء يحتفلون مقدما بزواجي"
تخضبت وجنتيها بالحمرة وهمست " وأنا عمتي والبنات يتجمعن في غرفتي يحتفلون بليلة حنتي كما تسمع من الموسيقى "



قال الشيمي مشاكسا " خسارة.. فشلت خطتي .. فقد كنت أفكر أن أنتهي من السهرة مع الشباب وأصعد إليك الليلة .. فلست بقادر على الانتظار بضع ساعات أخرى"
غمغمت بحرج " شيمي!"
قال وهو يتطلع حوله " الشيمي ضاع وانتهى أمره على يد الأستاذة"


صمتت رفيدة بحرج ولم ترد فسألها بجدية " هل ينقصك شيء ؟.. أخبريني إن كان ينقصك أي شيء مهما كان أطلبيه من الشيمي وسيكون عندك فورا بمشيئة الرحمن "


غمغمت بتأثر "شكرا يا شيمي .. لا ينقصني شيء الحمد لله"
عاد للمزاح قائلا بخفوت " متى ما ذهبن من غرفتك في أي وقت أخبريني وسآتي فورا.. فخير الزفاف عاجله"
احمر وجهها وتطلعت حولها لتتأكد أن كلهن ملهيات عن ارتباكها ثم قالت ببعض الحزم تداري فرحتها "اذهب لأصحابك يا شيمي فلربما لن تراهم إلا بعد فترة كبيرة "


سألها مقربا الهاتف من فمه أكثر بينما قلبه يرفرف بجناحين بين ضلوعه " لماذا؟.. علام تنوين بالضبط للشيمي ؟"
خرج الصهد من وجهها خاصة مع تكدس المكان وارتفاع حرارة الزحام لتقول بصوت مرتبك مختلط بصوت الموسيقى الراقصة " قصدت.. قصدت أنني سأكون مثل أي زوجة وسأستجوبك وأمنعك من الخروج وهذه الأشياء "


انفجر الشيمي مقهقها حتى تحولت عينيه لخطين في وجهه فازداد ارتباكها لتقول بحنق وحرج " اذهب يا شيمي لأصحابك "
غمغم بابتسامة متسعة بعد أن هدأت ضحكاته " يا خوفي عليك يا شيمي ..أخشى أن يذهب عقلك ليلة الغد يا مسكين!"
غمغمت بسرعة وهي تهم بإغلاق الخط " انت تربكني بكلامك .. اذهب لأصحابك هيا"


اغلقت الخط بسرعة تسحب انفاس قوية لتهدئ من ضربات قلبها .. واسبلت جفنيها بحرج أمام المتطلعات في وجهها الأحمر .. لتعود لمكانها أمام الحنانة بينما جاء الدور على كارمن التي ردت على فارس في الهاتف تقول "نعم فارس .. هل عدت؟"



قال فارس وهو يدخل من باب الفيلا " أجل عدت .. هل أنت مشغولة أم من الممكن أن تكتفي بهذا القدر من الحفل؟ "
سألته بقلق "لماذا؟"
رد فارس وهو يقطع بهو الفيلا" فكرت في أن نخرج أنا وأنت بالسيارة .. لكن إن كنت تريدين البقاء في الحفل فلا بأس لنؤجلها "
قالت كارمن تتصنع الاندهاش" هل سنخرج أنا وأنت وحدنا ؟.. يا إلهي !.. أخشى أن ينفضح أمرنا ويعلم الناس بعلاقتنا السرية "
توقف فارس عند غرفة والدته وقال وهو يرفع حاجبا "أرى تهكما كارمن هانم .. هل ستأتين أم أدخل مكتبي لأنجز ما أجلته من أجلك؟"
قالت وهي تهم بالمغادرة .. ترتدي سترتها الطويلة تداري بها بلوزتها العارية التي كانت تجلس بها في الاحتفال "لا لا سآتي فورا .. فلا أعلم عرض كريم كهذا متى يمكن أن يتكرر .. انتظرني ...إياك أن تدخل مكتبك .. إياك .. سآتي فورا"
أغلقت الخط تقترب من رفيدة ثم فريدة لتبلغهم بمغادرتها بينما دخل فارس غرفة والدته تزين شفتيه ابتسامة ليقول " السلام عليكم يا أمي . كيف حالك؟ "


ردت الحاجة نفيسة بابتهاج لرؤيته وهو يقترب ويقبل رأسها " بخير يا حبيب أمك "



جلس فارس بجوارها على السرير فتطلعت في ملامحه المجهدة وربتت على ظهره تقول " ألم يأن الأوان لأن ترتاح قليلا يا فارس ؟"
غمغم فارس بإرهاق " فترة ضغط وستمر يا أمي وبعدها أعدك أن أخذ إجازة"


غمغمت بحنان "أراح الله قلبك يا بني ورزقك بالخير الوفير "
قال فارس بلهجة جادة " أمي لقد رأيت بالأمس مناما غريبا .."
حركت سبحتها بحركة رتيبة وقالت" خير اللهم أجعله خير "
حدق فارس أرضا وقال " رأيت سني قد وقع من فمي إلى حجري بدون ألم "


زينت ابتسامة زاوية فم الحاجة نفيسة ليكمل فارس شاردا "ثم سقط سنا آخر "
عقدت الحاجة جبينها فنظر إليها فارس موضحا" وآلمني جدا يا أمي .. رغم أن الأول لم يكن كذلك .. ورأيت بعض الدماء تخرج من موضع هذا السن .. لكنه لم يسقط في حجري كالآخر .. وإنما .. ( وازدادت أنفاسه انفعالا ) وإنما طار في الهواء .. وكنت مرعوبا أن يضيع مني .. فمددت يدي لألتقطه .. وأعيده لمكانه في فمي .. لكن ( وتوترت ملامحه وهو يكمل ) لكن ذراعي يا أمي (وأمسك بذراعه اليمين ) ذراعي كان يؤلمني بشدة ولم أستطع رفعه"


وجمت ملامح الحاجة نفيسة وبلعت ريقها تسأله باهتمام "وهل التقطت السن الثاني الذي أردت إعادته لفمك ؟"
حرك فارس رأسه مغمغما "انتهى الحلم قبل أن أعرف "
سحبت الحاجة نفسا عميقا ورددت " خير بإذن الله .. الأسنان في المنام خير أو شر حسب حالة صاحبها"
سألها بتوجس "وهذا المنام ؟"
صمتت قليلا تحرك سبحتها ثم قالت بلهجة غامضة "أرى فيه بشرى خير .. وأتمنى ما فيه من شر ألا يحدث"
سألها فارس بإصرار " ما تفسيره يا أمي ؟"


حركت رأسها تقول بحزم " لن افسره .. (فالرؤيا على رجل طائر مالم تعبر ) .. فلا تحاول تفسيره .. فقط راجع ما تفعله يا فارس لربما تفعل أمرا فيه مجازفة أو خطورة وأكثر من الاستغفار .. "
عقد فارس حاجبيه وبدأ ذهنه يذهب لانتقامه متسائلا في سره "هل سيضره الشماع أو يضر أحد من أهل بيته؟"


قطعت كارمن حديثهما حين دخلت تنهت بشكل واضح فقالت الحاجة نفيسة موبخة "تجرين مجددا يا كارمن؟!!"
استقام فارس واقفا يقترب منها بقلق بينما ردت كارمن من بين أنفاسها وهي تتطلع في فارس "أردت أن ألحق بابنك قبل أن يغير رأيه .. تصوري يريدنا أن نخرج سويا !"


ابتسمت الحاجة نفيسة بينما قال فارس بضيق " إذا أردت الخروج من البيت من قبل يا كارمن لماذا لم تخبريني ؟"
أحست بشعوره بالذنب فقالت وهي تمسك بذراعه" لم اقصد إلا المزاح لماذا أنت متوتر هكذا "
لانت ملامحه وتطلع فيما ترتديه قائلا" هل أنت جاهزة؟"



أشرقت ابتسامتها أمام ناظريه فاستدار يقول لوالدته "هل تريدين شيئا من الخارج يا أم فارس ؟"
ردت الحاجة نفيسة" لا يا ولدي لا أريد سوى سلامتكما .. هل سيتأخر يونس ؟"
أجاب فارس وهو يغادر " سيتأخر قليلا .. فلديه بعض الأمور في العمل قبل سفره مساء الغد .. السلام عليكم"


ردت الحاجة السلام شارده ثم غمغمت بقلب مقبوض "اللهم الطف بنا في قضائك وقدرك يا كريم"
بعد قليل قالت كارمن وهي تتأمل فارس أمام المقود يشغل السيارة ويتحرك بها بعد أن خلع سترة الحلة وألقى بها على المقعد الخلفي.. فبدا أكثر بساطة بالقميص الأنيق والبنطال " إلى أين ستأخذني فارس بك ؟"



قال وهو يركز على الطريق أمامه" هل هناك مكان معين ترغبين في الذهاب إليه كارمن هانم؟"
ردت وهي تغوص في مقعدها باسترخاء" كلا فارس بك .. سأذهب للمكان الذي قصدته أنت من البداية "


غمغم فارس وهو يشاهد استرخائها في المقعد" سآخذك لمحل الحلويات حتى تختارين الصنف الذي تقصدينه بنفسك "
لمعت عيناها وقالت بحماس "حقا "


أومأ برأسه فاعتدلت تسند بمرفقها على ظهر مقعدها بينما رأسها يستند على كفها تتطلع فيه فسألها فارس رافعا حاجبيه" لماذا تنظرين إليّ هكذا"


غمغمت تتأمله " أحب رؤيتك وأنت تقود السيارة"
حرك مقلتيه نحوها ثم عاد يركز على الطريق أمامه لتكمل كارمن "ربما لأننا نكون ساعتها وحدنا .. ربما لأنني أشعر في وجود الشيمي وزغلول حولك وكأنهم قشرة يختبئ خلفها فارس البسيط (وأضافت بلهجة مغازلة) وربما لأنك تبدو أمام عجلة القيادة وسيما كما أنت أمامي الآن "


رفرف قلبه محلقا في سماء السعادة فالتقط كفها ليرفعه نحو شفتيه مقبلا .. ليرتجف قلبها كعصفور ينفض ريشه من الماء بانتعاش .. ثم شبك فارس أصابعه بين أصابعها قائلا بخفوت وهو يحرك ابهامه على ظاهر يدها بعد أن استقر بها على فخذه "اشتقت إليك الأيام الماضية يا أميرتي "
اتسعت ابتسامتها ولم ترد .. فقط مالت برأسها على ظهر مقعدها .. فحرك مقلتيه الزرقاوين نحوها ثم عاد للطريق أمامه شاردا في هذا الحلم الذي رآه وفي امتناع والدته عن تفسيره.



بعد نصف ساعة كانت كارمن تقف في إحدى محلات الحلويات الشهيرة تتطلع في الأصناف أمامها مبتهجة من رؤيتها لكنها كانت تبحث عن صنف معين في حيرة ليسألها الحلواني" أتريدين صنفا معينا يا هانم"


قالت كارمن للحلواني "أريد التي هي أخت البسبوسة"
عقد الرجل حاجبيه فتنحنح فارس يمسك بمرفقها بتحذير ثم تدخل قائلا "تقصد صنفا يشبه البسبوسة" قال الحلواني بابتسامة "تقصدين الهريسة؟"
صاحت كارمن بطفولية "أعتقد هي"


أشار الحلواني لصينية كبيرة وقطع قطعة بسكينه ووضعها في طبق صغير من الكرتون .. فمد فارس يده يلتقطه منه ويناولها إياه قائلا بخفوت " كنت على وشك الاتصال بأمي لأسألها عن الصنف الي تقصدينه لأنني نسيت أن اسألها قبل أن نغادر البيت "



أمسكت كارمن القطعة بطرفي سبابتها وابهامها تقضمها وهي تكاد تقفز من مكانها بسعادة وهتفت" هي يا فارس .. هي الهريسة"
وضع فارس يده على كتفها لتثبتها من الاهتزاز يحدجها بنظرة حازمة موبخة .. ثم استدار للحلواني يطلب طبقا كبيرا من الهريسة.. لتفسر كارمن وهي تتبعه عند دفع الحساب ثم طاولة الاستلام "لم أرغب في أن أسأل الحاجة عن اسم الصنف لأنهم كما قلت لك كلهم مشغولون بحفل الغد .. فتحرجت أن تقوم الحاجة بصنعه خصيصا من أجلي"


ناولها فارس الطبق الملفوف في ورق الهدايا فكادت أن تحضن الطبق .. فابتسم لسعادتها ووضع يده على ظهرها يخرج بها من المحل المزدحم عائدا للسيارة ثم فتح لها الباب لتجلس فيها .


حين تحرك فارس على الطريق سألها" هل تريدين الذهاب لمكان آخر أخبريني لأني لست خبيرا في مثل هذه الأمور ؟"
ردت وهي تلعب في اشرطة اللفة "لا .. اشعر بأني فاقدة للطاقة وأريد العودة ( ثم سألته والقلوب تتفجر من عينيها ) لن أتحمل حتى نصل للبيت "


اتسعت ابتسامته وهو يراقبها تحل عقد اللفة ثم تكشف عن الطبق وهي تقول" ليس لدينا ملاعق ولا شوك لكن لا بأس سأتصرف .. المهم ألا تعرف شويكار هانم بما سأفعل "
وامسكت بقطع الهريسة بطرفي سبابتها وابهامها لتقطم منها قطعة وتهمهم باستمتاع" رائعة .. رائعة يا فارس"


وزع نظراته بينها وبين الطريق سعيدا بسعادتها متأملا رقتها حتى وهي تأكل بنهم ..
فأمسكت كارمن بقطعة بين أصبعيها وقربتها منه تقول "ذق منها يا فارس .. أرجوك أنها رائعة"
مال نحوها يلتقط الهريسة في فمه لاعقا اصبعيها بشفتيه فدبت الحرارة في جسدها .. والتقطت قطعة أخرى تدسها في فمه فكرر ما فعل يرمقها بعينيه الزرقاوين بنظرات تذيب أعصابها .


عضت كارمن على شفتها .. وعادت تنظر في الطبق .. فالتهمها بعينيه راسما تفاصيلها ..
كل ما يخصها جميل ومسكر ومشعل لأعصابه ..



أما كارمن فالتقطت بعد قليل قطعة كبيرة تدسها في فمها ثم غمغمت شاعرة بالذنب " لقد اتيت على ربع الطبق يا فارس .. اسحبه من يدي قبل أن اتحول لكرة منفوخة"


ركن فارس السيارة فجأة على جانب الطريق الساكن تماما في مدخل المدينة .. فتطلعت حولها متسائلة ليميل عليها يسحب الطبق من يدها بهدوء ويضعه على المقعد الخلفي مغمغما بصوت متهدج " لا يهمني إن تحولت لكرة أم لبالون .. لكني أخشى على معدتك .. ( ثم رفع ذقنها قائلا بخفوت حار أمام عينيها الصافيتين ) أنت ذقتِ حلواكِ مس سويتي فدعيني أنا أيضا أذق حلواي"
وأطبق على شفتيها في عناق شهي.. حلو .. وحار .. ومسكر بينما الحمم السائلة تغلي في أعصابه ..


فهمست كارمن بعد أن افلت شفتيها "فارس نحن في الشارع "
تطلع في صفحة وجهها قائلا بصوت مبحوح " القيام ببعض المراهقة معك في السيارة كارمن هانم تبدو فكرة شهية جدا "
اتسعت ابتسامتها تتحسس وجهه في الضوء الخافت بينما عيناه الزرقاوين قد ازدادتا دُكنة وأنفاسه المختلطة بعطره تزيد من جنون المشاعر بداخلها.. بينما غمغم فارس بخفوت أمام وجهها "أحيانا أحتار ماذا يمكن أن أفعل لأجعلك لا تنسينني أبدا ... لا تنسين الشاطر فارس الذي سمحت له الأميرة بدخول قصر العسل .. فتملكه الطمع بألا يكتفي بالحصول على كل ما يخصها بل امتد طمعه لأن يظل بطل قصتها "


بدا كلامه غريبا لكنها تمتمت " لكنه بالفعل أصبح بطل قصتها الأول والأخير والوحيد "
تجول بعينيه في صفحة وجهها ثم قال " أتمنى أن أكون بطل قصتك للأبد ولست فصلا من فصول حياتك يا كارمن .."
شعرت بالارتباك ولم تفهم معنى كلامه فقالت " ماذا تقصد؟ "
انتبه فارس لما يتفوه به من هلوسة فقال مغيرا الحديث وهو يتأمل شفتيها " أقصد بأني أريد أن أقضم قطعة أخرى منك مس سويتي "


وعانقها في قبلة أخرى أكثر حرارة وعمقا بينما أصابعه تتحسس ظهرها وفخذها .. قبل أن يسمعا صوت سيارة قادمة ويضطرا للافتراق .. ليقول فارس وهو يشغل السيارة " علينا أن نعود إلى البيت بسرعة لأتفحص بنفسي أين ذهب هذان الكيلوان اللذان اكتشفهما ذلك الميزان اللعين قبلي"


ابتسمت كارمن تتطلع إليه لكن لم يغادرها القلق ففرد فارس ذراعه على كتفيها يسحبها إلى صدره .. لتسأله كارمن بحيرة " هل أنت بخير يا فارس ؟"
اتسعت ابتسامته ورد بعد أن طبع قبلة على رأسها " في خير ونعمة كبيرة بوجودك في حضني يا كارمن "


××××


ظهر يوم الجمعة
بعد أداء صلاة الجمعة في المسجد القريب عاد الرجال إلى فيلا سعد الدين.. فارس ويونس وعاصم السيوفي الذي استأذنهم ليبدل ملابسه في شقته المواجهة للفيلا ويعود .. بينما ذهب الشيمي للاستعداد لحفل زفافه .. بعد أن قرر فارس أن يقام الحفل في حديقة فيلا سعد الدين بعد ظهر الجمعة وبعد مراسم عقد قران يونس وفريدة لتكون مناسبة واحدة .. خاصة وأن رفيدة والشيمي ليس لديهما عددا كبيرا من المدعوين لحفل زفافهما فوجدها فارس فرصة جيدة أن ينضم ضيوف العرسين لإقامة حفل ممتد في يوم دافئ من أيام فصل الشتاء الذي قارب على الرحيل.
قال يونس على الهاتف بتوتر وهو يدخل من بوابة الفيلا التي ستفتح أبوابها على مصراعيها طوال اليوم لاستقبال الضيوف" أين أنت يا زياد المأذون على وشك الوصول "


رد زياد بهدوء " لا تتوتر أنا في الطريق بضع دقائق وأصل إليك أن شاء الله يا عريس "
سأله يونس " هل والديك معك ؟"
قال زياد بملل" اقتربا من الوصول إليكم .. اهدأ وارحمني .. أنت تقيم حفلا بعد صلاة الجمعة .. أي أن الجميع قد استيقظوا اليوم مبكرا من أجل سيادتك فارحمنا من توترك "


غمغم يونس بالسلام.. ثم أغلق الخط يتطلع في أطفال الدار الذين بدأوا في الانتشار في حديقة الفيلا بمصاحبة المعلمات كل مجموعة من الأطفال في عهدة معلمة .. عدا براء الذي انتقل رسميا للمبيت عند ضحى وفادي والذي سيحضر معهما بعد قليل لحضور زفاف رفيدة .


كان صبيان الدار يرتدون حلات رسمية أنيقة .. بينما الفتيات ارتدين فساتين من التل الأبيض وشبكن جناحين صغيرين خلف ظهورهن فبدين كالملائكة.. فتفاءل يونس من منظرهم وتحرك يبحث عن فريدة التي لم تنزل من غرفتها منذ الصباح .


في الفيلا ربت فارس على يد والدته التي تقف في منتصف البهو تستند على عصاها وتلقي تعليماتها للخادمات الأنيقات اللاتي تم استجلابهن للمساعدة في هذه المناسبة ..


فبالرغم من أن الحفل بسيط يضم المقربين جدا من يونس وفريدة وعائلة سعد الدين بالإضافة لأهل الدار وعدد قليل من ضيوف رفيدة والشيمي ..



وبالرغم من أنه سيتم خلال ساعات النهار في الحديقة ..
لكن الحاجة جهزت مأدبة فخمة بينما قامت كارمن وفريدة بالاهتمام بديكورات الحديقة من بالونات واشرطة ملونة وورود طامعين في أن يكون حفلا عائليا دافئا .


قال فارس لوالدته " لا تجهدي نفسك يا أمي .. لماذا أحضرت الخادمات إذن "
قالت الحاجة وهي تعدل حجابها فوق عباءتها البيضاء المطرزة أكمامها باللؤلؤ " أنا أباشرهن فقط حتى تنزل فريدة وكارمن لوضع اللمسات الأخيرة على ترتيب المائدة"


قبّل فارس رأسها مغمغما " أكثر الله من أفراحك يا أمي"
فربتت على صدره تقول بعينين زرقاوين غائمتين" وبارك الله لك فيما رزقك ..وأعلا من شأنك ونصرك على أعدائك يا فارس ابن رحمي ورزقك بالذرية الصالحة"
قبّل رأسها مرة أخرى .. وتحرك نحو مكتبه يتصل بكارمن التي أجابت بسرعة فبادرها قائلا " أين أنت منذ الصباح لم أرك حين استيقظت؟ "


ردت كارمن بسرعة " أنا في غرفة فريدة نستعد للحفل"
سألها باندهاش "منذ الصباح!"
ردت بثقة "طبعا هل تعتقد أن استعداد النساء بهذه البساطة"
غمغم بلهجة ذات مغزى " وكيف حال الاثنين كيلو جرامات الذين تم تحديد مواقعهم ليلة أمس؟ "


تطلعت كارمن في فريدة المشغولة بزينة وجهها تثرثر مع اثنتين من صديقاتها اللتان تساعدانها .. وانتحت جانبا تقول بحنق "لا تذكرني أرجوك بمأساتي"


ضحك فارس ثم قال بتسلي" أما أنا فلا أريد نسيان ليلة أمس بكل تفاصيلها ( وهمس بشقاوة ) بالمناسبة أحببت الزيادة جدا"
اشتعلت وجنتيها شاعرة بالثقة في انوثتها.. بما يهديها من كلمات عفوية تتوجها كملكة جمال الكون .. وبانفعالاته كرجل التي تستقبلها منه في لحظاتهما الخاصة .. لكنها شاركته قلقها تقول " أتمنى أن يكون الفستان مضبوطا عليّ وألا تختلف مقاساته"


سألها بفضول " كيف هو الفستان لم أراه؟"
ردت تغيظه " الفستان عاري "
انقلب وجهه وقال محذرا " كارمن !"
أكملت بتسلي " قصير"
ازدادت لهجته عبوسا " كارمن !"
أضافت بلهجة شقية "فاضح "
قال بعبوس " كارمن كفي عن المزاح .. اتفقنا على عدم تخطي هذه النقطة "
قالت بلهجة متسلية " ربما أريد أن أمارس بعض الشقاوة وافاجئك بفستان كهذا ثم أصالحك بعدها وأعتذر "


قال بثقة " كلا لن تفعليها أبدا "
تخصرت تقول بمشاكسة " لماذا فارس بك هل تظنني أخاف منك !"
رد بهدوء " لأني أثق فيك ثقة ليس لها حدود يا كارمن"
اتسعت ابتسامتها .. ثم سألته و قد تذكرت شيئا قلب وجهها للعبوس فجأة " هل ستحضر ريتا ؟"



ابتسم بانتشاء ذكوري لغيرتها ورد " كلا إنها في رحلة لتركيا وعقد القران تقرر فجأة "
ردت من بين أسنانها " الحمد لله فلست في مزاج لخربشة أحدهم اليوم "


قهقه فارس.. فرفعت حاجبا تقول بلهجة خطرة " ما معنى هذه الضحكة ؟.. هل تستهين بي .. هل تستهين بي فارس بك .. لا حظ اني أنفعل بسهولة هذه الأيام .. فاتقي شر انفجارات عاطفية ليست محمودة العواقب "
استمر فارس في قهقهته ثم قال" متى ستنزلين ؟.. فالمأذون على وشك الوصول .. والحقيقة أنا متوتر أكثر من يونس .. فأنا أزوج اخواي دفعة واحدة "


سألته "هل أنت سعيد؟"
سحب فارس نفسا عميقا وهو يتطلع من نافذة غرفة مكتبه المطلة على حديقة الفيلا ثم رد " الحقيقة سعيد .. ومندهش .. ولازلت حتى الآن أرى الأمر مضحكا"



اتسعت ابتسامتها قائلة " حسنا .. لا بأس ستعتاد الأمر .. سأذهب لأستعد "
هم فارس بإغلاق الخط خاصة بعد أن شاهد وصول رأفت وجدي وزوجته لكنه سألها سؤالا مراهقا لم يكن يتوقع أن يطرأ على ذهنه الذي لا يهتم إلا بالعمل" ما لون فستانك ؟"
ردت كارمن بشقاوة وقد اسعدها التغير الذي طرأ عليه ليهتم بالتفاصيل الصغيرة التي تخصها " أمممممم .. خمن ماذا يمكن أن يكون لون فستان أميرة قصر العسل يا شاطر فارس "


قالتها وأغلقت الخط تشعر بحماس شديد .. فلا أحد يعرف بعد أن اليوم هو يوم تنفيذ القرار الذي هيأت نفسها له الفترة الماضية نفسيا ومعنويا وروحيا .. وانتظرت لحظة فاصلة تنفيذه .. لتختار هذه المناسبة بالذات .


تناولت الفستان العسلي من فوق المشجب واتجهت للحمام الملحق بالغرفة لترتدي ملابسها بينما استعجلتها فريدة تقول "اسرعي يا كارمن أرجوك فيونس يتعجلني في النزول وأنا أشعر بالحرج من النزول وحدي"
انفجرت صديقاتها من الضحك لتقول إحداهما" عقد قران والعريس في نفس المنزل .. ستكون لياليكما كلها شقاوة قبل يوم الزفاف "
ردت فريدة بوجنتين حمراوين "قلت لك سيسافر الليلة وسيعود يوم الزفاف .. أبيه فارس أصر على ذلك"



قالت الأخرى بلهجة متهكمة " مسكين لابد أنه انجلط من هذا القرار "


ابتسمت فريدة تتذكر حنق يونس وهو يخبرها بالخبر وبرطمته لها في الهاتف .. فسحبت أنفاسها وهي تترقب هذه الحظة ..
لحظة أن تكتب باسم يونس ..
لحظة أن تمحى الحدود بينهما ..
لحظة أن تمنح الفرصة الكاملة لتدليل ابن قلبها.


خرجت كارمن بعد دقائق ترتدي فستان باللون العسلي الهادئ الذي يميل للبيج .. تنورته من الساتان السادة بحزام يلف الخصر من نفس قماش التنورة تزينه فيونكة تميل لجهة اليمين قليلا.
أما جذعها فيزين الساتان خطوط فضية مائلة تمتد حتى الاكمام التي تنسدل بكورنيش بسيط من بعد المرفق وتنتهي حتى نصف الساعد .


كان أنيقا رقيقا استحوذ على انتباه البنات .. لكن ما لاحظته فريدة واندهشت له أن كارمن تكمل ساعد الفستان حتى الرسغ بأكمام إضافية بلون مقارب لدرجة لون الفستان ترتديها تحت الكم الأساسي لتغطي الجزء الباقي من الساعد .. وقبل أن تبدي ملاحظتها كانت كارمن تتجه في عجلة لترفع شعرها أمام المرآه في عقدة خلف رأسها ثم تتجه لفريدة قائلة بوجنتين مخضبتين بالحمرة وهي تناولها وشاحا من الساتان من نفس درجة لون وقماش التنورة قائلة بصوت متهدج فاجأها هي شخصيا " ساعديني من فضلك يا فريدة فلم أجرب من قبل لفه حول رأسي بشكل محترف "


اتسعت عينا فريدة تناظرها بذهول .. ثم صرخت بفرح" كارمن! ..( وتقافزت وهي تمسك بكتفيها قائلة ) كارمن ما هذه المفاجأة الجميلة !"
غطت كارمن وجهها بكفيها بحرج ثم عادت تنظر إليها تقول بابتسامة محرجة " هيا بسرعة حتى لا نتأخر عليهم .. "
بعد دقائق تطلعت كارمن لنفسها في المرآة تشعر براحة وسعادة بينما قالت فريدة من خلفها" تبدين رائعة بسم الله ما شاء الله لم أتوقع أن يكون الحجاب عليك بهذا الشكل الجميل ويبرز رسمة عينيك بشكل مذهل .. سيُجن أبيه.. هل يعلم ؟"


قالت كارمن " كلا أردت أن افاجئه .. "
رن هاتف فريدة عدة مرات ففهمت كارمن أنه يونس .. فقالت لفريدة " انزلي أنت مع البنات وأنا سأنتهي من زينة وجهي سريعا وسألحق بك .. هيا قبل أن يفجر يونس نفسه بقنبلة في الفرح "
اتسعت ابتسامة فريدة ومالت لتعانقها فقالت كارمن بتأثر حقيقي " مبارك يا فريدة أنت تستحقين كل الفرح "



غمغمت الأخرى بنفس التأثر " مبارك لك أيضا يا كارمن "
في الأسفل دخلت عهد من بوابة الفيلا تتأبط ذراع زياد بينما والداه اللذان قد وصلا قبلهما كان يتطلعان فيهما من بعيد و يونس يستقبلهما ..
تطلعت ناهد بإعجاب لفستان عهد التي ساعدتها في اختياره والذي بدا عليها مبهرا .. من قماش الشيفون الوردي الهادئ وأكمام قصيرة .. تنسدل تنورته بطيات طولية قصيرة من الأمام ثم تزداد طولا على الجانبين بينما تلمس الأرض من الخلف .. تلف حول كتفيها وشاحا من نفس قماش ولون الفستان وحذاء عالي الكعب باللون البيج .. بينما شعرها مرفوع لأعلى مزين بورود وردية اللون وبعض الخصلات تنسدل حول وجهها .


قال يونس لعهد بامتعاض" إنها القطيعة بيني وبينك يا عهد"
شعرت عهد بالحرج وقد توقعت رد فعل كهذا فنظرت لزياد الذي بادر بالتبرير موضحا "عهد أرادت أن تفاجئني بطلبها العمل معي لهذا أخفت الأمر عن الجميع"
تكلمت عهد بلهجة معتذرة" آسفة يونس كنت سأخبرك بعد أن يعلم زياد .. لكن الأمر تطور بسرعة وعلمتم قبل أن أخبركم "
أومأ يونس برأسه ثم قال بحاجب مرفوع "عموما بالتوفيق زياد أفندي .. يا لص الموظفين"
اتسعت ابتسامة زياد السعيدة ومد ذراعه يطوق خصر عهد ليقول يونس وهو يتركهما " جهز بطاقتك الشخصية لتشهد على العقد .. سأذهب لأرى لماذا تأخر المأذون "
تأمله زياد وهو يبتعد ثم قال لعهد" يبدو سعيدا جدا الحمد لله "
غمغمت بخفوت " وأنا متوترة جدا .."


تطلع في وجهها مندهشا لتقول عهد مفسرة " اتعامل مع يونس ببساطة لكني الآن أشعر بالارتباك بسبب حساسيتك "
تأمل زياد جمالها بإعجاب وقلبه يرفرف في صدره ثم قال " دعينا نساعد بعضنا لرأب الصدع الذي حدث .. أنت ستكونين أكثر تحفظا معه عن ذي قبل.. لكن طبعا بدون تطرف فأنا لا أمنعك عن التعامل معه .. وفي المقابل سأحاول أن أتعامل أنا مع حساسيتي تجاه الماضي ببعض التعقل خاصة بعد أن تأكدت من حبك لي "


اتسعت ابتسامتها فخلبت لبه ليضع يده على ظهرها ويتحرك ناحية والديه قائلا " لا تتحركي من جانب والداي فما تلبسينه اليوم برعاية أمي سيرفع من درجة رغبتي في الشجار .. وما يشفع لك أن الحفل لن يضم إلا المقربين ( ثم وجه الحديث لوالدته حين اقترب منها قائلا ) حسابكما معي يا ناهد أنت وهي على هذا الفستان ( وأشار لعهد بسبابته بلهجة خطرة محذرا) إياك ثم إياك أن تخلعي عنك الوشاح ستقابلين زياد آخر وقتها"
قالت ناهد مبررة "يا بني إنها عروس "


قال زياد بلهجة خطرة " عروس لي أنا وليس للجميع ..أول وآخر مرة ترتدي فستان دون أن أوافق عليه مسبقا ( وعاد لعهد محذرا) لا تخلعي عنك الوشاح عهد باشا "
ثم تركهم مبتعدا لتقول ناهد مصعوقة " عهد باشا !!.. ماذا حدث لهذا الولد لم يكن يفكر بتلك الطريقة من قبل! "
بعد قليل نزلت فريدة وصديقتيها فاستقبلتهم الحاجة نفيسة وعيناها متعلقة بربيبتها وابنة قلبها .. فقد حانت اللحظة التي تنتظرها منذ سنوات .


اقتربت فريدة من الحاجة التي مررت عينيها الغائمتين عليها تقول " بسم الله ما شاء الله .. يا أرض احفظي من عليك "
طوقت ذراعيها تحضن الحاجة نفيسة وكلتاهما ترتجفان من التأثر .. فغمغمت الحاجة بصوت باك "مبارك يا قلبي .. الحمد لله أن جبر بخاطرك وخاطري ولم يحرمنا من فرحتنا "


ابعدت فريدة رأسها لتتطلع في وجه أمها قائلة" أتعلمين يا أمي ما يزيد من فرحتي ؟.. أني لن افترق عنك أبدا .. لم أتخيل يوما أتركك فيه وابتعد عن حضنك .. لم أتحمل فكرة أن آتيك زائرة .. بيتي دوما بجوارك يا أمي وفي حضنك "
ازداد بكاء الحاجة تحضنها مرة أخرى وتتمتم بتأثر" ربي يعلم كيف كان فراقك عني صعبا يا فريدة .. كأنه موت بالنسبة لي .. وكنت ادفعك للزواج رغم كل هذا حتى أطمئن عليك قبل أن أموت .. لكن الله سبحانه وتعالى كان يعلم بأني لم أكن قادرة على تحمل أن تنتزعين من حضني "


ابتعدت فريدة تلثم يديها الاثنتين ورأسها بهستيريا وانفعال .. لترفع الحاجة يديها تمسح دموع فريدة قائلة "كفى بكاء يا حبيبتي ستفسد زينة وجهك "
دخل يونس فجأة من باب الفيلا يصيح بتوتر" أين فريدة؟.. المأذون وصل .. هيا بسرعة "



قالت أمه وهي تمسح الدموع من وجهها الأشقر" اهدأ يا يونس ولا تستعجل البنت .. إنها العروس وعلى الجميع انتظارها "
انتبه يونس لما ترتديه فريدة.. فوقف متخصرا يرسمها بعينيه .. فستانها من قماش الدانتيل المخرم والمبطن باللون الباذنجاني .. ملون بورود صغيرة زهرية اللون على الخصر ومقدمة الجذع .. وحجاب من الحرير بدرجة افتح قليلا من لون الفستان ترسم عينيها بالأسود فازداد بريق قطعتي الشيكولاتة في حدقتيها مع لون زهري يطلي شفتيها.
اقترب يونس بهدوء يداري ارتجافه خلف ملامح جادة وسط النظرات المتطلعة حولهما ووقف أمامها يطالعها مغمغما "ادعي ليونس يا حاجة نفيسة.. ادعي له أن يتحمل قلبه كل هذه الجرعة من الفرح "


طالعت فريدة اناقته وعينيه العسليتين القاتلتين المسلطتين عليها .. فمد يونس يده يحضن كفها قائلا بصوت متهدج خافت " بضع دقائق .. بضع دقائق فقط وبعدها لن يفرقنا إلا الموت .. يا حليلة يونس سعد الدين"
وسحبها خلفه بهدوء إلى حلم عصي أضحى على وشك التحقيق .


في نفس الوقت قال عاصم في شقته متعجلا لشويكار التي تقف في الشرفة تتطلع فيما يدور في حديقة الفيلا " هل ستأتين معي أم لا يا شويكار؟ .. لقد تأخرت وأنا شاهد على العقد"


بحماس غامض السبب .. اتسعت ابتسامة شويكار ولمعت عينيها بالمكر تقول بلهجة ساخرة لم يلحظها عاصم " بالطبع سآتي .. فأنا متحمسة لحضور حفل اليوم بشكل خاص جدا جدا .. ( ثم نظرت في ساعتها تغمغم من بين اسنانها ) لماذا تأخر الغبي ! "
××××


نهاية الفصل الثامن عشر ويليه مباشرة الفصل التاسع عشر




Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 25-11-19, 01:01 PM   #359

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل التاسع عشر

الفصل التاسع عشر


قال عاصم بعصبية" هيا يا شويكار سأتأخر "
ردت عليه بارتباك " اسبقني أنت يا عاصم لتلحق بعقد القران .. وأنا سألحق بك بعد أن أصلح من زينة وجهي"
بدون تعليق استدار عاصم مغادرا يتمنى ألا تحضر .. فقد بات وجودها في أي مكان معه محبطا له ولكارمن .
أما شويكار فأجرت اتصالا أخر لكن الرقم الذي طلبته كان مغلقا ..


قبل يوم:


ركن لؤي سيارته أمام مبنى الجمعية بعد أن ترك والده غاضبا بسبب إصرار الأخير على سفره وايقاف بطاقاته البنكية ومحاصرته حتى يسافر ..
عليه أن يتحدث مع والدته حتى تثني والده عن قراره .. فدخل المبنى متحفزا يتفتت من الغضب ووقف ينتظر المصعد والذي كان يحمل شويكار الشبكشي في حالة من الاحباط الشديد .. فالمؤشرات بين أعضاء الجمعية ومجلس إدارتها تشير لأن الغالبية يؤيدون انتخاب ثريا الفالح ومتحمسون لبرنامجها الذي تراه من وجهة نظرها مجرد شعارات رنانة ليست عملية التنفيذ على أرض الواقع ..


برطمت بِغِل وهي تقف منكسة الرأس تتابع صوت طرق مقدمة حذائها على أرض المصعد " الأغبياء .. لو يفهمون سيعرفون بأن الخبرة أفضل من اختيار شخص ليس له أي خبرة .. أي عين واعية من المفروض أن تكتشف أن برنامجها غالبيته أحلام غير منطقية التنفيذ .. أنا سأثبت لهم أن كل ما تطمح إليه هو محض خيال صعب التنفيذ على أرض الواقع .. بنت الـ(....) تستخدم ضدي الاشاعات وتتخذ من خبر افلاسنا القديم وزيجة كارمن وشائعات انفصالي عن عاصم مادة لتؤثر على التافهات اللاتي سيمنحنها أصواتهن ! .. عليّ أن أعتمد على أصوات الرجال"


انفتح باب المصعد فتواجه الاثنان يتشاركان حالة الغضب والاحباط كل له أسبابه ودوافعه.
تطلعت فيه شويكار بقرف بينما اتسعت عينا لؤي وكأنه قد وجد ضالته لكن الأخيرة انتحت جانبا تتجاوزه بكبرياء خارجة من المصعد متعمدة التجاهل فلحق بها لؤي يقول " تونت شويكار دقيقة من فضلك"
تجمدت الأخيرة وتوقف صوت كعب حذائها الذي يضرب في الأرض بغضب ثم استدارت تقول" ( تونت ) هذه كانت عندما كنت مرشحا لأن تكون زوج ابنتي .. أما الآن وقد ضاعت هذه الفرصة فأنا شويكار هانم يا لؤي "
اقترب لؤي منها كالغريق الذي يتمسك بقشة وقال "أعرف بأني خذلتك وخذلت كارمن لكني نادم .. اقسم بالله نادم"
عوجت شويكار شفتيها مشيحة بوجهها عنه تغمغم" وماذا بعد الندم؟.. ضاعت كارمن وانتهى الأمر"


اسرع بالقول "كلا لم تضع بعد.. وأنا عازم على استرجاعها وسآخذها ونسافر الى أمريكا"
تكلمت شويكار باستنكار" هل أنت واع لما تقول يا لؤي؟.. كارمن متزوجة الآن"
رد بثقة أدهشت شويكار " لن تطول هذه الزيجة بعد أن تعرف بما أعرفه .. لكني غير قادر على الوصول إليها ..رقم هاتفها مغلق منذ مدة بعد أن حظرت رقمي ورقم أخر ابتعته للاتصال بها .. ولم تعطني فرصة أبدا لإخبارها ما علمته وما قد يصدمها ويكشف لها أي لعبة دنيئة تعرضت لها"


بدا الاهتمام واضحا على وجه شويكار .. فاعتدلت في وقفتها توليه كامل تركيزها ليكمل لؤي" وفي الوقت نفسه غير قادر على مقابلتها فقد انقطعت تماما عن الأماكن التي اعتادت الذهاب لها .. ولا أعرف كيف أصل إليها ومن غير المعقول أن أذهب إليها في بيتها الجديد أطلب مقابلتها .. خاصة وأنها تسكن في بيت عائلة كما فهمت"
غمغمت شويكار في سرها بقرف " ولن تراها في أي مكان بعدما حبسها المبلط أفندي (ثم سألت لؤي بلهجة أكثر ودا ) أخبرني بما تريد إيصاله لها وأنا سأخبرها"


لم تكن شخصية شويكار ومكرها غائبة عن وعي وإدراك لؤي وهو الذي يعرفها حق المعرفة منذ صغره .. بالإضافة لرغبته الملحة لمقابلة كارمن شخصيا والتأثير عليها فرد عليها بإصرار" آسف شويكار هانم لن اتحدث إلا أمام كارمن نفسها"
قالت بلهجة ساخرة تقلده " وأنا آسفة لؤي بك ليس بيدي شيء لأفعله لك"


وهمت بالمغادرة بعد أن شكت في امتلاكه لأي معلومات خطيرة كما يدعي .. لكن شعور بالانتشاء تملك منها بسبب حالته البائسة وتمنت لو تستطيع تصويره في هذه الحالة من الالحاح لرؤية ابنتها.. وارسال ذلك لثريا التي ادعت أمام بعض العضوات من قبل أن ابنتها هي من كانت تلاحق ابنها"


امسك لؤي بذراع شويكار قائلا بتوسل" أرجوك شويكار هانم ..أرجوك ساعديني في مقابلة كارمن .. فما أحمله من معلومات خطير جدا .. ولابد أن تعرفه لتكتشف في أي فخ قد وقعت بزواجها من هذا الرجل ..وأي مصير ينتظرها معه"
عقدت شويكار حاجبيها مستفهمة فقال لؤي" آسف لكني لن استطيع اخبارك كما قلت .. أريدها هي من تقرر ماذا ستفعل بالمعلومات التي أعرفها عن فارس سعد الدين"
المعلومات التي يعرفها عن فارس سعد الدين؟
معلومات كفيلة بأن تفسد الزواج؟!!
تطلعت فيه شويكار مفكرة.


إنها لا تعلم أن كان ما يملكه لؤي من معلومات خطير إلى هذه الدرجة .. أم إنها مجرد حجة لرؤيتها.. لكن ظهور هذا الولد بالجوار قد يستفز فارس سعد الدين ..
وبتقليب سريع للأمر في رأسها وجدت أن مساعدته لمقابلة كارمن في صالحها .. فإما يكون صادقا ولديه من المعلومات ما يفسد هذه الزيجة فتعود كارمن تحت جناحها.. أو بظهوره تظهر المشاكل بين فارس وكارمن وساعتها ستفضح ثريا أمام الجميع وتثبت لهم أن ابنها هو من يطارد امرأة متزوجة.
ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيها وقالت وهي تخرج هاتفها "اسمع .. سأمنحك فرصة واحدة.. فسأعطيك رقم هاتفها الجديد"


اخرج لؤي هاتفه يتلق الرقم ثم قال" أرجو أن تدبري لي لقاء مع كارمن شويكار هانم .. فإذا اتصلت أنا بها ستحظر رقمي مجددا ولن تعطيني فرصة لأخبرها بما أريد"
قالت شويكار بسرعة" لا .. اخرجني أنا من الصورة .. فلا ارغب في أن أسمع منها ومن والدها شعارات رنانة عن المبادئ .. ساعد نفسك بنفسك"


اطرق لؤي برأسه بإحباط .. فمطت شويكار شفتيها بامتعاض وتحركت مبتعدة .. لكنها توقفت عند سيارتها وقد لمعت فكرة في رأسها .. فاستدارت تقول
" لؤي لدي فكرة لطريقة تستطيع بها مقابلتها"

هرول لؤي نحوها متلهفا لسماع الفكرة لتستطرد شويكار "غدا بعد الظهر لديهم احتفالا بالفيلا تستطيع التسلل بين المدعوين ومقابلتها .. فهو الحل الوحيد لك لأن زوجها يحبسها في البيت ويمنعها من الخروج منه .."


××××


في فيلا سعد الدين نزلت كارمن درجات السلم بهدوء وثقة رغم توترها لمعرفة رد فعل فارس قبل الجميع.
لم يكن قراراها وليد اللحظة ولا رغبة في اسعاد فارس رغم معرفتها بأنه سيسعده ذلك ..
لكنها دوما كانت تميل لفكرة الاحتشام .. ربما والدها من زرع فيها هذا الميل.. ربما هي طبيعتها الخجول الرافضة للفت الانتباه .. وربما لما تؤمن به دوما بأن التعري هو إهانة للإنسان وخاصة المرأة ..


كانت الحاجة نفيسة تبدي آخر ملاحظتها للخادمات قبل أن تتوكأ على عصاها للحاق بمراسم عقد القران حيث الجميع في انتظارها للبدء ..فأمسكت بيد شهد المتأنقة هي الأخرى والتي تنتظرها .. لكنها قبل أن تتحرك لمحت كارمن في هيئتها الجديدة والتي تقترب منها بوجنتين حمراوين لتردد الحاجة بصوت مسموع "اللهم صل على النبي .. اللهم صل على النبي"


ابتسمت كارمن بحرج وهي تقف أمامها فاقتربت الحاجة برأسها تقبل وجنتها بتلك القبلات القصيرة المتعاقبة والتي تنتهي بواحدة أعلى صوتا وأطول زمنا وغمغمت " اللهم بارك يا رب"


ضحكت كعادتها كلما تلقت منها هذه القبلات وقالت وهي تمسك بمرفقها وترافقها للخارج "اشكرك حاجة نفيسة"
قالت نفيسة بإعجاب" وفستانك ما شاء الله رائع"


قالت كارمن وقد عبس وجهها "الحمد لله يداري الفضائح .."
ابتسمت الحاجة وضغطت على ساعد كارمن تقول" عن أي فضيحة تتكلمين يا كارمن أعوذ بالله"


ردت كارمن وهي تشير للكرش الصغير الغير مرئي "لزيادة وزني .. لكني اتفقت مع فارس أن استخدم الأجهزة الرياضية الخاصة به"


هتفت الحاجة بانزعاج " أجهزة رياضية !.. معقول يا كارمن لم تفهمي حديثي أمس!!"
توقفت كارمن تسألها" ماذا تقصدين؟"


لم ترغب الحاجة أن تظهر بمظهر المتلهفة على الحفيد لكنها قالت " اسمعي يا كارمن قبل أن تقومي بتلك التمارين .. تأكدي فقط أنك لست حامل ..وأن هذه الاعراض التي تعانين منها مؤخرا ليست أعراض حمل"


تعرق جسد كارمن فجأة وارتفعت حرارته بينما اقتربت فريدة تقول " يا أمي ينتظرونك"
تحركت الحاجة وهي تقول لكارمن المتسمرة "يا بنيتي احسبي أخر مرة جاءتك ظروفك الشهرية وإن تأكدت أنك لست حامل إفعلي ما تشائين بشأن ما تسمينه زيادة وزن رغم أني لا أراها بصراحة "


قالت كارمن بخفوت "الحقيقة أحيانا تتأخر ظروفي الشهرية حسب حالتي النفسية لهذا لم أربط هذا بذاك"
ربتت الحاجة على ذراعها بحنان ثم تحركت بخطى أسرع قليلا تستند على شهد وفريدة بينما وقفت كارمن تشعر بانقباض مفاجئ في رحمها فوضعت يدها على أسفل بطنها تغمغم" هل من الممكن أن أكون حامل بطفل !!"
الفكرة كانت غريبة ..
ربما لأن زواجها من فارس بدأ بشكل غير نمطي..
ربما لأنهما بدآ شهر عسل لقصتهما منذ مدة قصيرة ..


ففتحت تطبيق تسجيل مواعيد ظروفها الشهرية على هاتفها بسرعة .. لتجد أن آخر مرة كانت قبل أسبوع من أول لقاء حميمي بينها وبين فارس .. وأن التطبيق كان بحاجة للتحديث لذا لم ينبهها لتأخر عادتها الشهرية فاتسعت ابتسامتها ..وتحركت تبحث عن فارس فوجدته جالسا بجوار المأذون .


تحت دفء شمس الشتاء الذي يوشك على الرحيل جلس الأخوان أمام بعضهما يتوسطهما المأذون في مشهد قد يكون مكررا .. بل ويحدث في كل دقيقة إذا لم تعرف صلة وكيل العروس بالعريس ليخرج إليك مشهدا غير تقليديا مما جعل يونس بمجرد أن أمسك المأذون بيده ليضعها في يد أخيه ينفجر بالضحك .. خاصة بعد أن تواجهت انظارهما ..
فانفجرت الضحكات حولهما بالتبعية عدا فارس الذي ضيق عينيه يحاول تصنع الجدية ويرمقه بنظرة موبخة.


أمسك المأذون الذي علم منذ دقائق قليلة صلة العريس والعروس ووكيلها بيديهما مرة أخرى وهو يلملم ضحكته.. فأحمر وجه يونس وهو يكتم المزيد من الضحك بينما زياد يصور بهاتفه الحدث .. لينفجر العريس مرة أخرى ضاحكا غير قادر على تمالك نفسه فصاح زياد قائلا "يا بني خلصنا ألم تكن متعجلا على الزواج !"
قال يونس بهيستريا ضحك " ما يحدث الآن لا يتكرر كثيرا .. أن أضع يدي في يد شقيقي لأتزوج من أخته"


ثم نظر لفريدة التي تجلس بجوار فارس مبتسمة وانفجر في المزيد من الضحك .. يحاول التحكم فيما يتملكه من مشاعر ليست بالهينة.. في لحظة انتظرها كثيرا .. فغطى بعد ثوان جبينه بكفه يحاول التماسك ليقول له فارس المحتفظ بجديته" هل ستنتهي فقرة السيرك القومي سريعا أم نؤجل الأمر أم نلغيه"


قال يونس مشيرا على فارس وهو يسيطر على حالة الضحك المسيطرة عليه " انظروا لنظراته إليّ .. إنه لا يزال لا يستسيغ الأمر ( واستقام واقفا يميل على أخيه الجالس أمامه ويحضنه قائلا بخفوت متأثر استشعره فارس) اقسم لك يا كبير لو كان هناك مفرا منها لفررت حتى لا اسبب لك أي عدم راحة.. "


مسد فارس على ظهر أخيه بحنان وقد انتقلت له عدوى التأثر فقال بهمس اجش "ومن غيرك سآتمنه عليها يا بَغل .. تأكد بأن سعادتي اليوم بكما مضاعفة "
قبّل يونس كتف أخيه بمحبة ليعود لمقعده يداري تأثره الذي لاحظه الجميع .. فقال المأذون مشاكسا " هل نبدأ مراسم الزواج يا عريس أم أؤجل أنا هذه الزيجة!"
قال يونس بسرعة "كلا أرجوك يا مولانا لقد هرمت في انتظار هذه اللحظة وشاب شعري"
ابتسم المأذون وامسك بيد الأخوين يضع فوقهما المنديل الأبيض الذي شغلت عليه الحاجة نفيسة بالخيط اسميّ يونس وفريدة ..
فأخذ يونس يردد خلف المأذون وعيناه تحدقان في فريدة التي تجلس بجوار أخيها بينما قلبه يرتجف في رهبة من اقتراب تحقيقه لأمنية هي الأغلى من حياته نفسها.


انهى المأذون كلامه قائلا "بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير"
انفجرت الزغاريد في نفس الوقت الذي خطف زياد المنديل .. وتناوبت التهنئة على فريدة من الحاجة نفيسة التي بكت .. ومن كارمن وعهد وصديقات العروس ومعلمات الدار .. بينما حاول يونس الفكاك من عناق زياد والعدد القليل من أصدقائه الشباب الحاضرين الذين يقومون بتهنئته لأنه كان يركز على شيء واحد حين قال للمأذون " اعطني ما يثبت"


تطلع فيه المأذون باندهاش ..ليقول يونس " اعطني ما يثبت بأنها أصبحت زوجتي"
رد المأذون مشاكسا وهو يشير نحو الحاضرين" ألا يكفيك كل هؤلاء شهودا على أنها أصبحت زوجتك ؟"
لم يجاريه يونس في المزاح وإنما قال بجدية وإصرار " أريد ورقة تثبت أنها أصبحت زوجتي يا مولانا "


ختم المأذون ورقة معدة من قبل قائلا " هذه تثبت أنها زوجتك لحين استخراج قسيمة الزواج"


سحب يونس الورقة منه يتطلع فيها مدققا .. فصمت الجميع مترقبون .. ليقترب من فارس الذي لا يزال جالسا بجوار المأذون ويفرد أمامه الورقة قائلا بجدية "أنظر يا كبير .. فريدة زوجتي على سنة الله ورسوله "


ثم استدارت مقلتيه العسليتين تبحثان عنها وترمقانها بأسهم عشق محروم وهو يطوي الورقة بعناية ويضعها في جيب سترته الداخلي .. ثم تحرك نحوها حيث تقف في منتصف الحديقة بعد أن سحبتها موجات التهاني والتبريكات ..


اقترب بخطوات ثابتة.. فتفرق من حولها مبتعدون قليلا يفسحون لهما المجال بينما زياد لا يزال يسجل بهاتفه.


يخطو نحوها ..
خطوة ..
اثنين..
إلى تحقيق الحلم..
ثلاث..
إلى كحيلة العينين ..
التي تقف مكانها قلبها تتفجر دقاته.
أربع..
تراه يقترب منها ..
حب عمرها بوسامته التي فاقت أي يوم أخر.
خمس..
خمس خطوات قطعها حتى وقف أمامها يتطلع في حسنها لثانية ..
قبل أن يميل بحركة مفاجئة ويحملها من خصرها يرفعها عاليا وهو يصيح " تزوجنا يا فريداااااااااااااااا.. "




استندت بساعديها على كتفيه .. فأخذ يدور ويدور بها حول نفسه سعيدا وكأنه ملك العالم بين يديه .. قبل أن ينزلها قليلا ويطوق خصرها بذراعيه يغرق في حضنها ويكمل دورانه بها ..
بعد دقائق هدئا من رد الفعل الهيستيري فانزلها ..لكنهما استمرا متعانقان .


كانا يرتجفان .. كعصفورين مبللين ..
وللحظات .. فقدا الشعور بالزمان وكأنهما في كبسولة تحجبهما عن العالم..


فريده في حضنه ..



يحضنها بقوة ويدفن رأسه بين طيات حجابها الناعم..


ويونس في حضنها ..


يغمرها بدفء جسده وعطره الرجولي..


فريدة في حضنه ..


يستشعر طراوة جسدها على صدره.


ويونس في حضنها ..


ويهمس في أذنها بحرارة " تزوجنا يا فريدتي .. تزوجنا يا حب عمري"


كان عناق قلبين وجسدين وروحين كتبا لبعضهما من قبل أن يولدا.


عناق مرتجف .. مشتاق .. طال انتظاره.
لا يعلما كم مر من الوقت وهما بهذا الالتصاق .. ولم يسمعا هزر الشباب بقيادة زياد ولا تفكههم على المشهد .. ولم يشاهدا دموع الحاجة نفيسة .. ولا تأثر فارس الذي أخفاه خلف وجه جامد.


لم يشعرا .. ولم يدركا ..
سوى أنهما يتعانقان أخيرا.


في محاولة للاستفاقة من الصدمة أبعد يونس رأسه ليتطلع في وجهها الباكي يحضنه بين كفيه مقربا جبينه من جبينها ..فتعانقت أنفاسهما ..
عيناه تغوص في قطعتي الشيكولاتة من مسافة لا تتعدى بضع سنتمترات هامسا لها بغير تصديق" تزوجنا يا فريدة ..صرتِ ملكي"


استطاعت أخيرا فك عقدة لسانها وغمغمت بتأثر أمام وهج عينيه العسليتين " أنا ملكك منذ أن ولدت يا يونس"


طبع قبلة ساخنة طويلة بطيئة بين عينيها وقد بدأ يستعيد ادراكه بما حوله ويحاول التماسك .. خاصة حين اقترب فارس يقول برزانة" هلا سمحت لي بتهنئة أختي يا سيد يونس"


قبل أن يجيب يونس كانت فريدة تلقي بنفسها في حضن فارس.. فاستقبلها يربت على ظهرها ويقبل رأسها مباركا .. ثم سحب يونس بذراعه الأخر يحضنه هو الأخر بتأثر ..



بعد قليل وقف فارس يبحث عن كارمن التي تابعت مراسم عقد القران واقفة خلفه بجوار فريدة فلم يلمحها أبدا .. خاصة مع رهبة اللحظات الماضية لكنه انتبه لعدم وجودها بين الحضور فتحرك يدخل الفيلا للبحث عنها بقلق متجاوزا إياها وقد أولته ظهرها بارتباك حين لمحته آتيا يتطلع في الحضور.


كان قلبها يدق بعنف حتى كاد أن يخرج من حنجرتها .. بينما تجاوزها فارس نحو الفيلا بعدة خطوات بذهن مشغول يتساءل أين من الممكن أن تكون .. قبل أن يتوقف للحظة ويستدير ليدقق بتركيز في ظهر الفتاة المحجبة التي ترتدي اللون العسلي الباهت .. ليتحرك نحوها ببطء وعيناه ترسمانها من الخلف بجرأة ليست من عادته وقد توقف نبضه.
إنها هي..


لا يمكن أن يخطئها أبدا ..حتى لو كان عقله لم يستوعب ما يراه بعد ..
لكن قلبه تعرف عليها .. وعيناه تحفظان كل تفصيلة فيها .


استدار حولها ليقف أخيرا في مواجهتها .. فانفجرت ضربات قلبه .. يحدق في عينيها الواسعتين اللتان تطالعانه بترقب بينما شفتيها مطبقتان على نفسهما بقوة.


راقبت كارمن تفاحة آدم في عنقه تتحرك وهو يبلع ريقه قبل أن يقول بحشرجة" كارمن !"
لم ترد وإنما شبكت أصابعها خلف ظهرها تتهرب من عينيه لتنظر حولها ثم تعود للنظر إليه فقال فارس هامسا وعيناه تقبلان كل قطعة من وجهها "هل أنت متأكدة؟"


غمغمت وهي تومئ برأسها بوجنتين مشتعلتين" متأكدة جدا"


قال وهو لا يزال متفاجئا "هذا ليس مجرد غطاء للرأس"


ردت بثقة " أعرف ذلك .. وجهزت نفسي له جدا جدا"
حدق فيها لبعض الوقت يستوعب ثم تطلع حوله بتحفظ رغم أنهما بعيدان قليلا عن الحضور ليقترب ويمسك رأسها بيمينه ويقبل جبينها مغمغما " الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات"


ابتهجت وهي تناظر الفرحة في عينيه فحضن كفها قائلا" هيا يا أميرتي لننضم إليهم ولنؤجل احتفالنا بقرارك هذا لوقت أخر أنا وأنت فقط "


اتسعت ابتسامتها وبحركة لا ارادية لمست بطنها وهي تتحرك معه لينضموا للمدعوين.



××××


في مكتبه نظر صفوت بوجوم لهاتفه الذي يرن بإلحاح ليقرر أخيرا الرد قائلا بصوت جامد "نعم"
جاءه صوت الشماع قائلا "صديقي عظمة بك ابن الاصول (واستدرك بلهجة متسلية ) أتعلم .. أنا شديد الاعتزاز بصداقتك .. أن تصادق شخص من أصل وضيع مثلي وأنت ابن الحسب والنسب"


أبعد صفوت الهاتف عن أذنه لثانية يشتم في سره ثم أعاده يقول " ماذا تريد يا فؤاد ؟.. ولماذا تلح هكذا في الاتصال؟"
قال الشماع بلهجة مستمتعة باستفزازه "ما دمت تعلم بأني اتصل بك يا رجل لماذا لا ترد من أول مرة "


هتف صفوت بقلة صبر " خلصني يا فؤاد عندي موعد هام"
غمغم الآخر بلهجة باردة " كان الله في عونك .. أعلم بأنك في الشركة اليوم رغم أنها الجمعة لكن هنيئا لك بافتتاح الفندق الجديد"
جعد صفوت جبينه وهتف باستنكار " هل تراقبني يا فؤاد.!!"


رد الأخير بلهجة مستفزة " أنا؟؟ ... لا سمح الله .. أنا أحب أن أطمئن على أخبارك .. تعرف عشرون عاما مضت لم أرك إلا في الصحف والمجلات .. ( وردد بلهجة متهكمة ) صفوت عظمة العضو المنتدب لمجموعة فنادق ومنتجعات( ....)"


زفر صفوت بينما دخل الساعي يحمل فنجانا من القهوة متلكئا في خطواته في الوقت الذي أكمل الشماع لهجته الباردة " بالمناسبة .. يبدو أن هذا الولد قد تأدب وأقر بأنه حشرة لا تساوي إلا دعسة من قدمي .."


اوقع الساعي نقطة من الفنجان على الطبق ووقف يتلكأ في مسحها بالمنديل بينما أضاف الشماع " جميل أن ينتهي هذا الصداع أخيرا ... ( وقهقه ضاحكا يضيف بلهجة متشفية ) الجبان من أول تهديد ارتعب"


اشار الساعي لصفوت معتذرا .. فأشار له الأخير بأن يذهب ثم هدر حين أغلق الساعي الباب " فؤاد قلت لك لست متفرغا لثرثرتك "
في الخارج مال الساعي أمام الباب يربط رباط حذائه في الوقت الذي قال الشماع بلهجة هادئة مستفزة "أنا لم أتصل للثرثرة ولكن لتحجز لي في منتجع ايزادورا السياحي التابع لك"
تفاجأ صفوت وانتابه القلق فسأله بشك "هل قررت أن تعود للوطن"


أجاب الشماع بهدوء " كلا إنها زيارة استجمام سريعة"


رفع صفوت حاجبه وسأله بفضول "ولمّ الآن بالتحديد؟ .. ما الذي تنويه بالضبط؟"
قال الشماع بلهجة متسلية " لا أنوي على شيء .. أنا شخص مسالم يريد أن يستجم في بلده لبعض الوقت ..(وصمت قليلا ليقول بعد ثوان مستدركا ) الحقيقة أن ابني يلح بشدة لزيارة بلده الأصلي.. الغبي ملهوف عليها بشكل مستفز .. تعرف عاطفة الشباب الصغير .. والحقيقة ماطلت في تحقيق طلبه كثيرا حتى انتهت الحجج .. وخشيت أن يفعلها من خلف ظهري ويضعني أمام الأمر الواقع "



غمغم صفوت متفاجئا " هل عندك أولاد؟"
رد الشماع بسرعة " مالك ابني .. ولد رائع .. لابد أن اعرفك عليه يا صفوت بك "
قال صفوت بسرعة " أنا لا أريد أن أتعرف على أحد .. وإن حضرت فأعلم بأنه لن يكون لك بي أي صلة"
سأله الشماع ساخرا " لماذا؟ .. هل تخاف من الظهور معي صفوت بك !.. لا تنس أنا لي وزني كرجل أعمال في دولة الصين"
هدر صفوت بقوة " أنا لست متفرغا لضيافتك"
استمر الشماع في لهجته الهادئة قائلا " على الأقل احجز لي في منتجعك وسأدفع مثل أي زبون وأكثر بكثير.. ولنترك الباقي حين أحضر صفوت بك"


وجم صفوت مستشعرا خطرا وشيكا يقترب منه وبأن هذا الشماع سيظل يلف حبل المشنقة حول عنقه لكنه لم يشأ أن يعاديه فقال باستسلام" متى ستحضر؟"
جاء صوت الشماع مستمتعا وهو يجيب " اليوم الخامس والعشرين من الشهر الجاري"
قال صفوت بجمود " حسنا سأبلغ أحد الموظفين للتواصل معك .. والأن عليّ أن أذهب.. سلام "


اغلق صفوت الخط وألقى بالهاتف على المكتب بعصبية .. ثم تناول سماعة هاتف المكتب وطلب رقما ليقول بعد ثانية " هيلين .. من فضلك احجزي شاليه في منتجع ايزدورا باسم فؤاد نشأت الشماع .. وسأرسل لك على الواتساب رقم هاتفه .. تواصلي معه ورتبي كل شيء سيصل يوم خمس وعشرون .. شكرا"
في الخارج اقتربت السكرتيرة من الممر المؤدي لمكتب صفوت عظمة وعقدت حاجبيها حين وجدت الساعي يعتدل مستقيما .. فسألته "هل هناك مشكلة يا عم عطية؟ لماذا تقف هكذا "
رد عطية يعرج بساقه " ركبتي تشنجت يا آنسة آلاء .. لعن الله الغضروف .. "
وتحرك يحضن صينيته ويزك على ساقه فتابعته السكرتيرة حتى ابتعد مشفقة .. ثم طرقت على باب مكتب صفوت عظمة ودخلت .


××××


في غرفتها في الدار قالت رفيدة لكارمن "مفاجأة حلوة يا كارمن تبدين جميلة بالحجاب ما شاء الله"


ابتسمت كارمن بسعادة وطالعت العروس قائلة" الفستان عليك ما شاء الله .. تبدين في غاية الجمال يا رفيدة "
ابتسمت رفيدة في توتر وردت بتأثر " أنا لا أعرف كيف أشكرك أنتِ وفريدة في مساعدتي في اختيار الفستان وكل الأمور التي احتجت فيها للمشورة"


اقتربت كارمن تطبع قبلة على خدها قائلة " أنت أخت لنا يا رفيدة"
ترقرقت الدموع في عيني العروس فأسرعت كارمن تقول" إياك والبكاء ستفسدين زينة وجهك .. نريد أن نسلمك للعريس في كامل زينتك"
فركت رفيدة يديها بقلق وتمتمت " عمر تأخر أخبرني أنه سيأتي مبكرا"
ردت كارمن بتعاطف "على وشك الوصول بإذن الله"
××××


في أحد الشوارع الرئيسية للمدينة وقف عمر أمام سيارته يهدر في أحد الشباب صاحب السيارة الأخرى التي تقف خلف سيارته في منتصف الشارع قائلا" أنت المخطئ .. أنت من ضرب سيارتي من الخلف وعليك اصلاح الكشاف الذي كسر "
قال شاب أخر من الأربعة شباب الذين كانوا يستقلون السيارة الأخرى "أنت من اصتدمت بنا"


هتف عمر بغضب" كيف يا بني آدم ! .. هل اسير للخلف؟!!"
رد سائق السيارة ببرود" بل توقفت فجأة"
هتف عمر "قلت لك القطة قطعت الشارع فجأة .. ومن المفروض أن تحافظ على مسافة بيني وبينك"
تكلم أحد الشباب بملل " هيا يا جماعة ليس لدينا وقت للثرثرة"


هم الباقين بالعودة للسيارة مما استفز عمر الذي أمسك في تلابيب السائق قائلا" لن تذهب قبل أن تصلح الكشاف"
انكمشت ايمان في سيارة عمر تحضن طفلتها بينما ابنه كريم يطل برأسه يتابع ما يحدث.
من بعيد لمح الشيمي من مقعده بجوار زغلول السيارتين الواقفتين في عرض الطريق الهادئ في هذا الوقت بعد ظهر الجمعة ويبدو أن سائقيها على وشك التشاجر فقال لزغلول "هدئ السرعة حين نصل إليهم "


قال زغلول مستنكرا" أهذا وقته يا شيمي!"
قال الشيمي يركز نظراته على المشهد الذي يقترب "لربما منعنا أذية أحدهم يا زغلول"
انزعج زملاء السائق الذي يمسك عمر بتلابيبه .. فأخرج أحدهم مطواه من جيبه .. بينما تحرك أخر يضرب على مقدمة سيارة عمر بهسترة وتهديد .. لتطلق إيمان صرخة رعب وتسحب ابنها وتقوم بإغلاق النوافذ بسرعة واقفال الأبواب وهي تتمتم بالأدعية.


شعر عمر أن الموقف قد احتدم وخاف على زوجته وأولاده لكنه لم يظهر سوى وجها جامدا يحاول به تهديدهم ..
توقفت السيارة التي يقودها زغلول .. لينزل الشيمي هائجا وقد تعرف على عمر وسيارته قبل ثوان فقال بصوته الجهوري" ماذا يحدث هنا؟؟!!"


توقف الشباب يطالعون الشيمي وقد اصابت طلته وصوته الحازم الرعب في القلوب حتى عمر نفسه الذي بلع ريقه وازداد احمرار وجهه مضيفا لغضبه حرجا.
فهدر الشيمي آمرا لعمر والشاب الممسكان بتلابيب بعضهما "تفرقا"
نفذ عمر وترك ملابس الشاب بينما ظل الأخر يكابر .. فاقترب الشيمي يضغط على معصم الشاب وهو يقول بصوت هادئ وحازم " قلت اتركه "


توجع الشاب وترك ملابس عمر بينما انزل الذي يشهر مطواته يده في رهبة.. ليقف الشيمي يتفحص السيارتين.
قال عمر موضحا " كسر لي الكشاف ويتبجح ولا يرغب في دفع تعويض"


تدخل أحد الشباب قائلا بتحدي وقد بدى عدم اتزانه "ولن ندفع .. فدعنا نذهب يا عمو (شوارزنيجر )"


قال الشيمي بلهجة خطرة وهو يتحرك بخطوات متمهلة نحو الشاب" لا لا لا .. هكذا الشيمي يغضب .. وحين يغضب الشيمي"
قطع عبارته حينما باغته الشاب بإخراج مطواه من جيبه الخلفي يهاجم بها الشيمي الذي تفاداها بسهولة وضرب على معصمه فصرخ الأخر ووقعت منه المطواه .. ليدفعها الشيمي بقدمه بعيدا .. ثم أمسك بياقة ملابس الشاب الخلفية وكأنه سيرفعه منها صائحا "اتصل بالشرطة يا عمر لتأتي هنا وترى من هو المخطئ بالضبط .. وفي نفس الوقت سنعرف ما هم متعاطوه في هذه اللحظة"


نظر إليه عمر بارتباك فقال الشيمي بلهجة آمرة" هيا اتصل يا عمر "
تدخل السائق الشاب وهو يرى ملامح صاحبه المرتعبة" لا داعي يا عمو .. لا داعي ( واستدار لعمر يقول بلهجة لينة مخالفة لسابقتها ) كـ..كـ..كم تريد ثمنا للكشاف؟ "


تكلم الشيمي مناديا زغلول الذي يقف متابعا "كم يساوي كشاف هذه السيارة يا زغلول "
اجابهم الأخير بمبلغ تقريبي وهو يتحرك ويلتقط المطواه من الأرض ويغلقها .. بينما أسرع قائد السيارة بإخراج المبلغ بيد مرتجفة واعطاه لعمر .. الذي وقف معقود اللسان وهو يراقب الشباب يركبون سيارتهم بسرعة بينما يقف الشيمي قبضته على جانبي خصره يطالعهم بنظرة غاضبة .. لتنطلق السيارة بسرعة بعيدا عنهم ويعود زغلول لسيارته .


تحرك الشيمي ليقف بمواجهة عمر المحرج بشدة وقال بلهجة موبخة " بالله عليك كيف تفكر في التشاجر مع أربع شباب أحدهم على الأقل إن لم يكن جميعهم متعاطون نوعا من المخدرات"
قال عمر مدافعا " أنا لا افتعل الشجار .. هذا حقي"


هدر الشيمي بغضب " أي حق بالله عليك ستأخذه من أربعة دفعة واحدة وأنت واحد !!.. أي حق ستأخذه في حضور النساء والاطفال !!.. ( وأشار نحو سيارة عمر ) هل ثمن هذا الكشاف أهم من سلامة أولادك وأمهم؟!"
امتقع وجه عمر وانعقد لسانه فتطلع في الشيمي حانقا لشعوره بأنه ولد صغير أمامه .



ليضيف الشيمي وهو لا يزال يشعر بالغيظ مشيرا بسبابته " خذ حقك رجل لرجل وليس رجل لأربعة فالكثرة تغلب الشجاعة .. بشرط عدم وجود النساء والأطفال معك لأنهم نقطة ضعف سهل اختراقك من خلالها ( وأكمل بلهجة ساخرة ) بالله عليك نوافذ السيارة كانت مفتوحة وابنك كان يطل منها !! .. هل تقدر خطورة ما كنت تقود اسرتك إليه"


انخرس عمر ووقف مشيحا بنظراته كصبي يتلقى توبيخا من والده .. فتحكم الشيمي في انفعاله وأشار له بيده ليعود لسيارته ويتحرك وهو يتفتت من الغضب من انه لم يستطع الرد عليه ومجاراته أو حتى معارضته .. بينما وقف الشيمي يراقب عمر وهو يركب السيارة .
فتح كريم نافذة السيارة مصفقا بيديه وهو يصيح "سوبرمان"


اتسعت ابتسامة الشيمي الطفولية فجأة ثم اقترب يكشر عن انيابه مداعبا وقال وهو يدخل يده من نافذة السيارة " بل وحش الدغدغة "
قهقه كريم حين دغدغه الشيمي وقال بإلحاح "مرة أخرى .. مرة أخرى"
هدر عمر في ابنه "كريم كف عن الشقاوة"
فابتعد الشيمي عن السيارة بامتعاض وأشار لعمر بهدوء أن يتحرك .. ليغلق الأخير نافذة السيارة الخلفية بينما ظل كريم يلوح للشيمي مودعا معتقدا أنه لن يراه ثانية فبادله الشيمي التلويح .


التفتت إيمان لزوجها تقول بمجرد أن ابتعدوا" لا تخبرني بأن هذا هو عريس رفيدة .. إنه يرتدي حلة عريس واسمه الشيمي أيضا"
كان عمر غاضبا من نفسه .. لقد وقف أمام الشيمي كولد صغير .. ورغم اعترافه في قرارة نفسه أن ما قاله كان صحيحا .. لكنه لم يكن يتمنى أن يقابله في موقف كهذا.. فرد على زوجته باقتضاب" أجل هو"


رفعت إيمان حاجبيها وحانت منها التفاتة للخلف ثم عادت تقول باندهاش" هذا حارس الأمن؟!!"
رد عمر بانفعال "قلت لك أصبح مديرا لأحد معارض فارس سعدالدين .. ولم يكن حارس أمن .. كان حارسا شخصيا لفارس بك هناك فرق يا إيمان"
غمغمت وهي تشيح بوجهها نحو النافذة" حارس أمن مثل حارس شخصي ووظيفته الحالية لن تمحو ماضيه"


صرخ عمر بعصبية " إيماااااان"
ردت صائحة " إن كنت لا تشعر بالحرج من وظيفته السابقة فأنا أشعر بذلك أمام أبي وأمي وأقاربي .. أنت تعلم كلهم وظائف مرموقة"
نظر إليها يقول مستنكرا " وهل نحن مضطرون لتقديم السيرة الذاتية لزوج أختي لأفراد عائلتك !!!"
مطت شفتيها بامتعاض فقال عمر بلهجة محذرة
"إياك أن تنطقي بكلمة تُحزن رفيدة يا إيمان .. أنا أحذرك"


اشاحت إيمان بوجهها نحو النافذة تهدهد ابنتها على ساقها بعصبية وهي تقول بلهجة باكية " أصبحت إيمان الآن هي سبب المشاكل .. وتتجاهل أنها هي من تعاملني بجفاء وكأني طالبة عندها .. وتبخل عليك بالشقة بالرغم من أنها لن تسكن فيها إلا بضعة أيام ثم ستنتقل لشقة العريس في فيلا ما شاء الله.. في مدينة كهذه (ونظرت حولها ) لا يسكنها سوى الطبقة الراقية.. ( واستدارت إليه تضيف ) ماذا تريد أكثر من ذلك !! .. فلتوسعها عليك كما وسعها الله عليها"


ضرب عمر على المقود بعصبية يرفع نظراته للسماء في يأس وكأنه كان ينقصه زن زوجته التي انتفضت مع ضربته وترقرقت الدموع في عينيها تقول بلهجة باكية "أنا أتحدث من منطلق شعوري بالحرج أمام أبي وأمي الذيّن نسكن عندهما.. ومن حرجي منهم بالنيابة عنك"
زفر عمر وقال بهدوء "إن شاء الله الاسبوع القادم سأستلم دفعة من أرباحي من المشروع الذي اشارك فيه وسأدفعه مقدم لشقة .."
رن هاتفه فرد بسرعة بكلمات مقتضبة " حسنا أنا آت حالاًً دقائق وأصل.. سلام"
سألته بفضول "هل تستعجلك العروس؟"
رد عليها باقتضاب " لا إن فرقة الزفة وصلت "
رفعت حاجبا تقول " فرقة زفة !!.. ما الداعي ...ألا يكفي أن حفل عرسها سيكون في فيلا رجل أعمال شهير وستقيمه في وضح النهار مثل الأجانب "


صاح عمر بغيظ " وما المشكلة في الزفة .. أختي وأريد أن أُُشعِرها بالفرح وأُُدخل السرور على قلبها .."
اسرعت ايمان بالقول " ليس هناك مشكلة .. قصدت أن المكان لن يتناسب معه زفة بلدي ومزمار وتلك الأمور"
رد بنفاذ صبر "يتناسب أو لا .. لا يهمني أريد لرفيدة أن تفرح"
اشاحت بوجهها نحو النافذة وقالت " ستفسد الحفل الارستقراطي .. (وغمغمت بصوت مسموع ) كنت أتمنى أن أقيم حفل زفاف خلال النهار مثل الأجانب "


مرر عمر نظراته المصعوقة بينها وبين الطريق أمامه ثم ضرب كفا بكف قائلا" يبدو أن هناك ميكروبا قد أصاب رأسك يا إيمان !"
قبل أن ترد ضرب كريم بكفيه الصغيرين على زجاج السيارة بتهليل حين لمح الشيمي في السيارة الأخرى فانتبه الأخير وابتسم يلوح له ويرسم وجوها مختلفة على ملامحه مداعبا بينما أشاحت إيمان بوجهها تعوج شفتيها.
أما عمر فظل يختلس النظرات للشيمي في السيارة المجاورة ولم ينس بعد أن لسانه انعقد أمامه وهو يوبخه.


×××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 25-11-19, 01:02 PM   #360

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 2

بعد قليل كان الشيمي يقف في حديقة الدار متأنقا في حلة العريس ينتظر رفيدة التي طلبت أن ينزل بها عمر من الطابق الثاني .. فصعد الأخير إليها وسط زغاريد البنات وبكاء عمتها لتقف أمامه رفيدة ترتجف بتوتر وهي تمسد على جانبي فستانها الأبيض الذي يلف جسدها وتسأله " ما رأيك؟ "
تطلع فيها عمر ثم ابتسم بتأثر يقول "ما أروعك عروس"
سألته بإلحاح خافت" حقا يا عمر .. لا تجاملني"
أخرج عمر هاتفه ولف ذراعه حول ظهرها يلتقط صورة لهما معا قائلا" سأكون أول من يلتقط صورة مع أجمل عروس"
ثم تطلع في الصورة معها يقول" أنظري بنفسك هل رأيت كم أنت مبهرة"
ترقرقت الدموع في عينيها .. فأسرع عمر يحضنها قائلا "أتمنى لك كل السعادة يا رفيدة"
غمغمت وهي تربت على ظهره " أنا بالفعل سعيدة جدا جدا يا عمر "


ابتعد يحاول ألا يظهر عليه تأثره مثلها .. وأمسك بطرحتها ليغطي وجهها كما تمنت أن تزف بهذه الطريقة حتى يسلمها لعريسها ..فتأبطت ذراعه تخرج من غرفتها بالطابق الثاني في دار السعد للأيتام والتي وصلتها وحيدة في يوم من الأيام ليس ببعيد لتخرج منها تزف لعريسها متعلقة بذراع أخيها الذي بالرغم من عدم استساغته لزيجتها بعد ورغبته كما أوضح لها بأن ترتبط برجل ذا شأن ليكون لها عوضا على ما ضاع من سنين عمرها .. لكنه منذ حضوره يوم عقد قرانها وهو يودها أكثر من ذي قبل.. ويسأل عنها في الهاتف يوميا وكأنه كما استشعرت رفيدة قلق من اختيارها ويطمئن نفسه يوميا أنها بخير ولم تندم .


علت الزغاريد .. وانضم ضيوف فيلا سعد الدين لحديقة الدار لاستقبال العروس .. بينما وقف الشيمي بحماس يرتدي حلة أنيقة تكاد أن تتمزق من عضلات أكتافه وذراعيه .. واضعا وردة صغيرة في جيب سترتها ويمسك بباقة ورد أنيقة قد أوصت عليها كارمن .
بخطوات متعثرة تتعلق بذراع أخيها كانت تودع سنين الوحدة وتهبط على دراجات السلم ..


درجة ..
درجة ..
ومرت الذكريات سريعة أمامها ..
يوم وفاة والدها ..
يوم تخرجها من الجامعة ..
أول يوم صعدت للطائرة وحدها في ساعة متأخرة من الليل ذاهبة لغربتها ..
سنين غربتها في غرفة تتشارك فيها مع عدد من الفتيات من مختلف الجنسيات كل منهن لها ركن تفترش أرضه ..
أول راتب تقاضته وفرحتها به ..
وأول غرفة مستقلة أجرتها لتستقل فيها ..
تذكرت سنوات الذهاب والعودة سنويا من وإلى الوطن..
تذكرت كل شيء ..
وتذكرت عمر طفلا صغيرا معلقا في رقبتها فرفعت رأسها تتطلع فيه بعد أن أضحى أطول منها تتأبط ذراعه.


لا تدري لم مر كل هذا أمامها بسرعة!.
ربما لرغبتها في أن تشعر باللحظة كاملة
لحظة أن تقترن برفيق ..
فمهما حصلت من شهادات وارتقت وظيفيا .. كانت تشعر بالخواء .. بالرغبة في الحصول على توأم لروحها ..
تبكي فيربت عليها ..
تسقط فيرفعها ..
تمرض فيحملها فوق ظهره ..
بقلب مراهق لم ينضج بعد ولا يريد ..
تخطت رفيدة أخر درجة من درجات السلم.. فظهرت أمام الشيمي المتلهف والذي تسمرت عيناه عليها في ثوبها الأبيض وقلبه يتضخم بالمشاعر..



رأى ثوبها كأثواب الملكات فلو بحث في ذاكرته لا يعتقد بأنه قد رآه على أنثى من قبل حتى في المجلات .



يلف جسدها الممشوق بقماش الدانتيل المخرم والمبطن ينسدل ببساطة ويبزر تفاصيل جسدها ورشاقته.. ليزداد اتساعا قليلا من فوق ركبتيها حتى الأرض كذيل سمكة .. يستطيل من الخلف ويفترش الأرض خلفها بذيل طويل ..
أما الجذع فكان يتشكل على صورة قلب بدايته من فوق الصدر ونهايته عند الخصر بدون أكمام للفستان .. لكنها كانت ترتدي تحته بطانه ناعمه من قماش الفيزون الأبيض برقبة عالية يغطي كتفيها وذراعيها ..



لكن عيناه تسمرتا أمام خصرها ببعض الانبهار .. كان يزينه حزام عريض من لون لا يعرف اسمه .. مزيجا من الرمادي والبنفسجي.. تتوسطه عدة وردات بارزة ما بين الكبيرة والمتوسطة والصغيرة كباقة ورد تتوسط خصرها البكر .
لم يكن سعيدا فحسب .. ولا منبهرا.. بل شعر بالغيرة عليها أيضا من جمالها .. لكنه تقدم بهدوء يناولها باقة الورد التي يتمازج فيها الورد الأبيض مع ورود تشبه في اللون الورود على خصرها .. فتناولت منه الباقة وهي مطرقة الرأس .


سلم الشيمي على عمر ومد يديه ورفع عنها الطرحة إلى فوق رأسها وتطلع في قمريها المضيئين رغم دكنتهما واللذان سرعان ما اسدل عليهما جفنيها برموشها الطويلة ليحجباهما عنه بخفر ..
كانت تلف حجابها للخلف على الطريقة الإسبانية بطيات من التل الناعم والذي تمازج مع رتوش خفيفة من تل أخر بلون حزام خصرها غريب اللون.


رغم انفجارات الأعياد التي تضرب في صدره لكنه سيطر على هيبته ومال يقبل جبينها بقبلة وضع فيها كل مشاعره التي أراد أن يبوح بها لكن وجود الناس حوله منعه .. قبل أن تبدأ موسيقى الزفة التي فاجأتها بينما أطفال الدار يصطفون على الجانبين يحملون سلال من أوراق الورد.
رفع الشيمي يدها التي ترتجف بشكل واضح إلى شفتيه مقبلا وعيناه تدققان في حسنها ..فحانت منها نظرة لأعلى أمام عينيه الضيقتين ثم أسرعت بإنزالها لكنه لم يترك يدها بل علقها في ذراعه يتحرك بها في الممر الذي شكله الأطفال يلقون بورقات الورد على العروسين على نغمات المزمار البلدي .. ليتوقفا في منتصف الحديقة .. ويبدأ عزف أغاني الطبلة والمزمار والرقصات التي افتتحها زغلول يحي صاحبه راقصا ..
وقف الجميع يتطلعون في العروسين والبهجة تأسر قلوبهم وترتفع أمنياتهم لهما بالسعادة إلى عنان السماء فهمس الشيمي لرفيدة في رغبة منه لإسعادها يخبرها بأن عمر هو من أصر على إحضار الزفة .


فتقابلت عيناها مع أخيها الذي يقف هادئا يطالعها بتأثر .. بينما تطلعت ايمان في رفيدة تعوج شفتيها مرددة بصوت لم يسمعه عمر" حتى سنها لم تحترمه .. تعتقد نفسها بنت السادسة عشر (وتحركت عينيها على الدار وفيلا سعد الدين تغمغم ) صبرت ثم نالت بنت عبد السلام"


وقفت عائلة وجدي تشاهد الزفة بسعادة .. رأفت يحيط ذراعه حول خصر ناهد ..وزياد بنفس الوقفة مع عهد التي لا تعرف لمَ استدارت لتتطلع في حماتها .. وما خطر على ذهنها لمحته في عيني ناهد رغم ابتسامتها الحنون وهي تتطلع في العروسين .. فتأثرت عهد من أجلها .. معترفة في قرارة نفسها أن هذه السيدة لا تزال تشعر بالجرح من زيجة ابنها فرفعت كفها بعفوية تمسد على ذراع حماتها بتعاطف لتنتبه ناهد وتربت على كفها بمحبة ثم عادت لتتابع الزفة.


أما يونس الذي يقف يشبك أصابعه في أصابع فريدة مال عليها قائلا بجوار أذنها " فريدة .. تعال للداخل لبضع دقائق"
احمر وجهها وتطلعت فيه تقول بارتباك" الداخل أين؟؟؟!!!"
صمت قليلا ترسم مقلتيه صفحة وجهها ثم مال على أذنها " إلى غرفتي لدقائق قليلة"
انكمشت بحياء تغمغم" يونس كيف وفارس والناس موجودين!!"
نكزها بسبابته في جانب خصرها فتدغدغت أعصابها ليقول بإلحاح ولد صغير" فريدة أرجوك .. بضع دقائق فقط .. سأسافر خلال ساعات"
لملمت ابتسامة خجلة وقالت " يونس لا تنس أنها حفلتنا نحن أيضا وسيلاحظون غيابنا"
بدت ملامح الاستعطاف على وجهه ونكزها مجددا بسبابته في جانب خصرها .. فابتعدت عنه قليلا في حرج تتطلع حولها لتجد بأن الجميع مشغولون بالزفة ورقصات الفرقة الشعبية بينما قال يونس داعيا على نفسه" فليموت يونس وتسقط به الطائرة إن لم تأتي خلال ثلاث دقائق لغرفته"
قالت بانزعاج" ماذا تقول يا يونس بعيد الشر عنك!!"
تركها مبتعدا بعد أن حدجها بنظرة متوعدة وهو يقول "دعوت على نفسي يا فريدة"
تطلعت في ظهره الذي يبتعد ويخرج من الباب الجانبي بين الحديقتين وعادت تتطلع بحرج وارتباك حولها .


أما كارمن فوقفت متعلقة بذراع فارس الذي يتابع أحداث الزفة يديه في جيبي بنطاله ترفع إليه أنظارها قائلة" ما رأيك في فستانها ؟.. أنا من ساعدتها في اختياره"
تطلع فيها غير مستوعب بعد مفاجأتها وفي الوقت نفسه مبتهج لرؤيتها في شكلها الجديد ثم قال "أعتقد أن حسك الفني عالي كارمن هانم.. فلا أنسى تلك الأشرطة التي صنعت منها ديكورات غرف الأطفال في الدار"
قالت له بصوت مختلط بصوت الموسيقى العالية" ألازلت تذكرها رغم أنها كانت بسيطة؟!"
مال بجوار أذنها يقول بعد أن رسم وجهها بعينيه الزرقاوين اللتان ازدادتا لمعانا وهي تناظرها في ضوء الشمس "أنا أذكر كل تفصيلة تخصك يا كارمن"
عادت تتطلع في عينيه وكفيها يشددان من التعلق بذراعه وقالت بصوت عال ليصله" أتعرف ماذا تمنيت الأن؟"
لاح الفضول على وجهه فأكملت" تمنيت أن نعيد حفل زفافنا من جديد .. وألبس فستانا من اختياري.. فيومها لم أكن أعبأ بشكل الفستان الذي سأرتديه "


غامت عيناه وقال متألما " ألهذه الدرجة كنتِ تبغضين الارتباط بي؟"
قالت " أأخبرك الصدق؟"
أومأ برأسه فأكملت" كنت أخاف منك بشدة لأن وجهك كان خاليا من أي تعبير.. لم تكن تطمئنني حتى.. كيف لا أخاف!"
قال شاعرا بالذنب" الحقيقة أنا لم أكن أعرف كيف أتعامل معك .. لن أدعي أني كنت جاهلا بمشاعرك الرافضة لي .. كنت أعرف هذا وكان ذلك يحفز كرامتي .. فكنت أضعها بيننا متحفظا في التعامل معك .. كما أنني كنت مشغولا جدا بمساعدة والدك .. كنا نسابق الزمن لنمنع قرار الإفلاس "
تذكرت أنها تزوجته كصفقة .. أو كما شعرت حينها .. فبلعت غصة مُرة لا تزال عالقة في فمها رغم حلاوة الأيام معه وباغتته بسؤالها "لماذا تزوجتني أنا بالذات فارس بك ؟.. أقصد كيف قررت أنك تريد كارمن بالذات"
بلع فارس ريقه فلم يكن مستعدا لهذا السؤال ..
بم يخبرها؟
هل يخبرها بأنه لم يكن ينوي على الزواج الفعلي بها وإنما إطالة عقد القران متوقعا أن يفترقا بعد أن يساعد والدها في محنته .. ومتوقعا أنها ستطلب منه إنهاء الزواج قبل أن يبدأ ؟!"
هل يخبرها بأنه لم يتوقع أبدا الاقتراب من قصر العسل وأنه أراد فقط حراسته من اللصوص؟!
هل يخبرها بأنها غيرت موازين حياته وجعلته متشبثا بالحياة بعدما كان يحمل روحه على كفه في انتظار انتقامه بكل رضا؟!


أم يخبرها بأنه لم يعتقد أبدا حتى في أحلامه أنه سيضمه يوما غرفة واحدة معها وليس فراش واحدا وحضنا واحدا وروحا واحدة!.
أم يخبرها بأنها كانت حبا يائسا لم يسعى إليه وإنما علق به فظل يسحبه ويسحبه إليها مشتتا انتباهه عما هو عاقد العزم على تنفيذه !
أم يخبرها بأنها باتت معضلة كبيرة في سبيل الهدف الذي كرس حياته له .
والأهم كيف ستتلقى هي كل هذه الحقائق منه؟!!
غمغم مراوغا " هذا موضوع غير مناسب لوقفة كهذه.. لا نسمع فيها لنصف ما نقوله من صوت الموسيقى .. دعينا نؤجل الحديث لوقت أخر"


لماذا شعرت بأنه احتار في الإجابة ؟!
أهي محيرة إلى هذه الدرجة !
قالت وهي تشدد من تطويقها لذراعه" لا بأس.. لكن عليك أن تعرف فارس بك أني لن أتركك تفر من يدي دون أن تخبرني بالتفاصيل كلها"
لاحت ابتسامة جانبية على زاوية فمه وسألها" أي تفاصيل؟"
ثم غرق في عينيها الواسعتين متطلعا لشفتيها المغويتين المطليتين بالأحمر الداكن وهي تجيب " تفاصيل متى رأيتني .. وكيف .. وبم شعرت .. أريد أن أعرف كل شيء (ورفعت سبابتها تهدده ) لن تفلت مني"


ربت فارس على يدها المتعلقة بذراعه وغمغم في سره وهو يعود لمشاهدة فقرات فرقة الزفة " لا أعرف هل أدعو الله بألا أفلت منك .. أم أدعوه بالعكس يا كارمن "
تحركت فريدة وقد نغزها قلبها من كلام يونس فأمسكت بتنورة فستانها ترفعها قليلا عن الأرض وتقطع حديقة الفيلا الخالية بعد انتقال الجميع للحديقة الأخرى لمشاهدة الزفة .. ثم تسللت بسرعة إلى الفيلا الخالية تماما ووقفت أمام غرفته تنظم أنفاسها شاعرة بالارتباك الشديد لكن دعوته على نفسه لا تزال تؤلم قلبها فسحبت نفسا عميقا وفتحت الباب تقول باندفاع " يونس .. إياك أن تدعو على نفسك مجددا ..هذا مكروه "



كان يقف متخصرا موليا لها ظهره يحاول التحكم في مشاعره التي انفرط عقدها منذ قليل بعد أن منحه المأذون ورقة زواجهما .. فاستدار إليها يتطلع فيها بصمت يداري به انفعالاته وتلك البراكين التي تغلي في أعصابه ليحمر وجهها وتقول بارتباك واضح " جئت فقط بسبب الدعاء.. لكننا يجب أن نعود فورا قبل أن يلاحظوا اختفاءنا"
تحرك نحوها وعيناه العسليتان المتوهجتان تطالعانها فتدحض أي مقاومة منها .. وسحبها بهدوء فدخلت وأغلق الباب ثم لف ذراعيه حول خصرها وألصقها بجسده في الحائط بعنفوان ذكوري مشتاق .. فشهقت بإجفال وقد سيطر عليها خجل شديد وهي تشعر فجأة باشتعال كل شيء حولها حتى فستانها الذي ترتديه .


اختضاض جسدها بين ذراعيه جعله يلوم نفسه على مفاجأتها بجرأته فحاول السيطرة على أعصابه وضمها إليه بقوة مشفقا عليها من الحاح وجموح مشاعره كرجل أمام مشاعرها البكر .. ثم دفن وجهه بين طيات حجابها مشددا ذراعيه حولها يغمغم بصوت مبحوح " أخييييييييرا يا فريدااااااااا أنت في حضن يونس "
أحاطت ذراعيها حول جذعه .. وبكفين خجولين تلمست عضلات ظهره ووجهها مدفون في عنقه يلامس جلده .. فشدد يونس من حضنها أكثر يتمنى لو يحبسها بين ضلوعه فلا ينفصل عنها بعد هذه اللحظة أبدا .
بعد دقائق أبعدها عنه قليلا وهمس بأنفاسه العطرة التي تلفح وجهها "هل تعلمين كم مرة تمنيتها على مدى سنين عمري؟ .. ملايين المرات "


غمغمت بصوت هارب منها " ماذا تقصد ؟"
تطلع في شفتيها الشهيتين أمامه يحاول التماسك لتمهيدها للقادم وهمس" تقبيلك .. "
اسبلت أهدابها بخفر ثم عادت لتطالع طلته المبهرة لعينيها فأضاف بصوت أجش" وتمنيت أيضا أن أكون حبيبك في مراهقتك.. وأن أكتب لك القصائد في الأوراق المطوية وأدسها في كل مكان حولك .. وتمنيت أن أهرب أنا وأنت من المنزل خلسة ويكون لنا مكانا سريا لنتقابل فيه .. تمنيت أن آخذك أمامي على الدراجة الهوائية ونتنزه .. وخلفي على الدراجة النارية وأذهب بك إلى شاطئ البحر في ساعات مسروقة بدون علم أهلنا.. ليس لشيء سوى لمتعة المغامرة .. (ورفع كفه يحضن جانب وجهها مقربا عينيه من عينيها يضيف ) تمنيت أن أحضنك يا فريدة.. وأن أختبر معك أول قبلة لي ولك .. وأن أخبر أصدقائي بأن هذه الصغيرة هي حبيبتي .. تمنيت أيضا أن آخذك معي إلى ألمانيا فكم كانت الحياة هناك صعبة بدونك "


ناظرته بانشداه بينما وضع يونس كفيه يتلمس كتفيها وذراعيها نزولا بلمسات متلهفة مشتاقة رغم بطئها وأضاف "كنتِ دوما كالفاكهة المحرمة .. (وازداد همسه ارتجافا وهو يضيف )وأنا محروم بشدة.."
كاد قلبها أن يتفتت من قوة دقاته وهي تنصت لما يقول بغير تصديق بينما نزلت يده تتحسس جذعها بجرأة وهو يكمل اعترافه قائلا " تمنيت أن ألمسك .. وأن أقبّلك وأن .... (وتعلقت الكلمات على شفتيه وهو يصوب بأسهم نظراته في قلب عينيها ثم أكمل ) وأن أمارس احلامي الذكورية كلها معك .. أنت فقط يا فريدة .. مهما حاولت أن اشتت نفسي نحو هذه وتلك .. ملكتِ القلب بين يديك الصغيرتين وتشبثت به بعناد .. فباءت كل محاولاتي لطردك من قلبي بالفشل يا بنت سعد الدين"
همست بارتجاف " يونس !"
ضمها من جديد إلى حضنه ويداه تستكشفان عظام ظهرها بشوق مغمغا " نعم يا حليلة يونس "


ترقرقت الدموع في عينيها واضحت فاقدة للنطق فأبعدها قليلا ليحضن وجهها بين كفيه قائلا " أأخبرك سرا ؟.. في مراهقتي كما تعلمين كنت متمردا غاضبا .. وكنت أحيانا أتعمد إثارة المشاكل وتخطي الحدود .. لكن الشيء الوحيد الذي التزمت به هو عدم تخطي الخطوط الحمراء مع الفتيات .. ليس لأسباب دينية ففي هذه الفترة أنا كنت متمردا على كل شيء .. ولكن لأنني كنت خائفا .. بل.. مرتعبا من العبارة التي كانت أمي دوما تقولها لي أنا وفارس (كل ما ستفعله في بنات الناس سيرده الله إليك في فريدة ) هذه الجملة كانت ترعبني ..كانت تفرمل جموحي ورغباتي مهما كانت ملحة مع أي فتاة أخرى "


ساد الصمت لبرهة وكلاهما يغوص في عيني الآخر لتتمكن فريدة أخيرا من النطق وتهمس بغير تصديق " كل هذا الكلام لي أنا يا يونس ؟؟!!"
بذل مجهودا أكبر للتمهل أكثر ورد " ومن غيرك تحتلني احتلالا أبديا لم استطع الفكاك منه يا كحيلة العينين ؟!"
غمغمت بعشق عذب صاحبته لسنوات " أن كنتُ كحيلة العينين فأنا اكحلهما برؤياك يا يونس "
كلماتها أفقدته آخر ذره من صبره فهجم على شفتيها بلهفة محروم قد تمالك نفسه دهرا حتى سقم قلبه..



فتقبضت يديها في الهواء لثانية قبل أن ترتخي أعصابها وتلف ذراعيها حول جذعه .. وبدون أن تشعر ضمته إليها بقوة مشاعرها التي تسبقها إليه .. فأطلق يونس أنينا من حنجرته وهو يثبت رأسها بكلتا يديه طالبا للمزيد منها .. كعطشان سُمح له أخيرا بأن يرتشف رشفة من الماء العذب .



بعد دقائق تركها لالتقاط الأنفاس .. فدفنت فريدة وجهها في عنقه بحرج متشبثة بصدر قميصه فحاول يونس أن يرفع وجهها وهو يشعر باختضاضها بين ذراعيه لكنها قاومت بخفر فأغمض عينيه لثوان يسترجع طعم تجربته الأولى في تقبيلها وأعصابه تزداد سخونة.


تساءلت فريدة في سرها
كيف ستنجو من بين ذراعيه .


وهي محاصرة بمقلتيه المتحكمتين في دقات قلبها .. وصدره العضلي الذي يسحقها به.. وعطره الرجولي الذي يدير رأسها .
وكيف ستنجو ..من وسامته وغزو شفتيه الحارقتين.


أبعد رأسها المدفونة في عنقه بحزم وتواجهت أعينهما لتتسع ابتسامته بخليط من الشقاوة والحرج بينما لملمت هي ابتسامة خجلة ليرفع ذراعيها فوق كتفيه ويطوق جسدها بذراعيه يعانقها بقوة ثم أبعدها يقول " يا بنت قولي أي شيء .. لمَ تأكل القطة لسانك أمامي.. هل تعلمت مني الجحشنة !"


قاومت خجلها وغمغمت وهي تمسد بحركة عفوية على مؤخرة رأسه دون أن تعلم بأنها تأجج النار في أعصابه وتزيده اشتعالا وهو بالكاد يحتفظ بجزء من عقله " ماذا تريدني أن أقول .. يا ويل قلبي المسكين منك يا يونس .. كيف سيتحمل كل هذا .. وهو الذي يسقط بنظرة من عينيك .. فما بال وأنت بهذا القرب وكل شيء فيك يحبس الأنفاس .. صوتك ..عطرك.. ابتسامتك .. كل حرف يخرج من فمك .. وأنا التي لم أطمع إلا أن أكون حرفا تنطقه شفتيك فإذا بي أتلقى كل هذا منك .. كل هذا تخصني به أنا وحدي"
لمعت الدموع في عينيه وهمس بارتجاف" يا الله ! .. إذن ستقتلين بالعشق بين ذراعاي يا بنت سعد الدين "
ثم أطبق على شفتيها من جديد يسحقها بين ذراعيه فاحتضنته بقوة ترفع ذراعا فوق كتفه والآخر من تحت إبطه الأخر وكأنها لا تريده أن يبتعد أبدا .. تتلقى منه ما يمنحها إياه .. ما يجود به .. بامتنان ولهفة .


ابعد يونس شفتيه عنها بعد قليل قائلا من بين أنفاسه العالية وقد بدأت حركة يده على فستانها تزداد لهفة " كيف لي أن أتحمل البعد عنك بعد الآن ؟ .. كيف أصبر على بضع رشفات من الماء وأنا ظمآن وسأموت من العطش ؟.. كيف سأكتفي بأن أبلل شفتاي وجوفي كجمرة نار يتـألم ؟؟؟.. "



وحاول بقلة صبر إيجاد منفذ في ملابسها ليفتحه وهو يغمغم بانفلات أعصاب " فريدة أنا أريدك الآن .. حالا .. فورا .. "
لم يجد سوى حجابها الذي ارتفع في يده يكشف عن عنقها وجزء من كتفها فمال يطبع قبلات محمومة ملهوفة على كل ما يصل إليه بينما يده قد كبلت يدها التي حاولت إبعاده برفق خلف ظهرها فغمغمت فريدة تحاول بيدها الأخرى إبعاده في توسل " يونس بالله عليك عد لعقلك "


رفع انظاره المتأججتين بالرغبة يقول " ألا تحبينني .. إمنحي زوجك ما يتمنى "
حضنت صدغه تحاول إعادته لرشده وقالت " يا يونس أنا لا أملك في فريدة شيئا فأنت ملكتها منذ سنين .. لكن فكر في حرج فارس بالخارج الآن إذا ما اكتشف اختفاءنا"


وكأن اسم ( فارس ) كان منبها لأعصابه فترك يدها المكبلة وقال بحنق طفولي " ماذا لو مت أنا في سفري ولم أعد .. سأموت وفي قلبي أمنية لم تتحقق لي وسيكون ذنبي في رقبتكم جميعا"
انقلاب حالته من قمة الإغواء الرجولي لصبي صغير حانق يثير مشاعر الأمومة والشفقة فيها كاد أن يضحكها لولا كلامه المؤثر فحضنته مغمغمة " بعيد الشر عنك يا حبيب فريدة .. يا عمر فريدة .. أسأل الله أن تكون ساعتي قبل ساعتك ولا أرى فيك مكروها أبدا "


أبعدها مستمرا في صبيانيته " تعالي معي إلى إيطاليا .. سأتدبر لك مقعدا في الطائرة .. ولو تأخرنا لبضع ساعات عن السفر وغيرنا الرحلة لنكون معا لن يحدث شيء .. (وابتعد عنها يهم بتنفيذ ما يقول ) سأخبر فارس الآن "
أمسكت به توقفه قائلة " يا مجنون .. يا مجنون كيف سأدخل هولاندا بدون الـتأشيرة ! "
بكل مشاعر الإحباط ضرب بقبضته على الحائط بغيظ فأسرعت فريدة تمسك بقبضته تدلكها ليحضنها يونس من جديد غير راغب في الابتعاد فغمغمت "يونس علينا بالخروج فورا تأخرنا جدا "


ابتعد عنها يهدر بحنق مبرطما " حاضر حاضر حاضر .. يونس المنحوس .. يونس المعذب .. يونس الذي ستتحملون ذنبه كلكم .. كلكم "
تركها يحاول إعادة السيطرة على ما انفرط من عقده .. وعدل من ملابسه يقول بحشرجة "سأخرج الآن .. وأنت عدلي هيئتك والحقي بي .. ( ونظر لشفتيها وقال ) اغلقي الباب عليك من الداخل بعد أن أخرج ( وأكمل بصوت باك ) وإلا سأسبب لهذا البيت فضيحة علنية "
سحبت فريدة المنديل الصغير من جيب سترته الجانبي وقالت" امسح فمك أولا فهو ملطخ بطلاء شفتاي"


تطلع في شفتيها بنظرة مشتعلة وكاد أن يضعف من جديد لكنه تماسك يسحب نفسا إلى صدره بقوة ثم رحل وهو يمسح وجهه بالمنديل ويبرطم مغلقا الباب خلفه .. لتلصق فريدة جبينها بالباب بعد رحيله تلتقط أنفاسها متمنية لو تتشبث بظهره تتوسله ألا يرحل أبدا..



ألا يفترق عنها أبدا ..
ألا يبعدها عن صدره أبدا أبدا ..
لكنها تماسكت واسرعت نحو المرآة لتنقذ ما يمكن إنقاذه في هيئتها التي ترك ابن سعد الدين بصماته عليها .



خرج يونس بعد قليل بعد أن غسل وجهه ورطب مشاعره المتجمرة فوجد المدعوين متحلّّقين في حديقة الفيلا حول الشيمي ورفيدة بعد أن رحلت فرقة الزفة بينما العروسين يبدلان أماكن المحابس من اليد اليمنى لليد اليسرى .. فاندمج بسرعة مع الحاضرين يتطلع حوله إن كان قد لمحه أحد .. بعد أن اطمأن أن فارس يولي ظهره لباب الفيلا .


في رحلة عينيه الاستكشافية القلقة تلاقت عينيه مع عيني الحاجة نفيسة الجالسة على مقعد جانبي تستند على عصاها والتي ادعت أنها لم تلاحظ شيء .. لكن يونس اقترب منها يداري حرجه قائلا باستهبال "هل رأيت فريدة يا أمي أبحث عنها؟"


أشارت له الحاجة بيدها ليقترب أكثر .. فمال نحوها لتلتقط أذنه بين اصبعيها تشدها وهي تقول بلهجة موبخة" أنا تغاضيت على جرأتك وقلة أدبك وكنت أدعو الله ألا يلحظ أحد اختفاءكما .. لكن تعاملني كمغفلة لن أمررها يا يونس"
توجع يونس ضاحكا وهو يقول بحرج "نفيسة أذني يا نفيسة .. آاااااه .. أذني يا أمي نحن أمام الناس"
تركت أذنه فاستقام يدلكها بينما ضربته على ذراعه تقول" هل أدركت الآن أن هناك أناس سيلاحظون !"
مسد يونس على ذراعه يلملم في ابتسامة ملحة فسألته الحاجة "أين ابنتي؟"
وضع يديه في جيبي بنطاله وأجابها مغيظا" وما أدراني أنا "


بدأ يعلو صوت الـ DJ بأغاني راقصة .. فاستدار يونس يتركها بعد أن لعب لها حاجبيه وتحرك راقصا نحو الشباب المتحلقين للرقص في ركن من الحديقة .. فاتسعت ابتسامة الحاجة وهي تدرك بعيني قلبها قبل عينيها أنه سيطير من السعادة.. فقبّلت ظاهر كفها وباطنه وعيناها تنظران للسماء بامتنان .


بعد دقائق خرجت فريدة تحمل تنورة فستانها وتطلعت في الحاضرين بحرج وقلق شديدين فأشاحت الحاجة نفيسة بعينيها بعيدا .. لتتنفس فريدة الصعداء بينما اقتربت احدى صديقاتها تقول "أين كنت يا فريدة!"
غمغمت فريدة" كنت .. كنت في الحمام اصلح زينة وجهي "


قبل أن ترد صديقتها كان يونس قد اندفع من بين الواقفين واسرع إليها يسحبها من يدها بسرعة ليأخذها إلى ركن الرقص ووقف يصفق ويرقص أمامها سعيدا على أنغام الموسيقى .
أما العروسين فكانا متحرجان من المشاركة في الرقص خصوصا رفيدة التي رفضت محاولات البنات لسحبها للرقص ووقفا يتلقيان التهنئة بجوار المقعدين المخصصين للعروسين .. فقال فارس مهنئا الشيمي وهو يشدد على يده الغليظة "مبارك لك يا شيمي"


تمتم الشيمي بلهجة متأثرة رغم جمود ملامحه " أعزك الله يا فارس باشا .. أفضالك علينا كثيرة"
ربت فارس على ذراعه يقول " لا تتحدث بهذا الشكل يا شيمي نحن عشرة عمر"
عادت كارمن إلى فارس بعد أن حضنت رفيدة بقوة وهنأتها مقدمة لها هدية عرس من الذهب وتعلقت بذراعه مبتعدين .. بينما دخلت إيمان تهنئ العروس قائلة" مبارك لك يا أبلة .. أنا سعيدة من أجلك جدا.. لأنني أؤمن بأن المرأة مهما حصلت على شهادات وتدرجت وظيفيا لن تلقى السعادة إلا في بيتها مع رجلها"


بلعت رفيدة التهكم الضمني الذي استشعرته منها وردت بلهجة قاصفة "صدقت يا ايمان .. والفرحة تتضاعف حينما تؤمنين أن عوض الله جميلا فيرسل لك من تشعرين بأنك قد امتلكت الدنيا معه"
تسمرت إيمان لثانية تحاول استيعاب معنى الكلام ثم غمغمت بعد أن حانت منها نظرة للشيمي الذي يقهقه وهو يحمل كريم ويمسك به رأسا على عقب بينما الأخير يكركر وباقي أولاد الدار يتقافزون حوله يطلبون أن يفعل معهم مثله " آه بالطبع عوض الله جميل"


ربتت رفيدة على كتفها تقول بلهجة غامضة" والأهم يا إيمان .. أن تحافظ المرأة على زوجها وتكون مصدرا لراحته"
اندفعت إيمان تسألها بعصبية" هل اشتكى لك عمر مني؟"
سألتها رفيدة ببرود "لماذا ؟.. هل يعاني أخي معك؟"
رمشت بعينيها عدة مرات تقول" لا لا طبعا .. أنا كنت أسأل لربما كان هناك شيء لا أعرفه (وتطلعت في فستان رفيدة تضيف بابتسامة بلاستيكية) رائع فستانك يبدو غالي الثمن ويليق بك"


ردت رفيدة تحاول تمالك أعصابها" الحمد لله فكارمن السيوفي هي من ساعدتني في اختياره والحقيقة سواء الشيمي أو عمر لم يبخلا عليّ أبدا"
بلعت إيمان ريقها تنظر حولها وتتطلع في الفيلا ثم قالت بفضول" وهل ستسكنين في هذه الفيلا؟"
ردت رفيدة وقد بدأ صبرها ينفذ" كلا في الملحق إنه خلف الفيلا.. شقة صغيرة في الطابق الأرضي لكنها مريحة"
تمتمت إيمان وهي تتطلع في مبنى الفيلا "لا بأس حتى لو كانت صغيرة .. يكفي أنها في مدينة كهذه لا يعيش فيها إلا الطبقة المخملية وأنك تجاورين عائلة كعائلة سعد الدين"


تمتمت رفيدة في سرها بأدعية التحصين من الحسد وقالت بضيق " تفضلي يا إيمان الطعام من هنا على الطاولات الكبيرة هناك .. تفضلي وكوني على راحتك"
ابتسمت إيمان ابتسامة صفراء وتحركت تتركها وهي تصرخ في ابنها بحدة " كفى يا كريم وتعال "
تجاهلها كريم واستمر في اللعب مع الأولاد حول الشيمي فجلست رفيدة في مقعدها تتطلع فيه مبتسمة وهي ترى تعامله الرقيق مع الأطفال .. وتلك الضحكة الطفولية التي تزين شفتيه والتي تشبههم .. وتساءلت هل من الممكن أن تنجب طفلا للشيمي؟


أم فات الوقت ؟!


بعد قليل لمست كارمن ذراع فارس المندمج في الحديث مع رأفت وجدي وعاصم السيوفي واستأذنتهما تقول "أعتذر هل من الممكن أن أخذ فارس قليلا"
ابتسم لها والدها بحنان وهو يتطلع في هيئتها الجديدة التي اسعدته شخصيا .. خاصة أنه قرارها وحدها دون تدخل من أحد .. بينما اعتذر فارس مستسلما ليد كارمن التي تسحبه لتقف معه بعيدا تقول" اسمع فارس بك .. اليوم لا يوجد عمل .. ولا يوجد حديث مع أي أحد سواي"


زينت ابتسامة زاوية فمه ورد" كنا نتحدث في أمر هام يا كارمن .. اعطني ربع ساعة"
ردت مهددة وهي ترفع أمامه سبابتها "ولا ربع دقيقة حتى.. هل ستتكلم في الحفل عن العمل أيضا يا فارس!"
قال باعتراض "أنا كنت معك منذ أن بدأ الحفل"
ردت بغيظ "معظم الوقت كان الهاتف على أذنك "
وضع يديه في جيبيه وقال " انضمي إلينا وشاركينا الحديث"
هتفت بإحباط "فارس!"


اتسعت ابتسامته لبرطمتها .. فأشارت كارمن على الركن الذي يضم الشباب بصخبهم ورقصهم وقالت "الشباب يرقصون .. وأنت تقول أشارككم في الحديث عن العمل !"


تطلع فارس في الشباب .. فوجد يونس وفريدة في وسطهم يرقصون أمام بعضهما .. هي تحرك كتفيها وذراعيها وتتمايل .. بينما يونس لا يتوقف عن الرقص ومعهم زياد وباقي المدعوين من الشباب .. أما عهد فتجلس في ركن قريب منهم تثرثر مع حماتها .. فقال فارس باستنكار " وهل سأرقص أنا أيضا يا كارمن !!"
قلدت نطقه لاسمها تقول " كارمِن بميم مكسورة بمبالغة .. لا فارس بك لكن على الأقل كن معي"
قال باستسلام" حاضر"


تعلقت بذراعه تتساءل في سرها إذا كانت حامل بالفعل .. هل سيولد ابنها بعينين زرقاوين كوالده؟!
ثم ابتسمت بسعادة تقول "هل تعرف أنني الآن أتمنى لو كنت رقصت معك في حفل عرسي كأي عروس"
رفع كتفيه وانزلهما قائلا" لكني لا أعرف في هذه الأشياء يا كارمِن بميم مكسورة بمبالغة .. ولن اسمح لك بالرقص أمام الناس "
بدأت أغنية جديدة فصرخت كارمن بسعادة فجأة فأجفلته "أحب هذه الأغنية يا فارس اسمعها جيدا"


اتسعت ابتسامته قائلا" تبدين اليوم حماسية أكثر من العادي يا كارمن .. هل هذا بسبب الحجاب أم ( ومال عليها يقول بجوار أذنها مغيظا ) بسبب الاثنين كليو جرام ؟!"
راقب وجهها الذي وجم فجأة فقهقه ضاحكا لتمسك كارمن بسترته تهزه قائلة بحنق " شرير أنت شرير يا فارس "
بدأت كلمات الأغنية فقالت آمرة " أسمع وركز في كل كلمة"


مالي حاسة بارتباك
وبحالة مش عادية
عقلي أتجنن معاك
مش عارفة اللي فيا
قوم فض الاشتباك
أو خبي عنيك شوية
ده أنا واقعة فيك بجد



وقفت كارمن تتمايل على الأغنية أمامه فحدجها بنظرة موبخة لكنها كانت في حالة من حالات الطفو .. سعيدة .. سعيدة جدا .. فكرة حملها كان لها وقعا رائعا عليها ..رغم أنها لم تطرأ لذهنها من قبل .. ربما لعمر زواجهما القصير وغرابة بدايته .. بالإضافة لما تعيشه معه هذه الأيام من مشاعر لم تختبرها من قبل .. كل هذا جعلها تنطلق ككارمن أخرى ..
حتى عاصم لاحظ ذلك وهو يتأملها من بعيد خلال حديثه مع رأفت وجدي .. لاحظ بأنها بدت كارمن أخرى .. كارمن سعيدة .. مزقت عنها خيوط الماريونت وبدأت تتحرك منطلقة كفراشة تحررت من شرنقتها..




من كلمتين يادوب
بلاقيني في حتة تانية
مابشوفش فيك عيوب
وبراقبك ثانية ثانية
إزعل هتقوم حروب
مش واحدة لأ تمانية
هو أنت أي حد !
هو أنت أي حد !



شعر فارس أنها على غير عادتها المتزنة الهادئة وبدت أمامه شقية شهية تدغدغ مشاعره .. فتحرك يقف الناحية المقابلة يولي للحاضرين ظهره ويداريها عن النظر بطوله .. تاركا لها مجالا في هذا الركن القريب من باب الفيلا الداخلي أن تمارس القليل من شقاوتها على أنغام تلك الأغنية التي تحبها.. بينما أمسكت كارمن طرفي سترته الأنيقة وهو يطالعها برزانة واضعا يديه في جيبي بنطاله ترفع نظراتها إليه وتتمايل على كلمات الأغنية بدلال.


أنا نفسي أطير
فرحانة جدا .. ودايبة .. وبغير
حاسة بسعادة وده احساس خطير
مجنونة بيك
نفسي أفضل قصادك وأقولك بحبك كتير
وده مش كلام
ده أنا جيه أغرق عنيك اهتمام
ده وعد عليا وقرار والتزام
لو كنت أطول

كنت امسح حياتي ونبدأ من الليلة قوام


شعر بالتأثر فمد يده يلمس خدها بحنان وعينيه تأكلانها حتى انتهت الأغنية .. فوضع يده على رأسها يقول متهكما ليتحكم في رغبة ملحة لعناقها " هل الحجاب أصاب رأسك بالسخونة ؟"


عضت على شفتها السفلى بغيظ فاتسعت ابتسامته بينما صاح يونس في الراقصين مستغلا سكوت صوت الموسيقى "فليبتعد الجميع هذه الفقرة لي أنا وفريدة فقط .. ولمن يريد أن ينضم إلينا من الثنائيات "
استدار فارس يشاهد ما يحدث ليقوم يونس بالذهاب لمسئول الـ DJ ويهمس له باسم أغنية .. فامتقع وجه فريدة .. ليتدخل زياد قائلا " يا بقلظ أفندي كان الحفل جميلا .. نحن نسمع ونرقص على أغاني راقية لماذا ستفسده باختياراتك"


حدجه يونس بامتعاض وقال بلهجة مستخفة "اخرس يا بني اخرس "
في الوقت الذي بدأ اصحابهما بالتفكه والقاء النكات حول أغاني يونس المفضلة .. فغطت فريدة وجهها بكفيها تدعو ألا يسبب لهما حرجا .


استدار يونس عائدا ووقف أمام فريدة التي غمغمت وهي تتطلع حولها "يونس أرجو ألا يكون مقلبا"
لم يرد وإنما وقف أمامها بحلته الأنيقة وبدأت موسيقى الأغنية .. فاقترب وكلمات الأغنية تنعكس على وجهه فلف ذراعه حول خصرها ليستقر ساعدها على كتفه في الوقت الذي أمسك هو بكفها الأخر يلصقها بصدره.. ويراقصها برشاقة .. وعيناه تأسران عينيها ..فتعانقت انفاسهما في ذكرى لدقائق متوهجة بالعاطفة كانت تشتعل بينهما منذ قليل.


دانتى بيتى ومطرحى..
معرفش لو تعرفى
إن انتى سكنى إللى بسكن ليه وبرتاح
دة قلبى الي صحى
بابه هو قلبك ..
وعنيكى شبابيك ..
بتخلينى أشوف النور الى أنا محتاج ليه


اقترب الشيمي من رفيدة تاركا الاطفال يلعبون وقال معتذرا "لا أعرف هذا الرقص ولا أحبه .."
اتسعت ابتسامتها وردت هامسة "و أنا لا أعرفه لكني أحبه"
فتحرك مبتسما يقف خلفها ويطوق ذراعيه حولها ليقفا يشاهدان الشباب بسعادة .


أما زياد فمد كفه لعهد التي استجابت لطلبه بتشجيع من حماتها فحضن خصرها يراقصها لتطوق عهد عنقه بذراعيها تقول وهي تلصق خدها بكتفه " زياد .. أنا سعيدة جدا .. وأحبك جدا جدا "
شدد زياد من التصاقه بها وهمس" وأنا شاكر لرب العالمين لفضله علينا"


غمغمت عهد بخفوت "وأنا أيضا"
ساد الصمت لبعض الوقت لتبعد عهد رأسها عن كتفه تقول "أشعر بالقلق الشديد من هذا الحفل الذي سيقيمه والديك"
ابتسم لها ثم قال مطمئنا وهو يعيدها لحضنه "لا تقلقي سيمر على خير .. (وصمت لبرهة ثم أضاف ) أعتقد أن علينا في الفترة القادمة أن نحدد سويا حياتنا ومستقبلنا (ثم أبعد رأسه عنها يتطلع في وجهها قائلا) بالمناسبة (وأشار للبناية التي يقطن فيها عاصم السيوفي وأكمل ) أخبرتك من قبل أني أملك شقة هنا في المدينة .. هذه هي الشقة التي كنت سأتزوج فيها.. ما رأيك أن نمر عليها اليوم لترينها ونقرر إن كنا سننتقل إليها أم لا؟"


كانت سعيدة بالفكرة .. لكنها تحفظت عن اظهار فرحتها لعدم إثارة حساسيته .. شاعرة بأنها لا تزال تمشي على خيط رفيع في علاقتها معه .. فقالت بهدوء "أنا لا مانع عندي .. لكن أنت من كنت مترددا في التنفيذ"
سحب زياد نفسا عميقا وتطلع في ملامحها قليلا قبل أن يقول "سأبذل قصارى جهدي لتخطي هذا الأمر يا عهد كما وعدتك إن شاء الله "


قالت بابتسامة شاعرة بأنها تحلق فوق السحاب بين ذراعيه" وأنا سأبذل قصارى جهدي لعدم اثارة حساسيتك يا حبيب عهد"
عاد لعناقها قائلا بعد أن طبع قبلة على عنقها" إذن اتفقا يا عهدي الجميل"


وانتى حياتى ودنيتى ..
ودة أملى وفرحتى ..
وانتى سندى وقوتى
ودة زادى فى رحلتى
وتعالى احنا بقينا لبعضنا
كنا اتنين وهنبقى واحد طول عمرنا



نظرت كارمن لفارس بعد أن تأملت ركن الحديقة الذي تحول لساحة رقص للثنائيات على أنغام الأغنية الرومانسية فبادرها بالقول رافعا حاجبا " إياك أن تفكري حتى يا كارمِن بكسر الميم بمبالغة .. فأنا لا أعرف الرقص .. وحتى لو أعرف فمن رابع المستحيلات أن أفعلها وأراقصك والناس تشاهدنا "
قالت متكتفة بتحدي" ما رأيك أني سأعطيك دروس في الـ Slow Dance يا فارس؟ "


ابتسم ورد " لا بأس بدروسك الخاصة .. أنت تعرفين بأنني طالب نجيب .. لكن كل هذا يتم بيني وبينك فقط ولن يكون يوما ما أمام الناس أبدا"
ضيقت عينيها وسألته "بيني وبينك أين؟"
رد بعفوية "في مكتبي"


رفعت حاجبيها وهتفت باستنكار" المكتب مجددا يا فارس؟!!..حتى دروس الرقص سنقوم بها في المكتب !!!.. (وسألته ساخرة ) ما رأيك أن تنقل سريرك إلى المكتب أيضا؟"
قهقه فارس وقال مناغشا "سيكون ذلك من دواعي سروري أن أعمل وأمامي ميس سويتي تتمرغ في الفراش كالقطة الناعمة .. المشكلة الوحيدة التي سأقابلها أنني لن أجد أي وقت للتركيز في العمل"


حدجته بعينيها الواسعتين المكحلتين تزم شفتيها المطليتين بالأحمر الداكن .. فتمنى لو يعانق شفتيها بشفتيه لكنه تنحنح يقول مداعبا "حسنا أعدك أني يوما ما سأؤجر مطعما وأخليه من الزبائن ليكون خصيصا لنا لأراقصك فيه حين أتقن الرقص"
راقت لها الفكرة لكنها استمرت في زم شفتيها فمال عليها قائلا أمام عينيها" هل رضيت عنا مس سويتي الشهيرة بكارمِن بكسر الميم بمبالغة؟"
تعلقت بذراعه تقول بدلال" لا بأس يا طالبي النجيب"
سألها بشقاوة "علام سأحصل على اجتهادي في طلب العلم إذن؟"
قهقهت برقة ثم قالت بغموض" أعتقد أني أحضر لك مفاجأة .. لكني سأنتظر حتى أتأكد من شيء ما"


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:08 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.