آخر 10 مشاركات
دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          صمت الحرائر -[حصرياً]قلوب شرقية(118) - للمبدعة::مروة العزاوي*مميزة*كاملة & الرابط* (الكاتـب : noor1984 - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          مع الذكريات(70)قلوب شرقية-للكاتبة المبدعة:منى لطفي(احكي ياشهرزاد)[حصرياً]كاملة&روابط (الكاتـب : منى لطفي - )           »          جارية في ثياب ملكية (60) -ج1 قصور من رمال- بقلم:نرمين نحمدالله *كاملة&بالروابط*مميزة (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          كاثرين(137)للكاتبة:Lynne Graham (الجزء1من سلسلة الأخوات مارشال)كاملة+روابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          عندما يُخطئ حبيبان!! (21) -رواية شرقية- بقلم: yaraa_charm *مميزة & كاملة* (الكاتـب : yaraa_charm - )           »          54-لا ترحلي-ليليان بيك-ع.ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : dalia - )           »          بين قلبين (24) للكاتبة المميزة: ضي الشمس *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : قلوب أحلام - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30-03-20, 10:45 PM   #2351

besomahd
 
الصورة الرمزية besomahd

? العضوٌ??? » 127637
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 391
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » besomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nicebesomahd is just really nice
افتراضي


بانتظار الفصل ! استرها معنا يارب ده احنا غلابة

besomahd غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 10:45 PM   #2352

aber alhya
 
الصورة الرمزية aber alhya

? العضوٌ??? » 456141
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 626
?  نُقآطِيْ » aber alhya is on a distinguished road
افتراضي

يا جمالو⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩

aber alhya غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 10:47 PM   #2353

مهمة صعبة
 
الصورة الرمزية مهمة صعبة

? العضوٌ??? » 80237
?  التسِجيلٌ » Mar 2009
? مشَارَ?اتْي » 1,174
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مهمة صعبة is on a distinguished road
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسجيل حضور وربنا يستر

مهمة صعبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 10:52 PM   #2354

مها العالي

? العضوٌ??? » 372455
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 132
?  نُقآطِيْ » مها العالي is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل الدخول بانتظار الفصل

مها العالي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 10:56 PM   #2355

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

تسجيل حضور لقراءه الفصل وربنا يستر 😭😭😭😭

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 11:18 PM   #2356

نورالهداا

? العضوٌ??? » 463234
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 2
?  نُقآطِيْ » نورالهداا is on a distinguished road
افتراضي 😊

بانتظار الفصل
😊😊


نورالهداا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 11:20 PM   #2357

تالن يوسف

? العضوٌ??? » 431382
?  التسِجيلٌ » Sep 2018
? مشَارَ?اتْي » 162
?  نُقآطِيْ » تالن يوسف is on a distinguished road
افتراضي

مسننيين الفصل💓💓💓💓💓💓

تالن يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 11:25 PM   #2358

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الثالث والثلاثون

أنا العاشق لعينيك برب العشق فارحمني

وخذ بي بين يديك

نبض القلب اسمعني

وضمد جرحي الدامي مني إليك فخذني

وشافي مر علقمك حيث الشؤم يحملني

***********

"صباح الخير راشد!"

حدق راشد في الجسد الصغير الذي اندفع من الباب ثم استقر بين ذراعيه متوافق مع الصوت الأنثوي المرتاح جداً بتعجب وكأنهما لم تنشب بينهما بوادر حرب خلال الساعات الماضية لسواد الليل.

أومأ وهو يرفع حاجبيه بنوع من التعجب... ثم أخد إياب يضعه أمامه على سطح المكتب وهو يقول "صباح النور كيف حالكِ يا بدور؟!"

حركت ساقيها بتناغم متفاخر نحو المقعد المقابل ثم جلست تضع ساق فوق أخرى وهي تقول بنبرة سلطوية "سيدة بدور الراوي، بالنسبة لك كما الجميع"

أطلق شهقة استنكار وهو يقول "حقاً كما الجميع؟!"

هزت كتفيها وهي تقول ببرود "نعم كما سمعت.. أنا لا أريد التورط معك مرة أخرى برفع الألقاب لتظن أنتَ أنه نوع من التصريح الذي يمنحك الحق في قول وفعل ما تريده معي"

قال بصوت أجش "وهذا بالطبع يجعلكِ أنتِ الأخرى تناديني بلقب ما؟!"

قالت بتلاعب "بالطبع بعد أن نوقع الأوراق وتصبح أنتَ رئيس مجلس الإدارة الجديد.. ستكون سيد راشد بالنسبة لي.. أرأيت أنا سأنتبه لما ستتغافل أنتَ عنه"

"وماذا عن إياب؟!!"

قال إياب قبل أن ترد هي بنبرة من حقق أعظم إنجازاته "أنا أحب بدور.. إنها تسمح لي بكل ما ترفضه أنتَ وسبنتي، لقد سهرنا سوياً طوال الليل"

نظر إليها ممتعضاً قبل أن يقول "وبالطبع هي اصطحبتك إلى هنا بعد إلحاحك؟!"

هز رأسه سريعاً وابتسامة سعادة متفاخرة تكلل محياه وهو يهتف بسعادة "لم أحتاج للتحايل، فقط منحتها قبلة وعناق طويل"

نظر إلى عينيها التي تحدق فيه من علياء ثم سأل بعبث بطيء "وهل قبلاتها لذيذة كما أخبرتك؟!"

احمرّ وجهها بشدة حنقاً وخجلا ممزوج بالصدمة بينما هتف إياب بنفس الحماس "جميلة جداً بل أحلى مما ذكرت... أنا أحب قبلات بدور"

خبطت على المكتب وهي تقف أمامه ببطء وكأنها تستعد للهجوم عليه.. بينما حرك هو لسانه من خلف ظهر ابنه مدعياً احتضانه وهو يقول باستفزاز بطيء "يا لك من ولدٍ محظوظ.. تُقَدِم لك قبلات مجانية وتجعلها ترضخ لما تريده بينما هناك شخص منحوس قدم أكثر من هذا ولم يحصل إلا على الكره والرفض"

أوقفته وهي تهس هامسة من بين أسنانها "ما تصرفات صغار العقول هذه؟! هل دفعت ابني للتحرش بي تقريباً؟!"

حرك كتفيه ببرود وهو يضغط رأس ابنه على كتفه ثم شملها كلها بنظرة ذات معنى.. نظرة قديمة مهما ادعت نسيانها إلا أنها كاذبة تظل شيء موسوم بذاكرته هو كما هي.. نظرة حارقة نبشت كل مشاعرها الساكنة.. ثم قال بتلكؤ "هل قلتِ بأنه غير مسموح لي برفع الألقاب معكِ إطلاقاً؟"

صمت قبل أن يغمز بعينه بوقاحة متعمدة ثم قال بفظاظة "حتى إذا كنا انفصلنا منذ زمن غابر فهذه ليست حجة قوية تعجبكِ لتتناسي أني رفعت أشياء تخطت الألقاب.. والخجل والملابس وال..."

صرخت بحنق "توقف!"

انتفض إياب وهو يبتعد عنه ناظراً إليهما بنوع من الخوف مما دفع كلاهما للتراجع عن موقفه و قالت بتحذير هادئ

"حسناً راشد لقد أوضحت وجهة نظرك تمامًا, كما يجب أن تتضح وجهة نظري الرافضة لعقل ال ..ال .."

قال ببرود قاطع شابه الذي تتحدث به نظراً لوجود طفلهما "حسناً، مؤكد أني تفهمتها ..هناك حدود فاصلة ستضع كما ترغبين"

اقتربت تمد يديها نحو إياب الذي تردد للحظة ولكنها شجعته قائلة "لقد وعدت أن اصطحبك معي لترى بابا وأن تبقى بجانبي"

هز رأسه دون مزيد من الجدال أو التشبث بأبيه وسمح لها أن ترفعه إلى صدرها وضمته إليها ثم قالت من وراء ظهرها "شكراً لتفهمك سيد راشد"

وقف سريعاً وراءها بالضبط حد كاد يلامس ظهرها صدره ثم مال لجانب أذنها وهو يقول "العفو, أنتِ تأمرين أمراً يا... أم إياب"

عبست وهي تنظر إليه من فوق كتفها بحنق "عفواً؟!"

اعتدل وبوقفته ليواجهها مقترباً جداً يلفحها بأنفاسه المخالطة لبصمة عطره فجعلها تتوتر أكثر ثم قال بنبرة رخيمة عابثة "يليق بكِ اللقب.. كما أخبرتكِ مرة أن الحمل خُلِقَ من أجلكِ وكما سأخبركِ إن شاء الله أن هناك المزيد من الأطفال المحظوظين الذين ينتظرون أن تحني عليهم وتكوني والدتهم يا طاووس"

ارتبكت وتاهت بُوصلَتِها وهي تتراجع مبتعدة عنه وبدلًا من أن تفلت منه كانت تصطدم بصدره ملامسة إياه بخفة.. خفة كانت كفيلة أن ينتفض لها الاثنان رهبةً لثوانٍ.. ثواني طويلة كادت أن تغرق و تقع في طعم سنارته التي رماها الخبيث وجلس على الشط ينتظر بصبر وثقة..

وسريعاً كان ينمحي تخبطها وتتخلص من تأثيره المغوي عليها، ليسكن تقاسيم وجهها الجمود التام وهي تقول "بالضبط أطفال ينتظرونني لأحمل فيهم وأتجرع غدر أبيهم الوغد غاصة بدموعي وجرحى ثم أتعرض للموت لآتي بهم للحياة ثم ببساطة يأخذهم ويحرمني طيفهم وألقى في مشفى للمجانين.. هل هذا ما عُدتَ لتخطط له من أجلي يا راشد؟!"

شحبت ملامحه، كما تصلب كله وهو يقول بصدق صريح "لم أكن أعرف"

رسمت ابتسامة باهتة وقالت بهدوء "وهل هناك فرق؟!"

*********

هبطت الفتاتان من السيارة ودخلتا منزل آل الراوي قبل أن تقطع شيماء حديثها المستمر عن نزار وهي تخبرها باستحالة السماح له بالتقرب منها مرة أخرى مدعية كذباً نسيانه ..إنها مشاعر متخبطة كثيرة وهذيان أكثر لم تقابله سَبنتي إلا بالتفهم والامتعاض بنفس الوقت، امتعاض سببه شيء واحد هو إدراكها أن كل أفراد هذه العائلة إن اشتركوا في شيء فهي تستطيع أن تطلق عليه بضمير مرتاح "الغباء العاطفي بامتياز"

"لما توقفتِ؟!"

رسمت سَبنتي ابتسامة حنان على شفتيها قبل أن تقول "شلبي خارج الغرفة المشؤومة ويقف هناك أمام المنزل يزمجر نحوي"

دفعتها شيماء بحنق وهي تقول "وماذا تنتظرين؟! لقد طال تأجيل لقائكِ به.. هيا!"

قالت بسخط "ذلك المدعي الغبي يقول أنه لم يعد لي حق به.. وأنا لم أحبذ التصادم معه"

ضحكت شيماء وهي تقول "لقد أخبرتكِ أنه استولى على كل ولائه منيّ ورفض أن يقترب منه أي أحدٍ منا"

قالت وهي تتقدم خطوة بينما تلمع عيناها بالدموع "هل تعتقدين أنه ما زال يتذكرني أم أنه كغيره تخطى كل وعوده بالوفاء لصاحبته يوماً؟!"

تنهدت شيماء وهي تقول "لا.. بل يتذكركِ ولكنه فقط غاضب لأنكِ تركتيه.. إن الكلب أوفى من البشر يا سَبنتي، أنتِ لا تنتظريني أن أخبرك أنا بهذا!"

أفلتت منها ضحكة مختنقة بينما تصل إليه أخيراً ثم جلست بجانبه بتمهل شديد فلم يصدر عن الكلب أي حركة هجومية أو نباح سعادة وهو يقفز على ساقيها يخربشهما كالماضي.. بل ظل ينظر أمامه مزمجراً فقط..

"هل أنت غاضب مني يا شلبي؟ الآن تتفهم أني تركتك رغماً عني وأني رفضت تماماً استبدالك بآخر يا عجوز !"

أصابعها الرقيقة ارتفعت لتتحرك بهدوء على جسده المستطيل تمسد فروته بحنان، ظل شلبي ثابت في مكانه ولم يهجم عليها كأي غريب ولم يتقبلها أيضاً.. "أنا أسفة، لقد أهملت في حقك جداً، تراني لم أستحق وفاءك ولا تذكرك لي؟"

جلست شيماء بجانبها ثم دست يدها في حقيبتها تبحث لدقيقة في أحد الجيوب ثم أخرجت كيس صغير ومدته لها .. فابتسمت من بين دموعها وهي تقول "هل ما زال يفضلها؟!"

قالت شيماء بثقة "بالطبع, إن الحيوانات لا تغير ميولها ولا أحبابها ولكنها تحزن من قسوة أصحابها"

فتحت الكيس تخرج بعض قطع البسكويت المخصص له ثم مدته نحو فمه وهي تحتضن رأسه في حضنها وببساطة مثيرة للعجب أصدر أنين رافض وهو يحاول إفلات عنقه منها "لا تقسو عليّ، أنتَ أحد أهم أسباب عودتي"

"من الجيد أن أعلم بأن الكلب الذي أهديتكِ إياه في عيد ميلادكِ السابع هو من أعادكِ إلى صدر أمكِ الذي ترفضينه!"

أجفلت وهي تدفع رأسها لأعلى تنظر لوجه منى المطل عليها من خلفها "أنتِ من فرطتِ في أمومتكِ لي أولاً.. فلا تلوميني إن تناسيتها"

اغرورقت عينا منى بالدموع وهي تنحني بجذعها نحوها لتحيط وجهها برفق ثم قالت "ولكنكِ لم تنسيها يا قلب أمكِ"

هبطت دمعتين على خديها وهي تهمس "أنا لم أنسى أم قد ذبحتني دون رأفة لترمم جروحها هي.. فكيف بنسيانكِ وأنتِ من منحتني أول شعور بالأمان على نبض فؤادكِ الحنون"

ابتسمت منى مع شهقة بكاء وهي تقول بوجع "إذاً لماذا القسوة، لماذا لم تندسي في ذراعي تشكيني همكِ فور عودتكِ؟!"

أغلقت جفنيها بينما دموعها تهبط دون وعي لتغرق وجنتيها حتى وصلت نحرها ثم قالت بقهر "لأنكِ أول من فرّط بي، أول من أخرجني من جنته ملقية في وجهي الحقيقة القاسية.. أنا لن أرقى يوماً لأصبح واحدة من بناتك.. رغم أني حفيدة بلال الراوي والذي لولا تعطفه عليّ لكان مصيري أن أكون مجرد طفلة من أطفال الشوارع تعطفين عليهم باشمئزاز واضعة في رأسك تخيل منفر لمستقبلي.. حين رميتها في وجهي يوم أن كذبت وأخبرتكِ بأني..."

قطعت جملتها وهي تبتعد عنها تدفع يدها بعيداً.. غطت وجهها بكلا كفيها وهي تحاول أن تدّعي الصمود قائلة "كفى أرجوكِ، أنا لم أعد إلى هنا لتهدموا ما تعبت جداً في بنائه"

ركعت منى على ركبتيها ثم دون انتظار إذنها كانت تحيطها بذراعيها بقوة تسند رأسها الرافض بكفها تجبرها على أن لا تقاومها.. أن تقبل نبض فؤادها الأمومي مرة أخرى ..ثم قالت بألم "لم أفكر فيكِ قط بتلك الصورة.. ربيتكِ كابنة لي.. ابنة منى القاضي.. ولم أفكر يوماً من أين ولدتِ.. إنه شيطان يا صغيرتي.. وسواس تلاعب في عقلي ومخاوفي على ولدي الوحيد وهلعي وقتها كان رعباً عليكِ أنتِ.. لم أتخيل أن تتعرضي لنفس المصير الذي كنت أبذل كل جهدي لدفعه عنكِ بعيداً!"

"أنتِ كنتِ أحد السكاكين التي غرزت بقلبي.. كلامكِ, صوتكِ, مظهركِ, وصفعتكِ.. كل شيء ما زال ينبض هنا.. وينحر هنا هادماً كل ما أحاول أن أبنيه"

لقد كانت تتحدث بمرارة وهي تشير بتخبط نحو صدرها ورأسها، مستسلمة لضمها إليها..

ازداد وجه منى امتقاع وهي تقول بصوت باهت "أنا لا أجد ما أدافع به عن نفسي.. لقد أخطأت أمكِ يا سَبنتي وترجو منكِ الغفران والعفو، تكاد تجن من اشتياقها لكِ ومن عودة دعسوقتها الظريفة الحلوة لترفرف حولها وتنشر بهجتها داخل جدران منزل أهلكه الحزن والمرارة فور هجرانها له.. فهل انتظر منكِ هذا يوماً بأمل أم ستكونين مجرد ابنة أخرى لآل الراوي قاسية مريرة كالحنظل ترفض أن تقدم عفوها؟!"

رفعت وجهها تنظر إليها بعينين جميلتين ومرهقتين جداً جداً من تكدس آلام النزاع فيهما.. حاوطت منى وجنتيها مرة أخرى بحنان وهي تقول برفق "هل أتعشم أن أجد قلب ابنتي البريئة ما زال ينبض هناك وسط كل تلك العتمة؟"

"أنا...." همست ثم صمتت بعجز

هزت منى أحد كتفيها وهي تقول بابتسامة بائسة "هل تستعجبين من رفض شلبي الغاضب لكِ.. لم تمر عليه السنين كما تحسبينها أنتِ يا صغيرة، لم تكن أبداً ما يقارب الأربع أعوام بل مر عليه ثلاثون عام.. كل يوم مر في غيابك هو سلسلة من السنين الطويلة من العذاب و الندم الذي لا يرحم ومن سؤال مزيف "بلو" شيطانية.. ماذا لو حاوطتكِ ككل مرة، تخليت عن ضعفي وغبائي واندفاعي لحمايته.. ماذا لو لم يوسوس الشيطان في رأسي.. ماذا لو كنت احتضنت ابنتي وأخبرتها أن أي ما كان قد حدث أني سأجعل الأمور تمر بخير من أجلها؟!"

كانت تتدرج المشاعر في صوتها مع كل كلمة تنطق بها حتى وصلت لانفجار تام، تحكي بقهر وتبكي بألم.. مما دفع سَبنتي لأن تقف سريعاً مستندة لركبتيها تضمها هي هذه المرة وهي تقول "توقفي أرجوكِ.. أنا لا أستحق كل هذا الحزن، أنا مجرد نذير شؤم وأذى لكل من مد لي يد العطف والرحمة.. أنا من دمرتكم"

أبعدتها منى سريعًا تمسكها من كلا كتفيها تحدق فيها من بين دموعها بدهشة وهي تقول "ما الذي دفعكِ للتفكير بهذا يا صغيرة، لم ينظر إليكِ أحدنا يوماً إلا كضحية من ضحايا عديدة خلفها خداع الكبار"

ضمت شفتيها بعنف ناظرة إليها باستعطاف أن لا تضغط عليها أكثر وأن لا تستغل علاقة كانت تضمها يوماً لم تتسم إلا بالصراحة والوضوح.. وشجعتها يد شيماء المرتبكة التي ربتت على ظهرها وكأنها تذكرها بأن لا تبوح بسرهما مهما حدث.. أو أمام أمها على الأقل.. فلا يجب أن يعلموا بما كان.. وأن غضب أبيها المستعر قطع خيط كان يمكن أن يمد ويجنبهم الكثير من الحزن إن سمح لسبنتي بمده..

وانصاعت بهدوء استمرت في تجنب الحدث محتفظة به لنفسها وهي تقول بنبرة مرتعشة "كل ما حدث مني يجعلني أؤمن بهذا"

قالت منى بعطف "وماذا عليّ أن أفعل لاكتسب ابنتي مرة أخرى؟ هل تريدين مني الاستمرار في توسلكِ يا سَبنتي؟!"

بهتت وهي تهز رأسها يمين ويسار ثم قالت "لا ...لا أبداً لن أسمح لمكانتكِ أن تهتز في نظري، أنتِ أعلى شأناً من أن تتوسلي لفتاة مثلي"

"فتاة مثلكِ؟!"

صمتت قبل أن تردف بحزم "أنتِ ربيبتي، حفيدة هذا المنزل، وشريكة أبنائي في الدماء.. أنا من لن أسمح لكبرياء صغيرتي أن يهتز، أو لخيالات عقيمة استمرت لوقت طويل حتى تمكنت من تفكيرها"

اختار شلبي في تلك اللحظة أن يئن وهو يتمسح في ساقها وكأنه يذكرها بأنها لم تنتهي بعد من تقديم اعتذاراتها له.. فضحكت برقة وهي تمسح أنفها بأناملها بعبثية مطلقة ثم مالت نحوه تحتضن جسده الضخم مرة أخرى وهي تقول "هل هذه بوادر غفران.. ستأتي معي دون مقاومة، لقد اشتقت لك شلبي"

سحبتها منى تشد انتباهها وهي تقول "احتاج لإجابة شافية استحقها بعد فقدانكِ لأعوام.. هل سنجد حلًا لهذه المعضلة يوماً؟!"

هزت رأسها وهي تقول "لقد أخبرت بدور يوم عودتي بأني لا أشبهكم في شيء.. أنا لستُ جاحدة لهذا الحد، ربما موجوعة منكِ بشدة.. ولكني أبداً لن أستطيع الاستمرار في جفائكِ"

قالت منى بحنان فرح "هذه ابنتي التي كنت انتظر عودتها، إن صغيرتي لم تتغير"

أسندت رأسها على صدرها هذه المرة طواعية ضامة الكلب معها ثم قالت وهي تغلق جفنيها "لا تجزمي بهذا يا زوجة عمي... بل غيرتها القسوة والجحود كثيراً"

********

ألقى خالد نظرة نافذة الصبر على المرآة وهو يحاول بلا نجاح أن يعقد رابطة عنقه بشكل سليم.. إن عقله المشتت فشل تمامًا بأن يقوم بعمل أصبح روتيني وعادي.. نفخ وهو يقرر تركها كما هي ثم شرع في فتح خزانته الصغيرة التي يحتفظ فيها ببعض الملابس الرسمية إذ أنه أحياناً يأتي إلى مكتبه مباشرةً عقب ذهابه إلى صالة نضال الرياضية كما فعل اليوم بالضبط.. حيث احتاج لبعض الرياضة العنيفة عَلَّهُ يبدد بعضاً من الضغط النفسي.. ولكنه أيضاً لم يفلح في ذلك.. وضع السترة ثم ألقى جسده على المقعد الجلدي دافناً وجهه بكفيه ساخطاً وبغضب يشتعل مبدداً كل سلامه...

مفكراً "ماذا يفعل بنفسه؟!"

سؤال أخيراً وضِعَ في مكانه المناسب دون تخبط، دون رياء على نفسه ودون واجهة مخادعة لم يحترق أحد بكذبها إلا هو..

"ماذا جنت يداه بظلم بيّن وقع على سَبنتي أولاً؟! كيف له أن يفقد كل تحكمه ويشتعل كل جنونه لمجرد إدراكه أنه فقد أي حق له فيها بغبائه؟ بل ما الذي يريده منها؟! ألم يقرر ويجزم أنه ما عاد يريدها.. ما عاد يرغب بفتاة قد تركته خلفها وغدرت بعهدها معه؟؟ أليس هو من قرر بأنه سيمضى قُدُماً ويتزوج من فتاة تناسب كل المعايير الاجتماعية كما أقنعه أبوه لأعوام حتى رضخ له؟ ألم يكن هو من صمم أن يبنى حياة مع أخرى وبيت وأسرة ليستقر وينسى من باعته؟!

إذاً ما الذي يسعى إليه بأفعاله تلك؟ ظلمها؟! هل يدّعي كذباً أنه لم ينتبه للجرح العميق الساكن في عيني البنفسج التي كانت دائماً تقابله بلهفة وسعادة وبلمعان كألف نجمة!!

إلى أين سيوصلك كل هذا يا خالد؟؟!"

فرك وجهه بعنف بينما يضع إحدى يديه على جبهته ويده الأخرى تتقبض بعنف معبرة عن كم الهائل من الضغط يتعرض له... وسؤال أهم من كل هذا يطرح نفسه عليه بعنف يشق صدره لنصفين..

"ما الذي ارتكبته لانا ليغدر بها ويظلمها بتشتته هذا؟!"

أغلق جفنيه محاولا أن يمحو صورة موجعة تتردد في عقله تنهشه وتلقيه في الجحيم، إن لمعة الدموع في عينيها وصوتها المتوسل وهي تقترب منه مرددة طلبها مختبرة إياه بينما هو كان مجرد غر أحمق شعر بالدماء تسحب من وجهه وبالأرض تميد به تحت قدميه معبر عن ذهوله من مطلبها بالتراجع والهرب بعيداً بقلبه.. بتفكيره وبمشاعره حتى وإن كان قد عجز عن أن يحقق طلبها ويفعلها..

إنه ما زال يحترق بشهقات بكائها وهي تنظر إليه بعدم تصديق مصدومة بقوله العصبي الفظ "لقد فقدتِ عقلكِ!"

كانت نبرتها المرتعشة المليئة بالغضب الهيستيري وهي تصرخ فيه "بل عاقلة تماماً كما أعي دوري في لعبتك الهزلية.. إن أردت أن لا أصدق استهانتك بي ولهفتك عليها... فأثبت أنك تريدني"

هتف في وجهها بسخرية "بتقبيلكِ، أنتِ لستِ زوجتي!"

هتفت بجنون "ولا هي زوجتك أو خطيبتك.. إنها لا شيء، لا شيء أبداً إلا دخيلة حقي..."

تصلب وجهه بينما نار تتقد وتهب فجأة داخل عينيه مبدلة لونهما الأسود لاحمرار التام وقال يحذرها وينهاها عن اتمام كلامها "إياااااااكِ!"

اندفعت دون مقدمات تقبض على قميصه بعنف بينما تقول بأنفاس صعبة مزقته "إن رفضتني الآن لن أغفر لك أبداً يا خالد"

كان بارداً جافاً وحاداً بشكل مستفز كما نبرته الغامضة وهو يبعدها عنه بكل ما أمكنه من لطف و قال بأسى "آسف... لن أستطيع يا لانا"

جملة غير مفهومة تركتها تنتفض في أثره محدقة فيه بذهول.. كلمة هو نفسه لا يريد الإقرار بمعانيها العديدة.. عاد إلى واقعه وتمتم بسخرية مريرة "يبدو أنني أتحول لكل ما كرهت أن أكونه يوماً.. ساعدني يا الله"



اندفع الباب دون استئذان لم يتعجب منه وزفر بتعب رافعاً رأسه نحو وجه راشد الذي أطلّ عليه راسماً ابتسامة سمجة وهو يسأله "لماذا تأخر شيخنا عن الاجتماع؟ لقد حان الوقت لنتخلص من وجود بعض الضباع التي تركها والدك الفاضل في المؤسسة.. تباً وكأننا اكتفينا من المختلين داخل العائلة الموقرة ليأتي بالمزيد من الخارج؟!!"

وقف خالد بتعب وقال بحنق "اليوم ليس مناسب أبداً لأي حرب كلامية، إذا حضر جميع الأطراف فلماذا لم تبدأ؟"

ادّعى راشد العبوس وهو يلقي سيجارته المشتعلة على سجاد مكتبه الفخم ثم دهسها بطرف حذائه وهو يقول بدهشة "أبدأ بدون وجود الرئيس؟! إنه مكانك أنتَ وأنا مجرد حامي.. أو دعنا نقول أني من سيصدق على قرارتك أو يمحيها بجرة قلم"

تفحصه خالد بتشكك ثم سأله "ما الداعي لهذا العرض المتواري؟!"

نظر إليه بهدوء وقال باستهجان "مهلا يا رجل لا مجال للشك بيننا، ما زلت أنا أخاك الكبير وأباك الروحي يا فارسنا"

مال خالد بوجهه محدقاً فيه بقلق في حين اقترب راشد منه وهو يكمل باهتمام شعر أنه كاذب "هيا دعني اضبط لك ربطة عنقك حتى تكتمل هيئتك الراقية"

وقبل أن يبعده خالد كانت يديه تطال بالفعل ربطة عنقه وبعنف شديد مقصود كان يدفعه كالثور نحو الجدار المقابل والذي تتوسطه نافذة زجاجية كبيرة فدفعه خالد بتلقائية وهو يهتف "ماذا تفعل راشد هل جننت؟!"

أثبط راشد محاولته وشدد من قبضته على ربطة عنقه مسببا له بعض الضيق بالتنفس ومدفوعاً بغضبه الشديد مما أخبره به إياب وأيضاً بكاء سَبنتي المكتوم الذي استمر تقريباً طوال الليل قال بشراسة مستعرة "أنا أحترمك وأقدرك هذا لا يقبل الشك, ولكن أقسم بالله يا خالد إن اقتربت من ابنتي مرة أخرى لأي سببٍ كان، أو فرضت نفسك عليها ومنحتها أمل معدم وحقير وأنت تتهادى مختالاً بتلك الفتاة أمامها... لأعلقك المرة القادمة من ربطة عنقك الجميلة هذه متدلياً من تلك النافذة"

توسعت عينا خالد بصدمة ولدقيقة كاملة بدا عاجزاً عن مقارعته أو الرد عليه.. هتف راشد منفعلا "هل كلامي واضح لعقلك الغائب عن رأسك أم لا؟!"

أجابه خالد بوجوم "واضح"

أرخى قبضته و بحركة رتيبة باردة كان يعدل له ربطة عنقه ثم تقدمه ببساطة وغادر!

***********

"أنتَ الرجل الذي أرتني لورين صورته"

لم يتبدد ذعره بينما تنقشع غيمة الرفض، وتتحول لتصديق أمر بات ليس التسلسل المنطقي فقط من يخبره بنتيجته بل فؤاده الذي يهدر بعنف لمشاعر غريبة تغزوه.. إحساس جديد كُلياً لم يعرفه من قبل قط.. يقر أن هذه الطفلة هي جزء لا ينفصل عن أوردته...

سأل بلهفة قاربت الجنون "وماذا أخبرتكِ عني؟ ما الذي قالته وجعلكِ تتمسكين بي؟!"

تهلل وجهها بالسعادة وهي تحرك كفها الصغيرة على وجنته في حركة معناها غير مفسر له ثم اندفعت مرة أخرى تدس نفسها داخل صدره وهي تقول "أنك تحب أمل كثيراً.. ولكنك في العمل لذا ستبقى دائماً مسافر ولن تعود.. ولكنك أتيت لتلعب معي صحيح؟!"

زفر وهو يشعر بألم يعادل انفصال عظامه عن لحمه حرفياً كما حدث له يوماً بل وجع فاق كثيرا ألمه الجسدي من مجرد عاجز مكسور الأرجل.. ألم يعيد كل جراحه النفسية وخفقاته الحياتية مرة واحدة..

"أنتِ ابنتي؟!"

أي قسوة وجحود.. أي غل وظلم تحمله في نفسها الكريهة؟؟ عجز عن النطق.. وعجز أيضاً عن مبادلة تلك الفتاة لهفتها وعناقها رغم صراخ كل ذرة فيه بأن يفعل.. ولكن مفاجأة معرفته كانت أكبر منه.. كانت الصدمة والذهول هما من وقفا حاجباً بينه وبين الصراخ بأعلى صوته وربما هائجاً مكسراً كل قطعة في هذا المنزل فوق رأس لورين قهراً وغضباً..

أمل ابنته.. هل يصدق المنطق والعقل أم يرفض ما توصل إليه حماية للبقايا الشحيحة داخل نفسه؟ أيعقل أنها ارتكبت نفس الجرم الذي عانى منه كلاهما.. لصغيرة بلا حول ولا قوة؟ كيف يعقل بالأساس وجود ابنة منها وهي من رفضت بكل وضاعة إنجاب طفل منه؟ أليس هذا أول ما اكتشفه من خداعها وتغاضى عنه حتى لا يخسرها متمسكاً بالأمل في حبهما؟!

"أمل ابتعدي عن هذا الرجل حالاً, وتعالي إلى هنا" قالت لورين وهي تقف أمام الباب الذي تركه خلفه منذ وقت..

بذهن مشوش رفع وجهه نحوها.. وبتلقائية بحتة كان يتمسك بالصغيرة التي انكمشت بداخل ذراعيه أكثر رافضة بعناد تركه..

وسألها "من والد الفتاة يا لورين؟!"

قالت بفظاظة "اسأل أمها"

تمتم من بين أنفاسه "أنا أفعل الآن ..أكاد أقسم أني أوجه سؤالي للقذرة الوحيدة هنا"

"أمل ابتعدي وإلا ستعاقبين"

توحشت وهي تقترب منها تمسك بذراعها تشدها بعيداً حاجبة الذعر الذي تعيشه في كل برهة تكون أمل بقربه...

رفعت أمل وجهها الحزين وعيناها تمتلئ بالدموع وهي تحدق فيه بينما تهمس بتحايل طفولي مكررة دون يأس "لا تسافر.. ابقى معي.. أخبرها أن لا تعاقبني لأني أحبك"

جنّ بالفعل وهو ببساطة يهلع من الفتاة حسنة الكلام شديدة الدقة وهي تلقي رصاص طلبها في صدره فضمها إليه برهبة وهو يقفز واقفاً على قدميه حاملها معه صارخاً في وجهها "ابتعدي عنها, لن تلمسيها قبل أن افهم لماذا تعرفني هذه الفتاة؟ ولماذا عاشت أعوامها الصغيرة تنتظرني؟!"

أخيراً شحبت ملامحها بينما كل عضلة فيها ترتعش عاكسة خوفها ثم صرخت فيه مصرة "أنت الشخص الخطأ.. دائماً ما كنت الرجل غير المرغوب فيه، الغلط الملوث وسط عوالم أناس نظيفة، إن أمل أخطأت فكلكم متشابهون في الملامح البيضاء كما الخسة"

للحظة كان يحدق فيها وهو يكاد ينقلب على ظهره ضاحكاً إذ ذكرته بلهجة تلك الطبيبة المكسيكية التي كانت تمقت البيض..

"كفاكِ.. توقفي.. من والد الفتاة؟!" صرخ هو الآخر بصوت جهوري.. مما جعل الفتاة تنتفض بين يديه بخوف بحت فحاولت تحرير نفسها منه مبتعدة عنه, فاقتربت لورين تحاول أن تلتقطها منه فصرخت أمل بذعر وهي تبكي من مظهر كليهما المتوحش.. وعلى الفور كانت فرح ومرح آتيتان على أثر صوتهما فانطلقت أمل نحو ذراعي فرح لتحتمي فيها من كليهما "خبئيني ماما.. أنا لا أحبهما"

انهارت لورين بشكل تام وهي تنظر لابنتها المرتعبة وارتعاش جسد صغيرتها وهي تبحث عن أمان معدم داخل ذراعي خالتها مذكرة إياها بوضوح تام بمشهد أربعة أطفال ملقون على درجات سلم بيت حقير يرتعشون برداً وجوعاً حتى ينتهي والديهما من شجارهما الذي انتهى بتدميرهم..

ببطء كانت تلتفت إليه وهي تقول بنبرة خشنة "اخرج من هنا ولا تعد"

أما هو فقد ثبت في مكانه فارداً ذراعه وهو يشير بإصبعه دون أن يحاول النظر للفتاة خوفاً من أن يفقد آخر ذرة للتماسك ثم قال ببطء متقطع "تلك الفتاة... ابنت... ابنتي أنا... أجيبيني؟!"

هتفت مرح دون تردد "أخبرتك إنها ابنتي أنا، ما الذي تريده منا.. ألا يكفيك تدميرك لأختي حتى تأتي بجنونك لتختطف ابنتي؟!"

بين صدمة وذهول الجميع كان ينفجر في الضحك غير المفهوم والذي سرعان ما انقلب لضحك مرير مذهول وهو يردد "هذه خدعة.. كل ما يحدث هنا مجرد عرض هزلي رتبته هي لأنها كانت تعلم بقدومي عاجلاً أم آجلا..."

قطع ضحكته فجأة كما بدأت ثم اندفع متوجهاً إليها يمسكها من عضديها ويهزها بعنف وهو يهتف في وجهها بنبرة من يوشك على القتل "عيناها تحمل روحي أنا.. إنها مرآة لمعاناتي أنا وليس أنتِ.. الفتاة ابنتي"

انكمشت لورين على نفسها لقد صدمها سريعاً قبل أن تجد من صدمة تلاحق الأحداث التي تمر بها أي مخرج ثم ما لبث أن قال بنبرة مهددة مرعبة الصميم "لا... لا تعترفي.. إن فعلتِ.. إن أثبتِّ لي أن الصغيرة منّي وأنا أجهلها لن أتردد لحظة واحدة في تدميركِ كما دمرتِ كل ما حاولت بجهد ترميمه داخل نفسي"

"ابتعد عنها حالاً واخرج من هنا يا ممدوح" كان صوت أيوب الذي وصل في اللحظة المناسبة بعد أن خابرته فرح منذ دخول هذا الرجل لمنزلهم واختلائه بلورين حازماً.. ما لا يدركه أيوب أن فرح ترتعب من فكرة أن يختلى أي رجل بامرأة خلف باب مغلق, إذ أنها تؤمن بأنه قادر على ايذائها بشكل أقسى بكثير من حصوله على جسدها!! وما لا تدركه فرح أن أيوب تلكأ في القدوم لأنه ببساطة كان يعرف بوجوده بمنزله... وهذا ما ندم عليه تحديداً في اللحظة التي رأى فيها وجه أمل الذي ذكره أيضاً بأربعة وجوه فقدها!!

انتفض جسده النحيف والألم يمزقه تمزيقاً... ألم المعرفة التي ترفض أن تمنحها له.. ويرفض هو حتى اللحظة تصديقها..

أشار أيوب بيده بتحكم نحو مرح أن تأخذ الفتاة بعيداً ثم عاد ينظر لكليهما وهو يقول بسيطرة "ليس هذا ما وعدتني به حين منحتك فرصة معها؟!"

قال ممدوح واجما "وليس هذا ما وعدتني به أيضاً وأنت تستمع لكل البشاعة التي أخبرتك بها بصبر!!"

لدقيقة ظل أيوب يحدق فيه بوجه بلا ملامح حتى تراجع عن لورين تاركها تلتقط أنفاسها المتقطعة... حتى قال أيوب اخيراً "لا أذكر أني وعدت بأكثر من تفهمك وأن أبحث وراء حجتك بصبر وتعقل دون أن أقوم بفعل متطرف وأطردك بعيداً من بيتي"

هتف بصوت أجش "وراسلت المركز الإسلامي وتأكدت من توثيقي لزواجنا؟!"

نظر أيوب لوجه ابنته المضطرب ثم قال "بالطبع فعلت.. فهذا دورنا نحن الآباء.. نصلح أخطاء أبنائنا ونحميهم من تدمير أنفسهم"

فهمت لورين دون حاجة للشرح ما كانت صدقته بالفعل خلال مواجهته الدامية

"رباه ما تلك المصيبة؟!" همست مرتجفة وهي تتراجع للوراء حتى اصطدمت بكتف أبيها الذي تقدم ببساطة يضعها خلف ظهره بحماية ...

هز ممدوح رأسه إيجابا ..ثم قال بألم "أنا لم أعرف نوع الآباء هذا قط.. لم يصلح خلفي ولم يبحث عني يوماً إلا لإيذائي

أكثر"

فتح أيوب يديه بقلة حيلة ثم قال "لا أستطيع الدفاع عنه إذ أني لا أعرفه.. ولكن ما أجيده هو حماية ابنتي من أي شخص يريد بها أذى"

تنهد بحرقة قبل أن يقول بصوت خشن "أخبرتك أنها لم تتورع في كسري وإيذائي هي الأخرى"

نظر أيوب من خلف ظهره بلوم مرير ثم قال "لقد عرفت الآن أنها كذبت في كل ما أخبرتني به عنك"

لوهلة واحدة بدا عليه الارتباك ..التردد والألم ثم هتف وهو يشد شعره بعنف "أنا لستُ ملاك أيضاً"

قال أيوب بهدوء شديد وهو يتذكر اضطرابه المشابه عندما قدم إلى مطعمه طالباً منه الحديث على انفراد مترجياً أن يستمع إليه للنهاية.. لقد وعده بعدم الكذب أو ستر الحقائق البشعة وطالب منه أن ينظر إليه بعين أب يحترمه ويقدره منذ أن أخبرته لورين قصتها... بقلب أب لم يجرب هو أبداً معنى رأفته... وهو فعل بكل بساطة رغم النيران التي أشعلها في صدره وهو يشرح له ببطء شديد وخجل أشد ما ارتكبه في حق ابنته وتعد جناية وللغرابة ورغم قهره يجد نفسه يتفهمه.. قال أيوب أخيراً بحزم "ولست شيطان رجيم أيضاً"

وبسرعة البرق كان يرى الجنون يشتعل في عيني الرجل الخضراوين وهو يشير لداخل المنزل "أمل ابنتي.. أنتَ العاقل الوحيد هنا.. أرجوك أرحني؟!"

عم الصمت الرهيب في ساحة المنزل وكلٍ من ثلاثتهم يحدق في الأخر ما بين الذعر من طرفي لورين وممدوح وكل لأسبابه وبين الهدوء والحكمة الشديدة نظراً للموقف الذي وجد أيوب نفسه بكل أسف يقيمه.. فإن أخبره بالحقيقة الآن وفي تلك اللحظة قبل أن يميل جانب ابنته ليقنعها بهدوء أن تخبره عن الصغيرة... أيضاً وبالطبع قبل أن يهدأ ممدوح متخلياً عن جنونه الذي قد يحدث كارثة لن يدرك أبعادها.. بكل مرارة بداخله كان الوجه الوحيد الذي يراه في تلك اللحظة هو الرعب الصافي لأمل وهي ترى نسخة أيوب ونسرين الحديثة من نزاع وغضب سيحطم عالمها المسالم الذي حاوطها به منذ نعومة أظافرها... أخذ قراره أخيراً مستجيباً لحفر لورين الدامي في ظهره بأظافرها وهو يفتح باب المنزل وقال بنبرة لم تثبت أو تنفي "اخرج من هنا.. ولا تعد إلا وأنتَ هادئ وعاقل.. رجل مسؤول أستطيع محادثته كما سبق في المطعم"

أطلق صوت مستنكراً أشبه بالشخير أظهر عدم تصديقه ورفضه لما يحاك حوله منذ زمن ثم صرخ "أريد إجابة واضحة.. هي ابنتي.. كل الدلائل تشير لهذا!"

كرر أيوب هذه المرة بتشدد "اخرج من بيتي... أي أطفال تبحث عنهم وأنتَ لم ترغب في الإنجاب بالأساس؟!!"

اتسعت عيناه والدماء تنسحب من وجهه ببطء ..ثم قال بنبرة كالخرير "كذبة أخرى.. اللعنة عليكِ.. هل أنا من كنت أتناول الحبوب من وراء ظهركِ معلناً عدم مسؤوليتي بتبجح لأمنحكِ طفلاً؟!"

أسبل أيوب أهدابه كابحاً إحباطه ثم ابتعد بها وكرر دون تنازل "اخرج من فضلك ولا تأتي إلى هنا.. فالمنزل به فتاتين وطفلة صغيرة لا يحتجن لكل التوتر الذي تفتعله أنتَ وزوجتك"

" لن يخرج من هنا قبل أن يطلقني في حضورك"

نظر إليها ممدوح باستخفاف شديد بينما أمرها أيوب ببساطة "اخرسي يا طبيبة وعاقلة أيوب وحامية أخواتكِ"

وأمام قسوة الجميع... كان يتحرك كابحاً الألم الذي يعتريه.. خرج من هذا المنزل بصعوبة من تنفصل روحه عن جسده ..ولكن هذه المرة لم تعني روحه أو نبض فؤاده المنزوع تلك المرأة التي انتقمت منه بشتى السبل ..تلك الحبيبة التي ظن أنها فرصته الثانية ومكافأته من الحياة ووضح أنها لم تكن إلا انتقام رب العالمين منه تمثل على الأرض...

"ألا من انعدام أمل في غفران تسعى إليه بكل كيانك... نهاية الرحمة يا الله حتى وإن كنت لا أستحقها؟!"

خرج منسحبا من بيت قد أغلق بابه في وجهه بمنتهى الشدة ولكنه لن يتنازل أو ييأس حتى يأخذ اعتراف شافي منهم.. أن ذلك الكائن البريء الشفاف هي ابنته.. أنه معدم الروح ذو عالم مظلم.. هل يستطيع تصديق كذبة يرتبها عقله بخطوط هندسية مقنعة؟!

**********

كانت سَبنتي في طريقها لمكتب أحد الأساتذة والذي أوكله راشد بها حتى تنهي المواد التي لم تدرسها في جورجيا لتستطيع اللحاق بسنتها الجامعية هنا ولحسن الحظ أنهم لم يكونوا كثيراً وأيضاً ليس بتلك الصعوبة التي تخيلتها بل تستطيع القول أنها نجحت في أحدهم والبقية تستطيع إنجازهم في أسبوع على الأكثر ..وبالطبع وجدت منهم لطف ومساعدة عكس ما كانت تسمع أو تقرأ على صفحة التواصل الاجتماعي دائماً من تهويل.. إنها تدرك بالطبع كون الجامعة خاصة وتحوي طلبة وافدين أو أبناء ممن يسمون أنفسهم بالنخبة تمنحهم عدة امتيازات من اللطف المبالغ ولكنها تعود لتقر بصدق أن الأناس الذين تعاملت معهم لم تشعر منهم إلا بالطيبة والاحترام البحت والذي لا دخل لسلطة راشد أو اسم الراوي به...

ربما سترتاح بالدراسة هنا حقاً في حال إن ابتعد عنها ذلك الأحمق الذي يدعى مروان سليم ..لقد أصبح يترصد كل تحركاتها حتى أوشكت أن تضيق ذرعاً...

"هل قررت جميلة العينين أن تأتي وتغادر قبل أن تلقي على مرشدها السلام؟!"

ثبتت مكانها وهي ترفع رأسها بحدة نحوه.. تباً أذكر العفريت تجده حولك في الحال.. نهرته قائلة "ابتعد عن طريقي من فضلك"

قال بهدوء متصنع "بعض الأصدقاء يدّعون أنكِ مجرد متكبرة أخرى.. لذلك ترفضين الانضمام إلينا.. ولكن أنا لا أرى إلا فتاة رقيقة وخجولة، لا تعرف كيف تجد الطريق الصحيح لتقبل أشخاص جدد"

قالت مستهزئة "وأنت بالتأكيد من ستخلصني من خجلي وتجد لي الطريق بسلام نحوكم؟!"

حرك جسده برقصة قصيرة صبيانية متفاخرة ثم قال "كل هذا تحت أمر حفيدة الراوي"

راقب كيف تأجج وجهها بالغضب الذي سرعان ما انمحى ثم قالت ببرود "حفيدة الراوي.. هل هذا كل ما في الأمر؟!"

فسر جملتها بطريقة خاطئة تمامًا إذ اعتقد أنها أرادت اهتمام من نوع آخر بعيداً عن اسمها.. ثم ما لبث أن قال بمغازلة "بالطبع لا، ربما مكانتكِ تميزكِ قليلاً جداً هنا.. ولكن ما يضعكِ فوق كل الفتيات هو أكثر من هذا بكثير"

رددت "فوق كل الفتيات!.. اممم.. الآن أنتَ أثرت اهتمامي"

منحها ابتسامة جانبية وهو يمد يده بمشروب غازي ثم قال "وأخيراً آنسة سَبنتي.. هل نجد مكان بعيد نستطيع فيه الحديث؟!"

نظرت إلى يده الممدودة بتهكم دون أن تبدي أي حركة لتقبل ما بها ثم قالت "وماذا عن موعدي مع الأستاذ؟!"

نظر حوله نحو المبنى بلا اهتمام ثم قال باستفزاز "سينتظركِ، ولن يجرؤ على الاعتراض، إنهم هنا لخدمتنا وراحتنا بمالنا"

تصاعد القرف بداخلها بشكل كبير.. لهذا تحديداً كانت ترفض بكل قوة أن تلتحق بأي جامعة خاصة... يقولون وينددون دائماً بفشل المنظومة التعليمية هنا... أيتعجبون من المعلمين والمسؤولين بلا ضمير.. حسناً ألم يخبر أحد نفسه بالحقيقة التي أصبحت ملموسة دون زيف...

"لقد اختفت المعايير الأخلاقية كما الاجتماعية للطلاب منذ زمن وسقط احترام المعلم وتبجيله الذي كان يزرع في تاريخ مصر من قبل أن يأتي التاريخ بتاريخ.. بأن المعلم أولاً له احترامه ومكانته في غيابه كما حضوره... ولكن أين كل هذا في العصر الحديث وبعض أولياء الأمور يزرعون في عقول أبنائهم أن حتى المعلم هو مجرد سلعة تشترى بالمال وأنهم أهم منه.."

بهدوء شديد كانت تعدل شنطة الحاسوب على كتفها، ثم تنحرف مغادرة إياه بخطوات ثابتة وهي تقول في برود "إن عرضك كله مرفوض"

للحظات ظل ثابت في مكانه يحدق في أثرها بغيظ شديد وهو يضغط على علبة المشروب حتى ألقاها على الأرض بحنق.. عندما انضم إليه أحد أصدقائه وهو يقول ضاحكاً "ما زالت عصية"

هتف من بين أسنانه "المغرورة من تظن نفسها؟!"

قال صديقه بشيطنة "هل اعتبر هذا استسلام، أم نستعد لغزو مروان سليم الشهير حتى تأتي إلينا راكعة؟!"

رفع رأسه والغضب يستعر في عينيه وهو يقول "ستأتي لي أنا وحدي لأضع أنفها العالي مكانه في الوحل، إن الأمر لم يصبح في حدود وافدة جديدة سأضمها لقائمتي بل بات ثأراً شخصياً"

قال صديقه ببعض التعقل الذي سرعان ما ذهب كالعادة وهم يستهزؤون بكل المعايير والحدود "لقد نبهتك مايا.. إنها تتمتع بحماية قوية، وإصرارك في هذه الحالة يعد نوع من الغباء المتهور"

"ليس أنا من يُرفَض.. إن لم يفلح معها اللين والمغازلة.. ستخضعها الشدة"

قال صديقه "العام طويل ونحن نتسلى حتى توفي بوعدك.. ولكن حذاري أن تغضب مايا بتعلقك الذي تعد به مجرد مطاردة لغريبة العينين.. إذ أنها ستحرقك معها"

********

أدارت بدور رأسها وهي تبحث بلهفة عن صغيرها عقب انتهاء الاجتماع الثقيل أخيراً.. ولكن هي لن تنكر فخرها بأخيها الذي كان يسيطر على كل زمام الأمور ويفرض كل القرارات الجديدة التي اتفق عليها بالفعل مع راشد.. وبالطبع لم يعجب الأمر حماه الموقر السيد حميدة ولم يستسيغه أيضاً تميم الخطيب.. ولكنه فعل أمراً جيداً بالتزامه الصمت من ناحيته وإسدال قناعه الغامض الذي يوحي بأنه لن يتنازل وسيسبب الكثير من المشاكل لاحقاً..

وجدته أخيراً خلف مكتب السيدة رباب سكرتيرة والدها والتي انتقلت الآن لمكتبها هي.. رافضة أن تغادرهم.. إنها لن تنكر أن وجود تلك المرأة الخمسينية يشعرها بالكثير من الألفة..

"مرحباً.. هل اشتقت لي؟!"

كانت توازن نفسها على ساقيها وهي تجلس في مواجهته وسرعان ما ترك ما كان, يعتدل من انبطاحه على الأرض وهو يمسك أحد الرسومات بيده وينطلق إليها، فاستقبلته وهي تلف يديها حوله مقبلة جبهته بقوة عندما قال هو بحماس "انظري، لقد رسمتكِ معنا"

أمسكت الورقة ضاحكة وهي تتفحص منزلاً صغيراً أمام نوع ما من المجرى المائي، وهناك شخصين كبيرين وطفلين.. سألته بمرح "أين أنا؟!"

أشار نحو أحد الأشخاص الذين وقف بعيداً عن الرجل والصغيرين ثم قال "أنتِ هنا وهذا بابا وأنا وأختي... لقد وجدت لكِ مكاناً بيننا.. أنا كنت لا أجد مكان للمزيد من الأشخاص بيننا"

اهتزت ابتسامتها وهي تقول "هذا كرم كبير منك"

قال بنبرة قتلتها "لا تبتعدي وتغادريها، إن بقيتِ سآخذك معي في قاربي"

أشعل فضولها بل ونبهها لسؤال هي لم تطرحه مطلقًا منذ عودته إليها.. سألت برهبة "وأين هذا القارب والمنزل الجميل؟!"

قال بطفولية بحتة "عند البحيرة"

كان صوتها خشن وكأن حبالها الصوتية فقدت قواها "وأين تلك البحيرة حبيبي، هل منزلك الجميل يقع على جبل؟!"

قال ببساطة "نعم, نحن كنا نصعد بالسيارة كثيراً جداً.. إذ أن مدرستي في الأسفل"

أحست بالدموع تحرق عينيها من تحت جفنيها فأغلقتهما.. بالألم وكأنها لا تستطيع التعامل أو ترفض التصديق أنه كان طوال الوقت في هذا المكان الذي رفضت بكل غباء أن تتخيل مجرد لجوئه إليه.. رباه كادت أن تشعر بالضياع.. بالتخبط يحاصرها، بعودتها لتلك الدوامة التي ليس منها نجاة.. حتى سمعت الصوت الرجولي المميز يأتي من خلفها يسأل "هل هذا هو الصغير؟!"

ضمته بشكل تلقائي وهي تسحبه بين ذراعيها وتستوي على قدميها برشاقة محتمية في إياب من أي مشاعر موجِعة قد تهدد بفقدها اتزانها ثم رسمت ابتسامة رائعة وهي تلتفت إلى وجه تميم وتقول "هو بذاته.. سيد إياب راشد الراوي صديقي الجديد"

ضيق ما بين عينيه وهو يتفحصها ببطء ثم قال بتعجب "صديقكِ؟!"

توسعت ابتسامتها وهي تضم إياب إليها تستنشق رائحته بعمق لم تقصد منه أي شيء مطلقاً.. بل كأن الأمر بات نوع من الإدمان المحبب الذي لا أمل من علاجه أبداً.

"نعم، صديقي الصغير الطيب الذي وجد لي مكان سريعاً في قلبه كما حياته"

ابتسم تميم بتلقائية متخلياً عن وجهه اللئيم المعتاد.. وبات لوهلة وهو يتفحص مظهرها الساحر وابنها بين ذراعيها.. أنه يتذكر بحنين شيء ما برز من ربوع ذاكرته "جميل يا بدور، يشبهكِ كثيرًا"

نظرت إليه بهدوء ثم قالت "بل يشبه والده"

هز رأسه بتفهم ثم قال "الآن ربما أفهمكِ، إنه يستحق الوجه الآخر الذي رأيته منكِ منذ يومين"

أومأت إيجاباً وهي تتحرك نحو مكتبها ثم قالت "إلى اللقاء قريب سيد تميم سأعود فيه شريكتك بدور الراوي ..لأني الآن.."

صمتت بقصد وهي تداعب إياب تهمس داخل أذنه بشيء جعل الصغير يهتف بسعادة ثم يكافئها بلف ذراعيه حول رقبتها بقوة مقبلها على وجنتها..

فعادت تقول بمرح "فاعذرني الآن أنا فقط أقوم بدور طال شوقي لممارسته"

ودعها بعينين اختلطت فيهما مشاعر عدة متذكراً بألم أم حاولت ممارسة أمومتها الضائعة معه وسط القنابل والرصاص وأشلاء صغارها الذين لم يتبقى منهم إلا هو!

كاد يضيع هو الآخر في إعصار ذكرياته يسدها بإصرار بجدران من الحديد الصلب ويقفل ثغراتها بالنحاس المنصهر حتى لا يضعف أبداً... أتاه صوت راشد من خلفه وهو يقول بهدوء ظاهري "سيد تميم هل لي بكلمة على انفراد معك؟!"

*********

:7r_001::7r_001::7r_001::7r_001::7r_001::7r_001::7 r_001::7r_001::7r_001::7r_001::7r_001:
يتبع


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 11:34 PM   #2359

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

تابع الثالث والثلاثوووووووووون


الحبُ فى الأرض بعضٌ من تَخَيُّلِنا.. إن لم نجده عليها لاخترعناهُ.

.................................................. ..........................................

دخل إلى حجرة مكتبها الصغيرة.. والمكدسة بأوراق ورسوم وبعض الصناديق المرتبة بعناية أفقياً في صفوف منظمة تعلوه ورقة سميكة مكتوب فوقها بخط بريل وخط عربي عادي ما يحتويه كل واحد منهم والتي يبدو أنها ألعاب وملابس وبعض الأجهزة التي تتبرع بها مدرستها كما فهم للطلاب محدودي الدخل...

"لقد تأخرت اليوم عن القدوم" قال نزار بهدوء وثبات راصداً ما يدور داخل عقلها من صراع..

حتى قالت بصوت مرتجف "أنت وعدت بأن... بأنك لن تقترب مني مرة أخرى"

أخذ نفساً طويلاً وهو يسند قدمه على الحائط وراءه، ثم قال "أنا لم أعدكِ بهذا.. أنتِ من دفعتني بعيداً منذ أعوام طالت جداً حتى انصهرت فيهم كل الظروف التي قد تمنع قربي منكِ"

أخفضت وجهها نحو سطح المكتب وهي تعبث بالحاسوب الخاص بها، دون هدف يذكر ثم قالت "من فضلك اخرج من هنا، أنا لا أريد مشاكل"

قال بجفاف "أنا لن أسبب لكِ المشاكل يا شيماء, بل أريد حديث متعقل بين شخصين ناضجين"

هزت رأسها رفضاً ثم قالت "ما عاد يجمعنا سوياً أي شيء"

قال بغيظ وهو ينتصب متحركا نحوها "آه بالطبع, نحن لم يجمعنا شيء بالأساس.. ماذا قلتِ وأنتِ تدفعيني بعيدا.. نعم, أنا شخص توهمتِ أنه ذو أهمية في حياتكِ بينما لم أكن إلا مجرد مراهق أحمق كنتِ تقضين وقتاً لطيفاً معه بعيداً عن حماية عائلتكِ الزائدة"

أحست بالدموع تحرق عينيها وهي تقول سريعاً بتهكم "لم تكن مراهق أحمق, بل ما زلت أحمق وإن كنت نضجت الآن كما أتلمس من صوتك"

ابتسم تلقائياً، متخلياً عن غضبه ثم قال "لقد تجرأ لسانكِ وتخليتِ عن رقتكِ المعتادة"

قالت مرتعشة "بعض الحزم لدفعك بعيداً لن يضر ..فهل ترحل من فضلك؟!"

كان قد اقترب منها وسحب مقعد بضجة مقصودة حتى وضعه بجانبها تماماً فارتبكت وهي تشعر بجسده الرجولي قريباً جداً منها وحاولت الوقوف لتبتعد، فمد يده يضغط على أناملها وهو يجلس ثم قال بهدوء "لقد هرب كلانا لوقت طويل يا شيماء, وأنا بصراحة لا أريد أن أعيد الأخطاء نفسها سواء لوالدي أو لي"

سحبت يدها وهي تقول "ما الذي تريده مني؟!"

ازدرد ريقه بينما ملامحها الرقيقة والجميلة بحد قاسي تثير الشجن داخل نفسه متمنيا لو استطاع في لحظة ضعف منها أن تسمح له بأن يلمسها.. أن يضم ذلك الجسد الهش بين ضلوعه حتى يحطمه داخل كل ذرة فيه

"حبكِ.. هل هذا سبب كافي؟!"

اشتدت أناملها على أطراف المكتب وكأنها تحمي نفسها به من سقوط محقق.. أشاحت بوجهها بعيداً في محاولة مستميتة لأن تداري عنه ذلك الإعصار الذي اجتاحها مدمراً من وجوده وطلبه...

"اخرج" أمرته بصوت أجش..

لم يتأثر بأمرها أو تلبسها بالرفض.. بل للحقيقة هو فعلاً أحمق إذ كل ما يفكر به الآن كيف يكون ملمس هذا الحرير الأصفر عندما يمرر فيه أصابعه الخشنة مراراً دون اكتفاء.. ويقبل كل خصلة فيه على حِدى دون شبع.. هز وجهه بقوة محاولا أن ينفض تلك الأفكار المجنونة بعيداً ثم قال بحزم "انظري لي وكفّي عن الهرب"

وجوده حولها وحصاره لها منذ لقائهما القصير في بيت مريم والذي انتهى بهربها منه غير سامحة له أن يرى المزيد من انهيارها جعلها لبضع لحظات تضعف.. إذ أنها رغبت وبقوة في تلبية ندائه، والنظر إليه كما كانت قديماً دون خجل من نور عينيها المطفي دون خوف أن يرى الصدى المرعب بداخلها... وعند تلك النقطة بحد ذاتها كانت تتذكر كل ما كان منه.. كل قسوته في مطاردته وتهديدها ثم تلك الجملة التي دمرتها في معانيها وفحواها تذكرت "أنتِ من لا تليقين بي، كيف فكرت أن أربط نفسي بمعاقة عمياء البصر والبصيرة ستقيدني بعجزها.."

مدفوعة بقهرها.. كانت تلتفت إليه بعنف تواجهه بعينين حادتين رغم انطفاء نورهما ثم قالت بقسوة "أنظر اليك!! أنا عمياء سيد نزار.. عمياء ذلك بيت القصيد, أنا لن أستطيع النظر إليك ولا لغيرك إذ أني غارقة في الظلام طوال عمري وسأظل هكذا حتى مماتي"

بدا متعقلا للغاية وهو ينحني بنصفه العلوي نحوها وبنبرة رتيبة خافتة.. متناغمة مع خفقات قلبه البطيئة في حضرتها كان يقول "وأنا أريد مشاركتكِ ظلامكِ هذا يا عصفورة.. لآخذ بيدكِ ونمشي طريقنا الطويل سوياً، لن أجزم أننا لن نتعثر، ربما سنسقط أحيانا إذ أنها سنة الحياة وعجائب الله في خلقه, ولكن ما أنا قادر على منحكِ إياه هو وعد رجولي بأن لا أترك يدكِ مهما حاولتِ أنتِ إفلاتي ولن أغادر عتمتكِ أبداً!"

ارتبكت، بل وتشتت من النبرة الجديدة بل من أفعاله المسيطرة جداً حتى شعرت أنها أمام شخص جديد كلياً تعجز عن التعامل معه... لا هي لا تريد هذا الشاب الذي تبين أنه قد يستطيع أن يحتويها ويكسبها بسهولة قبل حتى أن تدق طبول الحرب معه... إنها تريد ذلك الآخر الذي يسهل استفزازه وإطلاق جنونه حتى يصبح من اليسير أن تلفظه دافعة إياه خارج محيطها.

"أنا.. أنا لا أصادق رجال"

لوهلة كان يضيق ما بين عينيه غير مستوعب إجابتها التي ليس لها علاقة مطلقاً بحديثهما.. ثم سرعان ما انفجر في الضحك وهو يقول "أنا لا أريد صداقة معكِ"

رمشت بعينيها حائرة قبل أن تهمس "إذاً.. إلى ماذا تسعى؟!"

كفه غطت يدها في محاولة يائسة أن يجعلها تستشعر عمق وعنف هدير قلبه ثم قال بنبرة رخيمة غلبتها المشاعر المفعمة "أخبرتكِ... حبكِ... أريدكِ لي زوجة والآن إن أمكن قبل غد"

شدت يدها وهي تدفع نفسها بعيداً تبحث عن عصاها بتخبط أشد من ذي قبل، بينما أنفاسها المنقطعة والعالية في الوقت ذاته كانت تصله واضحة حتى شعر بالشفقة عليها، فوقف هو الآخر يخطف العصا من مكانها ثم يمنحها لها وهو يقول بصوت أجش "لن أخبركِ أن تترفقي بنفسكِ بل ترفقي بقلب عاشق لم تغادري نبض فؤاده ولا عينيه.. إذ انه كان يبصر وجهكِ في كل شيء حوله يا أميرة.. تزوجيني"

خطفت العصا ثم تراجعت للخلف حتى اصطدمت بالصناديق خلفها.. ودون تفكير كانت تهتف في وجهه "اخرج من هنا ولا تعد ..لقد ازددت جنون وحماقة، أنا لن أتزوجك ..بل لن أتزوج أي أحد مطلقاً"

هل هذا قلبه الذي يدوي بين قدميه.. تباً لقد ظن أن شيماء أهون الجبهات التي سيحارب فيها ويكسبها... هل قالت أنها لن تتزوجه.. أميرة قلبه رفضته لتوها وتتهرب منه.. ببؤس كان يحدق فيها بينما هناك شيء مزعج يعصف بعقله.. هل والده المسكين يتعرض لهذا الكم من الألم منذ أربعة أعوام من هناء العنيدة والتي يبدو أن حظه العاثر أوقعه في من أجن منها إذ هتفت "ما زلت أشعر بأنفاسك هنا ..اخرج قبل أن أبلغ خالد بمطاردتك لي، واجعله يكسر رأسك كما حدث قديماً"

اقترب منها نزار ثم همس في أذنها بغيظ "قريباً جداً ستكونين زوجة لي وبموافقة بعبعكِ شخصياً ووقتها يا شيماء أنا من سيكسر رأسكِ ويخرج هذا اللسان لينظفه ثم يعيده داخل فمكِ الجميل الذي سأغلقه بقبلاتي"

شعرت بجفاف حلقها بينما كلها يرتعش وهي تقول "أنتَ وقح!"

"مرحى وأخيراً عرفتِ شيئاً جديداً عني.. بالمناسبة الفتاة التي تكره رجل لهذا الحد لا تعلق تذكاره الذي وعدها بأنه سيعود ليسترده منها مع فؤادها حول عنقها.. إلى اللقاء أميرتي"

*********

جلست لانا بهدوء أمام والدتها التي أصرت أن تعلم ما سر ابتعادها عن خالد.. فمنذ ثلاثة أيام لم تغادر غرفتها ولم تذهب حتى لعملها، وعندما تدخلت من وراء ظهرها للحديث مع خالد ودعته للعشاء رفض القدوم ببساطة وتهرب أن يبوح بما حدث بينهما في آخر لقاء حين سألته...

"هل يمكن أن افهم سر غبائكِ في ابتعادكِ عنه في هذا الوقت الحساس بالذات؟!"

حركت لانا وجهها بهدوء شديد ثم قالت مربكة إياها "لا أعلم لما كل هذه الأهمية لزواجي منه؟ لما تدفعيني دائماً لمطاردته؟!"

توترت ابتسام وهي تقول "إنه خطيبكِ.. أنا أحاول فقط إرشادكِ لتقوي علاقته بكِ.. فأي دفع ومطاردة في ذلك؟!"

قالت لانا ساخرةً "من المفترض أنه يحبني أمي وأنا أيضاً أحبه.. لذا من المؤكد أن رابطنا قوي ولا يحتاج لتعزيزه بتدخلكِ أنتِ أو أبي!"

جزت ابتسام على أسنانها وهي تقول بحنق "ليس هذا وقت التفاخر بحب غبي.. إن أباكِ يتلظى غيظاً منذ يومين إذ أن خطيبكِ دفعه تقريبا بعيدًا عن إدارة الشركات"

رمشت بعينيها حائرة ثم قالت "ومنذ متى يتدخل أبي أساساً في مجلس إدارة شركات الراوي؟ على حد علمي أنه ساندهم فقط بشراء بعض أسهمها بعد أزمتهم الماضية!"

زفرت ابتسام وهي تقول بغضب "لقد كان يتطلع لهذا بعد وفاة حماكِ.. بالطبع بحكم أنه والد زوجة خالد"

قالت بهدوء مستفز "لم أصبح بعد, كما أنه ليس من حق أحدكما اتخاذي مجرد سُلّم ليصل إلى ما يتمناه طوال عمره من بيت الراوي"

صرخت ابتسام تقريباً وهي تحذرها "اسمعي, أنا لا أريد غباءً.. زوجكِ.. خطيبكِ.. أو أيّ كانت صِفَتُه, أنتِ ستتمسكين بتلك الفرصة بكل ما أوتيتِ من قوة"

وقفت لانا بقهر شاعرة بأمواج من الغضب الهادر تجتاحها فصرخت قائلة "ليس غباءً.. لقد وافقت على دفعكما لي نحوه لأني أردته حقاً ورأيت أنه شاب مناسب لي.. لكياني أنا وليس لأي مخطط سخيف تخططانه"

قالت ابتسام بجمود "لم يمنعكِ أحد من كسب قلب الرجل وتشكيله كما تريدين أنتِ"

اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقول "وكيف أفعل هذا بالضبط... إذ أني بالفعل أهدرت معه الكثير ومنحته كل ما قد يرغب رجل مثله في امرأته وهو.. هو ما زال عالقاً في قصته الكئيبة مع تلك الحقيرة"

لقد حدث ما كانت تخشاه ابتسام بالضبط منذ أن رأت تلك السارقة تعود وتتنقل بأريحية في منزل عائلة الراوي والذي هو حق ابنتها.. نظرت إلى ابنتها وسألتها بمكر "وهل ستسلمين لها وتتركينها تفسد علاقتكِ بخطيبكِ وتأخذه منكِ؟!"

ابتسمت لانا بمرارة شديدة فبعد تفكير طويل وموجع في الأيام الماضية صححت لها بأسى "بل تسترده يا أمي.. فهي من سبقتني إليه"

اقتربت ابتسام تمسك كتفيّ ابنتها بعزم ثم قالت برؤية واقعية بحتة لمجتمع يعشق تزوير الحقائق وقلب الطاولة "بل سارقة هادمة للروابط.. إذ أنها لا شيء بل مجرد فتاة تم تربيتها في منزله بدافع الشفقة ثم غادرتهم هي وأخوها بعد أن خطف ابن أخته ودمرها ودمرهم تقريباً.. بينما أنتِ كنتِ بجانبهم دائماً كما أبوك وأنا ساندناهم ..أنتِ التي فزتِ به وجاء إلى بابكِ بنفسه راغباً وطالباً وصالكِ أمام العالم أجمع... أنتِ يا لانا من تملكين كل الحقوق"

رفعت لها لانا وجهاً متألماً ثم قالت "ربما كل هذا صحيح ولكنكِ لم تري جنونه وانقلاب أحواله في حضرتها... لقد خدعني خالد إذ أنه لم يحبني ويجب أن أقر بهذا قبل أن أدمر نفسي وأتورط أكثر معه"

هدرت ابتسام بدون تردد "هذا هُراء.. أي حب تبحثين عنه الآن؟ هل تريدين ترك رجلكِ لها من أجل بعض المشاعر الكاذبة التي ستهدم كل شيء؟!"

تشنج وجه لانا وهي تقول بقهر "إن مشاعري ليست تافهة.. أنا أستحق رجلاً يحبني، يجن بي كما راقبت رجال تلك العائلة يفعلون مع محبوباتهم"

سخرت ابتسام على الفور وهي تقول "رجال تلك العائلة وحب!!! آاااه.. إن ابنتي الصغيرة فقدت عقلها الذي أتفاخر به على ما يبدو.. دعيني أخبركِ أن كل هذا مجرد خداع, فكل ما يهم هو زواج المال.. إن حماك المحترم كان يخون السيدة الفاضلة التي تدّعي الكبرياء وأن لا مثيل لها وسط زوجات رجال الأعمال... بينما ياسر الراوي كان كل ليلة في أحضان أخرى.. هي نفرته بعيداً والدليل تلك الفتاة التي ظهرت في حياتهم كابنة غير شرعية قد اعترف بها قبل موته"

نظرت لانا بذهول إلى وجه أمها الذي كان يشع حقدا كما لم تره من قبل.. ثم أكملت ابتسام بتشفي "أما الطاووس التي تمشي بين الناس بخيلاء وكأنه ليس على الأرض بشر يستحقون أن تتنازل وتنظر إليهم فقد وجدت ذلك الحقير الآخر ابن عمها مع سكرتيرته على فراش عرسها قبل ليلة زفافهما, وبعد قصة عشقهما الأسطورية التي اتضح زيفها"

همست لانا مرتجفة وهي تتراجع بعيد عنها "يا إلهي.. كيف تستطيعين قول هذا عن نساءٍ جلستِ معهن على طاولة طعام واحدة وصادقتهن بل وشاركتهن أحزانهن وأفراحهن.. وكنتِ تدعين أن لا أحد في الكون يحبهن مثلكِ؟!"

تساءلت ابتسام بقرف "وماذا قلت.. أليست هذه هي الحقيقة.. هل كذبت؟!"

"والآن أنتِ تريدين لي نفس المصير أليس كذلك؟! أن أعيش مع رجل بارد في حضرتي متحفظ عن لمسي، يخونني أمام عيني بحنينه لحبيبته.. وسرعان ما سيفعل جسدياً فور أن يعرف أني غير كافية"

أطلقت ابتسام شهقة استنكار وهي تقول "بالطبع لن يفعل.. كما أن كل ما يحدث الآن هو مجرد ردود فعل على تلك الخبيثة التي تلتف حول عنقه.. أنتِ لانا حميدة الطبيبة الملتزمة بمعايير أخلاقية.. ابنة الحسب والنسب.. مطلقاً لن يجرؤ على أن يخونكِ أو يترك جانبكِ فور إتمام هذا الزواج"

هتفت لانا ووجهها يحتقن بالغضب "وهن أيضاً لديهن معايير تفوق قدراتي بكثير.. على الأقل لا يسكنَّ في بيت الدمى خاصتكِ بل رغم كل عثراتهن ينبضن بالحياة"

"لاناّ!!" صرخت في وجهها محذرة..

أكملت لانا بتصميم "أنا كما تقولين لديّ مميزات كثيرة يتمناها ألف رجل.. لذا فأنا أستحق زوج يعشقني.. يقدس وجودي حوله.. يهرع إليّ فور أن ابتعد عنه.. لا ينتظر أن تدعوه أمي للعشاء فيرسل لي على الهاتف رسالة باردة مذيلة باعتذار واهي"

قالت ابتسام بنفاذ صبر "إنه يمر بفترة صعبة، كل الرجال قد مروا بها.. سمِّها ملل من علاقة روتينية فيحن قليلاً لعلاقة قديمة كان هو من تخلص منها.. ألم يخبركِ بهذا؟!"

ابتسمت لانا بمرارة وهي تقول "آه ملل.. بعد ثلاثة أشهر خطبة.. ماذا بعد أن يتزوجني بعامين مثلاً؟!"

قالت ابتسام بإصرار "سيحبكِ ويقدسكِ وسيلتهي بطفلكِ, وأنتِ وقتها ستكونين قد أخذتِ فرصتكِ الكاملة لتريه معنى أن يعشق امرأة مثلكِ ويتذوق دفئها"

لم ترد فقط ابتسامة متهكمة توسعت على وجهها الحزين فاقتربت ابتسام تضمها مرة أخرى وهي تقول بمهادنة "هذه ابنتي العاقلة التي لن تسمح لمجرد حشرة بخطف خطيبها منها"

....................................



بعد عدة مقابلات ملحة اتسمت بالكثير من الغضب لم يصل أحدهم لأي شيء.. ما زالت هي على غيها وما زال أيوب يرفض الإفصاح متمسكاً بجملة واحدة لا يحيد عنها "أحتاج لأن ألمس تعقلكِ وأتأكد من أنكِ قد تغيرتِ كما تدعين لأخبركِ كل شيء"

ببساطة إن الرجل يريد أن يعرف أين سينتهى كل هذا وما نهاية طريقه مع زوجته التي تتمسك بكرهها الشديد له وطلب الطلاق..

واليوم يجد ممدوح نفسه يميل بضعف نحو هوى قلبه الجديد والذي أخذته من تستحق أن يحرق الأرض ومن عليها من أجلها... أمل ابنته وهو لن ينتظر تأكيد منهم ولن يقوم حتى بأخذ عينة منها ويحللها بنفسه كما عزم ليلة أمس.. فتح السياج الحديدي لمنزل أيوب ودخل متسحباً بهدوء مستديراً نحو الحديقة الخلفية للمنزل التي فهم من خلال مراقبته أن الصغيرة تتواجد بها طوال النهار ودون رقابة خانقة..

وقف مكانه يتأملها بشغف وهي ترص ألعابها بانتظام ملقية عليهم أوامر صارمة تهددهم إن لم يستمعوا لها ستعاقبهم مثلما فعلت في أحد أبناء الجيران الذي فتحت رأسه حرفيا لأنه رفض اللعب معها..

ضحك بخشونة على كلماتها وتصرفاتها فالتفت نحوه عابسة لوهلة وهي تتفحصه من أطراف أقدامه حتى وصلت لوجهه أخيراً لتزيح العبوس بعيداً وتسكنها السعادة وهي تندفع إليه كالطلقة تتمسك في ساقه هاتفة "لقد عدت.. كنت أعرف بأنك تحب أمل"

انحنى يحرر نفسه من يديها كالمرة السابقة ولحسن الحظ لم تنزعج بل ظلت تنظر إليه بابتسامة طفولية آسرة حتى قال برفق وهو يلف ذراعه حولها "لقد نسيت أن أخبركِ بالمرة الماضية أني أعرفكِ منذ زمن طويل وأحبكِ يا أمل"

صفقت بحماس قبل أن تمسك يده لتشده نحو ألعابها وهي تقول "تعال. .تعال.. لا تخف.. لن أضربك مثلهم.. أنتَ مسموح لك بمشاركتي"

دق قلبه بعنف وهو يستجيب لها يقترب معها ثم أفلتت يده وهي تقول بتسلط محبب "اجلس هنا"

"سمعاً وطاعة آنسة أمل"

جلس على الحشائش بينما هي اندفعت نحو صندوق بلاستيكي تقلب فيه، ثم جذبت لعبة سيارة رياضية حمراء وقدمتها إليه وهي تقول "لقد خبأتها حتى تعود إليّ"

أحس بالدموع تحرق عينيه وهو يتفحص ملامح وجهها الصغير التي تنبه إلى دقتها الآن بوضوح.. أنف صغير.. فم واسع بجمال وعينان خضراوان واسعتان بأهداب كثيفة، ربما هي سمراء عكسه هو وشقيقته.. شعرها أسود كجناح الغراب ثقيل وطويل رغم أعوام عمرها القليلة.. ولكنه رجح الأمر لجينات أمها.. قد تشبه أمل بنات أيوب ولكن تفاصيل الملامح الدقيقة تنتمي إليه وحده ويبرز من بينها على استحياء شديد دماء عمتها اسراء..

"لو كنت أعلم بوجودكِ, كنت ذبحت نفسي لأصل إليكِ باكراً صغيرتي"

نظرت إليه بعينيها الواسعتين الجاهلتين ثم وضعت إبهامها في فمها وهي تهز كتفيها بجهل وكأنها تخبره أنها تعجز عن مجاراته "هل تسمحين لي بأن أضمكِ يا أمل؟!"

أشرق وجهها وهي تحرك رأسها لأسفل وأعلى علامة القبول.. ثم اقتربت هي منه تجلس على حجره تدفع ظهرها مستندة على صدره.. فاهتز بعنف شاعراً بالعجز عن فهم ما يمر به وكيفية التعامل الصحيح معها.. تراه سيؤذيها إن اقترب منها.. هل سيحطمها كما يفعل مع كل من يمسه.. لا هو لن يفعل إن كانت أمل ابنته أم لا.. هو أبداً لن يسمح لأي أذى أن يقترب من شعيرات رأسها حتى..

"هل أنت حزين لأن لولو صرخت في وجهك؟!"

قال بتماسك "لا.. بل أنا سعيد لوجودي معكِ"

حركت رأسها على قميصه ثم رفعت وجهها للأعلى تحدق فيه وهي تقول "أنتَ وسيم.. أفضل من الصورة التي تريني إياها لولو"

ابتلع ريقه وهو يقول "تقصدين ماما؟!"

هزت رأسها مرة أخرى بالنفي وقالت "بل لورين فقط.. ماما هي مرح"

قال بصوت أجش "مرح صغيرة على أن تكون والدتكِ!"

قفزت من على ساقيه ثم قالت بغضب محاولة الدفع بمنطقها في رأسه "مرح هي ماما, إذ أنها تهتم بأمل وتلاعبني وتطعمني وتحممني أيضاً وتأخذني معها للبقالة وللعمل في المطعم وكل مكان.. بينما لولو دائماً مشغولة.. مشغولة في المشفى.. إنها طبيبة.. هل تعرف هذا؟!"

"هي دائماً مشغولة بحقدها ومستقبلها ومشاكلها وأهدافها.. داهسة في طريقها كل شخص أراد فقط مشاعرها.. أعرف صغيرتي فأنا جربته من قبلكِ" همس لنفسه دون صوت...

مد يديه يحاوط خصرها ثم سأل ببعض المنطق غير عارف كيف يحاور طفلة مثلها "أعني والدتكِ الحقيقية.. وليست التي تهتم بكِ وتحبينها؟!"

تفكر للحظة وهي تعود تمتص إصبعها في حركة رجحها لأمر نفسي يخص الصغار ولكنه لم يفهم أسبابه أو ما يطلقه عليه ثم هتفت أخيرا "تعني من صنعت أمل؟!"

ابتسم وهو يقبل يدها وقال "نعم, من صنعت كل هذه الحلويات"

رفعت أصابعها الخمس في وجهه ثم قالت "ثلاثة هكذا!"

تراجع رأسه للوراء وهو ينظر ليدها ثم قال مازحاً "الثلاث تغيرت كثيراً هنا"

عبست وهي تضيق حاجبيها ثم قالت "لا تحاول أن تغضبني!"

قال بنفس روح الفكاهة "وإن فعلت ماذا سيحدث؟!"

قالت بنبرة طبيعية للغاية وبريئة جداً جداً كطفل يخبر والده عن أهم إنجازاته وهو ينهي طبق الخضار خاصته "سأحطم لعبتك المفضلة واضرب أختك الصغيرة وافتح رأسك أنتَ كما فعلت مع هذا الفتى الذي قال أني لست فتاة وأني صبي مجنون وسيء"

انفجر في الضحك وهو يخطفها من مكانها محتضنها بقوة آلية إليه دون أن يشعر، ثم قبل جبهتها وهو يقول بسعادة "ابنة أبيكِ.. أنا أيضاً كنت صبي مجنون وسيء جداً"

فور ان انتهى من جملته انمحت ابتسامته وهو ينظر لوجهها الضاحك وكأنه يدرك ببطء وجودها الطبيعي على صدره.. وكل الوضع المضطرب الذي يمر به..

"أنت لست غاضب كلولو؟!"

ازدرد ريقه الجاف ثم قال "لا، أنا سعيد بالتعرف عليكِ كما أني فخور بقوتكِ في حماية نفسكِ"

صمت قبل أن يسأل مجدداً بأمل أن تمنحه إجابة شافية "لم تخبريني من ماما التي صنعتكِ غير أصابع يدكِ؟!"

ضحكت برقة وهي تشعر ببعض الخجل النادر ثم قالت "ثلاث كما يخبرني بابا أيوب على الدوام، فرح صنعت ضحكتي، ومرح صنعت شقاوتي, ولورين صنعت معجزة ومنحتها لهذا المنزل"

بدون مزيد من التفكير أو التشكك كان يقول "إذن أنتِ معجزة لورين وأمل ممدوح وحده"

"ما الذي تفعله هنا؟ كيف تجرؤ وتخطو لداخل المنزل دون إذن أصحابه؟"

جز على ضروسه وهو يغلق عينيه بقوة ثم التفت يقول بحنق "من أين تظهرين لي يا شعلة؟!"

كتفت مرح ذراعيها على صدرها وهي تنظر له بغيظ ثم قالت "اترك ابنتي واخرج من هنا"

قال بعناد "اترك ابنتي.. ابتعدي يا أمل.. اخرج من هنا.. رغي رغي كثير مكرر أليس لديكِ غيره؟!"

قصفته وهي تقول "بالطبع لدي، ألا يعد خوفي من وجود مغتصب مثلك حول ابنتي حجة تمنعك من الاقتراب منها؟!"

غطى أذني الفتاة ذات النظرات الفضولية وهو يقول بجمود "انتبهي لألفاظكِ وطريقتكِ معي"

قالت آمرة "غادر بهدوء, ولا تطارد الصغيرة وأنت لن تسمع ما يسوئك"

"لا أريده أن يغادر.. أرجوكِ ماما أنا أحب عودته للتحدث معي" قالت أمل بتحايل وعينيها تترقرق بالدموع..

تخلت مرح عن غضبها وإصرارها وهى تنقل نظراتها بينهما.. هي لن تخدع نفسها لقد راقبته من شباك المطبخ منذ قدومه وبداية حديثه معها وتركته لبعض الوقت رغبة منها أن تفهم حقيقته بعيداً عن حديث لورين.. إذ أن بعض الحقائق التي خبأتها أختها عرفتها وأبوها بمرارة مؤخراً جعلت بعض الفضول يشتعل لتفهم سره وكيفية تعامله مع أمل..

عندما لم تقل شيئاً.. تكلم ممدوح وقال "أعدكِ أن لا أمثل أي خطر يهددها.. فقط بضعة دقائق أخرى معها وسأغادر"

قالت بفظاظتها المعتادة "أنا لن أستطيع أن آمن لمن مثلك على أي أنثى حتى وإن كانت مجرد عنزة!"

ارتدت رأسه للوراء بينما يفغر فاهه ببلاهة مردد "عنزة.. يا شعلة؟!"

أومأت وهي تهبط نحوه ثم تجلس بعيداً عنه وهي تقول "مؤكد, فمن مثلك خطيرين على المجتمع والناس ومكانهم الوحيد الطبيعي السجن, لا التنقل هنا وهناك ناشرين الفساد"

سيضربها.. سيقطع لسانها ولن يلومه أحد...

مطت شفتيها مرة أخرى ثم قالت "اجلس الفترة التي ترغب مع ابنتي، وأنا سأراقبك.. وهذا تفضل كبير مني على فكرة"

حدق فيها لدقيقة قبل أن يقول ببرود "أتعلمين يا مرح، رغم معرفتي القصيرة بكِ ولكني أرغب في إخباركِ إن لم يوقعني حظي العاثر في حب أختكِ...!"

صمت فأشاحت برأسها وعضدها بغرور وهي تقول "كنت وقعت في غرامي.. انسى هذا أبعد من أنفك"

رفع كفيه في وجهها ثم قال بجدية شديدة "لا والله.. إن كنا أنا وأنتِ آخر شخصين في الدنيا، ولم يتبقى غيرنا لإنقاذ الجنس البشري وإعادته مرة أخرى للحياة, لكنت اخترت دون تردد أن أشنق نفسي من على أعلى قمة جبل في العالم ليسقط جسدي الميت في المحيط وتلتهمه القروش.. عِوضاً عن أن أرتبط بفتاة مثلكِ.. وكنت..."

قاطعته بغيظ "حسناً.. حسناً توقف لقد توضحت الصورة وكأني كنت سأنظر لك"

عاد بكامل انتباهه نحو أمل وهو يقول برقة شديدة وكأنه لم يقصف تلك المرح لتوه "أنا معكِ الآن بالكامل, ماذا كنت تخبريني عن سيارتكِ الحمراء يا مشاكسة؟!"

*******

يتبع

ru'a and كريم الشيخ like this.

Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-03-20, 11:43 PM   #2360

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
افتراضي

تابع الثالث والثلاثون

داعبي كل مساء رقمي واصدحي مثل عصافير الكروم كلمة منك.. ولو كاذبة عمرت لي منزلا فوق النجوم.

.................................................. ..........................................


رفعت سَبنتي رأسها بملل تحدق في وجه الشاب الذي يكبرها في السن.. وينظر لها باسماً ثم قال "لقد حضرت اليوم إلى هذه القاعة لأجلكِ"

ارتفع حاجباها وهي تدّعي التفهم ثم قالت "وأنا من اعتقدت أنك تحاول فهم ما فاتك.. إذ يبدو أنك وصلت للسنة الأخيرة في القسم بالغش البحت في الاختبارات"

ضحك بسماجة ثم قال "وطريفة أيضاً يا غريبة العينين"

تصلبت وهي تغلق الحاسوب خاصتها بينما تمتمت "من فضلك توقف.. هذا لن يوصلك لأي شيء"

اقترب يقفز على الطاولة ليصبح جانبها في لحظة ثم قال بأسف "هيا الآن، ما سر كل هذا العداء.. أنا لا أريد إلا صداقة معكِ؟!"

قالت بهدوء وهي تبتعد عن مرماه "الصداقات لا تُفرض يا مروان، كما حاولت أن أوصل لك منذ أسابيع"

قال بشقاوة صبيانية مستفزة "ولكنكِ تعرفتِ على مايا وهاجر وأبديتِ ترحيب بهما وإن اتسم ببعض التحفظ.."

صمت قبل أن يغمز بعينه وهو يتابع "هيا لا تقولي أن الفتاة التي عاشت نصف عمرها في بريطانيا، تخضع لقوانين عقيمة وسخيفة بعدم مصادقة الشباب"

تنهدت بملل وهي تقول "خلفيتي لا تعنيك كما مبادئي, ولكن لأكون واضحة معك الأمر وما فيه أن دمك ثقيل.. ثقيييييل على قلبي وعقلي وتافه، هل هذا سبب مقنع كي تبتعد عن طريقي؟!"

قبل أن يقول أي شيء كانت تسحب حقيبتها وتندفع مبتعدة أمام نظراته الثاقبة وضحكات خافتة لبعض الذين سمعوا حوارهما القصير...

"مايا وهاجر" تمتمت بحنق مقلدة إياه وهي تخرج من أسوار الجامعة نحو سيارتها.. من أخبر الأحمق أنها أرخت أي ود معهن؟؟ فتلك الفتاة مايا.. تشعر أنها تريد ضربها تقريباً وكأن غبائها في المرحلة الثانوية وغرورها لم تتخلص منه وتنضج بعد.. إنها تذكر تلك الفتاة التي كانت تعاديها لأتفه الأسباب.. إذا كانت أجابت على سؤال لا تعرفه أو إذا حصلت على أدوات تعليمة أو حتى إلكترونية من تلك التي كان يرسلها لها راشد بانتظام قبل أن تنزل الأسواق.. تذكر أنها دفعتها مرة من باص المدرسة لأنها فقط حصلت على حلية مميزة للشعر كانت ترغبها تلك المايا وأرسلها راشد بالصدفة.. مزيد من التافهين وكأنه ينقصها...

"سَبنتي"

عبست وهي تتوقف أمام سيارتها تراقب سيارة نزار التي صفها أمامها وسألته "ما الذي تفعله هنا؟!"

قال بهدوء وهو يمد يده في ترحيب.. بادلته إياه بمحبة وهي تسمعه يقول "ابحث عنكِ منذ الصباح، هاتفكِ مغلق كما موقع التواصل ..فأخبرت نفسي لما لا أنتظركِ هنا؟"

لقد أخبرت نزار بالفعل عن جامعتها ودراستها في لقاءاتهم القصيرة السابقة والتي كانت تدور حول شيماء بالطبع.. ردت بهدوء وهي تفتح حقيبتها تبحث عن مفتاح سيارتها "آسفة ولكن هذه الفترة هناك ضغط دراسي، أنتَ تفهم!"

أومأ "بالطبع.. هل يمكننا الحديث في أي مكان؟!"

هزت رأسها بالنفي وهي تقول "تعرف أنه غير ممكن.. ولكن أنا ذاهبة للمنزل الآن, تستطيع أن تلحقني إلى هناك"

امتعض وهو يقول "بالله عليكِ وما الفرق بين الحديث في مكان عام وبين لقائتنا أمام بيت راشد؟!"

هزت كتفيها بلا معنى ثم قالت "لا أعرف.. ربما هو تمسك أني لا أفعل شيء من خلف ظهر أخي، إذ أننا نتحدث أمام أعين الحراس ..والذين مؤكد يخبرونه بكل شيء"

شحب وهو يقول "هل راشد يعلم؟!"

قالت باستنكار "بالطبع يعرف.. وإن كان لم يسألني حتى اللحظة.. ثم ما بك يا سيادة المحامي العظيم, أليس في القريب العاجل ستسعى لمقابلته؟!"

عبث في شعره بسماجة محببة ثم قال "كنت أريد استقراري في وظيفتي أولاً حتى أقدر على مواجهته بأرض صلبة ولكن على كل حال صديقتكِ جنت وترفضني"

تصنعت الفرحة وهي تقول بسعادة "بل تعقلت أخيراً.. يا ااالَ فرحتي!"

برقت عيناه بحنق ثم قال "لا فائدة منكِ, وأنا من ظننت كسب ولائكِ"

استدارت لتحتل مقعدها وهي تقول بالإنجليزية "حظ سعيد في المرة المقبلة"

هتف "سأتبعكِ"

أخرجت يدها من النافذة في علامة موافقة.. ثم غادرت أمامه.. قبل أن يتبعها غافلة تمامًا عن تلك المجموعة التي تابعت مشهدهما معاً منذ بدايته.. سخرت مايا بشماتة "مؤدبة ولا تريد محادثة الشباب.. وماذا عن الأشقر؟!"

قال أحد الأصدقاء بتسلي مستفز "الآن تأكدت أن كل آمالك انقطعت وسحرك قد اندثر ..الفتاة لديها صديق أجنبي يلاحقها بالفعل"

كان الغل يتصاعد داخله ورجولته المعدومة تثور مطالبة بتحطيمها.. سَبنتي الراوي أصبحت رسمياً أحد ضحاياه التي يجب أن تدفع ثمن سخرية ذاك القطيع منه.. يجب أن يضغط عليها أكثر حتى تركع له وتصبح شيء متاح يستهلكه رداً لكرامته ثم سيلقيها بعيداً..

********

بعد وقت خرجت سَبنتي من باب المنزل يتبعها كلبها الذي عادت علاقتهما معاً وإن كانت غير متينة بعد.. إذ أن خالد بك يطاردها مطالب به على الدوام مدعياً أنها لا تملك حقوق بشلبي لتعود مطالبة به.. إذ أنها من تنازلت عنه بالسابق وما يؤلمها حقاً هو أنين ونباح شلبي في أثره.. لقد أوقفه راشد عند حده بل وهدده وطرده من المنزل، عندما رفضت مزيد من الشجار معه وجرّت كلبها صاعدة لغرفتها "عذراً لتأخري.. ماذا تريد؟!"

قال نزار مازحا "ألا تجدي أنكِ أصبحتِ عملية وحادة قليلاً؟!"

فتحت كفيها بعجز وهي تقول "التأثر بعيشة غربية شيئاً ليس بيدي للتحكم فيه, كما أنك تعرف أنه من المستحيل مبادلتك أي مشاعر مهذبة"

"أنتِ حقنة.. كما ابنة مريم"

ابتسمت وهي تقول "حسناً.. وما الذي تريده من الحقنة وجعلك تبحث عنها كالطفل الذي يتعلق بذيل والدته؟!"

"لا فائدة"

"انجز"

"شيماء تستمر في رفضي بكل تعنت وغباء, لا تمنحني أي فرصة للتوضيح"

أسندت يدها على مقدمة السيارة وهي تحرك عينيها بملل وقالت "مملل ومكرر يا نزار.. لا أسالك عن ما تفعله إذ أني أعرفه جيداً, كما أفهم أنها لا تطيق سماع صوتك ولا اسمك.. ما قلته لها في الماضي حطمها وخرجت منه بمعجزة"

قال بحزن "هي خائفة أن أكرر فعلتي تلك"

قالت بهدوء متعقل "وهل تلومها؟ أنتَ تطرفت جداً وليس معها فقط"

تشنج صوته وهو يقول "أنا لا أملك مفتاحاً يعيد الزمن لأمحو كل ما فعلته في حق أمي وشيماء.. إن جرمي لن يغتفر.. ولكن ألا يكفي أني نادم وأنوي الإصلاح؟"

أطلقت زفرة طويلة وهي تقول بمرارة وكأن كلماته أتت على الوجع "ليتنا نمتلك آلة زمن لنعود ليس لماضينا فقط.. ولكن للحظات كثيرة حرجة وخطرة فعلوها معدومي الضمير وخلفت ورائهم ضحايا كثر"

همس ببعض التردد وهو يسند ظهره بجانبها "أخبركِ سراً؟"

"تفضل"

قال بهدوء "دائماً ما كنت أراكِ الصغيرة الفرحة المدللة.. الدعسوقة المرحة التي تفعل ما تريد وتقول ما ترغب، تحايلين هذا وتكسبين انتباه ذاك دون جهد ..ولكن الآن بعد عودتنا أشعر أن هناك الكثير تغير يا سَبنتي.. فعيناكِ ما عادت تحمل نفس اللمعة الواثقة بل الكثير من الحزن والألم.. فهل لي بالسؤال ماذا حدث؟!"

طرفت عيناها بدمعة دارتها سريعاً وهي تدّعي النظر لشلبي ثم التفتت إليه تقول بمرح مفتعل "لا شيء, فقط كبرنا وودعنا حرية ونقاء الصبا"

أومأ بتفهم دون أن يحاول الضغط عليها ثم قال "حسناً كما تحبين.. ولكن أريدكِ أن تعرفي أني أصبحت صديق جيد يمكنكِ الاعتماد عليه"

طرقعت بلسانها وهي تقول "انسى, عُرِض عليّ الكثير من الصداقات لأناس مرحبين.. ولكن أنا معي صديقة نكدة وكئيبة ومؤخراً غبية في مشاعرها لن أبدلها بأي ناس سعداء"

ضحك كما هي ضحكت.. ثم قال بجدية متفاخراً "حسناً.. حتى لا تطول وقفتنا.. فمن أمامكِ الآن معيد رسمياً في كلية الحقوق جامعة القاهرة"

امتعضت وهي تقول ببرود "وبعد؟!"

"لا شيء يمكنه إبهاركِ!"

مطت شفتيها بلا مبالة وهي تحرك رأسها رفضاً.. فقال "أريد مقابلة راشد، كما فهمت من مريم هو كبير العائلة الآن.. وأيضاً لا رغبة لي في التصادم مع خالد"

"اذكر العفريت تجده يتقافز حولك بجل جنونه!"

سارينة السيارة المزعجة جعلت كلاهما يقفز في مكانه بينما يهبط خالد مندفعاً نحوهما مستلا كل أسلحته "ما الذي يفعله هذا الكائن هنا؟!"

قبل أن يرد نزار كانت تندفع هي أمامه تصرخ دون وعي "لا يخصك.. ولا يهمك.. ماذا تريد.. ابتعد عني"

قبض على ذراعها بقسوة ثم هدر بغضب "ابتعد من أجل أن تقفي ببجاحة مع الشاب الذي كان يقفز على سور منزلنا مثل أي سارق ..ابتعد من أجل أن تفعلي كل ما ترغبين دون ضابط أو رابط؟"

دفعته وهي تقول بغضب "وما شأنك بي؟ هل أنت غبي لتستوعب أنك لا تملك أي صفة لتتدخل في تصرفاتي؟!"

اقترب نزار يقبض على كفه بعنف مفلتها منه وهو يقول "من الأفضل أن تتعقل ..وتبتعد عنها كما أمرتك"

فغر خالد فاهه وهو يحدق فيه بذهول وكأنه لا يصدق أنه تجرأ وأمسك يده, وبدون تردد كان يكور يده موجهها نحو نزار والذي تفادها بسهولة وهو يقول "إن كنت أنتَ وريث الراوي الذي مؤكد أُنشئ على العناية بنفسه.. أنا أيضاً الأمير هابر والذي تلقى دروس دفاع عن النفس من أكبر المدربين في العالم, لذا للمرة الأخيرة أنصحك بأن حرب العضلات لن تحل شيء"

مرتجفاً من شدة الغضب وال... الغيرة العمياء كان يلتفت إليها وهو يقول "ما الذي تفعلينه مع هذا الرجل؟!"

خبطت على رأسها بعنف يائس وهي تقول بدهشة "الآن فهمت.. أنت مؤكد أصبت بالصمم.. إذن سأكرر لا يخصك"

اندفعت دون إضافة المزيد تاركة كليهما خلفها ولصدمة نزار كان يراه يتحرك وراءها ثم وقف أمامها مانعها من التقدم وهو يقول بتهور بحت "بل تخصيني، ولو رأيت أي شاب معكِ سأقتلكِ قبله.. هل تفهمين؟!"

رفعت إليه عينين مفجوعتين فيه ثم قالت بحرقة "لا.. لا أفهم يا خالد غير أنك أصبحت رجل له حاجاته ورغباته يبحث عنها مع امرأة أخرى تناسبه ويريدها بكل كيانه... لا أفهم إلا أنك أصبحت مُلكاً لأخرى, بينما أنا لست إلا الفتاة المزعجة الصغيرة التي كانت تتقافز حولك مسببة لك الحرج والضيق, وفور إن اختفت من مدارك نسيتها راميها خلف ظهرك دون تردد"

"بل أنتِ من غدرتِ بوعدكِ الأبدي لي.. هل تذكرين ليلتنا الأخيرة في حديقة المنزل؟!"

تخطته وهي تقول "صدقني ليس في صالحك أنتَ أن نتذكرها, إذ أنها تسيء لرجولتك المزعومة والتزامك الكاذب جداً جداً يا خالد"

حدق في أثرها بحقد ثم دون تردد كان يطلق صفير عال.. تراجع شلبي على أثره فوراً التفتت ورائها وأنفاسها تعلو بتقطع وهي تقول بضعف "أتركه لي.. أنت تعرف بأنه ملكي"

كرر بقسوة "لم تعودي.. لقد تخليتِ عنه في وقت كان يحتاجكِ فيه، أنتِ لا تملكين أي حقوق يا سَبنتي لتطالبي بها وترسمين دور الضحية بينما كنتِ وحدكِ الجانية.. لذا هنيئاً لكِ بحريتكِ الخادعة وتنازلكِ عن كل الصفات التي كانت تميزكِ وزرعتها فيكِ والدتي.. وقت لطيف مع صديقك ِالجديد والذي كان يدّعي حبه لرفيقتكِ"

نبح شلبي نحوها بنوع من الأنين بينما استمر خالد في صفيره وهو يسحبه نحو السيارة ثم دون تردد كان يصعد خلفه وينطلق تاركها تحدق في أثره بذهول.. هل اتهمها للتو بخيانة شيماء.. بسوء الأخلاق و بأنها من غدرت!

"سَبنتي.. أنا آسف"

رفعت يدها في وجه نزار قبل أن تكتم فمها بيدها وهي تندفع عائدة نحو المنزل لتتوارى خلف أي جدران وتبكي نفسها هذه المرة بعيداً عن أي أعين!

********

بعد يومين..

جلست لورين بهدوء أمام طه تحاول أن تشرح له الوضع الذي لا تستطيع الفكاك منه وهي تقول "الأمر لم يعد يقتصر على غشه لي وإعادتي لعصمته.. بل أصبح كالمجذوب وهو يطارد ابنتي"

حدق طه في ذبلته التي لم تخلعها من يدها اليمنى بعد ..ثم قال بهدوء "تقصدين ابنته يا لورين"

قالت بعصبية "ببيولوجياً فقط ..ولن أسمح له بأكثر من هذا"

ربما الفترة الماضية وبعد أن هدأ كل شيء وجد نفسه يفكر بتروي شديد.. فهو لن ينكر إنه يحبها ويتعلق بها بشدة إذ كان كل ما فيها يدعو للإعجاب والاحترام والعشق أيضاً.. ولكنه ليس بقليل الرجولة.. لن يطارد امرأة اتضح أنها ما زالت على ذمة رجل آخر حتى وإن كان متأكد من انفصالهما لا محالة.. قال أخيراً "لقد أخبرتني أنه لن يهتم بها إلا لأذيتك ولكن بعد مقابلتي مع والدكِ.. ورؤيتي له أيضاً اتضح أنه يسعى إليكِ أنتِ للصلح وليس للأذية"

شعرت بجفاف حلقها وهي تصدم أن أباها يصر على التحرك من خلفها مدعياً أنه يصلح عثراتها بينما هو يحطمها بإفساد علاقتها مع طه.. ومنح ابنتها لممدوح كما هدر في وجهها سابقاً..

"أخبرتك أن كل شيء انتهى، الأمر ليس منوط بما يريده.. بل برفضي له"

أخذ طه نفساً عميقاً وقال "لن أكذب وادّعي زهدي فيكِ.. ولكن لن أستطيع الاستمرار بالتعدي على رجل آخر.. هذا يقلل مني جداً يا لورين"

قالت بعصبية "انسحاب لطيف ومقبول"

قال بصبر "أنا لا أتهرب من المواجهة تعلمين هذا.. كنت سأساندكِ وأطرده خارج المملكة كلها وأتمم زواجي منكِ في التو واللحظة إن كان مجرد كاذب يحاول إفساد حياتكِ.. ولكن في ظل الظروف الحالية أنا أجد نفسي أتنحى خارج الصورة احتراماً لكِ قبل نفسي"

أطرقت برأسها شاعرة بالقهر.. فقال طه بهدوء "أخبري الرجل عن ابنته.. من حق الصغيرة عليكِ أن تعرفه وتنادي أباها على الأقل بشكل صحيح... أليس كافياً يا لورين أنكِ تخليتِ حتى عن حقكِ في سماع أمي منها؟!"

أجفلت وهي ترفع وجهها تحدق فيه وكأنه أخذها على حين غرة...

أومأ طه بالإيجاب وهو يكمل بهدوء "أنا طبيب قبل كل شيء ولن أنكر أنكِ تحبين ابنتكِ ولكن كل تصرفاتكِ الجامدة مع الفتاة تخبر بوضوح أن هناك حاجز يبنيه عقلكِ ليحجبكِ عنها"

تمتمت باضطراب "هذا كذب"

قال بتصلب "بل صحيح، وكنت انتظر أن نتزوج أملاً في أن تبوحي أكثر بما تحجبينه عن الجميع.. ربما أفسر لما هذا التباعد رغم أنكِ بداخل نفسكِ تتعلقين بالفتاة"

قالت بخشونة "أنا أحب ابنتي ولا احتاج لك أو لغيرك لتحدد مشاعري نحوها"

"لم أقل أنكِ تكرهينها ..بل أقر بأنكِ تُبدين نوع من التملك الهوسي نحوها، ولكني أصرّ أن هناك حاجز نفسى يعززه ربما جمود قلبكِ الواضح للجميع ..لذا نصيحة مني امنحي الفتاة حقها في أبيها، وإن حقق مخاوفكِ ونزعها منكِ فوالدكِ بجواركِ هذه المرة لإيقافه عند حده"

********

كانت تخرج من باب القاعة وهي تتحدث عبر هاتفها بنزق: "لن أستطيع القدوم يا بدور, لدي مواد دراسية متراكمة فوق رأسي"

بالطبع هي تتحجج ولن تخبرها أنها تتجنب الذهاب إلى هناك منذ ما حدث حتى لا تشتبك معه، محاولة بكل ما تستطيع من قوة فصل نفسها عن أي مكان قد تلمحه فيه.. ألا يكفيها إلحاح راشد ليفهم منها ما قاله الوغد خالد قبل أن يأخذ شلبي منها ...بالطبع هو علم بما حدث وبمقابلتها لنزار، وإن كان لم يحاول سؤالها بأي طريقة مخبرها أنه يثق جيداً في ابنته وينتظر الوقت الذي تريده هي لتخبره عن سبب حديثها المنتظم مع نزار ..بالطبع أخبرته أنه يرغب في مقابلته ولم يحتاج راشد ليتأكد أن الأمر كله متعلق بشيماء...

قالت بدور برفق "سَبنتي تعلمين أنه يصعب عليّ توسل أحد ولكن أنا أفعل الآن.. أرجوكِ صغيرتي تعالي لإياب إذ أنه فجأة عاد ليرفضني ويزيحني بعيداً عنه ويستمر في البكاء دون سبب واضح"

سألت سَبنتي بقلق "هل فعلتِ شيئاً أزعجه؟!"

قالت بتعب "مطلقاً، لقد استيقظ في الصباح وطلب مني محادثة والده، وبالطبع أوصلته به وبعدها تحايل أن لا أتركه مثلكِ وراشد وجلست من أجله دون تردد بل وأخذته في نزهه سريعة، وبعدها ذهبنا لمحل لعب الأطفال ثم أتينا إلى هنا ..وغفا قليلاً واستيقظ ومن وقتها يرفض الطعام، ويرفضني وحتى رفض جدته!"

أخذت نفساً عميقاً وهي تستمع لهدرها بصبر متفهمة تمامًا قلقها وعجزها عن فهمه ثم قالت بتردد "ألا يمكنكِ أن تعيديه إلى منزلي أنا ..ربما إن رأى راشد يتغير مزاجه"

قالت بدور ببؤس "إن أخذته إلى هناك لن أستطيع البقاء.. كما أني سأقهر وأنا أعلم أنه ليس بخير ولا أستطيع أن أجاوره"

قالت بتوتر "حسناً بدور سآتي لأفهم ما به ..لقد أخبرتكِ من قبل أن إياب طفل مزاجي جداً ..ربما يمر بأحد حالاته غير المفهومة أحياناً.. فلا تحزني!"

تنفست براحة أخيراً ثم همست "سَبنتي ..شكراً لمساعدتكِ"

قالت بصوت أجش "بل الشكر لكِ، لأنكِ تفهمتِ علاقتي به ولم تحاولي دفعه بعيداً عني"

"سيبقى أخوكِ ولا أحد يملك حق نزعه منكِ"

ابتسمت وهي تقول "قبليه من أجلي وأخبريه أني أحبه حتى أصل إليه"

أغلقت الهاتف واضعة إياه في حقيبتها وهي تتقدم للخارج دون أن تنظر أمامها...

فاصطدمت بعنف في جسد صلب يقف كحائط سد أمامها, أطلقت شهقة عنيفة وهي تتراجع للوراء ثم ترفع عينيها الحادتين نحو الشخص الذي لم يصعب عليها توقعه..

"أقسم بالله إن لم تتوقف لأجعل أخي يعيد تهذيبك من جديد"

برقت عينا مروان وهو يحرك نظراته عليها كلها بإثارة وشهوة مقصودة ثم قال "وهل نفس الأخ يعلم عن مغامرتكِ مع الشبان أمام باب الجامعة بعيداً عن أعين زملائكِ؟!"

توسعت عيناها بغضب أسود وهي تهتف في وجهه "اخرس يا حيوان"

مط شفتيه وهو يتحرك نحوها وبفجاجة بحتة مدفوعة بغيظه منها، باعتقاده في تكبرها وغرورها بأنها أفضل منهم وأعلى مكانة بجانب وسوسة مايا في أذنه عن سوء أخلاقها الذي رآه بالفعل منذ أيام.. مد يده نحو مفاتنها مدعياً لمسها دون قصد وهو يهتف منفعلاً "من تظنين نفسكِ لتحديثنا من طرف أنفكِ.. أفيقي واعرفي مع من تتحدثي و...."

لم يكمل جملته إذ أنها دون تفكير كانت تقفز للوراء وترفع كف يدها على حين غرة وتهبط به بكل ما اعتزمت من قوة على وجنته..

"أعرف أنك سافل"

بالطبع ما حدث كان على مرأى ومسمع من الجميع ..لقد تجمدوا وهم ينظرون إليهما بدون تصديق وذهول أن الفتى الأول للجامعة ابن رجل الأعمال الشهير والوسيم الذي لا يقاوم سحره كان يهان ويضرب أمامهم من الفتاة الجديدة المتكبرة!!

لم تحتاج لأن تبقى مع هذا الحيوان أكثر من دقيقة أخرى, اندفعت تجري للخارج تاركة إياه متصلباً في مكانه وكأنه لا يستطيع هو الآخر استيعاب تجرؤها عليه... ولكن ما يعرفه يقيناً أنه لم يعد هناك شيء أهم من كسر أنف سَبنتي بلال الراوي..

ليس هذا النوع الذي كان يتوق إليه من تملكها والمرح بها لوقت من الزمن، إذ أنه لا يحتاجه الآن فلديه الكثير ...بل إذلال من نوع آخر... ربما عقاب جسدي بحت ورعب نفسي يجعلها تتمنى الموت ولا تجده.. لقد أصبحت في عداد الموتى لا محالة..

*********

كانت تحاول ان تكفكف دموعها دون نجاح يذكر وهي تشعر بلمسة ذلك الحيوان.. فما زال أثرها عليها يحرقها حرقاً.. شاعرة بالغثيان والنفور وبالإهانة الشديدة حتى وإن لم تستمر لثوان.. أفلتت منها شهقة رغمًا عن إرادتها بينما يدها تنفض بعنف فوق ملابسها وكأنها تحاول أن تزيل ذلك الأثر العفن الذي تستشعره يعلق بها ..ستخبر راشد.. نعم يجب أن تفعل حتى ينتقم من ذلك القذر ويدفعه بعيداً عنها..

شهقت مره أخرى بألم بينما تعود تحرك رأسها برفض عنيف "لا لن تفعلي يكفيه ما لديه، تلك الصفعة ستضعه عند حده إذ أنه سيخشى إهانة كرامته العزيزة أمام زملائه مرة أخرى وربما يختفي لبعض الوقت حتى يتم نسيان كل شيء"

صمتت لبرهة محاولة أن تتناسى الأمر ولكنه كان أكبر من أن يمحى، وأكبر من أن لا يجعلها تشرد للحظة في الشخص الذي كانت تستطيع أن تبوح له بكل شكواها دون خوف أو خجل، ذلك الذي كانت تعتقد أنه سندها الأكبر بعد راشد ذلك الخائن..

"رباه" همست مرتجفة ونهرت نفسها قائلة "توقفي.. فقط توقفي.. أنتِ في عينيه الآن لا تختلفي عن نظرة مروان كثيراً.. لم تعودي بتلك الأهمية عنده أو حتى يثق بكِ.. لقد أخبركِ بهذا تقريباً منذ يومين كي يبرر لنفسه كل ما يفعله"

صمتت قبل أن توقف السيارة جانباً ثم تنفجر في البكاء بقهر وهي تردد "ربما إن فعلتِ سيدينكِ أنتِ أو سيعتقد هو وخطيبته أنكِ تحاولين لفت انتباهه وسرقته منها, كما بات واضح في كل نظراتها هي ووالدتها.. رباه أعني وقوني بنفسي"

**********

كانت تضطجع على ظهر الفراش آخذة إياب الذي سكن إليها بين ذراعيها تهمس له بترنيمة هادئة منذ ساعتين.. وهي تمرر يدها على ظهره برفق بينما هو يدس كفيه تحت ذراعيها وينام بسلام منبطحاً على صدرها همست وهي تقبله على شعره الكثيف برفق "كنت أحتاجك لتمحو كل همومي كالعادة يا صغير"

جلست بدور جانبها برفق بينما كالعادة تنظر إليها بحزن بلغ مداه وهي تقول بخفوت "ظننت بأني وصلت معه لمكانة تتيح له أن يسكن لي"

قالت سَبنتي بتعاطف "هو يتقدم سريعاً معكِ, ولكن هناك أوقات لا يستطيع فيها الطفل ترجمة الوجع الذي يشعر به فيرغب في شخص تعوّد عليه وفهمه"

اغرورقت عيناها بالدموع وهي تميل على مرفقيها ثم تمسد على جانب وجهه بأنامل كرفرفة الفراشة وقالت بصوت قلق "أنتِ متأكدة أننا لن نحتاج لطبيب؟!"

قالت سَبنتي بهدوء "لن يُفيدكِ في أي شيء يا بدور, هو لم يصب بالمرض بالفعل بل فقط بوادره كما أن حرارته حتى الآن مستقرة"

سألت مختنقة "هل كان يمرض كثيراً؟ هل كان يتعرض للخطر؟ كم مرة أصابه هذا وكان يحتاج لي دون أن يجدني؟!"

حركت يدها ببطء وأمسكت بكف بدور ثم قالت بحنان "عذاب نفسكِ لن يفيد بشيء.. كان يمرض ككل الأطفال ودائماً كنت بجانبه، ربما هذا ظلم وقع عليكِ من ضمن حقوق كثيرة سلبت منكِ ولكن فلتفكري في الشيء الجيد ابنكِ الآن هنا بجانبكِ ..ويبدي تقدم سريع جداً في تعلقه بكِ.. وخطوة خطوة سيعرف أنكِ الوحيدة التي تستحق كل انتمائه"

أومأت موافقة قبل أن تقول "ستبقين معي الليلة, أليس كذلك؟!"

توترت وهي تتهرب بعينيها ثم قالت "لن تحتاجيني, فزوجة عمي هنا وستساعدكِ كما أنه في العادة إن حصل على غفوة جيدة، وو..."

قاطعتها بدور وهي تقول بسيطرة "إن كانت بوادر المرض جعلته رافضاً لنا بهذه الصورة، إذن إن بدأت حرارته بالارتفاع أو أصابه البرد المعتاد ..سيحتاج لأحضان أمه التي يظنها"

اضطربت وهي تضم إياب نحوها بنوع من التملك غير المكروه ثم قالت بتردد "لن أستطيع, حاولي أن تفهميني"

ارتعشت عضلة على جانب فم بدور قبل أن تقول "سأطلب منه أن يبقى في غرفته الخارجية الليلة ولا يعود إلى هنا"

أسبلت جفنيها وهي تقول "الأمر أنه...!"

دخلت منى من باب الغرفة لتضع بعض الأدوية من خافض حرارة ومسكن الألم في حالة من الاستعداد إن ثبت بالفعل أنه يمرض.. ثم قالت بهدوء "هذا منزلكِ يا سَبنتي، غرفتكِ ما زالت كما هي يا صغيرتي تنظف وترتب بانتظام في انتظاركِ.. ستبقين معنا وأنا سأخبر راشد بنفسي"

حزمت أمرها وهي تحاول الاعتدال تشير لبدور أن تتمدد مثلها.. ثم قالت وهي تنقله برفق بين ذراعيها "لا تخبريه بشيء، إن علم بحالة إياب سيجن جنونه ويأتي ليأخذه من هنا, وبدور هي من تحتاج أن تكون بقرب ابنها في هذا الوقت بالذات"

صمتت وهي تولي كل اهتمامها لبدور ومنحتها إرشاداتها كالمعتاد برفق وهي تثبت يدها لتحتويه كما يفضل هو ثم قالت "استمري في الغناء له كما رأيتني وحاولي أن لا تحركيه من غفوته بتلك الطريقة لأي سبب كان.. أنا سأذهب لغرفة شوشو, أحتاج للاستحمام وتغيير ملابسي ثم سآتي مرة أخرى لأبادلكِ الدور!"

قالت بدور وهي تنظر إلى وجه ولدها الشاحب بحزن "لا, أنا مرتاحة هكذا, لا أحتاجكِ لأخذه ولكن لنأمل أن لا يرفضني حين..."

"لن يفعل"

قالت بدور مكررة بقلقها "أنت ِواثقة أننا لن نحتاج لطبيب؟!"

تدخلت منى وهي تجلس بجانبها تجس حرارته بيدها ثم تضع يدها من تحت ملابسه على ظهره محاولة أن تشعر بأي ضيق للتنفس من خلاله أو أعراض تستوجب قلقهم ثم قالت أخيراً "الأطفال دائماً ما تصيبهم الأمراض المتعددة نظرًا لمناعتهم الضعيفة، لا تخافي هكذا حبيبتي سيكون بخير، ربما فقط يحتاج لبضع ساعات من الراحة الطويلة بين ذراعيكِ"

أومأت بشحوب وهي تعود تتلمس وجهه برهبة وقلق لن يغادرها حتى تراه في حالته الطبيعية مرة أخرى...

*********



"أصبحتِ تتقنين التحرك كشبح" قالتها شيماء وهي تقدم لها بعض الملابس بعد أن أخذت حمام طويل ..أخذتهم منها ترتديهم من خلف حجاب... ثم قالت "غريب رغم أني اشعر بزيادة وزني"

ضحكت شيماء وهي تقول "هذا من المستحيلات، أنتِ لا تكسبي أي وزن قط كما شككت وأكدت لي بدور!"

فتحت باب الحمام وخرجت متوجهة نحو فراش شيماء وهي تقول بوجوم "أريد النوم قليلاً، ولا أرغب في زيارة غرفتي"

"لماذا أصبحتِ تتهربين من إجابتي.. أشعر أنكِ عدتِ جسداً ولكن روحكِ ما زالت معلقة هناك يا سَبنتي، محبوسة في منفاكِ"

شهقت إذ أن الألم كان أكبر من أن تكتمه هذا المرة ثم قالت "بل محبوسة في تلك الليلة التي ذهبت فيها لقبر جدي أرجوه أن يجيبني لماذا تجنى عليّ وظلمني؟!"

اقتربت منها شيماء بلهفة تجلس بجانبها ثم تعانقها بقوة وهي تقول "ظننت بأنكِ تخلصتِ من هذا الأمر، ألم نتفق أنكِ ستخرجينه من رأسكِ.. ليس مهم أصلكِ أو اسمكِ، او حتى نسبكِ يا سَبنتي... بل كل ما يهم هو محبيكِ أنا وراشد وأمي ووالدتكِ التي نعلم أنها تنتظر عودتكِ إليها.. هو أنتِ بقلبكِ الصادق بعينيكِ الطيبتين ..بكل ما أصبحتِ عليه وأنتِ تحاولين مساعدة من حولكِ وعودتكِ لتمنحي غفرانكِ لكل من يطلبه"

تشبثت فيها بقوة وهي تريح ذقنها على كتفها ثم قالت "أشعر أني عدت لأحبس هنا.. لأواجه كل ما دفع راشد ليأخذنا بعيداً عنه بالأساس.. ظننت أني قادرة على الاستمرار ولكن أنا بتّ خائفة من نفسي إذ أن كل قوتي التي اعتقدتها بدأت تخبو ببطء"

قالت شيماء ببساطة "أنا معكِ وبجانبكِ كلما شعرتِ بالضعف سأساندكِ لتقوي من جديد وأذكركِ بأنكِ قادرة على فعل المستحيل"

"أنا فقط كل ما أريده أن يتركني الجميع لحالي.. أن يكفوا عن الضغط عليّ ..لما لا يستوعب أحد أني ما عدت أرغب في أن أتسول مشاعر من أحد ..مفسرين تباعدي هذا لما تهواه أنفسهم"

قالت شيماء بصوت ضعيف "لأنهم أردوا أن يروكِ بنظرتهم حتى يريحوا ضمائرهم المعدومة مبررين لأنفسهم شر أعمالهم، وتشوه نفوسهم... بعض البشر يا سَبنتي يؤذي لمجرد الأذى مستمتعاً بالعذاب الذي يقدمه لغيره"

همست وهي تغلق عينيها "ضميني بقوة ولا تفلتيني.. أنا أحتاج لأن ترمم صديقتي بعضٍ من شظايا نفسي التي لا أستطيع البوح بتحطمها"

.......................................


يتبع
:7r_001::7r_001::7r_001::7r_001::7r_001::7r_001:


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:54 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.