آخر 10 مشاركات
صدمات ملكية (56) للكاتبة: لوسي مونرو (الجزء الأول من سلسلة العائلة الملكية) ×كــاملة× (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          صفقة زواج(103) -قلوب غربية- للكاتبة الرائعة: * رووز *[حصرياً] كاملة & الروابط * (الكاتـب : رووز - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          إغواء متنكّر (78) للكاتبة: Stefanie London *كاملة+روابط* (الكاتـب : *دلال* - )           »          عذراء الإيطالى(141)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء1سلسلة عذراوات عيد الميلاد) كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          رهاني الرابح (90) للكاتبة: سارة كريفن ...كاملة... (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          دموع زهرة الأوركيديا للكاتبة raja tortorici(( حصرية لروايتي فقط )) مميزة ... مكتملة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          الغيـرة العميـــاء (27) للكاتبة الرائعة: فـــــرح *مميزة & كاملة* (الكاتـب : فرح - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-02-21, 06:21 PM   #7651

مي مجدي محمود

? العضوٌ??? » 477901
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 20
?  نُقآطِيْ » مي مجدي محمود is on a distinguished road
افتراضي


Waiting

مي مجدي محمود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-02-21, 06:21 PM   #7652

Omsama

? العضوٌ??? » 410254
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 867
?  نُقآطِيْ » Omsama is on a distinguished road
افتراضي

فى انتظار نمر قلبنا وحجر الصوان اللى ان شاء الله النمر هيدوبه دوب

Omsama غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-02-21, 06:26 PM   #7653

نيفين الحلو

? العضوٌ??? » 413140
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 197
?  نُقآطِيْ » نيفين الحلو is on a distinguished road
افتراضي

تسجيييل حضور💃💃💃في انتظار نزار وابوه الكبارة🤣🤣🤣

نيفين الحلو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-02-21, 06:55 PM   #7654

هبة الله 4

? العضوٌ??? » 394064
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 789
?  نُقآطِيْ » هبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond reputeهبة الله 4 has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

هاى هاى كابتن في انتظارك ياحلوه

هبة الله 4 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-02-21, 06:56 PM   #7655

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile25

الفصل السابع والخمسون (المشاركة 1)
******

وَعَدْتُ...
بذبحِكَ خمسينَ مَرَّهْ..
وحين رأيتُ الدماءَ تُغطّي ثيابي
تأكَّدتُ أنّي الذي قد ذُبِحْتْ..
فلا تأخذني على مَحْمَلِ الجَدِّ..
مهما غضبتُ.. ومهما انْفَعَلْتْ..
ومهما اشْتَعَلتُ.. ومهما انْطَفَأْتْ..
لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصِدْقِ
والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ... "بدور الراوي"

وعدتُكِ.. أن أحسِمَ الأمرَ فوْراً..
وحين رأيتُ الدموعَ تُهَرْهِرُ من مقلتيكِ..
ارتبكْتْ..
وحين رأيتُ الحقائبَ في الأرضِ،
أدركتُ أنَّكِ لا تُقْتَلينَ بهذي السُهُولَةْ
فأنتِ البلادُ .. وأنتِ القبيلَةْ..
وأنتِ القصيدةُ قبلَ التكوُّنِ،
أنتِ الدفاترُ.. أنتِ المشاويرُ.. أنت الطفولَةْ..
وأنتِ نشيدُ الأناشيدِ..
أنتِ المزاميرُ..
أنتِ المُضِيئةُ..
أنتِ الرَسُولَةْ... "راشد الراوي"
كلمات القصيدة لنزار قباني
****

بعد شهرين...
خلعت شيماء حقيبتها أمام باب المنزل ثم أغلقت عصاها ووضعتها تحت ذراعها وهي تمسك الهاتف أخيراً بارتياح ..ثم قالت بهدوء: "أنا بخير يا أمي.. ومرتاحة جداً لتصميم نزار على أن يهتم بي بنفسه"
قالت منى بخفوت: "ولكن أنا قلقة طوال الوقت، كما أني أمنع خالد عن الشجار مع زوجكِ بصعوبة"
دخلت شيماء ساحة المنزل الذي أصبحت تحفظه عن ظهر قلب متوجهة نحو المطبخ الذي تفوح روائح طعامه الطيبة من أول الحديقة.. ثم قالت ضاحكة: "ابنكِ يبحث عن حجة مقنعة للشجار معه، ثم إن نزار محق لماذا يوافق على استمرار تعيين خالد حارس وسائق خاص لي, خاصة أنه عرض عليه أن يدفع له من ماله الخاص وابنكِ رفض لذا هو أيضاً يملك حق رفض أن يصرف أحد على زوجته"
قالت منى سريعاً بجفاف: "أولاً هذا أخوكِ، لا يفترض أن يشعر بأي حساسية نحوه، ثانياً هل نسيتِ أنكِ تملكين إرثاً خاصاً بكِ؟"
دخلت شيماء على هناء وحين وصلت إليها قبلتها على خدها برقة مستقبلة تربيت هناء المرحب ثم قالت أخيراً بتعب: "أنظري أمي ليس لديّ طاقة للتحدث في هذا الأمر من جديد، فأخي قد وضع نصيبي في حساب خاص بي أي أنه لا يستخدمه من الأساس وحتى أسهم الشركة جعلني أوقع كما أخواتي على أوراق قانونية تتيح له وضع ربحاً ‏سنوياً بالبنوك.. أي أنه ببساطة لا يستخدم إرثي..."
سكتت لحظة لتقول بعد تفكير: "اممم أتريدين الصراحة.. أنا مرتاحة لفكرة أن يصطحبني بنفسه صباحاً، ويعود ليأخذني بعد انتهاء عملي.."
قالت منى بعدم رضا: "أليس هذا متعب له؟"
جلست شيماء على مقعد ثم همست بخفر: "لا، نحن نستغل الفرصة كل يوم لنقوم بشيء جديد ..مرة يأخذني لنتمشى في الشوارع، أو نذهب لأحد المطاعم، وأخرى فقط أكتفي بتبادل أطراف الحديث الممتع معه.. وثقي بي المرح مع نزار لا ينتهي أبداً.."
ابتسمت منى برضا وهي تقول: "وفقكِ الله، وأصلح بينكما وحفظكما لبعضكما، المهم أنكِ مرتاحة وسعيدة.."
حركت شيماء حاجبيها الشقراوين لأعلى وهي تهمس برقة رغم الثقة الشديدة: "سعيدة جداً جداً، فوق ما أستطيع وصفه.. أخبري أخي أن يترك الأمر من رأسه فقط، وغداً إن شاء الله عندما أراه سأقنعه بنفسي.. فهناك من أصبح يحميني مثله وأكثر.."
تنهدت منى وهي تقول: "حسناً يا قلب ماما.. هل وصلتِ للمنزل؟"
:-"أنا مع خالتي الآن، لم أقاوم أن آتي إليها فرائحة طعامها اليوم تجلب كل القطط ليتوسلوا بعضه.."
ضحكت هناء بتوتر غريب وهي تضع لها طبقاً كما اعتادت قبل أن يتناولوا الطعام سوياً.. ثم همست: "لا أظنه بنفس الجودة مؤخراً فرائحته تدفعني للغثيان!"
عبست شيماء وهي تبحث عن الشوكة ثم قالت: "عن ماذا تتحدثين؟ بالعكس إنه رائع.."
همست هناء بنفس التوتر: "أعطني أحدث والدتكِ بينما تتناولين طعامكِ.."
منحتها الهاتف وهي تقول: "هي أيضاً أرادت محادثتكِ على كل حال.."
أمسكت هناء الهاتف.. ثم خرجت بعيداً عن كنتها.. وهي تقول على الفور بصوت مرتعب: "منى، أنا في مصيبة"
هتفت منى بقلق وهي تهب من مكانها: "يا ستار يا رب.. ما الذي حدث؟!"
نهنهت هناء بصوت خافت وهي تقول بصوت متحشرج: "أتذكرين منذ أسبوع أخبرتكِ أنه ربما طالني انقطاع الطمث أخيراً؟"
قالت منى بخفوت: "بالطبع أتذكر, فقد كنتِ متوترة جداً وحزينة.."
همست هناء بصوت أكثر اختناقاً أقرب للولولة: "ليته كان كذلك يا منى.. يا فضيحتي بعد هذا السن.. ليتني ما عدت لهذا الرجل.. أعرف أنه جالب مصائب.. لا ينتهي أبداً حظي العاثر معه.."
انقبض قلب منى وهي تهتف: "وحدي الله يا هناء ..ولا تثيري جنوني, ما الذي حدث فكل مشكلة ولها حل؟"
ولولت هناء بشكل أكبر وأكبر وهي تقول: "إلا هذه ..إلا هذه يا منى.. هذه لها قدمين وكفين.. أبعد هذا العمر أمشي منتفخة البطن ليعرف الناس ما الذي فعلته المرأة قليلة القيمة, وبعدها أسهر وأغير حفاضات؟!"
للحظات كانت منى تستمع بعدم فهم حقيقي، عاجزة عن ربط ما تقوله بشيء معين ثم همست وكأنها إحدى النساء الغبيات: "وهل هذه مصيبة؟ اخص عليكِ.. ظننتكِ ستفرحين لابنتي، وتسهرين على راحتها, فإن لم يكن لها فمن أجل ابنكِ"
صرخت هناء بانعدام سيطرة: "منى هل أصابتكِ عدوى الجنون من بناتكِ؟ أحفاد ماذا؟ أنا حااامل!"
أرتد وجه منى للوراء بقوة ..إلا أنها همست بدهشة: "خير.. كله خير"
صمتت منى لبرهة تعيد اتزانها ببطء ثم قالت أخيراً بهدوء: "مبارك يا هناء ..ولا داعي لكل هذا القهر، أنتِ امرأة متزوجة أمام العالم كله، فلا داعي للتصرف وكأنكِ فعلتِ شيء مشين"
ردت هناء معترضة: "وأنا في هذا العمر.. وقد زوجت ابني حديثاً ويفترض أني أنتظر أبنائه هو!"
قالت منى ببساطة ضاحكة: "إنه النصيب.. روح خُلِقَت وقُدِّرَ لها أن تسكن رحمكِ أنتِ، من هذا الذي وضع عمر معين لإنجاب النساء؟"
قالت هناء بتحشرج: "العلم وضع سن محدد.. ماذا لو أتى بـ...."
صمتت ثم همست مستغفرة...
فقالت منى بخفوت وتسامح: "سيكون نصيبه وقدره وستحبينه كما نزار وأكثر.. البعض يولد طبيعي كما تعرفين ثم يبتليه الله بالمحن.. هناء أنتِ تحملين نعمة فإياكِ أن تتطرفي أو تقومي بشيء جنوني.."
همست هناء باضطراب: "والناس ماذا سيقولون عني؟"
قالت منى بضجر شديد: "تباً لهم.. ألم تكتفي من الخوف من كلام الناس، أنظري أين وصلنا لاهتمامنا لقولهم.. اسمعي يا هناء سأكررها لكِ أنتِ لديكِ رجل.. متزوجة زواجاً شرعياً ومعلناً.. وحملتِ من زوجكِ, لذا من لا يعجبه فليبتلع سمومه في حلقه"
هتفت هناء متأوهة وهي تضع يديها على بطنها: "يا ويلي.. كيف لي بالمواجهة؟ لقد كدت أموت من شدة الخجل عندما أخبرتني الطبيبة التي ذهبت إليها لتمنحني شيئاً يخفف من بعض أعراض انقطاع الطمث ..يا ويلي لن أنسى نظرتها وهي تقول بابتسامتها المريعة تلك (مبارك أنتِ حامل يا سيدة هناء)"
قالت منى مواسية: "اهدئي هذا ليس جيد من أجلكما.. وغداً سنتحدث وأراكِ بنفسي ..المهم أن تأتي بالغد لا أريد أن تنقطع العادة بيننا.."
فتحت هناء فمها لترد.. إلا أنها تسمرت وعيناها تتوسعان بذعر أشد عندما أدارتها اليد التي هبطت على كتفها..
:-"من الحامل يا هناء؟!"
لم تجب بشيء, فقط نظرت إليه بعينين متضرعتين أن لا يثر جنوناً تعرفه يقيناً.. بينما أخذت منى في الهتاف بقلق تسألها عن ما يجري ..سحب جوش الهاتف ببطء ثم قال بصوت أجش مشحون بالعاطفة: "هي بخير، ستحدثكِ مرة أخرى"
زفرت منى نفساً طويلاً قبل أن تقول بهدوء: "بروفيسور رجاءً ترفق بها.."
قال جوش بنفس النبرة: "أوووه سيدة راوي.. إن كان هذا صحيحاً فلن أصف لكِ مدى رفقي بها.."
هتفت منى باحترام: "حسناً، مع السلامة, أراكم غداً.."
أخفض جوش الهاتف ثم وضعه على إحدى الطاولات التي تنتشر على طول الممر.. بينما نظراته غير المصدقة لم تنقطع لحظة عنها..
الفرحة تحفر كل خط دقيق في وجهه وزوايا فمه.. عيناه الخضراوان تتراقصان بشقاوة ولمعان وكأنه عاد شاباً في العشرين من عمره ..لأول مرة في حياته يسمع خبر حمل محبوبته.. أما عن جنونه فقد فاق الحد.. فهي لم تستوعب متى انحنى وحملها بين ذراعيه يدور بها ويدور محلقاً بين الغيوم.. تتلامس سعادته وفرحة عينيه المشاكستين مع أجنحة الطيور المحلقة صباحاً بحثاً عن زادها ..هتف أخيراً بدقات طبول قلبه صارخاً: "أنتِ حامل.. هنا قلبي حامل فعلاً.. ستأتين لي بأميرة سمراء صغيرة تعوضنا سوياً كل ما كان.. هذه هي سيدة هابر ملكتي الفرعونية.. هكذا يكون همس الحب وروعة التعويض بعد طول عذاب.."
إلا أن هناء كانت سيدة مصرية أصيلة لم تكن لتقبل بهذه السعادة بساطة ولا باحتفاء زوجها.. أخدت تبكي بعنف وهي تلطم خديها بقوة وكأنها افتعلت جرم تستحق عليه الرجم قبل الذبح: "يا مصيبتي، تعويض ماذا يا رجل.. لقد ضاعت هيبتي.. بعد هذا العمر أحمل ..آه يا بختك يا هناء.. طوال عمركِ مكتوب عليكِ الاختباء من فضائح بروفيسور الغبرة"
أنزلها جوشوا ببطء وحرص ثم أمسك وجهها بين يديه وهو يضحك بقوة.. يضحك بكل ما ملك من إيمان وفرحة نافست سعادته يوم عثوره عليها ويوم عودتها لعصمته مجتمعة..
همس بصوتٍ عاطفي شبابي يسري في الأوردة كالنار.. يجعل كل من يسمع هذه النبرة يتراقص قلبه حتى وإن كانت غير موجهة إليه.. مثل زوجة ابنه التي وقفت على باب المطبخ تتبع أصواتهما العالية ويرتسم على ملامحها الذهول.. "أنتِ حامل فعلاً ..رباه حامل بطفل آخر.. ابنتنا يا هناء.. أميرة صغيرة ستربى بيننا وندللها ونعوض كل أحلامنا ولوعة الفراق معها"
هتفت هناء بتحشرج: "بل سنرزق بطفل لا نعرف إن كنا سنكمل معه أم لا ..وماذا عني أنا؟ كيف سأخبر ابني وأخي وأهلي؟ رباه ماذا إن.. إن مِتّ وأنا ألد؟"
ضحك جوش من جديد ويده تستدير خلف رأسها ويده الأخرى حول ظهرها ويضم كتفيها إلى صدره بقوة وهو يقول من بين ضحكاته المختنقة مخاطباً زوجة ابنه التي تستمع إليهما وعلامة الصدمة لم تغادرها: "حبيبة عمها.. أخبريني ماذا تسمون السيدة الكئيبة؟!"
هدرت شيماء دون تردد بسعادة عجيبة: "بومة عماه.. بومة وخميرة عكننة.."
أجهشت هناء في بكاء خشن مزعج وهي تمسك صدر جوش بتشدد: "لم يكن العشم يا أم وردة، تتواطئين معه على حبيبتكِ, ماذا أقول؟! ابنة ياسر حقاً.."
ضحكت شيماء بنفس ذهولها وهي تضرب يداً بيد ثم هتفت بإغاظة: "ابنة ياسر، ولكني لستُ حاملاً وأنا بهذا العمر.."
فتحت هناء فمها على آخره ثم أخذت في البكاء الحاد دون توقف لوقت لا بأس به..
******
ليلاً في بيت هابر..
كانت هناء تختبئ وراء عامود من الجرانيت الفاصل بين حجرة الاستقبال والمعيشة تضع يد على قلبها ..ويد أخرى تلطم خدها دون توقف بينما فمها يهمس: "يا ويلي ..منك لله يا جوش ..منك لله لن أسامحك على هذا الفعل"
وفعل جوشوا تمثل في جلوسه على طرف طاولة خشبية منخفضة تتوسط أثاث غرفة المعيشة يواجه ابنه الذي يجلس أمامه وعلامة البلاهة تعلو وجهه.. يداه مثبتة على ركبتيه بيدي أبيه الذي يسيطر عليه بتشدد.. بينما جلست شيماء تخفض وجهها تداريه بشعرها الطويل.. حتى تخفي ضحكتها التي لم تتوقف منذ أن سمعت الخبر السعيد..
همس نزار أخيراً بغباء: "عفواً يا أبي لم أفهم كلمة مما قلت.. أعده مجدداً.."
تنفس جوشوا بصبر وعيناه ترنو نحو هناء التي تنظر إليه من مخبئها كالفتاة المذنبة التي تخاف مواجهة أهلها..
همست هناء بتوسل: "لا تخبره أرجوك.. أستر عليّ"
رفع جوش طرف فمه باستنكار.. ثم عاد ينظر لابنه وهو يتنحنح ثم قال بهدوء: "أنا ووالدتك متزوجين كما تعلم.."
قال نزار بتعجل: "نعم ..نعم عرفنا ماذا بعد.. لم أقصد هذه النقطة بل المحاضرة التي ألقيتها على مسامعي عن حسن استقبال نعم الله شاكرين.. وتلك التشبيهات المريبة.. ماذا تريد يا أبي لأني متعب وجائع بصراحة ولست على استعداد لا اليوم ولا في أي يوم آخر لسماع مغامراتك مع أمي.. بالكاد أقنع نفسي أنه حقك فيها من الأساس"
اعتدل جوش دون أن يترك سيطرته عليه بل شدد عليه أكثر.. رفع نزار حاجبيه وهو ينظر لسيطرة أبيه عليه بتعجب إلا أنه لم يحاول مطلقًا تحرير نفسه احتراماً حتى وإن تطاول عليه بالضرب دون سبب واضح..
توسعت ابتسامة أشد عجب وغرابة على وجه والده، ثم نفخ صدره بفخر شديد وهو يقول ببساطة ملقياً قنبلته في وجه ابنه المسكين: "أمك حامل"
هدر قلب نزار بجنون وتوسعت عيناه وفتح فمه على متسعه ثم توقف قلبه فجأة وكله يسقط بجانبه على الأريكة في إغماء فوري..
صرخت هناء وهي تخرج من مخبئها: "ولدي.. منك لله يا ابن ڤيڤيان ضاع ولدي.. يا مرارك يا هناء ابن عمركِ ضاع بسبب المتصابي.."
قفز جوش من مكانه وهو يهرش شعره من الخلف بتوتر.. ينظر لابنه الذي فقد كل صلة بالحياة بعجز الفعل وببلاهة مضحكة..
بينما انكبت هناء على ابنها تولول تارة وتتوسله تارة البقاء معها على قيد الحياة..
اقتربت شيماء منهما وقد توقفت ضحكتها أخيراً هاتفة ليس بقلق وإنما بنوع من الشماتة المريبة: "المسكين لم يتحمل الصدمة!"
صمتت وجوش يتراجع يحاوط كتفيها بذراعه, رفعت شيماء عينيها وهي تسأل بهدوء وفضول كمن يستفسر عن حالة الطقس: "هل فقدناه أم سيستيقظ من جديد ليملأ الدنيا بصراخه؟"
شدد جوش عليها وهو يقول بنبرة طبيعية للغاية: "أتمنى أن يظل في هذه الحالة حتى تلد أمه.."
التفتت هناء بشرر تنظر لوجهيّ المصائب بجنون ثم صرخت: "هو وعرفنا أنه يغار من ابني حبيبي.. ولكن أنتِ يا عصفورة الغبرة ألا تشعري بأيّ قلق على ابني؟"
هزت شيماء كتفيها وهي تقول ببساطة: "سيفيق قريباً, إنه يعاني من أثر الصدمة والمعرفة لأول مرة.. فلما أوتر نفسي؟"
صمتت ثم تابعت بشماتة: "أحسن.. يستحق.. يا رب تنجبين له توأم.."
ربت جوشوا على ظهرها ثم قال: "لهذا حبكِ يزداد في قلبي يومًا عن يوم.. هذه هي ابنتي حبيبتي وليس هذا الحمار.."
قالت شيماء متظاهرة بالتعاطف: "أعذره عماه، الخبر ليس سهلاً"
وقفت هناء بجنون وهي تبدل نظراتها بينهما ثم هدرت بنبرة جعلت شيماء تقفز من تحت يد جوشوا: "أنتما تحركا لنوقظه, وإلا أقسم أن أربطكِ أنتِ وعمكِ على طرف البحيرة الصناعية بالخارج"
ربت جوش على كتف شيماء بغرض إعادتها للسكينة.. ثم تحرك نحو إبريق الماء.. وتوجه لابنه وصبه على وجهه بكل بساطة..
صرخة هناء تضامنت في نفس الوقت مع قفز نزار من مكانه وهو يدير وجهه كالمخبول: "من.. ماذا.. أين أنا.."
تكلمت شيماء سريعاً بحزن: "يا حرام لقد فقد الذاكرة.. هل يعني هذا أنه نسي زواجنا ..رباه ليس هناك وقت لهذا.. لدي موعد هام غداً وأحتاجه ليوصلني!"
عاد الذهول يحتل وجه هناء ولكن هذه المرة تضامن مع التفاف جوشوا أيضاً ينظر إليها عاقد الحاجبين ثم تساءل: "ما بها شيماء؟ هل الخبر أصاب عقلها أيضاً دون أن ندرك؟"
عاد بانتباهه لنزار الذي يقطر الماء من وجهه وملابسه عندما همس ببلاهة: "خبر ماذا؟"
قال جوش من جديد ببرود صارم: "خبر حمل أمك, هل نسيت؟"
تصلب نزار ومنحهم نفس التعبير من جديد، وتمايل على وشك الإغماء إلا أن هناء أسرعت وجوشوا كل منهما يمسك به ليسنداه.. هدر جوش: "لن أسمح لك.. تماسك يا دكتور، ما بك؟"
ردد نزار بذهول: "ما بي؟ ما بي؟؟ حقاً.. ما بي؟!"
مسدت هناء بطرف فستانها على وجهه تمسح الماء وهي تواسيه باكية: "يا قلب أمك, أبعد الله عنك كل شر.. أخبرتك أن والدك لن يأتي من وراءه غير المصائب"
فغر نزار فمه وهو ينظر لهناء باستعطاف شديد أن تنفي هذه الكارثة.. لذا تركه جوش وهو ينظر إليهما بامتعاض ثم جلس على مقعد قريب بكل هيبة و تكبر.. وضع ساق على ساق منتظرًا انتهاء هذا العرض المقيت..
تكلم نزار أخيراً بصعوبة وكاد أن يبكي وهو يقول: "حامل يا هناء.. كيف استطعتِ فعلها بي يا أمي.. لقد مرغتِ رأسي في الوحل.."
ربتت هناء على صدره وهي تقول بنبرة ذنب عظيمة نادمة: "غصبٌ عني يا ولدي.. لم أتخيل أبداً أن.. أن.."
صمتت هناء وهي تطرق برأسها أرضاً محرجةً غير قادرة على إكمال جملتها..
إلا أن شيماء التي توردت وجنتيها قالت وهي تضحك من جديد: "غصبٌ عنها, جِذر البطاطا هو السبب.. افهم يا ولدي ولا تتعبنا"
اعتدل جوش سريعاً وهتف: "هل طلبت البطاطا؟ سأذهب حالاً لقريب أخيكِ وآتي لها بعربة كاملة.."
حاورته شيماء بطبيعية وكأنهم ليسوا بمنتصف كارثة: "عمااااه تحتاج لكثير من التعليم، أنتَ جاهلٌ بمزحاتنا التراثية.."
فتحت هناء فمها تريد الصراخ إلا أن صوتها حجز في صدرها وهي تخبط نفسها على المقعد بانعدام تام لتوازنها..
أما نزار فقد استعاد وعيه أخيراً بكامل قوته وبدأ هيجانه عندما قفز حرفياً ليصبح أمام والده ثم هدر مؤنباً: "هل هذه الأمانة التي سلمتك لترعاها؟! أخبرتك سابقاً أنك لست أهل للثقة"
مط جوش شفتيه وهو ينظر إليه ببرود مترفع ثم قال بازدراء: "أنا لن أتحاور مع أطفال.. تعقل وبعدها نتحدث.."
قفز نزار على قدميه وكأنه فُشار يفرقع على النار دون غطاء فينثر غوغائيته في أرجاء المكان وفوق رؤوس الجميع: "أطفال؟! وهل أنت جعلت فيها أطفال؟! مهلاً صحيح أنت من ستأتي بطفل يوأوأ ويلتصق بذيلي يدعوني أخي.. أخي.. وأنا في هذا العمر.. أي بجاحة تمتلك لتجعل أمي حاملاً؟"
وكأن إقراره بالمصيبة زاد جنونه حرفياً.. لطم وجهه بكفيه عدة مرات وهو ينظر بذهول أكبر وأكبر وهدر بقوة ينهر نفسه: "أفق يا نزار، هذا كابوس تعاني منه، إن شاء الله ستستيقظ وتجد كل شيء بخير"
قال جوش ببرود: "هااااي هذا ليس كابوساً, أنت تقف أمامي بكامل حماقتك.. وآه نعم يا مدلل هناء.. والدتك حامل وأنت تنتظر شقيقاً، وإن خدمنا الحظ ستكون أميرة جميلة وعاقلة.. أربيها على عدم الحمارية"
التف نزار في دوائر مجنونة حول نفسه.. عاجزاً عن قول المزيد, يشعر أن كل عرق بداخله تسري فيه نار تحرقه.. حتى توقف أمام وجه والدته الباكي..
التهم الخطوات ليجلس أمامها أرضاً يده تخبط على ركبتيه كمن يندب.. وهو يقول بنبرة لوم ساخرة: "حامل يا أم نزار؟! أهذه هي الحرية التي منحتها لكِ؟! حامل يا أم نزار! ارتديتِ له الألوان المتعددة ووضعتِ الزينة.. ثم حملت يا هناء! يا مصيبتك يا نزار.. يا فاجعتك في والدتك يا نزار!"
صمت نزار من جديد ثم صرخ وهو يقول بهوس خابطاً على ركبتيه بقهر: "والصبغة.. كيف ننسى الصبغة.. مؤكد هذا أضخم توابعها.."
بكت هناء بقوة أشد.. مولولة مثل ولدها الذي أخذ في نعي مماثل.. ثم أخيراً استطاعت ضمه بلهفة كما ضمها وأخذا في البكاء العنيف..
اقترب جوش يفصلهما عن بعضهما بقوة.. لم تقاومه هناء بل أمسكت صدره تخبئ وجهها فيه بكل قوتها..
جن نزار بشكل أقوى ..بينما جوشوا يربت عليها ويمرر يده على بطنها بحركة مناغشة وهو يُهادنها بنعومة: "كفى حبيبتي هذا خطر عليكِ وعلى طفلنا.. دعكِ من هذا الوغد الذي تحركه الغيرة لأن زوجته عجزت عن منحه معجزة جميلة مثلما فعلتِ لي.."
هتفت شيماء معترضة: "وما دخلي الآن لتهزئني عماه؟ مشكلتك مع ابنك"
وقف نزار على ساقيه ثم قال بشرر: "هل تصدق كلمة مما تقول؟! عارٌ على سنك يا رجل.. وعلى سن زوجتك الكهلة.. كيف حملت بالأصل.. كنت أعتقد أنها..."
توقف بكاء هناء فجأة وكأن مجاهرة أحد بسنها كان صفعة إفاقة لأنوثتها, للتوحش في وجهه كأسد جائع لفريسة يمزقها.. ابتعدت عن جوش وعيناها تطلقان شرراً رهيباً ثم توجهت نحو ولدها تمسكه من قميصه من الجانبين وهي تهدر بجنون: "كهلة في عينك يا مخبول.. قليل الأدب.. أنا أصبا منك ومن زوجتك.. وممن خلفوك.."
أشار نزار بإصبعه بنفس جنونه نحوهما: "ظهر الحق، ها قد قلتها أصبا ممن خلفوني.. ويااال الهول أنتِ وزوجكِ من خلفتموني يا هناء.. يا حامل.."
تصلب وجه هناء وهي تشمخ بأنفها ثم تركته أخيراً.. متراجعة وهي ترفع يدها بجانبها ثم قالت بنكاية: "جوشوا حبيبي، لقد تعبت من مواجهة هذا الأبله.. أنت محق يجب أن لا أبالي به، وأهتم بصحتي وجنيني.."
انفجرت شيماء في ضحك مريع وهي تغمض عينيها كخطين مستقيمين ويدها تسند قلبها بقوة, تشعر بالتشفي والرضا عن ما يحدث ..لقد دفع نزار الثمن بكل الصور الممكنة وبأصعب الطرق ..عبر هذا الجنين المنتظر ..صحيح الزمن لا ينسى حساباته، إن كان جرحها ووالدته ..ها هو هذا الطفل يأتي ليجعله يعض أصابع الندم أبد العمر.. عله يجعله يقتنع أخيراً أن أبواه زوجين طبيعيين من حقهما أن يمارسا حياتهما الزوجية..
لم يعر جوش أحدهما اهتماماً وهو يقترب من هناء بلهفة يسندها بذراعه وصدره من الخلف.. يده الأخرى تمسك بيدها.. تركت هناء حملها على كتفه بميوعة لم يرها ابنها فيها من قبل, محدقاً فيها بفك تدلى حتى شعر به يسقط بين قدميه كما قلبه..
ثم تحرك كلا والديه أمامه وهو يسمع أبيه يخابطها بلهفة: "على مهلكِ حبيبتي، وقت العالم كله معكِ، وأنا تحت قدميكِ، تأمرين فتجديني أنفذ في الحال.."
نظرت هناء بطرف عينيها نحو ابنها الذي ينظر إليهما ببلاهة ثم رفعت حاجبها تمنحه نظرة قرف.. ثم عادت ترمي رأسها على كتف جوشوا وهما يتحركان لأعلى.. تهمس بغنج: "بل أنت تاج رأسي، ووالد طفلي حبيبي القادم الذي سأسعد وأفخر بحمله رغم أنف الحاسدين الحاقدين.."
أشار نزار لصدره وهو يقول باختناق: "أنا حاسد.. وأمي.. أمي أنا حامل.. يا مصيبتك يا نزار.."
كتمت شيماء ضحكتها ثم اقتربت منه وأمسكت ذراعه أخيراً.. نظر إليها نزار ينتظر منها أي مواساة ..إلا أنها انفجرت في الضحك من جديد وهي تقول بخدين محمرين: "لا تكبر الأمر ..وإن كنت خائف من الفضيحة أكتبه باسمك عندما يولد وندعي أنه ابننا"
هدر نزار وهو يلتفت نحوها بكليته ممسكاً بها وكأنه يريد إفراغ غضبه: "شيمااااااء.. ليلتكِ سوداء.. لا تستفزيني"
:-"أنا أقر بالحقائق"
هزها من جديد يشعر بالقهر وهو يهدر ويسحبها خلفه برعونة نحو جناحهما: "سأدق عنقكِ إن لم تحملي الآن.. لن أسمح له أن يتفوق عليّ ويقوم بإذلالي فور أن يستفيق من سعادته"
ضاعت ضحكة شيماء في هجومه وهي تقول ببلاهة: "لقد عايرك بالفعل وتفوق عليك ..بل وجعل والدتك حاملاً.."
*********

يتلع...

ru'a and كريم الشيخ like this.

Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 01-02-21, 07:01 PM   #7656

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile25

الفصل السابع والخمسون (المشاركة 2)


صباحاً في مزرعة آل الراوي...
منذ عودته من سفره للندن والذي استغله لينجز الكثير فأصبح جولة في بعض البلدان التي تمتد فيها تجارتهم..
أما عن حياتهم الخاصة فلم يحدث فيها الكثير أو الجديد الذي يستحق التوقف عنده ..ما زال ابنه يتمسك بطرف والدته.. وهو تركه لها كاملاً، لم يحاول أن يضغط عليهما مما جعلها تعوض بعض ما فاتها معه.. وشرب هو بكل طيب خاطر من كأسها المُر لفراق إياب قبلاً ..كم هو موجع إحساسه أن ولده ساخط عليه يلوح بكرهه حتى وإن لم يملكه في قلبه الصغير..
بالطبع يزوره باستمرار.. إلا أنها كانت زيارات سريعة مختصرة, أما عنها فما زالت جلمود صخر على حالها لا تتحرك.. لا تشعر ولا تبالي بالأخبار التي أصبحت شبه يومية عنه وعن الأميرة هابر التي ما زالت داخل البلاد من أجل عينيه هو فقط.. حجتها بأنها تتابع البضائع التي يتم تصنيعها بمصانعهم ليصدروها إليها دون وسيط...

جلس راشد مرتخياً تماماً صافي الذهن في مقعد أشبه بسرير داخل مزرعته، يغطي عينيه بقبعة رياضية.. بينما ليبرتا المدللة تقبع فوق صدره...
لقد طلب من زوجة عمه أن يكون اجتماع العائلة لهذا الشهر هنا لغرضٍ في نفسه.. ووافقت على الفور متخلية عن رغبتها التي ظهرت بعد زواج الصغيرتين أن يأتي الجميع لمنزلها.. كمناسبة تجمع عائلي أصبحت روتينية حتى بنات عمه الكبيرتين أصبحتا تأتيان خصيصاً مع أزواجهما ليحضروا هذا الدفء الأسري الذي لم يحظ به أحدهم من قبل ..دائماً ما كانت حفلاتهم تدور حول الأعمال والتفاخر البارد.. أما الآن وهو يسمع صراخ الأطفال حوله.. وثرثرة النساء.. وهدير خالد ونزار المزعج وهما يقومان بشواء ‏شرائح اللحوم.. شعر أخيراً أنه أصبح يؤدي رسالته كما وَكِّل بها.. ليس للحفاظ على أسهمهم ومالهم فقط وإنما بإعادة الروح والترابط بينهم جميعاً.. وعدم سماحهم للتشتت أن يطالهم من جديد ..متمنياً بداخله أن يحل فصل الربيع الدائم أخيراً ويرحل عنهم فصل الخريف الذي طال بتقلباته...
:-"أنا أحبك يا خالي، أنت أحلى من بابا ولكن لا تخبره"
ابتسم راشد وهو يرفع القبعة ينظر إليها بحنان وشيء أشبه بالوحشة والحسرة ثم همس: "وأنا أحبكِ يا ليبرتا قبل أن أعرف بوجودكِ حتى.. ولا لن أخبر إيهاب فهذا سرنا الصغير"
ضحكت بدلال قبل أن تقول بخبث: "أحببت مجموعة العرائس التي أرسلتها لي، أنا لا ألعب إلا بها الآن.. هل يمكن أن تأتي لي بالمزيد مثلها؟!"
أمسك وجنتيها وهو يقول مازحاً: "مصنعٌ كامل، وليس مجموعة واحدة فحسب"
شعر كلاهما بظل إياب جانبهما فالتفتا إليه.. ليبرتا نطرت له وهي تمد لسانها بإغاظة.. بينما راشد يتأمل ابنه الواقف يحدق فيه بغضب شديد: "هذا مكاني.. أتركي أبي واذهبي لأبيكِ.."
حركت كتفها بدلال مائع ثم قالت وهي تقبل خد راشد: "وهذا خالي الذي يحبني أكثر منك.. اذهب أنت لوالدتك"
اقترب إياب خطوة ثم قال بسخط طفولي: "اجعلها تنصرف، أنا أريد النوم بجانبك.."
قال راشد ببساطة: "لقد تخليت عن مكانك باختيارك.. لذا ليس من حقك الأمر الآن ..هيا اذهب من هنا"
حزنت ملامح إياب سريعاً واغرورقت عيناه بدموع طفولية ثم قال بحزن شديد: "أنت لم تعد تحبني"
قال راشد بهدوء وهو يمسكه من قميصه الأبيض يقربه إليه: "أنت من أصبحت تصرخ كلما رأيتني"
كور فمه وهو يقول بعناد: "والآن أريد البقاء مع أبي.."
لف ساعده على خصر ابنه ثم أجلسه على صدره بجانب لوليتا.. وقبّل رأسه وهو يقول: "وأبوك يكاد يُجَن لتبقى معه أبداً.. ولكن ابتعد عن الملونة خاصتنا ولا تزعجها!"
قال إياب بغضب وهو يحاول إبعادها بطفولية: "إنها مزعجة.. إياب ولدٌ مؤدب وجيد كما تقول ماما.."
أبعد راشد قدمه التي يزج بها ابنة خالته.. ثم قرب لوليتا منه وهو يقول: "كلاكما مهذبان، لذا لن تزعج أختك مرة أخرى"
رفع إياب عينيه نحو أبيه ثم قال بخفوت: "هي أخت صديقي إياس.. وجميع أولاد خالاتي يملكون أختاً يلعبون معها.. إلا أنا ..أريد أختاً يا بابا.."
أخفض راشد عينيه ثم قال بجفاء: "ألم تصبح طماعاً قليلاً؟ قبلاً أردت والدتك وها هي بين يديك.. والآن تطالبني بأخت, هل تظن أن أباك مصباح علاء الدين أطرق بيدي فأجلبها لك في الحال؟"
قال إياب بفظاظة: "جدتي قالت أن كل أب وأم يصنعان الأطفال.. وأنا أريد أختاً.. أصنعها من فضلك.."
ارتفعت عينا راشد تلقائياً نحو بدور التي كانت تراقبه من بعيد وهي ترص الأطباق على الطاولة الكبيرة.. غير مدركة ولا مستمعة لهمسات أخواتها بجانبها.. كما هو واضح أنهن يتحدثن عنه..
برقت عينا راشد بقوة وبنظرة نارية غير محتملة جعلتها حتى وهي تقف بعيداً عنه بمسافة آمنة تتوتر تلقائياً من جحيم الشوق إليها والذي سيفتك به لا محالة إن لم يطفئه قريباً...
ثم همس بصوت لا يسمع: "العطل ليس من عندي، ثق أني على استعداد كامل وشامل ومدمر لأمنحك أختاً وأخرى وأخرى وأخرى ..فور حصولي عليها بين يدي لأهرسها هرساً ودون ذرة شفقة"
قطعت بدور حرب النظرات بينهما وهي تشيح بعيداً، تعيد تركيزها لثرثرة أخواتها بينما القلب يهدر بعنف وكأنها سمعت وعيده..
قالت مريم متظاهرة بالنزق: "أنظرن إليه الخبيث، حتى لوليتا أغواها لتقع صريعة هواه"
رفعت شذى أنفها لأعلى درجة وهي ترمقه بنظرة طبيعية ثم قالت بهدوء: "لا تبالغي.. إنه خالها وأنتِ قلتِ أنكِ أحببتِ تعلق ابنتكِ به"
تنهدت نوة وهي ترص أدوات المائدة، ثم قالت وهي ترمق بطرف عينها وجه بدور الجامد بخبث: "يليق به عسلية صغيرة تنام على صدره.. تعيس حظك يا ولدي أي والله.. لماذا تتمسك بالعزوبية حتى الآن وكل الفرص متاحة أمامك؟"
حاوطت مريم بطنها المنتفخة بدلال وغرور وهي تزيح كتف بدور موسعة من وقوفها مكاناً ثم جذبت المقعد وهي تقول بخبث: "عذراً حبيبتي الحمل يثقلني، ولا أملك وقت للكلام قبل أن أجلس وأرتاح.. أنتِ تعلمين هذا طبعاً.. أوبس أم أنكِ نسيتِ وقد مر وقت طويل منذ إنجابكِ لإياب؟"
رفعت بدور حاجباً واحداً أنيقاً وهي تنظر إليها ببرود شديد ثم قالت: "كلماتكِ الخبيثة لا تؤثر بي يا مريم لذا من الأفضل لكِ أن تبتلعي لسانكِ داخل حلقكِ"
امتعضت مريم وهي تنظر لها بلا تعبير.. ثم نظرت إلى راشد من جديد والذي كان قد وقف من مكانه متوجهاً نحو سَبنتي وبنات نوة وابنة شذى يشاكسهن وهو يحمل إياب فوق ذراعه, بينما ليبرتا استندت على صدره واقفة حتى ساوى نفسه على ساقيه ليوازي البنات اللاتي افترشن مفرشاً مخصصاً للأرض الخضراء..
قالت مريم بوقاحة متعمدة لا تخلو من القلق: "أليست جلطاته المتكررة قد تؤثر على صحته و.. ونشاطاته الـ...."
التفتت إليها بدور بحدة محذرة بصوت هدر كالكرباج: "أمسكي لسانكِ ..ثم ما لكِ أنتِ وصحته؟"
قالت مريم وهي تسحب جزرة تقضمها بنهم: "أستفسر، تعلمين أني فاشلة في الأمور الطبية.. ألم يخضع لعملية قلب مفتوح؟"
سخرت بدور: "وفاشلة في الرياضيات والمواد الدراسية جميعها، وتأخذين العام باثنين حتى أني عرفت من مصدر موثوق والذي هو زوجكِ أنه عرض مالاً كرشوة مجبراً لتتخرجي أخيراً.. فأخبره أحد أساتذتكِ أنهم لا يحتاجوا لأي واسطة أو رشوة للخلاص منكِ.."
بهتت ضحكة مريم بحرج ..إلا أنها دافعت بقوة: "ليس ذنبي هم من يضعون في الكتب أشياءً تتداخل في عقلي.."
جلست نوة جانبها أخيراً ثم قالت بعملية: "دعكِ من فشلها الشهير، من الجهبز الذي أخبركِ أنه خضع لعملية؟"
قالت بدهشة: "أنتم بالطبع والطبيب، ألم تخبروني أنهم وضعوا له شبكة طبية؟"
همست شذى بحيرة: "ذكائكِ تُحسَدِينَ عليه، وهل إن خضع لعملية كان سيخرج في نفس اليوم؟!"
تساءلت باهتمام وحيرة: "ماذا إذاً؟"
أكملت نوة بنفس العملية: "الشبكة الطبية لا تحتاج لأي عمليات.. إنها أشبه بعملية منظار.. أي أن الطبيب بحث عن أقرب شريان وفتح هناك فتحة ضيقة وأدخل فيها أداة لرؤية شريان قلبه ثم ضخ من خلالها هذه الشبكة لتوسيع مجرى الشريان الذي سُدّ"
ضيقت مريم عينيها ثم رفعت كفيها باستسلام وهي تقول: "لم أفهم أي كلمة.. ليس مهماً، المهم أني عرفت أنه قادر على الإنجاب دون حواجز"
قالت نوة من جديد وهي تمط شفتيها: "لديه حاجز واحد، أن الهانم تعارض.. وهناك أخرى مرحبة وتنتظر منه فقط إشارة.."
رفعت بدور وجهها عالياً وهي تنفخ بصوتٍ عالٍ: "أنا لن أنتظر دقيقة أخرى معكن ..وقحات حشريات.."
قالت شذى بهدوء: "لا تنتظري.. ولكن ضعي في حسابكِ أن الرجل لا ينتظر أيضاً طويلاً، هذه نزعة فطرية بداخلهم إن وجدوا رفضاً طويلاً من المرغوب.. يتجهون فوراً للمتاح حتى وإن لم يملكوا نحوه أي مشاعر.."
رمت بدور ما بيدها بقرف.. ثم رفعت رأسها عالياً وتركتهن, إلا أنها لم تكد تخطو خطوتين حتى تسمرت مكانها مثل المسمار الذي دقّ فوق رأسه فجأة بمطرقة ضخمة لا تناسب حجمه..
والوضع لم يكن عندها فقط بل كل من كان مشغولاً في حوار مع رفيق، أو يتلهى بلعبةٍ ما تجمد مكانه.. مثل والدتها التي خرجت من باب بيت المزرعة تجاورها هناء وتحملان علب السلطات.. وخالد ونزار اللذان توقفت أيديهم عن الشوي ..وجوشوا الذي ترك منظاره الضخم الذي استحسن له بقعة في أرض خالية من الأشجار ونصبه ..وأخواتها اللاتي وقفن ببطء شديد فاغرات أفواههن بذهول وغضب حارق.. محدقين جميعاً في سيارة راشد الخاصة التي وقفت عند بوابة المزرعة الضخمة وهبطت منها أدلين بكامل بهائها وزينتها ..ترتدي لباس فروسية من اللون الذهبي الموحد، بنطال يلف ساقيها الرشقتين ملتصقاً عليها كجلد ثانٍ، وبلوزة بلا أكمام تظهر ذراعيها بلون اللبن منتشراً عليهما نمش كنجوم السماء.. شعرها الأشقر كانت تربطه للوراء تمرره من فتحة قبعة الفروسية السوداء ..خلعت نظارتها الشمسية الأنيقة ثم علقتها في فتحة صدرها الظاهر بإغراء من خلال فتحة تشوق الناظر ليكشف ما تخبئه تحت قميصها الذي التف حول قوام ممشوق..
كان جوشوا أسرع في التحرك, وجهه لا يفسر من شدة الغضب عندما وصل إليها يجذب ذراعها وهو يقول بالسويدية: "لقد تطرفتِ وابتعدتِ عن الحدود الأخلاقية.. ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟"
ترجمة بدور بالطبع ما يقال.. بينما تولت نوة الهمس لأخواتها من بين غضبها الشديد..
دفع راشد بلطف لوليتا نحو جلسة الفتيات الصغيرات.. ثم تحرك بخطوات واثقة وهو يحمل إياب على ذراعه.. ووقف أمام أدلين التي نظرت إليه بابتسامة وضاءة ناعمة منتظرة منه الإجابة..
وقد فعل بهدوء وهو يقول بنبرة لا تقبل قول بعدها: "ضيفتي مرحب بها في أي وقت ومكان أملكه.. ألم تلاحظ أنها جاءت في سيارتي ومع حارسي الخاص.."
همهم جوش بعدم رضا ثم قال بحزم: "ظننتُ أن التجمع لأفراد العائلة فقط.."
قال راشد ببساطة: "ومن قال أنها ليست واحدة منهم؟"
ثم أفسح مجالاً وهو يشير بيده الخالية: "تفضلي برينسيس.. مكاني هو مكانكِ"
رفع جوشوا حاجباً واحداً وهو ينظر إليه بتمعن وكأنه يخبره
باختصار أنه فهم لتوه مخططه بالكامل..
أما عن شقيقته فلم يشعر نحوها بأدنى تأنيب للضمير فقد حذرها وهي تحدته بثقة ورعونة، إذاً فلتأخذ عبرتها بالكامل علّ هذا يمنحها درس عمرها.. ويحد من تطرف أفعالها ومجازفتها بمكانتهم أخيراً...
أبعدت أدلين يد جوشوا عنها بلطف مبالغ فيه وهي تمنحه نظرة انتصار فبادلها بالسخرية ..ثم توجهت نحو راشد تقف أمامه بكامل حلاوتها.. ومالت بوجهها جانباً فمال معها ذيل حصانها الذهبي يزيدها إغواءً.. داعبت وجنة إياب بنعومة وهي تقول بالإنجليزية: "وأخيراً التقيت بابنك.. إنه لطيف"
أبعد إياب يدها عنه بنزق وكأن شيء يدفعه بقوة أن يرفضها فطرياً ثم هتف بفظاظة: "أنا لستُ كيوت.. ابتعدي.."
ضحكت برقة وهي تستطيل على أصابعها بحذائها ذي العنق الطويل والكعب الرفيع ..ثم لثمت وجنة إياب بخفة ودلال وهي تنظر لعيني راشد بنوع من التحدي الوقح وكأنها تخبره بأنها تستطيع كسبه كما اخترقت جزءاً كبيراً من جدار أبيه الذي رفعه في وجهها بادئ الأمر...
ابتسم راشد في وجهها وهو يسبل أهدابه برصانة لم مفسر انفعالاته...
إلا أن إياب لم يقبل محبتها ولا نعومتها حين مسح وجنته بعنف وقرف كمن وقع على وجهه شيء من القذارة.. وصرخ: "أريد ماما حالاً.. هيا خذني إليها.."
التفت إليه راشد ببطء ثم قال بنفس هدوئه وكأن كل ما يحدث لم يحركه ذرة: "ألا تملك قدمين؟ اذهب إليها أنت"
قال ابنه بغضب وعناد: "اذهب معي.."
أنزله راشد على الأرض.. ثم قال بصوت آمِر صارم: "اذهب إليها بنفسك يا إياب.."
دب إياب بقدمه بحنق شديد.. ثم اندفع نحو والدته يمسك بقدميها وهو يصرخ: "ماما، لم أحب هذه الباربي ..وكرهت أبي أيضاً"
كان الضغط في صدر بدور في هذه اللحظة يزداد ونبضاتها تتضاعف.. ويهدر الغضب داخل أضلعها بشعور غيرة مريع لم تجربه من فترة طويلة.. إحساس بالخطر يلتف حولها وينزع منها بروداً يغلف قلبها ويعتصره.. إلا أنه لم يترك ملامحها أبداً.. بل امتصت كل ما يعتمل داخل صدرها بمهارة عالية وسكنت قلبها بقوة وغرور طاووس متباهي واثق في خطواته ومكانته التي لا تمس أبداً..
رسمت ابتسامة رهيبة على محياها الجذاب وهي تنحني بانسيابية نحو ابنها ترفعه للأعلى وتداعبه, تهمس في أذنه بشيء جعل كل عبوسه ينمحي في لحظة وينفجر في الضحك.. وهي تداعب وتدغدغ نحره بأناملها.. دون أن تصدر صوتاً واحداً فقط ابتسامة ناعمة، وعينان تبرقان بحنان منصب بالكامل على إياب.. دون أن تحاول ولو لمرة واحدة النظر لراشد الذي التفت إليها بعينين من جحيم إن طالتها ستبتلعها دون رحمة...
بينما كان الجميع في هذه اللحظة يحولون نظراتهم إليها بصدمة..
هتفت شذى: "أختكن داهية, والله إنها قطب جليدي وليست لوح بارد فقط"
همست نوة بإعجاب: "بل هي أخيراً تعرف كيف لكرامة الامرأة أن ترد دون أفعال هوجاء.. عن نفسي أخيراً اطمأننت عليها"
تحركت أدلين للداخل حريصة أن تلزم خطواتها بخطوات راشد خطوة خطوة ..حتى تواجهت مع بدور أخيراً التي التفتت إليها بابتسامة جميلة مرحبة وهي تقول: "مرحباً بكِ، أتمنى أن يعجبكِ المكان"
ضمت أدلين فمها في حركة رقة ثم قالت: "كوني على ثقة بهذا, لقد نال استحساني بمجرد أن وصفه راشد لي.."
نطقت اسمه بتلكؤ وبطء قاصدة, لم تمنحها بدور إلا نظرة هادئة محافظة على ابتسامتها المجاملة..
ولكن الوضع لم يكن مع أخواتها بنفس الصورة.. إذ أن نوة بادلتها السلام باقتضاب وهي تقول بصراحتها المطلقة: "مرحباً بكِ على كل حال حتى وإن كان المكان لم يتقبل الغرباء يوماً ويلفظهم سريعاً"
مدت أدلين يدها في سلام ناعم وهي تقول بمكر: "شكراً للتحذير.. ولا تقلقي عليّ فأنا سأفاجئكِ بالحيل التي تُمَكِنني من إقناع المكان بالانتماء لي سريعاً.."
ستضربها, تقسم أنها ستهجم عليها وتضعها على الشواية فتجعل منها وجبة لها ولأخواتها..
وكأن راشد قرأ السطور الجنونية في عيني نوة عندما تنحنح بصوت خشن يكتم ضحكته وهو يقول بالعربية محذراً: "لقد توقفنا عن أكل الضحايا منذ زمن.."
نظرت إليه نوة بوهج مجنون ثم قالت من بين أسنانها: "لكننا لم نتوقف عن دفنهم وأنت فوقهم إن لزم الأمر"
أومأ راشد برأسه وهو يعقد حاجبيه كاتماً ابتسامة متسامحة..
التفتت نوة ليد أدلين المنتظرة مرة أخرى لمبادرة سلام.. ثم رفعت كفيها وهي تعدل من وضع حجابها بشكل وهمي وقالت بفظاظة: "عفواً, لقد توضأت ولست مستعدة لنقض وضوئي.."
ارتد وجه أدلين بقوة شاعرة ببوادر حرج ثم همست بسيطرة: "أعلم معنى هذا، ولا أظن أن هناك موانع فأخي يعتنق ديانتكِ ويبادلني السلام حين يقيم شعائره!"
نظرت إليها نوة كمن يراقب معتوه ثم قالت ببطء: "هل تتهميني أني قبيحة مثل الرجال؟"
ابتعدت أدلين خطوة بتوجس من ملامح الشر على وجه المرأة ثم قالت سريعاً: "بالطبع لم أعني هذا بل قصدت..."
هتفت نوة بغلظة: "قصدت أنكِ جاهلة، والجهلة لا يتحدثون قبل المعرفة"
تدخل راشد وهو يقول بتسلط: "نوة التزمي بآداب الضيافة, لا داعي للتنمر.."
كانت عينا نوة غاضبتان بشدة وهي تقول بحقد تذكره: "أنت لا تطلق وعوداً لا تنوي الوفاء بها.. إلا أنك في هذه بالذات وعدت.."
أسبل راشد أهدابه وهو يقول بخفوت: "لم أعدكِ يا نوة لذا لا تملكي حق التدخل مطلقاً في شؤوني.. لذا لا تحرجي نفسكِ بما تفعلين الآن، المعنية الوحيدة بالأمر لم تتحرك قيد أنملة بالأصل.. بل هي أول من رحبت بتواجدها"
هل تسمع نوة في آخر قوله شيء من اليأس والخذلان؟ هل جن ليشعر بهذا؟ يأتي بهذه الحية الصفراء ثم هو من يتحسر؟!
أمسكت شذى ذراع نوة تسحبها للوراء خطوات بقلق ثم همست: "إنه محق، لا تهزي صورتكِ أمام من مثلها.. يفترض أن نكن داعمات لبدور، لا أن نُسيء لصورتها"
هتفت نوة بغلظة: "أقسم بالله أنكم مجانين.. ما برودة الأعصاب هذه؟!"
عضت شذى على طرف فمها قبل أن تأخذ نفساً طويلاً وهي تستدير نحو أدلين التي تراقب كلامهم بجهل للكلمات إلا أنها مؤكد فسرت المعاني، وهذا في حد ذاته أبهجها كما مرسوم على ملامحها ذات الدم الأزرق..
مدت شذى يدها بتحكم وسيطرة كمثال لسيدة مجتمع من الطراز الأول رغم أن نظرة الغضب لم تختفي من عينيها السوداوين: "ضيف راشد ضيفنا.. مرحباً بكِ"
ضحكت أدلين برقة ثم همست: "يبدو أني وجدت لتوي صحبة.."
صمتت قبل أن تغمز وهي تقول هامسة بتآمر: "عندما تعرفيني عن قرب ستحبين صداقتي لا محالة"
لم تنمحي الابتسامة الهادئة عن وجه شذى الأرستقراطي حتى وهي تقول باتزان: "عادةً لا يتحدث بهذه اللهجة الوقحة إلا المغرورين لمحاولة فرض سيطرتهم.. ولكن أنا واثقة أنكِ لستِ من هذا النوع حتى وإن كانت كل المؤشرات توحي بذلك"
"ضربة موفقة" همست نوة بإعجاب..
بينما سحبت أدلين يدها وهي تقول بفتور: "شكراً لثقتكِ المسبقة.."
هزت شذى كتفها بلا معنى وكأنها تخبرها باختصار (أنتِ تأمرين)
أما مريم لم تقف من مكانها بالأساس وهي تقول بجفاف عندما استدارت إليها أدلين ودون اعتذار متحدثة بالعربية: "لا أجيد الإنجليزية.. وآه أنا حامل لذا لا أقف إلا لو كان هناك شيءٌ مهم"
نظر إليها راشد بتسلي ثم قال بالإنجليزية: "ابنة عمي تعتذر لجهلها باللغة أولاً ..إذ أنها للأسف متعسرة بشدة تعليمياً حد الفشل.. ولديها مرض في قدميها يمنعها من الوقوف.."
رفعت مريم وجهها تنظر إليه بشرر يحرق.. وأدلين تقول برقة: "أووه أنا حزينة جداً من أجلها ..حاولوا من جديد ربما هناك أمل"
قال راشد من جديد بمشاغبة: "للأسف ليس منها أي أمل.. مساكين زوجها وأطفالها.."
هتفت مريم بغيظ بإنجليزية سليمة وبلكنتها الأمريكية المميزة: "إن كان لا أمل من أحد هنا فهو أنت.. ستظل هكذا تضيع نفسك مع كائنات بلا قيمة.. العذر لنفسي لأني تحدثت معك مرة وتعشمت فيك"
غمز راشد بعينيه وهو يميل نحوها ثم همس ببطء متلكئ: "التقصير من عندكِ يا أم إياس, وعدتني بالحجاب ولم تأتي لي به"
احمرت مريم بقوة إلا أنها لم تملك وقت للرد عندما نظرت إليها أدلين بدهشة وهي تقول مضيقة عينيها: "من عنيتِ بالكائن؟"
تأففت مريم وهي تقف من مكانها تنصرف بغضب نحو بقعة الأطفال بعيداً عنهم وهي تهتف بنفس لكنتها: "العذر منكما الطبيبة أوصتني أن أبقى في الهواء نقي ..وهذا المكان أصبح خانقاً بشكل غير محتمل.."
وقفت أدلين أخيراً بينهن والتوتر يطال منها بعض الشيء.. بينما شذى ونوة ترمقانها بنظرات مهددة لن تنكر أنها أخافتها ..لذا تحركت سريعاً نحو راشد الذي كان قد نقل خطواته نحو خالد ونزار عند الشواء..
:-"مرحباً سيد خالد.."
لم ينظر إليها خالد وهو يتحرك نحو العلبة البلاستكية الكبيرة يأخذ منها بعض الشرائح وينثرها على النار.. قال أخيراً بنبرة عادية للغاية, هادئة ومتزنة خالية من أي مشاعر: "مرحباً بكِ.."
التفتت أدلين نحو نزار الذي يرمقها بنظرة حارقة للغاية رافضاً لكل ما يحدث ..إلا أنه لا يملك حق السيطرة عليها فقد علم جيداً من خلال بقاءه معهم لسنوات أنهم يختلفون شكلاً وموضوعاً عن كل ما تربى عليه.. ربما لهذا لم يشعر بالانتماء الحقيقي إليهم يوماً.. بل ظل حنينه وكل مبادئه منحازة لبلده الأصلي مصر..
:-"ألن ترحب بعمتك؟"
قال نزار ببرود وهو يأخذ من شيماء صينية كبيرة ليرص عليها القطع الناضجة: "لا تحتاجي لترحيب.. وأنتِ تتصرفين كصاحبة المكان.."
ضغطت أدلين على أعصابها بقوة وتماسك عالمة أن علاقتها براشد لن تقبل وسط عائلتها أو عائلته بسهولة فما زال الطريق أمامها طويلاً لتربحه.. وهذا ما لن تتراجع عنه أبداً..
لذا أخذت نفساً طويلاً وهي تقول ببساطة: "وأنتِ شيماء هل ستحذين حذو زوجكِ؟"
حركت شيماء وجهها لأعلى وهي تبحث من حولها تمثل ببراعة عمى عينيها ثم قالت بتوتر: "ها من.. من يتحدث؟ عذراً فأنا لا أرى ولا أميز الأصوات.."
ابتسم راشد وهو يطرق لأسفل ثم همس بجانب شيماء: "حتى أنتِ يا عصفورة، ظننت أنكِ أطيبهن"
همست شيماء بنفس نبرته: "وأنا ظننت أنك ستجمعنا حقاً وتريح قلوبنا، وها قد خاب أمل الجميع وتحققت العدالة"
هز راشد رأسه بيأس ثم رفع وجهه وهو يقول بحزم: "هيا أنجزا, فمدحت ومالك على وصول.. ولدينا مباراة معلقة أتيت اليوم وأنا مصمم على هزيمة فريقك أنت ونزار سيد خالد"
نظر إليه نزار بحنق بينما لم تتبدل ملامح خالد الساكنة وهو يقول: "أوشكنا على الانتهاء عقب تجهيز النساء الطاولة.. ووصولهم سنبدأ"
التفت أدلين تمنحهم ظهرها شاعرة فجأة بغربة وبشيء من الندم، هي لا تنتمي لهذا المكان.. إلا أن الهدف يستحق.. أليس كذلك؟!
سمعت صوت راشد يقول بهدوء: "تفضلي أدلين لتري زوجة عمي والسيدة هناء.."
ابتسمت أدلين في وجهه على الفور تداري أي مشاعر أخرى.. ثم قالت بهدوء: "راشد لقد أتيت لزيارتك أنت وفقط"
قال بهدوء شديد: "وأنا كنتُ صريحاً معكِ، اليوم اجتماع عائلي.. وليس موعداً خاصاً"
استدارت أدلين نحوه بكليتها ثم قالت بوضوح أشد: "هذا على أي أساس؟ أنك تمنحني مواعيد خاصة؟ كل مقابلتنا تقريباً تتحول لبضعة دقائق تلقي كلمات مقتضبة وتهرب"
ضحك راشد بشدة.. ضحكة كانت كفيلة أن تلفت لهم جميع الرؤوس من جديد، وهو يرجع رأسه للخلف ثم قال أخيراً وهو ينظر إليها بطريقة مخيفة.. مخيفة لدرجة انقبض لها قلبها لأول مرة في عمرها شاعرة بندم لحظي للوقوع في براثن الإعجاب برجل مثله ..إلا أن الندم تراجع في لحظات عندما قال ببطء: "مشكلتكِ تكمن في ثقتكِ الزائدة عن الحد دون أن تعرفي حقاً الخصم الذي تحاولين ملاعبته يا أدي.. راشد الراوي لا يهرب بل يمنح بالحد الذي يريد, ويلوع بالحرمان بالقدر الذي يرغب.. ثم يكرم فجأة وهو يرتب لسحب كل شيء قبل أن تطرف عينكِ.."
اختلجت عضلة بجانب وجه أدلين ثم أشارت بذقنها المرتفع نحو بدور التي لا تعيرهم أي اهتمام: "وهي ..ماذا عنها؟ أتُعاملها بنفس الطريقة؟"
ابتسم ابتسامة فظيعة مخيفة في معانيها ثم قال بنبرة تجعل القلب ينهار بين يديه بلوعة: "إنها الشمس بكل شروقها الدافئ وغروبها الجليدي.. شمسٌ لا تقارن بالنجوم حتى أعاملها مثلهم.. هي الند.. الند الذي لم ولن يخلق مثله"
أرادت الصراخ في وجهه إلا أنها ما كانت لتفعل أبداً.. بل ابتسمت بلطف بارد ..ثم قالت بهدوء: "ندٌّ غير متكافئ.. أم نقول بصراحة ندٌّ لا يعير مشاعرك أي اهتمام.."
أمال رأسه قليلاً بنعومة خطيرة يتفحصها كلها لأول مرة وكأنه يقيم بضائعها المطروحة بكل فجاجة.. ثم قال بتلكؤ: "وهذا تحديداً أفضل ميزة فيها"
شعور عنيف بالغيرة.. الغيرة من مجرد نبرته وهو يتحدث عنها.. والسؤال يصعد أخيراً على السطح بقوة، في صحوة مزعجة إن كان يريدها فلماذا يقاومها بكل هذا الإصرار.. وإن كان ما زال يقاومها لما أرخى حصونه قابلاً بطرحها لعرضها ووعودها الغناء؟!
اهتزت عضلة في وجه أدلين إلا أنها أدارت الحوار بمهارة وهي تقول بهدوء: "أين الخيل.. أم ستحرمني من هذا أيضاً؟"
شعرت بعينيه تلفحانها وكأنه يمسها فيحرقها.. إلا أن الحريق لم يكن موجه لها وهو يتمتم بينما طرف عينيه معلق بأخرى: "نحن هنا لأجل هذا تحديداً.. لقد استغرقت وقتاً طويلًا وجهداً أطول لأعيد كل شيء كما كان قديماً.. عله يصلح كل تميمة تحطمت ويضمد جروح قد أغلقت على قيحها"
********

يتبع....



Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 01-02-21, 07:08 PM   #7657

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile25

الفصل السابع والخمسون (المشاركة 3)

بداخلها موجٌ عاصف يجرف, يقتل, يخرب ولا يحل, يقسو عليها بمشاعر متناقضة تغرقها دون سبيل للنجاة ...هذا ما أصبحت عليه.. ليس منذ عودتها إلى هنا.. بل بدأ معها منذ الليلة التي قبلت أن يضمها بين ذراعيه.. وتنام دون تأنيب لضميرها دون جلد سادي لمشاعرها.. بل كان أشبه بصك سلام لا يقبل النقض.. ولكن إلى متى قد يبقى خالد على تماسكه ويتحمل بعدها القريب، غربتها وهي تنام بين ذراعيه كل ليلة وتحكم عليه بالحرمان؟!
ضمت سَبنتي ركبتيها إلى صدرها تلفهما بكلا ذراعيها.. ووضعت رأسها فوقهما تنظر لبنات أخواته بابتسامتها الهادئة.. تدعي جيداً الانصات لهم باهتمام ولثرثرتهم الطفولية المخلوطة باندفاع وثقة المراهقة ..فيذكرونها بنفسها القديمة.. بصفاء البال الخالي من الخوف الدائم.. بينما القلب والفكر كان أبعد بكثير من حدود هذا المفرش الذي يجلسون فوقه.. بل أبعد حتى من أسوار هذه المزرعة...
إلى طبيبتها.. ربما الوضع بينها وبين ليلى لم يتقدم كثيراً.. ما زالت تذهب إليها، تجيدان التباري بذكاء، تحتويها بفطنة، تضغط عليها بأسلوب عجيب لم تعهد مثله وللحقيقة تستعجبه، وقد تصادمت بالطبع مع أطباء نفسيين في الخارج عندما أجبرها راشد في أول الأمر إلا أن أحدهم لم ينجح معها بل خدعتهم كما خدعت راشد نفسه..
ولكن كل شيء مع ليلى يتغير، تغلبها وقد شابهت الثعالب في مكرها.. إلا أنها تشكر أعصابها التي تتحمل حتى الآن ولم تمنح ليلى الانهيار التي تدفعها إليه حتى تعترف بكل شيء.. وتطلعها على سرها المخجل.. تسأل نفسها عقب كل جلسة لماذا تستمر في الذهاب إليها وهي تعلم جيداً كيف ستكون نهاية الأمر؟!
أغلقت عينيها بقوة وهي تدفن وجهها بين ذراعيها متمتمة بتماسك: "لن تنهاري.. لأنكِ تعلمين أنكِ أقوى من أن تدفعكِ للانهيار.. لن تفعلي يا سَبنتي، لن تؤذي نفسكِ أو أحد بماضيكِ المخجل.. بأفكاركِ الإجرامية.. أنتِ لستِ مجرمة.. لستِ سادية"
شعرت بيد ليم تهزها قليلاً وهي تقول ضاحكة: "خالي يناديكِ، ويسأل هل نمتِ؟"
رفعت رأسها وهي تقول بعبوس: "وهل من يجاوركن يا مزعجات تعرف عينيه النعاس؟!"
قالت لوليا بإغاظة: "هل غضبكِ لعدم سماحنا لكِ بغفوة.. أم لأن فريقي وغنوة هزمكِ؟"
زمت فمها بإزعاج ثم قالت: "فُزتِ لأني سمحت لكِ بعد هزيمتكن النكراء لخمس مرات متتالية.."
قالت لوليا بسخط: "بل أنتِ غاضبة لإثبات أننا أذكى منكِ.. مراتك السابقة كانت عامل حظ ليس إلا"
ضربت غنوة جانب لوليا ثم همست: "عيب، هل نسيتِ أنها زوجة خالكِ لا رفيقتنا؟!"
قالت لوليا ضاحكة وقد انمحى العبوس: "إنها لا تتصرف كواحدة من الكبار"
وقفت سَبنتي من مكانها وهي تمسد على بنطالها القطني الواسع ثم قالت بجفاف: "سأتعامل كواحدة منذ اللحظة إذاً.. وسآمركِ بكل تسلط أن أمامكِ دقيقتين لجمع كل هذه الأشياء والذهاب لغسل يديكِ أنتِ وفريق المتوحشين الصغار.. ثم تجلسين بكل أدب على اممم.. السلم الأمامي.."
شوحت ليم: "هذا ليس عدلاً.."
قالت سَبنتي بإغاظة تقلدهن: "أنا كبيرة كفاية لأقرر ما العدل مع حفنة من المراهقات مثلكن، وإن لم تنفذن سأخبر خالكن.. وهو لن يرد لي طلب.."
قالت غنوة بهدوء وهي تبدأ في لملمة لعبة السودوكو بطاعة: "هذا يُعد استخدام سيء للسلطات على فكرة!"
رفعت سَبنتي كتفيها وهي تقول ببساطة: "جيد من أجلكن، لتعلمن أن الحياة لا تسير دائماً بالاستقامة والعدل.. البراءة المبالغ فيها قد تحطمكِ على صخرة الحياة القاسية.. يجب أن تعرفي أن العالم لا يمنح كل شيء, إن أعطى يجب أن يعود ويحطمكِ بالأخذ"
نظرن إليها الفتيات بتعجب ورهبة.. جعلتها تقطب سريعاً وملامحها تبهت بالندم.. تمتمت باعتذار سريع قبل أن تتحرك من جانبهم..
داخلها كله يرتجف بالرهبة.. ترمش بعينيها المهتزتين وشعور من الألم يحاوطها.. ما الذي تفوهت به لتوها؟ هل جُنت بالفعل؟ هل ما عرفته عن تفاصيل المرض الذي شخصتها به ليلى وما زالت تنكره بكل قوتها صحيح ..لا هي لم تتطرف يوماً للتفكير بإيذاء حتى بعوضة.. لم يأتي في أعتى كوابيسها ولو لقطة عابرة أن تؤذي إنسان ..حتى نفسها التي يجزم الجميع بأنها تسعى لتحطيمها..
لقد اكتشفت عبر الشهرين الماضين أنها بالفعل تريد الحياة والنسيان وهذا ينكر تشخيص ليلى المسبق لها تماماً..
رفعت سَبنتي عينيها أخيراً لتلتقي بعينيه القلقة.. ابتسمت في وجهه على الفور تقر بشيء آخر وتجزم به.. هي لا تريد إيذائه أيضاً.. بل كل الحقارة التي عاملته بها بأول شهور زواجهما كانت رد فعل غريزي حتى تشعره بمدى تحطمها الداخلي.. ربما يفهم معاناتها.. متمنية بفارغ الصبر أن يأتي اليوم الذي تستطيع فيه منحه كل ما يرغبه منها.. أن تصرخ بحبه بكل بهجة وطفولية, بكل غرام يتشابك بين أضلعها محققة كل أحلامها وأحلامه التي طاردتهما طويلاً.. ولكن الأمر أكبر منها ..صعب على أعصابها.. على مخاوفها.. على نفسها التي أدركت أنها تطارد بالأذى شخصًا آخر لا غيره.. هو من سينال من كل حقدها, كبتها, شرورها التي ستنفجر يوماً ما..
"تعالي" صوته الآمر رغم رفقه جعلها تنقاد إليه بكل سهولة دون مقاومة كما الماضي..
ضحكت بارتباك وهي تشعر بذراعه تحاوط كتفيها ثم همست: "لا أحب أن نتقارب علناً"
قطع خالد بيده الفارغة قطعة من اللحم الناضج ثم وضعها بين شفتيها وهو يقول ببساطة: "لم نقم بشيء خارج ..دائماً كنتِ قريبة مني ..لا جديد هنا.. الأمر كله هو إعادة كل شيء لمكانه الصحيح تماماً بعد الخلل الذي حدث"
حركت أصابعها في شعرها ببعض العصبية يدفعها خجلها.. ثم قالت بفمها الممتلئ: "حسناً.."
كشر مناغشاً: "هذه إجابتكِ فقط، وأنا من منحتكِ لتوي ميزة حرمتها حتى على أختي الحامل التي تتضور جوعاً"
أخفضت وجهها وهي تهمس بالقول بتفكه: "أنت شقيق غير عادل إذاً.. تُفضل زوجتك على أخواتك.. وهذا لا يرضيني"
قال غامزاً بتلاعب وهو يضع قطعة أخرى في فمها: "أنتِ لستِ زوجتي.."
رفعت وجهها المستنكر كطلقة الرصاص نحوه ..فهمس بخفوت خشن: "أنتِ حبيبتي، والعبثية الصغيرة التي تملك قلبي.. وهذا يمنحكِ كل التميز والتفوق عليهن.. وهن يعلمن بهذا ويتقبلنه بكل طيب خاطر"
زفرت سَبنتي بارتجاف وهي تشرد بعينيها بعيداً عن عينيه التي تحاصرها بوهج يحرقها وأصبح أكبر من احتمالها ..ثم همست: "لا ..لا أفضل أن يشعرن هكذا.. لا أريد لأحد أن يفكر ولو لحظة بأني سآخذك منهن.."
ضحك خالد بطريقة أحرقت كيانها.. لتعيد نظراتها البنفسجية إليه بكل سهولة ثم همست: "لا تسخر مني.."
مال خالد نحو أذنها وضحكاته تهدأ تدريجياً حتى همس بصوت أجش في أذنها بنبرة ماثلت حمم النار جعلت ساقيها ترتجفان: "لا أسخر منكِ يا عبثية ..بل أتساءل إن سحبتك الآن لأي مكان يمنحنا خلوة وقبلتكِ هل يعد هذا اختراق لهدنتنا؟ كم أحترق كهذا اللحم على الجمر لأفعلها!"
ذعر عينيها كان واضحاً عندما ابتعدت عنه ..ذعراً لم يكن بسبب تخيلها بل لأن الأمر سرى في نفسها متخللاً كل نسيج فيها وأوجد له صدى هناك يشتاق لمشاعره الحميمة تلك!
أبعد خالد ذراعيه عن كتفيها شاعراً بصدره يتضخم بأنفاسه
المشتعلة المكبوتة.. إلا أنه لم يظهر أي شيء بل كان وجهه مثال للهدوء والتحكم عندما قال بصوت أجش: "لا تشردي كثيراً، هو يوم واحد بالشهر كل ما أطلبه منكِ لتتفاعلي مع عائلتكِ.."
تكراره لاسم العائلة وانتمائها إليهم لم يعد شيء عرضي أو عفوي بل كأنه خطة علاج أخرى يتبعها ليذكرها دائماً أنها أحد جذور هذه العائلة مثلهم لا مجرد فرع هش...
شعور الذنب داهمها من جديد وجعلها تقترب منه وهي تقول بنبرة بدت كنبرة كطفلة تحاول الاعتذار بعد ارتكابها خطأ ما: "سأفعل إن منحتني قطعة أخرى فأنا جائعة"
نظر إليها بعينين شديدتي العمق شاعراً بداخله بأمل يتوهج.. ثم قطع شريحة أخرى من جديد ودسها بين شفتيها وهو يقول بهدوء خافت: "وأنا جائع جداً..."
صمت أمام ارتباك عينيها التي تنظر إليه بانشداه وكأنها بالفعل تحاول التعرف عليه من جديد، التقرب منه بحذر.. أن تتفتح مشاعرها وتتقبله كرجل.. لا خالد ابن العم والحبيب..
"إليكِ" أكمل صوتاً داخلياً يصرخ بداخله كوحش ينهش فيه دون شفقة.. إلا أن وهج عينيه الذي اشتعل كان كافياً لأن تسمع زئير رجولته.. تسمرت مكانها وكأنها توحدت في أرضها، كما بادلها هو الانفصال عن الواقع وعن كل الصخب والبهجة وحتى التناطح الذي يدور حولهما ..كلاهما يحدق في الآخر بعطش.. لا جوع يتحكم.. فقط هو العطش للحب ولدفء الأحاسيس..
ربما كان يحاوطها يحارب معها وفيها.. بالشهرين المنصرمين كان يضمها إليه ليلاً دون مقاومة تذكر.. بل بالواقع كان عندما يعود بوقت متأخر متمنياً من الله أن تكون قد نامت بالفعل فترحمه من عذاب النظر لها.. كانت كل دعواته تطير في الهواء عندما يجدها تنتظره فوق الفراش.. تجلس طاوية ركبتيها تحتها.. وذاك المرهم بين يديها.. عيناها تسرقان النظرات إليه بارتباك بحت ..تراقبه وهو يستعد للتسطح جانبها.. ثم دون تبادل الكثير من الكلام.. كان يسحبه من بين أصابعها الخرقاء.. ثم يأخذها بين ذراعيه.. ويبدأ في محاولة مداوة كل جرح وندبة.. ولكن ماذا عن ندوب قلبه، هل استطاعت ولو لمرة واحدة تطبيبها أو حتى لمسها؟!
:-"هااااااي.. الأعين معلقة عليكما"
صوت نزار المزعج الذي عاد لجانبه وقد كان انصرف منذ دقائق كان لأول مرة في حياته يأتي كنجدة يمتن لها فقد أخرجه من دوامتها التي تجذبه...
تراجعت سَبنتي من مكانها وهي تهتف بارتباك نحو شيماء التي يأسرها نزار يجرها وراءه في كل مكان يذهب إليه: "نحن من نلفت الأعين أم جنابك.. الذي يسيطر على صديقتي مما أصابني بالعلة!"
مط نزار فمه بلا معنى ثم ضم خصر شيماء التي قاومته سريعاً بنزق وهو يقول: "أنا العلة أم أنتِ.. ما لكِ وضمّي لزوجتي حبيبتي وصديقتي و..."
هتفت سَبنتي وروحها القتالية تطفو على السطح: "خالد هل ستتصرف أنت أم أحاربه أنا؟!"
قال خالد بهدوء: "توقف وامنحها صديقتها.."
قال نزار باستياء: "أمنحها ماذا؟! هذا على أساس أنها لعبة نتبادل ملكيتها؟!"
اندفعت سَبنتي على الفور ثم أمسكت شيماء بجانبها تسحبها معها وهي تقول بقرف: "أنا المخطئة من البداية حين سمحت لك بالمشاركة.. انتبه يا نزار ولا تتحداني بدلاً من أن أقلبها عليك وأحول حياتك لبركة من النكد"
هتف نزار بثقة مغيظة: "ولا عشرة من أمثالكِ يقلبونها عليّ, صحيح يا وردتي؟!"
احمرت شيماء بقوة وهي ترفع حاجبيها الشقراوين بذهول غير مصدقة تلميحه الوقح أمام أخيها.. غصت بكلماتها ولم تستطع إلا أن تومئ بقلق حتى لا يفسر الوقح سبب اللقب..
تقسم أنها ستنتقم منه شر انتقام لجرأته هذه وفي التو واللحظة.. من حسن حظها لم ينتبه خالد للتلميح عندما قال بتفكه: "في موضوع النكد هذا ..لا أنصحك بالتحدي مع زوجتي فهي تأخذ به جائزة أوسكار حصرية"
ثارت سَبنتي وهي تقول: "هاااي.. لا أسمح لك"
مد خالد يده بقطعة أخرى من اللحم وهو يقول: "ستسمحين إن رشوتكِ بالطعام يا كوالا..."
إلا أن القطعة لم تصل أصابعها بل راقبتها بعينين أوشكتا على البكاء بفاجعة عندما استقرت القطعة في أقل من ثوان بين يدي مريم ثم فمها وهي تهتف: "غرام المقبلين على الحياة هذا مارساه مع بعضكما في مكانِ خَفِيّ.. لا أن تطعهما سيادتك نصيب الجميع وأمام أعيننا.."
قال خالد ببطء: "حقكِ محفوظ يا بطيخة, ولكن زوجكِ من طلب أن نرفع أي طعام إضافي من أمامكِ.."
التاع قلب مريم وارتاعت قسماتها وهي تهتف بصوت أقرب للجنون: "من تقصد بالبطيخة؟!"
عقد خالد حاجبيه وهو يميل بوجهه قليلاً يتأملها بكل أريحية مقيماً ثم التفت نحو سَبنتي من جديد وهو يستفسر باهتمام: "بطيخة أم أقرب للدب في رأيكِ؟"
أمام نظرات مريم المذهولة بصدمتها كانت سَبنتي تقلد خالد في إمالة جانب وجهها, تقيمها بكل هدوء مماثل ثم نطقت بتلكؤ وجدية خطيرة: "لا أعتقد أنها تشبه الدب.. لا تبالغ.. إذ أننا إن أدخلنا عامل الطول مع العرض.. والتمحور حول نقطة مركزية واحدة.. لأشرح لك بدقة..."
اقتربت سَبنتي نحو مريم تدور حولها وهي تشير نحوها تشرح بعملية: "أنظر هنا أصبح لديها مركز واحد وهي النقطة التي تبعد عن أي نقطة في محيط الدائرة مقدار ثابت, كما أصبح للدائرة عدد لا متناهي من أنصاف الأقطار المتساوية.. وأيضاً يوجد لديها خط مستقيم يصل بين أي نقطتين على محيط الدائرة ويعرف بوتر الدائرة"
قال خالد مجارياً سَبنتي: "آه تقصدين هنا أن قيمة (ط) تكون دائماً ثابتة في كل الدوائر مهما كانت مساحتها"
صفقت سَبنتي وهي تقول باستحسان: "أصبت"
هتفت شيماء أخيراً بصوتٍ قوي: "اتقيا الله يا متنمرين.. مريم بالكاد تحسب واحد جانب واحد وأحيانا النتيجة تكون معها ثلاثة.. ولا أحد يسألني كيف لأن هذه قوانين خارقة خاصة بها فقط"
هلعت مريم بشكلٍ أكبر وهي لا تفهم كلمة مما قيل.. تنظر لنزار بتوسل أن ينقذها من محبي العلم الحمقى..
رفع كفيه يدعي الحمية وهو يهتف: "كفى.. لا أحد يزعج صديقتي باستعراض المعلومات.. مريم هما يقصدان أنكِ أشبه بالكرة لم يعد لديكِ وجه من قفا.. فكلكِ أصبح اممم.. يشبه كلكِ"
بكت مريم بنحيب ناعم وهي تهتف: "أكرهكم جميعاً, سيأتي إيهاب وسأخبره أن يشد آذان أربعتكم.. ويثبت لكم كم أنا جميلة وناعمة، وزوجاتكما لن تحلما يوماً أن تكونا بربع جمالي.."
قال خالد يرضيها بإغواء: "إن منحتكِ طبق مشكل على جنب بعيداً.. هل سيحسن هذا شعوركِ؟"
فتحت فمها وهي تهتف باختناق: "لا ..ولن أسامحك أنت وهذه الدمية!"
قالت سَبنتي معترضة بشدة: "أنا لستُ دمية.. أنا أبعد ما أكون عن الدمية، كئيبة ربما لكن لستُ مثلكِ أنتِ الدمية"
صرخت مريم في وجهها قبل أن تنصرف بغضب أهوج: "بالضبط ولهذا تغارين مني.. متبلدة وكأن يصلح لكِ أن تصبحي في ربع جمالي يوماً!"
التفت سَبنتي نحو خالد وهي تقول بقلق حقيقي: "هل أزعجتها؟ لم أقصد أنا.. أنا.. لن أمزح معها من جديد.. فقط الحق بها وأخبرها باعتذاري"
شددت شيماء على يدها سريعاً ولم تمنح لخالد فرصة للرد ثم قالت: "اهدئي.. هي أيضاً تمزح، وتفهم جيداً مقصدكِ.. ما بكِ يا بقة منذ متى أصبحتِ بكل هذه الرقة؟"
همست سَبنتي بخفوت: "لا أريد أن أسبب الإزعاج لأحد، أنا أصبحت مؤخراً لا أُحتَمل.."
شعرت سَبنتي كما شيماء بيد خالد التي حاوطتهما.. قبّل رأس شيماء بفعل اعتيادي ..ثم مال نحو زوجته يهمس لها بشيء في أذنها.. لم تسمعه شيماء إلا أنها شعرت بارتباكها اللحظي ثم عودتها إليها بروح جديدة تبرق عقب ترك أخيها جانبهما..
"بماذا أخبركِ وجعل الدماء تدب في أوردتكِ من جديد خلال ثوانٍ؟ قولي كل شيء حالاً!" همست شيماء بلهجة متسارعة..
إلا أن سَبنتي همست ببرود: "لا يخصكِ.. هل سألتكِ عن ما يجري بينكِ وزوجكِ وجعلكِ بكل هذه الوقاحة؟!"
كانتا تتحركان نحو النخيل الواسع عندما تأبطت شيماء ذراع سَبنتي واتكأت عليها في مشيتها وهي تقول بخبث: "اسألي ولن أبخل عليكِ بأي نصيحة, خاصةً أنكِ كنتِ مشجعتي الأولى.."
شددت سَبنتي على ذراعها بينما كان ذهنها شارداً في تأمل تلك الباربي كما وصفها إياب.. والتي كانت تجلس الآن بجانب الخالة هناء بملامح مغلقة تنحة ومن الواضح أن هناء تؤنبها وبشدة..
"لم أشجعكِ, ولكن كما قلتِ أنتِ سابقاً دائماً ما كنت أنا الحمقاء المجازفة ..بينما أنتِ تتبعين تهوري لا أكثر"
عضت شيماء على شفتها السفلى بخجل غير منتبهة لتشتت سَبنتي نحو أدلين.. وهي تقول: "هذه المرة كانت أجمل تهور اتبعكِ فيه"
تنهدت سَبنتي وهي تعود إليها بتركيزها ثم قالت: "أخبرتكِ أني لا أنجذب لهذا الأمر, لذا لا أريد أن أسمع مغامراتك نهائياً"
إلا أن شيماء لم تكن مجرد شابة فرحة بأيام زواجها الأولى.. بل صديقة عمر عندما أوقفتها وهي تديرها نحوها ثم قالت من بين أسنانها: "عليكِ أن تنجذبي، ليس عادلاً أن يحارب هو وحده.. أين دوركِ أنتِ؟"
أخذت سَبنتي نفساً طويلاً وهي تقول بصبر: "شيماء هل شكوت إليكِ.. أم اشتكى أخوكِ؟ مع العلم أني أثق أنه لن يفعل يوماً إن كنا نمر بمشكلة.."
قالت شيماء ببساطة شديدة: "قد أكون عمياء البصر.. إلا أن بصيرة قلبي حادة.. أنتِ لأول مرة اخترتِ الاحتفاظ بالأسرار عني.. ولم أعتابكِ ولن أفعل ..ولكن هذا أيضاً لن يمنعني من التدخل"
همست سَبنتي: "نحن بخير.. شوشو أنا لم أداري عنكِ متعمدة"
قالت شيماء بخفوت: "أنتِ تكذبين عليّ.. أستطيع لمس نبضكِ المتسارع"
هزت رأسها بنفي لم تره شيماء طبعاً إلا أن سَبنتي أمسكت كفها لتضعه على معصمها ثم همست من جديد: "اكتشفيه جيداً إذاً وأنا أعيده عليكِ ببطء، أنا وهو بخير كما لم نكن منذ وقت طويل.. ربما لسنا مثلكِ وزوجكِ، ولكنه يحاول من أجلي، وأنا أحارب قيودي للتحرر والوصول إليه"
تنهدت شيماء بقلب مثقل ثم قالت: "علّه يكون سريعاً ..أنا لا أنفك أفكر فيكِ ليل نهار.. متى يرتاح فؤادي نحوكِ؟"
ضحكت سَبنتي برقة.. قبل أن تأخذ منها حضناً سريعاً ثم ابتعدت وهي تهمس بتآمر شقي: "دعينا من سيرة لا تأتي إلا بالشجن، وكوني صديقة جيدة واجعليني أقترب من عمكِ.. يجذبني منذ الصباح ما يفعله ولكن أخجل من الانضمام إليه"
ادعت شيماء الدهشة: "أنتِ والخجل.. يا إلهي لقد حدثت المعجزة أخيراً.. أحمدك يا رب"
خبطت كتفها وهي تقول ضاحكة: "غليظة، وأصبحتِ ثقيلة دم مثل زوجكِ"
تأبطت شيماء ذراعها مرة أخرى وهي تقول: "هيا أرشديني لمكان عمي.. حتى أعرفكِ عليه قبل أن يجهز الغداء, سيعجبكِ جداً الحوار معه أعدكِ.. اممم وذكريني أن أخبركِ بشيء هام.. فضيحة مدوية سوف تجعلكِ تشمتين بزوجي حبيبي"
هتفت سَبنتي بحماس: "قوليها الآن.."
ضغطت شيماء على كفها ثم قالت بخبث: "اصبري كل شيء بأوانه ثم إننا الصغيرتين المهذبتين لن نتفوه بكلمة.. هناك اسم في رأسي سيذيع الخبر دون أن يشار لنا بأي اتهام"
******
فور أن شعر جوشوا بالفتاتين المقتربتين من مكانه ..قال بود وهو يضبط عدسة منظاره الضخم الذي بلغ أربعة أقدام على الأقل: "تعاليا يا جميلات، وأخيراً تبرع أحد بمشاركتي.."
كانت شيماء تتجه سريعاً نحو صوت والد زوجها تندس تحت ذراعه التي فتحت لها بأبوية ثم هتفت: "هل ستريني ما تراه كالمرة الماضية؟"
ربت جوشوا على كتفيها ثم قال بهدوء: "بالطبع حبيبتي، لقد أتيت بأدواتكِ الخاصة معي, لم أنسكِ"
صفقت شيماء بحماس ..بل وعرضت عليه المساعدة وبدا أنها تفهم تمامًا ما تفعله عندما أرشد يديها نحو أرجل ثلاثية وطلب منها أن تفك الأسلاك عن بعضها..
كانت سبَنتي تحدق فيهما بشعور مختلط ما بين العجب لحماس صديقتها الجديد بل وتعاطيها معه بكل جوارحها، وكأنها تنتمي إليه منذ زمن بعيد حد أنها لم تنزعج لإشارته بأنه خصص لها أشياء يسهل عليها لمسها لتعرف ما يراه.. وبين الشعور بالامتنان لعائلة نزار التي غيرت من شيماء تماماً وفي وقت قياسي وأخرجت شخصيتها الحقيقية التي توارت طويلاً في قفصها الذهبي الذي فرضه حولها الجميع خوفاً عليها وعدم ثقة أنها تستطيع أن تكون شخصاً طبيعياً مستقلاً بذاته, قوية الشخصية لا تحتاج دائماً لأشخاص يحرسونها خوفاً من أن يطالها أذى البشر.
لطالما عرفت أن هشاشة شيماء مجرد خدعة فرضت عليها من ياسر الراوي قبل الجميع ..ربما هي لا تلومه لخوفه على صغيرته إلا أنها تجلده بشدة حتى وهو في قبره لأنه فشل فشلاً ذريعاً معهم جميعاً ..وهنا تقصد أولاده وفقط ..إذ أنه كما أوضح لم يضعها على قائمة اهتماماته يوماً.. هل يجب عليها أن تشعر بهذا الكم من البغض والقرف نحو الأموات؟!
:-"سَبنتي ..اسمكِ سَبنتي زوجة خالد صحيح؟!"
قاطع أفكارها من جديد صوت جوشوا المتزن.. ورغم تحديقه فيها باهتمام ..إلا أن يداه لم تتوقف لحظة عن ضبط زاوية التلسكوب..
هزت رأسها بالإيجاب سريعاً.. وهي تمنحه ابتسامة مشوبة بالارتباك..
قال جوشوا وجبينه ينعقد مركزاً فيما يفعل: "أنا أذكركِ جيداً.."
قالت بخفوت: "بالطبع ،فأنا أحل على شوشو ضيفة كل يومين تقريباً.."
قال جوشوا بلهجة طبيعية: "لم أعني هذا ..بل أقصد رأيتكِ مرة بالماضي صدفة وأنا أزور أخيكِ ..لا أعتقد أنكِ تذكريني، هذا كان قبل سفركما للخارج.. عندما عاد نزار معي لموطنه.."
انتصب جوش أخيراً ينظر إليها بتركيز ثم قال بصراحته ووضوحه: "لم تختلفي كثيراً, نفس نظرة التوهان ما زالت تسكن عينيكِ.. بالمناسبة لون عينيكِ ليس مميزاً في اختلافه بل في فضح دواخلكِ كمرآة نفسكِ"
ارتبكت سَبنتي بشدة ليس لتذكرها ما يقوله بالأساس.. ولكن من جرأة الرجل.. ووصفه المقلق!
وكأنه قرأ ما يدور في خلدها عندما قال موضحاً: "ربما لا تذكريني، لم نتعرف حينها فقد كنت مشغولاً مع أخيك في مساعدتي بمشكلةٍ ما ..وفور ظهوركِ أسرع هو لاصطحابكِ بعيداً"
رباه هل يتحدث عن تلك الفترة المريعة التي كانت تغيب فيها عن الواقع تقريبًا وتتجول في أرجاء المنزل بلا هدف؟
تدخلت شيماء وهي تقول بخفوت: "عماه ..سَبنتي لا تحبذ الكلمات الصريحة عن عينيها أو.. أو عن تلك الفترة"
للحظات كان ينظر إليها من تحت جفونه النصف مغلقة قبل أن يقول بهدوء: "آسف إذاً إن كنت أزعجتكِ"
قالت بخفوت متوتر: "لم أنزعج ..لا عليك انسى الأمر"
قال جوشوا بمرح مشاكس: "إن كان الأمر هكذا.. دعيني أبدي إعجابي إذاً بطفرتكِ الجينية.."
أخفضت سَبنتي وجهها ووجدت نفسها تضحك ضحكة صغيرة متحيرة في رد الفعل المناسب مع هذا العم الجريء جداً ..إلا أنها لم تنزعج ولم تشعر بأي إحساس سلبي تجاهه فمن الواضح أنه لم يعني الغزل.. إلا أن شيماء هتفت معترضة: "عمي.. هذه ممنوعة اللمس أو الاقتراب أو النظر إن أردت أن نخرج من هنا سالمين.. أخي مجنون قليلاً.. اممم كما أني بصراحة أخاف عليك من رد فعل خالتي"
ارتسمت ابتسامة زهو وفخر على وجه جوشوا وانتفخ صدره وهو يقول: "هل تظنين أنها ستغار لمغازلتي شابة وتقوم بافتعال فضيحة هنا؟"
قالت شيماء ببراءة: "لا بالطبع خالتي أعقل من هذا ..بل ستنتظر حتى عودتنا ..ثم ستستخدم ساطور وأكياس.. تعلم عيد الأضحى اقترب ونحتاج لمخزون من اللحم"
انفجرت سَبنتي في الضحك.. بينما عقد جوشوا حاجبيه بارتياب وهو يحاول فهم المعنى الذي وصل إليه أخيراً عندما هتف: "يا الله كم أنتن مجرمات"
نطقت سَبنتي أخيراً: "نصيحة مني لا تحاول أبداً إثارة غيرة امرأة بهذا الجانب فلن تتحمل العواقب"
قال جوشوا: "لا تحاولن فهناء طيبة.. أنتِ من الواضح ذات فكر متطرف"
قالت شيماء بخبث: "إذاً لا تلم إلا نفسك, جرب إن كنت مستعد للمغامرة.. وتحمل النتائج"
قال جوشوا بنبرة حملت فكرة في صوته: "ولماذا المغامرة خاصةً في هذه المرحلة لا نحتاج لتوترها صحيح؟"
قالت شيماء سريعاً: "طبعاً ..طبعاً عمي والأهم كما نبهت علينا أن نحافظ على السر.. انتبه عماه إياك وإفشائه.."
كانت فرحة غريبة تخط ملامح الرجل ..ملامح رجل فخور سعيد وقد نال لتوه أعز مكافأة قد تمنحها الدنيا له.. عندما قال: "مستحيل، لن أسمح لمخلوق بإزعاج حبيبتي الجميلة.. عينايّ وقلبي يحرسونها"
كتمت شيماء ضحكة تعرف سَبنتي جيداً فحواها وهي تميل بوجهها بعيداً عن المسكين الذي يثق بها..
ثم سمعته يخاطبها من جديد وهو يقول باهتمام: "هل تريدين مشاركة شيماء؟"
هزت رأسها سريعاً بنعم وهي تقول بحماس: "منذ الصباح يجذبني الأمر إلا أني خشيت إزعاجك"
قال جوش بنبرة هادئة: "لا إزعاج, أنا أحب رفقة الفتيات.. إذ أنهن أكثر ذكاءً وطلباً للمعرفة والفهم.."
نبهته شيماء: "عمي!"
صحح جوشوا سريعاً: "أعني أحب رفقة الطالبات ..هل تعلمين أن هناء كانت طالبة عندي؟"
خبطت شيماء على جبهتها بعنف ..بينما ضحكت سَبنتي من جديد وهي تخفض رأسها حرجاً: "عماه لقد جعلت الأمر بشعاً الآن, ليتك ما صححته"
قال جوش بنزق: "اسمعي أنا مللت من قواعدكم ..كلامي كله لا يحمل أي معاني سيئة"
قالت سَبنتي: "لا بأس.. أنا أتفهم جيداً"
أشار جوشوا نحوها وهو يخفض المرقب لرؤية مناسبة ثم أفسح الطريق وهو يقول: "تعالي إذاً وراقبي.. لا أعدكِ بالكثير في هذا الوقت من النهار ولكنكِ ستريت كوكب الزهرة بوضوح وبعض الأجرام السماوية"
اقتربت بحماس نحو ما أشار إليه ثم تتبعت شرحه وكأنه يرى ما تراه بالفعل رغم أنها من تراقب ..لن تنكر تخبطها في بداية الأمر وجهلها لهذه الأجسام اللامعة ..وبعض الأحزمة الملتهبة الغريبة..
قال جوشوا بنبرة مختلفة تماماً بدت لآخر غير الذي يتفاعل معهم عادة ..رجل مأخوذ بعلمه ويحلل بفهم: "هل رأيتِ بقايا المستعر الأعظم؟"
هزت رأسها نفياً دون أن تحرك عينيها, مشدوهة بما تراه, عاجزة حتى عن محاولة ترك هذا العالم رهيب المعاني، دقيق الترتيب.. كيف أنها لم تفكر ولو لمرة واحدة أن تكتشف هذا الجمال الصافي دون تلويث يد الإنسان؟؟
سمعت صوت جوش يقول: "هل تبصرين ألواناً زرقاء مستعرة بشظايا كلفحات أحزمة الشمس؟"
:-"نعم أرى هذا.. خلاب.. خلاب جداً.."
تهلل وجه جوشوا كما صوته وهو يقول دون انقطاع بحماس: "هذا هو المستعر الأعظم ..هذا حدث فلكي يحدث خلال المراحل التطورية الأخيرة لحياة نجم ضخم، حيث يحدث انفجار نجمي هائل يقذف فيه النجم بغلافه في الفضاء عند نهاية عمره، ويؤدي ذلك إلى تكون سحابة كروية حول النجم، وشديدة البريق من البلازما، وسرعان ما تنتشر طاقة الانفجار في الفضاء وتتحول إلى أجسام غير مرئية في غضون أسابيع أو أشهر، فإنه قد يتحول إلى ثقب أسود بدون أن ينفجر في صورة مستعر... هل ترين عظمة الخالق جل علاه ..سبحان الله ..كيف للإنسان أن يرى هذه الدقة في الصنع ..هذا النظام الكوني المتكامل ويشكك للحظة أنه مجرد نظام عبثي لم يصنعه الخالق؟"
لم تتحرك من مكانها رغم إجابتها بقنوط: "ربما لأنهم يتركون أنفسهم للشيطان يتلاعب بهم فيضلل عقولهم كما أفعالهم"
سمعت جوشوا يقول بهدوء: "العقول هي ما ترشد للأفعال وتتبع الأوامر لتنفيذها.. أما العقل دعينا نقول إنه ليس دائماً المتحكم في تصرفات الإنسان ..إذ أنه أحيانا يتتبع أهواء القلوب التي كثيراً ما تكون قد طمست بالضلال"
تحركت سَبنتي ببطء أخيراً تاركة التلسكوب.. ثم استدارت إليه كاملة وهي تسأل بحلق جاف: "كيف يجيد من لم يلد في الإسلام معانيه.. بينما من ولد فيه لم يروض شيطانه يوماً؟"
جلس جوشوا وهو يمسك يد شيماء لتجلس بجانبه ثم أشار لسبَنتي لتتبع جلستهما على الحشائش ..ثم أخرج شيء أشبه بصلصال ولكنه بدا مختلف القامة والخامة ..أخذ يشكله بين يديه في شيء أشبه بما رأته ..ثم قال أخيراً: "ومن أخبركِ أن المشكلة كانت في اتباع الديانة يوماً؟"
هزت سَبنتي رأسها بالنفي البطيء ثم قالت بخفوت: "لم أعني ما فهمته"
نظر إليها مبتسماً ثم قال: "اشرحي إذاً ما أردتِ قوله بدقة"
همست بضحكة متوترة: "ليتك رأيتني قبل هذا اليوم في منزل راشد لكنت حاورتك.. لكن أنا الآن في مرحلة لا أفهم حتى نفسي"
أومأ جوشوا برأسه عدة مرات ..قبل أن يضع ما صنعه بيد شيماء وأخذ في الشرح لها ببهجة.. حتى رفع نظراته إليها أخيراً وهو يقول: "أتعلمين، لقد كانت رحلتي طويلة، ولا أذكر ما السبب ولكنك ذكرتني بأحد المشككين حين كان يناطحني علمياً بنظرية الانفجار الكوني العظيم.. يومها أخذت أقنعه بالحجج والمنطق حتى غضبت.. وهذا ليس من عاداتي.. وأخذت أسأل الله وأعاتبه.. لماذا لم يخلقنا جميعاً مؤمنين من البداية؟ لماذا خلق الشر كما الخير؟ لماذا دائماً مرضى الأنفس هم من يفوزون؟"
سألته بتردد: "هل.. هل تشككت بعد الإيمان؟"
انحنى جوش برأسه ينظر إليها من قريب ثم سأل بحزم: "هل تفعلين أنتِ الآن؟"
نفت بقوة وبكل صدق وإيمان: "لا.. لا استغفر الله، الأمر فضول لا أكثر"
أخذ جوشوا نفساً عميقاً ثم قال بهدوء شديد: "احذري يا صغيرة, ليست كل الطرق قد ترضي فضولنا، يجب أن تمتلكي القوة اللازمة وتتسلحي بالإيمان المطلق وتضعي لنفسكِ حد عند وصولكِ إليه فتتراجعي سريعاً.."
أومأت موافقة دون جدال إلا أنها لم تستطع منع السؤال: "هل استسلمت؟ هل فاز عليك؟"
ابتسم ابتسامة وضاءة رائعة المعنى ثم قال: "هل مررتِ يوماً بتجربة مجيء الفرج وأنتِ على وشك اليأس؟"
عيناها الآن كانتا تشردان بعيداً ..بعيداً حتى وقوفه هناك.. همست: "نعم, أظن أني أعرفه.."
قال جوشوا متجنباً أن يشعرها بأنه يلاحظ: "كنت جديد الإيمان, ما زلت أحبو في طريقي ..وبينما أكمل قراءة من القرآن الكريم ..وجدت الآية المعنية كانت وكأنها رسالة لم ينتبه إليها عقلي أو يسجلها لسبب لا يعلمه إلا الله حينها ..ألا وهو منحي أنا اختبار للصبر وللإيمان رغم حجج ذاك المتشكك التي كانت وقتها من السهل أن تُعيديني للتخبط.."
صمت جوش قبل أن يجلي حنجرته متحدثاً بفصحى سليمة وقراءة واضحة ((أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كانتا رتقًا ففتقناها))
:-"هل عدت وأخبرته؟"
قال جوش بهدوء: "بالطبع فعلت ومنحته إعجازاً علمياً آخر وآخر من داخل القرآن الكريم"
سألت: "هل اقتنع؟"
ابتسم جوش ببطء وهو يقول: "لم يفعل"
سألت: "لماذا؟"
قال بهدوء وثقة: "لأنه ختم على قلبه بالضلال أبد العمر.. الكثير من الملحدين والمتشككين يكون في أيديهم كنز إن استغلوه وصلوا لقمة الإيمان ..إذ أنهم لا يتبعون الإيمان الأعمى.. يرفضون ما يولدون بداخله ..يقاومون نحو النجاة بالمعتقد بالإيمان بإخلاص.. لنظرية تجمعهم أو دين يحررهم من التخبط.. بعضهم ينجح في النهاية ..ومعظمهم يتيه عن الدرب ويظل مختوم البصر والبصيرة.."
همست بقهر: " ماذا عن أشخاص يرتكبون كل الآثام.. ثم ينتمون للدين اسماً.. ألا يجب أن يطبق عليهم حد الكفر؟"
همس جوش مستغفراً ..ثم قال بهدوء: "ليس لأن انسان ارتكب المعاصي وأغرقته شياطين نفسه بالإثم أن تحكمي عليه بالكفر.. هذه كلمة كبيرة ليس من حقكِ أن تحكمي على أحد بها"
صمت جوشوا أمام الحرقة الغريبة في عينيها ثم تابع: "الكافر من جهر بعدم إيمانه بالخالق.. بأي صورة وأي طريقة.. لكن الإنسان مهما بلغت ذنوبه لا يصنف بكافر ..بل عاصي"
هتفت بقنوط: "وهل تفرق؟ كما أشرت أنت لماذا خلق الشر؟ ولماذا وجدت شياطين؟"
صمت جوشوا بينما ارتفع رأس شيماء تنظر إليها بعاطفة شديدة وكأنها تراها ..تفهم ما تلتف حوله ..تشعر بمعاناة وحرب لا تنفك تهلك نفسها المسكينة.. حتى قطع جوشوا الصمت أخيراً وهو يقول بهدوء: "رب العباد خلق كل شيء متوازياً، إلا أنه بعظيم رحمته ولطفه لا يخلق الشر وأعني هنا الشر المطلق المخلوق لذاته ..ولكن دعينا نوضح المعنى أكثر"
همست بطاعة: "أسمعك"
أخذ جوش نفساً عميقاً وهو يقول بهدوء: "الله سبحانه عندما خلق الإنسان بذاته كان خير ..وأعطاه العقل والإرادة وعلمه كل الأشياء التي تؤهله للخلافة في الأرض وحمله الأمانة التي أشفقن السموات والأرض والجبال من أن يحملنها هذا كان خير.. وإلهام الإنسان نفسه التقوى أو الفجور كان خير ..وإرسال الرسل والكتب والمعجزات كان خير ..وحمله المسؤولية عن أفعاله الظاهرة والباطنة منها كان خير ..فإذا أتى بعد كل هذا وأبى واستكبر.. فهذا شر من صنع الإنسان ..شر جزئي ترتب على خير كلي عام مطلق.. وبناء عليه يستحق الإنسان العقوبة من رب العباد.."
كانت تفهم وتستوعب ..قلبها ينشرح براحة عجيبة إلا أنها هتفت بنبرة أشبه بخوار حيوان يتألم: "لماذا لا يعجل بأرواحهم إذاً أو بعقابهم في الأرض جزاءً لما فعلوا؟"
قال جوشوا بحزم: "لا تملكي حق لوم رب العباد ..هذا ليس من آداب التحدث مع الخالق.."
هتفت بغصة: "وجودهم قد يمنحهم وقت للتكفير لطلب العفو والمغفرة.."
قال جوش برقة: "وأنتِ لا تريدي منحهم هذا الحق؟"
همست: "من آذى ولم يدفع ثمن جريمته في الدنيا يجب أن يفعلها في الآخرة على الأقل"
نظر إليها جوشوا متعاطفاً مع الشابة الصغيرة التي من الواضح أنها تحمل أمراً فوق طاقتها متمنياً لو كان بيده شيء يفعله ليساعدها..
قال بالنهاية بصوت قوي: "الله من لطفه ورحمته بعباده الضعفاء في الدنيا يمنحهم حق عدم المغفرة، قد يغفر رب العباد الذنوب جميعاً إلا حق عبده إن لم يغفر هو لن ينال المذنب راحته أبداً من عاتق ذنبه"
رفعت كتفيها للأعلى وهي تمسح دمعة انهمرت ثم همست: "الحمد لله .. الله العدل، أنا لن أسامحهم"
سأل جوش بلطف: "هل يمكنني السؤال؟ من هم؟"
توترت شيماء وهي تقول: "سَبنتي أزعجنا عمي وشغلناه"
قال جوش بنبرة حزن لطيفة: "لم تفعلا.. دعيها تتكلم إن أرادت"
إلا أن سَبنتي ضمت ذراعيها إلى صدرها وكأن موجة برد اجتاحتها ثم همست بخفوت وهي تسرق نظراتها من جديد نحو خالد: "إنهم لا أحد, لا تشغل نفسك عمي"
كان شعور أكبر من جوش يتحكم فيه بهذه اللحظة دفعه للقول بتروي: "حسناً ولكن تذكري تصل القوة لمنتهاها عندما تجدين الحب وسط كل أوجاعكِ"
عضت على شفتها السفلى بقوة وتشدد كارهة السؤال البغيض الذي يحارب للخروج إلا أنه هزمها بالنهاية وهي تهمس: "ماذا إن كان هناك شعور يغلبك بأنك لا تستحق الحب من الأساس، بأنك مجرد ذرة غبار عبثية ليس لها قيمة أو معنى بالحياة ..فقط تجرح الأعين وتصيب القلوب بالجراح؟"
شعرت بيد شيماء تدعمها سريعاً وبذراعها يلتف حولها فرفعت إليها وجهاً شاحباً وكأنها مذهولة مما نطقت به لتوها أمام والد زوج رفيقتها..
إلا أن صوت جوش الثابت المتيقن منحها سكينة رهيبة وهو يقول: "إن كنتِ مؤمنة حقاً يجب أن ترضي عن نفسكِ ..أن تؤمني أنه حتى ذرة التراب خلقت لسبب.. أن تمتني لأنكِ خلقتِ من نفخة من روح الله ..بأنكِ خليفة الله في الأرض كما كل إنسان ..أنتِ لستِ شيئاً تافهاً أو كماً مهملاً"
ابتسمت في وجهه باهتزاز تحاول منع انتفاضتها للأعماق ثم همست بإنكار: "لم أعني نفسي.."
قال جوش بتفهم: "أياً كان من قصدته.. أخبريه بما قلته لكِ علّ كلمة طيبة تصلح من مرآة روحه"
أومأت ببطء..
قال جوش بهدوء: "أريد إخبارك شيء أخر.."
همست: "تفضل"
قال جوش بنبرة فاحت بعطر غريب داخل النفس (هل للأصوات عطور؟!).. "مهما كان الشر الذي طالكِ أو صديقتكِ تلك، فهو جزء من خير عظيم، لا تركزي على الصورة الصغيرة للمأساة ..كبري محيطها بشكل أكبر وقفي أمامها.. انظري لأبعادها ستلمسين الخير المحيط بنسبة الشر الذي طالكِ"
قالت بتعجب: "وهل للشر محيط خير عماه؟"
قال جوشوا بهدوء: "إن الله عدل يا سَبنتي ،لا يديم الضيق بل دائماً هناك مخرج ..ولا يرضى بالظلم والألم، فالحياة تتأرجح بين هذا وذاك يا صغيرة حتى تتوازن بصورتها البشرية لا الخير دائم، ولا الشر سيطول ..كل شيء خلق بمقدار كتعاقب الليل والنهار"
زفرت بنفس مبهور عاجزة عن الرد..
قال جوشوا أخيراً بنبرة ماكرة: "في نزاع البقاء كل فرد يمكنه أن يكون حليفكِ وكل واحد يمكنه أن يكون عدوكِ, فأحسني اختيار عدوكِ"
لم تفهم تحديداً سر قوله هذا إلا أنها همست: "تعني حليفي؟"
هز جوش رأسه نفياً بابتسامة رائعة المعنى ثم قال بهدوء شديد: "لا بل عنيت عدوكِ.. وأنتِ عدوكِ نفسكِ، فاحذريها وأفهميها وطوَّعِيها لتقف بجانبكِ ..عذراً صغيرتي لقد أخبرتكِ عيناكِ مرآة تفضح معاناتكِ"
ارتجفت سَبنتي من جديد وهي تقف سريعاً تتركهما ..إلا أنها نظرت لشيماء من وراء كتفها وهي تقول بمزاح مضطرب: "لقد قلتِ أنه بروفيسور في فيزياء الفلك.. لم تخبريني أنه قارئ طالع!"
انصرفت سَبنتي سريعاً من أمامهما بينما بقيت شيماء مكانها تطرق بوجهها وشعور رهيب بالذنب يتلبسها..
"لقد ضغطت عليها كثيراً.." همست أخيراً
تنهد جوش وهو يقول بهدوء: "كان على أحدكم أن يفعل"
همست شوشو بألم: "ومن أخبرك أننا لا نفعل؟"
سأل جوشوا بحذر: "هل ستخبرينني ما بها؟!"
هزت شيماء رأسها بقوة ..ثم قالت بهدوء: "لا أملك هذا الحق يا عمي، ليتني أفعل إلا أن سَبنتي ليست ابنة عمي وزوجة أخي فقط.. بل هي روحي.. روحي دون أي مبالغة مني, لا أستطيع خيانتها, ليس هي من بين كل البشر حتى وإن كنت أدرك الآن أنك قد تستطيع مساعدتها, هل تفهمني؟"
ربت جوشوا على رأسها بحنان ثم قال: "أفهمكِ.. ولهذا أريد إخباركِ بأن لا تخافي عليها ..فالمحطمون هم الأكثر إصلاحاً دائماً"
همست بحسرة: "محطمون!!"
******
دخلت سَبنتي حجرة كانت وضعت فيها حقيبتها وخالد.. كانت مضطربة بقوة.. تذرع الغرفة ذهاباً وإياباً بغير هدى.. تنتظره هو كما طلبت منه عبر رسالة قصيرة جداً ..رسالة لم ترسلها إليه منذ زمن طويل تمنت عبره كل لحظة تمر أن تمتلك الشجاعة وتفعلها.. وها هي ملكتها اليوم..
لم تستطع تحديد ما يغرقها في هذه اللحظة من مشاعر إلا أنها كانت تعرف شيئاً واحداً فقط ((أحتاجك))
أمسكت جانبي رأسها بكفيها وهي تهمس بألم: "لماذا تأخر؟ لماذا يأتي دائماً بعد ذهاب شجاعتي وبعد أن تتبدد حاجتي إليه؟"
نظرت لهاتفها من جديد وهي تشعر بالحرج من نفسها إذ أن رسالتها لم يمر عليها حتى خمس دقائق ..ولكن ما بال الثواني في انتظاره تمر كعمر؟
فتح خالد الباب أخيراً مما رحمها من هواجسها ثم أغلقه خلفه وهو يسألها بقلق: "هل أنتِ بخير؟"
فتحت فمها تأخذ نفساً طويلاً بينما تحاول نصب قدها في اتجاهه باضطراب أكثر ..حتى نطقت أخيراً بنبرة أشبه للتوسل أن يفهم دون شرح: "كنت سآتي إليك فور أن فرغت من حديثي مع هذا الرجل"
قاطعها باندفاع وهو يقول بغضب: "هل أزعجكِ؟ أنا بالأصل لم أحب جلوسكِ معه لولا السيد راشد الذي منعني من أن..."
قاطعته بعصبية مفرطة: "لم يزعجني.. افهم.. اسمع.."
صمتت وهي تهز رأسها بيأس وألم قبل أن تندفع إليه كالطلقة، وتتعلق بصدره وهي تهتف باختناق خشن: "تباً لك.. تباً لماذا تفسد لحظاتي دائماً؟ احتضني فقط"
انتفض قلب خالد بين أضلعه وهو ينظر إلى عينيها المتوسعتين برقرقة دموع لامعة وكأنه لا يصدق ما طلبته..
إلا أنها عادت تهمس بصوت خافت مرتجفاً بالألم قليلاً: "هل ستدعني أتوسلها؟"
ضحك ضحكة حارقة همجية قبل أن تشعر بيديه تجرفانها من أرضها.. يرفعها إليه بقوة.. يدفنها في صدره.. كلها معلقة هناك بين ذراعيه التي التفت تحت ذراعيها وأحكمت على ظهرها ..هاتفاً بنبرة حمقاء: "تباً لي.. تباً لي حقًا كيف لم أفعلها فور أن رأيتكِ؟!"
بينما ما زالت ترتجف ..ترتجف بعنف ماحياً منه الاضطراب وبقيت حلاوة الوصال، معنى أن تحتاجه أخيراً فتجده دون أشباح تهاجمها..
دفن رأسها تحت رأسه، يده تصعد وتهبط على ظهرها يقربها إليه أكثر وأكثر ..بينما هي تهمس من بين كتفه ورأسه: "ضمني.. ضمني بقوة يا خالد ولا تفلتني أرجوك.. أرجوك"
قال بصوت أجش عميق بنبرة أذابت عظامها: "أنتِ تقتلينني بكل حالاتكِ يا عبثية"
ارتاحت يداها على ظهره برضا.. تضمه إليها كما يضمها إليه وإن تضاعفت قوته لحد أن شعرت معه بتحطم لذيذ بأضلعها داخل صدره.. همست بصوت معذب: "هذا جيد.. تحققت بعض العدالة سريعاً، كما قتلتني طويلاً"
رفع رأسها لتواجه عينيه دون أن يحررها من حضنه القاسي ثم قال بصوتِ حاني معنفاً برقة: "هل تريدين موتي؟"
نفت ببطء وهي تقول بصوت متحشرج ساخن: "أريدك.. أريدك أن تحبني.. فقط أحبني كما أنا.."
صوته الآن كما عيناه كان يلفحها لفحاً بخيوط من حرير حادة تجرح وتترك في الجسد قشعريرة تجعل القلب يدق بلوعته وغرامه: "أحبكِ.. أحبكِ وجداً.. بكل حماقاتكِ، لا تحتاجي لطلب ما هو ملككِ بالفعل.. إن لم أحبكِ أنتِ فمن يستحق الحب غيركِ؟"
ابتسمت أخيراً وهي تغص من بين دموعها ثم عادت بنعومة واستسلام تحشر رأسها بين كتفه وذراعه ونبض قلبه تطوقه كما يطوقها في حضن آخر لِيُسَكِّن كل الأوجاع...
***********

يتبع.....

ru'a and كريم الشيخ like this.

Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 01-02-21, 07:11 PM   #7658

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile25

الفصل السابع والخمسون (المشاركة 4)


فرش نزار مقابل مالك الذي وصل بصحبة مدحت وإيهاب منذ قليل.. مفرشاً قطنياً ضخماً من اللون الأحمر الداكن والأبيض.. بطول البقعة التي كان عمل عليها خالد بنفسه ليغطيها بأشجار الزينة وتكعيبات العنب بشكل هندسي يخطف الأنفاس..
بينما تولت شذى ترتيب المائدة التي رص عليها أنواع الطعام ..وفتحت أدوات المائدة والأطباق المخصصة للكبار، وأخرى برسوم كرتونية للصغار.. حتى يخدم كل واحد نفسه وأخذ القدر الذي يريده..
كانت هناء تساعد نوة في نثر الوسائد الضخمة داكنة اللون المخصصة للحديقة والتي ناولتهم إياها ابنتيها وابنة أختها..
بينما كان كالعادة رويد يتحجج بحراسة إياب وإياس الذين يشاهدون إسطبل الخيول من وراء السور الأبيض.. إلا أنهم كانوا يتهامسون ضاحكين عارفين أن الفتى يستغل جهل مريم وإيهاب واختفاء خاله، ليشاكس حلوى القطن خاصتهم..
أما الأميرة أدلين فقد جلست بمحاذاة راشد على مقعد مرتفع تضع ساق فوق أخرى توزع عليهم نظرات متعالية وابتسامات سمجة..
"أريد أن أخنقها" همست نوة بغيظ لهناء
تنهدت هناء بكبت ثم همست مثلها: "ومن سمعتكِ، إلا أنها اليوم لا تلام وحدها.. دعينا نكون صريحتين"
قالت نوة بخفوت وعيناها تحيد نحو بدور التي تساعد والدتها في جلب العصائر ومنحها لشذى: "أنا لا أفهم, ظننت أنهما في طريقهما للعودة، وأن كل ما يدور حوله مجرد شائعات كالعادة ..لقد بات في غرفتها ماذا بقي بعدها؟ تباً له"
صمتت هناء لبرهة متفكرة قبل أن تقول بإرهاق: "هذا ليس السؤال الصحيح لطرحه.. بل ما أسبابه لجلبها إلى هنا علانية؟"
زمت نوة شفتيها بقوة قبل أن تقول بتهور النساء: "لأنه وغد, نذل.. وماذا غير هذا؟ من الواضح أن السيد ملّ سريعاً وبحث عن من ترضي ذكوريته العفنة"
اعتدلت هناء تضع يدها على ظهرها تشعر ببعض الألم الطفيف المتوقع.. رغم قولها المتزن الواضح: "لا هو ليس كذلك ..دعينا نكون عادلتين, من هذا الرجل الذي ينتظر امرأة تمنحه مرة وراء أخرى الرفض القاطع بعودتها إليه لعشر سنوات وما يزيد الآن ..وضعي في اعتبارك مركز ابن عمكِ وكل المغريات التي حوله نعرفها جيداً، والأميرة أخت زوجي أكبر مثال على هذا"
شحب وجه نوة قليلاً وهي تهمس: "هل تظنين أنه ملّ فعلاً؟ يا ربي.. لن تتحمل بدور ألماً آخر.. قد تنهار"
ابتسمت هناء وهي تلقي نظرة سريعاً نحو وجه بدور الضاحك وهي تحمل ابنها على ذراعها وتطعمه ‏خلسة بمناغشة ثم قالت برقة وثقة: "لا أظنها ستفعل ..لديها من يعينها على الحياة الآن واستغنت به عن جنس الرجال، إن افترضنا الأسوأ وفعلها ستتألم قليلاً ثم ستتعلم أن تواصل حياتها"
قالت نوة بنبرة اختنقت: "التلميح بالألم لها مرة أخرى وحده يقتلني عليها"
قالت هناء متنهدة: "أنا أفترض الأسوأ ولا أجزم.. بدور امرأة تعلمت جيداً كيف ترمم نفسها، تتغلب على كل مصاعبها وتتخلص من كل عقدها، فهمت الطريق لبناء نفسها من جديد دون مساعدة رجل"
صمتت هناء لبرهة تلتقط أنفاساً مرهقة ثم تابعت بخفوت مؤكدة: "لذا ربما ستعاني ألم القلب قليلاً إلا أنها لن تنهار يا نوة.. كما أني أثق بأنه لن ينجر لفخ أدلين، ليس لمعرفتي به أو معزة أكنها نحوه ..ولكن لأني أعرف أدلين جيداً وليست هي أبداً من قد تكسب رجل كابن عمكِ زوجاً"
أومأت نوة بأمل ..ثم قالت سريعاً بقلق: "هل أنتِ بخير؟ تبدين متعبة اليوم على غير العادة!"
توترت هناء كثيراً وهي تشيح بعيداً بوجه متخاذل ثم همست: "بخير.. اليوم مرهق ليس إلا وكنت أحتاج للبقاء في الفراش"
فتحت نوة فمها تنوى إخبارها أن ترتاح وستكمل هي والصغيرات الباقي من توزيع الوسائد ...إلا أنها توقفت وهي ترفع طرف فمها باستنكار ووجها ينخفض بتعجب ...عندما رأت جوشوا يندفع نحوها رامياً جهاز عالي التقنية غالي الثمن من يده.. ثم احتضنها دون أي خجل وهو يقول بصوت أجش: "حبيبتي لماذا تتعبين نفسكِ؟ أخبرتكِ أن لا تتحركي من مكانكِ, هذا ليس جيداً لكِ في هذه المرحلة"
تجمدت هناء لبرهة وعيناها تتوسعان لآخرهما ووجهها كله يتلون بالحرج ..أبعدت كفيه اللذين حاوطا خصرها ..وهي تهمس من بين أسنانها بنفس مرتجف: "أنا بخير، تماسك أنت, لقد وعدت لا تنسى، إن لم ترد أن تغضبني حقاً فلا تبالغ"
إلا أن جوشوا نظر إليها بعبث وهو يقول مغازلاً: "إن لم أبالغ بالاهتمام بملكتي الجميلة وأم أميرتي الصغيرة, لمن سأفعل إذاً؟"
فغر فم نوة ببلاهة مضحكة مبينة صف أسنانها العلوي وهي تنظر إليهما بحاجبين مرفوعين وعينين متوسعتين بفضول النساء ..وابتسامة خرقاء كللت ملامحها بالإدراك في الحال..
شهقت هناء بارتياع وهي تلتفت لنوة قائلة بهلع: "يقصد شيماء ..شيماء ورأس نزار الغالي هي المعنية فهو يعدها أميرة بيتنا"
ضحكت نوة بطريقة خرقاء للغاية تثير الضحك وهي تقول: "طبعاً.. طبعاً يا طنط هناء ورأس نزار أصدقكِ"
ولكن هناء الهلعة أدركت أنها لم تقتنع بالأساس ..فتحت فمها تنوي قول أي شيء يزيح عنها هذا الحرج المريع, إلا أن نوة لم تمنحها الفرصة وهي تندفع نحو شيماء بسرعة كاسحة, ثم خطفت يدها وتوجهت نحو شذى وبدور ونادت مريم لتنضم لخماسي النميمة الطاحنة..
لطمت هناء خدها وهي تهمس: "يا ويلي ..منك لله يا ابن ڤيڤيان لقد ضاعت هيبتي، الله يرحمني بعد معرفتهن"
إلا أن جوشوا لم يهتم وهو يعيد إمساكها برقة ثم قال بصوته الدافئ: "اجلسي ولا تهتمي لأحد.. دعي العالم أجمع يعلم أن حبيبتي تحمل لي معجزة صغيرة"
جلست هناء بإحباط تريح ظهرها على الوسائد وأمسكت رأسها بكفيها وهي تنوح متحركة يميناً ويساراً: "يا ويلي ..يا فضيحتكِ يا هناء.. يا حسرتك يا نزار.. سيجعلون منا تسليتهم"
*****
وضعت شذى يدها على فمها سريعاً تكتم ضحكة ذهول وهي تهمس: "تكذبين!"
قالت نوة بتآمر وهي تهمس مسترقة النظرات حولها حتى لا يسمعهن أحد الرجال: "أحلق شعري كله، وأحرقه في ميدان التحرير إن لم تكن حاملاً"
نظرت إليها بدور بتقزز ثم همست: "ما هذا القرف.. ستكون رائحته بشعة.. لماذا تؤذين البشر؟"
ضربتها نوة بنزق على ذراعها وهي تقول: "اخرسي أنتِ يا متبلدة ..ودعينا نأخذ اعترافاً هذه الخائنة"
شعرت شيماء بثلاثة رؤوس تدفس أمام وجهها لذا تراجعت حتى أمسكت في كتف بدور وهي تهمس: "بدور احميني من المجذوبات أرجوكِ"
كتفت بدور ذراعيها على صدرها ومدت ساق واحدة تهزها أمامها بتحدي وهي تقول: "فلتأتين بآخر ما عندهن، وترينني كيف ستأخذن منكِ معلومة لا تريدي منحها"
هتفت مريم معترضة مهددة: "ابتعدي يا بدور من الأفضل لكِ إن كنتِ قوية، فلا تعرفي ما الذي قد يصدر عن امرأة حامل تدفعها الهرمونات للتفكير بقتل أحدهم"
رفعت بدور وجهاً متعجرفاً متحدياً.. ثم قالت: "جربي إذاً سيدة حامل"
اقتربت منهن منى بقلق وهي تقول: "لماذا تتشاجرن يا مصائبي"
قالت شذى: "نوة عرفت أمراً مثيراً، وشيماء هانم عندها الخبر اليقين لنتأكد إلا أن بدور تمنعنا من الوصول إليها"
هتفت شيماء بغلظة: "تردن إفشاء سر عائلتي يا أمي.. وهذا لن يحدث إلا على جثتي"
التفتت بدور تنظر إليها بحاجب مترفع ثم قالت بنبرة هادئة للغاية: "لم يكن سر حياتكِ عندما أخبرتني بحمل حماتكِ منذ قليل!"
انطلق صوت الثلاث نساء بلهفة مجنونة ما بين عتاب وبين فضول.. إذ قالت نوة: "حامل إذاً"
بينما هتفت شذى: "يا إلهي.. كيف فعلها هل؟ ما زال يستطيع الإنتاج هذا الرجل؟"
بينما هتفت مريم: "خائنات تعرفن ولم تخبرنني.. مهلاً يا بدور، ويا ست هناء"
لطمت شيماء وجهها وهي تقول بنبرة شابهت عصفوراً مبلولاً: "هل هذا السر الذي أمنتكِ عليه يا بدور ..حرام عليكِ"
هزت بدور كتفيها بلا معنى ثم قالت: "لقد أخرجته لأغيظ زوجكِ بالأساس، فلا أسرار هنا.. ثم اعتبريه انتقاماً صغيراً منكِ وهناء شخصياً، لما فعلتماه بي تلك الليلة"
كورت شيماء فمها بإحباط وهي تقول باختناق معترضة: "سَبنتي هي من أفشت السر بالمقام الأول ..ما ذنبي؟"
خبطت نوة على يديها وهي تقول بذهول: "هناء حامل ..يا خيبتكِ أنتِ وأخيكِ.. فلم يفعلها أحدكما.."
أمسكت منى بذراع شيماء بتشدد ثم همست بقوة: "لنا حديث عن رعونتكِ هذه، ألم تخبركِ أن لا تنطقي بحرف لفرقة الإعدام هذه؟"
شوحت مريم وهي تقول : "مرحى وأنتِ أيضاً تعلمين.. خيانة يا بنات.. الجميع يتعامل معنا بعنصرية ..ولكن مهلاً سننتقم منهن"
استحسنت نوة الفكرة بالطبع.. كما شذى إلا أن منى توحشت ملامحها وهي تقول بصرامة أمومية: "أقسم إن أحرجتها إحداكن بحرف يا معتوهات، لتواجهني شخصياً"
ظهر على وجوههن عدم الرضا.. إلا أنهن أومأن باستسلام بغيض مطيعات.. ولكن بنات أبيهن مؤكد لديهن سبل أخرى للتسلي دون الإفصاح بالكلمات..
*****
وحان جلوس الجميع أخيراً متراصين في جو عائلي مشبع بالدفء والتآلف.. يسوده الجوع للحب والتماسك.. كل واحد منهم يداري في القلب أمنية موحشة بمحو لقب بيت الأشباح من عائلتهم يستبدلونه بالترابط في عصب واحد مهما تفرقت الخطوات وتباعدوا إلا أن انتمائهم سيظل لبعضهم أبد الدهر..
نقلت منى نظراتها بقلب يدمع بين أولادها وقد جلست كل واحدة منهن بجوار زوجها.. نوة كانت تجلس بجانب مدحت الذي تراه لأول مرة يتخلى عن الرسميات.. وقد اندمج بعد شهور من تجمعهم هذا بين أفراد العائلة حد أنه عاد بين الحين والآخر ليشاغب أخواتها بالكلمات ...بينما جلست كلتا ابنتيهما أمامهما في ترتيب أول ..مع باقي الأطفال أمام شاشة عرض ضخمة أخذت حجم السور كله..
كانت شذى تجلس بعدها قليلاً تميل بطبيعية على ذراع مالك يتهامسان بشيء سري كان يدفعها للاحمرار والضحك دون تحفظ..
بينما كانت شيماء تسكن بخجل على صدر نزار الذي يلقهما الطعام في فمها مستمراً في حديث جانبي..
تنهدت منى بألم وهي تسبل أهدابها عندما لمحت جلسة بدور بآخر الصف وحيدة تنصب ظهرها بكبرياء لم يتزلزل.. ولكن ماذا عن القلب العاصي يا ابنة أمكِ؟ لا هو ارتاح وتحرر.. ولا هو استسلم لحكمك الأبدي بعطبه..
رمشت منى بعينيها متمتمة باستغفار وهي تشعر لأول مرة بحياتها بالحقد والبغض نحو إنسان والذي تمثل في راشد الذي أتى الآن يجفف يديه وعنقه بمنشفة قطنية وقد عاد من إسطبل الخيول بعد أن ذهب إليه وحيداً ثم توجه نحو أدلين التي كانت تجلس على مقعد معتذرة بأنها لا تستسيغ جلوس الأرض..
"هل أنتِ مرتاحة؟" سألها بهدوء
أجابته بسعادة متألقة: "بالطبع، والطعام لذيذ، هل ترغب بأن أجلب لك طبقاً مشابهاً؟"
اعتدل راشد من انحنائه نحوها ثم قال بلطف: "أحب انتقاء أشيائي الخاصة بنفسي.. لا أحبذ فرضها عليَّ"
أطلقت أدي نفساً مرتجفاً تنظر إليه بحيرة, هل عليها أن تأخذ كل كلمة ينطقها على سبيل التحليل وبمغزى آخر؟!
تحرك راشد من جديد نحو المائدة يلتقط بعض الطعام.. ثم عاد وبمنتهى السلاسة والهدوء البحت ..أخذ مكاناً جانب بدور محتلاً آخر الصف الطولي.. إلا أن منى تحركت أخيراً بتأني ..لتقف أمامه قبل أن تفتح بدور فمها بكلمة فقط كانا حاجبيها يرتفعان بتعجب من اختياره مجاورتها..
"بعد إذنك يا راشد، أريد الجلوس بجانبها ..وأنتَ اذهب لضيفتك فهي تبدو على أعصابها في انتظارك"
رفع راشد وجهه بصمت بينما ينظر إليها من جلسته أرضاً والتي لم يرتاح بها بعد, فكفه معلق على المسند بينما ركبتيه ما زالتا تنضمان في وضع الاستعداد للجلوس..
:-"هنا مكاني يا زوجة عمي، بالأصل التجمع من أجل أن أكون أنا وهي وابننا في مكان واحد"
لم تنمحي ابتسامة منى الهادئة وهي تقول مصححة: "التجمع كان طلبي أنا، من أجل أن أجمع أولادي وأحفادي حولي ولو لمرة كل شهر"
ظل ينظر إليها قليلاً بجمود غامض ..ثم ما لبث أن قال بسخرية: "ظننته لكل أفراد آل الراوي.. فلو كان لأولادكِ فأعتقد أن لا مكان لي هنا"
بادلته النظرة الطويلة بعينين عليهما قناع من القسوة الموحشة ثم قالت أخيراً بخفوت بارد: "اليوم لك مكان بما أننا تجمعنا في ممتلكاتك ..وقبلها كوالد لإياب كان لك كل التميز.. ولكن..."
نظرت نظرة خاطفة نحو أدلين قبل أن تعيد إليه سخريته وهي تقول: "أنت اخترت أن تشق طريق آخر"
وقف راشد من مكانه وعضلة في وجهه تهتز ثم مال نحو منى وهو يهمس بتهكم: "ظننتكِ الوحيدة التي ستفهمني"
شعرت منى بيد بدور القلقة تجذبها بقوة لتجلس ..إلا أن منى أبت لتقول بهمس خافت حاد: "الثقة شيء ..وتعمد جرحها علانيةً شيءٌ أخر، كنت أدعمك لأجلها وفقط، ولكن تنافت حاجتها إليك أخيراً بحمد لله ..فلا تتوقع أن ترى مني غير وجه لن يعجبك"
"وماذا عن الحب الأمومي؟" همس بتهكم يحمل الحسرة
قالت منى بهدوء: "لدي خمسة أبناء وربيبة هم أولاً.. والبقية يأتون بعيداً جداً جداً بآخر قائمتي.."
هل رأت اهتزاز في حدقتيه.. ارتعاش في حلقه وعينيه تحيد نحو عينيّ بدور التي أصابها شعور خائن بالألم لأجله ارتجف له الفؤاد.. وقد قرأت بوضوح التعجب الجارح في عينيه يبثه لها دون حواجز أو غموض..
أسبلت بدور جفنيها بعيداً وهي تطرق بوجهها وتحرر نفسها من إحساس القلب الغادر ..تعلن بصمت حتى وإن تعاطفت معه في فعل خائن يمليه القلب.. لن تشعر نحوه بأي شفقة.. لا انفعال إلا اللامبالاة الباردة.
زادت ابتسامة التهكم والحسرة على وجه راشد ونار زرقاء تشعل عينيه وتضيء بالغضب.. وهو يهز رأسه بأن لا فائدة بالأصل ابنة قلبه محقة في مبدأها الجديد.. "لا فائدة مرجوة"
أومأ مبتسماً في وجه أمها ثم عاد يجلس مكانه بكل أريحية وهو يقول بصوت هادئ: "آسف زوجة عمي, تعلمين معزتكِ لديّ، ويصعب على نفسي كسر طلب لكِ ..ولكنكِ أدرى الناس أنا لا أتراجع عن شيء أريده"
اشتعلت عينا منى بالغضب، بينما أومأ هو لها بتحدي صلف.. انحدرت عينا منى من جديد نحو بدور وكأنها تطلب منها أن تلوح فقط بما تريد وستخرج هي عن كل حكمتها المعروفة وتساندها ..إلا أن بدور قالت بنعومة مبتسمة وهي تربت جانبها: "تعالي ماما، كنت أحتفظ لكِ بمكان بجانبي.. فلا داعي لمشاجرة ليس لها أي معنى من أجل الاحتفاظ بمكان ليس له أي تأثير يذكر فنسبب الضيق لأخواتي"
جلست منى على مضض بجانبها رغم أنها لم تفوت الفرصة وهي تقول بنبرة عفوية قاصفة: "هذا صحيح، لم يكن هناك داعي للتشابك مع منافق"
رفع راشد حاجبيه متهكماً ثم قال بلهجة لاذعة: "منافق.. يفترض أن أحزن قليلاً لنظرتكِ عني.. ولكن بما أني نجحت في استفزاز السيدة منى القاضي الشهيرة بالأم تيريزا نصيرة كل المشردين.. فلن أفعل إذ أنه يعد إنجاز جديد لي"
لم يستفز منى بل كسا ملامحها سلام أشد عجباً وهي تقول بهدوء: "احذر يا راشد، اللعب بالنار يكوي محترفها قبل الجميع"
اشتدت خطوط وجهه وهو ينظر إليها بطريقة غامضة ..ثم انحدرت عينيه من جديد على وجه بدور التي كانت تتابع حوارهما بتسلي ..إلا أن النظرة في عينيه أربكتها ..عندما همس بصوت خافت خشن العاطفة: "الحب له ثمن, والكرامة لها ثمن, والغضب أيضا له ثمن.. واليأس له ثمن، فاليأس وحده يدفعك لهدر روحك"
عم الصمت لثوانٍ بين ثلاثتهم.. ومنى تقلب عينيها بينهما حتى قالت أخيراً دون لف أو دوران: "وما تفعلانه يجعلنا نحن ندفع ثمن لهوكما من أعصابنا وهذا ليس عادلاً.. قلتها لكِ مرة يا بدور بالماضي ..والآن سأخبرها لكليكما لأني ما عدت أتحمل لعب الأطفال هذا.. عودا لبعضكما.. أو افترقا إلى الأبد.."
أرتخى راشد في مكانه ثم قال ببساطة: "ألم يخبركِ تمسكي بمكاني هنا، وتحديكِ أنتِ شخصياً بأي شيء؟"
زمت منى شفتيها وهي تمنحه نظرة نارية ..ثم أشاحت بعيداً رافضة أن تتنازل من جديد وتتحاور معه..
بينما همست بدور بترفع بارد: "أنت بتّ غير معقول ،ألا تجد مكاناً غير هنا؟"
قال ببرود وقح: "مزرعتي ملكي.. أجلس في المكان الذي يريحني، حتى وإن اخترت أن أكون فوقكِ لا جانبكِ"
الآن نال منها عندما محا وجهها المحايد وهي تنظر إليه بصدمة وحرج ..تلعثمت وهي تهمس مختنقة: "وقح.. سافل"
حرك حاجباً لأعلى وأسفل وهو يرفع كتفيه بلا تعبير.. وعندما نوت بدور الوقوف لتغادر محيطه بأكمله ..كان إياب يعود إليها مندفعاً كعادته يلقي نفسه على صدرها مما جعلها تختل قليلاً ..ولم تجد إلا ذراعه القوية داعمًا لها من سقوط حرج..
ارتبكت وهي تدفع بيدها ذراعه الخفية بينما هتفت بنزق: "إياب، ماذا أخبرتك عن هذا الاندفاع؟"
نظر إليها إياب بتلك الطريقة التي تنسيها حتى اسمها ثم همس بذنب: "آسف ماما ..أنا فقط جائع واشتقت إليكِ"
حرك راشد ذراعه بتلكؤ يمرره على خصرها من الخلف بمداعبة حارة ..بينما فمه كما وجهه يستطعم اللمسة ويتشرب ارتباكها الطفيف بنهم ثم قال بخشونة: "ملوع"
لم تفكر بدور مرتين وهي تقول بغلظة: "من شابه أباه.."
ثم وقفت من مكانها تاركة ذراعه ينهار بإحباط مكان جلستها.. وراقبها تستعيد كل حياديتها دون أي تأثر يذكر.. وهي تقول برقة: "كنت انتظرك يا قلب ماما، حتى نختار طبقنا سوياً"
صفق إياب بحماس وهو يتقافز بسعادة وكفه يمسك كفها..
وفي لحظة كانت عينا راشد تنقلب من مشاعر الحبيب لعيني رجل تسكنه نظرة التياع وتمني.. رجل ينظر لكل غنائمه فيمتلئ صدره بغصة يلاحقها.. شاعراً بانسلاخ الروح عن الجسد من مجرد النظرة للحبيبة وابنه يبتعدان عنه للحظات متشابكي الأيدي.. فماذا إن لم يفلح ما يفعله وحكم عليه بالإعدام الأبدي، إن قالت بالنهاية لا للم شتاتهم؟؟
*********

يتبع باقي الفصل السابع والخمسون اليوم الساعة عاشرة مساء
أوعوا تروحوا في حته الباقي نااااااااااار 😁😁😁😁😁


Nor BLack غير متواجد حالياً  
التوقيع
نور بلاك " نورا سليمان دقات محرمة
عادات خادعة
شظايا القلوب
همس الموج
رد مع اقتباس
قديم 01-02-21, 07:33 PM   #7659

Hoda.alhamwe
 
الصورة الرمزية Hoda.alhamwe

? العضوٌ??? » 456087
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 273
?  نُقآطِيْ » Hoda.alhamwe is on a distinguished road
افتراضي

يانهار ضحك نزار اتجننن 🤣🤣🤣🤣🤣🤣

Hoda.alhamwe غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-02-21, 08:13 PM   #7660

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 410 ( الأعضاء 100 والزوار 310)
‏اجزخنجية, ‏رقيه95, ‏منالب, ‏Abcabc, ‏دانه عبد, ‏Naira r, ‏Joud1, ‏yasser20, ‏Nagat farouk, ‏maha saloum, ‏ديانا الحوت, ‏كوزاى يلديز, ‏سماح ممدوح علوانى, ‏sira sira, ‏هدى هدهد, ‏Aya yoga, ‏[email protected], ‏داليا الخامس, ‏واوال, ‏رودينة محمد, ‏داليا انور, ‏ميمو كوكي, ‏فضيلة زناش, ‏Esraa Yacoub, ‏sara_soso702, ‏رانيا خالد, ‏Shaymaa607, ‏همسة الحنين., ‏توتى على, ‏روكا حبيبتي, ‏dm992, ‏Mona M Kheder, ‏Asmabak, ‏اسما نينا, ‏Sea birde, ‏Um muhammed, ‏علا حسن, ‏نور ناجح حوا, ‏رضا الرحمن غايتي, ‏شجن المشاعر, ‏ماهي ماهر, ‏lotus baka, ‏Sekasaso, ‏Diego Sando, ‏بسمة هاشم, ‏وتر القلب, ‏Angelin, ‏رنا عزت محمد, ‏نورالهداا, ‏{{انثى مميزه}}, ‏Agaiaa, ‏Hoba Nasry, ‏Dalia Huzaien, ‏هناء عبدالله, ‏Hoda.alhamwe, ‏رندوش9, ‏روهي, ‏Fayza Elkady, ‏emy92, ‏imy88, ‏ImaneAlkoush, ‏حبيبيه, ‏bassma rg, ‏darkfury, ‏نورا كمال, ‏نونا لبنان, ‏ولاء حنون, ‏frau zahra, ‏سمر فاضل, ‏Nody k, ‏هبة طه, ‏جنا محمد علي, ‏زيزفون 2, ‏براءة م, ‏موجة هادئة, ‏رائحة الفراوله, ‏Nsro, ‏Emaimy, ‏نيفين الحلو, ‏Omsama, ‏nur vattar, ‏عفاف ن, ‏مريم مري, ‏امي احمد, ‏رقيه عماد, ‏Romareem, ‏مرام ابوبكر, ‏Heckenrose, ‏Rosyros, ‏سماح خلف, ‏نصيبي و قسمتك, ‏ناديه كليب, ‏Um-ali, ‏fatma ahmad, ‏اهات منسية, ‏Nor BLack+, ‏ltoofsi, ‏حآبيبة, ‏Soha gamal, ‏fatma r


اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:37 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.