آخر 10 مشاركات
207 - ملاك في خطر - شارلوت لامب ... (الكاتـب : * فوفو * - )           »          212- الارث الاسود - أيما دارسي (تصوير جديد) (الكاتـب : Gege86 - )           »          219 - صديقان ...وشيئا ما - جيسيكا ستيل (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          165 - السجانة - كيت والكر .. ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          254 - أين ضاعت إبتسامتى ؟ - كارول مورتيمر ( تصوير جديد ) (الكاتـب : marmoria5555 - )           »          251 - زائر الليل - كيم لورنس (الكاتـب : PEPOO - )           »          378 - جراح تنبض بالحب - ساره وود((تم إضافة نسخة واضحة جداااااااا)) (الكاتـب : أميرة الورد - )           »          1051 - العروس الاسيرة - روزمارى كارتر - د.ن (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree439Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-02-21, 09:26 PM   #8321

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7


الفصل الستون المشاركة "١"
لا بدّ مِن شيء مِن الفوضى كي يَفيق الغافل من غَفلته.
نجيب محفوظ

*******
منذ فتحت عينيها ووجدت نفسها كما غفت أمس.. تندس بين ذراعيه وعلى صدره بتملك، وعقلها لا تدور به إلا جملة واحدة كانت قرأتها قديماً وحفظتها عن ظهر قلب, ولكنها لم تدرك أبداً أن تتذكرها بعد ليلة قضتها مع خالد يبثها إحباطه منها, وشوقه لها.. ونوع من الألم، وكأنه يعاني من تقاربهما أضعاف ابتعادهما..
ليتها تملك القوة الآن لتمحو ألمه، لتسكن روحه الهائجة.. أن تربت على قلبه وتخبره كما كانت تفعل قديماً بابتسامة بريئة خالية البال (أنا سامحتك لأني أحبك يا خالد).. ولكن من أين تأتي بكل هذا.. بعد أن ترك لقائهما بداخلها الكثير من الفوضى وأيقظ وجعاً وندماً يحطمها وضغطاً هائلاً مع فوضاها، يدفعها لندم مفرط..
شعرت بذراعه تضغطها من جديد.. وشفتيه تركض فوق جبهتها نزولاً إلى وجنتها باحثاً عن شفتيها.. لقد استيقظ بدوره.. تيقظ لها باحثاً عن دفئها المفقود رغم محاولتها المستميتة للتظاهر بأنها ما زالت نائمة عله يفيق ويغادر جانبها ويتركها لحال سبيلها مثل الأيام الماضية تحاشياً لأي نوع من مواجهة غير مرغوب بها على الإطلاق ..ولكنها حلمت بهذا خاصة بعد ما تبادلاه ليلاً..
لا إرادياً وجدت كفيها يستندان على صدره في حالة دفاعية خالية من استكشاف الأمس المجنون!
وتوقف على الفور دون أي بادرة للمقاومة أو فرض نفسه عليها.. ثم اعتدل يتسطح على ظهره دون أن يفلت حصاره لها.. سمعت صوته الأجش مخشناً بعض الشيء ولم تدرك أهو أثر النوم أم الإحباط عندما قال: "أهو ندم متأخر؟!"
توترت وهي تجيب بصوت أخرق: "ندم لأي شيء؟ أنت زوجي ومنحتك حقك عليّ"
أطلق زفرة متعبة وهو يقول بهدوء: "لا أريد سماع هذا المبرر الغبي مرة أخرى ..حقي آخذه منذ شهور يا سَبنتي منذ أن وافقتِ على أن أضمكِ إليّ دون هواجس"
رغم شحوب ملامحها واضطرابها الظاهر والملموس أجابت بخجل: "إذاً هو حقي أنا بك.. حق لم أطلبه منك منذ زواجنا"
التوى فمه بشيء من التسلية وهو يعتدل ويضع يده تحت رأسه الذي ارتفع ليشرف عليها ..بينما يده الأخرى كانت تتباحث في صفقة جادة مع الغطاء الذي اختبأت تحته منذ ليلة الأمس, ثم قال بصوت رخيم: "تطور خطير ..هل آمل أن العبثية كادت أن تهزم أحد أشباحها الحمقاء لتطفو هي على السطح وتعلن الحب؟!"
أغلقت عينيها بتهرب وهي تهمس بتشدد: "لا حب.. لا تأمل فيه"
تجمدت يده لبرهة فوق جسدها.. لتنتقل فوق ذقنها يمسكه بعنف غير مقصود ويجبرها لتفتح عينيها في مواجهته وهو يقول بجفاء: "إن لم يكن دافعكِ الحب.. ما هو شعوركِ إذاً؟ هل تكرهيني؟!"
ظلت تنظر لعينيه اللتين لاح فيهما ظلام لم تلمسه فيه من قبل.. تعقد حاجبيها بتركيز شديد وكأنها تحاول اختراقه وفهم كل ما فاتها فيه.. وطال بهم الصمت أضعاف ما أملت ..حتى همست بالنهاية: "لم أقل أبداً أني أكرهك، ولم أمنحك شعوراً واحداً يجعلك تفكر في هذا للحظة"
ابتعد عنها وألقى نفسه بجانبها من جديد, ثم وضع ساعده فوق عينيه عله يخفي لهيب روحه.. ثم همس بخفوت: "إلا أن جذوة حبكِ لم تعد كما كانت.."
شعر بتحركها الجبان من جانبه، لملمت نفسها بعيداً عن عينيه وهو لم يحاول أن يوقفها بل لم ينظر إليها على الإطلاق..
حتى سمعها تقول ببساطة بصوت مختنق: "لماذا تصر على أن تؤلمنا؟ لما لا تكتفي بما أحارب نفسي للوصول إليه معك؟"
أطلق زفرة طويلة ولم يرد.. حتى شعر بخلو مهجعهما منها.. ثم سمع صوت إغلاق باب الحمام بالأقفال بشكل عنيف وكأنها تقصد أن تسمعه إياه..
ساد صمت جديد طويل بعد فرقتها.. عيناه تحدقان في السقف بلا شعور وغصة في قلبه تتركه خالي الوفاض متألماً لأجلها ونفسه.. حتى همست شفتاه بخفوت: "لأنه ما زال هناك شيء ناقص.. إحساسي بكِ لم يقلّ بل زاد هوساً وجنوناً.. بينما شعوركِ أنتِ أطفأتِ ناره.. لا أريد إيلامكِ.. ولكني أيضاً لا أريد تقبل عطاياكِ بدافع شعوركِ بالذنب.. ليس هذا ما انتظرت لأجله طويلاً حبيبتي"
سنوات من العذاب في انتظار شيء خيالي ظن أنه لن يحدث.. سنوات من الألم والتمني ومحاولة التخلص من عبقها الذي تركته داخل صدره.. وجعه منحوت بداخله كتماثيل تاريخ بلاده.. لا عوامل الزمن تؤثر فيه ولا الأعاصير تخدشه.. دائماً ما كانت تترك بصمة بداخله.. بصمة من عذاب الماضي ووحشة المستقبل الذي اعتقد أنه خالي منها.. عندما فارقته وصدق أنها نسيته.. وعندما استعادها ظن أن كل وحشته قد امتلأت وقد حصل عليها حلالاً طيباً لا قوة على الأرض قادرة على انتزاعها منه.. لقد تسلح بكل أسلحته في وجه كل من يحاول تفريقهما، إلا أنه لم يفكر أبداً أن عدوه الشرس هي بحد ذاتها!
لن ينكر الشعور الرائع الذي غرق فيه بالأمس متنعماً بلمسها، بحرارتها, بفضولها الرهيب الذي أهلكته بداخله وهو يبادلها الغرام ..لم يكن الذهول المعتاد ما اتسم به لقائهما، بل الشوق المستعر، الحب واليأس, والألم الساكن بداخلهما حد التوسل لمحوه.. إلا أن كان هناك شيء ناقص.. إحساس يغدر بروحه النهمة.. ويترك جوعه الضاري يأكل أعماقه، وما فائدة شبع الجسد إن كان القلب لم يأخذ نصيبه منها؟!
لقد كانت مقيدة, متخبطة رغم كل الاستسلام المهيب الذي منحته إياه، رغم مجاراتها لكل هوسه فيها ..ومؤكد ما كان يقيدها ليس خجلاً ولا حتى ذلك الظلام الذي يجذبها ويفسر علاقتهما بشكل مهين مشين.. وإنما أمرٌ آخر لم يصل لتفسيره بكل أسف.. أطلق خالد زفرة حادة, يريد أن يصرخ بكل ما يحمله من عذاب: (ليس هذا ما أردته.. لم يكن هذا ما رغبته.. ما زلت جائع إليكِ.. ما زلت أفتقدكِ ولم أستعيدكِ بعد)
هي تتسلل من بين أصابعه كالزئبق.. فماذا يفعل وقد نفذت كل الحيل، وشلت يديه عن التصرف والإمساك بها؟! فالحذر هو المسيطر في علاقتهما، لن ينكر توجسه منها وخوفه من رد فعلها, رعبه لأجلها بأن تطلق شيئاً غبياً يحطم ما يحاول لملمته من علاقتهما.. وكيف تكون هذه حياة؟ وكيف سيتحمل شعور الحذر كل مرة يقربها فيها؟ من أين له القدرة ليشعر بهذه الوحشة والنقص كلما ضمها إليه وضاع فيها؟!
لقد ظن بالأمس أنه كسر قوقعتها أخيراً.. بأنها تبدي شيئاً طبيعياً كان يجب أن يعلمه لها خطوة بخطوة.. وأن يؤجج رغبتها به بهذا الجانب بالذات.. أن يمهد لها طبيعة القادم ويخرجها من مأزق حب المراهقة البريء.. هو يدرك الآن أنه ربما كان يجب أن يصبر قليلاً قبل إتمام زواجهما.. أن يترك لها الوقت لتتعرف عليه كرجل.. لا خالد الشاب الذي تعلقت به بمنتهى الطفولية.. ولكن سبق السيف العذل ولم يعد بيده تغيير الماضي.. هو لم يقل أنه لن يتحمل ويصبر.. إلا أنه مؤكد لا يرغب في تكرار الأمر معها، حتى يحصل عليها كامله دون قيود وتقيد من جانبه، فهو لن ينكر أيضاً بأن هناك وحش رجولي بداخله ينهشه بأظافره ويصارعه بكل شراسة لأن يخرج في وجهها ويعلمها كيف يكون تبادل الغرام الحقيقي معه!
ربما هي امرأته الأولى بكل الطرق والسبل, فهو لم يمنح نفسه حتى الفرصة بالماضي لأن يقيم علاقة غرامية مع إحداهن كما يفعل الكثير من الشباب.. فأخلاقه والخوف من الله كانا يمنعانه.. وأيضاً هناك أسبابه النفسية البحتة بأنه لم يرغب أبداً أن يكن بأي صورة شبيهاً لوالده حتى وإن لم يكن لينجر للحرام يوماً..
اعتدل على جانبه مواجهاً لغرفة تبديل الملابس, عيناه تحدقان في الحائط وكأنه يراها.. يتخيل جمالها.. يستطعم حلاها الذي نهل منه دون توقف وإن كان بحذر مترقب.. يتذكر كل همسة عشق أغرقها فيها عله يجذبها من الصمت ومن حالة النقص الذي بثته فيه بكل جحود حتى وإن لم تقصد..
ابتلع ريقة بقسوة والسواد يغشى عينيه كما يطفئ كل الجمر بداخله وهو يهمس: "على الأقل لم تقم بشيء أخرق كما توقعت.. ألا يعد هذا تقدماً في حالتها؟!"
فبعد انتهاء جذوة تبادلهما الغرام ظل ينظر لها من علو بصمت, لاهث الأنفاس, متسارع الدقات, وحذر الملامح, يترقب هرعها لأي حائط تحتمي فيه ثم تبكي وتندد وتتهمه باستغلالها وتشرع في وجهه رفضاً قاطعاً لما حدث ..إلا أنها لم تفعل بل عادت وعيناها تسكنها نظرة ذهول فظيعة وتحدق فيه من بين أنفاسها المنقطعة وكأنها تريده أن يخبرها بأي شيء، بأن يهدئ روعها.. إلا أنه لم يفعل (خوفاً).. ومن يلومه بعد كل تجاربه معها.. وبالنهاية عندما سكن جسده جانبها وضمها إليه لم تبدي أي رفض بل سريعاً كانت تكور نفسها بداخله وتلف جسدها الضئيل حوله, ساقاها التفتا حول ساقيه.. ساعداها يستندان على صدره.. ورأسها انغرز عميقاً في عنقه.. وعندما شدد عليها أكثر وحاول أن يجعلها تتوحد فيه حرفياً فاجأته بتحرير ذراعها لتلتف حول خاصرته متمسكة فيه بكل قوتها..
(أنتِ كافية.. كافية جداً ومثالية لي.. دائماً ما كنتِ فتاتي المثالية ولكن بكل أسف أدركت هذا بعد أن أوجعتكِ)
تحرر من الغرق في أفكاره عندما وجدها تقف عند طرف الفراش من جديد نحوه.. أدار وجهه ببطء دون أن يعتدل من مكانه.. شملها كلها بنظرة منفلتة المشاعر.. نظرة تدرك معناها الآن بعد أن تخلت عن نفسها، وغرقت في تفاصيله هو.. شعرها الرطب كان مسترسلاً فوق كتفيها وحتى حدود أعلى ظهرها.. جسدها سترته بكنزة صوفية متعددة الألوان تتدرج ما بين البنفسجي والرمادي والبرتقالي المطفي، بينما ساقيها.. حسناً كانتا عاريتان تماماً..
رفع خالد حاجبيه وهو يقول بتهكم: "هل عدنا لنقطة أن الجزء العلوي تبعنا, أما الساقين فهما ملك للشعب؟!"
انزعجت وهي تلوح ببنطال من القماش الشتوي الثقيل وإن كان بقصة ضيقة بعض الشيء وتقول بعبوس: "لم أكمل ارتداء ملابسي بعد.. توقف عن السخرية"
قال بتفكه وهو يمد يده نحو معصمها يجذبها منه لتسقط فوقه: "إذاً هناك تقدم آخر.. لم تعودي تخجلين مني"
ارتبكت وهي تلعق شفتيها وتهمس بتوتر: "التمسك بالخجل يعد حماقة خاصة.. خاصة بعد ليلة الأمس"
اتسعت ابتسامته على وجهه تطرد كل أفكاره السلبية جانباً.. وقال مداعباً: "كانت هناك ليالٍ أخرى سابقة مثلها ..ما الذي تغير؟!"
احمرت وجنتاها وهي تقول بتلعثم: "لا أعرف"
همس بصوت أجش خافت بينما يده تتسلل تحت كنزتها.. أصابعه تسري على بشرتها بتدفق عذب.. انكمشت كلها على صدره وهي تنطر إليه بعينين يختبئ فيهما شعور حالم على خجل.. إلا أن نظرة الفوضى كان واقعها أشد: "أنا أحبكِ.. أريد منكِ أن تفهمي هذا جيداً.. لا أهتم بما تقدمينه لظنكِ أنه سوف يسكتني، أو يكون اكتفاءً لروحي.. ما أريده هو أنتِ.. أنتِ كلكِ.. كاملة دون نقصان يا عبثية"
غرقت في شعورها به والخجل، ودافع الهروب الأقوى بينهما.. رغم أنها عقدت حاجبيها بتفكير عميق قبل أن تهمس بارتباك: "هل هذا يعني أنك غير مهتم بالجانب الجسدي؟"
ضحك.. فاربكها أكثر.. وعادت لمقاومتها للابتعاد.. أثبط محاولتها وذراعه الحرة تلتف حولها ليثبتها فوقه.. ثم قال أخيراً بصوت أجش: "لم أقل أنه غير هام.. بل في الحقيقة هو جانب مهم جداً جداً ولكنه ليس كل شيء.."
غرقت في أحاسيسٍ مبهمة وضاعت فوق جسده الضخم الذي ماثل ضعفيّ بنيتها.. وتهربت كما توقع عندما همست: "جيد، ولكني لا أريد مناقشته، فهلّا أغلقناه فور حصولنا عليه؟"
برد داخلي أصابه لا أمل في تدفئته.. وجع عميق سيلاحقه طويلاً هو ما تدفق إليه.. ولكنه تماسك وهز رأسه بتفهم، بينما أصابعه لم تتوقف لحظة عن السرح فوق بشرتها دفع لها إحساس جديد، شيء آخر تجربه معه عبر التلامس دون الإكمال للنهاية.. شيء يأجج أنوثتها، يدفعها للتفكير بالحميمية، للترقب طوال اليوم لمساءهم وأن يستمر تفكيرها به في الفترة التي تبتعدها عنه..
:-"شعركِ استطال!"
بدل الخجل والاهتزاز اللذين تملكا كل جزء فيها, وجد الدهشة تعلو وجهها هامسة: "هااا"
ارتفع حاجباه وهو يقول ببراءة ضاحكاً: "شعركِ استطال، ألم أخبركِ بأني أحبه قصيراً؟!"
ابتلعت توترها بينما كفها غريزياً يحاول التحرر من اجتياحه وهمست بجفاف: "وكأني أهتم لما تحبه.. شعري ملكي أفعل به ما أشاء، ألا يكفي سماحي لك بالتحكم في ملابسي؟!"
صوته كان خافتاً جداً, بطيئاً, متملكاً ومتمهلاً عندما قال: "كلكِ ملكي يا سَبنتي.. لي وحدي منذ أن دخل بكِ راشد من أبواب هذا المنزل"
صوته.. قوله بهذه الطريقة.. النظرة في عينيه والتي كم تمنتها بالماضي أن ينظر إليها بها.. أصابتها برجفة عظيمة, رجفة من نوع آخر.. دفعتها للرغبة في البكاء في هذه اللحظة.. والصراخ في وجهه أنها تحبه.. تحبه كما لم ولن تحب إنسان قط..
ولكنها قالت بهدوء معاكسة لكل الفوضى التي أضاعت ثباتها: "هذا قول اليائسين الحمقى.. وأنا لا أظنك أحمقاً.. لا تحررها رجاءً فهي تمنحني مشاعر سلبية، ليس لكرهي تملكك هذا وإنما لإثارتها ذكريات قريبة جرحتني فيها.. وأنا لا أريد تذكرها لا الآن ولا قريباً"
اشتد فكه ويده تنسحب أخيراً من تعزيز أنوثتها.. ثم قال بصوت متصلب: "أريد أن أهون عليكِ ألمكِ يا سَبنتي.. إلا أني أعاني أيضاً من نفس الجرح وربما أكثر وأشد"
وهي أرادت أيضاً جبر خاطره، وكل ما يدور في عقلها الآن أنها لا تريد إفساد ليلة منحتها له ولنفسها قبله، بذكر أي من تخبط الماضي..
أفلتت نفسها من فوقه ثم تسطحت جانبه.. منحها نظرة دهشة فقد توقع هروبها ولكنها لم تفعل أيضاً بجملة صدماتها منذ الليلة السابقة.. فرد ذراعه لها بصمت, فتقبلت منحته سريعاً وتسطحت بجانبه صدرها ملتصق في جانبه، ساقها التف حول ساقه دون الغرق في الخجل وإن احمرت وجنتاها بشدة وهي ترمق جذعه العاري منذ الأمس.. رفع وجهه بتحدي وهو يقول بمشاغبة: "هوني على نفسكِ واعتادي الأمر.."
لعقت شفتيها وهي تركز نظراتها فوق وجهه باهتمام: "أحتاج للوقت.. رغم أن النية موجودة"
همس لها بصوت أجش وظهر يده يمسد وجنتها بحنان: "سأنتظركِ كل الوقت الذي تحتاجينه"
أومأت دون صوت.. وعم صمت هادئ أخيراً بينهما.. كلٌّ منهما متخلي عن هواجسه وألمه.. أغلقت جفنيها ورأسها الرطب يتمسح على قلبه كالقطيطة التي تطلب حنو صاحبها.. أغلق خالد كلا ذراعيه حولها مشدداً عليها من جديد.. حتى سمعها تقول بهدوء: "أريد إخبارك قصة"
قال مداعباً وهو يمرر يده بين خصلاتها: "وها قد عادت روح راشد البغيضة تطفو على السطح.. هل تظنين بأني إياب؟"
ابتسمت دون أن تفتح عينيها ثم همست بمشاغبة: "إن كان إياب هنا ما كنت حصلت على أي شيء، كنت الآن تنام على طرف الفراش وحيداً بائساً ومغتاظاً"
تصنع الضيق وهو يقول: "لهذا تحديداً سأشحنه لأمه اليوم.. وكأنه لا يكفي إزعاج ابنها.. بل تحاول هي بنفسها إزعاجي"
ضحكت بخفوت وهي تهمس بلوم: "كيف هانت عليك وأغلقت الهاتف في وجهها؟! أنت قاسي جداً على فكرة"
قال بجفاء: "أنا القاسي أم هي من اختارت لحظات حرجة تقطع عليّ أجمل وقت قضيته معكِ.. لقد أردت أن أحرقها وأحرقهن جميعًا بالأمس.."
اختنقت ضحكة خجل وإثارة داخلها.. فوجدته يرفع وجهها نحوه ويجبرها لتفتح عينيها ومواجهته.. ثم همس بخفوت مداعباً: "كل مرة أخذتكِ فيها كنت أظن أن لا إحساس يضاهي جمالها، وكأنها مرتنا الأولى التي لن يأتي لقاء آخر بعدها.. ولكني ما زلت أغرق مثلكِ تماماً بعد كل مرة أمتلككِ وكأنها المرة الأولى حقاً"
ارتبكت وهي تدس شعرها بشكل عشوائي وراء أذنها.. عاجزة عن إخباره بأنها لم تشعر به إلا مرتين.. واحدة أفسدها هو سابقاً.. وهذه التي تتمسك بعدم إفسادها بكل إصرار..
همست أخيراً بصوت خافت متردد لتغير الحوار: "هناك قصة كنت أقرأها مراراً في جورجيا.. عندما كنت أحاول تعلم اللغة بتكثيف القراءة"
اهتم وانتبه لها ماحياً انزعاجه من تهربها: "ما هي؟"
عقدت حاجبيها وهي تحدق في نقطة وهمية خلف ظهره ثم استطردت بحبور: "كان هناك شابان يتصارعان فيما يشبه فرض السلطة.. أحدهما معتمداً على سلطة ومال أبيه.. والآخر على رقة قلبه ورفقه في من حوله.. والأهم إخلاصه حتى لحيوانه الأليف رغم ضيق الحال وعقد والديه التي لم تخفى على أحد.. أبوه كان سكيراً.. لكنه سكر بدافع نسيان ما ارتكبه من فظائع في الحرب مجبراً"
وقع قلب خالد من بين أضلعه وهو ينظر لها بتوجس وكأنه يخاف أن تؤلمه في القادم.. في ربط التشابه!
ولكنها لم تفعل ولم تقصد إذ أن قصتها أخذت أبعاداً أخرى داخل عقلها.. وكأن كل روح تبحث عن ما يخفف ألمها الخاص فقط, همست: "الشاب كان دائماً سارحاً في عالم خاص به.. لم يكن يرغب حتى في التنافس الذي فرضه عليه الناس.. والشاب الآخر روحه تزهد أن يؤدي المتوقع منه لإبهارهم.."
صمتت تبتلع ريقها وهي تنظر إليه بتوهان, ضغط على وجنتها وهو يقول برقة: "وبعد ما الذي حدث؟"
همست مختنقة: "دُفِع رغم أنفه للتنافس.. ورغم أن البطل الآخر ذلك المبهر الغني، كان يجذب أي عين لقارئ ليقف معه ضد ذاك المتذبذب المحمل بالألم .. إلا أن روحي كانت تهفو رغماً عني للشاب الفقير.. رغم أنه لم يكن البطل"
سأل بتشنج: "لماذا؟!"
تحرك صدرها بنفسٍ مفطور قبل أن تهمس: "لأن أباه الضائع والذي ضيعه معه.. على غفلة منه منحه أخيراً شيئاً جيداً.. شيء كان المسكين يراقبه في مزارع الأغنياء وروحه تهفو للوصال دون أن يملك القدرة.. لقد منحه جواداً مبهراً, جامحاً وذكياً, أحبَّ فتانا من النظرة الأولى، كما أحبه هو وصادقه.. لقد رأى ما بداخله.. رأى ما رأيته أنا وتعلقت روحي به منذ أول سطر وعرفت ما جهله الكاتب حتى"
سأل بفضول: "وكيف انتهت حكايته؟"
تنهدت وهي تقول باختناق: "الرواية لم تنتهي هنا.. فقد ظهرت البطلة وكالعادة تنافس الشاب الغني الواثق جداً لكسب قلبها بتسخير كل ما يملكه، صبر عليها, منحها الفرص, أبهرها بعطاياه لها, لقد منحها مجوهرات كثيرة ومال أكثر.. حتى أنه اشترى أول سيارة تسير بالغاز في ذلك العصر"
انتبه كله وهو يقول: "مؤكد أحبته، لقد اهتم بها جيداً"
ضحكت باختناق وهي تهمس: "نظرتك محدودة جداً وجاهلة بطبيعتنا.. كل هذا لم يطوع قلبها رغم بقائه معها شهور يبثها حبه.. وفي لحظة.. كل ما تطلبه الأمر لحظة واحدة.. عندما كان يقود بها الغني السيارة منطلقين يلامسان النعيم.. رأت بطلي الآخر على صهوة حصانه يلهب الأرض تحت حوافره يغزو القلب بحربٍ محسومة لصالحه، يسرق النظرة والنفس, ويهدئ الروح الضئيلة ويربطها بسبيله.. عندها بكيت.."
صمتت وهي توجه بنفسجها المتألم لعينيه ثم همست بتحشرج مؤكدة: "بكيت.. انتحبت بقهر وشعرت بأن روحي ستخرج مني.. لقد انتصر هو دون حروب، دون الانجرار لدنياهم الخادعة.. انتحبت وأنا أتخيلك مكانه, متمنية أن تتمسك بكل جميل كان يمثلك مثل بطلي.. إذ أني أدركت وقتها أننا النساء لا نحتاج للمال، لا نرغب في إبهارنا، أرواحنا لا تهفو لكلمات الغزل والحب المبالغ فيها، بل كل ما نحتاجه فارس يغزو العالم كله فوق صهوة حصانه وينتشلنا من ضياع محقق.. هل فهمت ما أعنيه؟"
صوته كان حاراً.. ووجهه مصدوم: "حبيبتي.."
اختنقت: "أحتاج لفارسي القديم.. لا الرجل المتفهم.. ولا ذاك الشاب المندفع المتهور.. فقط أريد البعبع.. فهل ما زال هنا أم رحل؟"
لم يرد بالكلمات فقد كان في هذه اللحظة ضائع مثلها.. ضمها إليه بقوة، شفتاه تبحثان عن ملجأ شفتيها.. جسده يعلوها.. مشاعره تطفو فوق كيانها وتطلق صراخاً مكتوماً بأنه متواجد أبداً لأجلها.. ولأجلها فقط لم يرحل فارسها بل تمسك بالحياة ورفض كل القيد والأحمال التي أصبحت تكبله..
وللحظات أخرى كانت ساكنة بين يديه مسلمة لظلام يلفها.. تمد يديها لنور بالكاد يشق طريقه متسللاً عبر خرم إبرة!
وفي دقيقة أخرى وجدت نفسها تقاوم بكل قوتها، ترفض ما قد ينجرا إليه.. ثم كالعادة اختارت الهروب بدل البقاء والتسليم ثم المواجهة.. وأفلتها محبطاً عندما شعر برفضها الجاد..
راقبها كيف انخلعت من جانبه كخلع الضرس السليم من فك وحش فتاك رافض.. ثم همست بضياع: "آسفة.. هذا فوق احتمالي يا خالد..،كثير ..كثير جداً .. آسفة حقاً.."
هز رأسه بتفهم واهي بينما ينظر لانسحابها بقسوة ساخرة، ثم عادت تلك الوحشة تسحبه لأسفل وأسفل دون أن يحاول مقاومتها بل تركها تتغذى عليه كما تشاء..
********

يتبع ألان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-02-21, 09:37 PM   #8322

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الستون المشاركة "

طفلين كنا.. في تصرفنا
وغرورنا، وضلال دعوانا
كلماتنا الرعناء .. مضحكةٌ
ما كان أغباها.. وأغبانا
فلكم ذهبت وأنت غاضبةٌ
ولكم قسوت عليك أحيانا..
ولربما انقطعت رسائلنا
ولربما انقطعت هدايانا..
مهما غلونا في عداوتنا
فالحب أكبر من خطايانا..




أوقف ممدوح سيارته في مكان مخصص للآباء قريباً من بوابة المدرسة.. ثم التفت لأمل وهو يقول بحزم: "لا شكوى تأتيني اليوم يا أمل, وإلا لا مبيت عند مرح وبابا أيوب غداً"
كورت أمل فمها بعدم رضا وهي تكتف ذراعيها على صدرها اعتراضاً ثم قالت: "وإن تسببت لولو في المشكلة سأعاقب أنا أيضاً؟!"
توسعت عينا لورين ببطء وهي تهمس بتعجب: "وكيف سأفتعل لكِ مشكلة يا آنسة متشردة؟!"
هزت أمل كتفيها وهي تقول بفظاظة: "هكذا، لقد قررت أن أي حادثة اليوم ستكون بسببكِ"
ضيق ممدوح جفنيه وهو ينظر إليها بتوجس مضحك ثم قال: "ألا تريدين أن توصلكِ ماما للداخل؟!"
قالت من جديد بنفس الفظاظة: "لا أريدك ولا أريد ماما.. لماذا لا تجعلني أستقل الحافلة مثل لوليتا؟!"
حك ممدوح جبهته بتعب ثم خاطب لورين بهدوء: "لا فائدة, لن تقتنع أبداً بأسبابي وستظل تقاومني لآخر نفس"
ابتسمت لورين ببطء وهي تقول بهدوء: "لديها وجهة نظر، لا تنكر"
نظر لها ممدوح عاقداً حاجبيه بقوة وكأنه يعيد تقييمها باهتمام كما يفعل منذ أسابيع.. حتى تكلم بالنهاية مداعباً: "لا غرابة في ردّكِ.. ولا عجب من مقاومتها.. فالابنة لأمها.."
تنهدت لورين وهي تمسك يده المستريحة على مسند بين مقاعديهما، ثم قالت بخفوت: "إذاً لا داعي للقلق ستؤمن بك بالنهاية، وتصدق قلقك عليها، وحبك لها وتسلمك نفسها وقلبها راضية"
انسابت ابتسامة على شفتيه وهو يقول بصوت شديد العمق: "وهل سلمت أمها ورضيت؟!"
أومأت دون تردد وعيناها تبتسمان له من بين غرغرة الدموع لم يفهم أسبابها في هذه اللحظة ثم همست: "أما زلت تسأل؟!"
رأت حلقه يتحرك بصعوبة وهو يتأمل لون الحداد في عينيها اللامعتين بدموع بعيدة.. ثم قال بصوت أجش: "لِما الشجن الآن حبيبتي؟"
اختنقت عبرة في صدرها ووجهها ينحدر نحو أمل التي تنقل عينيها بينهما بفضول مبتسمة بطفولية.. قالت بصوت تخلله البؤس: "لأني لم أحلم يوماً أن تجمعنا لحظة كهذه.. أن يضمنا بيت أنا وابنتي يكون مملكتنا الخاصة، وأبٌ زاهدٌ في مغريات العالم كله، إلا نحن.."
ظلت عيناه تحدقان فيها لدقائق قبل أن يضغط على أصابعها بين أصابعه والتي شكلت جمالاً بترابطهما في هذه اللحظة لا يضاهيه جمال أو عمق عشق.. ثم قال بصوت رخيم قوي: "ألا تدركين بعد بأنكِ كل المغريات، بأنكِ أول الحكاية وآخرها.. أنتِ بدايتي وأتمنى من الآن أن تكون نهايتي بين ذراعيكِ"
أغمضت عينيها بألم وهي تهتف بقوة وسرعة: "حفظك الله، أرجوك لا تلوح بهذا من جديد, لقد فقدت في حياتي كفاية، ولم أعد أحتمل هدر المزيد"
تمنى في هذه اللحظة أن يخطفها بين ذراعيه، أن يسحقها على صدره فيجعلها تتغلغل فيه حتى المنتهى.. إلا أن المكان والزمان بكل أسف لا يسمحان..
قال مداعباً بحبور: "انزلي مع ابنتكِ قبل أن أتهور.."
توردت ضاحكة تعرف ما معنى أن يتهور.. وهي تخبئ الشجن والألم على استحياء وراء حجاب ذاكرة النسيان متمنية بكل كيانها أن تنزعه يوماً من رأسها وقلبها للأبد ..ثم قالت بجدية شديدة: "فقط تمنى لي الحظ الجيد، أخشى أن أزعج أمل دون قصد، فتدّعي أني لست والدتها"
هز ممدوح رأسه بقوة وهو يقول بمسرحية: "قلبي وصلواتي معكِ يا حبيبتي، فهذا الكائن خطر على البرية، فماذا عنكِ أنتِ؟"
قفزت أمل من مقعدها ثم حشرت نفسها بينهما وهي تقول بانزعاج: "لا تضحكا على أمل، وإلا سأخبر عمتي إسراء أن تهذبكما كما وعدتني"
رفع ممدوح حاجباً شريراً ثم قال: "مليون بالمائة ورثت كل الجينات منكِ.. أنظري نفس الأفعال الحمقاء!"
ربما في وقت سابق كانت غضبت من الإشارة لهذا ونددت ومنحته من سمّ لسانها.. إلا أنها الآن تعرف أنه أصبح يذكر الأمر في طرفة بينهما وكأنه يحاول من جانبه صهر الماضي حتى يتحول لشيء يضحكان ساخرين منه دون أن يصيبهما بسهامه القاتلة المعتادة..
رفعت يديها لأعلى بعجز التصرف ثم قالت: "ألا يكفي أني سمحت لها بحمل عينيك كنوع من المشاركة، وبالمنسابة أشكرك عليهما"
ضاقت عينا ممدوح قليلاً وهو يسحب أمل ليجلسها فوق حجره يضمها إليه بقوة وقبل رأسها.. ثم همس بصوت خفيض: "هل تشعرين بالامتنان لي فعلاً من أجلها؟"
ابتلعت لورين ريقها بعنف وهي تغلق جفنيها بقوة, تعصر أصابعها التي ما زالت متشابكة مع كفه وكأنها تقاوم الغرق في متاهات الألم.. ثم همست بصوت أجش: "نعم ..أشكرك عليها، وليس الآن فقط، بل من يوم حملي فيها.. رغم الوجع ورغم الضياع وحتى مقاومة حبي لها.. كان هناك جزء ممتن لأنك منحتها لي.. أمل هي النور الوحيد في قصتنا"
رفع ممدوح يديهما المتشابكتين ثم قلبها ليقبل باطن كفها بعمق وهمس بصوت أجش: "وأنتِ نور قلبي وضميري.. النور والأمل اللذين أخرجاني من العتمة، وأنقذاني من الظلال والظلام.. وانتشلتني من الوحل"
حدقت فيه لدقيقة مبهورة ليس من كلمات الغزل التي أصبح يمطرها بها، بل من النظرة في عينيه الخضراوين.. نظرة عميقة مزدهرة تحيطها بغيم أبيض ماطر بنقاء صافي فوق حقول الربيع في حدقتيه..
ابتسم لها أخيراً وهو يفلت يدها بلطف ثم قال متنحنحاً: "هيا أخّرنا أمل.."
هبط هو بابنته أولاً ولحقته هي، ثم أخذت الصغيرة لتقف بجانبها وأمسكت كفها في استعداد لدخول المدرسة بناءً على رغبتها, فهي لم تشارك صغيرتها هذا الجانب من قبل إلا مرة واحدة عندما قدما أوراقها.. ولكن الآن الوضع مختلف ترغب في رؤية مدرستها, صفها، المكان الذي تلعب فيه، وتأكل فيه، أصدقائها وزملائها.. كل شيء يخص ابنتها تريد الغرق في تفاصيله، فبداخلها جوعٌ رهيب، نهمٌ أمومي لتعويض كل ما أهملته معها..
وجدت ممدوح يقف خلفها يحيطها بجسده دون أن يلمسها.. ثم وضع مفتاح سيارته في يدها وهو يقول بهدوء: "أعدكِ أن أوفر لكِ سيارة خاصة بكِ قريباً.. ولكن الآن لا يرضيني استقلالكِ المواصلات.. لذا ستأخذين سيارتي دون مقاومة.."
أمسكت منه المفاتيح ثم قالت بتردد: "وأنت؟"
قال بخفوت وهو يدفعها لدخول المبنى: "سأتصرف، لا تقلقي عليّ.. وركزي مع نفسكِ وأمل، إن احتجتِ أي شيء خلال النهار لا تتردي في الاتصال بي.."
أهدته ابتسامة ناعمة مطيعة ملأت صدره بالأمل والزهو.. ثم اختفت أخيراً داخل رحلة جديدة ستخوضها لورين أيوب الأم مع (أمل حياته)..
******
استسلمت لورين لاندفاع أمل المبتهجة وهي تشد يدها لحجرة التدريس الخاصة بها.. ولم تنتظر إحدى المشرفات منمقات الملبس, بشوشات الكلام، والتي تقدمت لتتعرف عليها وترافقها بعد تبادل معلومات بسيطة..
اندفعت أمل بعد أن تركت يدها وهي تتوجه نحو مقعد مكتوب عليه اسمها بالإنجليزية ثم هتفت: "أنظري ماما، لقد وضعت معلمتي اسم مولي كما طلب منها بابا.. لأني أحبه"
أشرقت ملامح لورين بالبهجة وهي تجلس على عقبيها توازي صغيرتها وهي تقول: "أحلى اسم لأحلى فتاة"
لمعت عينا أمل وهي تقول بطفولية متخايلة: "لوليتا حلوة أيضاً.. لها شعر ملون.. وهي ملونة.. أبوها يدعوها Unicorn.. أنا أحبها أيضاً"
مطت لورين شفتيها وهي تقول ساخرة: "علمت هذا، فـ unicorn خاصتكِ ستخرج لنا من الحمام قريباً"
لم تنزعج أمل بل جذبت كفها بلهفة تسحبها خلفها: "تعالي.. تعالي سأُرِيكِ الخزانة الخاصة بأمل.. لديّ أشياء جميلة لأرسم بها وأكتب"
استسلمت لورين ليدها تشاركها بهجتها.. بينما عيناها تحدقان فيها دامعة كما قلبها.. فصغيرتها رغم إعلانها الدائم باكتفائها باهتمام ممدوح.. إلا أنها تفتقدها وبشدة.. كيف كانت غافلة جاحدة بحق عن جوع صغيرتها لها..
:-"ما رأيكِ؟"
همست لورين بعاطفة: "جميل كمولي"
ضحكت أمل بانتعاش وخجل, قبل أن تفتح حقيبة صغيرة معلقة على مشذب حديدي داخل الخزانة الخشبية المخصصة لها.. ثم أخرجت سوار من الخرز الملون وأمسكت يد لورين وهي تقول: "هذه لكِ، لقد صنعتها وأنتِ كنتِ مشغولة، واحتفظت بها من أجلكِ"
رفعتها لورين إليها وهي تضمها بقوة, تقبل وجنتها وهي تهمس: "شكراً يا مولي, هذه أجمل هدية صنعت لي يوماً"
فتحت أمل ذراعيها على متسعهما وهي تهتف ببهجة: "حضن دافئ"
ضمتها لورين وهي تتمايل بها بسعادة مكررة: "حضن كبير ودافئ جداً حتى أراكِ بعد المدرسة"
لمعت عينا أمل وهي تقول بجزل: "ستأتين لأخذي.. ألن تكوني مشغولة؟!"
هزت رأسها نفياً مؤكدة: "لن يشغلني عنكِ شيء من جديد أبداً"
قهقهت صغيرتها وكأنها ألقت على مسمعها أحلى الحكايات..
حتى هتفت من جديد: "هذه أستاذة أمل.. أنا أحبها فهي لم تعد تزعجني"
تنحنحت لورين من القول الفج، ولكن ماذا تفعل فهذه ببساطة أمل!
استدارت بهدوء أنيق دون أن تفلتها من بين ذراعيها نحو الأستاذة والمشرفة ومدت يدها في سلام بشوش: "مرحباً بكِ.. أنا والدتها"
بادلتها المدرّسة الترحاب الحار، وإن كانت تتأملها بدقة وبعض العجب وكأنها مبهورة لأن هذه الفارعة ذات الجمال الوحشي والأناقة الشديدة تكون أم المتشردة الصغيرة: "مرحباً بكِ يا دكتورة وأخيراً التقينا"
ابتسمت لورين بهدوء وهي تكرر: "نعم وأخيراً.."
اقتربت الأستاذة أسماء تنكش شعر أمل الغزير الذي كان قد نكش سابقاً خلال المسافة من البيت للمدرسة.. وضاع كل مجهود لورين وعراكها معها سدى.. سمعت أسماء تقول بنبرة مجاملة: "أمل طفلة جميلة وهادئة جداً.. وطيبة مع زملائها خاصة الذكور منهم.. أهنئكِ عليها"
ارتدّ وجه لورين كما ارتدّ جسد أمل وهما تحدقان ببعضهما بصدمة.. فتحت أمل كفيها ورفعت كتفيها وكأنها تنفي هذه التهمة الشنيعة عنها..
ترجمت لورين رد فعلهما وهي تقول ببلاهة: "عفواً, أمل من تقصدين؟!"
ضربت المشرفة كتف زميلتها متنحنحة وهي تقول من بين أسنانها بخفوت: "لا داعي للمجاملة.. الجميع يعرف من أمل"
حكّت أسماء طرف حجابها بحرج ثم قالت: "على الأقل هي هكذا في نظري حالياً.. فقد أبرمت معها صفقة رحبت هي بها"
قالت لورين بتوجس: "سعيدة من أجلكِ، وممتنة لسيطرتكِ على جموحها، نحن نعلم أنها صعبة المراس قليلاً"
امتعضت أسماء وهي تقول بتلكؤ: "آه طبعاً قليلاً جداً.. ولكن السبب الحقيقي لم يكن أنا.. فهي قبلت بالتفاوض، إن جلست هادئة وتوقفت عن العداء مع زملاء صفها.. سأسمح لها باللعب أكثر مع ابنة عمها، ليبرتا لها تأثير عجيب عليها، لقد نسبته لتقاربهما في المنزل أيضاً"
تجمدت لورين للحظة، وأصبح وجهها غير مقروء الانفعال.. وهي تقول بخفوت: "آه.. نعم مؤكد"
عبست أمل وهي تقول بحزم أكثر منه انزعاجاً: "لا أراها في المنزل.. هذا ممنوع.. مريم لا تحب أمل"
أسرعت لورين لتسكت أمل وهي تهمس: "هششش، هل تذكرين ما قاله والدكِ؟"
قالت محتجة: "سأصمت إن نزلتِ معي إلى المطعم، أريد أن أتناول وجبتي الخفيفة وأنتِ معي"
نظرت لورين لهما مستفهمة.. فتبادلت المدرسة والمشرفة النظرات المترددة للحظات..
حتى قالت أسماء بحزم: "نعتبره منطقة ممنوعة لأي أحد إلا لطاقم التدريس.. ولكن لا مشكلة أستطيع الاستثناء من أجلكِ وأمل بما أنها من مسؤوليتي"
أومأت لورين شاكرة وهي تضع أمل على الأرض والتي جذبت يدها سريعاً تسحبها لجولة للجانب الخاص بالأطفال في سنها بالطريق .. حتى وصلتا المطعم بعد دقائق طويلة..
فور أن دخلت معها أفلتت أمل يدها مندفعة بينما بقيت لورين عند الباب الذي يوصل الحجرات الدراسية بالمكان والذي بدا أنه مشترك لكل مباني المدرسة الدولية..
راقبت بعينين مهتمتين فضوليتين للغاية الفتاة الملونة بالفعل كما وصفتها ابنتها.. تقف عن المقعد وهي تهلل وتنادي أمل: "تعالي مولي.. لقد حجزت مكاناً لكِ بجانبي وإياس.."
جلست أمل سريعاً بين التوأمين.. ربما هي رأتهما بالماضي من خلال الصور التي كانت تنشر لهم على مواقع التواصل الاجتماعي ولكن حينها كانا مجرد لفافتين صغيرتين.. وعندما انفصلت عن ممدوح لم يعنيها بالطبع تتبع أخبارهما..
فتاة وفتى عسليا الشعر بالكامل، أعين رمادية موجهة لها الآن، ابتسما بأدب عندما أشارت صغيرتها نحوها ، من الواضح أنها عرفتهما عليها.. أشارت لورين لهما بكف مترددة.. بينما ينظر إليها الصغيران بخجل طفولي ممتع.. همست: "جميلان فعلاً، ومهذبان.. من الواضح أن أثرهما الطيب ترك بصمته داخل ابنتي التي أصبحت طباعها سهلة الترويض قليلاً.."
أطلقت لورين زفرة واهنة وهي تتأملهم من جديد بدقة هامسة بصوت واهي أجش: "ليس من العدل أن يدفع ثلاثتكم ثمن ماضي الآباء.. أليس من الأفضل إن لم تتعرفوا ببعضكم من الأساس.. فتتجنبوا جرح قلوبكم بأحقاد الكبار؟!"
سمعت صوت أسماء وراءها تقول بتوتر: "دكتورة لورين وودت أن تبقي المدة التي تريدين.. ولكن علمت لتوي أن هناك طلب مشدد من والديّ التوأمين أن لا يقترب أحد من حدودهما مهما كانت صفته"
أظلمت ملامح لورين وهي تبتلع غصة هائلة في حلقها بصعوبة ..ثم قالت بهدوء: "لم أكن لأقترب، فلا تقلقي, دقائق وسأنصرف"
همست أسماء: "أنا آسفة"
قالت لورين بهدوء: "لا عليكِ، سعيدة لتعرفي عليكِ واطمأننت أن ابنتي بين أيدي أمينة"
أجابتها أسماء قبل أن تنصرف للداخل بجانب صفها: "السعادة من نصيبي، كما أتمنى إن استطعتِ أن تخصصي بعض الوقت لأمل، فرغم تعلقها الملحوظ بوالدها.. إلا أن سعادتها اليوم لا تقارن بشيء، هذه المرة الأولى التي تمتثل لقوانين المدرسة وتدخل صفها دون صراخ ومقاومة"
أومأت لورين ببطء ولم ترد، بينما ذلك الضغط الهائل يعود يسحق صدرها بغير عدل وهي تفكر: "أمل ممدوح زيدان.. وليبرتا وإياس إيهاب زيدان.. كيف لم أنتبه من قبل بأنكِ منهم تشاركينهم النسب والدماء.. وبأن مكانكِ منذ البداية هنا بينهم فوق أرض وبلاد تقبلتكِ بترحاب؟ كيف لم أنتبه صغيرتي وسط حربي؟ ولما كتب على ثلاثتكم دفع ثمن جرم لم يكن لكم يد فيه؟! إن علم كل شخص أن أفعاله ستطارده ونسله، مؤكد كانت الدنيا خلت من الشر والدنس.."
أخرجت لورين من حالة الشجن تلك الناعمة المبهرة التي وقفت من جديد تهز شعرها الملون بتخايل تتراقص معها دبابيس شعرها الكثيرة على شكل وحيد القرن و التي أمسكت الحرير فوق رأسها بإحكام وهتفت بنعومتها المهلكة: "أمل أختي الجديدة.. لا تخافي عليها.. سنحرسها أنا وأخي"
ابتسمت لورين في وجهها ببهجة شديدة ثم قالت: "وأنا أعتمد عليكِ يا لوليتا، فهي تحبكِ أيضاً"
ضحكت بنعومة أشد تتغلغل في القلب.. ذكرتها بابتسامة الأطفال على صفحات المجلات.. ذلك النوع الذي تتمنى أن تحصل على طفل مثله ولكن الله يعاقبك بالنهاية (ببلطجية شديدة التشرد).
هل ستحسد الطفلة المسكينة الآن؟ ولكن الأمر ليس بيدها، فنعومة الفتاة وأناقتها وسحرها تجذب العين، لا عجب من تعلق ابنتها بها.. أم هي أسباب أخرى لن تستطيع تفسيرها يوماً؟!
جلست الفتاة من جديد, ورمقتهم لورين بنظرة أخيرة، قبل أن ترسل قبلة على أصابعها لصغيرتها وتلوح مودعة إلى موعد اللقاء..
وفور أن ابتعدت وجدت شعوراً غريباً يجتاحها بينما صورة التوأمين شديديّ الجمال المختلف تتراقص أمام عينيها مع كلام إسراء المتفاخر بالأمس حينما سألتها من هي لوليتا.. واسترسلت إسراء بالشرح قبل أن تختم جملتها الفخورة بخبث عندما قالت: (ليبرتا صورة طبق الأصل من والدتها.. وإن كانت مريم أشد جمالاً، وبراءةً تسرق القلب والعين رغم أنها شقية جداً.. شقاوة يتمناها أي رجل في زوجته، لا عجب أن زوجها متعلق بها لهذا الحد، فمن يحب مريم يستحيل عليه نسيانها).
شقاوة نسائية تعلم هي أنها لا تملكها.. فهي شخصية عملية عقلانية وجامدة حتى في تبادل الحب.. هي حتى لا تجيد الألاعيب النسائية، تجهل كلياً كيف تثير رجلاً راغباً بالأصل.. لطالما اعتمدت على ممدوح في هذا الجانب، فكل أفعالها معه عفوية, بحتة وباردة عن غير قصد.. هي حتى تجهل أساليب الإغراء.. ربما لديها عقل جهنمي يجيد التخطيط معتمدة على ذاتها ومكتفية بها، لكنها لم تحاول يوماً طلب المساعدة، وعندما عاد ممدوح يغزو حياتها نفرت من فكرة أن يكون له أي سلطة عليها.. تكره سلطة الرجال، ترهب فكرة أن تعتمد حياتها على أحدهم فيخذلها وتنهار.. إن فقدت أمر سيطرتها على أمور حياتها ستغرق في تهديد ثباتها.. لذا نعم هي لن تكن يوماً (امرأة ملونة وشقية، تنساب بين يديه كالحرير الذي يؤجج حبه قبل رجولته) كما وصفت إسراء أم التوأمين..
تجمدت لورين على بعد خطوات من السيارة وهي تلمحه يقف هناك مستنداً على مقدمتها.. شارداً للبعيد في انتظارها..
همست لنفسها باحتراق ملعون ترفضه: (امرأة كانت أمام نظرك وبين يديك يوماً.. امرأة ما زالت تترك أثرها بداخلك، حتى وإن كان شعورٌ دافعه الذنب البحت.. ترى هل انجذبت لها وأحببتها وسط جنونك ولم تدرك؟!)
هزت لورين رأسها بعنف ترفض الفكرة المنفرة، تنهر نفسها بتشدد: (أنتِ جننتِ.. ما الذي تفكرين به؟ أي انجذاب وغباء زوجكِ دمرها بماضيه، وأنتِ الآن بتِّ تعرفين عمق الندبة التي يخلفها انتهاك أحدهم لكِ رغماً عن إرادتكِ؟! إن كنتِ أنتِ على استعداد للمغفرة بدافع الحب، وذلك الرابط العجيب والتشابه القدري في حيايتكما.. مؤكد هي لا وقد علمتِ أنها ترفض حتى منحه الغفران ولو كذباً.."
أغلقت عينيها بقوة وهي تتمتم: (أعلم.. أعلم أنها لا تطيق النظر في وجهه حتى دون أن تتقيأ أو تريق دمائه، فهو مجرم في نظرها لا يستحق حتى حكماً مخففاً.. ولكن ماذا عنه هو هل هو صادق في كلامه عنها؟! هل هي فعلاً في نظره مجرد ذنب يحاول تناسيه؟!)
هزت رأسها من جديد بالنفي وهي تهمس مبهورة تفسر أفكارها المتطرفة لخط واحد لا يقبل التأويل: (رباه.. هي تغار على ممدوح ومن مجرد طيف عابر لم يعني لكلا الطرفين شيء!! منذ متى.. منذ متى تحديداً شعرت بالغيرة عليه؟!)

.............
.................................................. .................................................. .......


يتبع ألان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-02-21, 09:46 PM   #8323

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الستون "٣"

أتحبني . بعد الذي كانا؟
إني أحبك رغم ما كانا
ماضيك. لا أنوي إثارته
حسبي بأنك ها هنا الآنا..
تتبسمين.. وتمسكين يدي
فيعود شكي فيك إيمانا..
عن أمس . لا تتكلمي أبداً..
وتألقي شعراً.. وأجفانا
أخطاؤك الصغرى.. أمر بها
وأحول الأشواك ريحانا..
لولا المحبة في جوانحه
ما أصبح الإنسان إنسانا..
*
عامٌ مضى. وبقيت غاليةً
لا هنت أنت ولا الهوى هانا..
إني أحبك . كيف يمكنني؟
أن أشعل التاريخ نيرانا
وبه معابدنا، جرائدنا،
أقداح قهوتنا، زوايانا
طفلين كنا.. في تصرفنا
وغرورنا، وضلال دعوانا
كلماتنا الرعناء .. مضحكةٌ
ما كان أغباها.. وأغبانا
فلكم ذهبت وأنت غاضبةٌ
ولكم قسوت عليك أحيانا..
ولربما انقطعت رسائلنا
ولربما انقطعت هدايانا..
مهما غلونا في عداوتنا
فالحب أكبر من خطايانا..
*
عيناك نيسانان.. كيف أنا
أغتال في عينيك نيسانا؟
قدر علينا أن نكون معاً
يا حلوتي. رغم الذي كانا..
إن الحديقة لا خيار لها
إن أطلعت ورقاً وأغصانا..
هذا الهوى ضوءٌ بداخلنا
ورفيقنا.. ورفيق نجوانا
طفلٌ نداريه ونعبده
مهما بكى معنا.. وأبكانا..
أحزاننا منه.. ونسأله
لو زادنا دمعاً.. وأحزانا..
*
هاتي يديك.. فأنت زنبقتي
وحبيبتي. رغم الذي كانا..


:-"هااااي مرحبًا، هل أعجبتكِ المدرسة لهذا الحد.. إن كنتِ مستعدة سأتبناكِ وأرسلكِ إليها من جديد؟!"
صوته العابث كما هو كان اقترب منها فعلاً.. ذراعه أحاط كتفيها دون خجل من أعين المارة الفضولية.. أو من بعض حرس المدرسة الواقفين وراءها بخطوات..
همست باضطراب: "على أساس أنك ستترك السيارة لي.. لماذا انتظرت؟!"
ضحك وهو يقول: "بدأنا الظن السيء، لا تقلقي لن أطلب منكِ منحي توصيلة"
:-"هل نسيت شيئاً بداخلها إذاً؟"
أنزل ذراعه ووضع يديه في جيبي بنطاله ثم قال وهو يهز أحد كتفيه ببراءة: "آه نسيت, فنحن نتقارب كأسرة ليلاً فقط.. بينما نهاراً نتباعد لمسافات"
احمرت عالمة بما يقصده المتحايل بالتقارب الليلي.. قالت ببرود: "الاجتماع الأسري المفاجئ لن يصلح.. فأمل ليست معنا"
هز كتفيه من جديد بإهمال ثم قال: "جيد، أريد صحبتكِ أنتِ دون فضائح جانبها.. فأنا أنوي دعوتكِ لمكان قريب على النيل لتناول مشروب دافئ وبعض الحلوى.."
صمت قبل أن يتابع بمرح: "وجبة الإفطار الفلسطينية من يديكِ ثقيلة على معدتي البائسة التي اعتادت النواشف.. ها ما رأيكِ؟"
ترددت للحظة وقد أدركت أمراً.. انهما بالفعل لم يخرجا يوماً سوياً، لم يتناولا كثنائي شيء بالخارج أبداً.. قبلاً في أميركا كان عجز قدميه يجعله يرفض الأمر بشكل قاطع وكأنه يخجل من الظهور معها.. وهي لا تلومه لشعوره فهي قد كانت تعزز نقصه كثيراً حينها.. وهنا أيضاً كانا منشغلين في حربهما الصامتة، لذا لم يجرؤ يوماً أن يدعوها.. أما عن السبب الآخر.. دفعها لابتسامة متلاعبة وهي تحرك المفتاح بين يديها قائلة: "بالطبع ثقيل على معدتك المسكينة المتشردة، أنت تنسى أن تأكل حتى تصيح أمل بجوعها"
قال بخفوت مداعباً: "أكتفي بتذكركِ طوال الوقت فهذا يشبع أي جوع لديّ"
ارتبكت وهي تدفع شعرها المصفف بأناقة فوق رأسها ثم همست: "حسناً كلامك هذا بمناسبة وبغير مناسبة يدفعني للتورد دائماً ..وهذا شعور غريب عليّ"
التقط المفتاح من يدها بخفة ثم فتح الباب لها ودفعها لتجلس مكانها بنوع من التسلط مما جعلها تنظر إليه بعبوس أصبح محبباً لقلبه.. ثم قال بخبث: "الخجل ليس جديد عليكِ ولكنكِ نسيتِ، هل تذكرين ليلة زواجنا؟!"
ورغم حنقها ووجهها الذي احمر بضراوة قالت قاصفة: "أي ليلة تقصد تحديداً فلدينا اثنتان.. إحداهما كانت كئيبة للغاية"
احتل مكانه خلف عجلة القيادة.. ثم قال مداعباً: "الليلة المثيرة طبعاً.. الأخرى أنا لا أحسبها من الأساس، إلا كليلة أعدت فيها مسارنا سوياً من جديد بعد أن افترقت طرقنا"
تنهدت ولم ترد مباشرة، وهي تسند رأسها المثقل على النافذة.. حتى همست أخيراً بشحوب: "هل تظن أن كل ما نفعله سينجح وسيأتي اليوم الذي نتناسى فيه الجراح وكأنها لم تكن؟!"
قال ممدوح بخفوت: "إن نسينا سنكون أكبر أحمقين في التاريخ البشري.. ما حدث كان عقاب مناسب لي تقبلته كتكفير عن ذنوبي.. أما عنكِ وعني أيضاً فقد تعلمنا درسنا بأصعب الطرق، حتى لا نكرره في المستقبل.. الفكرة من الوقوع في أخطاء الماضي هو تعلم العبر، أن نبغض تلك النسخة القديمة منا، ونتمسك بالجديدة منها هذه التي تتشبث بالأمل، وتسعى للإصلاح والتعويض.. والتمسك بالفرص التي منحتها لنا الحياة بعين الرأفة"
نظرت إليه بتعبير مذهل.. وشفتاها ترتجفان بضعف أهلكه ثم همست بصوت غريب: "لم أسألك قبلاً لأن كل شيء كان يتمحور حول ألمي أنا.. هل أنت على استعداد للتحمل وللصبر معي حتى نهاية الطريق يا ممدوح.. أعني.. أعني الجانب الجسدي بالذات لا أظن أني سأغلبه قريباً.. وأنا كطبيبة أولاً وإنسانة عملية ثانياً أدرك أن الأمر صعب على نفسية الرجل؟!"
توسعت عينا ممدوح لبرهة وهو يعقد حاجبيه بتعجب للحظات.. ثم ضحك ضحكة خالية من المرح قبل أن ينقل ناقل السرعة وينطلق بهما وهو يقول بصوت جامد: "ظننت أني أوضحت لكِ الأمر منذ أيام حبيبتي.. ما تعانيه هو خطيئتي وحدي ويجب عليّ تعلم الصبر رغم أنفي حتى تخرجي من قيودكِ بسلام.."
أومأت مضطربة ولم ترد هذه المرة.. مما دفعه للتنهد وهو يقول بحزم: "لا أهتم للأمر برمته يا لورين.. تذكرين أني قبلت العودة معكِ مع شرط جازم بأننا لن نمارس حياة طبيعية من الأساس.. ما كنت أريده منكِ حصلت عليه بالفعل وانتهينا.. أما البقية هي مجرد مكافأة زائدة لن أنكر حلاوتها إن غلبتِ هواجسكِ.. ولكنها ليست الأساس"
همست: "ما الذي حصلت عليه؟!"
ضحك هذه المرة بصفاء مشاغب ثم قال ببساطة: "أنتِ بين ذراعيّ كل ليلة.."
أطلقت زفرة طويلة وهي تغرق في مقعدها أكثر هامسة بخفوت: "نعم.. هذا مؤكد حصلت عليه بكل رضا"
مد أصابعه يداعب وجنتها ثم همس: "ستمر.. كل بقايا الحزن ستمر.. أنا من أريد منكِ أن تصبري قليلاً حتى نتناساها"
هزت رأسها موافقة وهي تغلق جفنيها بقوة مرددة بداخلها: (سننجح لأني أحبك.. لأن وجعك منذ البداية كان صدى لأوجاعي.. حزنك كان صرخة لأحزاني..)
ربما كما قال.. بقايا الحزن ما زالت تستوطن داخلها.. يتحملها مؤكد ويقطع الطريق ممسكاً يدها وصغيرتهما غير ملتفت لتعثرها في مجاراته.. إلا أنه كاذب!!
كاذب وبشدة بشأن عدم اهتمامه وتأثره.. فمنذ يوم مواجهتهما وإصراره على مشاركتها حتى حمامها الطويل مستغلاً اضطرابها حينها وهشاشتها كما لم تظن في نفسها يوماً.. أن تكشف له دواخلها لهذا الحد حتى غرق معها وفيها.. يومها لم يغرقا في مخاوفها الخاصة فقط.. بل في حوض الاستحمام أيضاً!!
مازالت لمسته تطبع عميقاً فوق كل إنش منها، عيناها الذاهلتان المبهورتان باستسلامها، واحتياله عندما أتى بصابون استحمام بلون ورائحة الشوكولاتة.. ثم جهز لها الحوض الدافئ بنفسه.. كما خلع ملابسها قطعة تتبعها قطعة.. وهي تقف عاجزة مسلمة ومستمتعة بمشاعر قديمة وحده من أججها, وهو أيضاً من أطفأها.. لقد كان لطيفاً لأقصى حد، حريصاً مع كل حركة يفتعلها.. يتلمسها بعاطفة ولكن أيضاً بحنان وكأنها لعبته المفضلة من الزجاج ويخشى كسرها أو حتى إحداث خدش فيها..
مارس أقصى درجات ضبط النفس حتى عندما وجدت يديها تجذبه رغماً عن إرادتها بشعور من الحاجة المفتقدة لمشاعر إنسانية بحتة اشتاقت لرجولته.. سحبت أنامله بتردد من فوق ظهرها الذي كان يدلكه برقة.. تدعوه بصمت لأن يشاركها حوض الاستحمام وأن يضمها لصدره وسط المياه الدافئة وفقاعات الصابون ذات الرائحة النفاذة والتي ألغت عقليهما.. حتى اشتبكت شفاههما في حرب قبلات صامتة لا يتخللها إلا صوت أنفاسهما وضربات قلوبهما.. ويديه العابثة التي اجتاحتها على مهل مزلزلاً العالم تحت قدميها.. حتى وصلا لنقطة مجنونة.. سيفقد فيها مجرى الأمور وتتسلل السيطرة من بين يديه.. وقتها فزعت هي ودفعت صدره بعيداً وكأن عقلها استيقظ من غفوته وتحرر من ذلك الاضطراب الذي كان يلفها.. لحسن الحظ كان هو عند وعده، وإن فلتت الأمور من يديه وفقد سيطرته الجسدية.. لذا وجدته يقفز تقريباً وغادر الحمام وغاب.. غاب طويلاً.. بينما بقيت هي بين المياه تغرق في بكائها وعجزها.. تنعي كل ما كان على أمل توديعه دون عودة.. بعد وقت كان قد عاد إليها وبدا أنه استحم في مكان آخر وبدّل ملابسه ببنطال بيتي قصير.. ثم كما طلبت ساعدها للخروج في صمت أيضاً ولفت جسدها بتوتر أمام عينيه التي لم تترك تأملها بنهم للحظة, وخلال دقائق أخرى وجدت نفسها فوق فراشهما وبين ذراعيه ونامت.. نامت حتى صباح اليوم الآخر..
ومنذ ذلك الوقت وبعد أن يسيطر على أمل, يغلق باب غرفتهما ويكرر اجتياحه لها.. دون أن يصلا للنهاية.. أحياناً يمسك نفسه ويوليها ظهره حتى يهدأ ويعود لضمها.. ثم يغرقان في غفوة مرضية.. وأوقات أخرى تراه كقط مقيد يرى أمامه إناء طعامه دون أن يجرؤ ويمسه..
"هل أنتِ راضية؟" صوته أخرجها من صمتها الطويل
إلا أنها اندفعت تجيبه دون تفكير: "راضية جداً"
ضحك ممدوح بلؤم وكأن الخبيث, الخبير أدرك أين ذهبت بأفكارها المتطرفة.. ثم قال: "عنيت المكان الذي سندخله"
ابتسمت باضطراب ثم همست: "وأنا قصدت كليهما.. لا تظن أنك ستنال مني"
قال بخفوت مداعب: "ومن قال أني أريد النيل منكِ.. بل أريد نيلكِ أنتِ"
ابتسمت وهي تسبل جفنيها ببطء وثقل، تشعر بالزهو والرضا بالفعل.. إذ أنها ربما اعتمدت على نفسها في ترميم ذاك الجزء المعطوب من نفسها.. ولكنها تفاجأت بحق عند تحليل كل فعل يبديه معها.. بأنه أيضاً يطبق طريقة نفسية بحتة ليزيل الرهبة من خلال التمهيد لعاطفتها أولاً ثم إشعارها أنها مازالت تملك زمام الأمور بالقبول أو الرفض.. مازالت تملك السلطة وحريتها التي قيدها بالسابق.. وطبعاً لطفه الزائد بهذا الجانب تحديداً ليمحو كل أثر للعنف خلّفه فيها.. رغم أنها تعلم جيداً أن طبيعة ممدوح لا تحمل لطفاً أو رقةً بل هو جامح وعنيف بطبعه عند تفاعل جانبه الذكوري..
"هل لديهم كنافة نابلسية؟!" سألت وهي تنفض أفكارها بعيداً.. عازمة أن تستمتع بمبادرته بشكل جاد..
مط شفتيه وهو يقول: "بالنسبة لشخص لا يعرف إلا (الدوناتس) كحلوى.. فأنتِ وجهتِ سؤالكِ للشخص الخطأ.."
تظاهرت باليأس وهي تقول: "إذاً أمري لله سأضطر لأن أخادعك قليلاً، وأسيطر عليك قليلاً أيضاً، وأدعوك لتناول الحلوى الشرقية لتندمج في المجتمع قليلاً"
وضع كفه على ظهرها وهما يتوجهان لداخل المكان ثم قال بجدية: "إن كنت ستدفعين أنتِ فأنا لا أمانع"
التفت سريعاً تنظر إليه بدهشة.. ألم يكن هذا الأمر أحد عقده؟!
قال مداعباً: "لا بأس من حين لآخر أن تدعونني لتناول بعض الحلوى.. ولكن الحلوى فقط.. لا تبالغي"
توسعت ابتسامة ممتعة على وجه لورين وهي توافقه دون جدال وكأنه منحها أحلى الهدايا لتوه.
********
بعد ساعتين...
كان ممدوح يقف من جديد أمام المشفى التي التحقت لورين للعمل فيه..
هبطت من السيارة وهي تقول بلهفة: "لقد تأخرت، لن أسامحك، طوال عمري يضبطون الساعة على مواعيدي"
قال بصوت رجولي مبتهج مازحاً: "أخبريهم أنكِ كنتِ في موعد غرامي مع زوجكِ، وهو له الأولوية وإلا سوف يأمركِ بأن تجلسي في المنزل"
منحته أحد نظرات أمل الفظة المنزعجة وهي تقول: "أو لن أقبل بعد ذلك بمواعيدك المفاجئة، ضع في حسابك أنك إن أردت تكرارها أن تحجز موعداً مسبقاً"
نظر لعينيها وهو يقول مبتسماً: "إذاً أنتِ راضية وتقبلين بتكرارها؟!"
ابتسمت قليلاً رغم أنها بدت أكثر ارتباكاً.. وهي تقول بخفوت: "أحب كل جديد تقدمه لي، وهذا الموعد أنا لم أحصل على ما يماثله من قبل.. لذا أرغب في تكراره"
ابتسم وجهه الوسيم بجاذبية مهلكة جعلت قلبها يضرب بين أضلعها بقوة عندما قال بنبرة مبطنة بالإنجليزية: "لا تنسي موعدنا ليلاً، أريدكِ جاهزة الليلة لآخذ خطوة أكثر عمقاً وإثارة، لأن تخطينها بسلام.. ثم سنكون على موعد آخر صباحاً يشبه صباح اليوم"
خبطت باب السيارة بعنف متجهمة في وجهه تدعي الغضب بينما في الحقيقة كل خلية فيها كانت ترقص طرباً وترقباً.. وكأنها بالفعل على موعد غرامي ساخن جداً مع رجل تحبه.. رجل لم تعد تحمل ضده أي حقد، وإنما هي تتسلح معه بالأمل والحلم الذي سيتحقق أخيراً.. بوجود مرسى ووطن ثابت لا تهدد بنزعه منها..
"أحبكِ.. أحبكِ رغم جحودكِ يا ابنة الخليل.. وكأن الله لم يخلق نساءً على الأرض سواكِ.." همست شفتاه براحة شديدة متنهداً بنفس ثخين أجش بينما عيناه تودع اختفائها لداخل المشفى.. وصبر قلبه بأنها ستعود إليه بعد ساعات كما اتفقا أن يفعلا يومياً.. يوصلها بنفسه ويعيدها أيضاً في طريقه.. طريق واحد سيمشيان فيه سوياً دون إجبار ودون تنازل من أحدهما..
رن هاتف ممدوح وهو يهم بالانصراف إلى مكتبه الصغير أخيراً.. رفع الهاتف وهو يجيب بهدوء: "صباح الخير يا مراد"
قال مراد بامتعاض: "نموسيتك كحلي.. أي صباح الآن الساعة العاشرة؟!"
ضيق ممدوح عينيه قليلاً وهو يقول بلهجته المكسرة: "رغم أني لم أفهم كلماتك الأولى ..إلا أن الوقت مازال مبكراً على الشجار.. ماذا تريد؟!"
قال مراد بتعب: "ستجلطاني أنت وأختك.. دجاجتي بحسها الغريب والمريب في إحاطة الجميع باهتمامها المبالغ.. وأنت ببرودك"
تأفف ممدوح وهو يقول ببرود: "انجز.. فمزاجي جيد ولا أريد تبديده عليك"
قال مراد بجدية: "أتعلم أنت لا تستحق ما سأخبرك به.. خسارة فيك"
:-"إن لم تقل ماذا تريد سأغلق الخط، وأضعك مع زوجتك في القائمة السوداء"
سخر مراد: "هذا على أساس أنك تمتلك قائمة بيضاء!"
قال ممدوح بمرح: "أملك واحدة تضم اثنتين فقط.. أمل ولورين"
تهكم مراد: "يا حبيبي، هل أحدث روميو عن طريق الخطأ؟"
هتف ممدوح بانزعاج: "مراد.. أدخل في الأمر مباشرة، ماذا تريد؟"
صمت مراد للحظات وهو يطرق بقلمه على مكتبه برتابة بينما عيناه تحدقان في ورقة أمامه وضعت بين يديه ليلة أمس أمانة ليوصلها لممدوح.. نطق أخيراً بعملية: "أريد منك أن تأتي إلى شركتي في زمن قياسي.. صدقني لن تندم وستتمنى لو لم تضيع الوقت في الثرثرة وأتيت سريعاً"
أغلق ممدوح الهاتف بينما يغير مساره نحو شركة مراد.. ورغم نبرة زوج أخته المبتهجة إلا أنه رغماً عن إرادته القلق استبد به.. فهو بالكاد يرسي أسس حياته ولا يحتاج في هذا الوقت لأي حمل آخر يلقى على كتفيه..
...............******....................

يتبع ألان


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-02-21, 09:56 PM   #8324

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الستون المشاركة "٤"




أغلق جوشوا حاسوبه بهدوء وخلع نظاراته جانبًا بعد أنهى أحد محاضراته عن طريق أحد مواقع Online إذ أنه قرر الجلوس ورضخ لاختيار زوجته وابنه بعدم الخروج من بلدهم.. ولكنه لم يستطع البعد عن شغف التدريس لمئات من طلابه.. من الجيد أنه وجد حل مرضي لمجلس الجامعة ..وله أيضا بالطبع فهو يسافر شهرياً بانتظام يبقى يومين على الأكثر يلقي محاضراته على طلابه باتصال مباشر ثم يعود إليهم.. وكيف لا يفعل وشغف التدريس وبث علمه لا يضاهيه شعور آخر.. تمطى قليلاً يفرد عضلات جسده من جلوسه المتزمت لساعات.. ثم خلع جديته ومنصبه جانباً مع كل علمه.. وعاد لدور الزوج والأب المشاكس.. وأسرع بخطواته يتتبع خط سير زوجته بشقاوة.. ملكته الفرعونية المتزمتة الجادة تظن أنه لا يلاحظ لجوئها للمطبخ متخفية نهاراً.. وانسحابها ليلاً ببطء وذهابها لبقعة مخفية تتناول شيئاً غريباً على الدوام..
ما زالت لا تتقبل أمر حملها تماماً حتى أنها ترفض للآن المتابعة مع الطبيبة بانتظام.. تكتم وحمها ووجعها أيضاً وترفض بعناد التصرف كسيدة حامل.. حامل بطفله هو من جديد.. نفخ صدره بغرور وفرحته تتراقص على وجهه.. حتى وصل للدور الأسفل.. امتعض وهو ينظر لابنه الذي يجلس أمام التلفاز يشاهد أحد المباريات.. فهو يتحمل وجوده على مضض.. ابنه الشاب الأحمق لقد أصبح يحاوط والدته بشكل أكبر من ذي قبل فيمنعهم من التصرف بحرية ولكن على من؟! فهو ما زال يتقصد إحراقه بالغيرة.. ويأخذ كل حريته بتدليل حبيبته (الحامل) وأمام عيني (حماره الغالي).
وقف جوشوا بين التلفاز وابنه المنسجم.. والذي أخذ ينقل رأسه محاولاً أن يتابع المباراة من وراء حجبه له: "ابتعد يا أبي إن تكرمت.. فاللعبة اشتدت لتوها"
قال جوش بفتور: "مساء الخير يا دكتور نزار"
قال نزار من بين أسنانه بتهكم: "مساء الخير يا بروفيسور.. هلّا انتهينا من تباهينا العلمي.. وأفسحت المكان؟!"
قال جوش ببرود: "أليس لديك سكن خاص بك.. يحتوي جهاز مرئي؟"
قال نزار ببرود: "لديّ اثنان.. ولكن هنا يعجبني أكثر.. خاصة مع حلوى والدتي"
همس جوشوا بغيظ: "قليل الدم.. تضغط عليها وتحمّلها دلالك في وقت تحتاج فيه للراحة"
قال نزار بسماجة: "أولاً اسمها (عديم الدم).. ثانياً زوجتك الحامل لا تعارض في تدليلي.. إن كان لديك اعتراض تجرأ وأخبرها به، لتطردك أنت وابنك القادم دون تردد"
توسعت ابتسامة شامتة على وجه جوشوا وهو يقول: "لا تراهن على هذا.. هناء قلبي لم يعد يهمها غيري وصغيري"
تأفف نزار بصوت عالي ولم يرد.. تحرك جوشوا يجلس بجانبه وهو يقول باهتمام: "أين شيماء.. لم أرها"
قال نزار بهدوء: "مع سبنتي، لقد رفضت أن أقلها، والأخيرة تكفلت بتوصيلها إلى هنا"
أذكر القط.. أو العصفور.. إذ أنه فور انهائه جملته كان جرس الباب يرن وقبل أن يتحرك أحدهما من مكانه كانت هناء تخرج بلهفة تستقبل كنتها.. هتف جوشوا بصوت ناعم رقيق: "تمهلي حبيبتي، الحركة الجامحة ليست جيدة من أجلكِ"
زفر نزار بحدة ممتعضًا وهو يقول: "الصبر من عندك يا الله على هذا الأب المستفز"
قال جوش ببرود: "إن كنت أفلحت يا فاشل وجعلت عصفورتك الخاصة حامل، لعرفت روعة الشعور ولهفة الرجل ورفقه بزوجته الحامل"
قال نزار بحنق: "العطل ليس من عندي"
فتح جوشوا ذراعيه وحرك صدره وهو يقول ساخراً: "إذاً هو من عندك أمك"
عقد نزار حاجبيه بشدة وهو يقول بذهول: "هل (تردح) لي؟!"
:-"ما معنى (ردح) هذه بحق الرحمن؟ تكررانها أنت ووالدتك دون أن تشرحا معناها!"
قال نزار باهتمام: "هل تشاهد الأفلام العربية؟"
أجاب جوش بهدوء: "كثيراً.. ومنذ زمن طويل حتى أتعرف على الثقافة وأفهم اللغة جيداً"
قال نزار بتوسل: "أقبل قدميك قبل يديك توقف، لقد أفسدت أخلاقك الفاسدة من الأساس"
خبطه جوش على رأسه بقوة وهو يقول: "احترم نفسك وأنت تتحدث مع أبيك"
عادت هناء من جديد تجر شيماء بيدها بنفس السرعة بينما شيماء تمسك في يدها حقيبة بلاستكية غريبة الشكل من النوع الرخيص.. كرر جوشوا: "ترفقي حبيبتي بنفسكِ"
شوحت هناء بغضب ولم تعرهما أي اهتمام.. وفور أن دخلت للمطبخ، أمسكت الحقيبة من يد شيماء وهي تقول بلهفة: "هل أحضرتِ كمية جيدة؟"
كتمت شيماء ضحكتها وهي تقول: "لقد ضاعفت سَبنتي الكمية هذه المرة كما طلبتِ منها.. يفترض أن تكفيكِ لأسبوع كامل "
جلست هناء على الطاولة الصغيرة واختطفت إحدى الحبات وهي تقول بنهم: "ليست كافية.. المرة القادمة ضاعفي ولا تترددي"
قالت شيماء بحنق: "حسناً.. ولكن لماذا كل هذه السرية؟.. سَبنتي أصبحت تغضب مني لأني لم أخبرها عن السبب كلما سألتني.. وتغافل حارسها لشرائها وكأننا نشتري مخدراً ممنوعاً "
نظرت هناء إليها ممتعضة ..ثم فسرت نظراتها وهي تقول: "لم تخبري سَبَنتي، هل أنتِ متأكدة يا فضيحة راوية؟!"
تلعثمت شيماء وهي تقول بحرج: "بصراحة أخبرتها فهي شكت أني أنا الحامل وأخبئ خوفاً من مزاح فرقة الإعدام"
قالت هناء بغضب: "ولماذا يتمازحن على حسابكِ؟! من الطبيعي أن تحملي طفلاً.. فما زلتِ شابة صغيرة وعمركِ مناسب ..بينما أنا كنت ضحية تسليتهن"
قالت شيماء بلا اهتمام: "لا أعرف.. لم أفكر في الأمر"
نظرت إليها هناء بتوجس ثم همست: "ألا تريدي طفلاً حبيبتي.. ألا تتطلعي مثل أي شابة لصغير يجاور قلبكِ؟!"
توردت وهي تقول بصدق: "لم يخطر على بالي ..ولكن إن حدث يا مرحباً به, سأسعد طبعاً وإن لم يكن لي نصيب قريب عادي.. أنا ونزار لم نتناقش في الأمر حتى وتركناه للنصيب"
قالت هناء بسرعة: "إن شاء الله نصيبكِ فل.. فل وستنعمين بواحد واثنين وحتى عشر، وأنا سأعلمكِ كيف تعتنين بهم"
ابتسمت شيماء وهي تقول برضا: "أنا راضية بكل ما يقسمه الله لي"
هتفت هناء بقوة: "ونعم بالله.. إن شاء الله خيراً قريباً.. تعالي اجلسي وتناولي هذا الشيء البغيض معي"
ضحكت شيماء بقوة وهي تتحسس مقعداً مجاوراً ثم تقبلت إحدى الحبات من يد هناء وهي تقول: "إن كان بغيضاً فلماذا أشارككِ به؟!"
قالت هناء بقرف: "أنتِ ستحملين إن شاء الله أحد سلالة العائلة الملكية المجنونة، ويجب أن تعتادي على مزاجهم المريب منذ الآن"
بدأت شيماء في قرش الحبة بتردد وهي تقول: "أنا لم آكل هذا الشيء من قبل"
امتعضت هناء وهي تقول ساخرة: "بالطبع لن تفعلي، فالسيدة منى القاضي لن تسمح بدخول ثمار الناس الطبيعيين من عامة الشعب لمنزلها"
ابتسمت شيماء دون انزعاج ثم قالت بصوت خافت وكأنها تخبرها سر خطير: "خالد كان يأخذني وسبنتي لأحد الأماكن الشعبية أحياناً، ونأكل كل ما هو ممنوع على قائمة أمي.. أنواع إن عرفتها ستسقط في غيبوبة فورية"
قالت هناء ضاحكة: "اصبري عليّ حتى أخرج من فترة الوحام المقيتة هذه ..وسأعرفكِ على أنواع طعام سيغمى على خالد الراوي شخصياً إن عرفها "
ابتسمت شيماء وهي تضع الحبة جانباً ولم تستطعمها بينما أخذت هناء تقرشها بنهم تصدر صوتاً مزعجاً.. حتى قالت ببؤس: "وكأنه ينقصني جنس هابر آخر مجنون المزاج.. ليتعب قلبي وأسناني ومعدتي أيضاً.. ألا يكفيني المجذوبين الذين بالخارج؟!"
هتف جوشوا حتى أنه أجفلهما قائلاً بصوتٍ جهوري فخور للغاية وكأنه انجز ما لم يحققه أحد: "هذا ما تخبئينه إذاً سيدة هابر.. الوحام.. تتوحمين من أجل ابني يا هنا القلب"
خبطت هناء على رأسها مولولة بائسة وهي تقول باختناق: "ها قد عرف (المفضوح) سري.. الآن لن يكف عن استفزاز نزار والتباهي "
كان نزار قد قفز في ثلاث خطوات عندما علا صوت أبيه غاضب الملامح حانق بشدة.. وقبل أن يتحفها بأحد تعليقاته السخيفة ..وقف على عقبيه وراء أبيه يخطف النظر نحو الحقيبة المفتوحة.. وفور أن رأى ما فيها انمحى الغضب والغيرة أيضاً بينما يقول بشماتة: "جميز.. زوجتك تتوحم على جميز، وهي حامل في أميرك المرتقب؟! جميز يا هناء؟!"
نهرته هناء بقرف: "اخرس "
ورغم هذا لم يخرس بل مرّ من تحت يد والده ثم وقف بينهم وهو يقول بنفس الشماتة: "لم يعجبك الحمار الأبيض الذي هو أنا.. إذاً رحب بأميرك الصغير (أبو الرؤوس)"
أطلقت هناء صوتاً متعباً للغاية ..وأخذت حبة جميز أخرى بمنتهى الاستسلام ومضغتها بعنف دامعة العينين وهي تنظر لمصيبتيها هامسة: "أكان ينقصني مصيبة ثالثة يا أبو الرؤوس يا حبيبي؟!"
بينما قال جوش بعملية بحتة: "ليس هناك كائن يملك أكثر من رأس هذه محض خرافات وأساطير ..وإن شاء الله طفلنا لن يكن به أي تشوه جيني.. إنه حفيد هابر يا حماري"
خبط نزار جبهته بباطن كفه بعنف وهو يقول بيأس: "لا فائدة.. الشيء الذي يجيده زوجكِ هو فقط حرق دمي"
قالت هناء ببرود: "توقف إذاً عن محاولة إغاظته وهو تلقائياً لن يعايرك"
توسعت ابتسامة نزار وهو يقول بإغاظة: "حسناً يا أم (أبو الرؤوس) لن أفعل.. يبدو أني سأحب هذا الصبي منذ الآن "
وقفت هناء من مكانها وهي تهم بإخفاء الحبات الخضراء اليابسة قليلاً للجميز ..ولكنها توقفت مكانها تستند على المقعد بشدة تشعر بدوار عنيف وبالأرض تميد تحت قدميها.. أسرع جوشوا يسندها إليه وهو يقول بقلق: "هل أنتِ بخير؟"
همست بتعب: "لا أظن.. يبدو أني أحتاج لزيارة الطبيبة فعلاً والتوقف عن العناد الذي لن يضر أحد غير الطفل المسكين "
وقفت شيماء من مكانها وهي تقول بقلق: "فلنذهب الآن.. وحالاً لماذا التأخير؟"
همست هناء بضعف: "لن اقدر الآن على الخروج من المنزل.. امنحوني بعض الراحة فقط "
أجلسها جوش من جديد على المقعد وهو يقول بهدوء: "سآتي بجهاز قياس الضغط، وبعدها نقرر ما المناسب"
خرج جوشوا على الفور بينما اقترب نزار منها يركع تحت قدميها وقد تبدل غضبه وحقده كله من الأمر للرقة والحنان الكامل وهو يقول: "هل أنقلك للخارج أفضل لتمدي قدميكِ؟ "
عجزت حتى عن هز رأسها وهي مغمضة العينين وإنما أمسكت بيده الممتدة بقوة وكأنها تطلب دعمه هو لا غيره.. أسندها نزار جيداً.. بينما سمع شيماء تقول برقة: "سأحضر لها كأس ليمون بالسكر، ربما يساعد"
تردد نزار قليلاً وهو يقول بصوت خافت قلق: "هل أنتِ متأكدة؟ أخشى أن تجرحي نفسكِ، فأنتِ لم تعتادي الدخول لهذا المطبخ"
ابتسمت في وجهه بإيجاز ثم قالت برقة: "لا تخشى عليّ, خالتي علمتني مكان كل شيء هنا أيضاً.. اهتم بها حتى يعود عمي"
أومأ وهو ما زال ينظر إليها بنفس الخوف والتردد.. حتى حسم أمره أخيراً وأسند والدته وخرج بها نحو أريكة مريحة يمدها هناك ووضع وراء ظهرها بعض الوسائد.. ثم جلس على الأرض جانب رأسها يمسك يدها بقوة ..وعمّ صمت بسيط بينهما وهي تشد بأصابعها بقوة على يده حتى قالت بصوت حزين: "أنا وقعت في حبه رغماً عني, أصبحت أحبه مثلك يا نزار الهوى والتفريط فيه أصبح اختيار غير متاح "
ابتسم نزار بحنان وهو يقول بهدوء: "أما أنا فقد غضبت منه قليلاً واستأت كثيراً لأنه يتعبكِ وسيأخذ من مكانتي عندكِ.. غير تعبه لكِ بالطبع ولكني بكل أسف أصبحت متشوقاً للمزعج الصغير "
همست هناء: "لا تترك يده أبداً.. هو أمانتي لك"
دمعت عينا نزار سريعاً وهو يقول باختناق: "ما فائدة هذا الكلام الآن, فالحمل والولادة معجزة تكرر يومياً يا أمي؟!"
قالت بصوت ثقيل: "دعك من حماس أبيك ومزاحنا، وفكر بعقلك قليلاً.. هذا الطفل في خطر محقق بسبب عامل السن.. وإن سمع الله تضرعي له ونجا من كل مخاوفي.. قد لا أنجو أنا"
برك نزار على ركبتيه وهو يمسك برأسها يضمها لصدره بقوة ويهتف باختناق: "لا إله إلا الله.. استبشري خيراً أماه، وتمسكي بالأمل.. لا ترعبيني عليكِ.. دونكِ أنا ضائع يا هناء.. لقد جربت فراقكِ مرة وسأموت قبلكِ إن فعلتها بي من جديد"
همست هناء باكية: "أنا خائفة.. خائفة بشدة يا ولدي.. رغماً عني أصبح القلق يستبد بي.. خائفة حتى من زيارة الطبيبة أخشى أن تسمعني شيء عنه وأنا لست مستعدة لسماعه مطلقاً"
ضم نزار رأسها إليه بشكل عنيف.. ثم قال أخيراً بصوت أجش: "لقد أحببناه قبل أن نراه حتى.. رغم أن أبو الرؤوس أثار الزوابع منذ بشارته.. وسنتقبله ونحبه مهما سيكون ما هو عليه "
هزت هناء رأسها بصمت.. ثم همست ضاحكة من بين دموعها علّها تبدد المزاج الكئيب: "أبوك يتضرع لله كل حين أن تكون أميرة سمراء صغيرة"
جاراها نزار وهو يمسح دموعه بحنق ثم قال: "لن تفعلي هذا بي مرة أخرى.. هذه المرة ستأتين بأبي الرؤوس، ونغيظ الكبارة سوياً "
قالت هناء مازحة: "المسكين لن يتحمل نسخة أخرى من عينتك.. قد يروح فيها"
ابتعد نزار يحرر رأسها ونطر إليها مبتسماً وهو يقول بخبث: "وهو المطلوب, سنتحد أنا والصغير ونستولي عليكِ بالكامل.. فنأخذ حقي منه أضعافاً"
هتفت هناء بقوة: "فليأتي سليماً معافى فقط وبعدها سأساعدكما بنفسي لفعل ما تريدانه"
أمسك نزار يدها يقبلها بقوة وهو يقول: "إن شاء الله ستكونان بخير، أنتِ وهو يا أمي"
شددت على يده وهي تقول بتوسل: "عدني أن تهتم به, وأن تحبه بكل روحك وتبذل المستحيل لأجله.. عدني إن حدث أي مكروه لي بألا تعاقبه لهذا.. لا تجافيه أو تهمله فهو قطعة من قلبي مثلك تماماً"
قال نزار بصوت متحشرج: "هل تستمتعين ببكائي كطفل عاجز وأنا في هذا السن.. قولي هذا وسأبكي تحت قدميكِ أنهاراً.. ولكن توقفي أرجوكِ عن التلميح بفقدكِ"
كررت هناء بصوت خافت مختنق: "عدني يا نزار الهوى.. إن كنت غالية حقاً أرح قلبي على أخيك أو أختك "
هتف بصوت مهتز من شدة الخوف: "أعدكِ يا أمي.. والله أعدكِ بحفظه بين عيني، فقط قومي لنا بالسلامة"
همست وهي ترفع عينيها مبتسمة له: "الآن فقط ارتحت واطمأننت على مصيره معك، فأنت أطيب قلب عرفته أبداً.. شهم يا حبيبي.. شهم وتتقي الله في خلقه كما ربيتك أنا"
قال بابتسامة متوترة وهو يقبل يدها من جديد: "وكما ستربين أبو الرؤوس وأحفادكِ مني إن شاء الله"
همست وهي تطلق نفساً متضرعاً: "إن شاء الله.. منى عيني أن أرى طفل لك قريباً "
قال بمرح رغم الألم في صدره: "سأبذل جهداً مضاعفاً منذ الليلة لتحصلي عليه قريباً.. ولكن بشرط سأرميه لكِ لتربيه مع أبو الرؤوس.. لننكد على أبي عيشته "
قالت ضاحكة: "نعم فإزعاج ابن ڤيڤيان جالب الكوارث هو كل همنا "
أتى جوشوا تلحقه شيماء بكوبيّ ليمون نظيف وجميل مرتب.. وصل جوش إليهما وأزاح نزار بكل عنف من جانبها وهو يقول: "أنت توقف عن إطلاق الألقاب البشعة على صغيري الجميل"
تأرجح نزار على الأرض يسند جسده بكفيه بحنق.. بينما يراقب والده الذي دس الجهاز في ذراعها.. ورفعها قليلاً يسند ظهرها على صدره وهو يهمس: "سلامتكِ حبيبتي من كل تعب.. ليت كل ألمكِ يصيبني أنا يا هنا القلب"
قال نزار بتهكم: "تمني ألمها مجرد كلام فض مجالس, إلا إن حدثت معجزة كونية وحملت أنت مكانها"
دفع جوش قدمه نحو بطن نزار بعنف وهو يقول بغضب: "كلمة أخرى وسأعيد تربيتك قبل أبو الرؤوس"
همست هناء بتعب ويأس: "يا ويلي.. سامحك الله يا نزار.. سيتمسك بالكلمة وينقط الجنين المسكين قبل أن يأتي للحياة.. ألا يكفيني تلقيبك بالحمار؟"
حك نزار بطنه بضيق وهو يحاول الاعتدال ثم قال ببرود: "اللوم ليس عليّ ولا عليكِ، بل هو خطأ ابن ڤيڤيان إذ أن جيناتها المسؤولة عن حماريتي، ومزاج أبو الرؤوس المريب"
هذه المرة لم يتردد جوشوا في أن يخلع حذائه ويضربه نحو نزار.. تفادى نزار الحذاء وهو يقول متراقصاً بإغاظة: "لم تصبني"
همست شيماء بانزعاج: "هلّا توقفتما.. أنتما تحملانها فوق تعبها حسرة على قدرها الأسود الذي ابتلاها بكما"
هتفت هناء: "حبيبتي وصديقتي أنتِ, ليتني أستطيع طردهما واكتفي بكِ يا شوشو"
قالت شيماء ببراءة: "ولما التمني؟ البيت باسمكِ.. وأنا على استعداد للشهادة معكِ أنهما يعرضان حياة ثلاثتنا للخطر.. ونأخذ أمر محكمة بطردهما"
"فكرة جيدة!" قالت هناء
بينما اقترب نزار يلف كتفي زوجته بتشدد حتى شعرت أنه كاد يخنقها ثم قال ببرود: "أصيلة يا ابنة ياسر"
حاولت التحرر منه وفشلت.. فسكنت على مضض.. بينما سمعت جوشوا يقول بحنان: "ضغط دمكِ منخفض جداً، هذا على الأرجح بسبب قلة النوم والطعام أيضاً"
همست هناء بصوت متعب: "ربما "
قبّل جوشوا رأسها ثم وجنتها على مهل وهو يهمس بحبور: "سأحملكِ للأعلى، وسأعد لكِ طعام شهي بيديّ، ثم أطعمكِ وأساعدكِ على النوم"
شعرت شيماء بأنفاس نزار المهتاجة وكأنه يمنع نفسه بصعوبة من قتل أحدهم,خاصة عندما همست هناء بخجل عذري وكأنها فتاة في مقتبل العمر: "سأحب أن تدللني اليوم.. لن أمانع"
سمعت صوت قبلة أخرى لم تعرف في أي موقع هبطت تحديدًا ولكن من نفخ نزار المجذوب وهو يصرخ تقريباً: "الصبر يا الله.. صحيح دلع العجائز معيبة"
نظر إليه جوش بقرف بينما همست هناء بإغاظة: "اسمها دلع العجائز طعمه لذيذ.. العاقبة عندك يا أبو وردة"
قال نزار بكبت: "أنظروا لها كانت تودع منذ دقائق وأحرقت قلبي.. وبمجرد لمسة من الحبيب زوجها دبت فيها الروح والتصابي"
تمطت هناء على صدر جوشوا ثم همست بنبرة امرأة تتدلل بوحمها: "حبيبتي شوشو امنحيني الليمون منظره شهي ولذيذ مثلكِ"
فرحت شيماء وهي تفلت من نزار سريعاً ثم توجهت نحو مصدر الصوت وهي تقول برقة: "بالهناء على قلبكِ وقلب حبيبي الصغير، متى أحمله وألعب معه؟"
قال جوشوا بفخر: "قريباً يا شوشو.. سأخصص لكِ وله غرفة وأضمكما لرعايتي.. ونتخلص من كل الحمقى فهم ضارين على ذكاء صغيري وصحته النفسية "
أومأت مبتسمة بشماتة أكبر.. حتى مد جوش يده ليأخذ الكوب الآخر إلا أن شيماء منعته بلطف وهي تقول: "أعددته لنزار"
ابتسم لها جوشوا ولم يعلق.. وبان أمل صغير على ملامح نزار وهو يقترب منها مزهو بولائها له.. حتى قالت بخبث: "أعددته لك تحسباً.. لتهدئتك.. فقد توقعت أنك ستنفث ناراً عقب مشاهدة غرامهما الحالم الممتع"
أمسك نزار الكوب ودفعه مرة واحدة لجوفه علّه يهدئ نار كبته لغيظه, إلا أنه فشل في هذا عندما هتف: "شيماء أريد تطير عنقكِ"
هزت كتفيها ببراءة ثم قالت: "لا بأس هذا شعور اعتيادي لكل من يتزوج أحد بنات الراوي"
قال نزار بذهول: "ما الذي حدث لكِ؟! أين ذهبت عصفورتي الناعمة الحلوة؟! لا.. تأثير والدىّ أصبح خطير عليكِ, لا بد من عزلكِ"
قال جوش بهدوء: "أحلم، شيماء لنا نحن"
بينما سمعوا هناء تقول بتلاعب بعد فترة من الصمت: "بذكر أزواج بنات الراوي.. شيماء أريد منكِ أن تطلبي من سَبنتي أن ترسل لي أكبر قدر ممكن من صور زواج راشد وبدور.. غداً عندي زيارة ممتعة وسادية قليلاً.. أترقبها منذ أشهر"

................**********..................

يتبع ألان
:a555::a555::a555::a555::a555::a555::s m17:


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-02-21, 10:05 PM   #8325

Nor BLack
 
الصورة الرمزية Nor BLack

? العضوٌ??? » 455746
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 593
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Nor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond reputeNor BLack has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   star-box
Rewitysmile7

الفصل الستون المشاركة "٥”

كان الوقت قد تعدى الظهيرة بدقائق عندما خرجت لورين من غرفة أحد المرضى الذي تشرف على حالته.. تمسك في يدها ملف المريض وهي تتمشى في الممر مع زميل لها وهي تقول بعملية بها بعض الانزعاج: "لقد ضاعت ساعاته الذهبية للأسف في الإجراءات الروتينية المملة.. لا أفهم كيف تؤخرون حالة كهذه، ولأي سبب كان، نحن أطباء في المقام الأول"
قال الطبيب وهو يرمقها بنظرة جانبية غير مفسرة وإن رأت فيها الضيق: "فعلنا ما باستطاعتنا.."
طوت لورين صفحة أخرى لتنظر لأشعة عظام قدمي المريض ثم قالت بانزعاج: "هل تعني أن زراعة أحد عشر مسمار من الفولاذ في أحد عشر إصبع.. وترككم لتمزق متعدد في الأربطة، وتلف في الأعصاب هو أفضل ما لديكم؟!"
الآن أصبح ضيق الطبيب الأكبر سناً واضحاً وهو يقول ببعض الحدة: "لم يكن بإمكان أحد فعل الأفضل.. لقد أنقذته من البتر.. إن رأيتِ حالة قدميه عندما جاء ما كنتِ تجرأتِ للتحدث بعجرفة هكذا.. لقد كانت حالة ميؤوس منها"
نظرت له لورين بثبات بارد.. وفتحت فمها لتشرح له وجهة نظرها الطبية.. حتى أجفلت قليلاً وعيناها تتوسعان بقلق.. ليس من سلطته مؤكد.. وإنما من الصوت العميق الأجش الذي ناداها من أول الممر..
سلطت عينيها السوداوين بدهشة على زوجها الذي كان يقف على قدميه في أول الممر.. ثابت, وسيم, تطل منه جاذبية رائعة وكأن عينيها تراه لأول مرة.. أو ربما هي أصبحت ترمقه بنظرات جديدة كلياً ببصيرة القلب الذي عمي عنه طويلاً ونفاه من أرضه الذي بحث عنها فيها..
هزت رأسها قليلاً.. ثم عادت تنظر للطبيب وهي تضع بين يديه ملف المريض بجليد.. ثم قالت بحزم واثق رغم الاختناق الذي تلبس نبرتها: "بلى.. كان بإمكاني أنا فعل الأفضل"
رغم توتر الطبيب إلا أنه قال بتهكم: "بالطبع.. الغرور الأمريكي.."
نفت بلطف مبالغ فيه ثم قالت بهدوء: "لا دخل لأمريكا في الأمر.. وإنما تعلمت منذ نعومة أظافري على يديّ الأفضل.. والدي الفلسطيني يا دكتور الذي علمني أن كل ما يهم عندما تكون حياة ومستقبل إنسان بين يدي أن أشرع في مداواته على الفور.. ثم بعدها نبحث عن الماديات التي أخرت دخول هذا المسكين لغرفة العمليات فوراً.. أما عن أبي بالتبني فقد أجاد تربيتي بأن أتحدى المستحيل وأحقق المعجزة رغم أنف المريض نفسه إن تطلب الأمر حتى أوصله لمرحلة آمنة يستطع بعدها إكمال حياته"
تغضن وجه الطبيب قليلاً وهو ينظر لها ببعض العجب..
همست هي تقطع عليه أي ما سيقوله: "بالإذن، زوجي هنا وهو لن يأتي إلا إن كان الأمر عاجلاً"
راقب الطبيب خطواتها المسرعة تلتهم الأرض بخطوات غير ثابتة على غير عادتها التي عرفوها عنها رغم الوقت القصير الذي عملت فيه معهم.. ثم تمتم بحنق: "باردة.. حادة.. ومغرورة وأيضاً امرأة.. ما الذي جعلها بحق الله تختار تخصص العظام الذي من النادر أن تتخصص به النساء.. هذه اللورين ستكون مشكلة.. مشكلة كبيرة هنا.."
كانت قد وصلت أمام ممدوح تنظر له مرتبكة هامسة: "مرحباً من جديد.. لم يمر وقت على توديعي لك"
نفخ ممدوح صدره وفرحة غريبة تتراقص بين عينيه الخضراوين، لم ترها فيهما من قبل.. سعادة من نوع آخر لم تفهمها.. هتف دون أي حرج من أن يسمعه أحد: "اشتقت لكِ، فلم أمنع نفسي من زيارتكِ"
رمشت بعينيها قليلاً، وفؤادها الأحمق يقرع كالطبول وكأنها صبية حمقاء للمرة الأولى تسمع من حبيبها شوقه لها.. إلا أنها قالت ببرود: "ألا ترى أنك أصبحت صبيانياً جداً.. أي شوق هذا بعد ثلاث ساعات من رؤيتنا لبعضنا؟!"
مالت زوايا فمه بغير رضا إلا أن سعادته ما زالت تسكنه.. قال بخفوت: "سوداء.. عديمة الفهم والنظر"
رفعت حاجباً واحداً وهي تنظر إليه بشك ثم قالت بحدة: "تركنا لك اللون الأبيض والأحمر يا روميو زمانك"
الآن هو من رفع حاجبيه بتوجس ثم قال: "هل تتحدثين مع مراد عني؟!"
قالت بنبرة ضائقة: "ولماذا سأخوض حديثاً عنك بحق الرحمن مع زوج أختك.. الرجل بالكاد يتقبلني"
هدأ شكه وهو يقترب منها يقرص وجنتها قائلاً بمرح: "دائماً عمياء عن مشاعر الناس الحقيقية نحوكِ جميلتي.. مراد يحترمكِ كثيراً ويقدركِ على فكرة.. بل يراك كثيرة عليّ"
ارتبكت لورين وهي تزيح يديه بعيداً, تختطف نظرة متوترة نحو الطبيب الذي مازال يقف وراءها ينظر إليهما بامتعاض.. ثم بعض الممرضات اللاتي ينظرن للوسيم الأشقر (الأحمق) بانبهار بل تقسم أن أعينهن أخرجت قلوب حمراء غبية عندما لامسها بهذا الشكل..
قالت بحنق: "أهذا العرض الغرامي المجذوب مثلك، من أجل مناقشة مشاعر زوج أختك عني؟!"
وضع يديه في جيبي بنطاله بهدوء دون أي انزعاج من حدتها ثم قال بابتسامة عريضة: "أريد الانفراد بكِ حالاً"
حملقت فيه ببهوت غير مستوعبة مطلبه.. وفتحت فمها تنوي طرده في الحال.. إلا أنه أحنى رأسه وهو يقول بخبث باللغة الإنجليزية: "لن أقم بشقاوة شيطانية تجعلكِ مرتبكة طوال النهار وكأنكِ عذراء تختلس وقتاً محرماً مع حبيبها الحميمي"
تعثرت أكثر وهي تنظر إليه بذهول.. غير مستوعبة لتصاعد علاقتهما بسرعة عجيبة ومجنونة..
"أرجوك" همس أخيرًا بأدب مضحك..
كادت أن تفتح فمها تنوي الاعتراض.. إلا نظرة واحدة لوجهه المتحمس منعتها.. فأشارت بيد مرتبكة أمامها وهي تقول بخفوت: "يمكننا الذهاب لمكان استراحتي"
عرج بجانبها ضاحكاً وهو يقول بتلاعب: "هل هو لكِ وحدكِ أم عليّ توقع أحد سيقاطعنا؟"
وجدت ابتسامة بلهاء مكاناً على شفتيها رغم قولها الناهر: "تهذب"
مط شفتيه ممتعضاً وهو يقول بهمس: "التهذيب ملّ من تهذيبي الجديد أيضاً عليّ.."
وصلا أخيراً لمكتب صغير.. وفور أن دخلت أمامه كان هو يدفع الباب يغلقه بمفتاح معلق في القفل..
التفت إليه بنوع من الحدة تنوي نهره ببرود ..إلا أن السيف سبق العذل عندما وجدته يحاصرها بكفين حازمتين استقرتا على خصرها دون رادع.. ثم رفعها ووضعها سريعاً على طرف مكتبها الصغير.. وأدار وجهها إليه، مسيطراً على ذراعيها المقاومتين بيد ويده الأخرى حاصرت محيط خصرها المياس، فأصبح حصاره أقوى ولا فكاك منه..
رفعت له عينين ناريتين وهي تقول من بين أسنانها: "لا, أنت أصبحت خارج السيطرة تماماً، هذا مكان عملي ولا أقبل بأمور المراهقين هذه"
قال ببساطة ضاحكاً: "أصمتي، حتى لا أمنحكِ عرضاً غرامياً مراهقاً بحق فأجعلكِ تندمين"
قالت بعنفوان وهي تحرك قدمها لتضرب ساقه: "جرب.. وأنا من ستجعلك تندم و...."
طارت حروفها عندما وجدت شفتيه تسقطان فوق فمها ليضيع وجهها الخشن ودفاعيتها الصلبة في قبلة مجنونة محمومة..
تركها سريعاً كما سرعة قبلته وهو يهمس بصوت عميق: "أحبكِ"
شعرت بالحرج وهي تطرق برأسها تداري عنه ذلك البريق المتأثر الذي أصبح يزيل حداد عينيها ببطء ثم همست: "قلتها ليلاً مراراً.. ومازالت ترن في أذنيّ.. لم يكن هناك حاجة لقدومك وتذكيري"
قال ضاحكاً: "باردة فعلاً.. يا لوسيرو.."
رفعت وجهها تنظر إليه معترضة: "لا أسمح لك"
ابتسم وهو يكرر بصوت عميق: "أحبكِ باردة.. فالمرأة النارية لا تغويني بتاتاً"
بهتت ملامحها قليلاً وإحساس غريب جديد يعلو ملامحها وهي تسأل بصوت متردد صبغته الغيرة الواضحة: "ماذا عن المرأة (الناعمة بروح شقية طفولية).. هل تمنيت يوماً أن تحصل على حبيبة من هذا النوع؟!"
عبس قليلاً يجهل السؤال المفخخ ثم قال بصدق: "لم أفكر في الأمر قبلاً.. تعرفين أن روحي لم تنجذب للنساء من أي نوع قبلكِ بالأساس"
قالت بصوت حاد وهي تضرب كتفه بعنف: "أي أنك ارتضيت بنوعي لأنه متاح.. وإن أتى نوع آخر قد تفكر به"
رفع حاجبيه ينظر لغضبها الحار بدهشة ثم قال بخفوت: "لن أفعل.. من قال أني سأقبل بغيركِ"
هتفت مختنقة: "بالطبع.. فعقدتك تمنعك، فأنا اختيارك الوحيد حتى لا تعاني أمل من التفكك أو زوجة أب"
ارتفع حاجبيه بشكل أكبر وهو ينظر لها بعجب.. ثم قال بهدوء: "هل قمت بأي شيء أزعجكِ؟!"
رمشت بعينيها قليلاً وهي تنظر للأسفل بارتباك.. ثم همست: "لا"
قال بصوت أجش وهو يرفع وجهها ينظر إليها بتمعن: "ما سبب كل هذه الغيرة إذاً؟!"
اعترضت بحدة: "هااااي من هذه التي تغار؟! أنا لورين الخليل.. لا أغار على أي رجل مهما كانت صفته"
ابتلع حماقتها بصمت, وصدره يعلو بتنهيدة مكتومة ثم قال بهدوء: "أعلم هذا جيداً يا لورين.. صدقيني عرفتني عدم غيرتكِ عليّ أبداً بأصعب الطرق"
شعرت بقبضة مزعجة تمسك قلبها لأجله تعاطفاً و شيء آخر لمراضاته.. لذا لفت يديها حول عنقه بتردد ثم همست: "آسفة"
طبع قبلة على وجنتها وهو يقول بصوت أجش: "لا عليكِ.. لم آتي لأفسد يومكِ"
لعقت شفتيها وهي تغلق جفنيها بقوة مستمتعة بهذه الأحاسيس المحجوبة على خجل، في كل مرة يتلامس فيها معها.. خاصة شفتيه.. قبلاته حلوة رائعة تحملها على غيمة وردية مجنونة ناعمة مثل أحضانه الدافئة تماماً..
همست أخيراً بصوت أجش: "هل يمكنك إخباري الآن عن سبب قدومك.. ألم تخبرني صباحاً أنك تحاول استغلال كل لحظة لتوقف مكتبك على قدميه وأن التأخر لساعة واحدة قد يحملك الكثير وهذا ما لن نتحمله حالياً؟!"
عادت تلك السعادة تحتل عينيه والابتسامة الكبيرة تتراقص على فمه كمن وجد كنزاً ثميناً لتوه: "لن نقلق بعد اليوم من هذا الجانب.."
رفعت حاجبيها وهي تنظر إليه بشك: "كيف؟!"
حرر خصرها دون أن يترك حجزها بجسده ثم أخرج بعناية (شيك محرر) من جيب قميصه وفتح كفيها بيديه ووضعه بينهما وقال: "حقي عاد بالرضا"
تدلى فك لورين حتى صدرها وهي تنظر بذهول للرقم الموضوع هناك بالدولار.. رقم ضخم جداً، إن لم يعمل طوال عمره فهذا المبلغ قادر أن يكفلهم برغد العيش..
هتفت سريعاً وهي تنظر إليه بذهول: "ماذا.. كيف.. هل أتتك صفقة لبيع أحد برامجك لعشرين دولة مجتمعة؟!"
قال ضاحكاً بقوة: "إن أتتني صفقة كل يوم وطوال عمري لنفس العشرين دولة لن أحصل على هذا المبلغ"
عبست وهي تدقق من جديد في اسمه الموضوع بأناقة.. ثم قرأت بتدقيق اسم دافع المبلغ.. ليحتل وجهها الجمود البحت وهي تقول: "لماذا؟! ألم تخبرني بأن لا حق لديك عنده، ما الذي حدث ليدفع لك مبلغ كهذا؟!"
نظر إليها ممدوح بملامح قاتمة ثم قال: "هل شككتِ أني ابتززته؟!"
قالت بقوة: "ولا للحظة.. أعرف الرجل الذي أصبحت عليه جيداً، أنت لن تطالبه أبداً بأي شيء، ولن تقم بشيء خسيس.. لكن..."
صمتت بتردد.. لذا قال بهدوء شديد: "لكن.. يعد السؤال ما دوافعه ليفعل صحيح؟!"
:-"نعم.. فالمبلغ ليس قليلاً، حتى وإن قلنا أنه أرسله لك بدافع الشفقة!"
قال ممدوح بجمود: "أخطأتِ.. أنا لن أقبل بشفقة مخلوق عليّ مهما كنت أحفظ له مكانة كبيرة داخلي ..وأتمنى أن ينظر لي يوماً بعيني رحمته كما الماضي.. قبل أن.. قبل أن يكتشف ما كان!"
اسودّ وجهه بذنب صارخ بدد كل سعادته..
لمست لورين وجهه بأصابع رقيقة ثم همست: "هون على نفسك، الغرق في جلد الذات لن يمحو ما كان.. يكفي أنك أكثر ضمير الآن لتقر بذنبك"
تنهد ولم يرد لدقائق, فقط ذراعيه ضمتها لصدره بقوة وكأنه يستعيد بها سلامه النفسي قليلاً ويزيح عنه الحمل الذي قسم ظهره..
سمعته يقول أخيراً بهدوء: "عندما أخبرتكِ أن ليس لي حقوق عنده، كنت مقتنعاً بدافع الذنب.. كما أن إيهاب لا يقبل بأكل مال حرام.. هذا المال هو من حافظ عليه وأنقذه من غيّ والدي واستهتاره.. لذا بجانب الذنب الشديد شعرت حينها أنه من البجاحة أن أطالب بنصيب لم أبذل فيه أي جهد يذكر.. كما أن القذر..."
نبرته علت بغضب وشيء من الحقد والوجع القديم.. لذا سارعت بضمه بقوة وكأنه ابن لها ترفض أن يعود لتلك الظلال التي التهمت روحه: "هو أبوك.. لا شيء آخر، لديك من الندوب ما يكفي.. لا تسمح له بتدمير فرصتك الأخيرة"
أغلق جفنيه بقوة وذراعاه تشدان عليها بتوحش حتى أنها تزحزحت إنشات عن سطح المكتب فوجدت ساقيها تلقائياً متشابكتين تلتفان حول ساقيه.. ويدها تربت على ظهره بحنان..
:-"لا تتركيني.. مهما رأيتِ مني.. لا تفعليها مجدداً.. أنتِ كل فرصي في الحياة"
صدرت عنها ضحكة مكتومة مشوبة بنبرة بكاء وهي تقول باستسلام مختنق: "لم يعد هناك مكان للهروب إلاك.. لقد تعبت الروح من النزوح يا ممدوح.."
عم الصمت الهادئ بينهما, كلاهما يتشبث في الآخر كأن حياته معلقة بين أنفاسه.. يضمها إليه بعنف وعمق حتى شعر أنها انصهرت بداخله كما حلم يوماً..
وببطء كان يرفع رأسه بعيداً عن كتفها.. كف واحد حاوط صدغها.. شفتاه تغرق وجهها بقبلات كثيرة محمومة يائسة ومشتاقة..
همس من بينهما بحماس: "هذا المال حقي.. لذلك قبلت به دون جدال.. لا تشكي في هذا"
تمسكت أصابعها في قميصه من الخلف وكأنها تجبر نفسها على عدم الغرق، تقاوم لتبقى على سطح الموج.. تستنشق الهواء الممزوج بعقبه ورائحته وحنانه: "لن أشك بك أبداً بعد اليقين"
تركها قليلاً والحماس يتصاعد حوله في هالة جميلة, يداه حاوطت جلستها من الجانبين.. عيناه الساحرتان تضحكان لها بتحرر!!
ثم هتف بحماس: "لقد قال لمراد أنه أفرج عن نصيبي الذي احتفظ لي به، لأنه رأى من خلال (أمل) تغيري.. رغب في منحي فرصة جديدة.. وليتأكد أن أمل لا ينقصها شيئاً"
قالت لورين ضاحكة: "أمل تحتاج لعشر شركاء لتنفق هذا المال في حدود خمسين عاماً.. محظوظان نحن بأمل والله"
اندفعت شفتاه تطبع قبلة فوق شفتيها بقوة, وكأنه أصبح عاجز عن منع نفسه واستغلال فرصة أمام دروعها التي أصبحت مرتخية في صد هجومه ثم قال بحماس: "أولاً ..سنشتري لأمل منزلاً كبيراً بحديقة غناء أجمل من تلك التي استأجرتها في بريطانيا"
عضت شفتها السفلى بقوة وهي تحمر خجلاً.. إلا أنه لم يبالي وهو يضحك من جديد ثم قال: "وسيارة لأم أمل.. يومان وستكون عندكِ.. وبالطبع سأسمح لكِ أخيراً بمشاركة والدكِ في إنشاء مركز متخصص يكون ملككِ"
حاوطت وجهه بكفيها وهي تقول برقة: "وماذا عن أبي أمل؟ ما هي هديته؟!"
أمسك الشيك من يدها بحرص ثم وضعه تحت أحد دفاترها.. وعاد إليها.. عيناه تلتهمانها كلها بجوع وشقاوة رجولية عابثة..
انحدر أحد كفيه تحت تنورتها القصيرة والضيقة.. واختفت هناك في مكان ما.. شهقت لورين بكل قوتها إلا أنه سيطر عليها بعنف ليس منفراً وإنما يثير أعاصير الأنوثة والشوق بداخلها.. فمه أحبط شهقة اعتراضها سريعاً, وهو يقول بصوت متلاعب: "سأحصل على مكافأتي الآن من الجمال الوحشي لأم أمل"
ضمت ركبتيها بقوة أمام هجومه ورأسها يتراجع عنه إنشاً واحداً لاهثة هامسة: "لا.. لا.. لا تجن"
سيطر عليها يجتاحها كما يرغب تماماً ثم همس مكرراً بوعد حار: "لا تخافي.. لن آخذ منكِ أكثر مما أنتِ على استعداد لمنحه.."
ارتجفت بشدة.. رجفة استمتاع وتعرفت على رغبة وحرارة أنثى ظنت أنها حبست في ذكرى قديمة.. ثم همست باعتراض: "ليس هنا.. تعقل"
همس من فوق بشرة بين كتفيها الذى دس رأسه كله فيه يمنحها قبلات محمومة: "سأتعقل.. إن منحتني ما يخصني"
همست بنبرة ضائعة: "ما هو؟!"
رفع يده أخيراً بعيداً عنها دون أن يحررها من قبلاته ثم همس بخبث ملوحاً: "هذا.. لقد اشتقت لنزع الأشياء الصغيرة"
هتفت لورين بذهول أقرب للندب: "رباه.. كيف تفعلها؟! هل ينعدم الإحساس عندي لهذه الدرجة؟!"
كتم ضحكة عميقة وهو يهمس ليذكرها: "ربما السبب لأنكِ تنسين استخدامهم من الأساس"
حاربت لتحصل على قطعتها.. وهي تسبه بأشنع الألفاظ.. حتى ضاع سبابها بين شغفه وحبه ومراعاته ومراوغته وسعادته من جديد..


انتهى
قراءة سعيدة
: eLeBDa3_15[1]:


يا حلوين يوم الخميس الجاي في أقتباس لا تنسوا😍😍


Nor BLack غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-02-21, 10:27 PM   #8326

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
افتراضي

يسلم قلمك ويسلم ابداعك
فصل رائع ومميز جدا
حقيقي كل فصل مبهر اكثر من الي قبله
❤❤❤❤


اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-02-21, 10:50 PM   #8327

Rosyros

? العضوٌ??? » 456127
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 47
?  نُقآطِيْ » Rosyros is on a distinguished road
افتراضي

يا نووووووووووور شكراااااا كتيييير اوووي جدااااااا خااااالص على الفصل
❤❤❤ تسلم الأيادي ❤❤❤


Rosyros غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-02-21, 11:05 PM   #8328

Rania Khaled

? العضوٌ??? » 445995
?  التسِجيلٌ » May 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
?  نُقآطِيْ » Rania Khaled is on a distinguished road
افتراضي

حلو قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي قوي

Rania Khaled غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-02-21, 11:07 PM   #8329

Hoba Nasry
 
الصورة الرمزية Hoba Nasry

? العضوٌ??? » 435719
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 545
?  نُقآطِيْ » Hoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond reputeHoba Nasry has a reputation beyond repute
افتراضي سلسلة قلوب معلقة الكاتبة المتميزة نور بلاك

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nor black مشاهدة المشاركة
الفصل الستون المشاركة "١"
لا بدّ مِن شيء مِن الفوضى كي يَفيق الغافل من غَفلته.
نجيب محفوظ

*******
منذ فتحت عينيها ووجدت نفسها كما غفت أمس.. تندس بين ذراعيه وعلى صدره بتملك، وعقلها لا تدور به إلا جملة واحدة كانت قرأتها قديماً وحفظتها عن ظهر قلب, ولكنها لم تدرك أبداً أن تتذكرها بعد ليلة قضتها مع خالد يبثها إحباطه منها, وشوقه لها.. ونوع من الألم، وكأنه يعاني من تقاربهما أضعاف ابتعادهما..
ليتها تملك القوة الآن لتمحو ألمه، لتسكن روحه الهائجة.. أن تربت على قلبه وتخبره كما كانت تفعل قديماً بابتسامة بريئة خالية البال (أنا سامحتك لأني أحبك يا خالد).. ولكن من أين تأتي بكل هذا.. بعد أن ترك لقائهما بداخلها الكثير من الفوضى وأيقظ وجعاً وندماً يحطمها وضغطاً هائلاً مع فوضاها، يدفعها لندم مفرط..
شعرت بذراعه تضغطها من جديد.. وشفتيه تركض فوق جبهتها نزولاً إلى وجنتها باحثاً عن شفتيها.. لقد استيقظ بدوره.. تيقظ لها باحثاً عن دفئها المفقود رغم محاولتها المستميتة للتظاهر بأنها ما زالت نائمة عله يفيق ويغادر جانبها ويتركها لحال سبيلها مثل الأيام الماضية تحاشياً لأي نوع من مواجهة غير مرغوب بها على الإطلاق ..ولكنها حلمت بهذا خاصة بعد ما تبادلاه ليلاً..
لا إرادياً وجدت كفيها يستندان على صدره في حالة دفاعية خالية من استكشاف الأمس المجنون!
وتوقف على الفور دون أي بادرة للمقاومة أو فرض نفسه عليها.. ثم اعتدل يتسطح على ظهره دون أن يفلت حصاره لها.. سمعت صوته الأجش مخشناً بعض الشيء ولم تدرك أهو أثر النوم أم الإحباط عندما قال: "أهو ندم متأخر؟!"
توترت وهي تجيب بصوت أخرق: "ندم لأي شيء؟ أنت زوجي ومنحتك حقك عليّ"
أطلق زفرة متعبة وهو يقول بهدوء: "لا أريد سماع هذا المبرر الغبي مرة أخرى ..حقي آخذه منذ شهور يا سَبنتي منذ أن وافقتِ على أن أضمكِ إليّ دون هواجس"
رغم شحوب ملامحها واضطرابها الظاهر والملموس أجابت بخجل: "إذاً هو حقي أنا بك.. حق لم أطلبه منك منذ زواجنا"
التوى فمه بشيء من التسلية وهو يعتدل ويضع يده تحت رأسه الذي ارتفع ليشرف عليها ..بينما يده الأخرى كانت تتباحث في صفقة جادة مع الغطاء الذي اختبأت تحته منذ ليلة الأمس, ثم قال بصوت رخيم: "تطور خطير ..هل آمل أن العبثية كادت أن تهزم أحد أشباحها الحمقاء لتطفو هي على السطح وتعلن الحب؟!"
أغلقت عينيها بتهرب وهي تهمس بتشدد: "لا حب.. لا تأمل فيه"
تجمدت يده لبرهة فوق جسدها.. لتنتقل فوق ذقنها يمسكه بعنف غير مقصود ويجبرها لتفتح عينيها في مواجهته وهو يقول بجفاء: "إن لم يكن دافعكِ الحب.. ما هو شعوركِ إذاً؟ هل تكرهيني؟!"
ظلت تنظر لعينيه اللتين لاح فيهما ظلام لم تلمسه فيه من قبل.. تعقد حاجبيها بتركيز شديد وكأنها تحاول اختراقه وفهم كل ما فاتها فيه.. وطال بهم الصمت أضعاف ما أملت ..حتى همست بالنهاية: "لم أقل أبداً أني أكرهك، ولم أمنحك شعوراً واحداً يجعلك تفكر في هذا للحظة"
ابتعد عنها وألقى نفسه بجانبها من جديد, ثم وضع ساعده فوق عينيه عله يخفي لهيب روحه.. ثم همس بخفوت: "إلا أن جذوة حبكِ لم تعد كما كانت.."
شعر بتحركها الجبان من جانبه، لملمت نفسها بعيداً عن عينيه وهو لم يحاول أن يوقفها بل لم ينظر إليها على الإطلاق..
حتى سمعها تقول ببساطة بصوت مختنق: "لماذا تصر على أن تؤلمنا؟ لما لا تكتفي بما أحارب نفسي للوصول إليه معك؟"
أطلق زفرة طويلة ولم يرد.. حتى شعر بخلو مهجعهما منها.. ثم سمع صوت إغلاق باب الحمام بالأقفال بشكل عنيف وكأنها تقصد أن تسمعه إياه..
ساد صمت جديد طويل بعد فرقتها.. عيناه تحدقان في السقف بلا شعور وغصة في قلبه تتركه خالي الوفاض متألماً لأجلها ونفسه.. حتى همست شفتاه بخفوت: "لأنه ما زال هناك شيء ناقص.. إحساسي بكِ لم يقلّ بل زاد هوساً وجنوناً.. بينما شعوركِ أنتِ أطفأتِ ناره.. لا أريد إيلامكِ.. ولكني أيضاً لا أريد تقبل عطاياكِ بدافع شعوركِ بالذنب.. ليس هذا ما انتظرت لأجله طويلاً حبيبتي"
سنوات من العذاب في انتظار شيء خيالي ظن أنه لن يحدث.. سنوات من الألم والتمني ومحاولة التخلص من عبقها الذي تركته داخل صدره.. وجعه منحوت بداخله كتماثيل تاريخ بلاده.. لا عوامل الزمن تؤثر فيه ولا الأعاصير تخدشه.. دائماً ما كانت تترك بصمة بداخله.. بصمة من عذاب الماضي ووحشة المستقبل الذي اعتقد أنه خالي منها.. عندما فارقته وصدق أنها نسيته.. وعندما استعادها ظن أن كل وحشته قد امتلأت وقد حصل عليها حلالاً طيباً لا قوة على الأرض قادرة على انتزاعها منه.. لقد تسلح بكل أسلحته في وجه كل من يحاول تفريقهما، إلا أنه لم يفكر أبداً أن عدوه الشرس هي بحد ذاتها!
لن ينكر الشعور الرائع الذي غرق فيه بالأمس متنعماً بلمسها، بحرارتها, بفضولها الرهيب الذي أهلكته بداخله وهو يبادلها الغرام ..لم يكن الذهول المعتاد ما اتسم به لقائهما، بل الشوق المستعر، الحب واليأس, والألم الساكن بداخلهما حد التوسل لمحوه.. إلا أن كان هناك شيء ناقص.. إحساس يغدر بروحه النهمة.. ويترك جوعه الضاري يأكل أعماقه، وما فائدة شبع الجسد إن كان القلب لم يأخذ نصيبه منها؟!
لقد كانت مقيدة, متخبطة رغم كل الاستسلام المهيب الذي منحته إياه، رغم مجاراتها لكل هوسه فيها ..ومؤكد ما كان يقيدها ليس خجلاً ولا حتى ذلك الظلام الذي يجذبها ويفسر علاقتهما بشكل مهين مشين.. وإنما أمرٌ آخر لم يصل لتفسيره بكل أسف.. أطلق خالد زفرة حادة, يريد أن يصرخ بكل ما يحمله من عذاب: (ليس هذا ما أردته.. لم يكن هذا ما رغبته.. ما زلت جائع إليكِ.. ما زلت أفتقدكِ ولم أستعيدكِ بعد)
هي تتسلل من بين أصابعه كالزئبق.. فماذا يفعل وقد نفذت كل الحيل، وشلت يديه عن التصرف والإمساك بها؟! فالحذر هو المسيطر في علاقتهما، لن ينكر توجسه منها وخوفه من رد فعلها, رعبه لأجلها بأن تطلق شيئاً غبياً يحطم ما يحاول لملمته من علاقتهما.. وكيف تكون هذه حياة؟ وكيف سيتحمل شعور الحذر كل مرة يقربها فيها؟ من أين له القدرة ليشعر بهذه الوحشة والنقص كلما ضمها إليه وضاع فيها؟!
لقد ظن بالأمس أنه كسر قوقعتها أخيراً.. بأنها تبدي شيئاً طبيعياً كان يجب أن يعلمه لها خطوة بخطوة.. وأن يؤجج رغبتها به بهذا الجانب بالذات.. أن يمهد لها طبيعة القادم ويخرجها من مأزق حب المراهقة البريء.. هو يدرك الآن أنه ربما كان يجب أن يصبر قليلاً قبل إتمام زواجهما.. أن يترك لها الوقت لتتعرف عليه كرجل.. لا خالد الشاب الذي تعلقت به بمنتهى الطفولية.. ولكن سبق السيف العذل ولم يعد بيده تغيير الماضي.. هو لم يقل أنه لن يتحمل ويصبر.. إلا أنه مؤكد لا يرغب في تكرار الأمر معها، حتى يحصل عليها كامله دون قيود وتقيد من جانبه، فهو لن ينكر أيضاً بأن هناك وحش رجولي بداخله ينهشه بأظافره ويصارعه بكل شراسة لأن يخرج في وجهها ويعلمها كيف يكون تبادل الغرام الحقيقي معه!
ربما هي امرأته الأولى بكل الطرق والسبل, فهو لم يمنح نفسه حتى الفرصة بالماضي لأن يقيم علاقة غرامية مع إحداهن كما يفعل الكثير من الشباب.. فأخلاقه والخوف من الله كانا يمنعانه.. وأيضاً هناك أسبابه النفسية البحتة بأنه لم يرغب أبداً أن يكن بأي صورة شبيهاً لوالده حتى وإن لم يكن لينجر للحرام يوماً..
اعتدل على جانبه مواجهاً لغرفة تبديل الملابس, عيناه تحدقان في الحائط وكأنه يراها.. يتخيل جمالها.. يستطعم حلاها الذي نهل منه دون توقف وإن كان بحذر مترقب.. يتذكر كل همسة عشق أغرقها فيها عله يجذبها من الصمت ومن حالة النقص الذي بثته فيه بكل جحود حتى وإن لم تقصد..
ابتلع ريقة بقسوة والسواد يغشى عينيه كما يطفئ كل الجمر بداخله وهو يهمس: "على الأقل لم تقم بشيء أخرق كما توقعت.. ألا يعد هذا تقدماً في حالتها؟!"
فبعد انتهاء جذوة تبادلهما الغرام ظل ينظر لها من علو بصمت, لاهث الأنفاس, متسارع الدقات, وحذر الملامح, يترقب هرعها لأي حائط تحتمي فيه ثم تبكي وتندد وتتهمه باستغلالها وتشرع في وجهه رفضاً قاطعاً لما حدث ..إلا أنها لم تفعل بل عادت وعيناها تسكنها نظرة ذهول فظيعة وتحدق فيه من بين أنفاسها المنقطعة وكأنها تريده أن يخبرها بأي شيء، بأن يهدئ روعها.. إلا أنه لم يفعل (خوفاً).. ومن يلومه بعد كل تجاربه معها.. وبالنهاية عندما سكن جسده جانبها وضمها إليه لم تبدي أي رفض بل سريعاً كانت تكور نفسها بداخله وتلف جسدها الضئيل حوله, ساقاها التفتا حول ساقيه.. ساعداها يستندان على صدره.. ورأسها انغرز عميقاً في عنقه.. وعندما شدد عليها أكثر وحاول أن يجعلها تتوحد فيه حرفياً فاجأته بتحرير ذراعها لتلتف حول خاصرته متمسكة فيه بكل قوتها..
(أنتِ كافية.. كافية جداً ومثالية لي.. دائماً ما كنتِ فتاتي المثالية ولكن بكل أسف أدركت هذا بعد أن أوجعتكِ)
تحرر من الغرق في أفكاره عندما وجدها تقف عند طرف الفراش من جديد نحوه.. أدار وجهه ببطء دون أن يعتدل من مكانه.. شملها كلها بنظرة منفلتة المشاعر.. نظرة تدرك معناها الآن بعد أن تخلت عن نفسها، وغرقت في تفاصيله هو.. شعرها الرطب كان مسترسلاً فوق كتفيها وحتى حدود أعلى ظهرها.. جسدها سترته بكنزة صوفية متعددة الألوان تتدرج ما بين البنفسجي والرمادي والبرتقالي المطفي، بينما ساقيها.. حسناً كانتا عاريتان تماماً..
رفع خالد حاجبيه وهو يقول بتهكم: "هل عدنا لنقطة أن الجزء العلوي تبعنا, أما الساقين فهما ملك للشعب؟!"
انزعجت وهي تلوح ببنطال من القماش الشتوي الثقيل وإن كان بقصة ضيقة بعض الشيء وتقول بعبوس: "لم أكمل ارتداء ملابسي بعد.. توقف عن السخرية"
قال بتفكه وهو يمد يده نحو معصمها يجذبها منه لتسقط فوقه: "إذاً هناك تقدم آخر.. لم تعودي تخجلين مني"
ارتبكت وهي تلعق شفتيها وتهمس بتوتر: "التمسك بالخجل يعد حماقة خاصة.. خاصة بعد ليلة الأمس"
اتسعت ابتسامته على وجهه تطرد كل أفكاره السلبية جانباً.. وقال مداعباً: "كانت هناك ليالٍ أخرى سابقة مثلها ..ما الذي تغير؟!"
احمرت وجنتاها وهي تقول بتلعثم: "لا أعرف"
همس بصوت أجش خافت بينما يده تتسلل تحت كنزتها.. أصابعه تسري على بشرتها بتدفق عذب.. انكمشت كلها على صدره وهي تنطر إليه بعينين يختبئ فيهما شعور حالم على خجل.. إلا أن نظرة الفوضى كان واقعها أشد: "أنا أحبكِ.. أريد منكِ أن تفهمي هذا جيداً.. لا أهتم بما تقدمينه لظنكِ أنه سوف يسكتني، أو يكون اكتفاءً لروحي.. ما أريده هو أنتِ.. أنتِ كلكِ.. كاملة دون نقصان يا عبثية"
غرقت في شعورها به والخجل، ودافع الهروب الأقوى بينهما.. رغم أنها عقدت حاجبيها بتفكير عميق قبل أن تهمس بارتباك: "هل هذا يعني أنك غير مهتم بالجانب الجسدي؟"
ضحك.. فاربكها أكثر.. وعادت لمقاومتها للابتعاد.. أثبط محاولتها وذراعه الحرة تلتف حولها ليثبتها فوقه.. ثم قال أخيراً بصوت أجش: "لم أقل أنه غير هام.. بل في الحقيقة هو جانب مهم جداً جداً ولكنه ليس كل شيء.."
غرقت في أحاسيسٍ مبهمة وضاعت فوق جسده الضخم الذي ماثل ضعفيّ بنيتها.. وتهربت كما توقع عندما همست: "جيد، ولكني لا أريد مناقشته، فهلّا أغلقناه فور حصولنا عليه؟"
برد داخلي أصابه لا أمل في تدفئته.. وجع عميق سيلاحقه طويلاً هو ما تدفق إليه.. ولكنه تماسك وهز رأسه بتفهم، بينما أصابعه لم تتوقف لحظة عن السرح فوق بشرتها دفع لها إحساس جديد، شيء آخر تجربه معه عبر التلامس دون الإكمال للنهاية.. شيء يأجج أنوثتها، يدفعها للتفكير بالحميمية، للترقب طوال اليوم لمساءهم وأن يستمر تفكيرها به في الفترة التي تبتعدها عنه..
:-"شعركِ استطال!"
بدل الخجل والاهتزاز اللذين تملكا كل جزء فيها, وجد الدهشة تعلو وجهها هامسة: "هااا"
ارتفع حاجباه وهو يقول ببراءة ضاحكاً: "شعركِ استطال، ألم أخبركِ بأني أحبه قصيراً؟!"
ابتلعت توترها بينما كفها غريزياً يحاول التحرر من اجتياحه وهمست بجفاف: "وكأني أهتم لما تحبه.. شعري ملكي أفعل به ما أشاء، ألا يكفي سماحي لك بالتحكم في ملابسي؟!"
صوته كان خافتاً جداً, بطيئاً, متملكاً ومتمهلاً عندما قال: "كلكِ ملكي يا سَبنتي.. لي وحدي منذ أن دخل بكِ راشد من أبواب هذا المنزل"
صوته.. قوله بهذه الطريقة.. النظرة في عينيه والتي كم تمنتها بالماضي أن ينظر إليها بها.. أصابتها برجفة عظيمة, رجفة من نوع آخر.. دفعتها للرغبة في البكاء في هذه اللحظة.. والصراخ في وجهه أنها تحبه.. تحبه كما لم ولن تحب إنسان قط..
ولكنها قالت بهدوء معاكسة لكل الفوضى التي أضاعت ثباتها: "هذا قول اليائسين الحمقى.. وأنا لا أظنك أحمقاً.. لا تحررها رجاءً فهي تمنحني مشاعر سلبية، ليس لكرهي تملكك هذا وإنما لإثارتها ذكريات قريبة جرحتني فيها.. وأنا لا أريد تذكرها لا الآن ولا قريباً"
اشتد فكه ويده تنسحب أخيراً من تعزيز أنوثتها.. ثم قال بصوت متصلب: "أريد أن أهون عليكِ ألمكِ يا سَبنتي.. إلا أني أعاني أيضاً من نفس الجرح وربما أكثر وأشد"
وهي أرادت أيضاً جبر خاطره، وكل ما يدور في عقلها الآن أنها لا تريد إفساد ليلة منحتها له ولنفسها قبله، بذكر أي من تخبط الماضي..
أفلتت نفسها من فوقه ثم تسطحت جانبه.. منحها نظرة دهشة فقد توقع هروبها ولكنها لم تفعل أيضاً بجملة صدماتها منذ الليلة السابقة.. فرد ذراعه لها بصمت, فتقبلت منحته سريعاً وتسطحت بجانبه صدرها ملتصق في جانبه، ساقها التف حول ساقه دون الغرق في الخجل وإن احمرت وجنتاها بشدة وهي ترمق جذعه العاري منذ الأمس.. رفع وجهه بتحدي وهو يقول بمشاغبة: "هوني على نفسكِ واعتادي الأمر.."
لعقت شفتيها وهي تركز نظراتها فوق وجهه باهتمام: "أحتاج للوقت.. رغم أن النية موجودة"
همس لها بصوت أجش وظهر يده يمسد وجنتها بحنان: "سأنتظركِ كل الوقت الذي تحتاجينه"
أومأت دون صوت.. وعم صمت هادئ أخيراً بينهما.. كلٌّ منهما متخلي عن هواجسه وألمه.. أغلقت جفنيها ورأسها الرطب يتمسح على قلبه كالقطيطة التي تطلب حنو صاحبها.. أغلق خالد كلا ذراعيه حولها مشدداً عليها من جديد.. حتى سمعها تقول بهدوء: "أريد إخبارك قصة"
قال مداعباً وهو يمرر يده بين خصلاتها: "وها قد عادت روح راشد البغيضة تطفو على السطح.. هل تظنين بأني إياب؟"
ابتسمت دون أن تفتح عينيها ثم همست بمشاغبة: "إن كان إياب هنا ما كنت حصلت على أي شيء، كنت الآن تنام على طرف الفراش وحيداً بائساً ومغتاظاً"
تصنع الضيق وهو يقول: "لهذا تحديداً سأشحنه لأمه اليوم.. وكأنه لا يكفي إزعاج ابنها.. بل تحاول هي بنفسها إزعاجي"
ضحكت بخفوت وهي تهمس بلوم: "كيف هانت عليك وأغلقت الهاتف في وجهها؟! أنت قاسي جداً على فكرة"
قال بجفاء: "أنا القاسي أم هي من اختارت لحظات حرجة تقطع عليّ أجمل وقت قضيته معكِ.. لقد أردت أن أحرقها وأحرقهن جميعًا بالأمس.."
اختنقت ضحكة خجل وإثارة داخلها.. فوجدته يرفع وجهها نحوه ويجبرها لتفتح عينيها ومواجهته.. ثم همس بخفوت مداعباً: "كل مرة أخذتكِ فيها كنت أظن أن لا إحساس يضاهي جمالها، وكأنها مرتنا الأولى التي لن يأتي لقاء آخر بعدها.. ولكني ما زلت أغرق مثلكِ تماماً بعد كل مرة أمتلككِ وكأنها المرة الأولى حقاً"
ارتبكت وهي تدس شعرها بشكل عشوائي وراء أذنها.. عاجزة عن إخباره بأنها لم تشعر به إلا مرتين.. واحدة أفسدها هو سابقاً.. وهذه التي تتمسك بعدم إفسادها بكل إصرار..
همست أخيراً بصوت خافت متردد لتغير الحوار: "هناك قصة كنت أقرأها مراراً في جورجيا.. عندما كنت أحاول تعلم اللغة بتكثيف القراءة"
اهتم وانتبه لها ماحياً انزعاجه من تهربها: "ما هي؟"
عقدت حاجبيها وهي تحدق في نقطة وهمية خلف ظهره ثم استطردت بحبور: "كان هناك شابان يتصارعان فيما يشبه فرض السلطة.. أحدهما معتمداً على سلطة ومال أبيه.. والآخر على رقة قلبه ورفقه في من حوله.. والأهم إخلاصه حتى لحيوانه الأليف رغم ضيق الحال وعقد والديه التي لم تخفى على أحد.. أبوه كان سكيراً.. لكنه سكر بدافع نسيان ما ارتكبه من فظائع في الحرب مجبراً"
وقع قلب خالد من بين أضلعه وهو ينظر لها بتوجس وكأنه يخاف أن تؤلمه في القادم.. في ربط التشابه!
ولكنها لم تفعل ولم تقصد إذ أن قصتها أخذت أبعاداً أخرى داخل عقلها.. وكأن كل روح تبحث عن ما يخفف ألمها الخاص فقط, همست: "الشاب كان دائماً سارحاً في عالم خاص به.. لم يكن يرغب حتى في التنافس الذي فرضه عليه الناس.. والشاب الآخر روحه تزهد أن يؤدي المتوقع منه لإبهارهم.."
صمتت تبتلع ريقها وهي تنظر إليه بتوهان, ضغط على وجنتها وهو يقول برقة: "وبعد ما الذي حدث؟"
همست مختنقة: "دُفِع رغم أنفه للتنافس.. ورغم أن البطل الآخر ذلك المبهر الغني، كان يجذب أي عين لقارئ ليقف معه ضد ذاك المتذبذب المحمل بالألم .. إلا أن روحي كانت تهفو رغماً عني للشاب الفقير.. رغم أنه لم يكن البطل"
سأل بتشنج: "لماذا؟!"
تحرك صدرها بنفسٍ مفطور قبل أن تهمس: "لأن أباه الضائع والذي ضيعه معه.. على غفلة منه منحه أخيراً شيئاً جيداً.. شيء كان المسكين يراقبه في مزارع الأغنياء وروحه تهفو للوصال دون أن يملك القدرة.. لقد منحه جواداً مبهراً, جامحاً وذكياً, أحبَّ فتانا من النظرة الأولى، كما أحبه هو وصادقه.. لقد رأى ما بداخله.. رأى ما رأيته أنا وتعلقت روحي به منذ أول سطر وعرفت ما جهله الكاتب حتى"
سأل بفضول: "وكيف انتهت حكايته؟"
تنهدت وهي تقول باختناق: "الرواية لم تنتهي هنا.. فقد ظهرت البطلة وكالعادة تنافس الشاب الغني الواثق جداً لكسب قلبها بتسخير كل ما يملكه، صبر عليها, منحها الفرص, أبهرها بعطاياه لها, لقد منحها مجوهرات كثيرة ومال أكثر.. حتى أنه اشترى أول سيارة تسير بالغاز في ذلك العصر"
انتبه كله وهو يقول: "مؤكد أحبته، لقد اهتم بها جيداً"
ضحكت باختناق وهي تهمس: "نظرتك محدودة جداً وجاهلة بطبيعتنا.. كل هذا لم يطوع قلبها رغم بقائه معها شهور يبثها حبه.. وفي لحظة.. كل ما تطلبه الأمر لحظة واحدة.. عندما كان يقود بها الغني السيارة منطلقين يلامسان النعيم.. رأت بطلي الآخر على صهوة حصانه يلهب الأرض تحت حوافره يغزو القلب بحربٍ محسومة لصالحه، يسرق النظرة والنفس, ويهدئ الروح الضئيلة ويربطها بسبيله.. عندها بكيت.."
صمتت وهي توجه بنفسجها المتألم لعينيه ثم همست بتحشرج مؤكدة: "بكيت.. انتحبت بقهر وشعرت بأن روحي ستخرج مني.. لقد انتصر هو دون حروب، دون الانجرار لدنياهم الخادعة.. انتحبت وأنا أتخيلك مكانه, متمنية أن تتمسك بكل جميل كان يمثلك مثل بطلي.. إذ أني أدركت وقتها أننا النساء لا نحتاج للمال، لا نرغب في إبهارنا، أرواحنا لا تهفو لكلمات الغزل والحب المبالغ فيها، بل كل ما نحتاجه فارس يغزو العالم كله فوق صهوة حصانه وينتشلنا من ضياع محقق.. هل فهمت ما أعنيه؟"
صوته كان حاراً.. ووجهه مصدوم: "حبيبتي.."
اختنقت: "أحتاج لفارسي القديم.. لا الرجل المتفهم.. ولا ذاك الشاب المندفع المتهور.. فقط أريد البعبع.. فهل ما زال هنا أم رحل؟"
لم يرد بالكلمات فقد كان في هذه اللحظة ضائع مثلها.. ضمها إليه بقوة، شفتاه تبحثان عن ملجأ شفتيها.. جسده يعلوها.. مشاعره تطفو فوق كيانها وتطلق صراخاً مكتوماً بأنه متواجد أبداً لأجلها.. ولأجلها فقط لم يرحل فارسها بل تمسك بالحياة ورفض كل القيد والأحمال التي أصبحت تكبله..
وللحظات أخرى كانت ساكنة بين يديه مسلمة لظلام يلفها.. تمد يديها لنور بالكاد يشق طريقه متسللاً عبر خرم إبرة!
وفي دقيقة أخرى وجدت نفسها تقاوم بكل قوتها، ترفض ما قد ينجرا إليه.. ثم كالعادة اختارت الهروب بدل البقاء والتسليم ثم المواجهة.. وأفلتها محبطاً عندما شعر برفضها الجاد..
راقبها كيف انخلعت من جانبه كخلع الضرس السليم من فك وحش فتاك رافض.. ثم همست بضياع: "آسفة.. هذا فوق احتمالي يا خالد..،كثير ..كثير جداً .. آسفة حقاً.."
هز رأسه بتفهم واهي بينما ينظر لانسحابها بقسوة ساخرة، ثم عادت تلك الوحشة تسحبه لأسفل وأسفل دون أن يحاول مقاومتها بل تركها تتغذى عليه كما تشاء..
********

يتبع ألان
سبنتي وخالد بجد أتمني يقدروا ينجوا بعلاقتهم من الطوفان اللي حواليهم وعايز يبتلعهم
سبنتى متخبطة ضائعة وسط اشباحها
وخالد فهم خطأه آخيرا في حقها وإنه وصلها في السابق إنها غير كافية له لكنها كانت بالنسبة له الحياة نفسها وده اللي بيحاول يوصله ليها دلوقتي


Hoba Nasry غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-02-21, 11:11 PM   #8330

ام ثائر حبايبة

? العضوٌ??? » 470372
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 62
?  نُقآطِيْ » ام ثائر حبايبة is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايدك يا وحش الكتابه انت يا جميييييل

ام ثائر حبايبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
#شظايا القلوب ... رومانسية .. اجتماعية .. درامية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:00 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.