آخر 10 مشاركات
ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          339 - على ضفاف الرحيل - آن ويل (الكاتـب : سيرينا - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          *&* هنا يتم الابلاغ عن الكتابات المخالفة للقوانين + أي استفسار أو ملاحظه *&** (الكاتـب : سعود2001 - )           »          قبلة آخر الليل(15) للكاتبة: Gena Showalter *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          دانتي (51) للكاتبة: ساندرا مارتون (الجزء الثاني من سلسلة الأخوة أورسيني) .. كاملة.. (الكاتـب : * فوفو * - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-06-21, 11:41 PM   #10631

ريحة الياسمين

? العضوٌ??? » 486034
?  التسِجيلٌ » Mar 2021
? مشَارَ?اتْي » 11
?  نُقآطِيْ » ريحة الياسمين is on a distinguished road
افتراضي


واخيرا هلا لصار عندي نت بالانتظاااااااار

ريحة الياسمين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 11:49 PM   #10632

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السابعون المشاركة "١"

تنويه قبل الفصل: أحداث هذا الفصل ليست متتالية زمانياً بل هناك قفزات زمنية وذات أهمية بين المشاهد.. أرجو منكم التركيز فيها

• دعينا من الأمس.. كنا.. وكان ولا تذكري الجرح.. فات الأوان
• تعالي نسامر عمرا قديما فلا أنت خنت.. ولا القلب خان..
• وقد يسألونك أين الأماني وأين بحار الهوى.. والحنان؟
• فقولي تلاشت وصارت رمادا لتملأ بالعطر.. هذا المكان
• رسمنا عليها جراحا.. وحلما.. كتبنا عليها.. ((ضحايا الزمان))

خالد & سَبَنتى
……………………………….

أنيقة، هادئة, واثقة كالمعتاد ..تجلس على مقعدها تضع ساقاً فوق الأخرى بينما أصابعها تتشابك أمام وجهها تسند عليهم ذقنها وهي تنظر إليه: "مناقشة العمل معك لم تعد من اختصاصي يا تميم"
التوى تعبيره وهو يقول بجفاف: "كم أصبحتِ مسالمة وأنا من ظننت أنكِ ستناضلين من أجل صداقتنا!"
رفعت بدور حاجباً واحداً بارداً وقالت بعجرفة ووضوح: "لم تربطنا صداقة يومًا.. بالنسبة لي كنت كغيرك مجرد رجل أمل في ما هو بعيد عن أحلامه"
ضحك ضحكة لم تصل لعينيه: "هل عليّ أن أكره راشد الراوي؟"
تنهدت وهي تعتدل قليلًا ثم فتحت ملف أمامها وهي تقول بهدوء: "أكمل قهوتك على راحتك ..وبعدها يمكنك مقابلة السيد راشد"
:-"تتهربين مني؟!"
لم يبدو على ملامحها أي انزعاج ولم تكلف نفسها خاطر النظر إليه وهي تقول بصرامة: "لا أحب هذا النوع من الحديث حتى وإن كان مزاحًا.. عليك أن تتوقف عن طرقك الملتوية إن أردت حقاً أن يستمر عملك معنا ولا تخسر تغطيتك التي سعيت لها طويلًا"
صمتت قبل أن ترفع عينيها لعينيه المخيفتين الغامضتين ثم قالت بتلاعب ونبرة خطرة: "لا تظن أننا حمقى يا تميم ..إياك أن تعتقد هذا"
:-"إن اعتقدت هذا لوهلة ما كنت تمسكت بالعمل معكم بالمقام الأول"
التوى جانب فمها في ابتسامة مرعبة: "إذاً لا تتطرق لأمور شخصية من جديد, هذا أفضل لكلينا"
وقف تميم من مكانه قبل أن يقول بنبرة تحذيرية: "أنا لا أهدد"
رفعت وجهها رائع الوصف قاسي القسمات ثم قالت: "وأنا لا أبتز ولا يتلاعب بي، إن أردت شيء باشر في الأمر"
:-"ظننت أنكِ في صفي؟"
أخذت نفساً هادئاً ثم قالت: "وأنا كذلك عملياً.. ولكن…"
:-"من أين لكِ هذه؟!"
السؤال كان حاداً صارخًا رغم التوتر والعذاب في عينيه ..وقفت بدور من مكانها ببطء وابتعدت خطوتين ..عن مرماه إذ أنه قفز تقريباً نحو الإطار المعلق على الحائط وراء مكتبها…
أسبلت جفنيها وهي تقول بهدوء: "طالما تسأل بهذه العصبية ..إذن فلديك الإجابة"
:-"كيف حصلتِ عليها؟!"
أجابته بهدوء: "أرسلت كهدية لزواجي"
نظر إليها باتهام صارخ وهو يقول من بين أسنانه: "لقد قابلتها إذن؟"
أدارت وجهها بعدم اهتمام وهي تقول ببرود: "بالطبع قابلتها ..وعدة مرات وليس مرة واحدة ..فتاة مرحة وجذابة في الحقيقة"
هدر بغضب: "لقد استنكرتِ اقتراحي ورفضته"
أسندت بدور كفها على بطنها في حركة طبيعية تلازمها كلما حملت, وقالت بفتور: "رفضت اقتراحك باستخدامي كجاسوسة توقع بالمسكينة معك ..إلا أني لم أقل أبدًا أني لا أرغب بالتعرف عليها شخصيًا"
ضحك ..ضحك وضحك ويده تتحرك على صدره طولياً في حركة مريبة: "مرح ..ومسكينة! وصف يصبغ على الأمر براءة لا تحملها الدير الشاردة"
رفعت بدور جفنيها كما التوى عرق في فمها دلالة على التحذير ونفاذ الصبر: "لا أهتم كيف تراها"
استدار تميم ينظر إليها ثم قال بخفوت: "ماذا أخبرتكِ عني؟"
مطت شفتيها وهي تقول ببرود: "لا تشغل نفسك بما قالته ..لأنك تعرف أنه لن يعجبك"
استدار تميم يلمس اللوحة بأنامل مرتعشة مبهورة ..ثم قال بصوت أجش: "لا يوجد مخلوق على هذه الأرض يستطيع التحليل والفهم ويجيد الطعن مثلها …لا عجب أنها أجادت مهنة حرفية شاقة كهذه"
كانت تنظر إليه دون تعاطف يذكر ..لا تعرف لماذا يصعب عليها تفهم تميم حتى وإن كانت ملامحه تصرخ بأن قلبه مجروح بشدة, قالت: "استعجبت قليلاً أيضاً مهاراتها في استخدام الأدوات الحادة نظراً لصغر سنها ورقة بنيانها"
التوت شفتاه في ابتسامة خطرة مرعبة وهو يقول بصوت أجش غامض: "مرح أكثر من يجيد التلاعب بالسكين ..وأكثرهم دقة في إخفاء أثرها …ولكن لا عجب يبدو أن الأمر متوارث"
قالت بدور بقوة غير مهتمة بما يقوله من تفاصيل: "تميم ما الذي تريده من مطاردة فتاة عمرها نصف عمرك؟!"
التفت إليها من جديد مبتسماً: "الفرق بيننا أربعة عشر سنة ..ليس فرق مبالغ فيه يا بدور…أليس الفرق بين أختك وزوجها عشرون عاماً، لذا لا أظنه أمراً تستنكريه"
عقدت بدور يديها على صدرها قبل أن تقول ببرود: "أولاً لا أحد ..وأعني أي أحد يستطيع مقارنة علاقته بعلاقة أختي وزوجها …ثانياً وهذا الأهم أختي مغرمة بزوجها ..أما مرح عندما تأتي سيرتك ولو عرضاً لا أرى في عينيها إلا الاحتقان بالدم!"
ابتعد تميم خطوات للوراء قبل أن يقول بتلاعب: "دعكِ من مرح.. أريد اللوحة"
عادت تجلس على مقعدها ووضعت ساق فوق الأخرى وهي تجيب بفتور: "اللوحة هدية خاصة ..عليها اسمي وتوصيفي"
راقبته وهو يقول بصوت توتر أكثر وذبذبات من الخطر تفوح من جسده: "أريدها بأي مقابل تضعينه.."
:-"لقد أخبرتك السيدة بالرفض ..فلا تلح في الطلب"
مع فتح باب مكتبها دون استئذان كان صوت راشد الثابت صارماً وقاطعًا…وتواجها مرة أخرى من جديد وككل مرة كانت مواجهتهما تثير الامتعاض بداخلها.
استمر الصمت بينهما للحظات بينما كلا الرجلين يتواجهان وكأنهما سيفتكان ببعضهما في أي لحظة.
:-"ألم نتفق أن كل حديثك معي؟"
قال تميم ببساطة رغم الاستفزاز في صوته: "نحن في مكان عمل وشركاء بالمقام الأول.. لذا لا أعتقد أن هناك قاعدة تجبرني لتحجيم حديثي معها"
جمود ..غضب أهوج ..ثم سيطرة تامة.. كل هذا مر على وجه راشد قبل أن يقول بهدوء: "لا أظنك تحتاج لتحفيزي لأضعك في رأسي, إذ سأذكرك ولآخر مرة باتفاقنا منذ ما يقرب العام"
جمدت ملامح تميم للحظات ..فقط للحظات قبل أن يقول ببرود: "ولا أظنك ستخاطر بعدائي أنا الآخر ضدك يا راوي"
تنفس صدر راشد وعيناه تنحدران للمستفزة التي تجلس وتضع ساق فوق الأخرى وتنظر إليهما بشرر غير قابل للتفاوض رغم استكانة الملامح: "جربني يا خطيب"
وقفت بدور أخيراً تلملم حقيبتها وبعض من دفاترها تضعها في حقيبة حاسوبها الأنيقة ..ثم عزمت الخروج وهي تقول ببرود: "أتعلمان سأدعكما تلعبان لعبة من الأقوى والأكثر سوءًا ..وأنا سأغادر ليس لي مزاج لمراقبة هذه الحماقات من جديد ..خاصة في المرحلة الأولى من حملي"
وكأن تفوهها بحملها أمام تميم إهانة وقول لا يغتفر إذ هدر راشد محذراً: "بدور!"
بينما قال تميم بتعجب ضاحك: "بهذه السرعة!"
إلا أنها لم تهتم لا للتحذير ولا للعجب عندما التفت من فوق كتفها وهي تقول مبتسمة بينما رأسها يميل بتسليم وكأن هذا سيفسر كل شيء: "نحن راويان"
********
بعد أكثر من سبع ساعات…
كانت تضم إياب بين يديها داخل حجرتها في منزل والدها ..غيظاً وربما كبتاً وهرباً من راشد وجدت نفسها تقرر قضاء ليلتها هنا …ورغم كل شيء يبقى لغرفتها في بيت أبيها رائحة خاصة وراحة عجيبة…
إلا أن راحتها تلك لم تستمر طويلاً عندما فتح الباب بعنف ووجدته دفعة واحدة يشرف عليها, يداه تحاوطان رأسها على الوسادة ووجه لا يفصله عن وجهها نفس واحد: "ما الذي تفعلينه هنا؟"
قالت ببرود: "أقشر بصل كما ترى"
ظل صامتاً قليلاً وهو يتأمل ملامحها بطمع ..إلا أنه بالنهاية قال بجفاء: "أنتِ نفسك بصلة سميكة, منفرة المذاق, لاذعة الرائحة, وحراقة للعين والفؤاد"
التوى جانب فمها في ابتسامة بطيئة وهي ترفع حاجب شرير: "ربما أنا أكثر من هذا ..ولكنك أيضاً كالطبخة عديمة الطعم والرائحة والقيمة دون إضافة لمستي عليك"
ابتسمت شفتا راشد من الغرور والثقة بنبرتها: "لماذا لم تعودي لمنزلنا؟"
أجابت بوضوح: "لأني ضقت ذرعًا من غيرتك يا راشد.. ورغبت في أخذ استراحة منك ومن محاصرتك بالمجمل"
عض على شفته بكبت وهو ينظر إليها بعينين مرعبتين إلا أنها لم تتنازل عن النظر إليه بتحدي وقح أن يستطيع الفكاك منها وكأنها تلقي في وجهه دون كلام أنها تتعجب بملاحقته لها عاجز عن البيات ولو لليلة بعيداً عن ذراعيها!
:-"مهلاً ماذا تفعل؟"
اعتدلت من نومها بغضب وهي تراه في لمح البصر يرفع صغيرها ويخرج به من الغرفة ..وقبل أن تضع مئزراً محتشماً لتلحقه كان يعود إليها ويزجها داخل الغرفة مغلقاً الباب خلفه ..وهو يقول من بين أسنانه: "أخته ستعتني به"
صاحت معترضة: "أخت من؟ لقد أتيت هنا لأستطيع الانفراد بابني لليلة واحدة بعيداً عن حصارك الخانق"
جلس راشد على مقعد مواجه للفراش وهو يفك رابطة عنقه ثم يخلع حذائه بكل هدوء.. لقد قرر أن يبيت الليلة هنا فعلاً.. تباً!!
:-"الآن أصبح حصاري خانقاً.. ترى بماذا ستخبرينني بعد مرور عشرين عاماً مثلاً على زواجنا؟!"
قالت ببرود وهي تجلس على طرف الفراش وتضع ساق فوق الأخرى متسببه الحركة أن ينزاح القميص الأزرق القصير فوق ركبتيها مظهراً التفافهما وبياضهما بكرم وبذخ: "خانق ولا يحتمل أيضاً وماذا تتوقع؟ هل اعتقدت أن الغيوم الوردية ستستمر للأبد؟!"
مط شفتيه دون تعليق بينما عيناه تتبع القميص الأزرق بنظرة مترصدة كانت كفيلة أن تجعل قشعريرة تمر على طول جسدها وتجبرها أن تنزل ساقيها بجانب بعضهما وتجذب طرف القميص للأسفل…
التوى فمه وهو يسأل بتلك النبرة القادرة على إذابة عظامها: "هل تخجلين مني يا طاووس بعد كل ما مررنا به؟!"
رفعت أنفها بصلف وهي تقول كذباً: "أخجل من ماذا بالضبط.. أنا لا أخجل أصلًا لأخجل من الرجل الذي لم يترك أي شيء بيننا للخجل"
التقت نظراتهما من جديد في تحدي صامت قبل أن يقول بهدوء وثبات: "تكرار الخجل في حد ذاته اعتراف أنكِ تتلونين بالدماء لأجلي يا طاووس"
تأففت وهي تعود تضع ساقاً فوق الأخرى في تحدي ولم يتوقف الأمر عند هذا بل أخذت تؤرجح ساقيها أمامه في استهتار بحت غير مبالية بأصابع قدميها التي تخبط قصبة ساقه في استهانة..
عقد حاجبيه وهو ينظر إليها بتحذير مرعب ولكنها لم تبالي ..بل قالت بجليد وقح: "أنا أريد يوم إجازة من غيرتك، ومن محاصرتك ومن... من مطالبتك المتعددة, بصراحة لم أتوقع منك كل هذا الاستهتار.. أنا خائفة على أولادي"
فتح فمه قليلاً بسخرية: "يا رجل.. فعلًا؟!"
أرجعت بدور كفيها وراء ظهرها تسنده على الفراش وتميل للوراء قليلاً ..تاركة القميص الأزرق الشاحب ذو القماش الشفاف عند منطقة البطن يبين له البروز الطفيف بلذة: "أنا لست رجل ..بل أنثى جداً وأفتخر"
وقف من مكانه ببطء, عيناه تلتهم ساقيها مروراً بركبتيها ..وتدويرها المبهر المغري الظاهر من تقسيم الغلالة: "أنثوية زائدة عن الحد …بطل"
تنحنحت وهي تعتدل بتوتر ثم قالت بجدية: "أخرج من هنا فالمنزل ليس فارغاً ووو.."
وصل إليها حتى خبط ساقيه بساقيها المرتاحة فوق الأخرى …يداه أحاطت جلستها من الجانبين بينما وجهه ناور أمام وجهها وهو يقول بصوت خفيض: "يا لي من محدود الخيال فعلاً, لم أكن أعرف أن اللون الأزرق أشد إثارة والتهاباً بجمال تفاصيلكِ"
سخرت: "لأن أحلامك المسكينة توقفت عند اللون الذهبي والعسلي.. أي ما يرسمه لك لوني وصفتي يا مسكين"
عض على فمه وهو يمرر لسانه فوق شفتيه ..مسبباً لجسدها الدفاع والتحفز.
"لن يحدث" هتفت بإصرار
التلاعب في عينيه ..العبث بأنامله التي رسمت خطوطاً على بشرتها جعلتها تلهث بحرارة منهارة بين يديه خلال لحظات ليس إلا عارفة أنها لن تستطيع مقاومته.. ولكنها ستحاول على كل حال..
"أتراهنين؟!"
شفتاه الجامحتان حطت على عنقها ..يقبله بنهم ويضغط دون هوادة …يداها تدفعه من صدره بضعف بينما صوتها يهمس: "توقف يا راشد.. نحن أصبحنا خارجين عن السيطرة"
شفتاه همست من بين قبلاته: "عشر سنوات وما يزيد ونحن في قحط يا جاحدة ..وتستكثرين علينا بضع شهور نتشبع من بعضنا ونعوض ما فاتنا"
زفرت مرتجفة قبل أن تحاول من جديد إزاحة صدره بخشونة: "ليس هنا ..تعقل كما.. كما أني أريد بضعة أيام راحة هذه نصيحة الطبيبة ..أنت من أردت أطفال لذا فتحمل"
ابتعد عنها فعلًا ليس لشيء إلا ليقبّل عينيها ووجنتيها ببطء أحرقها ..يداه تتقبض على قماش قميصها بشغف دون أن يبادر لنزعه كما العادة إذ يخبرها دائماً أنه لا يحب أن يراها بعائق يحجبها وهي بين ذراعيه ..إلا أن الأمر الآن مختلف يبدو أن قميصها البسيط أعجبه ..رغم أنه لم يكن بسيط بالمطلق بل يثير جنون أعتى الرجال ..مثله تماماً ابتسمت بخبث قبل أن تتنحى البسمة جانباً وهي تشهق بصدمة…إذ أنه عاد يقبل جانب عنقها ويضغط عليه بأسنانه.. هذه لم تكن قبلة!!
"هل جننت؟!"
أمسك راشد بإبهامه وسبابته مقدمة نحرها وضغط عليه بخفة ..بينما أسنانه تضغط على بقعة أخرى من جديد ..حاولت التملص منه إلا أنه لم يسمح لها ..عندما أعاد فعله للمرة الثالثة..
"ماذا تفعل؟ توقف" صرخت بحدة
رفع لها عينيه الغاضبتين ..ثم قال وإبهامه يمسد ويضغط بتهديد هناك: "أنا جاد يا بدور ..إن رأيت تميم الخطيب ينفرد بكِ من جديد سأمزق نحرك الجميل بأسناني"
اهتاجت من بين شعور الغضب والإثارة, ووجدت نفسها تلقائياً تنزع أزرار قميصه انتزاعاً بغضب أهوج ..حتى وصلت يداها إلى عضلات صدره الأسمر قوي البنية والذي أخذ يتحرك بتناغم مع أنفاسه اللاهثة …شاعرة بارتجافه وبأنفاسه التي ازدادت جحيماً لافحاً عنقها و جيدها …
"أتشك بي أم ماذا؟!" لم يكن سؤال تقريري بل ساخر بشدة واثقة في كذبة طرحة
وفي حركة سريعة كانت تنحني برأسها لتعض بأسنانها انتقاماً جانب عنقه ومقدمة صدره …تأوه بصوت منخفض قبل أن يرفع وجهها بين أصابعه لتجتاح شفتاه شفتيها بلهفة وعنف ..بحاجة وشوق لا ينطفئ ولا يشبع.
:-"أغار بجنون.. أغار بحمق ..أغار عليكِ بطريقة لا أثق معها بنفسي.. أغار عليكِ رغم ثقتي فيكِ أكثر من نفسي.. أغار حد أني سأقتل كل من ينظر إليكِ نظرة حسرة أو تمني"
ابتسمت شفتاها بغرور غريزي ويداها تتبعان صدره بمهل حتى صعدت لكتفيه لتزيح قميصه الذي طارت بعض أزراره…
كل جنونهما وحماستهما, عشقهما واجتياحهما لم تكن أنزلت ساقيها من وضعهما فوق بعضهما بعد.. تعلم أن هذا يثير جنونه وغضبه وهي أرادت الاثنان وبشدة..
ولكن ما لم تتوقعه مطلقًا هو منعه لها أن تفك ساقيها عن بعضهما إذ أمسكهما بتشدد وهو يجلس جانبها ..يداه تحركها بسهولة بينما فمه يتوعد جانب أذنها: "والآن حان وقت تلقينكِ درساً قاسياً شديد المتعة حد أن يجعلكِ تصرخين بالحاجة الغريزية لي عندما تعقدين ساقاً فوق الأخرى أمامي"
أرادت أن تعترض ..أن تضحك حتى بهستيرية ..أن تصرخ غرامًا ربما.. أن تعلنها صراحة أنه يشبع الأنثى التي جاعت لسنوات بعيداً عن ذراعيه ..أنه يجعلها جريئة فعلاً وأصبحت تطالب بحقوقها فيه دون خجل أو حذر.. أنها وأنها...
إلا أن كل الكلمات خرست ولم ينطقا سوى بكلمات الشغف والحب …دفعها لتنهل منه وكأنها مرته الأولى والأخيرة… لا ملل معه ولا شبع.. بل نهم يتوالد ويستمر وكأنه يمنحها عبر تلاحمهما أطنان من السكر الذي يخلف ورائه شبعاً وجوعاً لا يتوقف عن نهل دواخلها..
وعندما استسلمت إليه تمامًا فوق فراش مراهقتها وشبابها كان الأمر مختلفاً بشعور لم تجرب جماله قط ..لم تكن غريزة فقط ما يتبادلانه ..بل حاجة لليقين.. ورغبة مؤلمة أخرى في اقتناص تأكيد آخر أنهما أصبحا لبعضهما من جديد ..كلاهما يتمسك بالآخر.. كلاهما يلحق الآخر فور أن يبتعد ولو قليلاً ..لا لم يعد بينهما كبرياء يدمر ولا تمسك بالصمت المؤلم…
وعندما أغمضت عينيها الناعستين أخيراً بتعب ..كانت أنفاسه العنيفة تلفحها بينما ذراعاه تضمها بقوة ويداه تتحرك على بشرة بطنها ..همس بصوت خشن: "أشتاق إليكِ في كل لحظة تبتعدين فيها ..فلا تكرريها من جديد"
ضحكت: "لا أصدق هذا ..ولا أصدق أني سأخبرك بأني أشتاق إليك أيضاً ولا قدرة لي في البعد عنك"
ضغط عليها بتشدد من جديد وأنامله تلمس بشرتها مستبيحًا بترحاب منها: "لا تبتعدي إذاً"
همست من بين النعاس بوقاحة: "ربما سأبتعد متعمدة، إذ أنك تصبح أكثر خطورةً وحماساً عندما ترتعب من فكرة نزوحي عنك"
جلجل صوته الخشن ضاحكاً: "ملوعة"
همست: "تلميذتك يا حبيبي"
قبّل رأسها: "أحلى وأذكى تلميذة يا طاووس"
استدارت بين ذراعيه ووضعت يديها تحت خدها …مستريحة لوسادة صدره القاسي ويداه الرقيقتان اللتان تداعبان أحشائها وكأنه يريد التأكد أن الجنين بخير رغم أنه منذ حملها أصبح حريصًا ومقيداً في التعامل معها بشكل خاص…
:-"أنا جائعة بشكل بشع، ولكني أرغب بالنوم لعام كامل من فرط التعب"
يحب حديثها البسيط العفوي… انهيار كل الحواجز بينهما ..تعاملها كإنسانة عادية طبيعية معه.. الحياة معها تنبض بالحياة!
أغلقت جفنيها وبعد دقيقتين لا أكثر كانت أنفاسها تنتظم في سبات عميق …لذا سحب نفسه من جوارها ببطء شديد ..ثم تسلل من الفراش وأخذ يبحث عن شيء يصلح ليرتديه من آخر مرة اضطروا فيها للمبيت هنا ..لقد أبقت هي على بعضاً من ملابسه.. كم يعجبه نظامها ودقتها ..لقد اكتشف إنسانة أخرى من خلال حياتهما الزوجية أخيراً..
ليكن صريحاً مع نفسه ..هو لم يتخيل يوماً بدور كامرأة تقف في المطبخ وتجهز وجبة كاملة وللصراحة طعامها شهي وصحي بل وتجيد وصفات متعددة من عدة مطابخ عالمية ..كما أنها ليست اتكالية إذ أن فراشهما الخاص لا يرتبه أحد سواها…حتى أنها عندما استولت على تنظيم ملابسه بل والاختيار له على ذوقها لم يمانع.. توغلت يداها وسيطرتها شيء فشيئاً.. لا تزعجه ولم تصبح تخيفه ..وهذا في حد ذاته صادماً له …كما هي لا تلاحظه بل تتصرف بعفوية بحتة.
سحب بنطال منامة وارتداه على عجل بينما وضع القميص كما اتفق دون أن يغلق أزاره..
عاد من جديد ينحني نحوها وقبل وجنتها وهو يقول: "لا تستغرقي في النوم سأجد لكِ شيء بالأسفل تأكلينه"
نومها كالصقر تفتح عين وتغلق أخرى كما توقع عندما أجابته: "لا تزعج نفسك, لن تجد أحد مستيقظ, أمي تصرف الخدم لغرفهم باكراً وبعضهم يغادر لمنزله"
"سأجهز لكِ بنفسي ..لا تجادلي"
لم تجادل بل سحبت وسادة وضعتها بحرص تحت جنبها ..واستسلمت من جديد لغفوتها ..فليفعل ما يشاء وكأنها تهتم مثلًا.. الأحمق لم يدرك بعد أن وجودها بين ذراعيه يمنحها الشبع حد التخمة وكأنها التهمت مائدة رمضانية وحدها ..هو لا يدرك وهي لن تخبره!
*******
فور أن فتح نور المطبخ وقعت عيناه على نوة الجالسة هناك تحدث أحدهم على هاتفها ..حدق فيها باستنكار لحظي وكأنه يكذب عينيه: "متى عدتِ؟"
ارتبكت نوة وعيناها رغمًا عنها تقعان على علامات الحب التي تزين صدره من خلال فتحة قميصه.
احمرت وهي تشيح بسرعة: "يا مرحب بك سيد راشد ..أنا في بيت أمي آتي متى أشاء ..السؤال ما الذي تفعله أنت هنا؟"
نظر نحو وجهها ببرود شديد ..قبل أن تمتد يداه ليغلق أزار منامته ليس حرجاً وإنما مراعاةً للحدود بينهما…
قال ببساطة: "لم أخبركِ أنه ليس من حقكِ ..سؤالي محدد لماذا عدتِ وأنتِ سافرتِ منذ أسبوع فقط؟"
قالت بإغاظة: "دور كبير العائلة تمارسه بعيداً عني, الأمر لا يخصك"
"حسناً اخبطي رأسكِ في الحائط"
حنقت وهي تراقبه يحشر رأسه في المبرد ..ثم أخرج بعض اللحوم الباردة وشرائح الجبن وتوجه نحو الموقد ليقلي شريحتين من الخبز قبل أن يضيف اللحم والجبن وبعض الخس.
"تهتم بصحتك جداً!" سألت ساخرة..
لم يرد أيضاً وهو يحرك كتفيه بعدم اهتمام وكأنه لا يلقي لها بالاً.
"لا أصدق أنك تستبيح حرمة بيت والدي متنقلاً فيه كطرزان!" صاحت بحنق
وضع راشد الشطيرة أخيرًا بشكل جميل في طبق ثم أخذ عبوة حليب ..وأولاها اهتمامه أخيراً عندما قال بهدوء بارد: "والدك مات ولا يجوز عليه إلا الرحمة.. ولترتاحي أينما وجدت أختكِ ستجدينني معها ..ولتخرسي نهائيًا وجودي هنا أصبح حتميًا خاصةً مع ظهور طفرة الجنون العائلية أخيراً في أخيكِ.. أما عن موضوع طرزان..."
صمت أخيراً ليرحم وجهها الذي احتقن بالغضب والحرج.. إلا أنه أضاف بتلاعب: "طرزان أكثر ما يعجب أختكِ، لذا تعوّدي عليه أو غُضّي البصر يا إعصار"
تركها مكانها ترتجف حنقاً وخجلاً و…سعادة حمقاء..
دون تردد وفي هذه الساعة المتأخرة كانت تجري مكالمة طوارئ عاجلة بينها وشذى ومريم …وفور أن ردتا كانت تهمس بتآمر وزهو متفاخر: "اتضح أن أختكما المحترمة متوحشة.. الرجل ليس فيه قطعة سليمة"
تعالى الهتاف يسألن بفضول أنثوي رهيب…إلا أنها رفضت أن تبيع المعلومات دون مقابل ألا وهو وجودهما غداً في الصباح الباكر لمحاصرة بدور …وسحب كل التقرير الخاص منها برضاها أو رغماً عن أنفها.
******** :ridinghors e::ridingho rse:
يتبع الان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 11:51 PM   #10633

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السبعون المشاركة "٢"




كان الوقت ما زال باكرًا عندما خرجت من غرفتها بهدوء ترتدي بدلة عملية أنيقة من اللون البني الشاحب تعلو قميص من الحرير بلون الأزرق, تمسك بين يديها حذائها ذي الكعب العالي، ناويه ارتدائه بالأسفل حذرًا للمخاطرة بحملها…
فتحت الباب بعدما طرقته مرة واحدة إذ أن سَبنتي سمحت لها سريعاً بالدخول…
ابتسمت بدور وهي تنظر لصغيرها في ردائه المدرسي المميز وقالت: "لقد أتيت لأجهزه للمدرسة ..إلا أنك كالعادة لا تتيحين الفرصة لغيركِ"
وقفت سَبنتي بعد أن أغلقت له سحاب معطفه ..وجعلته يرتدي حقيبته وهي تقول بثبات دون اهتزاز أو عدم ثقة كما حالها الذي اعتادوه: "لن تفرق كثيرًا يا بدور ..أنتِ تستولين عليه طوال أيام الأسبوع لذا يوم واحد لي لن يسرق منك الأضواء "
تنهدت وهي تقترب منها و تقول مراضية: "لكِ فيه مثلما لي ..ولكني لا أرغب في تحميلكِ فوق طاقتكِ"
اعتدلت وهي تقف ثم رفعته بين ذراعيها تقرب وجهه الطفولي الضاحك من وجهها: "إياب الطاقة الوحيدة التي أختار أن أتحملها بكل رضا وتطلب.. اهتمي أنتِ بالقادمين الجدد واتركي أمر إياب معي جانباً"
لم تجادلها في أمر تعرفان أنه سيحدث: "أنا سآخذه في طريقي"
أومأت أيضاً موافقة ..قبل أن تراقبها تضع حقيبتها وحقيبته على كتفها وتمسك حقيبة طعامه التي جهزتها مسبقًا…
وقفت بدور في طريقها ومدت يديها مبتسمة لطفلها الذي رمى نفسه فوقها دون تردد ..أخذت تقبل فمه ووجنتيه بشغف وهي تهمس بتآمر: "تنسى ماما وأنت مع أختك المجنونة"
لثم إياب وجنتيها بقوة وهو يحيطهما بكفيه ثم هتف حانقًا: "أنا غاضب.. أبي يقول يجب أن أتوقف عن السماح لكِ بحملي من أجل أختايّ"
امتعضت وهي تهمس بصوت داخلي: (حملي لك خطر بينما عبث طرزان زمانه عسل بالسمن ولن يضر)
ابتسمت وهي تضمه بقوة وهمست بمكر: "لن نسمع تحذيراته, أخواك يحبانك ويسألاني دائماً أن أحملك هكذا لتبقى قريباً منهما"
لمعت عيناه وهو يبتسم لها راضياً: "بابا يقول أنهما فتاتين"
(بابا مجرد حالم أخرق)
رغبت أن تعلق بشدة ولكنها قالت ببساطة: "لم نعرف بعد, علينا الانتظار قليلًا، ما يهم الآن أن يعلم إياب أنه هو أولاً وبعده كل شيء, حسنًا؟!"
هز رأسه بحماس ..من جديد أمسكته سَبنتي وهي تقول بخفوت: "لقد تأخرت, يجب أن نذهب"
أخذت بدور نفساً عميقاً وهي تسأل برقة: "كيف حالكِ يا سَبنتي؟ لم أركِ منذ يومين ..وعندما قدمت في الأمس قالت والدتي أنكِ نائمة"
ابتسمت تلك الابتسامة التي علمت بدور زيفها دون جهد ولما لا وقد وضعتها على وجهها الزائف لعشر سنوات.. ابتسامة واهمة تريد أن تتسلح فيها بالقوة.. بالصمود وتخبر الناس بأنكِ لا تنهزمي أبداً بينما كل شيء بداخلكِ ينهار متحطماً..
:-"بخير فوق ما تتصورين, لم أكن نائمة ..بل كنت أدرس, عليّ تعويض المواد التي رسبت بها"
حدقت فيها بدور وهي تنظر إليها برقة حزينة متفهمة ثم قالت بكل وضوح: "لستِ بخير يا سَبنتي ..كفى تظاهراً، لن يشعر بكِ أحد مثلي"
أغلقت عينيها مسيطرة على نظرة اضطراب تتصاعد ..هي أقوى ..هي لم تعد تحتاج لأحد ..هل هي تتقدم في حالتها أم تتراجع؟ لم تعد تهتم بالمطلق ..و لن تسمح من جديد لنفسها بالتواكل.. هدرت بحدة: "أخبرتكِ أني بخير, أنا لستُ مثلكِ يا بدور"
كانت ثابتة أيضاً تبتسم في وجهها دون عبوس أو غضب: "هذا شيء يسعدني مؤكد وأتمنى أن تكوني النسخة الأفضل"
فتحت فمها قليلاً وكأنها تلهث بعجز ..وفتحت عينيها تكشف عن نظرة ضائعة في لجة مجهولة القرار: "لا أظن أني قد أكون أفضل من أي أحد يوماً"
اقتربت بدور منها خطوة قائلة بلطف: "لا تضيعي الوقت، ولا تسمحي لنفسكِ بالتراجع عن ما أنجزته، أشيري فقط وسآخدكِ إليه بنفسي"
تراجعت بحدة وهي تضم إياب إليها وتنظر لها بطريقة حارقة ..وتحركت من أمامها تعلن انتهاء الحديث قبل التطرق فيه..
قالت بدور من بين أسنانها بإصرار: "لا تضحكي على نفسكِ ..أنتِ لستِ بخير ولن تكوني حتى تواجهي خطئكِ وخطئه بدلاً من التحرك كالشبح بيننا منذ شهر ونصف"
وقفت سَبنتي على الباب متشنجة ساكنة غاضبة …وقالت أخيراً بقهر: "بل شهر وأسبوعين وأربعة أيام وثلاث ليالٍ …لقد اعتدت أن أعد بالساعة والدقيقة كلما نفاني عنه ..ولا.. أنا لستُ مثلكِ يا بدور إذ أني اعتدت نفور خالد وابتعاده عني كُرهًا وزُهدًا"
********
هبطت بدور تتبع سَبنتي بعد دقائق قليلة ..والتي وجدتها محتجزة قسرًا بين أفراد فرقة الإعدام ..بل ونزع إياب من بين ذراعيها وأرسل قسراً لغرفة الطعام ليشارك طفليّ مريم الذين رصدتهما يتناولان فطورهما على مضض
نقلت عينيها بين وقفتهن المتحفزة باستنكار: "ما الذي تفعلنه هنا بالصباح الباكر؟!"
وجدت نوة تميل إليهن وهي تقول بتآمر ممتعض: "أخبرتكن أن هذا سيحدث ..وزوجها بالأمس سألني نفس السؤال الكريه ..من يعلم ربما قريباً سيحرموننا من التواجد في بيت أبينا"
تدخلت سَبنتي وهي تقول بجمود: "لم يعد بيت أبيكِ.. إنه بيت خالد"
ادعين الصدمة وهن يشهقن بعنف …بينما قالت شذى بأنفة: "بيت خالد وغداً بيت أولادكِ ومن يعرف ربما عقب حملكِ ستمنعيننا من دخول المنزل!"
تنفست بعنف وحدة وهي تشيح بنظراتها بعيداً عنهن.. وصلت بدور للأسفل ووضعت حذائها ترتديه بخفة وهي تستند على سور الدرج وتقول: "أتركن الفتاة لحالها ..وأخبرنني ما سبب تجمع طلتكن البهية الآن؟"
جلست مريم وهي تسند بطنها المنتفخ بيد ويد أخرى ظهرها ..ورغم التعب الواضح عليها كانت تقول: "أختكِ حدثتنا ليلة الأمس وأخبرتنا عن أمر عاجل وجب التحقيق فيه"
رفعت حاجباً بارداً وهي تسأل مكفهرة: "أي أمر الذي استحق قدومكِ في السابعة والنصف صباحاً ..تجرين طفليكِ المسكينين وبطنكِ أمامك يتدلى مهدداً بالانفجار؟!"
توسعت ابتسامة مريم وهي تقول بصفاقة مشيرة نحو عنقها وصدرها: "العلامات المميزة التي في صدر زوجكِ يا متوحشة وأنا من ظننتكِ مسكينة؟!"
شهقت سَبنتي بقوة وهي تزيح يد نوة تغطي وجهها بيديها بحياء..
بينما تضاعف حجم عينيّ بدور الواسعتين تحدق فيهن بصدمة: "لا أستوعب حقاً …لا أستوعب …إلى أين وصل بكن حد الوقاحة"
اقتربت منها نوة تتسلل كالنشالين وقبل أن تدرك ما تنويه حتى كانت تسحب ياقة قميصها وتهتف كمن ضبط مجرماً خطيراً: "الأمر كان متبادلاً ..وأنا من ظننتهما عاقلين جامدين ومترفعين.. أنظرن.."
دفعت بدور يديها بحنق ثم أعادت هندمة ملابسها ..بينما سمعت شذى تسأل بفضول: "هل أنتما من ذلك النوع؟! استغفر الله.."
صرخت سَبنتي وهي تهرول نحو غرفة الطعام تهرب من هنا: "يا إلهي لا أصدق وقاحتكن …لقد أسقطتن أبى الروحى من نظرى للتو .. إياب ..حبيبي.. إياب"
انحنت مريم من جلستها على المقعد جانب باب المعيشة وصاحت: "سَبنتي خذي طفلاي في طريقكِ ..لقد نسيت أن أنبه السائق ليعود إلى هنا"
زجرتها بدور بنظرة حادة وهي تقول بشرر: "وما الذي جاء بكِ أصلاً؟ وكيف سمح لكِ زوجكِ بالقدوم؟!"
قالت في برود: "إيهاب في رحلة عمل بالخارج وسيعود اخر النهار "
صمتت قبل أن تتابع بعينين تلمعان فضول: "وأتيت لأرى بنفسي ما شرحته نوة ..وآخذ منكِ الطريقة حتى أجربها مع إيهاب"
صمتت من جديد تأخذ نفساً متهدجاً تقاوم التعب وتتظاهر بالمرح والتلاعب ..تابعت سؤالها ببراءة: "أنتِ لستِ أخت أنانية وستشاركيننا المعلومات بالتفاصيل المملة ..صحيح يا بطل؟!"
ظهرت ملامح الغباء على وجه بدور بشكلٍ لحظي قبل أن يفضحها وجهها وهي تفرد كفيها بعجز: "ومن أين عرفتن بطل هذه؟ هل تراقبنني أم ماذا؟!"
ردت نوة وهي ترقص حاجبيها: "نطمئن عليكِ يا بطل .الأخوة قبل كل شيء ..يا شرسة"
نصبت بدور ظهرها بأناقة ثم وضعت ذراع فوق الآخر على صدرها وأخذت تحدق فيهن ببرود بحت…
سمعت شذى تقول: "إلى أي مدى أصابت زوجها؟!"
امتعضت قبل أن تضيف بهمس متآمر: "وأنا من ظننته نمراً مسيطراً ..اتضح أنه قط يخرخر بين يديها"
نفت نوة وهي تقول بحماس: "لا, علامات الحب فوقه تدين بدور هانم أكثر منه …لقد كانت كثيرة ووو…"
"نوة هل تأملتِ صدر زوجي بهذا الحماس والدقة والإعجاب؟!" قاطعتها بدور بصوت خطر رغم هدوئه
تلعثمت نوة وهي تنظر إليها وكأن دلو من الماء سقط فوق رأسها..
صاحت بحرج وحنق: "لقد كان يتنقل في المنزل عارياً كطرزان، أي لا ذنب لي ..عليه أن يحترم المنزل وساكنيه"
رغم ابتسامتها الداخلية التي كادت تجعلها تنقلب ضحكاً لوصف طرزان الذي تناديه به ساخرة في بعض لحظاتهما العاطفية… إلا أنها قالت ببرود: "لم تكن ليلتنا الأولى في المبيت هنا ..والمنزل لا يوجد به إلا أنا وسبنتي ..على كل حال سأنبهه"
جذبت نوة ملابسها لأسفل وهي تقول بحزم مضحك: "سيكون هذا أفضل"
تابعت بدور وهي تقول بصرامة: "وستشطبن تلك الأسئلة السخيفة حول علاقتي بزوجي من رأسكن ..نحن لسن مواضيع للتسلية النسائية"
عقدت شذى حاجبيها وقالت بتعجب ساخر: "هل قالت أختكن زوجي ..ماذا بعد هل ننتظر أن تخبرنا بحلالي؟"
صاحت مريم معترضة بنبرة يتصاعد فيها الوجع رغم العبث: "اخرسن ..وأنتِ أخبريني حالاً بالتفصيل عن عضات الحب هذه، أنا أتيت للتعلم وسرقة المهارات السرية"
أردن الضحك الآن إلا أن مظهرها المرتجف كطفلة صغيرة تتوجع وترفض إخبار والديها حتى لا يحرموها من رحلة الملاهي ..كان يبدو للأعمى…
تساءلت نوة بقلق: "بماذا تشعرين؟"
لهثت مريم: "بخير ..هيا اجلبي بدور من شعرها واجعليها تضع تقريرها كما وعدتِ"
قالت بدور ببرود: "مريم لا تجبريني أن أركلكِ كالكرة حتى منزلكِ"
أثناء قولها كانت سَبنتي تمر من أمامهن تحمل إياب بين ذراعيها.. وصغيريّ مريم يجاورانها..
كان ما يحدث عبثاً كما تجمعهن هناك ضجة وصخب لا يعلمون أسبابه ..كما أسباب غضب شذى وعدائيتها النادرة عندما قالت مهاجمة: "أنتِ ضعي الفتى على الأرض ..ربما تكونين حاملاً.. هل تريدين التخلص من الجنين كما تسببتِ في تطفيش أبيه؟!"
اعتدلت نوة تصرخ في أول رد فعل: "شذى احذري "
واكتفت بدور بإمالة رأسها وهي تنظر إليها بعتاب..
بينما جمدت سَبنتي ..توترت ..غضبت وكرهت ..ثم صاحت بعنف أجفل الصغار حولها: "كفى ضغطاً عليّ ..أنا لستُ حامل ..لستُ حامل ولن أكون أبداً.. أقولها لكِ بأي لغة لتفهمي …وكيف أكون وأخوكِ ركلني عند أول عقبة ناجياً بنفسه كما عادته؟!"
ساد صمت طويل بينهن عقب جملتها .بينما هي تتنفس بحقد وغضب …حتى ساد هرجٌ من نوع جديد عندما صرخت مريم صرخة أفزعتهن: "أنا ألد.."
تصاعد الموقف حدة وتسارع جنونًا.. يدرن حولها بعجز وكأنهن لم يلدن قبلاً.. انضمت منى إليهن مهرولة من الأعلى على صرخة مريم …كما وجدت راشد يقف فوق رؤوسهن يتابع الموقف بتعجب من شكلهن المضطرب لحد يثير الضحك..
:-"إيهاب.. أريد إيهاب.. لن أضع الطفل بدونه"
شذى ونوة حولها يهدآنها ..بينما منى تمسك بيدها وتعيدها للجلوس قائلة بصوت هادئ: "تماسكي هذه ليست مرتكِ الأولى ..تعلمين أنكِ ستأخذين ساعات"
أمسكت مريم بيديّ منى تكتم وتكتم أنفاسها اللاهثة وصرخاتها المجنونة ..حتى خرجت أخيراً بفزع: "المرة الأولى ..لم ينفجر الماء منذ أول صرخة يا زوجة أبي ..ساعديني"
ارتبكت منى قليلاً فقط قبل أن تنظر لبدور التي ارتبكت وهي تحيط بطنها بكفيها وكأنها تذكرت الآن مدى وجع مراحل الولادة …أحست بيده تمسك بكتفيها داعمًا.. بينما يوجه أمراً صارماً: "سَبنتي خذي الصغار واذهبي من هنا ..لا نريد أن نفزعهم دون داعي"
نفذت سَبنتي على الفور وإن احتاج منها الأمر مجهود هائل لتقنع ليبرتا الفزعة الباكية أن والدتها ستكون بخير بعد قليل …بينما إياس فهو كالعادة متفهم لحد يثير الغبطة!
استطاعت أن تقول بدور أخيراً: "راشد يجب أن ننقلها للمشفى ..ولا أظنها تستطيع التحرك دون مساعدة"
لم يفكر مرتين وهو يندفع نحوها …فأفسحن النساء له مكان على الفور ..وفور أن امتدت يداه وانحنى بطوله ليوزانها …صرخت مريم بجنون: "إن وضعت إصبعاً واحداً عليّ يا طرزان سأقطع يديك"
رفع راشد حاجبيه ببرود رغم دهشته من عدائيتها ..ومهلاً التفت نحو بدور بوجه مكفهر وهو يقول من بين أسنانه: "طرزان؟!"
حركت كتفيها بلا اهتمام وهي تقول ببرود مشيرة بيديها لنوة: "الهانم كانت تريد إقامة حفل نميمة على شرفك"
وأكملت بخبث: "امممم ما رأيكن أن تسألنه بأنفسكن عن ما تلك ال….."
صرخت نوة مقاطعة محتقنة: "راشد دعك من زوجتك المجنونة ..وساعد أختي"
قالت شذى بدهشة: "هذه المرة الأولى التي تنادينها بأختي"
ردت نوة بغيظ: "وهل كان يجب أن أقولها؟ ماذا عن علاقتنا بها كل هذه السنوات؟ أكنت أعتبرها بنت عم عبده البواب؟!"
صرخة مريم من جديد أفزعتهن ووجدت نفسها تلقائيًا تمسك ساعد راشد القريب منها وتغرس فيها أسنانها مزمجرة بغل …بينما هو بالكاد يكتم صرخة صدمة مجنونة حتى لا يحرج نفسه أمامهن…
تراجعن النساء خطوات حتى بدور التي كان ينظر إليها متوقعاً أن تهب لمساعدته
"غدارة" هدر بينما ساعده معلق بين أسنانها
قالت بدور معترضة: "أنت رجل تتحمل، بينما أنا أنثى ضعيفة مسكينة"
وضعت نوة يدها على صدرها وهي تقول بسخرية لاذعة: "أنثى وضعيفة ومسكينة ..أرجوكِ سأبكي قلة حيلتكِ"
تركت مريم يد راشد أخيراً وهي تصرخ بعواء الذئاب: "أنتم يا عائلة المجانين.. أنا ألد تصرفن بدلاً من وجودكن الخائب الذي لا يحل ولا يربط"
كان راشد يمسد ساعده مكان عضتها بينما يقول بصبر: "دعيني أساعدكِ يا مريم"
تراجعت في مقعدها من جديد وهي تقول باشمئزاز مضحك: "أنت آخر رجل قد أسمح له بوضع إصبع واحد عليّ"
لوى طرف فمه باستنكار ..ثم قال: "مريم متى كانت آخر مرة نظرتِ لنفسكِ في المرآة؟"
حاولت بدور كتم ضحكتها وهي تقول: "أزال إيهاب كل المرايا.. لأنها كلما مرت بجانب إحداها فزعت من شكلها"
صرخت مريم: "أكرهكِ أكرهكِ يا بدور ..أريد زوجي"
جلس راشد على ساقيه أمامها ثم قال بصبر: " لقد اتفقنا بأني مكان خالد, أليس كذلك؟"
لهثت مريم وهي تنظر إليه بعينين مجنونتين ..هي لن تنكر ثقتها به ولكن ليس لحد أن تسمح له بحملها بين ذراعيه!
:-"لن يحدث ..لن أسمح لعابث مثلك أن يحملني"
ها هى قالتها بوقاحة؟!!
امتعض راشد وهو يقف من مكانه ناظراً إليها ببرود مستنكر ثم قال متواقحاً أيضاً: "لن تسمحى لماذا ؟!.،،انظري بعينيكِ للفرس التي كانت بين ذراعيّ طوال الليل…ثم انظري لمظهركِ المتدحرج.. الأمر أشبه أن تأكل علبة من الحلوى وحدك ..ثم تختمه بأكل البصل"
رفعت بدور حاجب متوعد متذكرة موضوع البصل ذاك!
وردت نوة محتقنة كما احتقان وجوه أخواتها بالحرج " هااا هي أنتِ راقب تصريحاتك !"
تولت بدور الرد وهي تقول ببرود " أستحققتن رده الأذع ..الم يأتي الجميع من أجل معرفة الأحداث الخطيرة ..ما رأيكن أن أجعله هو من يشرح "
توسعت عينى نوة بذعر وهبت شذى تجرى مكانها كدجاجة داخه دون هدف …
وخبطت منى وجهها بيأس متميز غضباً
بينما صرخت مريم وصرخت بأجابة غير منطقية لراشد : "احترم نفسك أنا ناعمة إيهاب ..أنا مريم المدللة.. أنا…"
صمتت قبل أن تنفجر في البكاء وهي تقول: "أنا أصبحت ككرة جوارب ليس لها ملامح ..يا خسارة جمالكِ ورشاقتكِ يا مريم"
هدرت منى أخيراً: "راشد احملها رغم أنفها ودعنا نتحرك ..نوة وشذى أخرجا ودعا الحراس يجهزون السيارات عاجلاً.. وبدور أنتِ ستبقين هنا ولن تأتي معنا"
استطاع راشد بعد مقاومة مضنية من مريم أن يحملها ..بينما تحركت بدور لترمي فوقها شال ضخم …وأعلنت رفضها وعدم قبولها بعدم الذهاب بهدوء شديد..
تحرك راشد بها أمامهن رغم أنها لا زالت مصرة على مقاومته عبر ضربه بيديها على كتفيه وهي تهدد بغضب: "لا تحلم بأنها ستمر، سأخبر إيهاب أنك حملتني رغماً عني"
نظر إليها ببرود لحظي قبل أن يهدد وهو يدفعها بعيداً: "إن لم تسكتي وتركزي في ولادتكِ.. سأرميكِ لتلدى بجوار السور كما القطط "
وجدت نفسها تتشبث في ذراعيه برعب ..تطلب الحماية والمساندة …ولأول مرة من فترة كبيرة ورغم الفوضى والألم الذي تعيشه.. وجدت مريم أن عالمها يتوسع بعيداً عن إيهاب وخالد …هي لم تعد ترهب الرجال، ولم تعد تراهم وحوشًا ضارية إن مروا من جانبها سيفتكون بها لا محالة…
وعندما وضعها راشد في المقعد الخلفي وصعدت زوجة عمه جانبها تمسكت مريم في ساعده بعنف تطلب بتوسل لم تحتاجه: "أرجوك أريد أيهاب ..لن أستطيع فعلها دونه .."
" سأحدثه في الحال خلال سويعات قليلة سيكن هنا أعدك "
اعتصرت يده بحرقة قبل أن تهمس من جديد بأختناق
" وحتى يصل زوجى لا تسمح لأي رجل بلمسي حتى وإن كان طبيباً ، هل تفهم "….
ابتسم لها وهو يربت على يدها ودون كلمة أخرى صعد للمقعد الأمامي ليرافقها ..ثم استل هاتفه بعد أن تأكد من لحاق بدور وأخواتها بهم ..ليجري مكالمة عاجلة بزوجها



يتبع الأن



Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 11:53 PM   #10634

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
افتراضي

الفصل السبعون المشاركة "٣"

فجر اليوم الثانى



قبلاته الملحة انهمرت على وجهها من جديد، ولم تحدد إن كانت قبلات شوق، أم ابتزاز عاطفي مدروس أصابها بالوهن، والخضوع لأمره أن لا حمل آخر تخطط له سواء اتفقا أم لا…
"إيهاب لقد مر الأمر وأنا والصغير بخير" همست من بين قبلاته بصبر الجبال الذي تعلمته على يديه…
أحاط وجهها بكفيه وأسند جبهته على جبهتها ثم هتف بصوت أجش متصلب: "حمداً لله …لن تفعليها من جديد.. هل تفهمين.. لن أخاطر بكِ مرة أخرى"
تنهدت وهي تجيب بتعب مبتسمة: "ألا ترى أنك تبالغ قليلًا، إن سمعك أحد لضحك على هشاشتك تجاهي، هناك عشرات النساء اللاتي يلدن كل دقيقة؟!"
شدد على وجهها بين كفيه بينما أصابعه تمسد علامات الإرهاق على وجنتيها: "وما لي ومال النساء… كل من يهمني من الدنيا هو سلامتكِ أنتِ يا ناعمة"
أمالت رأسها داخل كفه ويدها تتشبث في ساعديه تجبره على الراحة جانبها حتى استقرت بين ذراعيه مغلقة العينين, مبتسمة الوجه بتعب, راضية: "أعدك أن لا أتسبب في إرهاق قلبك من جديد"
شد إيهاب جسدها على صدره وبدأ في تدليك ظهرها وكتفيها ببطء وشفتاه مطبوعتان أعلى رأسها لا تتركها…
لقد وضعت قبل الموعد المحدد، أو كما قالت الطبيبة ربما حسبتهم كانت خطأ منذ البداية ..لهذا ذهب في رحلة عمله رغم تردده بعد أن شجعته هي مطمئنة أن أمامها وقتًا كافيًا قبل الولادة..
تصلب جسده من جديد وهو يتذكر كيف كان عقله سيشت ألماً وذعراً عندما أتاه الاتصال بوضعها لمولدهما وهو بعيد عنها لأميال.. يفصله ساعات من الطيران ..يقتله ندمه.. عارفاً أنها في أمس الحاجة إليه.. ومن سواه تطمئن له صغيرته وتقوى به..
حمداً لله ..حمدًا كثيرًا طيباً، لقد منّ الله على قلبه ومنحه عطية أخرى بالتواجد جانبها عندما حانت ساعة إنجاب الصغير للحياة, فساعات المخاض طالت من الصباح حتى مساء نفس اليوم…
عندما وصل للمشفى وجد الجميع معها يجاورونها.. ولكنه يعلم أنها كانت تنتظره وحده ..وقد فعل كما ولادتها التوأمين أمسك بيدها وأخذ كل صراخها ومعاناتها داخل قلبه حتى صرخ مولوده صرخته الأولى…
سمعها تئن بصوت مكتوم وهي تطالبه بوهن: " هل يمكنك تحريري قليلاً، لم أسترد عافيتي بعد"
أبعدها بحذر ورقة وعدل الوسادة تحتها وأراحها ودثرها بالأغطية جيدًا.. ابتسمت تلك الابتسامة التي تكفيه وتمحو كل قلقه وهمومه ..فمجرد النظر لوجهها المضيء بالسعادة يمنحه متعة صافية وتسكن قلبه السكينة والفرحة..
أمسكت مريم يده ووضعتها تحت وجنتها تسأله برقة: "هل رأيت كيف استحق يحيى المجازفة؟!"
حرك أنامله يزيح خصلات شعرها برفق للوراء ..ويده الأخرى ترفع كفها ليقبل باطنها: "يحيى وأم يحيى وإياس يستحقان روحي وليس المجازفة بأعصابي فقط"
تنهدت وهي تزحف مقتربة من حدوده ورفعت يدها تحيط خصره وهي تقول بخفوت: "وددت أن أضم ثلاثتهما لقلبي وأنتَ معنا في التو واللحظة "
ارتخى جسده من أجلها يهدهدها بحنانه حتى تراخت تمامًا طلباً لبعض الراحة كما أوصت زوجة أبيها التي خاضت معهما شجارًا تقريبًا حين أصرت أن تعود معها للمنزل الكبير لتعتني بها هذه المرة هي وأخواتها في فترة النفاس ..لقد رفض كلاهما، وأصر هو كما السابق أن يرعى صغيرته وأطفاله حتى يشتد عودهم كما حدث بعد ولادة إياس وليبرتا..
ولكنه انهزم في النهاية وخضع بكل أسف لنفسه ورضا قلبه، والسبب لم يكن زوجة أبيها وبناتها، بل مريم نفسها التي أخبرته ببعض التردد أنها ودت لو خاضت تجربة أن يكون لها عائلة تهتم بها غيره..
وكيف يحرمها من أمنية هو بنفسه من دفعها لتحصل عليها… وها هم الآن في غرفة بقصر الراوي.. غرفة واسعة مجهزة بعناية وقد قالت منى القاضي أن من خصصها وجهزها أخوها من أجلها، كما تملك كل واحدة من أخواتها غرفة خاصة فيها حتى اليوم..
:-"أحصلي على قسط من الراحة الآن، وعندما تستيقظين ستجدينا جميعًا حولكِ"
أسبلت جفنيها وهي ترتخي مسلمة نفسها بين يديه بكل راحة واطمئنان العالم، ومنذ متى احتاجت أن تخاف، أو تقلق على أي شيء بالدنيا طالما إيهاب معها ويجاورها ..إيهاب هنا معها ويحبها، هذا يعني في دنياها الصغيرة أن كل شيء بخير، أن الدنيا وكل من عليها وما فيها بكل إغراءاتها لا تساوي جناح بعوضة..
غمغمت برقه تذيب الحجر: "العالم كله أرضاني وأكرمني ومنحني كله كنوزه وكل غاياته وانتصاراته ..عندما منحني إياك يا حبيبي"
أسبل جفنيه وفكه يهبط فوق رأسها يقبلها برقة وخشونة وفرط من العجب لا زال يتمكن منه كل حين..
(أجنية هي أم ملاك حصل عليه ليطبب قلبه ..بل هي عطية ..عطية تخبئ بداخلها كنوزًا من البذخ كلما تغلغلت داخله و في أوردته، أزهرت بالحب والفرح.. ابنة قلبه، وصديقة مخاوفه وصاحبة رحلته، ومكافأته.. حتى الطفل الذي راوغته لتحصل عليه، أتى ليتمم سعادته، وليجعل كل هواجسه تستكين ولتؤكد الأمر اختارت أن تمنحه اسماً من الحياة، ليحيا قلبه بالإيمان والثقة في كل ما يكتبه رب العباد ..اسماً سماه الله تعالى من فوق سبع سنوات...
(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا)
لقد فجاءته دلوعته من جديد أنها تستخدم عقلها في أبعاد فلسفية وثقافية وبالطبع إيمانية…
وعند هذا الخاطر وجهه ابتسم تلقائياً مع إحساسه بأنفاسها التي انتظمت فوق قلبه.. أرحاها من جديد برفق مقبلاً رأسها وكفيها …تاركها على مضض ليذهب لتوأميه يطمئن عليهما ويريهما أخيهما كما وعد بعد سطو بنات الراوي عليه متحججات بالاهتمام فيه حتى تنال والدته راحتها.
**********
عندما خرج من الباب لم يحتر في التقدم وأخذ خطواته في المنزل رغم دخوله إليه بكل مرة لم يتخطى غرفة الاستقبال من قبل ..والآن وجد أولاد الراوي يفرضون عليه اندماجه بينهم بل واحتسابه فردًا أصيلاً منهم وليس مجرد زوج لأختهم غير الشقيقة.
اندفعت ليبرتا على الفور عند قدميه باكية: "بابا ..خالتي نوة رفضت أن أحمل الصغير"
أخذ ايهاب نفساً عميقاً، ثم رفعها للأعلى مقبلاً وجنتها مراضياً وهو يقول بهدوء: "خالتكِ محقة، أخوكِ صغير جداً ويحتاج لرعاية خاصة"
عقدت حاجبيها عن غير رضا ..وكورت فمها الوردي ساخطة: "ولكنه ابن مريم، وليس ابنها ..لماذا تحمله هي؟"
ضحك وهو يستفهم مازحاً: "ابن مريم؟!"
أجابته على الفور وهي تحيط بيديها الصغيرتين وجهه: "النونو ابن مريم وحدها، أنت لن تحبه مثلما تحب لوليتا، أنا وحدي ابنتك المفضلة"
قرب إيهاب فمه من أذنها وهو يقر دون تردد: "بالطبع أنتِ حبيبتي المفضلة ..وابنتي المفضلة على العالم أجمع…"
ابتسمت أخيرًا وضاع العبوس كما مُحِيت الدموع ..وهي تحرك رأسها للخلف تنفض شعرها العسلي الغزير بغرور ..ثم قبلت وجنته بقوة ..وهمست تمنحه الإذن: "يمكنك أن تحب أخي الصغير، فأنا أحبه أيضًا لأنه كان يلعب معي وهو في بطن مريم، هو يحبني أكثر من كل الأطفال, أليس كذلك؟!"
اندفع إياس نحو والده عندما خرج من غرفة جانبية بدا أنها خصصت لضيافة صغاره: "أنتِ حمقاء، يحيى لا يحبكِ، ولا يعرفكِ فهو ما زال صغيراً"
هزت كتفها تفرك يداً فوق الأخرى بإغاظة: "أنت الأحمق تغار لأن الجميع يحبوني وحدي"
رد إياب ببرود وهو يضع يديه في جيبي بنطاله وقد أتى في أثر إياس: "أنا لا أحبكِ لوليتا المزعجة"
نشجت سريعًا وهي تنظر لإيهاب بتحايل: "ابن ماما بدور مزعج، اجعله يحبني"
ضمها إليه ثم انخفض وحمل إياس على ذراعه الآخر كما اعتاد أن يفعل حتى لا يشعر أحد أطفاله بعدم العدل أو النقص في حبه تجاهه فهما ما زالا طفلين..
ثم قال بهدوء: "إياب يحبكِ، ولكنه مثل إياس يمزح معكِ, أليس كذلك يا إياب؟!"
رفع إياب كتفيه بلا معنى قبل أن يقول: "بدور وأمل يحبانها"
ضيق إيهاب عينيه قليلًا وهو ينظر للعنيد الصغير متسائلاً من أي عجينة عنجهية خلق، ولكن عقله أجاب على السؤال دون حيرة لحظة واحدة، ابن بدور وراشد ماذا توقع غير هذه الخلطة؟!
"هل يحيى هنا؟!" سأل صغيريه بجدية، فأشارا في وقت واحد نحو الباب…
قال إيهاب بصوت أجش وقلب غارق في سعادة يرجف رجفاً ابتهالاً ونهماً لرؤية منحة الله له: "سنذهب لرؤية السيد يحيى وقد يحالفنا الحظ وتسمح لنا خالتك بحمله"
هلل صغيريه للفكرة، وسمع صوت إياب الذي يتابع خطواته يسأله بتحايل: "هل يحق لي حمله مثلهما؟"
أجابه إيهاب على الفور: "طبعًا يا سيد إياب، فهو أخوك أيضاً"
صفق إياب بسعادة متقافزاً وراءه، ثم هتف من جديد: "شكراً لك, سأسمح لإياس ولوليتا المزعجة أن يلعبا بأختي عندما تخرجها بدور من بطنها"
توقفت بدور مكانها وهي ترفع بيدها زجاجة حليب والتي أعدتها في ركن صغير في الدور العلوي خاص بتجهيز المشروبات والمأكولات الخفيفة …قالت بملامح مذهولة قليلاً وهي ترفع حاجبيها للأعلى: "تصريح غير مطمئن يا إياب"
ابتسم إياب في وجهها بوداعة، مما دفعها لأن تقترب منه في خطوة تخطفه على قلبها: "لا عليك فدائك، أنت مصرح لك فعل كل ما تريده"
حدق فيها إيهاب بصدمة قبل أن يقول مازحًا: "كأب يعاني مع شقيقتكِ ويعرف جيدًا تطرفكن, عليَّ أن أحذر راشد مما قلتِ"
شمخت برأسها بأناقة لم تتوافق مع نبرتها المازحة وهي تسأل: "راشد وأبنائه، أم مكانتي عندك؟"
ابتسم بوقار مجيباً بصوت قاطع: "مكانتكِ عندي لا أزكيها بأي علاقة أخرى مهما بلغت مكاسبها الإنسانية والمادية"
ردت بدور باتزان: "تحمل نفس المكانة عندي يا أبا إياس"
هتفت ليبرتا منزعجة تقطع الحديث: "ولماذا لا يكون أبا لوليتا، إنه أبي أيضًا"
أجفلا من السؤال الذي ينبئ عن ثورة نسائية في الجيل الجديد وكأنه لم يكفيهم ثورة جيل الأمهات…
قبل أن يجيبا شبّ إياس معترضاً: "لأنكِ تأخذين الدلال كله وحدكِ من أبي وخالي والعم راشد أيضًا ..لا تكوني أنانية يا لوليتا"
أجاب إيهاب وهو يحركهما للأعلى مطلقاً نفساً مستغفراً، وقد ثقلا على يديه: "أبو إياس وأبو لوليتا والصغير الجديد، ثلاثتكم مقربين لقلبي ومدللين بالتساوي"
رفعت بدور حاجبيها وهي تقول: "كلاهما لديه وجهة نظر، ولكن لوليتا حجتها أقوى"
نفخ إيهاب قبل أن يقول بصبر: "بدور الرحمة بي قليلًا، فأناً والله يائس مع الفتاة ووالدتها، فأرجوكِ طالبي بقضيتكِ الأنثوية مع زوجكِ، فهو يستحق هذا الإزعاج"
نظرت في وجه ابنها الذي بادلها نظرة لمعان مهتمة: "زوج خالتك لديه حق، سنخطط لإزعاج أبيك الليلة، ما رأيك؟"
هلل إياب بحماس: "موافق, خالي غادر ولم يعد إزعاجه ممتعاً, فلنفعل إذاً"
أشارت بدور نحو الباب تسمح لإيهاب بالدخول بعد ما تأكدت من ارتداء نوة ووالدتها لحجابهما وأجابت ابنها ممتعضة بسخرية: "إن نويت ووضعته برأسك كما خالك فعلينا حجز تذكرة السفر منذ الآن"
تمرد وحرر نفسه من بين ذراعيها.. ولم يعجبه ردها، أو ربما لأن حمل الصغير أغراه عندما راقب إيهاب يجلس على مقعد هزاز.. أفسحت له نوة مكانها ودعته للجلوس لتضع الوجه الجديد بين يديه…
ضمه بحنو ثم رفعه برأفة نافست رأفة العالم ..أذَّن في أذنه من جديد وقد فعلها في المشفى سابقًا..
ثم همس لسانه بالحمد لله سراً وجهرًا: "تستحق المجازفة وتغفيل أبيك، يا سيد يَحْيَى"
مشاعر الشوق ولهفة الترقب ..أحاسيسه المختلطة ما بين الفرح والخوف ..رعبه وفخره وشعورًا آخر كان قلبه يرجف له رجفاً كل لحظة يراها تتهادى أمامه وطفله في بطنها لتسعة أشهر ..أشياء ومشاعر هو حتى لا يستطيع وصفها ..كل هذا استحق كما قالت ناعمته ونبض قلبه الذي به يحيا..
تكلم إيهاب أخيرًا بنبرة خافتة مختنقة بالمشاعر الجارفة: "يحيى إيهاب زيدان، هذا اسمك وقد منحته لكَ والدتك ولم أجادلها فيه.. مبارك لك ..لأنك أتيت تُحيي داخل والدك ثقة في سعادته الكبيرة بكم، وتهزم خوفًا من موت لا يتركه ليهنأ بنعمتكم، لقد أحييت بداخلي يا يحيى الرضا بكل القادم مهما كان مجهولًا"
دمعت عينا نوة بتأثر وهي تسند رأسها على كتف بدور وهمست بصوت منخفض جدًا: "أختكِ المجنونة يبدو أن لديها حق بالنهاية، فزوجها كمن لم يجرب معنى الأبوة من قبل"
زفرت بدور وعيناها لا تتركان حصار إيهاب الذي بدا في دنيا غير دنياهم: "أنتِ لا تعرفي شيء مما عاناه هو قبلها، لقد جاهد كلاهما ليستحقا هذه السعادة"
وقف إيهاب من مكانه متحركاً للأمام وهو يستأذن السيدة منى لسيصطحب الصغير مع الطفلين ويذهبون لمريم كما طلبت لتجدهم بجانبها عندما تستيقظ.. ليجتمعوا لأول مرة كأسرة تمم نورها درتهم السيد يحيي إيهاب زيدان القادم الجديد بكل الخير كما يتعشم..
***********
لم تكد تغلق الهاتف وتلتقط أنفاسها التي أجادت وضع الحزن المخالط للغضب فيها …إلا ووجدت الأسئلة تنهمر عليها من كل جانب:
"هل سيأتي؟!"…"هل أقنعته؟!"…"بماذا تحجج؟!"... "مؤكد لم تفلح لعبة الأخت منكسرة الخاطر ..إذ أن والدتنا بنفسها لم تقدر على إقناعه للعودة"
نظرت مريم للوجوه الأربعة بامتعاض ..وهي تخفض هاتفها لتضعه بجوارها ثم قالت بغرور وثقة: "سيأتي قبل أن ينتصف النهار"
تبسمت بدور وهي تقول: "لم يكن عندي ذرة شك واحدة فيكِ"
ردت مريم بفظاظة: "قدراتي المبهرة على الإقناع لم تكن السبب, أخيكن لديه عقدة تخييب الظن خاصة تجاهي، وأنا لعبت على هذه النقطة جيداً، بإخباره عن مدى خذلاني وحزني حين لم يأتي فور سماعه عن ولادتي وقد مر أسبوع كامل من حينها "
وضعت شذى ساق فوق الأخرى ممسكة بطبق فنجان القهوة بيد وباليد الأخرى تمسك أطراف الكوب، قالت بفتور: "فليزف أحدهم الخبر للمدللة, ها نحن أتينا به فلترينا كيف ستبقيه"
اعترضت بدور: "هل أتى لتفكيرك للحظة واحدة أن هذا سيفلح ..ولماذا عليها هي أن تعتذر؟"
قالت شذى مندفعة: "لأنها أخطأت"
هدرت نوة بقوة: "كلاهما أخطأ.. وإن كان جرم أخيكِ أكبر"
وضعت مريم يديها على صدرها: " تذكرن أني في فترة النفاس يا مجموعة من المجذوبات والانفعال ليس في صالحي"
بينما وقفت شيماء أخيرًا تتلمس عكازها تحيط بطنها بيدها الأخرى ..ثم وضعت كلمتها من بين أسنانها بشراسة: "سَبنتي لن تعتذر لأحد، أردتن أخيكن ها قد عاد، ولكن لا تجرؤ إحداكن وتدخل صديقتي بالأمر، بالكاد تتلمس طريق التعافي لتصلح حياتها"
تنهدت مريم وهي تمسك بيد شيماء لتطيل جلستها معهن …فقالت: "لقد حايلناه ليأتي لهذا الهدف يا شوشو، معافاتها معه"
أغمضت شيماء جفنيها وهي تأخذ نفساً طويلاً حتى لا تنفعل عليها فلا ذنب لها.. مريم مهما اندمجت معهم تظل جاهلة بالكثير من حقائق الأمور ..لا تعرف عمق المأساة عند سَبنتي، والآن اتضح أن لا أحد يفهمها سواها!
"إصلاح حياة سبنتي لا يملكه أحد إلا سَبنتي نفسها.. ثقي بِي يا مريم بعد المشكلة الأخيرة وابتعاد خالد عن سَبنتي رحمة بها"
قالت نوة معاتبة: "ألستِ قاسية قليلًا في حكمكِ على أخيكِ؟"
رفعت شيماء يدها بحزم وهي تجيب: "أنا صريحة ومباشرة, لا أحاول تجميل الحقائق وإلباسها ثوب البراءة يا نوة، أخوكِ كان يعلم علتها وضغط عليها بكل جبروته، سواء قصد أم لا تبقى النتيجة واحدة …أستأذن منكن"
غادرت على الفور قبل سماع إجابة منهن ولكم تمنت أن تحذر سَبنتي وتخبرها أن لا تعود للمنزل من الأساس، ولكن بالنهاية عندما استقبلتها والدتها وأراحت رأسها داخل حجرها مهدئة مخاوفها التي تتزايد كلما اقترب موعد ولادتها ..العاطفة غلبت العقل وقررت أن لا تتدخل في الأمر من الأصل وتترك الصدفة البحتة تأخذ مجراها…
*********
وضعت سَبنتي حقيبتها على الطاولة التي تتوسط غرفة المعيشة..
تنظر لقامة راشد الضخمة وقد تمدد على الأريكة بكل أريحية، متظاهراً أنه متعب ويحتاجها في استشارة طبية عاجلة وسرية لأنه لا يرغب في إفزاع زوجته!!
اقتربت تقف فوق رأسه وهي تقول بغيظ: "وجهك تتقافز منه الدماء قفزاً ..أين أثار المرض إن شاء الله؟!"
رفع حاجبيه وهو ينظر إليها بتسلي ثم أجاب: "ألا يحق للأب أن يتدلل على ابنته حتى يرى في عينيها القلق وتسمح له بالتمتع بصحبتها لسويعات؟!"
كزت على أسنانها تقبض يديها بقوة ..ثم صرخت: "آباء آخر زمن! تكذب مدعياً المرض كالصغار، من أجل أن تراني, لماذا لم تخبرني بهذا مباشرة؟!"
اعتدل راشد ووضع الجهاز الإلكتروني للتلفاز جانباً …ثم جذب يدها لتجلس فوق ساقه ..اعترضت ولكنه راضاها وهو يقول بحنان: "لأن حسكِ بالمسؤولية أصبح مستفز قليلًا ..كنتِ سترفضين البقاء معي الليلة وترك زوجة عمي"
نفخت شفتها العليا بغير اقتناع ..تسأل بشك: "إن كنت تحتاج للصحبة لماذا لم تسأل زوجتك القدوم؟"
أجاب بصبر: "صُحبة زوجتي شيء ..واحتياجي لابنتي شيء آخر, لذا لا تخلطي العلاقات ببعضها"
قالت بفظاظة: "أنا لا أفعل ..كل ما هناك أني ضجرت من محاصرتك لي"
حدق فيها عابسًا للحظات.. ثم دفعها عن قدميه وأمرها ببرود: "اذهبي وأعدي شيئاً نأكله بينما أشغل لكِ فيلم حديث اشتريته لجنابكِ خصيصًا قبل أن ينزل لقاعات العرض"
أطرقت بوجهها وكأن كلماته طعنتها في الصميم تتذكر آخر مرة اشترى لها خالد سلسلة أفلامها المفضلة…
وكأنه لاحظ وفهم عندما وجدته يقف مواجهاً ولامس وجهها بحنان: "لا تتذكري شيء الليلة، فقط سنحصل على سهرة خاصة لأب وابنته"
أومأت وابتسامة مترددة تهدهد ملامحها: "تمنيت لو أن إياب كان معنا"
حك ذقنه مدعياً التفكير قبل أن يقول غامزاً: "إياب وأم إياب سيكونان هنا خلال ساعة ..تمنيّ وأنا عليّ التنفيذ"
قفزت تستند على ساعديه وقبّلت وجنته بقوة حماسية: "وأنا سأعد لكَ وجبة لن تنساها"
ربت على رأسها من الوراء وهو يشير نحو المطبخ: "هيا أريني مدى مهاراتكِ"
شمرت عن ساعديها وانصرفت تصدر الضجيج وهي تنادي على مدبرة المنزل… وقف يراقبها وقد سقط قناع التظاهر رافعاً هاتفه على الفور ..تحرك في المكان نحو جهاز العرض ليجهز لها الفيلم كما طلبت..
حجته غير مقنعة لطفل صغير، ولكنها انطلت عليها ببساطة لأنها ترغب في تشتيت ذهنها ..لقد أصبحت تبتعد عن كل ما يوترها مؤخراً ..وليكن دقيق الوصف أصبحت لا تبالي, تتحرك مع الرياح كما توجهها .. وكأنها استسلمت، وما عادت ترغب في المقاومة حتى من أجل نفسها…
"هل يمكنكِ القدوم، سَبنتي ستبات هنا الليلة"
وقفت بدور من مقعدها ببطء شديد كما ارتفع أحد حاجبيها منبئاً عن خطورة مزاجها: "عفوًا، ماذا قلت؟!"
أخذ نفساً طويلاً قبل أن يجيب بهدوء: "كما سمعتِ, ابنتي معي، وقد أرسلت في أثرها فور أن علمت بوصول أخيكِ"
رمقت بدور خالد الذي وصل قبل ساعة ومن حينها يجلس محاذياً لفراش مريم كمن ينتظر حكمًا بالإعدام.. وجهه مرهق، لحيته نامية بفوضوية, عيناه غائرتان رغم البهجة التي يتصنعها داخلهما ..وبصره يسترق كل حين نظرة تمني نحو الباب.. نظرة مليئة بالشوق، نظرة تفهمها بدور وتدركها جيدًا.. نظرة ألم ..أنه لم يرها ..يؤلمه ابتعاده عنها ويعانده كبريائه ..هو يتمنى ولو طلة واحدة داخل عينيها ..إذا جاءت وطلبت بقائه سيسامحها وهذا بحد ذاته يقتله…
ابتعدت بدور نحو النافذة غير راغبة أن يسمعها أحد وهي تجيب من بين أسنانها بحدة: "لم يكن من حقك"
زفر راشد بقوة وهو يفرك جبهته بصبر ثم قال بنبرة خرجت خشنة من فرط التجهم: "حينما أوضع في اختيار معكِ أو معها، أعاني بشدة كي لا أجور على أحدكما"
سألت بدور بشك: "ما دخل هذا بسحب سَبنتي عندك حتى لا تقابل زوجها.. علهما كانا.."
قاطعها بتجهم: "لقد وضعتِ يدكِ على المعضلة، أتقبل كل تدخلاتكِ وتحكماتكِ على الرحب إلا في هذا الأمر ..أنا أطلب منكِ من أجلي لا تتدخلي مطلقًا"
قالت ببرود: "وددتُ تلبية أمرك، ولكني لا أملك هذه القدرة"
سحب نفساً آخراً مصبراً من أجلها وحرصًا أن لا يصنع مشكلة بينهما بسبب أي شخص مهما كانت مكانته ..سمعته يقول بصوت أجش: هذا ليس أمراً حبيبتي ، بل طلب أب يرغب في وضع النقاط على الحروف في حياة ابنته.. أتفهم وفائكِ لأخيكِ.. ولكن هذا لا يعني أن أتركه يجور عليها"
قالت معاندة: "راشد أنت تكبر الأمر بدلاً من محاولة إصلاحه"
هدر متسائلاً: "بدور لو كنت مكانه ،ماذا أنتِ فاعلة؟"
اشتعلت عيناها تلقائيًا بالجحيم وهي تهتف دون تردد: "لكنت قتلتك هذه المرة وقبلت العزاء فيك دون جنازة ولا صلاة"
وجد انفعاله يهدأ ضاحكاً بيأس ..كما ابتسمت شفتاها بعد لحظة الغضب: "ثقي بي قليلًا، ودعيني أحلها بطريقتي"
تنهدت وهي تخطف نظرة أخرى نحو وجه أخيها الشارد…
:-"ستأتين إذاً وإياب باكراً من أجل ليلة عائلية؟"
لم تجب أيضًا لوقت وعيناها معلقتان على جانب وجه أخيها، والقلب يتمزق بنصل حاد مشتعلاً في حرب تحديد من يستحق إخلاصها للنهاية…
وكأنه أصبح يقرأ تفكيرها ككتاب مفتوح, رتب حروفه وخطوطه عندما قال بخفوت: "ما أهدف إليه درسًا قاسيًا وأخير لكليهما، أريد أن تحارب سَبنتي قبل خالد للبقاء معاً ..وإن حاربتني أنا شخصياً.."
برقت عيناها أكثر فأكثر مشتعلة بالرفض، بالوفاء الذي لم يصدر من أحد تجاهها إلا خالد…
:-"لا تعاندي، فالأمر لا يحتمل، كما أني لا أريد بصراحة إدخالكِ في أي نزاعات"
تجهمت وهي تجيب أخيراً بفظاظة: "وطبعًا السبب عدم المجازفة بصغارك"
ضجت نبرته بالصدق وهو يقول بخفوت: "بل من أجل أن لا أحزن عينيكِ ..حزنكِ يقتلني، كما يؤلمني ابتعادكِ حين أكون في حاجة ملحة لأن أراكِ أمامي وأضمكِ إليّ بقوة علّ جوعي الدائم لكِ يشبع"
توردت وهي تضحك بخفة: "حسناً يا راشد لقد رفعت رايتي وسلمت رغم معرفتي إنك تأكل عقلي"
زفر براحة غير مصدق أن عدوته اللدود الحبيبة لبت رغبته أخيرًا بعدم التدخل.. قال بتلاعب وقح: "تعالي سريعًا إذاً، لنرمي لها إياب وآكلك كلكِ"
ابتسمت وهى تجيب بهدوء: "مسافة الطريق وسنصل"
:-"لا تتلكئي، لأن سَبنتي أعدت العشاء من أجل أربعتنا"
اقتربت بدور تشق التجمع اللطيف لأخواتها، ورفعت حقيبتها وهي تشير لابنها بالاستعداد قائلة بمكر: "سَبنتي من تطبخ بنفسها، لم تخبرني من قبل أنها تجيد الطبخ!"
تصلب جسد خالد وتشددت يداه المستندة على ركبتيه ..وهو يلتفت إليها بحدة.. فقط للحظة واحدة قبل أن يخفض رأسه منحنياً بجزئه العلوي للأمام وكأن الأمر لا يهمه مطلقاً..
"ما الذي تفعله سَبنتي هناك, لم تخبرني عندما خرجت في الظهيرة؟" سمع والدته تسأل بهدوء
أجابت بدور وهي تغلق الهاتف وتضعه في جيب حلتها الرياضية: "راشد طلب منها أن تبات الليلة عندنا، وهي لا حيلة لها لرفض أمره"
قالت منى بتشدد قاصدة: "لم تستأذني.."
ابتسمت بحلاوة وهي تتمايل تطبع قبلة على وجنة خالد, ثم قالت: "امنحيها الوقت, مؤكد ستتصل لتستأذنكِ الآن"
فكر خالد بصمت: (جيد.. أصبح الآن من حق الجميع أن يتحكم في زوجته، يحددون كيف تتحرك وأين تذهب ومتى تعود, ما عاداه هو ..تباً لهذا ومن قال أنه يرغب لأي شخص أياً كان التحكم فيها؟!)
:-"سعدت لرؤيتك يا خالد, أراك قريبًا كما أتمنى في ذلك الحفل السنوي"
هز رأسه وهو يقول بنبرة خشنة ثقيلة وكأنه يجبر نفسه على الكلام: "إن شاء الله، انتبهي لنفسكِ"
سمعوا صوت نوة الممتعض يقول على الفور: "الحمد لله لقد اطمأننت أنك ما زلت تمتلك أحبالاً صوتية.. لقد ظننت أنك أصبحت أبكم"
خرجت بدور ممسكة بيد إياب وهي تشير مودعة: "أراكم غداً، وأترككن الآن برعاية السيدة نوة لتنغص عليكم الليلة"
ما كادت بدور تختفي حتى ارتفع خالد بتثاقل من مقعده واقترب نحو مريم أمسك بكتفيها بحذر مدركاً رد فعلها وقد توترت للحظة قبل أن تجد نفسها تبادله عناقه بقوة.
:-"شكراً لأنك أتيت"
أمسك خالد رأسها وطبع قبلة فوقها وهو يقول مبتسمًا: "تشكريني لماذا يا حمقاء، أنتِ أفضل شيء حصلت عليه مؤخراً، وجودكِ في حياتنا يعني لي الكثير يا حبيبة أخيكِ"
اغرورقت عينا مريم بالدموع، ووجدت نفسها تتشبث فيه بقوة من جديد، بحق كل مشاعر الأخوة التي سرقت منها يوماً وشُوِّهت..
عناق برائحة وجمال رجولة وأخوة خالد الذي تعلمت على يديه ووالدته معنى قوة العلاقات الأسرية ..استطعمت حلاوة أن يكون لك ظهر, يساندك دون مقابل، ودون تسول المشاعر..
************
كانت منشغلة في إغلاق منامة إياب تتثاءب بتعب، بعد سهرة قد طالت معهم، لقد حاولت التملص منهم عدة مرات، ولكن راشد كان يعيدها لجانبه ببساطة متحججاً بافتقاده لها ..وأتى الفرج أخيرًا عندما صرح إياب برغبته في النوم فخطفته على الفور وصعدت لغرفتها …وسمعتهما بعد دقائق يتبعوهما..
"سَبنتي"
أجابت وهي ترفع مكانه تحت الغطاء: "لا تقل أنك جائع أو عطشان ككل ليلة"
لوح نافيًا وسألها ببراءة: "لماذا لم تعودي تسكنين مع خالي؟"
اهتزت عضلة في وجهها وأطرقت أرضًا وهي تجيب مدعية المرح: "لأنه يعيش بعيدًا الآن، وأنا أريد أن أبقى بجانب إياب حبيبي"
نفى من جديد بشدة قبل أن يهمس بحذر: "خالي عاد اليوم ليرى البيبي وجدتي سألته أن يبات عندها لأنها اشتاقت إليه، وخالتي نوة…."
توقفت عن الاستماع وكل ما أتى بعد وجوده تحت نفس السماء ولم يحاول الاتصال بها لم يعد ذو قيمة..
هبت من مكانها واقفة تشعر بطعنة نافذة شقت قلبها نصفين …وتلقائيًا وجدت قدميها دون تفكير تندفع نحو الباب متوجهة لغرفة راشد شاحبة الوجه بشدة، ومكسورة الخاطر وغاضبة ..غاضبة وحاقدة على راشد كما لم تكن قط …طرقت باب غرفة نومه بطريقة لا تقرب للتهذيب…
فتح الباب خطفًا وقابلت وجه راشد القلق: "هل أنتِ بخير؟"
يداها ترتعشان كما حروفها الساخطة وسألته هادرة: "لقد خدعتني وجررتني لعندك كي لا أراه، حجة والد وابنته كذبة يا راشد"
ساد صمت مشحون ..وكل منهما ينظر للآخر بندية.. غضب وقوة حتى أن بدور أزاحت كليهما من طريقها لتأخذ ابنها الممسك في طرف سَبنتي محدقاً فيهما بقلق ..وانسحبت بكل هدوء بعيدًا..
(يريد حلها معها دون تدخل فليشربا بعضهما بالهناء إذاً)
:-"ولماذا تهتمين بعودته من عدمها؟ ألم تريدي الطلاق وألحيتِ في طلبه وتعجيله؟!"
اضطربت بشدة وهي تقول: "حتى لو.. لم يكن من حقك التلاعب بي"
قال راشد بصوت قاطع: "لقد جنبتكِ لقاء لا ترغبين به ..حتى أبتّ في أمركما وأخلصكِ منه للأبد وأعيد لكِ جميع حقوقكِ"
توسعت عيناها بنظرة القطط المتوسلة وكأنها لا تريد مناقشة هذا الأمر مطلقًا ..إلا أنها لم تحاول مراجعته كما لم تنفي رغبتها..
"ولكن..." جادلت بنفس أخير
قاطعها مرة أخرى بجمود: "كل ما يأتي قبل (ولكن) بلا قيمة ..فكلمة أخيرة ليس لها مراجعة"
صمت لبرهة محدقاً في وجهها الشاحب بنظرة متمعنة غريبة …ونطق بالنهاية: "لقد تشدقتِ ونددتِ في العديد من المرات بإجباري لكِ على الزواج، وأني لم أمنحكِ اختياراً كان من حقكِ ..لذا سأعيد لكِ حقكِ المهدور وسأطلقكِ منه باختياركِ، سأبعده عن طريقكِ يا سَبنتي"
راقب يديها اللتين تغلقان وتقفلان بوتيرة سريعة.. تقاوم ارتفاعهما حتى لا تغطي بهما أذنيها ..جفناها يتوسعان محاربة ألا تغلقهما…
كانت تحارب نفسها ألا تدخل في نوبة ذعر و لا يفقدها في موجة من الهستيرية ..لقد أراد في هذه اللحظة أن يصرخ بشدة من فرط الأمل الذي تجدد داخل صدره، صغيرته تقاوم وظلت واقفة على قدميها، دون محاولة توسل صريح للاحتياج حتى وإن كان له، لم تحاول تعويض مخاوفها وتخبئها بمؤازرة إنسان آخر لها ..لكم تمنى ضمها إلى صدره من جديد الآن…
"أنا… أنا… لا أرغب..." همست بصوت مضني وهي ترمش سريعًا محدقة في وجهه المتجهم المخيف لعينيها
:-"أنتِ تريدين ماذا؟"
تراجعت خطوتين بظهرها وهي تهمس رافعة كتفيها لأعلى: "أريد التحرر من سجنكم، أرغب في حريتي من بيت الراوي"
أسبل راشد أهدابه بيأس ولم يعلق بكلمة حتى اختفت وراء باب غرفتها…
وعندما جلست على طرف الفراش ببطء، كانت بدور قطتها الصغيرة تقفز فوق حجرها تحت يديها الممددتين هناك بلا أعصاب، عيناها شاخصتان للبعيد، لا تجرؤان حتى على الرمش ..وخاطر يدفعه آخر.. لم تشعر بالدموع التي انسابت من أجله من جديد على خديها...
لقد باعها، لم يحاول أن يراها أو يبحث عنها، حتى أنه لم يهتم أن يعلم عن تحركات زوجته كما أخبرها مرة أن هذا في صلب الشرعية التي تربطهما… لم يرهق نفسه طوال هذه المدة حتى يبعث رسالة نصية، كما لم يفعل هذه الليلة، لقد هانت، تم بيعها وهو لا ينوي الشراء…
رفعت ظهر يدها تمسح أنفها وطرف فمها كاتمة من خلالها شهقة ألم طويلة…
بالنهاية وجدت نفسها تلقي جسدها على الفراش مختطفة وسادة تغطي بها وجهها وتكتم فيها صرخة وصرخة وأخرى حتى تشقق حلقها وتحرر ذلك الضغط الهائل عن صدرها…
ياااال اللوعة لقد اشتاقت إليه، ليته كان هنا, وحده هو من قادر على تسكين هذا الألم الذي سيفتك بها..
*********
:a555::a555::a555::a555::a555::a555::a555::a555::a 555::a555:
يتبع الأن


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-06-21, 11:55 PM   #10635

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السبعون المشاركة الرابعة

الأيام بغيضة في بعده ..قلب يشتاق وعقل ينفر …وتصميم جبارًا يدفعه كبرياء راويًا …هي راوية رغم أنفها وأنف من يشكك ..راوية وقررت أن تستخدم جيناتها جيدًا أن اردات الإصلاح …حتى وأن كان مر أكثر من " شهرين ونصف" على بعده عنها …
أدارت جوان المفتاح في الباب العتيق ذي الضلفتين والشراعة الزجاجية ودفعته وهي تهتف بحماس: "أدخلي حبيبتي ستفرح عفاف بقدومكِ، وكأنك سمعتِ ندائها فاليوم بالذات سألتني متى ستزوريننا"
تبعتها سَبنتي على استحياء تكاد تؤخر القدم التي تقدمها …عيناها تتفحصان أجواء الشقة الحميمية الدافئة بطبعها العتيق، ذكرتها بأحد ديكورات المسلسلات القديمة ذات طابع الثمانينيات ..رغم محاولة تجديدها الواضحة ..ولكن بقي فيها عبق من أصالة مريحة للعين، ورائحة عطرة تسكن القلب… هي تحب هذا المكان، وإن كان الأمر بيدها لزارتهم يومياً.. لتحصل على بعض السكينة…
عندما طال صمتها استدارت جوان تمسك معصمها تجذبها للداخل وأغلقت الباب خلفها وهي تسأل باهتمام: "هل أنتِ بخير؟"
هزت سَبنتي رأسها على الفور، وأجابت بخفوت: "كنت أفكر في كم أحب المنزل وأصحابه"
تنهدت جوان مدركة كل ما تمر به ابنتها، لقد تقاربتا كثيرًا آخر فترة حتى أن سَبنتي أصبحت منفتحة معها، تحكي لها عن نفسها، عمّا يؤلمها وعن أفكارها، مرات ينتهي الأمر تبكي على صدرها، وأحياناً أخرى تهاجمها بشراسة وتتهمها أنها السبب وتختمها بالاعتذار ..ولكنها لا تبالي ولا تهتم أنها السبب بالفعل.. ولا تحتاج لابنتها المضطربة لتخبرها ..هي من أوصلتها لهذا الحد وليتها ماتت مليون مرة قبل أن تتجرأ وتفعل…
لو علم كل إنسان نتائج أفعاله الطائشة، ما كان أغمض عينيه وصم أذني ضميره وتراجع عن قبح قراراته.
قالت أخيرًا: "ما رأيكِ أن أحضر لكِ أحد ملابسي المنزلية وتظلين معنا الليلة، يمكنني إخبار نضال أن يبات خارجاً"
ابتسمت وهي تهز رأسها نفياً: "كنت أتمنى، ولكني لا أستطيع…"
:-"ستتناولين معنا العشاء إذاً؟!"
ابتسمت فتلون وجهها الشاحب ببعض الدموية أخيرآ: "إن قدمته مبكرًا.. بصراحة أنا اشتقت لأكل الجدة عفاف"
تركت جوان يد سَبنتي وهي تنقل بصرها في أرجاء المنزل، متسائلة بقلق: "صحيح أين هي؟ لا حس لها أو لأولادي"
تركت جوان مكانها ، وتحركت بخفة نحو غرفة عفاف …وفتحت الباب ببطء شديد مصدراً صوتاً مميزاً..
غرفة عفاف دائماً منظمة ونظيفة يفوح منها رائحة الصندل المختلط بالرطوبة المحببة، مع رائحة أخرى غير مفهومة وكأنها تأخذ من طابع الجدة نفسه بصمة تتميز بها ..مظلمة قليلاً يضيئها شعاع نور العصاري القادم من الشراعة الخشبية للشرفة…
كم أصبحت تدمن هذه الأجواء.. لا عجب من تصريح ابنتها الكبرى بحبها لدفء المنزل ..إذ أن البيوت تتطبع بقلوب أصحابها، وبالتبعية يحدد رد فعلك حول المنازل سواء بغضها أو عشقها…
عيناها أخيراً وقعتا على عفاف تبسط شرشف على الأرض بجانب صغيريها اللذين ينامان منبطحين فوق سجادة الأطفال الخاصة للقيلولة..
أغلقت جوان الباب ثم عادت نحو سَبنتي هامسة ببطء: "يأخذون قيلولة، امنحيهم نصف ساعة وسيستيقظ الجميع"
أومأت دون رد، لقد أصبحت شحيحة الكلام جداً …وكأنها تخشى لو تكلمت أن تلقي سهمًا طائشاً تجرح به دون قصد…
تقدمت أخيرًا من تلقاء نفسها ووضعت حقيبتها جانبًا.. ثم سألت بخفوت: "أريد استعارة رداء الصلاة خاصتكِ حتى لا يفوتني الفرض، وسأنتظر الجدة أرغب أن تقرأ عليَّ بعض الآيات"
تصنعت جوان المرح وهي تفتح أحد الأدراج المخصصة لأدوات الصلاة :" يا لئيمة، كوني صريحة أنتِ تحبين دلالها"
أومأت وهي تجيب دون لف أو دوران: "أحب دلالها.. وأحبها شخصياً.. بها شيء مختلف"
:-"هي كذلك فعلاً"
منحتها طلبها وهي تربت على كتفيها ..ثم قالت: "سأذهب لأبدل ملابسي وبعدها سأجهز لنا بعض الطعام، هلّا ساعدتني؟"
:-"سأحب أن أساعدكِ, يقولون بالمنزل أن طعامي تحسن كثيرًا"
رفعت جوان إبهاميها بمرح: "اتفقنا إذاً"
***********
لم يطل الوقت مثلما قالت جوان ..عندما دخلت عفاف تتأرجح على قدميها في مشية متمايلة… صوتها يهلل معلناً عن تواجدها الدافئ كعادتها: "يا مرحب بالحلوة، أنرتِ مكانكِ"
تلقائيًا رفعت سَبنتي يدها من العجين الذي غرقت فيه إذ أنها اقترحت صنع البيتزا، ثم توجهت لعفاف تسمح لها باحتضانها ..وكالعادة كذلك ضمتها إليها تربت عليها، ومسحت على رأسها ثم اكتشفت جسدها برغبة معرفة كم فقدت من الوزن …ضحكت سَبنتي مقهقهة عندما قالت عفاف بغضب: "لا يطعمونكِ جيداً، كل مرة أجد أن عظامكِ قد برزت عن سابقتها"
ردت من بين ضحكاتها: "يطعموني بكثرة، حقاً أنتِ تظلمينهم"
عبست وهي تقول بنبرة متهمة: "لا تقولي أنكِ من هؤلاء المهووسات وتتبعين حمية غذائية"
حركت رأسها رفضاً بينما تسمع جوان تجيب ممتعضة: "سَبنتي وحمية …هذا اتهام مفجع ومهين لطرق إنقاص الوزن ..لقد أثبتِّ أنكِ لا تعرفينها بتاتاً"
لوت عفاف شفتيها بعدم رضا وهي تتفحص سَبنتي من جديد: "ما الذي يحدث معكِ يا فتاة؟ هل أنتِ مريضة؟"
ترددت الابتسامة من الوصف العفوي، ولكنها أصبحت تملك القليل من التحكم لتهزها مجرد كلمة ..قالت وهي تتوجه نحو العجينة المفرودة بمكان مخصص قبل وضعها في وعاء الخبز: "ضغط الدارسة يؤثر بي، الحمد لله أن الأمر ليس عكسيًا"
رفعت عفاف يديها وهي تقول بحرارة: "ليت باب السماء يكون مفتوحاً وتكتسبين بعض اللحم, لقد أصبحتِ عظم يكسوه الجلد"
كشرت بأنفها: "هذا قول فظ…"
شوحت عفاف بيدها وهي تتوجه نحو المبرد تقول بقوة: "أتركي طعامكِ الفاشل كما جوان، لقد بات الأمر يحتاج لتدخلي ..وصفتين من يد عفاف وستعود الدموية لوجهكِ"
لمست وجهها غير مبالية للعجين الذي علق بعضه في وجنتها تسأل بحرقة نسائية: "وما به وجهي؟"
ردت بفظاظة: "أصفر مثل الليمون وكأنكِ فزاعة أطفال مخيفة"
دمعت عينا سَبنتي وكادت أن تبكي على وصلة (التقطيم) الرهيبة..
تدخلت جوان وهي تقول معترضة: "عفاف، أتركي الفتاة لحالها، ألا يكفيكِ تحويلي لفيل صغير بحجة الرضاعة؟!"
قالت عفاف بفظاظة وهي تمسك بين يديها عصا العجين مهددة: "بل أنتِ دولفين ضخم، وعلى ذكر الرضاعة اذهبي يا متبلدة وأيقظي طفليكِ وأطعميهما.. أمهات آخر زمن!"
حركت رأسها بيأس، إلا أنها أطاعت الأمر فوراً ودون جدال خوفاً من الوعيد.. واشتياقها لطفليها فالحليب يغلي في صدرها كالبركان مطالباً بهما ..التفت قبل أن تخرج من المطبخ تسأل سَبنتي التي تنقل عينيها بينهما مبتسمة برقة: "ستكونين بخير؟!"
أومأت ..بينما صوت عفاف يهدر بغضب متصنع: "بخير, أفضل من وجودها معكِ، اذهبي وتوقفي عن هذا الكسل"
تبرمت وهي تندفع متمتمة بصوت خانق بكلمات لم تسمعها…
التفت عفاف نحو سَبنتي وهي تهمس بتآمر: "هل رأيتِ طبيبة الغبرة تشتمني في سرها!"
ضحكت برقة: "لا أظنها تفعل"
قالت عفاف من جديد: "بلى.. ثقي بي.."
همست سَبنتي بتآمر شقي: "ولماذا لا تسحبين أسلحتكِ وتؤدبينها؟!"
تحركت عفاف نحوها ترفع الطعام المجهز مسبقاً في الأواني وتضعها على النار: "حرام يا ابنتي.. وظيفتي أن أعينها ..ألا يكفيها طفليها وعيادتها، وفوقهم زوجها… من يَرحم يُرحم"
تلونت الابتسامة من جديد على وجهها بلطف ..ثم التفت تنهي معجنات البيتزا وتضعها في الفرن …للحظات سكن الهدوء المطبخ لم تتبادلا الأحاديث, كل منهما منهمكة في عملها..
حتى فرغت عفاف أخيرًا وتوجهت نحوها تربت على كتفها وهي تقول بحنان: "تبدين رائعة يا حلوة ..عيناكِ غادرهما توهانهما الدائم"
سارعت تلتفت نحوها تحدق فيها بأمل متسائلة: "حقاً، أم تجامليني؟"
ربتت عليها عفاف مرة أخرى وهي تقول برقة: "اغسلي يديكِ وتعالي نجلس وحدنا قبل أن تعود جوان بالمزعجين الصغيرين"
أطاعت على الفور ..تاركة عفاف تسحب عدة القهوة المستقرة على صينية من الفضة ووضعتها على المائدة الصغيرة في المطبخ…
عندما سحبت مقعدها وجلست أخيرًا كانت متحمسة لحكايات عفاف التي لا تنتهي وتتركها دائماً مبتهجة ونهمة للمزيد…
فرغت عفاف من وضع القهوة على إسبارتية النحاس وهي تقول بمودة: "كيف حالكِ اليوم ..هل تحافظين على الأذكار كما أوصيتكِ؟"
دست بضعة خصلات من شعرها وراء أذنها وهي تجيب بخفوت: "أحاول المداومة"
تنهدت عفاف وهي تتمتم بصوت عميق: "أنتِ تحتاجين للرقية"
ضحكت سَبنتي وهي تنظر إليها بشك: "ألا تجدين بأنكِ تبالغين؟"
رفعت حاجباً شريراً وهي تجيب بصراحة: "وأنتِ ألا تشعرين بالقلق من ابتعادكِ عن زوجكِ كل هذه المدة ..والله إنها عين سيئة أصابتكما"
انمحت الابتسامة وكست عينيها الظلال وهي تقول بجمود: "أرفض تعزية كل شيء للحسد، لماذا لا نعترف إنه تقصير منه ومني، بأنه أجرم في حقي مرتين، مرة عندما خدع ومرة عندما خذلني"
ضيقت عفاف عينيها ومضت بضع لحظات قبل أن ترفع القهوة وتصبها في الفنجان وتقدمها لها وهي تقول بخفوت: "لم أسمع منكِ الاعتراف بخطئكِ كذلك يا سَبنتي"
ارتبكت وهي تأخذ منها الفنجان الذي اهتز وأسقطت بعض القطرات على أصابعها ولكن الأمر لم يجفلها وكأن حاسة الشعور لديها توقفت…
همست عفاف من جديد: "أعتذر إن كنت ضايقتكِ.. فلا يحق لي التدخل"
سارعت سَبنتي تنفي بهدوء: "لم تضايقني, بالعكس.. ولكني لا أجد ما أقوله"
مدت عفاف يدها تربت على كفها الحرة وهي تقول ببطء: "إن كان لديكِ أمل, لا عيب حبيبتي إن جنحتِ بالسلم"
ترددت قبل أن تقول بنفس طويل: "الأمر معقد, أحتاج لاستجماع نفسي قبل أن أحدد إن كنت أريد الاستمرار أم…"
صمتت فجأة وهي تعض على شفتيها بأسنانها بقوة…
وصل عفاف الرد بدون الحاجة لحنكتها: "أنتِ لا تريدين الفراق"
أسبلت جفنيها ترتشف من قهوتها المرة بدفعات متتالية متهربة من الإجابة…
تنهدت عفاف قبل أن تقول بصوت عميق وبصراحة مباشرة: "أعرف أنكِ لست بخير، منذ اليوم الأول الذي رأيتكِ فيه حين طالبتِ بحنان جوان"
شددت على إغلاق جفنيها وهي تجيب بنبرة مختنقة: "جوان تعيد اتزاني… وكأن هناك شيء بين ذراعيها يسكن فاجعة قلبي"
رقت ملامح عفاف وهي تقول: "بالطبع هي كذلك ..قلب الأم المحبة فيه الدواء ووصفة شفاء لكل علة"
رفعت جفنيها أخيرًا تحدق في عفاف بنظرة تراوحت بين الحذر والحزن: "في حالتنا كان فيها الداء والعلة، قبل الدواء"
حزنت ملامح عفاف، ودعت أن يعين الله قلبها على التحمل للرفض التلقائي لذكر أمومة جوان لها من رجلاً آخر !!
"لا تلوميها يا حبيبتي… أعذريها إن كنتُ مكانها لنبشت الأرض حجراً حجراً زحفاً على ركبتيّ لأعيدكِ إليّ"
ردت سَبنتي بنبرة أخذت في التحشرج والاختناق: "والله إني لم أعد أحمل نحوها أي ملامة، أصبحت أتفهمها وأغفر لها"
احتاجت عفاف لتغيير الموضوع ..لذا قالت برقة: "وخالد ألا يستحق جانباً من سعة قلبكِ الكبير؟!"
ابتسمت ملامحها الحزينة فأزهر وجهها على حين غرة بجمال عابر سرعان ما انطفأ وهي تقول: "هذا بيت القصيد، لقد حصرت حياتي ومنحت قلبي كله لخالد حقاً خالصاً لا يملكه سواه… بينما هو ..هو حسنًا كم الاعتراف مريراً ولكنه بات عليّ أن أواجه نفسي …هو كان محتاراً ما بين أمر قلبه وعقله، وإن استطاع تطويع فؤاده ليتبع عقله ما كان نظر إليّ ولو من باب الشفقة"
امتعضت عفاف تلقائيًا من المنطق والتفكير الأسود ..لقد رأتهما بعينيها معاً مرة واثنتان وثلاثة ..كما حضرت زفافهما ..وما هي موقنة منه أن حب الرجل لها والنظرة التي يشملها بها وكأن رب العباد لم يخلق في الكون سواها ..واضحة للأعمى.. ولكن من أمامها أكبر مغفلة عمياء!!
قالت عفاف أخيراً بفتور: "اسمعي كلمة أبرك من ألف ..لن أقنعكِ بأنه يحبكِ لأنكِ تعرفين هذا جيداً …لذا كلمتي لكِ أفيقي لنفسكِ وحياتكِ قبل أن تأخذي قرار غبي يدمركِ ..بطبيعة الحال السنة الأولى في الزواج تترك انطباعاً سيئاً عند كلا الزوجين"
ردت سَبنتي بعبوس: "لا، الطباع السيئة ليس لها علاقة بمشكلتنا"
دبت عفاف بقوة: "بلى هي كذلك …واسمحي لي كلاكما أرعن لا يقدر قدسية علاقتكما ..أنا لا أفهم هذا الكلام الفارغ رجل يتشاجر مع زوجته فيهجرها وهي تتحامق وتطالب بالطلاق"
نفت بقوة: "أنا لا أرغب في الطلاق"
استكان صدر عفاف وهي تسأل بلهفة: "وما الذي تريدينه إذاً حبيبتي؟"
أخذت نفساً طويلاً متعباً قبل أن تقول بصراحة: "إيجاد نفسي.. أنا أحاول خالتي.. والله أنا أحارب لأكمل طريقي الذي تركني هو في منتصفه"
لاحظت أنها فعلًا تتغير فهي تزورهم مرة أو اثنتان بالأسبوع بشكل منتظم، لقد توقفت عن الارتجاف والإجفال، زال الاضطراب والقلق الدائم الذي كان يغلفها.. كم خفت بشكل ملحوظ تلك الحركات التي كانت تزعج عفاف بشدة، كحك شعرها على الدوام وصم أذنيها عندما تجفل أو احتدت عليها جوان في الحديث بغرض إفاقتها من هواجس تهمس لها بها …لم تسمع عفاف معظمها، ولم تحاول التدخل، بل تمنحهما حريتهما ولكن الأمر ترك في قلبها معزة للفتاة…
:-"جدتي"
رفعت عينيها بدهشة: "ها!"
قالت عفاف مبتسمة: "جدتي يا حمقاء ..خالتكِ هذه تقولينها للبائعة على ناصية الشارع"
قدرت أن تعيد لها الابتسامة مجددًا… قبل أن تسمع صوت جوان أخيرًا تهدر بغضب متصنع وتحمل غياث على يدها ..ويدها الأخرى تساعد آسيا التي تتعلم المشي حديثًا: "خيانة عظمى ..حتى سَبنتي استوليتِ عليها ألا يكفي المجرمين الصغيرين ينادونكِ بأمي بينما أحصل أنا على ضحكة سمجة لأني المرأة التي ترضعهما"
شوحت عفاف ممتعضة: "تستحقين، دعي العيادة تنفعكِ"
اندفعت سَبنتي على الفور ..تلتقط آسيا من تحت ذراعيها ترفعها إليها وتغرق وجنتيها المخمليتين تقبيلاً ..قهقهت الصغيرة مصفقة بحماس مبتهج لهذا اللقاء الحار ..فعلاقتها بالصغار تطورت كثيراً..
كم تحبهما وآسيا بشكل خاصة ..ولكن تبقى المعزة المتفردة في القلب لمالك واحد نمرها الصغير الحبيب…
طرق حاد على الباب أجفل ثلاثتهن حتى الصغيرة آسيا توقفت عن الضحك منكمشة بين ذراعيّ سَبنتي…
"من قليل الذوق والأدب هذا؟ هل ننتظر أحد؟" تساءلت جوان وهي تمسد على ظهر آسيا تعيد لها السكينة بينما تضم غياث تهدئه أيضاً قبل أن ينفجر في وصلة من وصلات بكائه..
وقفت عفاف من مكانها وهي تقول: "يا جالسين يكف عنكم أذى القادمين.. أدخلي أنتِ بطفليكِ لأرى من الطارق"
طاوعتها جوان على الفور وهي تطلب من سَبنتي أن تساعدها في إيجاد المقعد المخصص المساعد على المشي الخاص بآسيا ..بينما هي تضع غياث في مقعده أيضاً..
********
لفت عفاف حجابها على عجل وهي تفتح الباب يتدافع القلق بداخلها …لكن القلق تحول لحيرة عظيمة عندما حدقت في الرجل الغريب أمامها…
"هل من خدمة؟!" سألت على الفور وهي ترصد رجلين آخرين ضخمي الجثة مدركة ملامحهما الأجنبية…
ساد الصمت قليلًا والرجل الكبير يتفحصها بطريقة لم تُريحها, دفعتها للتفكير لأول مرة في عمرها تود أن ترد ضيفاً قصد بابها..
تكلم أخيرًا بصوت أخذ منه الغرور مرقداً يأمرها ولا يطلب بأدب: "أخبري جوان أني أريد رؤيتها"
رفعت عفاف ذقنها بإباء كما شحذت أظافرها تلقائياً وأخذت وضع الاستعداد: "ومن أنت لتسمح لنفسك بنطق اسم أم غياث بل وتطالب بمقابلتها؟!"
بهتت ملامح الرجل على الفور، وانمحت العنجهية والصلف من تقاسيمه وسألها بصدمة: "قلتِ أم من؟!"
لم تهتم عفاف بصدمة الرجل الواضحة للعيان.. عندما قالت بنبرة حمائية: "أخبرني من أنت، وسبب سؤالك عن زوجة ابني، أو غادر من مكان ما أتيت"
فتح صادق فمه ليقول شيئاً مهيناً صلفاً… إلا أن صوت جوان الذاهل جعل كليهما يلتفتان لها تلقائيًا…
"أبي؟!"
لم تتحرك عفاف من مكانها بل بقيت محتجزة الباب بذراعها وكأنها تمنعه من الدخول بقصد حمايتها …وإن كان وجهها أظلم وظهر عليه الغضب مقترن بالنفور…
"ألن تسمحي لي بالدخول؟!"
ساد الصمت بينهم.. كلاهما يحدقان ببعضهما بذهول متبادل، وقد انعقد لسان جوان بفظاعة…
تدخلت عفاف وهي تقول بتشدد: "أسمح له، أم تريديني أن أعيده من مكان ما أتى؟"
التوى وجه صادق المكسو بالسواد كما سواد قلبه وضميره وكأنه يسخر منها بصمت ..يصارع أن يهين عفاف بقصد ..مما دفع جوان أن تنتفض فجأة وهي على أوج استعدادها لنهش وجهه ولسانه إن تجرأ وفعل..
إلا عفاف.. إلا أمها الحبيبة..
"ماذا تريد مني؟" سألت بجمود وهي تأخذ الخطوات لتقرب المسافة بينهما..
شمل صادق عفاف من جديد بنظرة متفحصة لم تفهم جوان فحواها …ثم قال بهدوء أخافها: "الحديث معكِ على انفراد"
ساد الصمت مجدداً ..صمت متردد ما بين الرفض بشدة، وبين شعور مؤلم يخنقها في معانيه.. يجعلها تكره نفسها بل وتتقزز منها …شعور الانتظار والجوع لإحساس قد ظنت أنها قتلته ..العاطفة والسماح منه هو بالذات..
عندما طال صمتها كرر صادق بجمود: "أريد أن أتحدث معكِ والرفض ليس أحد اختياراتكِ"
قالت عفاف بهدوء وقوة: "في الواقع يمكنها الرفض، لن يجبرها أحد على ما لا تطيقه"
ضحك صادق ضحكة سوداء ساخرة وهو يقول: "أهذه تتحكم فيكِ، وماذا توقعت.. منذ حداثة سنكِ وأنتِ تتوقين لقيد العبودية وإهدار الكرامة"
هدرت عفاف بشراسة: "كلمة أخرى وسترى مني ما لم تتخيله في حياتك، أحترمك حتى الآن من أجل ابنتك"
أسبلت جوان جفنيها مبتلعة الإهانة ..ليس رضا وإنما عدم اهتمام من الأصل، لقد تحول أبوها وكلامه مع الوقت لهواء فاتر ليس له بصمة ولا حرارة ورجفة ..إنه لا شيء…
:-"إن لم تسمح لك أمي بالدخول، فطلبك مرفوض سيد صادق"
بهت وجه صادق وكأنه أُخذ على حين غرة بردٍّ لم يتوقعه …وضربته عفاف أيضاً عندما قالت بهدوء: "نحن أولاد أصول، لا نرد سائل على بابنا، سندخله وحده لأنه من محارمكِ، أما رجاله فسيغدران العمارة كلها ..ليس من الرجولة اقتحام البيوت دون التأكد من وجود رجالها، أليس كذلك يا سيد؟!"
صفعات أخرى مبطنة أخذها على وجهه من عفاف …أشار بأصابعه متجهماً نحو رجاله ..ثم تتبع عفاف التي سمحت له بالدخول متراجعة للخلف…
خطا صادق خطوتين لا غير وبقي خلف الباب الذي أغلق يتفحص البيت بتقزز: "أتعيشين هنا؟"
ردت جوان بنبرة قاتمة: "هل تذكرت بعد أربع سنوات أن تسأل أين أسكن؟!"
تحرك صادق خطوة للأمام وهدر من بين أسنانه: "لقد عرضت عليكِ العودة لبيتكِ آخر مرة زرتني بها ولكنكِ تمسكتِ بجنونكِ.."
ضحكت جوان دون مرح قبل أن تكشر عن أنيابها وهي تهس: "البيوت بساكنيها وليس بجدرانها، تحمل بصمتهم ورائحتهم .. وبيتك بارد موحش وقذر، لن أعتب بابه وإن اضطررت للنوم على الأرصفة"
شحبت ملامح صادق بقوة، بل اعتراه الندم والخوف بخطوط فاضحة أذهلتها: "إن كان هذا السبب، سأمنحكِ المال الذي تحتاجينه، اختاري ما يناسبكِ بعيداً عن هنا"
تدخلت عفاف تهدر بغضب: "أنتِ يا سيد احفظ مالك لنفسك، وانتقي كلماتك"
التفت إليها بغضب وكاد أن يهدر بكلماته السامة عندما أوقفته جوان وهي تقول بتشدد: "لا أستبدل عتبة هذا البيت بكل أموالك وقصورك"
صمتت تأخذ نفساً حاداً قبل أن ترفع وجهاً جامداً خلا من المشاعر وهي تسأل: "دعني من هذا الهراء، إذ أنك تعلم جيدًا القيمة المعنوية والاجتماعية لبيتي منذ سنوات …لماذا أتيت يا أبي؟!"
توتر صادق وبدأ يفرك إبهامه بسبابته مجيباً بخفوت: "نقطة لصالحي، ما زلتِ تذكرين أني أباكِ"
ضحكت جوان ضحكة مهتزة ملونة بالقهر، وهي تشير نحو أحشائها، ثم ظهرها وصولاً لخصلة شعرها البيضاء: " كيف للفتاة أن تنسى أباها، حبيبها الأول …وإن فعلت تحت وطأة القسوة والظلم ..كيف لي أنا بالذات أن أنساك وأنا أحمل ندوبك بقلبي قبل الجسد ..وأنا أراك كل يوم كلما نظرت لمرآتي يا أبي"
أظلمت ملامحه السوداء بسواد ضميره فزادته بشاعة على بشاعته في عينيها: "أرغب في الحديث معكِ وحدنا"
لم تتحرك عفاف من مكانها ليس فضولاً وإنما بدافع الحماية …وردت جوان بتشدد: "أمي تعرف عني كل شيء"
توسعت عينا صادق، وكادت أنفاسه تذهب ذعراً, وجدت جوان نفسها تضحك تلقائيًا وهي تقول بتهكم: "أنا عرضها، لا تخف ..لا أحد يفضح شرفه, لا يوجد إنسان يحمل ذرة من نخوة وضمير يفرط في حماية ما يخصه، مهلاً وكيف لك أن تفهم دوافعها يا مسكين؟!"
حذرت عفاف بحزم: "جوان، تأدبي مهما كان الرجل في بيتكِ"
علقت النظرات بينهما هي تتنفس بحدة كوحش تحرر من عقاله أخيراً مدفوعًا بالغضب والحقد ..وقد غذي بالكثير من القهر والظلم وهو كان كشيء باهت ليس له صدى ملموس..
تحركت عفاف أخيرًا قلقة ربما، إلا أنها أخيرًا كانت مطمئنة عليها ..فقد أرادت منحهما وقتًا خاصًا بينما هي تجري اتصالاً عاجلاً لنضال تحثه على القدوم في التو.
لم تنتبه لها جوان من بين غيوم الغضب الذي أخذ يرفع الصراع بداخلها …تقدم خطوة نحوها ثم قال بخفوت معلناً ما أتى من أجله دون مقدمات: "لقد خلصتكِ من تهديده، لن يجرؤ على أن يقترب منكِ أو يهدد حياتكِ من جديد، حتى وإن أراد.. لم يعد يملك من حطام الدنيا شيئاً ليفعل"
تشنجت جوان بعصبية قبل أن ترفع سبابتها ملوحة برفض قاطع: "إياك أنت أن تجرؤ على ارتداء رداء المنقذ، زوجي من فعلها وهو من هب لإنقاذي للمرة المئة"
توتر: "هل اعتقدتِ أن ضربتين من نضال هما من منعا الكلب؟!"
أومأت بثقة: "نعم، نعم ..هو من فعل ..الكلب ما هو إلا إنسان جبان وقذر فور أن عرف أن لي سند يحميني ورجل يهد الدنيا لأجلي هرب دون التفكير في العودة"
قال من بين أسنانه: "هذا غير صحيح"
هدرت وهي تقول بتشفي: :بلى.. هل فكرت أنت بأني لم أطلع على كل ما حدث، نضال أخبرني بكل التفاصيل، كل شيء فعله راشد وهو، أنت كنت مجرد قطعة شطرنج حركوها في لعبة كانوا هم أسياد خطوطها ..فإياك أن تمنح نفسك ملكية لم تملكها"
أمسك صادق ذراعها يهزها بغضب وهو يصرخ: "كما توقعت، لم تتغيري ما زلتِ عمياء ساذجة …عاهرة تخضع بابتذال لرجل وضيع يستغلها وتصدق بطولته الكاذبة وأنا من ظننت أنكِ تغيرتِ!"
قاومت لتحرر نفسها منه: "ابتعد عني"
"اخرس" الصوت الحاد أتى مرافقا لصوت جوان…
أسبلت جوان جفنيها بألم وهي تسمع صوت سَبنتي ..لا ليس مرة أخرى.. لماذا كتب عليها أن تخوض الإهانة تلاحق الأخرى أمام صغيرتها…
وبهتت ملامح صادق وهو يترك ذراع جوان ببطء ..ملتفتاً نحو صوت سَبنتي التي كانت تتحرك نحوهما، وقد غلبت مخاوفها أخيرًا ووجدت شجاعتها الضائعة كما تمنت يوم أن عجزت عن حمايتها ضد عزام..
فرد صادق يده نحوها متسائلاً بذهول شديد: "ما الذي.."
هدرت سَبنتي من جديد وهي تتقدم نحوه تحمل غياث على صدرها ..عيناها تبرقان بشراسة، وجهها محمل بالبغض وكلها عزيمة لا تنكسر: "ما الذي ماذا بالضبط؟ أخبرتك أن تخرس، أو أجبرك أنا إن تجرأت وفكرت بإهانة أمي"
زادت نظرات صادق ظلمة، وهو يحدق فيها بملامح شديدة التحجر: "أمكِ؟!"
وقفت سَبنتي مكانها وهي تضم غياث أكثر إلى صدرها تلقائيًا وكأنها تحميه من مشهد تكرر على مسامعها وصفه الجارح.. الشيطان اللا آدمي الذي أمامها يمد يديه وينتزعها بعيداً ليلقيها في مجهول ما زالت تعيش ساعته المؤلمة: "هل لديك وصف آخر لعلاقتي بها؟"
بلهفة انتقلت جوان لتقف حائلاً بينهما ..وعيناها المذعورتان تنظران نحو باب المطبخ متمنية من الله أن لا تخرج آسيا بمقعدها ذو العجلات المتحركة.. يكفيها سَبنتي وغياث…
ولكن دعواتها لم تستجب إذ علا بكاء صغيرتها سابقاً اندفاعها نحوهم..
تشدد فم صادق بتصلب قبل أن يقول بحقد لائم: "أدخلتها بيتكِ مرة أخرى ..إنها من دمرت حياتكِ يا غبية"
أطرقت جوان أرضاً وهي تقول بشحوب: "من فضلك، لم يعد عندك ما أريد سماعه"
نقل صادق نظراته في كلا الوجهين المتقاربين حد التطابق وهو يتنفس بسرعة …قبل أن يقول ببغض: "بلهاء، ولن تتغيري أبداً ستظلين حتى موتكِ لأرتاح من تهديد وجودكِ وعاركِ.. أنتِ مجرد شخص باهت تدوسه الأقدام حتى هذا الشيء أعدته لحياتكِ راغبة في تدميرها"
اختار غياث هذه اللحظة أن ينفجر في البكاء ..يشب برأسه ويرفع يديه ليتمسك في ملابس جوان من الوراء …بينما اندفعت آسيا حتى وصلت جانب قدمي سَبنتي وجوان ..وأمسكت بطرف فستانها تطالب بذراعيّ أمها…
تحول المكان في لحظات لهرج ..غطى صراخ الصغار على أي مشاعر سلبية مما أجبر صادق أخيرًا أن ينتبه لهما…
توسعت عينا صادق بذهول حتى أن خطوط الزمن المحيطة بجفونه تمددت… وهو يتشرب ملامح غياث المميزة بين ذراعيّ والدته التي التقطته أخيراً من سَبنتي وضمته لها في تشبث مميت في معانيه… ثم انتقلت عيناه عاجز عن عدم تتبعها وهي تنحني لترفع آسيا وتضمها مع الرضيع لصدرها ..ثم تراجعت وهي تنظر إليه بعينين مذعورتين وكأنه وحش سيهاجمهم بأي لحظة…
وسأل أخيراً بصوت تحشرجت نبرته حد الاختناق: "من هؤلاء؟"
تبدلت الأدوار ..بدل أن كانت هي من تحمي سَبنتي من بطشه أصبحت ابنتها من تقف حاجزاً منيعاً بينهما كما كانت دائماً، وأجابت سؤاله المعلق بقوة: "أخوتي، غياث وآسيا ..أحفادك مثلي أم ستنكرهما أيضاً؟!"
ظل صادق يهز رأسه رافضاً ومذهولاً وهو يحدق في وجه جوان ..حتى صاح أخيرًا بصدمة: "أنتِ لا يمكنكِ الإنجاب، لقد تأكدت من حرمانكِ مما حرمتني منه يا جوان …كيف ومتى وأنا أتتبع أخباركِ؟!"
لهثت جوان وهي تتنفس بسرعة، مختلطة بصوت بكاء صغيريها…حتى ظهرت عفاف مرة أخرى وأخذت جانبها تهدئ من روع الأطفال معها…
ونظرة واحدة من سَبنتي نحوها، مسحت آخر توترها ومخاوفها تماماً، لقد حانت فرصتها، هي لن تسمح لمخلوق أن يمس جوان من جديد…
اقتربت من وقفة صادق المتجمدة …فصرخت جوان صرخة صمت الآذان وزادت من صراخ الصغار: "ابتعدي عنه، سيؤذيكِ …دائماً كانت أمنيته أن يفعل"
إلا أنها تقدمت تنظر لوجه صادق الحانق بشجاعة ..ثم قالت بجمود: "ابنتك طيبة القلب وساذجة فعلاً.. لأنها لا تدرك أني ميتة منذ سنوات"
أحنى صادق رأسه يحدق فيها بقرف، ثم قال بصوت مميت قاس: "ليتكِ كنتِ لما فقدتها …لا أفهم من مثلكِ من أولاد الحرام لماذا يجب أن يستحقوا الحياة من الأساس؟!"
ارتعشت شفتا سَبنتي كما تجعد وجهها في ابتسامة قهر زينتها بقوة وهمية: "أنظروا من يتحدث عن الحرام والحلال.. أكبر مجرم.. وقاتل"
ظل صادق ينظر لها بحقد دون رد.. فتابعت بنبرة لاذعة: "تستطيع القول أن العالم يحتاج للتوازن فيحتاج الطيبين مثل جوان ..ويطالب بالأوغاد مثلك"
صمتت من جديد تأخذ نفساً طويلاً, تتمسك بكل قوة بدمعة لاذعة تطرق عينيها ..متابعة بسخرية سوداء: "تخيل عالم دون أوغاد مثلك ومثلهم ..أمر مثالي زائد عن الحد ممل ومقرف، لا ظلم، لا أحد يقتل ويدفن أرواحاً حية ..لا يسرق حياة إنسانة يفترض به حمايتها، ولا يفرط في حفيدة ضعيفة وجب عليه إعادة حقها ..هل تتخيل؟ ممل أليس كذلك؟! لذا نعم يا صادق, الأوغاد الحثالة هم من يضيفون نكهة التشويق والإثارة للحياة"
تمتم بقرف وهو يقاوم يديه التي تتمرد لترتفع وتطبق على عنقها: "حقيرة، ابنة حرام"
أسبلت جفنيها وهي تطرق أرضاً مبتلعة غصة جارحة وشعورًا موجع خشن يمر في أوصالها…
"أخرج من بيتي" تمتمت عفاف بقوة وقسوة وهي تشير نحو الباب
رفع صادق وجهه نحو جوان, شاحب الملامح, محمر العينين, وهناك دمعة بعيدة بعد النجوم ترغب في التمرد.. إلا أن القلب الذي ختم عليه بالضلال أبى أن يجنح إلى السلم الذي قدم من أجله، وأن يتتبع شعوره بالندم ويخبرها شيء علّها تمنحه فرصة في حياتها وقد بدأ هاجس الموت وحيداً دون وريث ينهشه يقظًا... أخذ نفساً قبل أن يسأل بخشونة: "جوان, هل هما صغيريكِ؟"
هزت جوان رأسها دون معنى..
الإجابة أتته بالصوت البغيض متشفية: "نعم.. طفليها شقيقايّ من أمي، لقد شهدت حملها بنفسي وولادتهما.. حتى أنها منحتني شرف أن أكون عراباتهما"
:-"مستحيل"
وضعت سَبنتي يدها على فمها مدعية الصدمة والتعاطف: "أوبس، ألم تعرف بعد لقد خُدِعت ..لم تجري لها الطبيبة التي ولدت على يديها الاستئصال لرحمها"
كانت صدمته أكبر وذهوله أشد رافضاً التصديق ..مقاوماً هذا الإذلال.. مستحيل.. مستحيل.. كبر نفسه أكد له بما لا يقبل الشك كذبهما…
تمتم صادق: "حقيرة، عليلة النفس"
هزت كتفيها بلا مبالاة: "هذا أقل ما عندي.. لمعلوماتك هناك من لقبني بما هو أشد"
أمرت عفاف بحزم: "كفى يا سَبنتي ..وأنتَ إلى هنا واكتفينا منكَ.. اذهب بخيرك وشرك.. رب العباد يكفينا عنك"
استدار صادق فعلاً وهو يشمخ بظهره هادراً بقسوة: "أنا المخطئ حينما فكرت بانتشالكِ من هذه الوضاعة.. لا أمل فيكِ يا جوان"
اتبعت سَبنتي خطواته حتى فتحت له الباب مشيرة بصمت ليخرج بوجه جامد…
رفع صادق وجهه وهو ينظر لجوان طويلاً ثم ثبتت عيناه على وجه غياث يلتهم ملامحه بجشع.. قبل أن يقول أخيراً: "حتى وإن كنت أكرهكِ يا جوان، ولكن نصيحة للمرة الأخيرة أبعدي هذا (الشيء) عن حياتكِ، لأنها نذير شؤم لن تحل عنكِ إلا بالدمار كما فعلت بالماضي"
قاومت سَبنتي فرك رأسها في كتفيها، مصرة أن تخوض أول اختبار لها للنهاية دون انهيار، دون خوف ..ودون مطالبتها بأي مساندة..
ولكن أليس من الرائع لو كان خالد هنا؟!
:-"اسمي سَبنتي بلال الراوي …أخت راشد الراوي ..والأهم أني زوجة خالد ياسر الراوي.. وريثه الشاب الوحيد الذي علّم عليكَ شخصياً …سَبنتي يا جدي جرب قولها ستجد أنها غير مؤذية لك، ولكنها قاسية عليك"
اغرورقت عيناها ..دون أن تهبط الدموع والعاطفة تخنقها، تتدافع بداخلها ما بين القهر والانتصار ..لقد استطاعت أخيرًا أن تقف في وجه أحد أكثر الأشخاص الذين ظلموها دون أن تنهار…
كان صادق يقف أمامها لا يفصل بينهما شيء.. ينظر إليها بتجهم، بينما عيناه تطفران بمادة لزجة ربطة غريبة ..لم يجد لها اسماً في قاموسه ..من مجرد نطقها بلقب جدي عابرًا ساخرة…
آه لقد تذكر ..لقد هبطت منه مرة عندما دفن ابنته بيديه بسبب تلك ال…ال… وعجز اللسان أن يجد وصفًا معيناً مرة أخرى..
والقلب غرز فيه نصل حاد مؤلم بشدة ولا يظن أنه قادرٌ على التخلص منه …قال صادق أخيراً وبعد فترة صمت حذرة: "لقد استحققتِ نضالها من أجلكِ يا …سَبنتي الراوي"
ودوت شهقة جوان وكأنها تخرج من صدرها آخر أنفاسها …بينما رفعت سَبنتي يدها على فمها ويد على قلبها وهي تحدق في عينيه بصمت مطبق ووجه شاحب ..وساقين مرتجفتين..
واندفع صادق خارجاً يطارده الماضي الذي لا يرحم والندم لن يفيد ولن يشفع…



يتبع
الأن


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-21, 12:00 AM   #10636

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السبعون المشاركة "٥"

درجتان هبطهما صادق حتى اصطدم بوجه نضال المرعب رغم جموده.. حدق كل منهما في الآخر بمشاعر مختلطة.. ولكن صادق قد رآها في عينيه ولمسها في تحفزه، وجربها لأشهر مدركاً ما قد يتطرف رجل كنضال ويفعله لحماية ابنته… سيتركها هذه المرة وهو متأكد أن لا ندمه ولا ماله ولا شيء في الدنيا قادرٌ على تعويضها وحمايتها غير هذا الرجل الذي يقف أمامه…
تركه نضال مكانه ولم يتبادل معه حرف واحد.. وهرول نحو البيت, وفور أن وصل لبابه صرخ باسمها: "جوان…"
حاولت جوان أن تمثل عليه الثبات والقوة إلا أنها فشلت تماماً.. وجدت نفسها تركض نحوه حتى اصطدم جسديهما كما قلبيهما، يضمها إليه وقد تشكل جسدها على تجويف جسده، وتخللت يد نضال شعرها بأصابعه مريحاً ذقنه فوق خصلاتها المميزة: "أنتِ بخير؟"
هزت رأسها داخل صدره وشفتاها تطبعان فوق قلبه قبلة قوية ممتزجة بدموعها :"أنت هنا.. كل شيء أصبح بخير"
تراجعت عفاف تتنفس الصعداء وهي تضع حفيديها في المكان المخصص لهما وكأنه بمغادرة غراب البين، هدأت الملائكة..
وظلت سَبنتي قرب الباب تنظر إليهم بعينين ضاع ثباتهما ..وأخذت تنزلق وتنزلق على الحائط بجانب الباب ..حتى جلست أرضاً ورفعت ركبتيها لصدرها وضمتهما بذراعيها ..تشخص للبعيد دون هدف.. كلها يختض وروحها خاوية، ولكن لا دموع تتساقط رغم احتراقها في عينيها ..وبالنهاية شعرت بجلوس عفاف جانبها ثم جذبت رأسها إلى صدرها، وأخذت ترتل عليها آيات من القرآن حتى سكن كل شيء حولها وآخر ما كان في قلبها ينبض بهمس: "ليته هنا"
*********
عندما دخلت غرفة طفولتها، كانت الأنوار مطفأة وقد غربت شمس النهار وتبدد نورها منذ زمن مر عليها طويلًا…
المنزل ساكن تمام وهي في طريقها للصعود بعد أن أوصلها نضال وقد أصرت جوان أن يفعلها بنفسه… لم يفتح فمه بكلمة معها طوال الطريق، ولم يحاول التعليق على ما حدث…
رغم تفاقم الأزمة بداخلها وداخله …فقط ما سمعته منه عندما هبطت من السيارة قوله بصوت مكتوم: "لقد آذيناكِ جميعاً ومازلنا نفعل"
لم تعلق بشيء اكتفت بابتسامة وودعته وهي تستدير مبتعدة متلهفة للاختلاء بنفسها…
رمت حقيبتها على الفراش وجلست جانبها ببطء تحدق بعينين فارغتين في ظلام الغرفة بلا هدف، لم تشرع في فتح الأضواء، ولم تحاول فتح الستائر..
(أنا أخاف العتمة)
أفكارها تتدافع مضطربة تتذكر ومضات من حديث تبادلاه سويًا… من ضمن أحاديث أكثر لم تخرجها لإنسان قبله…
اختنقت واجتاح البرد بنيانها الهش، أحست سَبنتي برغبة كبيرة في احتضان نفسها، أم هو اشتياق النفس الهشة التي تفتقده، متمنية لو كان هنا لتخبره أنها واجهت أحد مخاوفها وهزمت أحد أشباحها وأعادته إلى القبر الذي حفره بيديه ثم ألقته فيه… همست بنبرة خشنة بالعاطفة: "ما عُدتُ أخشى الظلام يا خالد.. ولكني أخافك، كما أخاف نفسي"
تابعت بكاءها بصوت علا نشيجه ..وارتجف جسدها من جديد وكأنها تغرق وتقاوم لتبقي على السطح…
ومضات أخرى تتدافع، صراعات تعيشها كما حالها الدائم.. عزام.. ياسر.. صادق.. جوان.. لانا.. هو..
هو: (ما الذي قدمته لتنجح علاقتنا؟! أنتِ غير كافية.. عائق..)
كفها ارتفع يحتضن صدغها تفركه بألم بائس.. وانخرطت دموعها من جديد …وهي تهمس بتشنج: "لقد اكتشفت أني قدمت، أعطيتك ما أردته مني.. أصبحت معك إنسانة من جديد، كيان ذو أهمية وقيمة، وليس مجرد خطأ وفرد زائد في الدنيا نسب لآل الراوي… ولكنك لم ترى ..لم ترغب في أن ترى"
لهثت وهي تضع يديها على قلبها وشعور مر كالعلقم يتفاقم حتى أحست بمذاقه في فمها…
أصابعها تجذب مقدمة ملابسها بضيق علَّ شعور الاختناق الزاهق يتبدد…
(كيف حالكِ مع الله؟ الجئي إليه.. ستجدين عنده سبل علاجكِ وراحتكِ)
ارتفع رأسها بنفس السرعة التي جرت فيها نحو الشرفة، تفتحها بأصابع عصبية ترتجف… تفتح بابها على مصراعيه وفور أن ضرب الهواء البارد وجهها علّه يهدئ من النار الفظيعة التي أضرمت في كل جزء منها… تركت لدموع أخرى العنان تحرق خديها، وجهها مرفوع لأعلى.. أنفاسها تلهث وكأنها جرت أميال …لسانها يهمس أخيراً بخجل العبد لخالقه:"كيف هو حالي يا الله ..أنت تعلم حالي ومن لي سواك ليعرف حالي… أنا أمتك المهزومة الخاطئة فهل تقبلني وترحمني؟!"
انحنى كتفاها ببطء كما فتحت جفنيها أخيرًا تحدق في السماء المظلمة بلا نجم واحد ينير عتمتها ولا قمر يبدد ظلامها..
:-"كيف حالي، أخجل أن أجيب وقد ابتعدت طويلًا جدًا، صدقت الخرافة ومشيت وراء الوهم… وهم أني لا أستحق، أنتَ تعرف يا رب ..وحدك سمعت قلبي.. وحدك رحمت ضعفي ..هم حولي يسمعون صوت الألم ويبحثون عن راحة مني تريحهم ..ولكنك وحدك يا الله عندك راحة قلبي ..فأنا أتألم"
ارتفعت يداها تكتم نشيج متسارع.. تحترق ..هي تحترق..
ابتعدت أصابعها وتفرقت على وجهها وهي تهمس: "أنا أتألم يا الله ..هل تسمعني؟!"
صمتت من جديد تبتلع كدمات الحرقة.. ذراعاها يهبطان ببطء ممسكة جانبيها وكأنها تدعم نفسها من سقوط حر: "أنا خائفة …اليوم أنا خائفة أكثر من قبل ..أجهل أي طريق أسلكه ..لا أعرف ما الذي عليّ هجره، والزهد عنه ..أنا خائفة.. لا أدري أين أذهب، هل أنسحب أم أبقى؟ أستسلم، أم أظل وأحارب؟!!"
دموع من جديد ووجه أصبح كتلة من الدم المتفحم، شفتان ترتجفان وقلب صاخب بين أضلعها حتى شعرت أنه على وشك التوقف، وصرخت صرخة استجداء.. توسل ومن هو قادر على انقاذها سواه؟!
:-"أنا أتألم يا الله …هل تسمعني؟! أنا موجوعة، أرجوك أعِنّي، أرجوك أرحني، وحدك من تعرف أني ما عُدتُ أتحمل ذلك الألم، حاشا إن كنت يئست، ولكني أرجوك أن تشملني برحمتك"
ارتجفت ساقاها تهبط ببطء على ركبتيها في منتصف الشرفة، تحني رأسها وترفع كفيها للأعلى ملحة في البكاء و تكرار شكواها: "أنا أتألم وأنت تسمعني يا الله وترى قلبي فأجب سؤاله"
أجفلت منتفضة عندما شعرت بيد حانية تجذبها برقة غلبتها اللهفة، لصدر يشملها، ويضم ألمها معها… رفعت سَبنتي عينيها الحزينتين نحو عينيّ منى الباكيتين لأجلها..
:-"ليتني.. ما.. ما تركت حضنكِ أبداً يا أمي"
أومأت منى قليلًا مصدقة والدموع تخنقها أيضاً: "ليتني ما تركتكِ لهم.. ليتني تمسكت بحقي فيكِ ..ليتني وليتكِ وليتهم"
شهقت سَبنتي بصوت عالي وكأنها تجاهد لالتقاط النفس من بين الاختناق …حاوطت منى وجهها بيد واحدة وهي تقرب وجهها من وجه سبنتي ثم قالت بصوت أجش: "سيمر"
هزت سَبنتي رأسها بطاعة وثقة، كما كانت تفعل وهي صغيرة حينما كانت لا تشكك أبداً في أي حرف تنطق به منى ..وقالت أخيرًا بصوت حزين: "أدرك أنه سيمر، أنا أحارب ليمر ..ولكن الطريق صعب يا أمي ..أتخبط بداخله وتجرحني الأيدي وتؤذيني وكأنهم يصرون على جذبي كل خطوة أتقدمها لألف خطوة للوراء"
قالت منى بصوت هادئ قوي: "سأرافقكِ، وأمسك بيدكِ، أنتشلكِ كلما أغرقوكِ، وأساعدكِ للنهوض كلما أوقعوكِ.. سأدفعكِ للأمام ولن أسمح لكِ بالتراجع"
ابتسمت شفتاها ابتسامة ناعمة حزينة: "الجميع اتفق أني يجب أن أذهب فيه وحدي …أريدكِ معي كما كنتِ تفعلين دائمًا.. ولكن هذا ما عاد يصلح هنا …ستفترق الطرق ويجب عليكِ ترك يدي لأخوضه وحدي، حتى أنجو أو…"
صمتت وهي تنظر إليها مبتلعة ريقاً جافاً …همست تتابع: "على الآباء ترك أيدينا أحيانًا لنجد سبيل النجاة وحدنا، فالحماية المفرطة كما الإهمال الزائد كلاهما يوصل لنتيجة سيئة للغاية، كما حدث معي أنا"
نشجت منى وهي تنظر إليها مبتسمة بألم.. ثم قالت بخفوت مختنق: "لن أحاول مجادلتكِ فيما تقولين بل سأشجعكِ عليه، أتعرفين لماذا؟"
هزت رأسها بنفي بطيء…
نهنهت منى في بكاء وإن لم تنمحي الابتسامة الواسعة وهي تقول: "لأني أراكِ من جديد، أشعر آخر أسابيع أن ابنتي التي فرطت فيها منذ خمس سنوات قد عادت إليّ لتوها"
ضحكت سَبنتي ضحكة رائقة حزينة …سرعان ما تبددت ثم قالت فجأة: "لقد رأيت جدي، وقفت في وجهه ومنعت أذيته عن جوان والصغيرين"
تجمدت منى وتوترت ..لكن سَبنتي سارعت تربت عليها مبتسمة وهي تقول بهدوء: "لا تخشي عليّ فاليوم خضت أول اختباراتي، وانتصرت"
أخذت منى نفساً طويلاً قبل أن تقول راغبة في منحها الدعم العاطفي والمعنوي: "هذا الرجل عديم القلب والنخوة، لا يملك سلطة عليكِ، إياكِ وأن تسمحي لكلماته السامة أن تؤثر بكِ من جديد"
مدت يدها تلمس وجنة منى كطفلة تحب تتبع ملامح والدتها الدافئة التي تمنحها العلاج والسكينة ..ثم قالت مبتسمة بهدوء: "أعرف، كما أعرف أني لم أكن لأرتاح حتى أقف في وجهه وأخبره كيف أراه في عينيّ ..أن أجبره على الاعتراف بي كإنسانة من لحم ودم وروح كان هو أول من تجنى عليها"
ابتلعت منى ريقها ولكنها تماسكت بالقوة وهي تسأل: "ماذا قال؟ كيف آلمكِ هذه المرة؟"
أجابت بهدوء مع نفس الابتسامة التي طالت، وكأن ابتسامتها تسخر من الألم الذي يحارب ليغلبها: "لقد نطق اسمي، اعترف منهزماً أني استحققت حرب جوان من أجلي.. لقد أبصر أخيراً من هي سَبنتي الراوي ..لقد رأيتها في عينيه، أبصرت نظرة الحسرة والندم التي محت نظرة القرف والبغض للقيطة ابنته"
تأوهت منى بألم وكأن نطقها بلفظ (لقيطة) بهذه البساطة أوجعها هي…
تابعت سَبنتي هامسة: "أعرف أنه يكرهني، لن يحبني يوماً، وأنا لم أهتم يومًا بحب صادق من عدمه ..ولكني تخيلت طويلاً وقوفي في وجهه قوية, غير مهتزة، أحمي جوان من بطشه ..ولا أنهار.."
صمتت من جديد، قبل أن تقول بارتجاف: "لم أنهار يا أمي"
ضحكت منى ضحكة خافتة ثم قالت: "لم تنهاري, وعدتِ تناديني أمي"
عم الصمت بينهما, تحدقان في بعضهما بابتسامة ودمعة …ثم أراحت سَبنتي رأسها أخيراً فوق قلب منى وأدارت ذراعيها حولها تضم نفسها إليها …وقالت أخيراً بسكينة: "لأنكِ أمي ..أمي التي تهت عن دربها طويلاً ..لقد اكتشفت أخيرًا أني كنت أبحث عن عاطفة تهدئني، عن مشاعر الأمومة الحقيقية، كما كنت أراها بينكِ وبين أولادكِ… ولكني أدركت الآن حصولي عليها مسبقًا معكِ.. أني طوال الأعوام التي ابتعدت فيها عنكِ كان هناك نبض بداخلي يستوحش للرجوع إليكِ"
عصرتها منى بين ذراعيها بقوة، مقبلة قمة رأسها: "ليتني ما فرطت فيكِ، ليتني حاربت من أجلكِ، والله ما شعرت يومًا تجاهكِ بحب يقل عن حبي لهم، لم أركِ إلا صغيرتي، لم تكوني اليتيمة أبداً, لم أركِ بعين الشفقة ..بل بقلب أمومتي"
رفعت سَبنتي وجهها من جديد هامسة: "وجود جوان سكّن ألمي، أكمل شعوري بالنقص ..أما أنتِ فتمحين الوجع، وترممين البنيان الذي تهدم بداخلي"
اختنقت منى: "سامحيني ..اغفري لي خطيئتي التي وسوسها لي شيطاني"
شهقت وهي تغطي فمها بقوة للحظات قبل أن تعود تضم نفسها إليها هامسة بصوت أجش صادق: "والله أني لم أحقد عليكِ أبدًا، لقد كنت غاضبة مجروحة.. ومسامحة.. أنا سامحتكِ منذ أول مرة شعرت باشتياق جارف إليكِ، يومها أدركت أني ما حقدت عليكِ أبداً"
كبحت منى نشيج بكاء آخر غير راغبة في الضغط عليها أكثر، يرضيها ويكفيها ما وصلت إليه اليوم ..وماذا تتمنى أكثر، ما الذي قد تتوق إليه روحها بعد أن عادت إليها آخر قطعة من إطارها المهشم الذي تحلم أن ترممه يوماً ..وتجمع شظاياه وتعالج انشقاقه ..ربما بقي شيء من أمل لتكتمل الصورة..
تمايلت بها وكأنها تهدهدها, متشبثتان ببعضهما وهمست بصوت اخشن بالعاطفة: "اشتقت إليكِ يا عبثية ..كما افتقدت جموح غضبكِ ورقة قلبكِ"
أطلقت سَبنتي ضحكة مكتومة وهي تتمايل معها..
عيناها مغلقتان وأصابعها ترتفع متشبثة بكل عزيمة فيها.
لقد سكن الألم …أخيرًا سكن بعضه وانطفأ الحريق بداخلها بماء ناعم وعذب …سيمكنها من نوم ليلة هانئة خالية من الكوابيس التي عادت تهاجمها منذ أن ابتعد…
"أمي" همست
لبت منى: "معكِ حبيبتي"
:-"هل تظنين أننا يمكن أن نتخطى إيلامنا أحدنا الآخر يوماً؟!"
توترت منى للحظات والسؤال في حد ذاته أوجعها، فهي تسأله لنفسها كل لحظة منذ ابتعاد الغالي عنهما لثلاثة شهور ونصف كاملة…
هي لم تتخيل يومًا أن يملك ابنها ذلك الإصرار والقوة للافتراق…
عندما طال تفكير منى ..أطلقت سَبنتي نفساً طويلاً متهدجاً قبل أن تقول بنبرة طفولية نزقة: "البعبع الغبي ..سيتركني من جديد قبل أن أخبره أن حياتي بدونه خاوية ..وحياتي معه مجرد كارثة.. أنا أحب ابنكِ بكل أسف.. ياااال حظي العاثر"
هل عليها أن تخنقها وتريح نفسها من هذه المعضلة وتنقذ ابنها الوحيد من ورطته بحبها …أم عليها أن تكتفي بالضحك كما الماضي عندما كانت تنطق شيئاً حكيماً غبياً… بالنهاية وجدت منى نفسها تختار على مضض الضحك بكل بساطة..
**********

يتبع الأن
:s m10: مني بس بقي بس بقي


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-21, 12:03 AM   #10637

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السبعون المشاركة "٦"



وضعت حقيبتها أرضًا واعتدلت تنظر لوجه ليلى الهادئ تجلس على مكتبها وتشبك يديها ببعضهما وأسندت ذقنها فوقهما تنظر إليها بصمت مطبق …هتفت سَبنتي بنزق: "لماذا تنظرين إليّ كأني أكلت نصيبكِ من طبق الحلوى؟"
مطت ليلى شفتيها بملل قبل أن تسأل: "تأخرتِ جلستين، هل يمكنني معرفة السبب؟"
اختفت يداها تحت شعرها المنسدل تفرك عنقها بشئ من الخجل، ولكن بلا توتر ولا اضطراب, عادةً ليلى تسجله عليها …بداخلها تشعر بنوع من الانتصار وببداية النور لطريق طويل خطت فيه مع سَبنتي لتوها …الآن تستطيع تهنئة نفسها على استحياء بإنقاذها حالة أخرى..
:-"كنت منعزلة في الدراسة، تعرفين أني رسبت في مادتين العام الماضي.. لذا أحاول التعويض هذا العام و.."
قاطعتها ليلى ببرود: "تحاولين منذ الآن وبداية العام الدراسي لم يمر عليها إلا شهر… سَبنتي لا أحب الالتفاف"
صاحت سَبنتي بغيظ وهي تقف محتجة من مقعدها: "ومن تحسبين نفسكِ لتستجوبيني هكذا؟"
أخذت ليلى نفساً طويلاً قبل أن تقول مبتسمة: "وصلنا للهدف بطرفة عين ..من تظنيني حتى تحاولي التهرب والكذب ..أتذكرين ما سبب ترددكِ عليّ؟!"
فركت يديها بتوتر لم يخيف ليلى.. وقالت بخفوت: "ما عدت أنسى ..أنا أتذكر جيدًا كل شيء وهذا ..هذا أصبح حملاً لا يطاق"
صمتت قبل أن ترفع وجهها نحو ليلى وعرق بجانب فمها ينتفض هامسة بألم: "النسيان حل مريح للمآسي.. ولكنه لم يعد متاحاً لي, أليس كذلك؟"
اعتدلت ليلى وتبعتها حتى وقفت قبالتها.. ثم قالت بهدوء: "يجب أن تدركي أن التذكر موجع، كما النسيان صعب ..لكن الوقوع في فخ تكرار المأساة متجنبة التذكر هو أسوأ أشكال المعاناة"
رفعت كتفيها بعجز وهي تقول بخفوت: "من السهل عليكِ الارشاد والنطق بالنصائح الفلسفية ..إذ أنكِ لم تجربي حرب الغوغاء التي يخلفها كلا الاختيارين"
أجابت ليلى بصراحة: "المشكلة في أنكِ لم تنسي شيئاً، وإلا ما كان هناك حرب بداخلكِ من الأصل…"
توسعت عيناها قليلاً وأخرجت نفساً محترقاً ..وتحركت نحو المقعد المريح وتمددت فوقه واضعة ذراعيها على عينيها …ثم قالت فجأة: "لقد قابلت جدي لأمي.. واجهته وحدي, لم أذعر من لقائه, ولم أغرق بين أشباحي كما أفعل كلما رأيت الوغد الذي أنجبني"
بوغتت ليلى قليلًا من تداخل الحوار ..إلا أنها لم تستعجب.. ومن غيرها يدرك أن هناك لمسات ملحوظة لتطورها وتقبلها الحياة أخيرًا.. ملحوظة أخرى سجلتها ،ما عادت ليلى تخشى عليها من مواجهات يجب أن تخوضها سَبنتي قريبًا.. إذ أن العلاج بمواجهة مخاوفها هو أفضل سلاح لطبيعة مرضها..
جلست ليلى على مقعدها أمامها وسألت بهدوء: "أخبريني ما الذي حدث بالتفصيل؟"
شوحت بيدها الحرة دون أن تخفض ذراعها عن عينيها …ثم قالت مدعية عدم الاهتمام: "ليس شيء يستحق سرده ..هو أخذ نصيبه مِني ..وأنا سرقت قطعة منه أستحقها"
ابتسمت ليلى: "وما الذي سرقته؟!"
اعتدلت سريعًا قافزة من مكانها، وجهها يحمل ابتسامة شرسة متفاخرة هاتفة بجزل: "قلبه …سرقت قلبه إن كان يملك واحداً وسحقته تحت قدميّ أمي وأخرجت منه سره الأعظم ..الحسرة والندم، والتمني.. لن ينال الغفران مني أو جوان أبداً"
فحصتها نظرات ليلى لثوانٍ …قبل أن تقول باستفزاز: "ومن أخبركِ بأن والدتكِ لن تمنحه الغفران إن عاد ملحاً في طلبه؟!"
بهتت الابتسامة وهي تقول بحدة: "لا تملك الحق وحدها ..لن تجرؤ"
ردت ليلى بنفس النبرة المستفزة: "إنها ابنته الوحيدة ..من عانت على يديه وحدها ..من تحمل نحوه مؤكد مشاعر حب من نوع ما وإلا ما كانت خضعت له كل هذه السنوات تكفيرًا عن ذنبها كما أخبرتني"
شحب وجهها تماماً، وارتجفت كل خلية فيها وهي تهتف مكررة: "لا تملك الحق وحدها …ليس بعد أن أدخلتني في القبر الذي حفره لها …لا تملك الحق يا ليلى.. هل تسمعيني لأني ضحيتها قبل أن أكون ضحيته"
علا صوت ليلى بسلطة قاصفة: "ومن منحكِ الحق لتقيدي حريتها، ورغبتها في العودة لأحضان أبيها ..أن تحصل منه على ما حرمت منه بسببكِ"
بهتت وهي تجيب بضعف: "سببي أنا؟!"
لم ترحمها وهي تجيب بقوة: "كل إنسان يرى بعين معاناته.. عند جراحنا الخاصة نعمى عن جراح الآخرين ..نتجنب الإقرار بها ..كل إنسان يرى في نفسه الضحية، القتيل لا القاتل"
ازدردت ريقها وهي تنظر إليها بقناع قوة بدأ يتشقق ..وليلى لا تريد إقناعها بزي تلبسته حديثاً من الضعف، أو ضعف البنيان إن قررت سَبنتي ارتدائه يجب أن يكون قوي الأساس ..منزوع من أي وهم..
عندما لم ترد ..تابعت ليلى برفق: "ليس عليكِ أن تقاضي أي إنسان على اختياراته ..كل منا يبحث عن ما يداوي جراحه حتى وإن كان من منظورك خاطئ وجريمة لا تغتفر، أنتِ لا تملكين الحق في التدخل ..عليكِ احترام رغباتهم"
رفعت إليها عينين ضائعتين للحظات ..ودمدمت بقهر: "بعض الجرائم التي ارتكبت في حقنا عن قصد ليس فيها غفران ..هناك جراح مهما طال علاجها لا تشفى يا ليلى"
أومأت ليلى: "لم أقل أنها ستفعل ..ولكني أحاول إفهامكِ أن تحقيق انتصاراتنا تقف عند حقوق الآخرين …لا أريدكِ أن تطلقي الأحكام، أو تنصدمي وتعودي ألف خطوة للوراء إن فعل أي انسان عزيز تصرف ما، أو اختيار سلكه"
اغرورقت عيناها بالدموع ..إلا أنها كانت تنظر إليها مبتسمة بوداعة ..عندما قالت ببساطة: "نسيان الحق خيانة ..التسامح مع الجناة وضاعة خاصةً عندما نحمل وزر إنسان ليس له أي ذنب إلا دخوله في معضلتك مسلوب الإرادة ..حريتنا تتفوق على الآخرين يا ليلى ..إن كان عليّ احترام قرار إنسان خذلني لأنه فقط اختياره ..فلما لم يراعي هو مشاعري وألمي متشاغلاً عنهم بدناءة"
أسبلت ليلى أهدابها ..وهي تسأل بمكر: "هل ما زِلنا نتحدث عن جوان ..أم نتخفى في الحديث قاصدين شخصاً آخر؟"
ارتبكت ..تكبح دموع الحنين والجرح ..تشعر بنفسها تضعف وتكاد تسقط من حافة الهاوية في بئر الضعف .عادت للتخبط، للضياع, وفقدان هالة القوة الجديدة التي بالكاد ترسم حولها حدودًا مرضية…
مالت ليلى نحوها تحدق فيها بمكر تسبر أغوارها بكل تمكن: "الاندفاع ، وإطلاق الأحكام، اتخاذ طريق الأذى، وحمل راية الجحيم مذهبًا هذا ما فعلته معه …هذا دائماً ما أجدتِ فعله جرحه لتشفي أنتِ بكل أنانية، اكتشافكِ أنه اختار أن يرمم إنسانة تجنى عليها.. دعست بين صراع الضواري"
لهثت: "كانت خيانة"
ردت ليلى بقوة: "كان هدفه مساعدتكِ"
رفعت وجهها لأعلى: "أخبرته بأنها نقطة ضعف لي لن أغفر له أبداً إن مسها أو اقترب منها"
واجهتها ليلى بهدوء: "وأنتِ دعستِ كيانه كله ..لم تمسي مخاوفه فقط ..بل حطمته انتقاماً"
هزت كتفها بعجز وهي تبرر مختنقة: "لم يكن هو من أمامي.. بتِّ تعرفين!"
ساد الصمت لدقائق وليلى تحدق فيها بكل هدوء وثبات ..لا انفعال ولا مشاعر ..لا لوم سلبي ولا تشجيع ..لقد خاضتا هذا الحديث قبل أشهر مرات عديدة وبطرق مختلفة…
انهيها لا ترغب طبعًا في إحساسها بأي ذنب ..ولكنها تريد إخراجها من أي شعور سلبي بأنها ضحية..
سَبنتي ضحية ..ضحية ذبحت على مقصلة الغل, الحقد, الحسد والطمع ..ضحية نخر فيها شياطين الإنس حتى قضوا على كينونتها …ضحية حطموها بكل الطرق القاسية …لقد كانت في بيت الراوي كعروس قربان السحرة.. كل منهم يدب فيها سكينه التلم ارتداد لألمه..
نعم ها هي الصياغة السليمة …لقد كانت مجرد كيس ملاكمة لكل واحد منهم يفرغ فيه غضبه ..حتى وإن كانوا لا يقصدون ذلك..
:"لماذا صمتِّ، ألا تصدقيني؟!"
تنهدت ليلى …وأجابتها: "لا, أصدقكِ بالطبع.. أنا أثق بكِ يا سَبنتي ..ولهذا لديَّ الشجاعة أخيراً لأسألكِ.. بعد مرور هذه المدة بينكما كيف تشعرين تجاه الأمر برمته؟"
بعد انطفاء جذوة الغضب، بعد أن انقشعت غمامة القهر ..بعد أن ظهر كل ما أخفي تحت جدار الأسرار المدمرة, فكرت قبل أن تقول بصوت شاحب مضطرب: "أنا غارقة في الظلام"
صححت ليلى بهدوء: "كنتِ غارقة في الظلام …الآن أرى أمامي محاربة تمسك قنديل الهداية وتكمل طريقها"
هست سَبنتي بحنق: "وحيدة ..أمشي وحيدة, مهزومة الخطوات"
دحرتها ليلى: "لأنه تخلى عنكِ؟"
تشنجت: "وعدني بالمساندة للأبد، بانتشالي من ظلامي، وفور أن صدقته وسلمت إليه عاد يلعب لعبته المفضلة بإلقائي كالقمامة"
تتبعت ليلى ذبذبات القهر التي تحيطها ..بتشكك لحظي قبل أن تأخذ نفساً طويلاً وهي تعلن: "لقد نصحت خالد من فترة طويلة جداً أن يبتعد عنكِ ..ورفض عاجزًا عن ترككِ… لذا أجدني أشكركِ لأنكِ منحته ونفسكِ طريقة لفعلها أخيراً"
بهتت متوسعة العينين الذاهلتين وتساءلت صارخة تقريباً: "لماذا… لماذا؟!"
اعتدلت ليلى في جلستها ..وهي تجيب بهدوء شديد: "لأني رأيت أن كل ما نفعله بلا قيمة إن بقيتِ تتخذيه مهربًا لمشاكلكِ… أردتُكِ أن تجدي طريق السلامة بنفسكِ ..أن تخوضي رحلة العودة من غابات التيه وحيدة، تتخبطين وتقاومين …تسقطين ثم تنهضين دون يد تسندكِ"
:-"هذه قسوة منكِ.. ومنه ..أتسمين هذا علاجاً؟!"
هزت ليلى رأسها بالترافق مع قولها برقة: "أنا لا أعالجكِ يا سَبنتي، بل أرشدكِ للعلاج"
هدرت نزقة: "وما الفرق؟!"
ابتسمت ليلى قبل أن تقول ببساطة: "الفرق، أنكِ من تطببين جروحكِ بيدك ..أنا أرشدكِ حتى لا تعتمدي على إنسان قط، ألا تلقي كل ثقتكِ على إنسان ثم تفجعين إن تركِكِ لأي سبب فتنهار كل سبلكِ دون أمل في النجاة هذه المرة"
شعرت سَبنتي بمشاعر كثيرة تتراكم داخلها ..تنسج من الوهم شبحاً مرعباً، ثم تقيم من الإيمان والواقع محاربًا ثائراً يقتحم هذا الوهم ..ويهزم الشبح المرعب بسيف الواقع القاطع …همست أخيراً بألم: "لا أريد أن أكون وحدي"
قالت ليلى بلطف: "أحياناً علينا خوض بعض الحروب بمفردنا"
شردت للبعيد تنظر حولها مختنقة وكأنها تبحث عن خيط واحد تتمسك فيه ينتشلها من الغرق: "الطريق شاق يا ليلى"
أجابت ليلى بخفوت: "لو كانت كل الطرق سهلة ما اخترعت الحواجز …كل الناس تشقى في طريق الحياة ..وعراً مراً ومؤلمًا مظلمًا.. ولكن حلاوة لقاء النور في آخر النفق تستحق منكِ المحاولة"
أطرقت سَبنتي وهي تتنفس بنوع من السكينة…حزنها يذوي شيءٍ فشيئًا ..صراعها ومخاوفها تختفي ..وإن كان جرح القلب يطغى عندما همست: "أردته أن يحتفي معي بنجاحنا سويًا.. لم أريد منه أن يتخلى عني، إن كنت سأختار بين تهديد علاجي وبقائي معه ..وبين ابتعادي عنه ونجاتي.. سأختار الهلاك معه يا ليلى"
ابتسمت ليلى وهمست بخفوت: "مشكلتكِ الحقيقية معه أنكِ لم تسمحي لنفسكِ بالانفتاح على العالم قط ..لقد اختصرتِ كل شيء في حبكِ له ..بينما هو سمح لنفسه كأي إنسان طبيعي أن يقيّم اختياراته"
فلت منها نفس مرتجف وهي ترفع رأسها مجفلة ..من الصراحة التي تلقتها كخنجر مسموماً في قلبها: "لقد عاهدني كما وعدته أنا، كان بيننا ميثاق غليظ بالوفاء …اخترت أنا أن أحفظه لآخر يوم في عمري ..بينما هو اختار خيانته بحجة الظروف وابتعادي ..خالد لم يكن إنسان طبيعي ليقيّم اختياراته كما تدّعين …لأنه كان متورطاً وورطني وانتهى أمرنا"
أومأت ليلى قبل أن تقول ببساطة: "هل تعرفين كم قصة حب تنتهي يومياً تحت وطأة الظروف؟!"
هدرت سَبنتي بقوة: "نحن لسنا كأحد، نحن من الضواري كما تفوهتِ… حبنا نارٌ وشوقٌ بل إعصار، ووعدنا ميثاق أبرم بتعويذة، إن حاول أحدنا كسرها لعن بالعذاب إلى الأبد.. أنا أذكى منه أدركت الميراث الثقيل وحافظت على حبه أما هو للمرة الثانية أصر أن يلعن"
تراجعت ليلى على مقعدها وارتفع حاجباها بذهول حذر …ثم ما لبثت أن صفقت بإعجاب وهي تقول: "واو، ليتني عرفتك قبلاً, أنتِ رائعة يا فتاة، الحمد لله أننا تخلصنا من الشخصية النواحة ..فالصفاقة والغرور يليقان بكِ"
رمقتها سَبنتي بضيق: "أنا لا أعرف ما الذي يجبرني على التعامل معكِ؟ أدفع نصف عمري وأعرف من الغبي الذي منحكِ شهادة التخرج!"
ضحكت ليلى بقوة قبل أن تقول بخبث: "وأنا لن أدفع شيء ولكني سأعرف، لماذا لم تراجعي زوجكِ وتعاتبيه تلك الليلة بدلاً من الموقف الهزلي الذي حدث؟"
تجمدت وهي تقول بنفس يحتشد بالمرارة داخل صدرها: "لقد أخبرتكِ, أردت أن أضبطه متلبساً بالخيانة"
نفت ليلى بهدوء: "لا ..هذه ليست الحقيقة لذا أجيبي سؤالي دون التفاف"
هبت سَبنتي من مكانها ..تدور وتدور في أرجاء الغرفة.. تتعاقب على وجهها عدة مشاعر ..قهر، غضب, ألم فاق الأفق…
بالنهاية التفتت تنظر إليها بحدة ثم هتفت بسخط: "أردت أن أحطم الفارس الهمام والمثالية كما حطماني… أردتُ أن أقف في وجهيهما أخبرهما أنهما غير كاملين كما هزا ثقتي في نفسي بصدق ونضج حبي له قبلاً.. رغبت أن أخبر خالد أني كنت على صواب والدنيا لا تعطي شيئاً مجانًا، تقدم لك السعادة بيد وتلتف من الناحية الأخرى تأخذ منكَ كل أحلامك وكيانك وحياتك"
وجمت ملامح ليلى إلا أنها لم تعلق تركتها كما العادة تفرغ شحنتها قبل أن تعيد ترتيب أفكارها واحدة وراء الأخرى… وكأن سَبنتي فهمت أخيرًا أسلوبها… لذا أردفت وهي ترفع كفيها بعجز ..بينما وجهها يرسم ابتسامة حزينة مريرة رغم قولها: "أنا لستُ غبية، ولا مدللة عابثة… ولستُ جامدة يا ليلى ..أنا أدرك أني الرابحة من زواجي بخالد… أنا المهددة بقضية نسب قد تكلفه سمعته في مجتمع لا يرحم ..أنا المريضة النفسية دون معرفة إن كنت سأشفى يوماً أما لا… أنا التي أصبحت كائن أسود مشوه بشدة حد أنه لم يعد بي شيء يغري أي إنسان ..أنا الضائعة.."
اختنقت بعبراتها.. وصمتت لبرهة ثم أضافت بصوت مرير: "أردتُ أن أراهما سويًا بعد ما وصلنا إليه كزوجين سعيدين.. رغبت أن أضبط خالد بالجرم المشهود، أن أصدم فيه بمنتهى الدرامية مع امرأته المثالية ..ثم أطلب الفراق وأرحل ..ما كنت لأنتظره أن يفعلها هو بي"
نطقت ليلى أخيراً بنبرة غامضة: "أردتِ أن تقدمي المحتوم الذي تجزمين بحدوثه"
قالت باستسلام: "لطالما تم خذلاني.. منذ ولادتي وهم يفعلون.. فلماذا على خالد بالذات أن يكون مختلف عنهم؟!"
لم تعلق ليلى أيضاً بل استجوبتها بهدوء: "وماذا وجدتِ؟"
ابتسمت ابتسامة رهيبة فجأة وهي تمسح خديها بلهفة وكأنها تريد أن تبدو في أجمل طلة عندما قالت بروعة: "اتضح أن المرأة المثالية ليست مثالية, هي بشر يخطئ ويصيب ..يفقد أعصابه ويجن ..بشر كما أنا بشر ..فتاة تقابل رجلاً متزوجاً كاللصوص، حتى وإن كان غرضها نبيل إلا أنها وقعت في المحظور"
أخفضت ليلى وجهها ورفعت حاجبيها للأعلى ..بينما هناك ابتسامة شرسة غامضة ترتسم على وجهها وهي تقول: "لقد حطمتِ وهمها ..كسرتِ أول فزاعاتكِ المرعبة"
هبطت دموعها رغم احتلال الابتسامة ملامحها وهي تومئ بسرعة مصدقة: "لا أحد مثالي, كلنا نملك نقاط ضعف ..كلنا نفقد مبادئنا عندما يتدخل الغرور الأعمى، واعتقادنا أننا منزهين عن أفعال البشر"
وقفت ليلى من مكانها ..وأخيراً بدأ أول تلامس جسدي بينهما ..إذ أنها تتحاشى فعلها عامة مع مرضاها وسَبنتي خاصةً لا تحتاج لتلامس عاطفي في هذه المرحلة قد يفقدها ثبات تقدمها معتمدة على نفسها كما تريد ليلى..
أمسكت بكتفها برقة ثم سألتها: "حان وقت سؤال كل مرة …كيف تصفين مشاعر سَبنتي الآن؟!"
رفعت يدها ..وأمسكت بمعصم ليلى بشدة، وكأنها كانت تنتظر أن تقدم لها العاطفة …مشكلة سَبنتي الأخرى أنها دائماً تتعطش للعواطف الإنسانية ..وكأنها بإشباع هذا الجانب المهم دائمًا تمنح الرضا لنفسها…
رفعت يدها الأخرى وهي تشير بأصابعها نحو نحرها بعنف: "الأيام تطول والساعات تضيق، أشعر نحو سَبنتي بالرضا، أعرف أنها عادت إليّ واسترددت جزءاً منها ..ولكن مع عودتها عاد جزء منها أبغضه وأريد حرقه دون ندم"
سألت وهي تشد على ذراعها مساندة رغم إدراكها للإجابة مسبقاً إلا أن سَبنتي تحتاج قولها بصوتٍ عالٍ: "وما هو الجزء الذي تكرهينه فيها؟"
عضت على شفتها بقوة وكأنها تقاوم حتى لا تخرج الكلمات المذلة ..ولكن بالنهاية انكسرت المقاومة وانهزمت ..وهي تهمس: "أريده في حياتي، بعد كل ما جرحني به، بعد أن أشعرني بأني غير كافية وإنسانة منقوصة وذميمة …إلا أني لا أستطيع الابتعاد، لا أقدر على فقده ..خالد كان دائماً يمتلكني برغبتي ..يحتلني شيئاً فشيئاً منذ طفولتي حتى بتُّ أشعر أن خيوط روحه تلتف حولي وتجذبني إليه, فأصبح الفكاك منه يعني شيء واحد فقط.. وهو موتي… أنا ..أنا أحتاجه لأحيا"
ألم تقسم ليلى لنفسها أن تقر سَبنتي أولاً بالاحتياج رغم أنها تثق وبقوة أنها ما عادت تحتاجه كالسابق بإلحاح؟!
:-"أنتِ تحبينه ..لا تحتاجينه"
اضطربت من جديد ..وهي تدفع يد ليلى بعيداً بتهرب وصاحت معترضة بشدة: "لا أرغب في الغفران له… أريد أن أهرب منهم جميعًا، كيف أغفر له خيانتي معها ..بل كيف أنسى كل كلمة قالها لي؟!"
تسامحت ليلى مع حدتها وهي تقول بلطف خادع: "وأنتِ نلتِ منه أيضًا، لذا أجدني أتساءل هل هو على استعداد لمسامحتكِ والتناسي؟"
بهتت وهي تسألها: "أنتِ في أي جانب بالضبط؟!"
شوحت ليلى وهي تقول بنبرة قاطعة: "لستُ مع أحد.. بل أنا إنسانة تنظر للعلاقة كلها من الخارج فتقيمها بعدل بعيداً عن الفقاعة الحادة لمشاعر كلا الطرفين ..من يرى من الخارج يبصر الصورة بكل وضوح وحيادية"
أطرقت قبل أن تقول بنفس صعب: "إذاً هو لا يريدني.. لقد هجرني عندما واتته الفرصة ليتخلص مني, أهذا قولكِ؟!"
عبست ليلى: "أنا لم أقل هذا، توقفي عن سوء الظن"
اشتدت أعصابها كما بهتت ملامحها وهي تهمس بحزن: "هذا ليس سوء ظن بل حقائق ..هو ..هو تجنب أن ينجب مني"
أجابت ليلى بهدوء: "سَبنتي لقد أخبرتني مراراً أنكِ لا ترغبين في الإنجاب ..كما أنكِ ألحيتِ عليه بنفسكِ!"
دارت حول نفسها من جديد ..قبل أن تعود وتنظر إليها بغضب وهي تهتف بوقاحة: "إلا أنه لم يمانع عندما تقبلت لأول مرة علاقتنا، اشتقت إليه ووافقته وطلبت منه التأجيل كان مستعداً ..دائماً كان مستعداً للأمر ..وهو معي لم يغفل لمرة واحدة ..لم ينسى من بين لهفته وشغفه ولو مرة واحدة ..رغم أني من نسيت عدة مرات، إلا أنه كان مستعداً ..كان لا يريد.. تباً له…"
سكتت أخيراً تلهث بعنف …تضع يدها على قلبها علها تهدئ انفعاله..
صدمتها كانت مريعة عندما قالت ليلى وهي تكتف يديها على صدرها: "كان متلهفاً للإنجاب على فكرة، لقد استشفيت من كلامه وحماسه للزواج منكِ أن هذه خطته الأولى معكِ ..لذا نصحته أن ينسى الأمر تماماً إن كان يريد مصلحتكِ، فليقدمكِ على رغباته"
فغرت سَبنتي فمها وهي تنظر إليها بصدمة فظيعة وأحست بالنار تتقد داخل صدرها تحرق وتكوي بشدة …لم تجد ما تقوله رغم فوضى الكلام بداخلها حاولت جاهدة الاستفهام.. والاستنكار!!
ولكن كل ما خرج منها تأوهاً متألملً وهي تهمس: "كنت محقة إذاً، فأنا غير صالحة للأمومة مطلقاً"
ارتخت ملامح ليلى مشفقة ..قبل أن تجيب بصدق: "أنتِ غير صالحة لتبعات الأمومة يا سَبنتي ..لستِ مستعدة للأمر, طفل يعني مسؤولية عظيمة, يعني التخلي عن نفسكِ لتبقي معه هو فقط ..وهذه خطوة ضخمة يجب عليكِ أن تجدي نفسكِ قبل الإقدام عليها"
صمتت ليلى قبل أن تتابع موضحة: "إن أردتِ رأيي ودون مجاملة فأنتِ أمٌ جيدة، أرى كل السمات فيكِ من خلال تعاملكِ مع إياب، وحديثكِ بحماس عن آسيا وغياث ..ولكن طفلاً خاصاً بكِ، هذه خطوة يجب أن تؤخذ من كلا الطرفين دون أنانية ..بعد تأكدهما أنهما على استعداد نفسي وجسدي قبل المادي"
ارتعش فكها، وشحب وجهها الشاحب أصلاً: "لا مزيد من الضحايا ..هذه كانت رغبتي، وتلك هي الحقيقة فلا تحاولي تجميلها بالكلام المعسول"
سحبت ليلى نفسها ثم عادت تجلس مكانها وهي تشير نحو الأريكة: "اجلسي من فضلكِ"
ترددت وكأنها تريد الهرب من وجهها لتبحث عن ركن بعيد تبكي وحيدة …إلا أنها انصاعت للطلب وجلست واجمة..
أخذت ليلى نفساً طويلاً قبل أن تقول بهدوء شديد: "الحياة تجبرنا على تقديم تنازلات من حين لآخر ..لا أحد يملك كل شيء، لا أحد ينال سعادة وردية أبدية ..كلٌ يمر بالعثرات في طريقه، أخبرتكِ مرة أن بعضنا ولد هشاً، وهذا ليس عيبًا نحمل ألمه وعاره على أكتفانا طوال عمرنا"
صمتت تنظر لوجه سَبنتي المشدود بتركيز، تجاهد مع كل كلمة تحلل كل شعور ونصيحة ..تخضع أخيراً بغير مقاومة لتتلقى العلاج للنجاة..
:-"تقوقعكِ حول نفسك لن يفيد، إخفاء مخاوفكِ لن يحميكِ، أما الحديث جيد والمواجهة العادلة لكل الأطراف ..والثقة في من حولكِ ونفسكِ سلاح فعال… صِدقاً أنتِ تستحقين الحب.. آمني أن من يمد يده لينتشلكِ من الضياع يفعل هذا لأجلكِ لأنكِ تستحقين.. لا لأنه يحتاج منكِ مقابلاً"
ظهر الرفض التلقائي مع آخر جملتها.. فسارعت ليلى تقول: "وإن أراد منكِ شيئاً، ليس عيبًا ولا جريمة نأخذه ضده، العلاقات السليمة أخد وعطاء متبادل على الدوام, إن ظل طرف واحد يمنح والآخر ينهل بحجة أنه يحتاج ..من الطبيعي أن ينفذ رصيد الطرف المانح والآخذ سوياً"
اضطربت بشكل طفيف وهي تهمس: "لا أشعر بالأمان ..دائماً يا ليلى أشعر بالخوف والتهديد، وهذا يكلفني مهما حاولت علاقاتي بمن حولي"
أجابت بهدوء: "شعوركِ طبيعي، أنتِ تتقدمين في علاجكِ، ولكنك لم تشفي تماماً"
فركت يدها بتوتر وهي تقول ببهوت: "ولكن مخاوفي صحيحة, هو تركني بالنهاية"
تلقت ليلى قولها بكل رحابة وهي تجيب بوضوح تام: "نحن جميعاً نتعب وتأتي علينا لحظات من اليأس عند اقتراب انتهاء المشوار …وأنتِ وهو قطعتما الكثير لذا كان من الطبيعي أن تحدث عقبة يتعبها ألم نازف وعزوف لن يطول"
كررت بيأس: "أتسمين ثلاثة أشهر ونصف مدة قصيرة؟!"
مالت ليلى وأمسكت ركبتها وهي تقول بخفوت: "واجهيه"
"ما..ماذا؟!"
كررت ليلى بإصرار: "اذهبي إليه وواجهيه ..قفي أمامه واصرخي واعترضي وحدّثيه عن مدى خذلانكِ منه، عن الوجع الذي تسبب لكِ فيه …ذكريه وتذكري كل كلمة وحركة صدرت عنه ضدكِ"
هزت رأسها رفضاً بقوة ..قبل أن تتساءل بذهول: "لماذا تحاولين دفعي للمواجهة دائماً؟!"
قالت ليلى بقوة حاسمة: "لأني أريدكِ دائماً أن تتذكري وألا تتهربي من الألم مهما بلغت سطوته ..يجب أن تعيشي كل حدث ترك بداخلكِ بصمة من الوجع لتدركي بعدها أنكِ أقوى ..وبأنكِ أبداً لن تنكسري"
نفت رفضاً من جديد: "لا أستطيع، سأحطم كل شيء"
من المهم في هذه المرحلة أن تركز ليلى على الدعم المعنوي، وعلى إخبارها بأن كل أفعالها صحيحة وتشجيعها للإقدام ..للتركيز على دفعها للمواجهة: "لن تفعلي، تدركين لماذا.. لأنكِ لم تخطئي بالأصل حين مواجهتكما معًا… ربما انحرفنا عن هدفنا الأساسي ..ولكنكِ كنتِ شجاعة حين وقفتِ تدافعين عن حقكِ ..عن مكانتكِ ولم تستسلمي للانزواء والسكوت …كما فعلت مع جدكِ قبل أيام"
عم صمت آخر بينهما تستمد منه تشجيع وثقة وإيمان تحتاجه ..حتى احتقن وجهها بالدماء واشتعلت عيناها بجحيم لم تره قط ليلى في العينين الجملتين المشوهتين بحقد لم تستعجبه:- "وأنا نجحت في مواجهتي لخالد وهزمت فزاعة أخرى من مخاوفي …ماذا سيحدث إن واجهت أكبر عقدي؟ من تعتقدين أنه سينجو فينا من الجحيم الذي سأطلقه يا طبيبة؟!"
هل على ليلى أن تتابع النصيحة وطرق علاجها ..أم تتبع كل حواسها الطبية والعملية، كما شعور الخطورة الذي ملأ قلبها بمؤشر مفزع؟!!
ولكن من في مثل حالة سَبنتي لا يشكلون خطورة على أحد غير أنفسهم …أم تراها ستكسر القاعدة؟!
**********
يتبع الأن
:r ogaan:


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-21, 12:08 AM   #10638

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السبعون المشاركة "٧"




أ
مسكت سَبنتي بيدها تقودها من الاستقبال، نحو المصعد بعدم ارتياح وهي تقول بسخط: "والدتكِ ستعنفني, ما كان عليّ أنا ألبي أوامركِ …سأظهر أنا بمظهر المتهورة كالعادة، وأنتِ الملاك البريء الذي يتبعني مسلوب الإرادة"
لم تبادلها شيماء روح السخط ولا الدعابة ..متوترة، خائفة, وقلقة وهي تحيط بطنها بكلا كفيها الممسكتين بالعصا الداعمة…
"شوشو، ستكون بخير" همست سَبنتي وهي تعانق كتفيها بحنان…
هزت شيماء وجهها وهي تهمس بخفوت: "يا رب ..يا رب نجها والصغير"
لم تجد سَبنتي ما تقوله إذ أن الموقف برمته كان أكثر رهبة من أن ينطق أحدهما حتى بكلمة داعمة ..فمنذ أن حددت الطبيبة ولادة عاجلة للخالة هناء قبل موعدها الطبيعي بثلاثة أسابيع كاملة ..وهم يعيشون قلقاً غير محتمل …لقد باتت هناء الليلة الماضية في المشفى تحت المراقبة ورافقها كلاً من زوجها ونزار الذي رفض كل سبيل لإقناعه أن يتركها ويأتي بالصباح ليحضر ولادتها مع بدور والسيدة منى… ولكن بقي معهم ينتظر خارج غرفتها كما أخبرتها بدور قبل ساعة بعد أن دخلت هناء غرفة العمليات ..هي اضطرت للبقاء مع شيماء التي رفضت هناء أن تسمح لها بمرافقتهم خوفاً عليها خاصة وقد اقترب موعد ولادتها أيضاً …عندما فتح باب المصعد ركنت شيماء إليها في حماية وهي تقول مازحة: "استعدى لغضب والدتكِ، لمعلوماتكِ سأنهار معترفة من أول صفعة أنكِ من ألحيتِ وكدتِ تنهارين متوسلة أن آتي بكِ هنا"
اغتصبت شيماء ابتسامة من نوع ما وهي توافق بصمت ..وكل حواسها تتحفز باحثة بأذنيها وأنفها، وقلبها الذي يستشعر وجوده دون أن تراه العين.
"ما الذي تفعلانه هنا؟!"
من قابلتهن صارخة تقريباً لم تكن منى أو بدور ..بل مريم التي تجلس على أحد مقاعد الاستقبال ويقف بجانبها زوجها تمسك بكلا كفيها بذراعه مستمدة منه الصبر..
ازدردت سَبنتي ريقها وهي تقول: "ما تفعلينه أنتِ، ألا يفترض أن ولادتكِ لم يمر عليها شهرين ويجب أن تبقي في المنزل؟!"
نفخت مريم وهي تقول: "متحاذقة"
رفعت سَبنتي حاجبيها من الوصف الحاد ..ولم تحاول أن تشتبك معها، مريم لطيفة في المعتاد، ولكنها الآن تعيش أسوأ لحظاتها.. لقد سمعتها مرة تقول أن لديها رهاب من المشفى وغرفة العمليات خاصة…
راقبت سَبنتي نزار الذي اندفع نحوهم في خطوتين ودون كلمة أو مقدمات كان يسحب شيماء إليه يعانقها بشدة وأراح ذقنه فوق رأسها وهو يقول بصوت متحشرج: "من الجيد أنكِ أتيتِ ..أحتاج إليكِ.."
لفت شيماء ذراعيها حول خصره وأمسكت فيه بشدة من الخلف وهي تهمس: "شعرت بك ..وأتيت ولن أذهب لأي مكان بدونك، وهي معنا"
كادت العبرات تخنق نزار وهو يشد عليها بقوة بين ذراعيه وكأنه يرغب في بثها كل أوجاعه وخوفه ..كل ما يعانيه من ذعر استفحل وحاول كبته والتحكم فيه لكنه فشل فشلاً ذريعًا..
"ستكون بخير يا حبيبي، لن يتفرق شملنا إن شاء الله" همست شيماء برقة دون أن تبعد نفسها عنه مقدار إنش واحد..
هتف نزار بصوت خشن متحشرج: "لو فقدتها سأموت وراءها, الحياة دونها لا تستحق العيش يوم واحد.. الفقد أكبر من احتمالي"
كتمت شيماء وجهها في صدره تمنع شهقة بكاء مختنقة …قبل أن ترفع وجهها كما يديها تتحسس وجهه في هذه اللحظة ثم همست ببطء شديد:"بعيد الشر عنكَ وعنها.. وماذا عني وعن صغيرتنا ماذا نفعل دونكما.. لا تكرر هذا الكلام من جديد سنعود سوياً الليلة بزيادة فرد (أبو الرؤوس)"
ابتسمت ملامحه المرتعبة لها أخيراً فانفرجت أساريرها وهي تتابع: "أنظر للجانب المشرق لن يعايرنا أبوك بأمكِ الحامل مرة أخرى, إذ أننا من سنسرق منه الأمير الصغير ..ستسرقه من أجلي كما وعدت وكما سرقت إياس قديماً لأجلي, أليس كذلك؟!"
حاوط نزار كتفيها يعيدها لصدره ويسند ذقنه فوقها ولم يستطع الرد ..مستسلماً للقلق الذي ينهشه وعيناه معلقة على الباب الذي تختفي والدته خلفه ..ويستند أبوه برأسه المحني عليه فارداً يديه الاثنتان فوقه ..متهدل الكتفين وفمه لا يتوقف عن الاستغفار والتضرع لرب العباد أن يحفظها لهم…
لقد حاولوا إبعاده ..وتقدمت بدور تحادثه وتدعوه أن يجلس بجانبهم ..ولكنه اكتفى بهز رأسه نفياً وكأن قربه من المكان لا يفصل بينهما إلا الباب الضخم يجعله معها بجسده كما روحه…
لم ير والده منذ معرفته به منهارًا بهذا الشكل ..مرتعباً وفاقداً تركيزه ..خشن الأنفاس وكأنه يجاهد لإدخال الأكسجين لرئتيه ليبقى على قيد الحياة..
لم يقدر أن يبادله كلمة واحدة كما يفترض أن يفعلا ..كما فعلا طوال الليل وهم يسهران حول سرير المشفى الذي تمددت والدته فوقه وقد منحها الأطباء محلول طبي وبعض الأدوية المساعدة، فقد احتاجت رعاية خاصة نظراً لعامل العمر…
منى متواجدة, هي الوحيدة المتماسكة بينهم، توزع ابتسامتها المتفائلة للجميع ..وهي تقرأ آيات من القرآن ..وأخبرته بخبرتها الطبية أن الأمر لا يستحق كل هذا الفزع، فقد راجعت مع طبيبة الولادة وطبيب التخدير حالتها وقرأت كل التحاليل المسبقة…
ولكنه مرتعب وهذا أمراً لا يملكه بيده …كما والده الذي يجزم أنه سينهار في أي لحظة .إن طال غيابها أكثر…
وفجأة سمع صوت صراخ جنين جعل الجميع يقف من مكانه مقتربين من وقفة والده الذي رفع رأسه أخيراً ..يتراجع عن الباب خطوات ..منتظراً أن يخرج أي أحد ليطمئنه…
دقائق مرت على جوشوا يستجدي أي حركة ..أي بشرى وخبر عنها ..وظل على هذا الوضع المتجمد متوقف الأنفاس حتى ظن أن العالم كله توقف من حوله كم توقفت xxxxب الساعة عن العمل..
وأتى الفرج أخيراً عندما خرجت الطبيبة مرهقة الوجه إنما مرتاحة الخاطر بشوشة الوجه ..وهي تزف الخبر بهدوء: "مبارك لكم, لقد وصل الصغير بسلام"
تعالت هتافات الجمع حمداً وشكراً ..إلا أباه وهو حين هتفا متسائلين في نبرة متداخلة حتى لم يعد يفرقا لمن ينتمي الصوت: "وهي ..كيف حال هناء ..هي المهمة"
اقتربت فريدة نحو جوشوا مبتسمة: "بخير حال، لقد مرت الولادة بسلام وكل مؤشراتها مستقرة ستنقل الآن لغرفة الافاقة"
أطلق نزار صوت تنفس خشن محمل بنبرة بكاء شديد الفرح والرعب ..بينما تساقطت دموع جوشوا تلقائياً على وجهه وهو يستند على أقرب حائط وانزلق حتى جلس القرفصاء يده تدب على صدره ..ودموعه تنهمر شلالات: "اثبت.. إن الذي خلقك سيرعاك ولن يفجعك …حمدًا لله ..حمداً لله ..حمداً كثيراً يعبر عنان السماء"
********
بعد ساعات..
كان الجميع قد اختفى بعد أن اطمئنوا لإفاقتها ودخلوا الغرفة التي نقلت إليها وبادلوها التهنئة…
جلس نزار تحت قدميها يدلكهما بيدين لحوحتين، متجنباً وجود الجهاز الذي اشتراه والده خصيصًا لها ..وقد سمع من الطبيبة مرة أن هذا سيساعدها لتجري الدماء في أطرافها ليجنبها تجلطات ما بعد الولادة…
:-"بماذا تشعرين يا غالية؟ هل تتألمين؟ أخبريني حبيبتي سأفعل أي شيء لراحتكِ"
ضحكت هناء بوهن لابنها الذي يظهر كطفل يتعلق بذيل والدته ..لا يساندها: "أنا بخير، كل ما أريده أن تتماسك قليلًا"
جوشوا كان على غير العادة متباعد عنهم، وجهه لا يحمل المرح كما روحه, وكأن الساعات العصيبة التي مرت عليه لم تحرره من وطأة قسوتها بعد..
همست هناء وهي تنظر لعينيه الحبيبتين: "نزار هل يمكنك أن تذهب لتبقى مع أخيك قليلًا، أحتاج لأن تراه بعينيك وتطمئني عليه"
فهم نزار السبب الحقيقي، لذا لم يحاول الجدال ..بل وقف من فوره واقترب منها يقبل رأسها وهو يقول بخفوت أجش: "شكراً لكِ، لقد وفيتِ بوعدكِ ولم تتركيني وحدي"
ابتسمت من جديد وهي تربت على كتفه بإرهاق…
خرج نزار من الغرفة مصطحباً زوجته معه ..تاركاً لهما المجال أخيراً لينفردا…
علقت نظراتهما ببعضهما هي مبتسمة من بين الوهن ..وهو متخبط وخائف.. فهي لم ترى جوشوا قط خائفاً.. كان دائمًا رجلًا قوياً ساخراً بقسوة ..همجي في مشاعره.. مجنون في عشقه…
:-"هل ستظل مبتعداً كثيرًا، لم أتخيل في أسوأ كوابيسي أن يكون رد فعلك بهذا الشكل!"
أسبل جوشوا أهدابه مبتلعاً ريقاً جافًا.. ثم تحرر صوته أخيراً وهو يقول بتحشرج: "كدتِ تضيعين وبسببي مرة أخرى"
همست وهي تربت على مكان بجانبها: "لم يرتب أحدنا للصغير، كان هدية من رب العالمين, كلانا قدرها وحمد الله عليها ..فكيف بالله عليك تكون أنت سبباً؟!"
فهم جوش دعوتها ولم يستطع أن يقاومها ..تحرك يجر ساقيه الضعيفتين نحوها ..حتى وقف على مقربة منها ..وقال بخفوت أجش: "أنتِ كل النعم التي أردتُ الحصول عليها يومًا.. أنتِ العذاب والراحة يا هنا القلب"
ربتت بجانبها من جديد وهي تهمس بتعب: "لا تجبرني على التوسل يا بروفيسور القلب، اعتدتُ أن تكون أنت العاشق القوي فينا، ومن يمنحني الفرح والسكينة"
اقترب منها خطوة فبات قريبًا لتتحامل على نفسها تمسك يده وتجذبه جانبها ..إلا أن الحركة المفاجئة آلمتها بشدة، فأغلقت عينيها متوجعة لاهثة…
جلس جوشوا جوارها وسحب جزئها العلوي ليشتكل على صدره.. فمه يقبل رأسها معتذراً وهو يقول بلهفة: "آسف حبيبتي ..آسف على كل لحظة ألم عشتها بسببي منذ تعلق القلب بكِ"
سكنت كما تبدد الألم وهي تدفن وجهها في صدره مقبلة قلبه بقوة ..قبل أن تقول: "لقد زال الألم ..وتبخر الخوف ولم يبقى إلا هديتك الجميلة التي منحتني إياها للمرة الثانية"
لف جوشوا ذراعيه فوق بطنها مبتعداً عن الجرح ..ثم مال ومال حتى ارتاح ظهره على مسند الفراش وأخذها معه ..أخيراً وبعد جهد أطلق نفسًا مرتاحاً ..ودموعًا سبها بحمق لا تريد أن تتوقف حتى بللت جبينها..
همست هناء بحرارة: "دموع الفرح أليس كذلك يا حبيبي، دموع أبوة حرمنا منها قبل خمسة وعشرون سنة ..وها هو رب العالمين يعوضنا بها"
اختنقت أنفاس جوشوا وهو يطلق نفساً آخر اختنق ..يزفر بألم ويتأوه ثم همس مكرراً بصوت مجهد: "حمداً لله ..أنتِ بخير يا هنا القلب.. أنتِ هنا على صدري سالمة"
تدرك أن الحدث كله صعباً عليه، شديد القسوة والمعاناة، خاصةً لمن مثلهما وقد عانا الفراق قبلاً بأبشع الطرق…
همست وهي ترفع يدها بإجهاد تمسح دموعه عن وجهه: "أنا هنا، ولن أفترق عنك أبداً ..حتى الموت لن يفرقنا, روحي ستبحث عنك وستجدك أينما كنت"
اخشن صوته وهو يهدر دون سيطرة: "لا تذكري الموت بيننا مرة أخرى.. أنتِ هنا والصغير بخير هذا كل ما يهم وكل ما سأسمح لكِ بقوله"
ابتسمت ببطء وهي تعود لتستقر على صدره ..مغلقة عينيها وقد حصلت على راحتها أخيراً كما تمنت منذ أن استفاقت ووجدت وجهه الحبيب الشاحب يطل عليها بمخاوفه…
همست: "حسنًا يا أبا (أبو الرؤوس) لن أنكد عليك احترامًا ليوم ميلاد جنابه ..ولكن هل يمكنك أن تأخذني لأطمئن عليه؟"
حرك يده في شعرها مربتاً ثم قال بحرص: "الطبيبة قالت أن الحركة الآن ليست محببة في حالتكِ ..ارتاحي لساعات أخرى وبعدها سآتي به إليكِ.."
ارتجف قلب هناء وهي تسأله بلهفة: "أخبرني أنه بخير، سليم ومعافى"
داعب جبهتها بشفتيه وهو يقول بحنان: "الحمد لله على الخلق التام ..بخير ولن يحتاج لحاضنة كما ظننا، فقط بضع ساعات مراقبة وسينتقل لجانبكِ"
همست باختناق متألم: "تمنيت أن أراه فور إفاقتي وأن أضمه إلى قلبي ..أخبره أن رحلتنا الشاقة المحفوفة بالمخاطر انتهت وها أنا وهو نتقابل أخيراً"
رفع جوشوا يدها وقبلها طويلاً وهو يقول بصوت أجش: "أنا على يقين أنه متلهف إليك بقدركِ ..ساعات قليلة حبيبتي وسيكون مستعداً للبقاء معكِ عمره الطويل القادم"
أطبقت هناء عينيها بتشدد وهي تسأله: "أخبرني على الأقل أنه رآك ..وأني لم أحرم طفل آخر من لقاء أبيه"
أرجع رأسه للوراء مشدداً عليها بقوة وهو يطلق صوت تأوه عالٍ: "رأيته وضممته ولقنته دينه واسمي واسمكِ ..لم أكن لأفوتها على نفسي مرة أخرى يا قاسية"
أمسكت هناء في ملابسه بأصابع تيبست كي تستشعر نبض قلبه العنيف…
:-"امنحه اسماً إذاً وأكمل جميلك"
" تيام.. تيام هابر.. تيام عبد الرحمن هابر"
لهثت هناء وهي ترفع وجهها تنظر إليه بعينين متوسعتين ذهولاً ..فهي تعرف اعتداده باسمه، وتفاخره أنه رجل باسم أجنبي يحمل الإسلام في قلبه وروحه…
قال جوشوا بصوت تدفقت منه العاطفة والعبرة: "لقد فكرت في الأمر طويلاً واليوم أجدني ولدت مع الصغير، خضت حرباً ومعاناة أخرى معكِ، أعيدت إليَّ الحياة فور أن أعادكِ الله لي وقبل توسلي.. (عبد الرحمن) فأنا عبد للرحمن الغفور الرحيم… إنه أحب أسماء الله إلى قلبي ..اخترته لنفسي"
بكت هناء بعنف وهي تتشبث فيه, عيناها تحدقان في عينيه المبتسمتين بالرضا ذهولاً وحمداً.. عاد ليضمها إليه بكل قوته ..وكأنهما جسد واحد وقلب واحد وروح توحدت وامتزجت..
وباركهما (تيام عبد الرحمن هابر) بسعادة أبدية قوية لا يهزها إعصار ولا يتخللها زوابع…
ولمَ لا وهما كانا وما زالا شديدا الهوى حتى ذهاب العقل ..وشديدا الإيمان والتقوى وقد طبع الله الإسلام داخل قلبه ..حد التيم ..فقصتهما كلها اختصرت في (تيام عبد الرحمن).
……………………

وتمر الأيام بطيئة ومملة بدونه ..مؤلمة في قولها أن كل ساعة يزداد فيها جفائه تزداد الفجوة بينهما وتتباعد قلوبهما..
أسبلت جفنيها تتنفس بانتظام …وهي تهمس لنفسها: (لا …ليس هناك مجال لتباعد قلبيكما فأنتِ حاولتِ قبلاً ..جرب هو تناسيكِ ولم تفلحا)
:-(لا, أنتِ أفضل بدونه، خطواتكِ المهتزة ثبتت أخيرًا، ما عدتِ تحتاجين إليه ..تريدين عودته من أجل الحب قبل الاحتياج)
رفعت وجهها نحو السماء وهي تهمس بدعاء العون والفرج ..هي لم تعد تألف الوجع، ولا ترغب في شعور بالفراغ …إنها بخير.. الجميع يؤكد أنها تبلي حسناً ..كم أن شعورها بنفسها يتفاقم، وثقتها في كيانها تسترد شيئاً فشيئا…
"هل سنذهب لمكان ما اليوم سيدتي، أم سننتظر أحد؟" صوت حارسها الذي يقف في مكان بات معروفًا لكل الجامعة تقريباً جذبها من التفكير الأحادي الذي تغرق فيه أحياناً…
تقدمت وفتحت الباب الخلفي وهي تقول بلطف: "إلى المنزل، اليوم صديقاتي لديهن محاضرات متأخرة ..ولن أنتظرهن كما نفعل عادةً"
أومأ بطاعة وهو يستقل مقعده …لم يحتج معها يومًا لأخذ الرسميات والمظاهر، مثل أن يفتح لها الباب أو يغلقه أو كهذه أمور… ولكنه يحتاج دائمًا لليقظة وتسجيل حالتها المزاجية قبل مراقبة تحركاتها ..حتى وإن لم يُطلَب منه ذلك بشكل مباشر …لقد اعتاد ما يقارب الأربعة أشهر أن يسجل تقارير يومية عنها ويقدمها لزوجها في محادثتهما الهاتفية صباحاً ومساءً.
*****
منعت سَبنتي نفسها بمعجزة أن لا تنفجر غضبًا عندما رن هاتفها للمرة المئة باسم بدور يسبقها رنين راشد الملح…
:-"ماذا تريدين؟!"
أجابت بدور على الطرف الآخر ببرود: "من داس على ذيلكِ اليوم يا قطة؟"
جزت على أسنانها بغيظ: "أنا لستُ قطة… ورجاءً كفي أنتِ وزوجكِ عن محاصرتي، هذا الاتصال رقم خمسين يا بدور ..وقد سبقه تسعة وتسعون من زوجكِ الغالي ..ماذا هل يعتقد أني متفرغة لمشاعر جنابه؟!"
كبتت بدور بصعوبة صيحة غيظ من تصرفات راشد مؤخراً، الفتاة لديها كل الحق لتجنب مكالماته ..ومن الجيد أنها فعلت فهذا يعني أنها تجهل سبب إلحاحه في طلبها ومن الزائر الذي يريد منعها عن رؤيته…
:-"تأدبي في حديثكِ معي"
سخرت: "الآن تدافعين عنه؟! رحم الله تلك الأيام!"
هل تعايرها الحمقاء!!
قالت بدور بصقيع: "أولاً حافظي على لسانكِ أمامي لأني على وشك قصه لكِ فنرتاح جميعًا… ثانياً اشعلا النار في بعضكما وكأني أهتم ..هو والدكِ أنتِ بالنهاية والأمر لا يعنيني"
توترت سَبنتي قليلاً وهي تقول بشك: "ما بكِ؟ لماذا تغيرت لهجتكِ؟"
أجابت بدور بتلكؤ خبيث: "متعبة، وجنابه رفض أن يحضر اجتماع هام مع مدير مهم جداً جداً جداً.. قد أتى لهذا الموعد خصيصاً من لندن …ولكنه رفض مقابلته والحديث معه وصدرني للقاء"
صمتت بدور عن قصد مستمعة باستمتاع شديد لصوت أنفاس سَبنتي المفطورة وكأنها أخذت على رأسها بمطرقة حادة وضغط أحدهم على قفصها الصدري فحطمه…
تابعت بدور بخبث شديد هامسة: "بصراحة وأتمنى أن ما سأقوله لن يزعجكِ …لأول مرة أرى راشد يخلط الأمور الشخصية مع العمل… نحن نحتاج هذا الاجتماع مع (خالد) لنحدد بعض الخطوات الكبرى للمجموعة ..لقد اعتدنا العمل كيد واحدة ثلاثتنا وأي فرقة في هذا الوقت الحساس ستضر بنا كثيرًا!"
همست سَبنتي بصوت متقطع شاحب: "حـ..حـ..حسناً"
سألت بدور مدعية اللهفة: "سَبنتي هل أنتِ بخير؟!"
هزت رأسها بالإيجاب عاجزة عن الإجابة..
تابعت بدور ببراءة: "أعتقد أنكِ بخير، ولما قد يزعجك الأمر.. فأنتِ ما عُدتِ تهتمين إن كان موجوداً من عدمه ..لذا لا أظنكِ قد تحزنين إن أخبرتكِ بأنه هنا منذ يوم أمس وقضى ليلته في (الفندق)"
ظلت سَبنتي ممسكة بالهاتف, عيناها متوسعتان وقلبها ينبض بعنف أوجعها للمرة المليون ..ولم ترد..
تنهدت بدور قبل أن تقول ببساطة: "المهم دعينا من أمر لا يعنيكِ حبيبتي …هل يمكنكِ المرور على إياب وأخذه وإبقائه معكِ الليلة ..أحتاج للسهر مع خالد قليلاً فقد افتقدته جداً جداً جداً، حد أني قد أضحي بصحبة إياب من أجل أخي الحبيب؟!"
مطت الكلمات بقصد تعبيراً عن كم الشوق الملتهب..
"سـ…سيبقى الليلة أيضاً؟" سألت بصوت مختنق
أطلقت بدور ضحكة رنانة رائقة قبل أن تقول بنبرة شرسة غلفتها بالبراءة الخبيثة: "كاد أن يغادر في لهفة، إذ أن جو البلد بمن فيها أصبح يخنقه ..ولكن كلمة أحتاجك معي الليلة كانت أكثر من كافية ليبقى"
بهتت أكثر وأصبح كل شيء يضيق حولها، ولكنها تشبثت بالعناد.. لن تبكيه، فليحترق هو وبدور الخبيثة.. ومن يهتم؟!!
عيناها الواسعتان بلمعة دموع خائنة كانتا تنظران نحو سماء المغيب.. لكم تحب لون الغسق ويهدئها شعاع الشمس الذي يسقط بهدوء يخبو ببطء حتى تموت في كبد السماء وترتاح من الصهد الذي أحرقها..
التشتت، خدعة عقلية تعلمتها على يديّ ليلى وكم أفلحت.. عندما قالت بهدوء شديد وكأنها لا تعاني: "سهرة سعيدة لكليكما، انتبهي لنفسكِ واستمتعي، ولا تقلقي على نمري الصغير"
ثم أغلقت الهاتف دون انتظار إجابة …متوجهة إلى إياب لتصطحبه الليلة بينما أمه المتوحشة تشبع احتياجها من زوجها المتوحش..
*********
فتحت منى ذراعيها وهي تستقبل إعصار إياب الذي ترك يد سَبنتي على الفور ليستقر على صدرها …تنثر قبلاتها على وجهه ورأسه ..تضمه إليها بشوق فاق الحنان ..من بين كل أحفادها يحتل إياب جزء من قلبها لا أحد ينازعه فيه ..ربما مكانة والدته المميزة السبب وقد يكون عذابهم لسنوات ولوعة غيابه… هي لا تعرف ..ولا ترغب في التفسير وليس لديها أي شعور بتأنيب الضمير لأخذه ركن خاص به وحده ..حتى حفيديها المنتظرين من بدور لا تظن أنهما قد ينافسان مكانة إياب عندها…
"هل ستقرئين لي الليلة؟!" سأل بحماس طفولي كالعادة
أبعدته منى لتنظر لعينيه السوداوين وهي تقول: "لديّ لعبة جديدة خصيصاً لأجلك ..ولكن هل ستترك سَبنتي؟!"
كور شفتيه مفكراً في معضلة الاختيار بينهما..
ولكن سَبنتي أنهت حيرته عندما قالت بخفوت وهي تجلس جانبهما: "يمكنك البقاء الليلة مع جدتك، وغدًا معي"
هتف إياب مقترحاً حلاً عفوياً: "تعالي وابقي معنا ..فخالي لم يعد يمنعكِ ..فهو ترككِ وحيدة"
تجمدت مكانها للحظات وهي تنقل عينيها بوجه شاحب بينه وبين منى التي تنظر إليها بكل هدوء.
قال إياب بتوتر: "أقلت شيئاً سيئاً أزعجكِ؟ لما أنتِ غاضبة؟"
هزت سَبنتي رأسها بالنفي وهي تدفن وجهها بيديها ..وسمعت منى تقول بهدوء: "لا يا حبيبي أنت فتى جيد لا تتفوه بالحماقة كأمك أبداً"
ضحكت سَبنتي رغماً عنها وهي ترفع وجهها من جديد تنظر لمنى بتعجب..
رفع إياب جسده وكور فمه بهم وهو يجيب: "لا أريد إغضاب سَبنتي أيضًا، أريدها أن تظل تحب إياب ..ليس مثل بابا وماما"
أمسكت منى بوجهه وهي تسأله بحنان: "ما الذي تتحدث عنه يا حبيب جدتك، والدك والدتك ليس لديهما من هو أغلي منك"
كور فمه مرة أخرى وهو يضع يد على صدره ويد على ذقنه بحزن ..ثم قال: "والداي يحبان أخوتي الآن …أنا لخصت يا جدتي"
ضيقت منى عينيها كما سَبنتي التي رفعت حاجبيها وهي تسأل بشك: "أنت ماذا يا مدلل؟!"
التفت إليها بحدة من خلف كتفه قبل أن يكرر بحزنه وهمه: "أنا لخصت يا سَبنتي …إياب لخص… راشد يقول لبدور أن لا تحملني ولا أنام على بطنها من أجل أخوتي"
وقفت سَبنتي من مكانها وهي تدب يد على يد وقالت وهي تجلس على ركبتيها أمامه في حجر جدته: "أنت لخصت؟! هل تعرف يا سيد إياب ما الذي كلفنا جميعًا قدومك؟ هل تدرك قيمتك في قلب الجميع؟! قد يرخص جميع الأطفال في العالم وتبقى أنت غاليًا مميزاً لا أحد ينافس حبك في قلوبنا كلنا"
حك إياب رأسه بحرج قبل أن يقول بخجل: "ماما تقول هذا أيضًا"
ضحكت منى وهي ترفعه ليقف على ركبتيها ثم قالت بجدية شديدة: "وإن كانت ماما قالت لكَ، لما الحزن والشك.. ذكرتني بإحداهن ترفض تصديق الحب الواضح للحمار"
ابتسم بخجل وهو يسند رأسه على كتف منى …بينما عبست سَبنتي بضيق مقلدة إياب في تكوير شفتيه…
وقفت أخيراً وهي تقول: "سأذهب لآكل شيء وأنام, من الواضح أنه يوم الجلد العالمي"
ادعت منى الانشغال مع إياب وعدم الانتباه وهي تقول بعفوية: "سيعجبكِ طعام اليوم, لقد أعددت بيدي الباستا البيضاء خصيصًا من أجل خالد ..حبيب قلبي لقد أكل منها وكأن المسكين لم يذق الطعام منذ شهور"
توقفت والتفت نحو منى وهي تتنفس بصعوبة… بينما شهقت منى بصوت عالٍ وهي تقول بارتباك: "أعني.. قصدت أنه كان لديّ زائراً و…يا إلهي!"
صمتت منى قبل أن تهمس بقصد: "ما هذه الورطة.. ما كان يجب أن يزل لساني.. لقد نبه عليّ المسكين بعد أن أخذ مني يمين معظم أنها لن تعود للمنزل قريباً"
همست سَبنتي بريق جاف: "يكفي يا أمي, أنا أسمعكِ وقد وصلتني الرسالة جيداً"
تنهدت منى بقلة حيلة وهي تقول ببساطة: "اعذريني يا صغيرة فهو ابني الوحيد الذي أفتقده أيضاً ..والمرتين اللتين زرته فيهما في لندن خلال الفترة الماضية لا تكفيان لسد احتياجي لأن يكون بجانبي"
هزت سَبنتي رأسها بتفهم صامت ولم تجيب مغلقة جفنيها بقوة… لن تبكي.. لن تبكي …لن تبكي قلبه القاسي مهما حدث هو من اختار إذًا فليتحمل تبعات طريقه ..لن تغفر لخالد ..بل بات من المستحيــــــــــــــل أن تعود إليه …لقد انتهى الأمر بينهما وباختياره..

‫ ي
تبع الأن
:m wan45:


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-21, 12:11 AM   #10639

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل السبعون المشاركة "8



أغلقت سَبنتي الباب الزجاجي بعد أن روت الزهور والنباتات ككل ليلة ..منذ أن غادر هو وعادت هي..
لم تهمل غرفته ..كما النباتات التي زرعها بنفسه ..تبرر الأمر أن الزرع ليس له ذنب كي يموت في أرضه لأن جنابه قرر أن (يطفش).. ولكنها تعلم كذبها.. خاصةً أنها مؤخراً تتبع طريق المصارحة مع النفس…
تراجعت حتى جلست فوق الأرجوحة.. بدور القطيطة في حضنها وشلبي يتبعها أينما ذهبت ..العجوز الكسول ..ضحكت وهي تراقبه يرقد على الأرض بتكاسل ويغلق جفنيه مستعداً للغفوة.. ارتاحت على جانبها وهي تنظر إليه هامسة: "هل تدري كم أحسدك على راحة بالك وأتحسر على أيام كنت أنام سريعًا كما الكوالا, لم أعُد كوالا بسببه يا شلبي.. كما زادت وحدتي رغم أنهم جميعهم حولي"
تنهدت من جديد بألم وهي تسند القطة بجواره أرضًا..
من المضحك والعجيب أيضاً أن شلبي لا تزعجه بدور, وكأن العداء الطبيعي بينهما تموهت خطوطه, فأصبح يألف تواجدها بل ويعاملها كرجل عجوز يرعى صغيرة يتيمة بكل حب وحنان..
(لقد ملك الحيوان قلباً لم يملكه البشر)
(أبي كان يحارب فيكِ أشباح ماضيه، لم يعنيكِ أنتِ بالعداء، بقدر ما كان يحارب خطيئته …لقد كنتِ صدى لعار وجرم ارتكبه عندما ترك أختي.. عرضه ..في غيابات مجهول تنهشها الأيدي الآثمة)
أغلقت عينيها بتشدد وهي ترفع يديها لتصم أذنيها بحرقة ..هامسة بقلب يرجف: "لا ..لا ..لا أريد هذه الذكرى بالذات ..توقف عن احتلال أفكاري …ما عُدتُ أريد منكِ سلاحاً يقتل أشباحي.. أنا لهم ..أنا لهم"
الأرجوحة كانت كالصخر المسنن تحت جلدها الرقيق ..كما ذلك التيار الساخن المريع الذي لف كيانها ..وكأن برودة الشتاء انقلبت في لحظة لأحد أيام الصيف الحارقة …لكم تكره الصيف ..كما تكره خالد وذكرى خالد وصوت خالد…
رباه... كم تشتاق بكل غضب العالم بداخلها لذراعيّ خالد!!
ضمت نفسها بذراعيها وهي ترتجف وتغلي قهراً وغضباً ..وشيء من خوف مختلف عن ذعرها الدائم ينال منها..
لما هي خائفة.. لا تعلم ..ربما من سيل الذكريات التي تداهمها… من العاطفة المرعبة التي تحيطها بقيود خطفت منها ماضيها وحاضرها ..واستولت على مستقبل لا ترى فيه غيره يجاورها..
"أحتاجه لأحيا" هربت الحروف من فمها تختلط بسيل ذكريات مرحة ..لوجه رجولي بملامح جبارة وقلب مستأسد يطل عليها ..يفترس كل حذرها، يلتهم كل الأفكار ..ويهزم كل المخاوف.. ولكن أين هو الآن.. لقد مضى..
تباً الذكريات لا ترحم.
قفزت من مكانها من الطرف الآخر، مرتبكة وغاضبة بشدة كما لم تكن منذ سنوات ..متى آخر مرة اهتم أن تعبر عن بركانها الخامل الذي يهدد بالانفجار …لا تذكر ..ولكنها الآن أصبحت تشعر بالغضب الذي ما عادت تحتمله… لقد أخضعها، ابتزها عاطفيًا، أخرج كل المشاعر وجعلها تطفو على سطح كانت دفنته بالحجارة…
هو ..هو استفز فيها أنوثة لم تعرف أنها موجودة بداخلها ..أشعل حاجة عاطفية ودمر كل جدرانها …ثم تركها في وسط المجهول عارية من كل الأقنعة ..ضعيفة …اللعنة عليه لا تريد الضعف …لن تلهث خلفه من جديد وإن ماتت من فرط الحاجة والشوق …لن تسامحه ..لن تسامح إهانته المتكررة ..هجره لها دون سؤال, دون عتاب, ودون كلمة عودة أو طلاق…
رمت نفسها على الفراش الذي جمعهما أيضًا في ليالٍ عاصفة.. تدرك جيداً الآن أن ما كان يقودهما ليس لقاء غراميّ بين رجل وزوجته …بل شيء أسمى وأعنف من أن تصفه ..شعور كان أشبه بالاكتمال.. إحساس عميق بالفقد كليهما كان يحتاج ليسده…
رفعت كفيها على فمها تكتم شهقة بكاء عنيفة: "لا أريد الطلاق …أنا لا أريد الطلاق ..إن عُدت وخيرتني الآن بينك وبين العالم أجمع.. سأختارك أنتَ وأكتفي"
رنين مزعج على الهاتف الداخلي جعلها تنتفض مجفلة ..رنين لم يتوقف دفعها لأن تقفز متناولة الهاتف المعلق على الحائط وهي تجيب بنبرة بكاء أجش حاولت مداراتها ففشلت: "نعم يا أمي"
أتاها صوت بدور الممتعض تقول: "أنا لستُ أمكِ"
كانت مرهقة جدًا للشجار معها عندما سألت: "ما الذي تريدينه؟ ألديكِ أهداف معينة لإزعاجي وتريدين تحقيقها قبل انتهاء الليلة؟"
ردت بدور ببرود وهي تتحرك بمقعدها يميناً ويساراً تنظر لخالد الذي يدعي الانشغال في حاسوبه بغيظ مكبوت: "أردت الاطمئنان على إياب و لم تجيبي على هاتفكِ، فخمنت مباشرة أنكِ في الغرفة الخارجية كما عادتكِ مؤخراً ونسيتِ هاتفكِ في المنزل"
فركت سَبنتي جبينها بتعب وهي تقول بصوت تحسن قليلًا بسبب الإفراط في البكاء لوقت: "إياب بخير ومع والدتكِ ..وأنا ..أنا أظنني سأبات الليلة هنا، لذا حدثي أمي"
اعتدلت بدور وهي تشدد على الهاتف تسألها بصوت عالٍ: "ما بكِ حبيبتي ..صوتكِ لا يعجبني ..سَبنتي هل تبكين وحيدة في هذه الغرفة الملعونة مجدداً ..بالله على ماذا اتفقنا؟!"
راقبت بخبث يديه التي توقفت عن الكتابة رغم أنه لم يرفع رأسه نحوها وإن تصلبت ملامحه وتعالت أنفاسه قليلاً..
:-"لا تبالغي يا بدور.. أنا بخير وسأكون أفضل إن أغلقتِ وتركتني لحالي ولو ليلة من فضلكِ"
كانت تقصد المبالغة فعلاً عندما قالت بلهفة: "لا ..بل سأرسل لكِ راشد في الحال، أنتِ غير مضمونة خاصة عندما يطول بكائكِ وتدخلين في حالة من الكآبة، هل تذكرين منذ أسبوعين عندما تناولتِ أدوية بمعدل خطر ..وصرحتِ أنكِ لم تنتبهي؟!"
رفع خالد وجهه بحدة وهو يقف من مكانه بعنف حتى أن المقعد سقط خلفه مصدراً ضجيجاً مزعجاً..
سألت سَبنتي بسخط: "عن ماذا تتحدثين بحق الله؟! هذا افتراء, فأنا حذرة جداً مع الأدوية"
تأرجحت بدور بمقعدها وهي تتنفس عالياً: "أدرك حبيبتي أنه رغمًا عنكِ، ولم تقصدي إيذاء نفسكِ.. ولكن..."
صرخت سَبنتي بحنق: "أيتها البلهاء ..ما الذي تقولينه؟! هل أثّر الحمل على رأسكِ؟!"
ردت بدور بأسى: "حسنًا لن أخبر راشد ولكن عديني أنكِ ستكونين بخير ..إن لم يكن من أجلكِ فمن أجل أحبابكِ"
فغرت سَبنتي فمها بذهول.. وكادت تصدق ما تتحدث عنه فعلاً.. وعندما استطاعت النطق كانت تصيح بكبت: "حسناً ماما بدور سأنتبه ..وأعدكِ يوم أن أقرر إيذاء أحد فسيكون رأسكِ المتخلف.. قولي آمين"
:-"آمين يا حبيبتي ..آمين سأدعو الله أن يزيح حزنكِ، ويمنحكِ الشفاء"
هدرت سَبنتي: "لله في خلقه شؤون ..قادر هو أن يشفيكِ من اللوثة التي أصابتكِ ..سلام"
وأغلقت الهاتف في وجهها..
بينما ظلت بدور لدقيقة تدّعي محادثتها بلطف ونصحها مذكرة إياها أن الجميع يحبها…
عندما اعتدلت تنظر إليه ..توسعت عيناها قليلاً وهي تحك أنفها بطرف إصبعها: "ما بك أنت الآخر ..كأنك على وشك قتلي؟!"
كانت عيناه تقدحان شررًا وهو يقول من بين أسنانه: "ما الذي عنيته بالضبط؟ هل أخذت زوجتي جرعة زائدة ولم يخبرني أحد؟!"
رفعت حاجبيها المغيظين وهي تقول ببرود مستنكر: "زوجتك! وأحد يخبرك! على أساس أنك تراقبها وتعرف كل شيء عنها؟!"
خبط على المكتب هادرًا: "بدور لا تختبري صبري ..ما الذي يحدث معها ..ومتى حدث؟؟"
وضعت ساق فوق الأخرى وهي تقول بجليد: "لا يخصك ، لقد رفعت يدك عنها وانتهى الأمر.. ولم يبقى إلا الفصل في طلاقكما المعلق"
قال بلهجة بطيئة خطرة: "أنا لن أطلق ..وإن انطبقت السماء على الأرض"
تراجعت في مقعدها وهي تسند يدها على بطنها المحدب بلطف ..وردت بهدوء: "الأمر لا يعنيني ..اذهب لراشد وأخبره بنفسك عن قرارك"
لاحظت تشنج فمه قبل أن يقول بكبت: "متى تحولتِ لحقنة عضلية مزعجة مثل أخواتكِ؟!"
استفزته وهي تجيب بنشوة الانتصار وقد تأكدت أن تلاعبها أفلح, وها هي تراه من جديد كتلة من العصبية والنيران …بعد طول تجمد وعزلة..
إن كانت تحب سَبنتي لسبب آخر وتتمسك في الإصلاح بينهما، فهو كما ذكرت نوة مرة: (سَبنتي تجعل أخاها حياً يضج بروح الشباب ..تخرجه من دور العجوز المهموم الذي تلبسه منذ أن دفعه أبونا لدنياه)
:-"أنا كنت حقنة دائماً ..ولكني كنت أكثر انشغالاً في الماضي من استخدام قدراتي الرائعة"
كاد أن يفقد أعصابه وهو يقول: "والآن قررتِ إخراجها على تسليتكن المفضلة!"
ابتسمت بسماجة: "هذه ضريبة أن تكون وحيداً على خمس مجنونات"
أطلق سباً مكتوماً وهو يلملم أوراقه وحاسوبه ووضعهم في حقيبته وهو يقول: "سأغادر ..البعد عنكن غنيمة.. لم أدرك جماله إلا عندما هجرتكن جميعاً"
وقفت بدور مكانها وهي تسأل بلهفة خادعة: "إلى أين يا خالد.. لم ننتهي من العمل!"
التفت إليها وهو يقول بغضب: "إلى جهنم يا بدور ..إلى جهنم مؤكد فيها رحمة عن تواجدي هنا"
وجمت: "ستسافر إذاً؟!"
صاح قبل أن يغلق الباب خلفه: "قلت إلى جهنم"
توسعت ابتسامة بدور ولم يزعجها تحوله لكتلة من العصبية بغير مبرر …لقد نجح تلاعبها ..وهو ذاهب لجهنم فعلاً ..جهنم تخرجه عن طوره وتهزم كل اتجاهاته وإصراره…
:-"اللهم اهدي جهنم خاصته ..قبل أن أخنقها وأرتاح من نواحها فقد أتعبت أعصابي"
مسدت على صدرها وهي ترفع طرف ذقنها بغرور قبل أن تلتفت وتأخذ حقيبتها لتغادر فالوقت تأخر …وينتظرها عراك شراس مع راشد لأنها تنوي بكل عزم أن تدخل أنفها في شؤونهما وتعصي طلبه بالابتعاد…
*******
لقد حارب نفسه وما زال يجاهدها بما يزيد عن ساعتين خلف عجلة القيادة ..في الركن الخلفي للمنزل حتى لا يراه أحد…
"ليس الآن، لا تضعف, ما أحدثته فيك لا يسهل معه التسامح …تماسك لم تصل لمرادك بعد ..تحتاج هي أن تأخذ خيارها الأخير بحرية دون ضغط"
زفر بحرقة قبل أن يفتح الباب ويقفز من السيارة دون تفكير، فتح الباب المخفي متسللاً عبر الأشجار الكثيفة ..خادعًا روحه بالقول: "سألقي نظرة واحدة عليها لأتأكد أنها بخير وسأغادر"
عندما وصل أمام الباب الذي يفتح بمفتاح خاص يستحيل طبعه ولا يوجد منه إلا نسختين ..واحد معها وواحد معه..
تردد من جديد للدخول لرؤيتها ..وقوع عينيه عليها بعد طول فراق ..يعني ألم لا يحتمل وضعف سيدفعه لكره نفسه و….
وانتهت الأفكار وهزمت المقاومة عندما وجد قدميه تقودانه للداخل ببطء ويغلق الباب خلفه…
عيناه تعلقت عليها.. كانت تنام دون غطاء, تدفن كلا كفيها بين ركبتيها, فمها مفتوح قليلاً, وصدرها يصعد وينخفض بنهنهة خافتة.. إذاً لقد كانت تبكي لساعات طويلة كما قالت أخته..
أخذ خطوة سريعة نحوها وانحدرت عيناه إلى الأدوية الموضوعة بانتظام فوق الخزانة المجاورة للفراش…
طريقة تنظيمهم لا تقول أبدًا أنها تناولتها على عجل أو فكر شارد كما لمحت المبجلة بدور…
زفر من جديد نفساً متألماً قبل أن يجلس ببطء شديد على طرف الفراش بعيداً عنها قليلاً ..ينظر للأعلى مختنقاً بينما يداه تقبضان على ركبتيه مقاوماً رغبة ملحة ومدمرة أن يسحبها من ذراعيها ويعصرها عصرًا على قلبه ..لقد اشتاق إليها.. فتباً لقسوتها وأفكارها السوداء التي أوصلتهما لهنا…
ابتسامة رجولية بطيئة ارتسمت على فمه وعيناه تنحدران تتأملانها من جديد على مهل, يتشرب كل تفصيل منها بنهم موحش ..وبشوق الفراق الذي أهلكه.. رائعة الحسن، صغيرة جدًا وهشة إن مد يده فقط استطاع أن يحطمها كلها في كف يده ويسحقها داخل روحه…
أغلق جفنيه ساخراً من أفكاره ..كما سخريته من ملاحظة المنامة الطفولية التي لا تقرب للطفولة في شيء والتي ترتديها.. قميص قصير عاري الأكتاف بالكاد غطى منطقة الصدر ..وبنطال يناهض بشق الأنفس ليغطي ركبتيها…
همس خالد بتهكم: "لا بدلة رياضية قاتمة يا سَبنتي ..لقد تطورتِ جداً وأخذتِ حريتكِ وعشتِ أيامكِ …من الواضح أني كنت كاتم على أنفاسكِ حبيبتي!"
تململت وهي تهمس بكلمات من بين نومها لم يفسرها.. منكمشة على نفسها أكثر وكأن البرد بدأ يؤثر فيها أخيرًا…
هل يرمي الغطاء عليها ليبعد إحساس البرودة عنها …وهل سَبنتي تملك أحاسيس كباقي الناس …من المغري تركها في هذا الوضع علها تتجمد ويتخلص من ورطته معها… اللعنة…
وهو الذي لم يلعن أبداً ..ولكنه يلعن القلب الضعيف الذي تورط فيها ومعها…
أخذ نفساً طويلاً محاولاً التماسك وهو يسحب الغطاء ليضعه فوقها وأعانه الله على الصهد الذي ضرب في كل إنش منه …يداه كانت ترتعدان كما جسده عاجزاً عن كبت المشاعر العنيفة التي تتصارع بداخله ..وعندما استقر الغطاء أخيراً فوقها ..ظل كفه البغيض فوقها.. وكأن لمسها حتى وكأن هناك حاجز بينهما سيمنح القلب العليل الراحة …فقط بعض الراحة بعد طول عناء هو ما يطلبه..
فجأة نبح شلبي الذي لم ينتبه له فور دخوله ..وتحرك نحوه مرحباً ومعاتباً ..فرك خالد رأسه وهو يميل إليه هامساً: "حسناً اهدأ.. وأنا اشتقت إليك أيضاً"
ظل الكلب يتمسح في ساقيه لدقائق حتى استطاع أن يهدئه ويدفعه للابتعاد ..من الجيد أن القطة لا تهتم بوجوده من عدمه ..كما صاحبتها على ما يبدو…
"خالد..."
تصلب بشدة وهو يشعر باليد الناعمة التي أمسكت بكفه الضخمة فوقها وضبطته بالجرم المشهود…
بصعوبة كما صعوبة أنفاسه الحاقدة وعيناه المحترقتان كان يلتفت لينظر إليها …إلا أنها لم تكن في حالة طبيعية.. إذ أنها اعتدلت سريعًا متشبثة بيده.. جسدها العلوي يتمايل في سكرة ..عيناها العابثتان معلقتان على وجهه ..لامعتان مغويتان في جمالهما ولهفتهما..
خرج منها تنهيدة طويلة شهية الحسن والوصال: "أنتَ هنا ..لست حلمًا.. أخبرني أنك بحثت عني ووجدتني ولم تعد حلماً يقض مضجعي بل واقعًا حبيبي هالك!"
ارتفع حاجبيه بذهول وهو ينظر إليها بشك… ثم رفع يده الأخرى يفرقع بأصابعه وهو يقول بجفاء: "أفيقي واعتدلي في الحديث ..خدعكِ لم تعد تنطلي عليّ"
تنهيدة أخرى مشبعة بالرضا وكلا كفيها يلتفان حول ذراعه ..وفي لحظة لم يفهم ما الذي حدث بالضبط ..كانت ترمي رأسها على صدره تتمسح فيه كقطتها الزغبة: "لقد اشتقت إليك ..اشتقت إليك جداً …أنا سامحتك يا خالد ..لم أعد غاضبة منك لأنك أتيت، ووجدتني كما تفعل دائمًا"
جف ريقه وبات ابتلاع أنفاسه من المستحيلات الأربعة ..جسده كله يرتعد ..يغلي ويكاد ينفجر …همست: "كنت أعرف أنك هنا، رائحتك كانت دليلي، كما إحساسي بقرب قلبك"
أمسك خالد كتفها يبعدها عنه قليلاً يدقق في ملامحها بشك… ثم حانت منه التفافتة نحو الأدوية..
:-"سَبنتي ما الكمية التي تناولتها؟!"
ابتسمت وهي تنظر إليه من بين أهدابها ثم قالت بنبرة تراوحت ما بين التوهان والحرارة: "كمية كافية لأحلم بك ..لأراك أمامي، ليمحى حزنى أثر علمى أنك هنا ولو متحاول الوصول ليّ …"
حدق فيها بغيظ وهو يحرك جسده للوراء بعصبية محاولاً إبعادها عنه وهو يقول: "أنتِ لا تحلمين، ركزي رجاءً ووو…"
توسعت عيناه من جديد بصدمة وهو يجدها تقريبًا فوقه, تمسك وجهه بكفيها وتضع فمها الناعم على شفتيه القاسيتين…
للحظات لم يأخذ أي رد فعل مصدوماً بما يحدث …بينما هي تضع قبلة تتبعها أخرى هامسة من بينها باختناق البكاء واللوعة: "افتقدتك ..أحتاجك بجانبي، لماذا ابتعدت؟ أيأست مني يا خالد؟ وماذا عن وعد التوحد؟ ألم أعد جزئك المفقود..عد أليّ عد أرجوك؟!"
لهث بعنف متأثراً ومقاومته تتكسر ..كل غضبه انمحى.. ولم يعد يركز في أهدافه ولا أسبابه ..ولا شيء من الدنيا إلا وجودها بين ذراعيه ..أحاط خصرها بذراعه ..قبل أن يتولى منها ليمتلك زمام القيادة مغلق العينين, مفعم بالشعور, متخم من أحاسيسه بها فكان يقبلها ..جوعاً ولهفه وحبًا… وعندما شعر أنه سيفقد زمامه ..أبعدها عنه ..ينظر لوجهها المبتسم بتيه لاهثًا..
صدماته لم تنتهي عندما وجدها تجذبه بكل قوتها فوقها وتتراجع للخلف هامسة برجاء مختنق: "لا تبتعد ..لا تتركني.. أحتاج إليك.. أشتاق إليك"
مال خالد في نصف جلسة نحوها, يد تتقبض حول شعرها بعنف ويده الأخرى تمسك في يدها التي تقبض على طرفي قميصه: "سَبنتي أنتِ تحت تأثير الأدوية، لن يفلح الأمر حبيبتي"
أطلقت تنهيدة حب: "حبيبتي ..هل ما زلت حبيبتك؟!"
ابتسم بمرارة: "العقدة في أنكِ حبيبتي، ولن تكون امرأة غيركِ قط حبيبة لي"
ارتسمت ملامح الرضا على وجهها ..وهي تفتح عينيها فيه تحدق بانتباه وكأنها تعني حقاً ما تفعله وتدرك ما يحدث وهتفت بحرارة: "قل أنك تحبني.. أنك لن تتركني.. أنك تسامحني"
ارتعش فك خالد ولم يرد وهو يحاول إبعاد تشبثها به ..يقاوم لآخر ذرة تحمل فيه الإغراء الذي لا يمكن حتى لقديس التنزه والسقوط فيه سقوطاً حر..
شدته نحوها بقوة لم تخيل قط أنها تملكها وهي تهتف بدموع سارعت في الهبوط: "ستتركني.. وتبتعد عني مرة أخرى ..أنا أتألم، أرجوك لا تفعلها.. أحتاجك.. أحتاج لأن يهدأ قلبي المؤذي ولو لليلة"
همس وهو يحاوط وجنتيها بحنان: "سَبنتي، حبيبتي أنتِ تهذين"
هزت رأسها بنفي شديد وهي تجذبه أكثر تعصر نفسها على ذراعيه بحرقة رغم الصوت الذى نطق مزوغاً : "بل أشتاق إليك، فلا تحطمني بالرفض …...يحطمني الرفض !"
"سَبنتي" همس مقاوماً لآخر نفس ..
خفقات قلبها تتزايد كما شعورها بقلبه القريب منها برائحته الرجولية الزكية التي ملأت شعورها الفارغ ..أشبعت إحساسها الفاقد.. همست بنعومة قاتلة بنبرة ما عاد بعدها قول …وإن قاومها لن يكون رجلاً من الأصل رغم أن النبرة مازالت غير متزنة وكأنها تتأرجح بين اليقظة والنوم العميق : "أشتاق إليك ..هل تفهم معنى اشتياقي إليك ..ألم تشتاق لي؟!"
وانهزم ..وسقط في الفخ وفقد المقاومة ..وانتهى زمن الحرب الباردة والقرارات المشتعلة..
تباً سيندم ..سيندم.. ولن يأمن رد فعلها ..هو لم يأتي من أجل هذا.. ولم يخطط للوقوع وإيقاعها في معضلة قد تؤزم مصيبتهما..
ولكن الأوان قد فات وبقيت الإجابات معقلة بين قلب متلهف وعقل يقاوم حتى النفس الأخير...
تباً لها ..تباً لها.. لكم يكرهها ويشتهي حسنها ..لكم يبغضها ويفتقد دلالها…
تباً لها ولحضرتها وتأثيرها الذي أنساه كل وعوده، ومحا كل قراراته، وأفقده اتزانه وأنساه حتى نفسه..
معها هو لا يعرف نفسه، معها هو يهتز ويتخبط …معها ينبض قلبه بالحياة وتهجع روحه ..تباً لها لكم يكره نفسه ويحبها…
فهو فقد لتوه كل خيوط لعبة الحب وصعّب عليها وعلى نفسه الاختبار الأخير في حق الاختيار…
*
*******
قراءة سعيدة



Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-06-21, 12:51 AM   #10640

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 552 ( الأعضاء 143 والزوار 409)
‏Nor BLack, ‏Lulu9, ‏dr_rona1, ‏مرموره موره, ‏نوربلاك, ‏غنوزة, ‏exolove, ‏رهف ااحمد, ‏شيمو عصام, ‏Emaimy, ‏انجيليك, ‏سمسمه عبده, ‏Arwa 93, ‏tamy, ‏Duaa abudalu, ‏جنا احمد, ‏الذيذ ميمو, ‏Amanykassab, ‏أسماء راشد, ‏بنت سعاد38, ‏فأره البندق, ‏Ingyamer, ‏Bassma Rabie, ‏دانه عبد, ‏Rosyros, ‏دموع ال, ‏روما جمال, ‏Ho.pe, ‏mayna123, ‏شيرين الحق, ‏dr.raniakadry, ‏جنى ياسر جمال الدين, ‏منالب, ‏Nsro, ‏رهف الخواطر, ‏بهيرة المعداوى, ‏Rania Khaled, ‏frau zahra, ‏Beenim, ‏سمسمه يوسف, ‏ندوش ندود, ‏maha elsheikh, ‏shery2, ‏housewife, ‏مرام مرمرة, ‏shaimaa abdellah, ‏ميمات4, ‏jewa, ‏hedia1, ‏imy88, ‏Menna23, ‏نسائم ., ‏Hoba Nasry+, ‏Rofy totos, ‏ادم الصغير, ‏Dilan, ‏رودينة محمد, ‏نورا كمال+, ‏lobna_asker, ‏موجة هادئة, ‏فيزياء, ‏Dalia Huzaien, ‏توتى على, ‏ريرررررري, ‏طائر العنقاء الحر, ‏وتر القلب, ‏رضوى مجدي, ‏[email protected], ‏Shemo nada, ‏باسل حبيبة, ‏عبير دندل, ‏yara elmniawy, ‏sira sira, ‏Roroadel228, ‏ياس مشمش, ‏Randa Nasry, ‏آية العيسوي, ‏Nagat farouk, ‏Batol210, ‏maha saloum, ‏فاطمة اهينى, ‏احمد حميد, ‏dr kareem, ‏aliah ha, ‏سيمتي, ‏امي احمد, ‏رقيه95, ‏Um-ali, ‏yawaw, ‏ناهد رزق, ‏رقيةرقية16, ‏زهره الافندر, ‏ميامو, ‏princess sara, ‏ام هبه وايه, ‏من هم, ‏sara_soso702+, ‏آلاء1999, ‏alyaa elsaid, ‏اجزخنجية+, ‏redrose2014, ‏Dina abd elhalim, ‏Mayaseen, ‏نوال11, ‏k_meri, ‏رحوبه, ‏Omsama, ‏almoucha, ‏مريم مري, ‏Hagora Ahmed, ‏Ayaomar, ‏الدعسوقة, ‏..هناك أمل .., ‏Latofi, ‏shatha14, ‏Aiosha, ‏ارج هاجر, ‏رشا عبد الصمد, ‏حبيبه عبدالفتاح, ‏shammaf, ‏dm992, ‏ريما الشريف, ‏سناء روحي, ‏yasser20, ‏Mummum, ‏Amira fares, ‏مها العالي, ‏أحلام الحمايده, ‏Amal Essam, ‏بريتى لينا, ‏نزهه هبه, ‏besomahd, ‏Marwa.., ‏Fatema sharq, ‏أنثى متمردة, ‏مريم راجية الفردوس, ‏ارض اللبان, ‏دودي دادو, ‏شهباروزا, ‏ريحة الياسمين, ‏خجوله الملامح, ‏نصيبي و قسمتك
أدوات الموضوع


Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:18 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.