آخر 10 مشاركات
ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          588-المساومة -ديانا هاميلتون -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          انتقام عديم الرحمة(80)للكاتبة:كارول مورتيمور (الجزء الأول من سلسلة لعنة جامبرلي)كاملة (الكاتـب : *ايمي* - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          سيدتي الجميلة ~ رواية زائرة ~ .. للكاتب الأكثر من مُبدع : أسمر كحيل * مكتملة * (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          تراتيل الماضي ـ ج1 سلسلة والعمر يحكي - قلوب زائرة - بقلمي: راندا عادل*كاملة&الرابط* (الكاتـب : راندا عادل - )           »          نيران الجوى (2) .. * متميزه ومكتملة * سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          420 - الوجه الآخر للحب - روبين دونالد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الملاك والوحش الايطالي (6) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-11-19, 11:43 PM   #11

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




،,

تقِف خلف المجلى تُشطّف الصحون بالماء ، شاردة في مكان آخر ، اقتربت منها عبير و هي تحمل الملاعق و تضعهم داخل المجلى ، تقول بهمس : حظّك من السما .. إنتِ دخلتي و بعد دقيقتين أبوي دخل ..
لم تكترث بكلامها ، استمرت في غسل المواعين و هي تفكّر في ملامح فهد و حسرتها لبعده عنهم ، لم تعد قادرة على أن تراه في كل صباح ، أردفت عبير بنفس الهمس : بس أبعرف وين كنتِ ؟
شهد : أحاول أحل مشكلة طارق اللي أبوكِ مو سائل عنّه ، أمّك المسكينة ما نامت الليل من قلقها ..
جحظت عيني عبير : رحتِ مركِز الأمــن ؟!
تجعّد جبينها و عقدت حاجبيها بتقزز من ذِكر اسم المركز : لاا طبعاً ، " هَمست بابتسامة " : رحت لفهـد ..
شهقت بصوت تحاول أن تكتمه : اهــئ !! شلــون و ويـن وش سويتوا ؟
ضربتها بخفة على كفّها : و صمخ وش بنسوي يعني ، قلتله عن مشكلة طارِق عشان يساعدنا ..
تكتفت و تساءلت بسخرية : فهـد يسـاعدنا ؟ من ويـن يقدر يساعدنا و اهو حاله أسوأ من حالنا !
ظهرت ابتسامة جانبية على وجهها : هه ، حبيبتي فهد اللي تعرفيه زمان ماهو فهد نفسه حق اليوم ، تغيّر مرة ، عنده بيت ، و سيارة ، و فلوس ، و أكيد واسطة ..
عبير : و من وين كل هالشي ؟
تنهدت شهد : مادري ، كل اللي أعرفه إنه صار بدنيا غير الدنيا اللي كان فيها ،،
عبير : طيب ما قالك شي عنكم ؟
شهد : عنا ؟ وش قصدِك ؟
عبير بابتسامة تحاول اخفاؤها : يعني وش آخرة هالنظرات من بعيد لبعيد ، وش آخرة هالحب العذري هذا !
شهد بخجل : بس يا بنت وش هالكلام الماصِخ ! بعدين أقولك رحت أكلمه بخصوص طارِق و يا دوب كلمتين عالباب ، جاية تقوليلي حب و ما حب ..
عبير : صدقتِ ، عجبتيني لأن اهو لازم يفتح معاكِ الموضوع مو إنتِ ، هذولا الرياجيل لا شافوا وحدة تحبهم يتكبروا عليها حتى لو كانوا يحبونها ..
شهد ترفع حاجباً : ما شاء الله ، من وين عندك هالخبرة آنسة عبير ؟
عَبير : من الروايات اللي أقراها كونه ما في تلفزيون نشوف مسلسلات ..
قاطعهم صوت رنة قصير لرسالة نصية وصلت على هاتف شهد ، التي ارتبكت و نشّفت يديها في بنطالها بعجلة ، أخرجت الجوال من جيبها و همست : عبير وقفي عند الباب إذا أبوي جاء قوليلي ..
عبير : أبوي مو هِنا ما سمعتيه لما قال إنه رايح يشوف جارنا بـو خالد ؟
صمتت و هي تقرأ رسالة فهد بابتسامة ، عبير : اللي ماخذ عقلك يتهنـى !!
شهد : هسسس ، " تابعت قراءة رسالته " :
" شهد ، عساكِ بخير ، أبغاكِ تكوني متطمنة ، طارِق اليوم أو بكرا بيكون بينكم ، أنا تصرّفت و بإذن الله ما رح يتأخر أكثر من كِذا ، انتبهي على نفسِك "
بدأت تضغط على أزرار جوالها و تكتب رداً ترسله بسرعة :
" مشكور ماني عارفة شلون أتشكرك ، و أعذرني من لهفتي على أخوي نسيت أقول لك الحمدلله عالسلامة ، و يا ليت تسلملي على خالتي جواهر و تعتذر منها عني إني ما قدرت أدخل أسلّم عليها ، "
جاءها الرد سريعاً و مربكاً :
" ربي يسلّمك و يسعدِك ، لا تخافي عَمـتـِك جواهـر تحبّك و ما راح تزعل منّك "
اتسعت ابتسامتها و هي تقرأ تِلك الكلمة ( عمتِك ) ، أيقصِد بها ما أفكر فيه ؟ ألا زِلت تريدني يا فهد كما أريدك أنا بكل خلية في جسدي النحيل ؟
بدأت تختفي ابتسامتها و هي تتذكر حقد والدها على فهد ، و استحالة قبوله به كنسيب لهم ، أطلقت تنهيدة حارة و هي تخفي جوالها في جيبها ، اقتربت عبير : هذا فهد ؟
التزمت الصمت ، فأردفت عبير : انتبهي يا شهد ، والله لو أبوي يدرى إنّك تكلميه بيذبحك و يذبحه ، و طارِق بعد !
شهد مرتبكة : منو قالك إني أكلمه شايفتني أغازله مثلاً ؟ كل الموضوع إنه طمني عن طارِق ، قومي سوي شاي و خذيه لأمي يلا ..
يُطرق الباب في وقت لم يعتادوا فيه زيارة أحد ، تذهب عبير بحركات خفيفة ، تقف خلف الباب و تسأل : مـين ؟
صوته الضّخم من الخارِج : الأمن الجنائي ..
ترفع عبير حاجبيها بخوف و دهشة ، تمشي على أطراف أصابعها بسرعة متجهة إلى المطبخ ، تنظر إليها شهد باستفهام ، فتقول بهمس : هذولا الأمن الجنائي !
تعقِد شهد حاجبيها و هي تتساءل في داخلها عن سبب قدومهم ، تغلق الحنفية ، تنشّف يديها من الماء و ترفع الشال عن كتفها لتغطي به شعرها ، تلتفت إلى عبير : خليكِ عند أمي ، ولا تقولي لها شي ..
اقتربت شهد من الباب ، تغلق أصابع يدها اليُسرى على حجابها من جهة الرقبة كي لا يفلت أمامهم ، و بيدها اليمنى تفتح الباب ، ذلك الطويل ، و عضلات جسده التي تدل على تدريبات قاسية تلقاها منذ زمن ، يعطيها ظهره و يديه في جيوبه ، يقول دون أن يلتفت : بـو طارِق موجود ؟
شهد تقف خلف الباب : خير ان شاء الله وش تبي منه ؟ مو كافي خذيتوا أخوي ؟ وش تبون من أبوي بعد ؟
أطلق زفيراً سريعاً ، التفت : هذا مو شغلك ، أبوكِ موجود أو لا ؟
شهد : لا مو موجود ، و ما أنصحَك تخليه يشوفَك لأنه ما بيعديها لَك على خير إنّك أخذت أخوي ..
رفع حاجبه الأيسر ، تعالت ضحكته ذلك الذي ظنّت شهد أن وجهه لا يعرِف حتى الابتسام ، تساءلت بنرفزة : خير ان شاء الله ضحكنا معاك !
أخذ نفساً ، توقّف عن الضحك بشكل مفاجئ : اللي ضحّكني ثقتك و إنتِ تهددي ،
بدا على وجهها التوتر : أخوي طارِق وينه ؟ و ليش أخذتوه ؟
أخذ يمرر نظراته في الشارع أمامه على المارّة ، قال ببرود : أنا ماني جاي أتكلّم في موضوع أخوكِ ، أنا جاي عَشان أبوك ..
شهد : والله أبوي مو هِنا إذا تبيه تفضل استناه في الشارع لين يجي ، ولا ترجع تدق علينا و تزعجنا ،،
يحيى : اوك ، سوي فنجان قهوة و حطيه عالباب أنا باخذه ..
ترفع شهد حاجبيها مستنكرة : نعم ؟ مو ملاحظ إنّك واثق في نفسك زيادة عن اللزوم ؟
يحيى بابتسامة : ملاحظ طبعاً ،
رمقته بنظرة حاقدة ، أغلقت الباب في وجهه بقوّة و دخلت إلى المطبخ تتمتم بغضب ، ضحِك هو و توجّه نحو سيارته ، عاد ليجلس مراقباً عودة أبو طارِق ..

،,

استند إلى ظهر المكتب وقف متكتفاً و سأل : كل هذا صار من أمس لليوم ؟
هزّ عزيز رأسه ببرود ، أردف عصام : و حضرة جنابه وين راح ؟
عزيز و هو يقرأ مقالاً على شاشة الحاسوب ، دون أن ينظر إليه : مادري ، أنا تركته بعد الظهر و الحين رديت ،، مادري وين راح ..
عِصام بهدوء : والله حلو ، أغيب كم ساعة ألاقيكم قالبين الدنيا !
عَزيز ينظر إليه : المسألة مو مسألة ليش اعتقلنا طارِق ،، طارِق ما نفذ المهمة ، أنا اللي عصبني من يحيى طريقة تعامله معاه ، يعني ماهو هالذنب الكبير ، بعدين طارق من الأساس كان رافض الفِكرة ..
عِصام بنبرة حادّة مرتفعة قليلاً : أساساً بأي حق بتجبروه يشتغل معاكم ؟ هذا ماهو رجل أمن شلون بتكلفوه بمهمة اهوة ما يعرف عنها شي !! و بالإجبار بعد ؟
عزيز : كونه صديق فهد المقرّب ، كان ممكن يكون أكثر واحد بيفيدنا ،،
عِصام يعتدل في وقفته : و انتوا بدال ما تحققوا في مقتل مشعل ، جايين تدورون وراء فهد و سفراته ؟
ارتفعت نبرة عزيز : ما هذا هو السر ، سفرات فهد و تغير وضعه ممكن يوصلنا لأشياء مهمة ! وش نسوي إذا القضية ما فيها ولا خيط يوصلنا للقاتِل ؟
رمقه بنظرة : وش تسوون ؟ شوفوا قضية ثانية امسكوها ، جبتوا واسطة عشان تشتغلوا بقضية أساساً ميؤوس منها ! ولا بس مضيعة وقت ؟
عزيز : إنت شايفنا نضيع وقت ؟
عِصام : طبعاً تضييع وقت ! المجرم قاعِد يسرح و يمرح و مبسوط ، و إنتوا لاحقين لي فهد و طارق و بو طارق و مدري منو ! وش هالكلام الفارغ ! ناقصنا عيال يشتغلوا معانا !
نهض عزيز و قال بغضب : وش عيال ما عيال احترم نفسك !! أنا و يحيى مو قاعدين نلعب !
مسح عصام وجهه بكفه ، اقترب من عزيز : انزل الحين اخلي سبيل طارِق ، و لو شفتكم مرة ثانية تلاحقون الهبل هذا راح أطلّع قرار نقلكم بإيدي ، والله برجعكم صف أول .. إذا حابين تتسلوا اتسلوا بعيد عن شغلنا ..
عزيز بعناد : مقدر ، أنا آخذ أوامري من يحيى ..
صَمت لدقيقة ، ثم : و يحيى يأخذ أوامره مني ، انزل اخلي سبيل طارِق أقول لك ،
أخذ مفتاح سيّارته ، التفت : أعتذِر ، عن إذنَك ..
خرج من أمامه ، تقدّم عِصام نحو الباب و هو يتوعّد في داخله لكليهما ، نادى على أحد الضبّاط ، اقترب منه بسرعة ، قال عِصام : انزل إخلي سبيل المتهم طارِق الحمد فوراً ..
الضابط : حاضِر سيدي ..
عاد إلى المكتب ، يده اليمنى في جيبه ، و الأخرى يحكّ بها ذقنه بتوتر : ناقِص علينا كنّا فـ يحيى صرنا فـ يحيى و عزيز !

،,

روما ، دخل الطبيب إلى غرفة ريم ، بابتسامة على وجهه ، تساءل بالإيطالية : كيف أصبحتِ الآن سيّدة ريم ؟
ريم و هي تعدّل حجابها : الحمدلله بخير ، هل ظهرت نتيجة التحاليل ؟
هزّ رأسه بـنعم ، حسناء تتساءل بفضول : و ما هي النتيجة ؟
تنهد الطبيب و هو يضع يديه في جيب لابكوته الأبيض : إن ما حدث لكِ سيدة ريم هو تسمم دوائي ، و لقد تبين لنا أن تركيبة الدواء ضارة بالجنين ، يستخدمنها النساء عادة للإجهاض ..
التفتت ريم إلى حسناء ، تنظر إليها و كأنها تقول : " صدقت توقعاتي " ، أردف الطبيب : هل تريدين تقديم شكوى بمن حاول أن يؤذيكِ و يؤذي طفلك ؟
تنظر إليها حسناء و عينيها متسعتين من تفكيرها بأن ريم قد تتقدم بشكوى ضد والدها ، ولا تعرف ما الذي يربطها به إلى تِلك الدرجة رغم كل الأذى الذي ألحقه بها ، تبادلت ريم النظرات الصامتة معها ، تنهّدت و قالت : لا ،
تنفست حسناء براحة ، أردفت ريم : هل يمكنني الخروج اليوم ؟
الطبيب : يمكنِك ذلك ، لكنني أفضل أن تنتظري حتى صباح الغد ،
ريم : أرجوك دكتور ، أريد أن أخرج اليوم ،
الطبيب : كما ترغبين ، سأسمح لكِ بالخروج اليوم .. أتمنى أن تتعافي بسرعة ..
ريم بابتسامة متوترة : شكراً ..
خرج الطبيب من عندها ، التفتت إليها حسناء و قالت بسخرية : بهالسرعة تبي ترجعيله ؟ لا تقولي اشتقتي ؟
رفعت اللحاف عن قدميها و نهضت : منو قالك إني برد البيت بعد سواة أبوكِ ؟
وقفت حسناء إلى جانبها ، متكتّفة : أجل وين بتروحي ؟
ريم : أبيكِ تاخذيني لأي أوتيل ، و المهم عمر ما يدرى عن مكاني ..
حسناء ترفع حاجباً : نعم ؟ يعني بتقضي حياتِك كلها في أوتيل ؟ بعدين عُمر لو يبي يقدر يعرف إنتِ في أي مكان ، ما هي صعبة عليه ،، أنا رأيي الأحسن تردي البيت و تحاولي تقنعيه يتقبل الولد .. بعدين اهوة ما راح يكرر اللي سواه مرة ثانية ..
ريم بعناد : مستحيل ، لو لفترة مؤقتة أنا لازم أبعد عن البيت ، طلبتك حسناء لا تاخذيني لعنده هالحين أبوكِ ممكن يسوي أي شي عشان يخلص من اللي في بطني !
حسناء تنهّدت : طيب ، جهزي نفسِك ، عبال ما أرجع بشوف الطبيب ..
تحركت نحو الباب ، قالت ريم : حسناء ، إنتِ شلون تخلين طبيب رجال يعالجني ؟ منتِ عارفة إني متحجبة و ما أرضى رجال يكشفني ؟
التفتت لها حسناء ، بلا مبالاة : إنتِ كنت تنزفي و الجنين كان بين الحياة و الموت ، و هذا الطبيب كان موجود و اهوة اللي أسعفك و أنقذ طِفلك ، الحالة كانت طارئة .. و لو ما كنت مضطرة كان استنينا تيجي دكتورة ، سمعتِ الدكتور وش قال ، الوقت كان أهم شي .. لو ما استعجلنا كان راح الجنين ..
أطلقت زفيراً ، هزّت رأسها : عالعموم شكراً ،،
أطلقت حسناء ابتسامتها المزيفة ، و خرجت ..

،,

قَبل الغروب ، سمِعت صوت الباب يُفتح و ترحيب من والدها بالمحقق الذي اعتقل أخيها ، يقول : يا هلا بالسيد يحيى ، عن إذنك بس أقول للحريم يدخلوا داخل ..
يحيى بابتسامة : خذ راحتَك يا عم ..
دخل بسرعة ، جميعهن جالسات في الساحة و والدتهن مستلقية فوق الكنبة المهترئة ، قال بهمس : قوموا اقعدوا داخل معاي ضيف ..
شهد بالهمس ذاته : يبه هذا وش جايبه عندنا فوق ما أخذ أخوي وش يبي بعد ؟
يحيى في مدخل المنزل ، يسمع تذمراتها و يبتسم بشماتة ، حين يوبخها والدها : يلا قومي ولا تكثري هذرة ،، عَبير خذي أمك و ادخلوا ، و إنتِ سوي لنا قهوة و ومابي أسمع صوتِك !
أخذت عبير كتابها ، أمسكت بيد والدتها و دخلتا إلى الغرفة ، وضعت شهد حجابها فوق رأسها و دخلت متأففة إلى المطبخ ، عاد والدها إلى يحيى : تفضل يا ولدي تفضل أهلا و سهلا ..
أخذ كرسياً و جلس ، واضعاً قدماً فوق الأخرى بتعجرف ، تراقبه شهد من نافذة المطبخ الصغيرة بغيظ ، يتساءل أبو طارِق : شلون قهوتك يا سيد يحيى ؟
يخرج سيجارة من باكيت دخانه ، مبتسماً : ما حفظناها يا عم ؟ وسَط ،،
رد له الابتسامة ، رفع صوته : وَسَط و سادة يُبه ..
من عندها ، متخصرة ، تقلّد صوته بنرفزة : ما حفظناها يا عم ؟ وسط نانانا !! يا ثقل دمّك عساه سم ينزل في معدتك ..
تأففت و هي تقترب نحو الغاز لتشعله و هي تمتم : أستغفرك ربي و أتوب إليك ..
في الخارج ، التفت أبو طارق ليحيى و قال بقلق : يبه طمني عن ولدي ؟ وينه الحين ؟
أخذ نفساً عميقاً من سيجارته ، ثم أجاب و الدخنة البيضاء تنطلق من بين شفتيه : لا تقلق يا عم ولدك بالحفظ و الصون ،
أبو طارِق : طيب أقدر أعرف ليش أخذتوه يعني وش مسوي معاكم ؟
يحيى : وِلدك قال لفهد عن المهمة اللي كلفناه فيها ، يعني خرب كل شغلنا ..
يفرك أبو طارِق يديه بتوتر : لا حول ولا قوّة إلا بالله ، طيب إلى متى بيظل عندكم ؟
اعتدل يحيى في جلسته بعد أن أطفأ السيجارة : أنا مو جاي أتكلم بموضوع طارق ،
أبو طارِق : أجل ؟؟
يحيى : أنا أبغى أعرف وش السر ، اللي مكرّهك في فهد ، و أبوه .. مع إنه معلوماتي تقول إنكم كنتوا أعز أصدقاء قبل وفاة مشعل ، وش اللي صار بعدين ؟
اتسعت عينا أبو طارق بدهشة ، ابتسم بارتباك : بشوف وش صار بالقهوة ..
همّ بالنهوض ، استوقفته نبرة يحيى الحادة : هالحين مو وقت القهوة ، جاوبني على سؤالي ..
اعتدل في جلسته ، و قال : بصراحة ، ما في سبب معين بس ..
اقترب يحيى و أطفأ سيجارته في منفضة السجائر : أيوه ، أنا سؤالي عن اللي بعد الـ بس هذي ، بس شنو ؟
أبو طارق : بعد مقتل مشعل ، فهد تغيرت أحواله و الكل في الحارة قالوا عنه إنه أكيد ما صار حاله هالحال إلا لأنه اشتغل بشي ممنوع ..
يحيى : شي ممنوع مثل شنو ؟
أبو طارق : والله يا سيد يحيى ما عندي معلومات ، فهد بعد ما تحسنت أحواله ما قعد في الحارة ولا عاد سمعنا عنه خبر ، حتى أولادي منعتهم يتواصلوا معاه عشان أبعدهم عن المشاكل ..
استند يحيى إلى ظهر الكرسي ، قال و هو يكتّف ذراعيه : و شلون لاحظتوا عليه إن أحواله تحسنت وش التغييرات اللي شفتوها ؟
أبو طارق : يعني صار عنده سيّارة ، و حتى لبسه صار مرتب و صار فهد ثاني يعني ، و بعدين أخذ بيت ثاني و غيّر بيته ،،
صمت يحيى بتفكير ، قال أبو طارق و هو ينهض : أكيد القهوة جهزت ، عن إذنك ..
توجّه نحو المطبخ ، ولا زال يحيى غارقاً في تفكيره ، غاب لثوانٍ و عاد ، وضع فنجانه أمامه : هذي القهوة الوسط مثل ما طلبتها ،،
جلس على كرسيه و بدأ ينظر إليه بتوتر ، تقدّم يحيى بجسده ، تناول فنجانه و ارتشف الرشفة الأولى ، أطبق عينيه و تغيرت ملامح وجهه من الطعم المالِح في القهوة ، تساءل أبو طارق : خير سيد يحيى ما عجبتك القهوة ؟
وضع الفنجان على الطاولة ، رفع نظره إلى نافذة المطبخ حيث تقف شهد و تنظر إليه راسمة ابتسامة على وجهها ، نهض و قال : لا لا عمي بس تذكرت عندي شغل ولازم أروح عن إذنك ..
وقف أبو طارق متعجباً من عجلته المفاجئة ، رافقه إلى باب المنزل ، شهد في المطبخ تفك حجابها و تقول بغيظ : روحـة بلا ردّة !

أغلق الباب خلفه و هو يقول : مع السلامة ،،
توجّه يحيى نحو سيارته غاضباً من تلك التي وضعت له الملح في فنجان القهوة ، ركب السيارة و تحرّك مسرعاً خارج الحارة الضيقة ، لاحظه طارق الذي يتقدّم نحو البيت بحركات بطيئة و ارهاق ، وسط نظرات أهالي الحارة المتعجبة للكدمات على وجهه ، وقف أمام بيته و هو يتحسس مكان الكدمة بيده اليسرى بألم ، و بيده اليمنى أخرج مفتاح المنزل ، دخل ببطء إلى الداخل ، حيث عادت والدته و أخته عبير للجلوس في مكانهم ، يجلس أبو طارق يفكّر في زيارة يحيى ، بينما تلم شهد فناجين القهوة خوفاً من أن يكتشف والدها فعلتها ، وقف أمامهم بحالته التي جعلت والدته و عبير تشهقان من منظر الكدمات ، قالت والدته بلهفة : يمه طارق وش صايرلك ؟؟
تقدّم بصمت نحو والده الذي انتصبت قامته و هو يرمقه بنظرات غاضبة ، وقفت شهد على باب المطبخ تراقب الوضع ، وقف أمامه بنظرات خجولة ، رأسه في الأرض ، رفع يده و صفعه على وجهه : طول عمرك فاشل ، و ما تعرف مصلحتك .. الشرهة علي اعتمدت عليك و اعتبرتك رجال ..
اقتربت شهد بسرعة و وقفت خلف أخيها ، وضعت يدها فوق كتفه و قالت بلوم : يبه حرام عليك مو شايف وش مسوي فيه هذا اللي ما يخاف من ربنا !
رفع طارق نظراته الجامدة نحو والده : سامحني يبه إني خيبت أملك ، و سامحني عاللي بقوله هالحين بعد ..
نظروا جميعهم إليه باستفهام ، فأردف : راح أخيب أملك أكثر من كذا ، لو كان أملك إني أخون صديق عمري و أأذيه .. أنا ماني خاين يبه ، و إنت ما ربيتني على كذا ..
ساد الصمت بينهم ، ألقى إليهم نظرة معاتبة ، و دخل إلى غرفته ..

،,



"" الله أكبـر

على صوتِ أذان المغرب ، دخل إلى غرفتهم المعتمة ، تجلِس مريم على سجادتها بنصف جسدها مرتدية لباس الصلاة ، رأسها مستلقٍ تحت ذراعيها الراقدة على الكرسي أمام السجادة ، تغفو بهدوء بعد تفكير يبدو أنه قد طال ، أشعل نوراً خافتاً لم يوقظها ، وضع مفاتيح سيارته و مسدسه فوق الطاولة بهدوء ، اقترب منها بحركات بطيئة ، جلس نصف جلسة أمامها ، مرر سبابته فوق خدّها الأبيض الناعم و قال بهمس : مريم .. قومي حبيبتي ..
انتفضت و هي تفتح عينيها ، قال : بسم الله عليكِ ..
فركت عينيها بنعس ، اعتدلت في جلستها : عصام ، متى جيت ؟
عِصام : توني أدخل ..
بدأت تفرك وجهها و هي تردد مع الأذان بصوت ناعس : أشهد أن لا إله إلا الله ..
عِصام بلوم : حبيبتي ليش نايمة هالحزة مو عارفة إن النوم فـ هالوقت ماهو كويس ؟
مريم : والله ما حسيت على نفسي شلون غفيت عيني و أنا أستناك ، تأخرت !
عِصام : كان في شوية شغل خلصت و جيت ، إنتِ ما طلعتِ من الغرفة ؟؟
هزت رأسها بالنفي : لا ظليت هنا من ساعة ما طلعت إنت ..
عقد حاجبيه و هو يقف : و ليش تحبسي نفسك ؟ كان قعدتي مع أمي تسليتوا عبال ما أرجع !
وقفت إلى جانبه : لو نزلت كانت بتسويلي تحقيق مثل أمس و أنا ماني قادرة يا عصام !
ابتعد عنها ، وقف أمام النافذة و قال بنفاذ صبر : إنتِ قاعدة تبالغي و هالشي ما ينحمل !
عقدت حاجبيها و هي تنظر إليه باستغراب : عِصام ؟ وش تقصد وش يعني ما ينحمل ؟
عِصام ينظر إليه بعتب : يعني إذا بتظلي على هالحـال صدق راح ....


،,

لَكمه على وجهه ليزداد تدفق الدم من وجهه ، مثبتاً على الكرسي بحبال وثيقة الرباط ، ينظر إليه بحقد ، يقول الآخر بلهجة باردة : حاولنا نفهمك بالحسنى ما فهمت ، واضح إنك ما تيجي إلا بهالطريقة ..


،,



انتهى


بعضكم راح يقول البارت هذا قصير ، و هو فعلاً ما هو مثل طول البارتات السابقة ، بس ما هو مرة أقصر منهم ، البارتات السابقة كانت 40 -42 صفحة بالوورد ، هذا البارت تقريباً 30 صفحة ، و السبب إني كنت مشغولة بشكل هالأسبووع من أوله لليوم عزومات ، و بعد طلعات و شوبينق فما فضيت ،، العذر و السموحة يا غوالي و إن شاء الله بعوضكم في البارت القادم ..

نلتقي على خير الجمعة القادمة بإذن الله ، و لذلك الوقت فلتبقوا بألف خير ..

طِيفْ!



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 30-11-19, 03:08 AM   #12

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

وحشتوني يا غوالي ، قبل كل شيء اعتذار كــبيــر على التـأخـير ، سَبق و أخبرتكم إني قرأت الجزء بعد ما كتبته و ما أعجبني حسّيته مجرد صف كلام و أبداً ماهو بمستوى الأجزاء السّبعة السابقة ، و لهذا السبب قلت لا والله ، بتأخر أحسن ما ينزل جزء دون المستوى ، لأن قرائي يستاهلون أجزاء عالية المستوى تصِل لذائقتهم ،
و أتمنى هالشي يخليكم تعذروني شوي .. و بعد حدث أمر خارج عن إرادتي ما كان برغبتي أتأخر لمدة أسبوع كامل ، لكن أصبت بإنفلونزا حادة شوي تقريباً كل البيت كانوا مصابين و عارفين الجو بهالوقت و تقلباته ، و لذلك كان صعب علي أسوي التعديلات اللي في دماغي بشكل أسرع ، العذر و السموحة أتمنى تعذروني ..

عِندي عَتَب صغنون ، الرواية تم نقلها دون إذن ، مو هنا زعلي ، زعلي إن اللي ينقلونها ما يكتبولي تعليقاتهم و آراءهم عالأجزاء ، ليه بس كِذاا :/


خلاص ، طوّلتها عليكم ، جاهزين للبارت ؟

بسم الله نبدأ ،

" لَن تستَطيع سنينَ البُعدِ تمنعنا ،
إنَّ القُلوبَ برغمِ البُعدِ تتّصِلُ .
لا القَلبُ يَنسى حَبيبًا كانَ يعشَقهُ ،
و لا النُّجوم عن الأفلاكِ تنفصِلُ . "

*امرؤ القَيْس .

و في نَشوةِ العِشقِ صِرنا رمادًا ، بقلم : طِيفْ!

الجزء 8


الحِقد ، كما الحب ، مُتساويان في المقدار ، متعاكسان في الاتجاه ، ذاكَ يقترِب ليسعَد ، أما أنا فسأقترِب لأنتقم .. لم أقَع في الحُب قط ، لكنني قد وَقَعت في الحِقدِ أخيراً ، منذ زَمن و أنا أشعر بالنّقمة على عدل الدنيا المزيّف ، أقنع نفسي دوماً بالقناعة و الرّضا ، إلا أن كل شيء يُعاكِسني ، يدعوني للحقد على حياتي ، و حياة من هم حولي ..
لِمدّة قصيرة ، ظلّت عيناه متعلقتين في سقف الغُرفة المتشقق ، القهر يأكل ملامح وجهه ، العجز يفتك به كمُقعَدٍ في أمسّ الحاجة للهرولة ، نَهَض من مكانه يصرخ بغضب و جنون ، ما جعل والدته و أخواته في الخارج ينتفضن خوفاً ، تقدّم من خزانته ، فتح بابها المتهالك بقوّة أسقطته أرضاً ، بدأ يأخذ قمصانه ، يُلقيها أرضاً و يدوسها بقدميه ، دخلت شهد بخوف ، تراه في حالة لم يسبق لها أن رأته بها ، اقتربت منه تُحاوِل أن تُحكِم سيطرتها على حركاته الانفعالية ، شهد بنبرة مرتجفة : بسـم الله عـليك ياخوي وش فيك وش مسويين فيك هذولا اللي ما يخافوا ربنا ؟؟
جلس أرضاً ، يتنفس بسرعة و يلهث كأنه كان يركض في ماراثون طويل جداً ، تجلِس شهد إلى جانبه ، تمسح جبينه المتعرق بكفّها و تتمتم : بسم الله عليك ، بسم الله عليك ..
كلمات متقطّعة تخرج من صوتِه المتحشرج : أنا طـارِق الحمد ، واحد مثل يحيى يمد إيده علي ، يهيني و يذلني و أظل ساكِت ؟
تنهّدت شهد : مالك غير تقول حسبي الله و نِعم الوكيل ، علِقنا مع واحَد ظالِم وش بنسوّي ؟ محـنا قـدّه يا طارِق ..
هزّ رأسه برفضٍ لِفكرة الاستسلام : لا والله يا شهـْد ، مو أنا ، مو طارِق اللي يسكت عالإهانة من غير ما يردها ..
تنظر إليه بِقلق : وش بتسوّي يعني ؟ طارِق تكفى ، إحـنا ما نقدر عليه ، مابيه يأذيك ، هذا ما يخاف ربنا !
ثبّت عينيه في عينيها ، تِلك الحدّة لم تراها في نظراته من قبل ، إنّه الرجل حين يحقِد ، إنه نداء رجولته التي حاولت أن تستبيحها ، قال : شهـْد ، هذولا المحققين ، حطولي أجهزة تنصت في قمصاني ، و مادري وين في البيت ، أبيكِ تفتشي ملابسي و البيت كويّس ، و إذا لاقيتي شي فوراً تعطيني إياه ،
عَقَدت حاجبيها : أجهزة تنصّت ؟ و إنت شلون ما حسّيت ؟
طارِق : حبيبتي هذولا عارفين شلون يحطونها و وين ، و أحجامها بعد ، أكيد ما بحس ، ليش سمّوها أجهزة تنصت ؟
صمتت تفكّر ، أردف طارِق : المهم أبيك تدوري كويس ، و هذا يحيى لو رجله تخطّي عتبة بيتنا بكسرها ، " نَظر إلى قمصانِه المُلقاة أرضاً ، بغضب رفع صوته : " سامعني يا يحيى ، والله بكسر رجولك لو عتبت باب بيتنا ، سـامـعني يَحيى ؟!!
اقتربت شهد بجزع ، وضعت يدها فوق فمِه ، و بنبرة رجاء هامسة : اششش ، صوتَك ! طارِق ناسي هذا وش يشتغل و ايش يقدَر يسوّي فينا ؟
حرّك رأسه ، أزاح يدها بغضب : أنا ما أخاف إلا من اللي خَلقني ، و سوي مثل ما قلتلك ..
نَهض عن الأرض ، توجّه نحو الباب ، التفت إليها و قال : و أنا جاي شفت اللي ما يتسمى طالِع من بيتنا ، شنو كان يسوّي هِنا ؟
شهد : مادري ، قال يبغى يشوف أبوي ، و قعدوا مع بعض أنا كنت في المطبخ ما قدرت أسمع كل شي ، بس سمعته يسأل عن فهد ..
طارِق : و أبوي وش قال ؟
هزّت كتفيها بجهل : مادري ، ما كنت سامعة كل شي ، هذا المحقق ما بيحل عنا إلا يخرب علاقتنا مع بيت عمي بو فهد الله يرحمه ..
هزّ رأسه بوعيد ، و خرج ..وَيلاه كم يكون الإنسان قادراً على التغيّر ، و كيف تتغير نظرات عينيه بلحظات ، كيف تُدس كل تِلك القسوة فيهما !


،,

" الله أكـبر الله أكـبر "

على صَوتِ أذان المغرِب ، دخل إلى غرفتهم المُعتِمة ، تجلِس مريم على سجّادتها بنصف جسدِها مرتدية لِباس الصلاة ، رأسها مُستلقٍ فوق ذِراعيها الراقدة على الكُرسي أمام السجادة ، تغفو بهدوء بعد تفكير يبدو أنه قد طال ، أشعَل نوراً خافتاً لم يوقظها ، وضع مفاتيح سيارته و مسدسه فوق الطاولة بهدوء ، اقترب منها بحركات بطيئة ، جلس نِصف جلسة أمامها ، مرر سبابته فوق خدّها الأبيض الناعم ، قال بهمس : مريم ، قومي حبيبتي ..
انتفضت و هي تفتح عينيها ، قال : بسم الله عليكِ ..
فركت عينيها بنعس ، اعتدلت في جلستها : عصام ، متى جيت ؟
عِصام : توني أدخل ..
بدأت تفرك وجهها و هي تردد مع الأذان بصوت ناعس : أشهد أن لا إله إلا الله ..
عِصام بلوم : حبيبتي ليش نايمة هالحزة مو عارفة إن النوم فهالوقت ماهو كويس ؟
مريم : والله ما حسيت على نفسي شلون غفيت عيني و أنا أستناك ، تأخرت !
عِصام : كان في شوية شغل خلصت و جيت ، إنتِ ما طلعتِ من الغرفة ؟
هزّت رأسها بالنفي : لا ظليت هنا من ساعة ما طلعت إنت ..
عقد حاجبيه و هو يقف : و ليش تحبسي نفسك ؟ كان قعدتي مع أمي تسليتوا عبال ما أرجع ؟
وقفت إلى جانبه : لو نزلت كانت بتسويلي تحقيق مثل أمس ، و أنا ماني قادرة يا عصام !
ابتعد عنها ، وقف أمام النافذة و قال بنفاذ صبر : إنتِ قاعدة تبالغي ، و هالشي ما ينحمل !
عقدت حاجبيها و هي تنظر إليه باستغراب : عِصام ؟ وش تقصد وش يعني ما ينحمل ؟
عِصام ينظر إليها بعتب : يعني إذا بتظلي على هالحال صدق بتقلبي حياتنا لجحيم ..
تتسع عيناها : أنا قالبة حياتك جحيم يا عِصام ؟
عِصام بحدّة : من يوم عرفتِ عن التحاليل و إنتِ قالبة حياتي نكَد ، قلتلك مستحيل أتزوج عليك لو بظل من دون أولاد طول عمري ، و قلتلك العلاج موجود و فيه أمل و إنتِ مصرّة عالنكَد ! لا قادرة تقعدي مع أمي ، ولا قادرة تعيشي معي مثل البشر ، أنا ما رح أتحمل كل هالشي اللي فيني كافيني !!
ارتخت أنظارها نحو الأرض ، دون أن ترد بتعليق واحد ، توجّه إلى الخزانة ، تناول منشفة بيضاء طويلة ، أردف بذات الحدة و هو يتجه نحو باب الحمام : هالحياة ما تنطاق قاعِد أتحمل و أقول الحرمة تعبانة بس مو لهالدرجة اليأس و النكَد الناس قاعدة تنبلى بأمور أكبر من كِذا ما شفتهم يائسين مثلِك ! الضّحكة ما تطلع منّك إلا بفلوس ، مو كفاية علي مشاكل الشغل أرجع ألاقي نكَد في البيت ! تعبتيني معاكِ !
دخل إلى الحمام ، أغلق الباب خلفه بقوة أفزعتها ، جلست على طرف السرير و قد احتشدت الدموع في عينيها ، كانت تِلك اللحظة التي ستبدأ فيها الخلافات بسبب الإنجاب ، هي اللحظة التي تنتظرها ، تعرِف أنّها ستكون قاسية كهذه اللحظة أو أشد قسوة ، و سيبقى الانتظار أصعب ما تفعله ، انتظار ينهي هذا الزواج ، لا يمكن أن يستمروا دون أهم أساس في هذه العلاقة ، لا يُمكِن ..


،,

أَيُعقل أن هذا كله كان يوماً واحِداً ؟ يا لذلك اليوم اللئيم على قلبي يا الله ،
تنفّست بعمق بعد أن أدارت مفتاح السيّارة لتطفئها ، ارتخى رأسها إلى مسند الكرسي ، عيناها تستسلمان فتغلقهما بإرهاق ، تفتحهما مجدداً ، تخرج من بين شفتيها الورديتين تنهيدةً و هي ترى نور الصّالة مشتعِلاً ، سَحبت المفتاح ، تناولت حقيبتها و نزلت بخطوات متكاسلة تمشي نحو الباب ، فتحته و دخلت مُنهكة ، ثبتت في مكانها حين رأته واقفاً أمامها يُحملِق بها بنظرات غير مفهومة ، نَظرت إليه بجمود لا يعكِس ما بداخِلها من فوضى ، تحرّكت متجهة نحو الدرج ، مصطنعة اللامبالاة ، استوقفها سؤاله : ويـن ريـم ؟
دون أن تلتفت ، تتابع صعودها : مادري ..
استوقفها مرة أخرى ، بنبرة انفعالية : ديــانــا !
التفتت بذهول ، نِصف ابتسامة ساخرة ظهرت على وجهها ، رافعة حاجبها الأيسر : ديانا ؟ من 10 سنين ما ناديتني ديانا ، وش اللي صار اليوم ؟
لم يرد ، نظراته لها كانت لاذِعة ، نَزلت 3 درجات ، أردفت بنبرتها الساخرة : ديانا بنتك ، بس حسناء مو بنتك ، عشان كِذا غيّرت اسمي ، يعني لا بغيت تمون علي تناديني باسمي ؟ ولا احتجتني في شغلك تناديني حسناء ؟
صَعَد درجتين ، وَصل إليها ، أحكم قبضته على ذراعها و ضغط عليها ليؤلمها : اسمعي يا بنت ، قولي وين ريم و إلا أقسِم بالله بسوي شي لا يرضيكِ ولا يرضيها !
نَفضت يدها منه بقوّة : متى سويت شي يرضيني أصلاً ؟ ريم تركت المستشفى و اهية الحين في أوتيل ، و مادري أي أوتيل لا تغلّب روحك و تسألني ..
عمر بسخرية : على أساس إني ماقدر أعرف وينها !
أمالت رأسها : ممتاز ، أجل لا تسألني استخدم نفوذك و جيبها ،
عمر : وش صار معاكِ بسالفة المنشطات ؟
صمتت لثوان ، ترمقه بنظرات ما بين حقد و عتب و خيبة ، بصوت خافت : تصبح على خير ..
أدارت ظهرها ، صعدت إلى غرفتها و قد فكّت نصف لباسها على الدرج ، شيء ما يقِف في حنجرتها يحبس عنها التنفس ، لقد كان من المبكر جداً يا أبي أن أكره حياتي ، أشعر أنني خمسينية فقدت القدرة على الرؤية و الكلام ، متى تنتهي يا صَبري الذي أنهكني طولَه ، متى أخبرني متى تنفذ ؟

نَزل عُمر الدرج ، اتصل بعابِد و هو يجلِس أمام شاشة التلفاز ، دون عبارات ترحيبية قال : عابِد ، ذكّرني بكرا نمر البنك ، عندي شغلة بسويها ..
أغلق الخط ، ألقى هاتفه أمامه على الأريكة ، يقلّب محطات التلفاز بدون تركيز ، يحدّث نفسه : بسيطة يا ريم ، حبيتي تلعبي معاي ، بنشوف مين بيفوز في النهاية ..

،,


الحادية عشرة و النصف مساء الجمعة ، قد أوشَك ذلك اليوم الطّويل على الانتهاء أخيراً ، نسائِم الخريف بدأت تتجول بخفّة في الشّرق الخلّاب ، تداعب سِتارة غرفة أم فهد البيضاء الرقيقة ، تتحرّك بعذوبة جَميلة ، يسترخي فهد على الأريكة المقابلة لسرير والدته النائمة ، يُراقب بقلق صعود صدرها و هبوطه ، تنفّسها المضطرب أثناء نومها ، أخذ نفساً عميقاً ، انحنى و هو يُسنِد ذراعيه إلى ركبتيه ، يشبِك أصابعه بتوتر ، يفكّر في إيقاظها ، ولا يرغب في إزعاجها ، يهتزّ جوّاله في جيبه معلناً عن رسالة وصَلته ، تِلك التي تُخرجه دوماً من سفوح الحزن إلى أوجِ السعادة ، بكلماتها البسيطة ، الخَجل المتناثر من رسالتِها ، حُمرة خدّيها في حروفها ، تصنع تِلك الابتسامة الوحيدة التي استطاع فهد أن يختطِفها من ماضيه ، ليضعها في حاضِره ،
" طارِق صار في البيت ، ماني عارفة شلون أشكرك ، الله يحفظك يارب "
كيف تستطيع تِلك الصغيرة أن تنقله إلى دنيا ثانية ، برسالة مرتبكة الأحرف ، أخذ نفساً عميقاً ليكتب الرد ، إلا أن صوتَ والدته الخائر ، جعله يلقي الجوّال جانباً ، يتجّه إليها بسرعة متلهفاً ، انحنى يمسح بأنامله رأسها : يمه تبي شي ؟ قولي آمري !
فَتحت عينيها ، انتفاخ وجهها و يديها واضح بشكل ملحوظ لديه ، تقول بتعب : راسي مصدّع و ماني قادرة أتنفّس !
التفت إلى النافذة بسرعة ، و أعاد نظراته إليها : يمّه الشباك مفتوح !
ابتلعت ريقها و كررت : ماني قادرة أتنفّس خذني المستشفى
هز رأسه بخوف ، أسرع إلى غرفته ليتناول سُترته الخفيفة ، أخذ عباءة والدته ، وَقف أمامها و قال : قادرة تمشي يمه ؟
هزّت رأسها بـ نعم ، فهد و هو يرفع الغِطاء عنها ، يمسك بيدها : يلا يمه قولي بسم الله ، استندي علي ..
ضَغطت بقوة على يده و هي تهمس : بسم الله ،
دَفعت جسدها إلى الأمام لتجلس بصعوبة ، ولا زال تنفّسها مضطرباً ، ألقى عليها عباءتها بإهمال ، عدّل حجابها على رأسها ، تشبثت بيده مرة أخرى ، تنهض من سريرها بصعوبة ، ببطء خطواتها و هي تشعر بارتجاف يد فهد و برودتها ، و ضربات قلبه المتسارعة ، وَصلوا إلى السيارة بعد جهد ، ساعدها لتجلس في المقعد الخلفي ، و بعَجَلة توجّه إلى خلف المقود ، يقول بخوف و هو يضغط بقدمه على دعسة البنزين : يمه لا تقلقي هالحين باخذك لأحسن مستشفى في البلد ،
كان الطريق طويلاً جداً ، ولا أريد يا الله خَسارة أخرى ، فلم أتعافى بعد من خسارتي الأولى ،

،,

تُداعب نسمات الهواء وجهها الرقيق ، دون أن تظهر منها أي ردة فعل بالارتعاش و السعادة الي تغمرها عادة ما داعبت تِلك اللفحة الهوائية الهزيلة وجهها ، تستلقي في سريرها بقميص نومها البحري اللون ، ظهرها لباب الغرفة ، أمامها النافذة ، نظرات عينيها ثابتة في سماء مظلمة تُبرق فيها نجمة وحيدة مثلها ، يستقر كفيها بجزع فوق بطنها الذي يملأه الهواء ، لم تلتفت لدخوله البطيء ، ينعكس خياله على نافذتها ، يقف عند الباب متمسكاً بمقبضه ، نظرات معاتبة ، و قلب أضناه التنهّد يراقبانها ، أغلق الباب الذي أصدَر صريراً مزعجاً ، لم ينجح في لفت انتباهها ، اقترب منها و هو يعرف كم من المعاني كان يحمل كلامه اليوم لها ، يحاول منذ فترة أن يكون أكثر حذراً معها ، لكنه كان اليوم أكثر قسوة ، و جرحاً .. تقدّم أكثر نحو السرير ، ولا زالت هامدة في مكانها ، استلقى إلى جانبها ، يتنحنح علّها تنظر إليه ، اقترب أكثر ، التصق صدره بظهرها ، مدّ ذراعيه ليطوقها ، و يُغلق كفيه فوق كفيها ، يقول بخفوت : آسف ..
أدارت وجهها ، نظرت إليه ، ثم عادت للتحديق في تلك النجمة الوحيدة ، أردف بعد أن تنهد : مريم ، أنا مو عاجبني حالنا ..
أخذت أنفاساً متتالية ، أجابت بصوت مبحوح : ولا أنا عاجبني حالنا ..
عِصام : أنا قلتلك تزوري الطبيبة عشان لو فيه مشكلة تعالجيها ، ما شفتك زرتيها مرة ثانية !
مريم : وش بقول لأمك ؟ بروح الدكتورة أتعالج لأني ما أجيب عيال ؟
سَحب يديه عنها بغضب ، اعتدل في جلسته و قال بحدة : و بعدين عاد ! وش تبي في أمي ؟ و لو قلتيلها قاعدة تتعالجي وش بتسوي ؟ بتقص راسك ؟
عدّلت جلستها هي الأخرى ، و بنفس نبرته أجابت : ما بتقص راسي طبعاً ، بس ما بتركك إلا لما تتزوج علي ..
عِصام : أمي ممكن تتكلم في هالموضوع مرة و مرتين و عشرة ، لكن مستحيل تجبرني على هالشي ، إنت عارفة إني رافض لفكرة الزواج الثاني ، وش اللي مخوفك ؟
مريم : عالحالتين ما راح نكون مرتاحين ، أنا ماني راضية إنك تنحرم الضنا بسببي ! و أكيد عمتي ما راح تهنينا لو عرفت إني ماجيب عيال حتى لو ما تزوجت حياتنا بتصير كلها مشاكل !
رفع حاجبه الأيسر : ترى حيرتيني ، وش تبي بالضبط ؟
أرخت نظراتها ، تلعب في خاتِم زواجها بتوتر : مادري ، صدقني مادري ، أنا هالفترة ملخبطة كثير و ماني عارفة أفكر بشي ..
أدار جسده ليصبح مواجهاً لها ، أمسك بيدها : اللي لازم تفكري فيه الحين هو العلاج ، و بعدين لكل حادث حديث ، و ترى أمي ماهي كائن متوحش تخافي منها ! أمي تحبك مثل بنتها من يوم دخلتِ هالبيت ، و إنتِ عارفة هالشي ..
هزّت رأسها مؤيدة لكلامه ، رفع يدها ، قبّلها ، قال بصوت منهك : مريم أنا تعبان من كل شي ، أبيكِ معي ، مو علي !
مدّت يدها اليسرى ، تتحسس ذقنه بحب : سامحني ، عارفة إني كنت مثال للزوجة النكدية الفترة اللي فاتت ،
هز رأسه بتأييد ، و بلهجة مازحة : ايه والله نكدية ..
تضحك ، تضربه بخفة على كتفه : والله ؟
يضحك عِصام : ههههههههههههههههههههههه " يحتضن رأسها و يقبّله " : أحلى نكدية والله ، بس مو تصدقي و تسودي عيشتي !
ترفع حاجبيها : لا انت صدق بتزعلني منك ، متى سوّدت عيشتك يالنصاب ؟
عصام : مو من زمان ، من 3 سنوات بس ..
بنبرة احتجاجية ، و بنصف ابتسامة تخجل من الظهور : والله ؟
يبتسم بحب ، مد يده تتحسس خدّها الناعم : مريم ، اتوكلي على ربنا و لا تكوني يائسة ، إنتِ مو أكرم من ربنا ، حرام تسيئي الظن فيه ، ربنا قال : " ولا تيأسوا من رَوح الله إنه لا ييأس من رَوحِ الله إلا القَوم الكافِرون "
مريم بهدوء هزّت رأسها : صدق الله العظيم ..
عِصام : يلا ، قومي ننزل نقعد مع أمي شوي قبل لا تنام ..
مريم : لسا ما نامت ؟
عصام بعتب : زعلانة عاللي ما قعدت معاها طول اليوم ،
ارتخت نظراتها للأسفل بخجل ، نهضت عن السرير و تبعته بصمت ..


،,


خرَج برفقة الطبيب إلى خارج الغرفة ، يطقطق أصابعه باضطراب ، يلتفت الطبيب إليه : ما عليها شر إن شاء الله ..
هزّ فهد رأسه : تسلم ، بس وش اللي صاير معاها ما فهمت ؟
تنهّد الطبيب : خلينا نشوف نتائج التحاليل ، و بعدين نتكلّم ..
فهد بخوف : دكتور ، صارحني ! شاكك بشي ؟
ظهرت ابتسامة صغيرة على وجهه ، ربت على كتفه : لا تخاف ، إن شاء الله ما في شي ، بنشوف التحاليل أول ، ماله داعي تخاف ..
فهد : طيب ، أمي بتنام هنا ؟
الطبيب : طبعاً طبعاً ، إن شاء الله بكرا بتكون النتائج جاهزة ، ما عليها شر ..
هزّ فهد رأسه ، غادره الطبيب ، أخذ فهد نفساً عميقاً و دخل .. ابتسم لوالدته المرهقة بقلق ، جلس أمامها و أخذ يشتت أنظاره بعيداً عن وجهها ، تساءلت بتعب : وش قالك الطبيب ؟
نَظر إليها ، ابتسم بارتباك : ما قال شي يمه ، ينتظرون نتائج التحاليل ، إن شاء الله خير ..
ابتلعت ريقها ، ثم قالت : أنا بـمـوت ..
انتفض فهد ، قال بضيق : بسم الله عليكِ يمه ! لا تقولي كِذا !
اقترب بكرسيه منها ، انحنى يقبّل يدها : لا تقولي كِذا ، أنا ما عندي غيرِك !
أخذت نفساً عميقاً : كل إنسان له عمر ، و أنا ماني قادرة على هالدنيا بعد أبوك يا فهد ، ماني قادرة ..
فهد بابتسامة معاتِبة : و أنا وين رحت ؟ لمين بتتركيني ؟
جواهر : للي تركتني عشانهم و سافرت ،
أخفض بصره و هو يقول بخجل : نفس الموضوع يمه ! أنا رحت بشغل ، شغل ..
ضغطت بيدها الضعيفة على يده : يمه ، طالعني ..
رَفع أنظاره لها ببطء ، قالت : أنا ماني عارفة وش هو هالشغل ، بس متأكدة إنّك مخبي عني شي ، يمه أنا خايفة عليك ..
ابتسم : ليش الخوف ؟ أنا مو رجال ؟
جواهر بصوتها المبحوح : إلا ، زينة الرجال يا بعد أمّك ، بس إنت ماشي بطريق ماله آخرة ، أنا أم و أحس ، مَنت مرتاح يا ولدي !
أخذ نفساً عميقاً ، ابتسم بعده بتوتر : نامي يمه و ارتاحي ..
جواهر : فضفض يمه ، قول ، أنا اليوم هِنا ، يمكن بكرا ما أكون موجودة عشان أسمعَك !
نهض لينحني ، يقبّل جبينها : ربي ما يحرمني منّك ، يمه و اللي يخليك لا تقولي هالكلام ، اتحسني أول و بعدين نتكلم باللي تبيه ، اتفقنا ؟
بيأس هزّت رأسها موافِقة ، ابتسم و عاد للجلوس مكانه ، أطبقت عينيها محاولة النوم دون جدوى ..

،,


صباح جديد ، يُلقي نظرة إلى جهاز الحاسوب و هو يعدّل كم قميصه ، يرفع حاجبيه و قد لاحظ وجود تسجيلاً جديداً ، يبتعد عن طاولة المكتب لتتجه نظراته نحو الباب حيث دخل إبراهيم ، بوجهه العابس : صباح الخير ..
يَحيى : صباح النور ، جاي بدري ؟
إبراهيم ينظر إلى ساعته في يده : الساعة 8 بالضبط ، إنت اللي جاي بدري ، شعندك ؟
يحيى بابتسامة : شغلي ما غيره ، بس عزيز تأخر ، أنا نازل أشوف طارِق عبال ما ييجي ..
إبراهيم : منو طارِق ؟
يحيى يتجه للباب : سالفة طويلة بعدين أقولك ، قول لعزيز يلحقني لازم نروح عند فهد ..
خرج دون أن يترك له مجالاً للكلام ، مَسح إبراهيم وجهه بكفه بلامبالاة ، أشعل جهاز الحاسوب ، دقيقتين حتى التفت للصوت القادِم : صباح الخير ..
إبراهيم بابتسامة : صباح النور ، يحيى سأل عنّك ..
عَبس وجهه و هو يتجّه نحو مكتبه : يا فتّاح يا عَليم ..
إبراهيم يركّز في شاشة حاسوبه ، يكتم ضحكته : الله يكون في عونك ..
جَلس عزيز أمام شاشته ، يتساءل : يحيى اهوة اللي مشغّل جهازي ؟
يزم إبراهيم شفتيه : مـدري ، بس أكيد يعني ، اهوة كان أول واحد هِنا ..
عزيز يُدقق في التسجيل الجديد الذي لم يُفتَح ، يرفع أحد حاجبيه مستغرباً ، يتناول السماعة و يضعها فوق أذنيه ، يضغط على زر التشغيل ، تبدأ الأصوات غير الواضحة بالتردد عبر السماعات ، يعقِد عزيز حاجبيه بتركيز ، يأخذ نفساً عميقاً و هو يشتت نظراته في الغرفة و يفكّر في رد فعل يحيى لو سمِع ذلك الكلام ، أنزل السماعات عن أذنيه ببطء ، ظلل التسجيل ، طقطق أصابعه بتردد و هو يفكر ، سمِع صوت خطواته الغاضبة قادمة ، ضغط على مفتاح الحذف بسرعة ، توجهت نظراته إلى يحيى الذي دخل غاضباً ، وقف يحيى عِند الباب و هو يرى عزيز مكانه ، وجه كلامه لإبراهيم : أنا مو قلتلك تقول له إنه يلحقني ؟؟
إبراهيم بحدّة : أشتغل عندَك أنا تكلمني كِذا ؟
عزيز : قال لي ، و كنت عارف إنك بترجع لأن طارق ماهو موجود ، ألحقك ليش ؟
تقدّم يحيى ، بهدوء لا يُنبئ بالخير : يعني عارف إن طارِق ماهو موجود ؟ إنت اللي أخليت سبيله ؟
صَمت عزيز ، يصرخ يحيى : جاوبني إنت أخليت سبيله ؟
صوت من خلفه : أنا اللي أخليت سبيله يا يحيى ..
يلتفتون في آن واحد إلى الباب ، يقف عِصام بنظرات متحدية ليحيى ، و يردف : برافو يا يحيى ، المساعِد حقّك وفي جداً ، قلتله يخلي سبيل طارِق ما رضي ، فاضطريت إني أتصرف ..
يحيى : و دام إن مساعدي رفض ، بأي حق إنت تخلي سبيله ؟
يجلس عصام خلف مكتبه ، بلا مبالاة يرد : قبل إنت جاوبني ، بأي حق تسجنه ، و بأي حق تجبره يستلم مهمة زي كذا ؟
يحيى بنبرة غاضبة : هذي القضية قضيتي و ما يحقلك تتدخل فيها !
أمال عِصام رأسه ، حدّق فيه بحدة : شوف يا يحيى ، إنتَ قاعد تتخطى حدودك مع رئيس قِسمك ، هذا آخر تنبيه شفهي ، لا تخليني أضطر أوجهلك إنذار خطي ..
يحيى يرفع حاجبه الأيسر وسط مراقبة إبراهيم و عزيز بصمت : تهديد يعني ؟
عِصام دون أن ينظر إليه : بالضبط تهديد ، و لو ناسي في سيدي أخذته أول يوم داومت فيه هنا ، يوضحلك صلاحياتك و صلاحيات زملاءك حسب الرتبة ، تقدر تراجع معلوماتك ، عشان ما تخسر وظيفتك ، و أنا للحين سامحلك تمسك القضية و إنت عارف إني قادر أسحبها منك ، فخليك عاقِل معاي ..
أخذ يحيى نفساً عميقاً ، محاولاً أن يتجاهل تهديداته ، التفت نحو عزيز ، تقدم من مكتبه و قال : بعدلي كذا في تسجيل جديد ، سمعته ؟
يبتعد عزيز عن كرسيه ، يجلس يحيى مكانه ، يرد بارتباك : ما شفت تسجيلات جديدة !
يحرّك الفأرة ، ينتقل ليضغط على البرنامج ضغطة مزدوجة ، يدقق النظر في زاوية التسجيلات الجديدة ، لا يوجد أي تسجيل ، ينظر إلى عزيز : كان فيه تسجيل جديد ، وين راح ؟
عزيز بتوتر : ما كان فيه تسجيلات أبداً ،
نظر إليه إبراهيم الذي قد لاحظ أنه كان يستمع إلى شيء ما قبل دخول يحيى ، بادله عزيز النظرات ، التزم الصمت ، يضرب يحيى كفّه بالطاولة و يصرخ : شـلـون يعني ؟ تبي تجنني ؟؟؟ قبل لا أنزل كان في تسجيل ، وين رااح !
عصام بحدة : قصّر صوتك ..
ينظر إليه يحيى بحقد ، يلتفت إلى عزيز : واضِح في شي ما تبيني أعرفه ، ماشي يا عزيز حسابك بعدين ..
أخذ سماعة الهاتف الأرضي ، ضغط على الأزرار و قال بحدة : آلو ، ابعثولي أي واحد من قسم الحاسوب ، أبيه يرجعلي شغلات محذوفة من الجهاز ..
أطبق سمّاعة الهاتف بغضب و هو يشتت نظراته بينهم ،


,,



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 30-11-19, 03:11 AM   #13

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



،,


تتقلب في سريرها بانزعاج من صوت رنين الهاتِف ، تأفف و هي تحرّك يدها نحو الكوميدينا لتلتقطه ، واضعة العصبة السوداء فوق عينيها ، تلتقطه أخيراً ، ترد بصوت يملأه النعاس : آلـو ..
صوت خشن يتحدث بالإيطالية : صباح الخير آنسة حسناء ،
ترفع رأسها باستغراب ، ترفع العصبة فوق شعرها ، تنظر إلى الرقم الغريب ثم تعيد السماعة إلى أذنها ، يكرر الرجل : آنسة حسناء ، هل تسمعيني ؟
تنحنت : نعم نعم ، تفضل ، من المتحدث ؟
الرجل : ستعرفين لاحقاً ، لكنني أريدِك في موضوع يخص العمل ..
عقدت حاجبيها : عن أي عمل تتحدث ؟
الرجل : أنا طالب من كلية الرياضة في جامعتك ، و لدنيا بطولة أمام كلية الرياضة في جامعة أخرى ،
حسناء : و ما المطلوب مني ؟
الرجل بغموض : الفـوز ..
حسناء : عفواً ؟ و ما علاقتي بفوزكم ؟
الرجل : تعرفين تماماً علاقتك ، في المرة الماضية كنت سبباً في فوزهم ، الآن عليكِ أن تخدمي طلبة جامعتك ..
حسناء بحدّة : اعذرني لكنني لا أفهم عن ماذا تتكلم ، سأغلق الآن ..
يرد بحدّة مماثلة : لن تغلقي يا حسناء .. يجب أن نتقابل ..
حسناء تنظر إلى الساعة : هل الآن ؟ هل يتصل أحد ليقابل أحداً في هذا الوقت ؟ هل أنت مجنون ؟
يضحك : هههههههههههههه بالطبع لا ، يبدو أنك كسولة قليلاً ، سأنتظرك بعد ساعة مقابل الجامعة ..
حسناء : أنسيت أننا في عطلة ؟ و هل سأخرج لأقابل رجلاً لا أعرفه ؟
الرجل : ستعرفين ، بعد ساعة سأكون في انتظارك ، و أرجو أن لا تجادليني ..
أغلق الخط دون أن يترك لها مجالاً للكلام ، تأففت و ألقت الجوّال جانباً ، نهضت من سريرها بتكاسل ، وضعت روبها الدافئ فوق جسدها ، خرجت من غرفتها و هي تسمع أصواتاً من الأسفل ، متعجبة أن والدها مستيقظ في ذلك الوقت الباكر جداً ، وقفت عند بداية الدرج و هي تسمع والدها يحدّث عابد : يعني اليوم البنوك كلها مو شغّالة ..
عابد : سيد عمر إنت عارف اليوم عطلة ، بس ممكن لو تبي نروح على فرع البنك بالمول ..
عمر : مو كل المعاملات بيسوونها بأفرع المولات ، أنا ماني فاهِم شلون ما قلتلي أمس إن اليوم عطلة !
عابِد بنصف ابتسامة : سيد عمر إنت في هالبلد من قبلي و عارف إن السبت عطلتهم ..
عمر بحدة : والله ؟ و تخفف دم بعد ؟
ارتخت نظراته و هو يخفي ابتسامته ، قال بهدوء : سيد عمر إنت ما بتسوي معاملة كبيرة إنت تبي توقّف حساب زوجتك و هذي عملية بسيطة تقدر تسويها بأي مكان ..
اتسعت عينا حسناء و هي تسمع كلام عابِد ، قال عمر : طيب روح هالحين ، الظهر نتكلم و نشوف ..
خرج عابِد ، سمع عمر صوت خطوات حسناء و هي تنزل الدرج ، يتذمر داخلياً هذه الفترة من تصرفاتها و تمردّها ، يبتعد ليجلس على أريكته ، ينظر إلى ظلها من خلال شاشة التلفاز المُغلقة ، ترتخي نظراته ليركز في شاشة جواله دون أن يبالي بقدومها ، تلقي نفسها إلى الأريكة المجاورة و تقول : صباح الخير ..
عمر دون أن ينظر إليها : صباح النور ..
يعم الصمت لدقيقة ، تحدّق فيه بنظرات غير مفهومة ، يتساءل بعدها : وش مصحيك هالحين ؟
تُميل رأسها : الشّغل ..
ينظر إليها : أي شغل ؟ في شي ما أعرفه ؟
تبتسم ابتسامة ذات مغزى ، تشتت أنظارها في أشجار الحديقة الظاهرة من خلف زجاج النافذة : لا ، قبل شوي اتصل فيني واحد ، يقول إنه من جامعتي ، و واضِح إن فيه أحد دالّه علي ..
عقد حاجبيه : منو يعني ؟
تهز كتفيها بعدم معرفة : ما أدري ، بعد شوي راح نتقابل و نشوف ..
يترك جوّاله ، يقترب منها : تقابلي منو و ليش ؟ ما نبي أي مخاطرة ، اعتذري ، أو خلاص خليكِ ولا تروحي ، و إذا اتصل مرة ثانية لا تردي ..
تنظر إليه و تقول بجدية : و لو كان عارف شي فعلاً ، مو ممكن تكون مخاطرة لو ما لبينا طلبه ؟ الرجال قال إنه عارف لمين بعنا المنشطات المرة الماضية و شلون ساعدناهم يفوزوا !
تتسع عيناه : يعني اللي بلّغه واحد منهم ؟ شلون وثـقـتي فيـهم ؟ مو حضرتك قلتي أمـان ؟
حسناء : مو بالضرورة ، ما كانت أول مرة نشتغل ، إن الأمر ينكشف كان شي متوقع لا تقعد تحط اللوم علي ..
بنبرة حادّة مرتفعة : إنتِ لازم تعرفي مين اللي قاعدة تتعاملي معاهم ، لازم يكون معاكِ ضمانات ! وش كنت أعلمك طول هالسنين ؟؟؟
نهضت : كنت تعلمني أخدمك ، شوف يا ، عُمـر حـرب ، أكلمك الحين بصفتي ، خلينا نقول شريكة عمل ، مو بنتك .. إيّاك تحاول إنك تطلعني غلطانة ، أو تفكّر تضحي فيني ..
بهدوء ، يتساءل عمر : أضحي فيكِ ؟ شلون ممكن أضحي فيكِ ؟
حسناء : يعني ، لو الموضوع وصل للشرطة و الأمن ، لا تتوقع إنك تحطني كَبش فِدا و إنتَ تطلع منها ، هالشي مستحيل ..
نَهَض بصمت ، أمسك كتفيها بكفيه و قال بجدية : متوقعة إني ممكن أسوي شي زي كِذا فيكِ ؟ بنتي الوحيدة متوقعة إني ممكن أترك شي يأذيكِ ؟
ابتسمت بسخرية و هي تنظر إلى يديه المستقرتين فوق ذراعيها : ليش ما حاولت تقتل وِلدك اللي لسا ما شاف الدنيا ؟ و يا ليتَك تتوب ، لسا تحاول تقتله و تقتل أمه !
عَقد حاجبيه ، أردفت : لما تفكّر إنّك توقف حسابات ريم ، يعني كأنك تموّتها من الجوع ، تخيّرها بين حياتها و حياة وِلدها ، أنا ما شفت بحياتي رجال ظالِم مثلَك ..
أنزلت يديه عن ذراعيها بهدوء ، ابتعدت عنه بخطوات بطيئة حتى وصلت الدرج ، عيناها تتبعانها ، وقفت عند عتبة الدرجة الأولى ، التفتت : ربنا أعطاك فرصة يكون عندك ولد حقيقي ، ابن ، يحبّك ، لا تفوّت هالفرصة برأيي ، و لا تتأمل إني أكون بنتَك اللي بتظل معاك لآخر لحظة بحياتَك ، حاول تخلي شخص واحد عالأقل بهالدنيا يحبّك ..


،,


تظهر ابتسامة ساخرة على وجهه و هو يسمع التسجيل الذي حذفه عزيز ، يراقب جميعهم ردود فعله عدا عصام ، يرفع عينيه إلى عزيز الواقف أمامه بتوتر و يقول : طارِق كِبر راسه و قاعد يهدد .. أجل هذا اللي ما تبيني أسمعه ؟
اكتفى بالصمت ، أردف بصوت مسموع و هو يكلّم نفسه : أنا ما أخاف من ربنا ؟
عِصام بحدّة نظر إليه : وش استفدت بعد ما سمعت التسجيل ، يعني وش بتسوي ؟
يحكّ ذقنه بتفكير : مدري ، وش بسوي يعني ؟
عِصام يشبك يديه أمام الطاولة : يحيى إنت قاعِد تلعب ؟ وش قاعِد تسوّي فهمني ؟
يرفع حاجبيه : أنا قاعِد ألعب ؟ هذا رأيك ؟
عِصام يترك مكتبه ، يتقدّم إليه : شوف يا يحيى ، أنا مقدّر حماسك لهالقضية ، بس اللي شايفه إن الموضوع قاعِد يتحوّل لتحدي ، أو أمر شخصي بالنسبة لك ، و هذا مؤشر ماهو كويس ..
يحيى بملل : المعنى ؟
عِصام يأخذ نفساً : المعنى يا تحل هالقضية و تشتغل عليها كمحقق عادي ، يا اتركها لغيرَك ، و خليك صادِق مع نفسك و قول أنا ماني قادر أتعامل مع هالقضية .. إنت لا زلت مبتدئ ، و طبيعي تكون قضية من هالنوع صعبة عليك ...
نهض يحيى : أجل أنا مبتدئ !
يخفي عزيز ضحكته و كذلك إبراهيم ، الذي يتدخل : لا يحيى مو المقصود كذا بس خبرتك في التحقيق لسا بسيطة ، لازم تعترف بهالشي ..
يرمق يحيى عزيز بنظرة ، ينظر إليهم : شوفوا اتركوني أشتغل بقضيتي على كيفي ، أنا ماني قاعِد أخالف القانون ، لا شفتوني أسوي هالشي حطوا الكلبشات بايديني و احبسوني ، كويس ؟
عِصام : مانك ملاحظ إنك قاعِد تأخذ كل شي على منحى شخصي ؟ إنت عاطفي زيادة عن اللزوم ،
يحيى و هو يقف أمامه : كلامك هذا كله فارغ ، وش عاطفي ما عاطفي ، شايفني هندي ؟
عِصام بجدية ، متكتفاً : لا والله شايفك عربي ، لأن العرب اهمة الوحيدين اللي تتدخل عواطفهم بشغلهم ، تلاقيه مع حرمته و عياله جدار ، و في شغله كله أحاسيس !
يحيى ساخراً : والله إذا إنت جدار مع حرمتك هذي مشكلتك مو مشكلتي ..
ينظر الجميع إلى يحيى بصدمة ، تتسع عينا عِصام بغضب واضح لدى يحيى الذي شعر أنه تسرّع في كلمته ، تتكوّر قبضة يدِ عصام ليلكمه على وجهه ، يلتصق ظهر يحيى في المكتب دون مقاومة ، يقترب عِصام ، يشدّه من ياقة قميصه : صدقني بعلمك شلون تقلل أدبك معاي يا يحيى ..
رمقه بنظرة غاضبة ، خرج مسرعاً دون أن يلتفت لأحد ، إبراهيم و علي ينظران إلى يحيى بتوتر ، يتجاهل نظراتهم و هو يتحسس مكان اللكمة ، يخرج خلف عصام دون كلام ،،


،,


يضرِب الطاولة بكفه بِغضب ، يصرخ و هو ينهض : إنتَ جايبني من الصبح عشان تسمعني هالكلام الفارغ ؟
فهد ببرود : أبغى دفعة اليوم ، مو بعد أول أسبوع شغل .. قلتلك صار عندي ظرف طارئ و أمي في المستشفى !
سُلطان : وش ذنبي أنا ؟ أنا وعدتك أصرف عليك و على عيلتك ؟ ما معاك فلوس ؟؟
فهد بحدة : ما قلتلك اصرف علي ، قلتلك أبغى دفعة سلف من الشغل اللي بيننا ، ما هي صَدقة ..
يجلس مجدداً و هو يكتّف يديه : و إذا قلتلك ما معي الحين ، وش بتسوي ؟
فهد ، بلا مبالاة : ما بروح الشغل ..
سلطان : فهد أنا طوّلت بالي عليك أكثر من مرة ، واضِح إنك مَنت رايد لنفسك الخير .. إنتَ ملاحظ إنّك قاعِد تتحداني ؟
فهد : مو بكيفك طولت بالك ، ناسي إن في بين ايدي كَرت للحين ما حرقته ؟ و إنتَ عارف إني لو بحرق هالكرت بحرقك معاه ، شرايك ؟
أخذ نفساً عميقاً ، أخرج زفيراً : والله مَنت قدّ اللعب معاي ، أحذرك لا تلعب معاي .. و بكرا تنزل دوامك مثل البشر و إلا !
نهض فهد : وإلا .. ؟ شوف أنا الحين رايح المستشفى ، اليوم إذا ما وصلني دفعة ، بكرا ماني نازل الشغل ، و إذا جربت تأذيني ، رقم يحيى الغانِم معاي ،
ابتسم سُلطان بسخرية لم يفهمها فهد ، و سمح له بالخروج دون أن يمنعه ، تأكد من ابتعاده عن المكتب ، رفع سماعة الهاتف و قال : اهوة نازل الحين ، لا تخلوه يترك المبنى ، عارفين شغلكم .. مع السّلامة ..
أغلق الخط ، ليرفعه مرة أخرى و يتّصل ، يقول بدون مقدّمات : واضِح راح نحتاجِك ، ما في حل ثاني ..
تأتي ضحكتها الصاخبة : هههههههههههههههههههههه ، طبعاً يا سُلطاني ، و إنتَ تقدَر من غيري ؟
يبتسم بخبث : طبعاً مـقدر ، عارفة كل شي ولا نعيد ؟
: أفـا ، ولو ؟ عيب هالكلام ..
سُلطان : أنتظرِك ..


،,


تبدأ الحياة بالابتسام مجدداً لها ، تعود الشمس لُتشرِق في غرفتها و تنيرها ، تتجول بخفة رغم وزنها الزائد في غرفتها ، و هي ترتب جميع أغراضها في حقائبها ، تدندن بكلمات أغنية تخرج من بين شفتيها كعصفور يرقص فرحاً ، مَرت من جانب غرفتها أختها التي تحمل كوب النسكافيه بيدها ، تسمع فرحها لأول مرة ، دون أن تطرق الباب ، تفتحه و تدخل لتزول ابتسامة سـَارة عن وجهها فور رؤيتها ، تَميل بكتفها لتستند إلى الباب ، ترتشف شفة من كوبها ، تقول بسخرية : الله الله ، وش هالسعادة ، من متى ؟
تضع الكتاب من يدها في الحقيبة و تقول دون أن تنظر إليها : من يوم عرفت إني مسافرة ، غيره ؟
رَهف : كويس ، و احنا نفتّك شوي من اللي عاملة اكتئاب في البيت ..
ترمقها بنظرة دون أن ترد ، تدخل رهف لتتجول نظراتها في أرجاء الغرفة ، تقول : تدري يعني غرفتِك ما هي شينة ، ما كانت مبينة قبل لأنك كنت دايماً مقفلة النور و الأباجورات ، كويسة ، معاها حمام بعد ، راح تفيدني كثير ..
ترفع سارة حاجبها و تقول : شنو راح تفيدك وش تقصدي ؟
رَهف : يعني أفكّر لا سافرتِ ، أبدل غرفتي بغرفتك ، هذي أكبر و أحسن لي .. إنتِ وش تبي بغرفة كبيرة مثلها ؟
سارة بنرفزة : والله لو تغيري شي بهالغرفة بكسر ايدك !
رهف ترفع حاجبيها : والله ! قاعدة في بيتنا و تتكلمي بعد ؟ حبيبتي هذا بيت أبوي أنا ، و أنا اللي أقرر وين أقعد مو إنتِ !
سارة بابتسامة مستفزة : والله ما حزرتِ ، هذي الغرفة لي و بتظل لي ..
يأتي صوته الأجش من الخارج ليقول : و ليش ما حزرت ؟
تلتفتان سوية إلى الباب ، تبتسم رهف ابتسامة النصر و هي ترى والدها يقف أمام الباب ، تقول سارة : عمي !
يَعقوب : إذا حابّة هالسفرة مرة بتتركي هالغرفة لأختك و تاخذي إنتِ غرفَتها ..
تقترب رهف ، تعلق يدها بذراعه و هي تقبّل خده : فديت أحلى أبو في الدنيا ..
سارة : بس يا عمّي ..
يعقوب يقاطِعها : اللي قلته ما أثنيه ، " يقترب منها و يهمِس في أذنها " : و لو ما ترجعي البيت من الأساس تريحينا كِلنا ..
يتبادلان نظرات حادة ، قبل أن يخرج برفقة ابنته من الغرفة .. تبقى سارة وحيدةً ، تتمنى لو تجِد بالفعل مخرجاً آخر يخلصها من العيش مهملة ، غير مرغوب بها في عائلة ، كانَت يوماً تعني لها ..


،,

لَكمه على وجهه ليزداد تدفق الدم من وجهه ، مثبتاً على الكرسي بحبال وثيقة الرباط ، ينظر إليه بحقد ، يقول الآخر بلهجة باردة : حاولنا نفهمك بالحسنى ما فهمت ، واضح إنك ما تيجي إلا بهالطريقة ..
فهد : أمي بالمستشفى بروحها و لازم أكون عندها ..اتركني يا سُلطان أبركلك !
سُلطان بابتسامة : لا تخاف ، بعد شوي بنبعث ياسمين .. بس أول في شي لازم تعرفه ..
صَمت ، أردف سُلطان : الحين ياسمين بتيجي هِنا ، و بنشوف وش بتقول لك ، ما كِنت حابب أزيد همّك و أقول لك ، بس إنت أجبرتني ..
يلتزم بالصمت ، يُشير سُلطان إلى الرجل الواقف أمام الباب ليفتحه ، تدخل ياسمين بابتسامة ، و حركات بطيئة ، تُلقي السلام على سُلطان ، يرد : هلا بالغالية ، " ينظر إلى فهد " : زوجة الغالي ..
تتسع عينا فهد بدهشة خوفاً من أن يكون ما قد فكر فيه صحيحاً ، ينظر إلى سُلطان باستفهام ، الذي يغمِز لياسمين و كأنه يعطيها الضوء الأخضر للتكلم ، فتقول و هي تقف أمامه : سمعت إن ضرتي تعبانة ، قلت آجي آخذ عنوان المستشفى و أزورها ..
فهد بلهجة مرتجفة : وش هالكلام الفارِغ ؟
ياسمين : أنا ياسمين ، زوجة مشعل شَهران .. يعني زوجة أبوك ،
صَرخ و هو يتحرّك على الكرسي دون جدوى كأنما يحاول فكّ قيدِه : كــذب ، كذابيين ، وش تبون مني قولوا !!
ابتسمت و هي تفتح حقيبتها لتُخرِج منها عقداً ، تفتحه أمامه ليقرأه ، يرى كلمة " عقد زواج " ، يغلق عينيه بسرعة محاولاً أن يُبعد ذلك عن رأسه ، تصرخ بحدة : افتح و شوف ..
يفتحهما مجدداً بخوف ، يقرأ العقد كاملاً ، يتضح أنه لم يثبّت في المحكمة الشرعية ، لكن هذا اسم والدي ، و هذا توقيعه ، و هؤلاء هم الشهود على خيبتِك يا أمي ، يقول بنبرة هادئة : وش المطلوب مني ؟
تبتعد من أمامه ، يقول سُلطان : آهـا ، سألتني وش المطلوب ، يعني رح نتفق ، شوف يا فهد ، أمّك تعبانة و ما هي قادرة تتحمل خبر صادم زي كِذا و أنا مقدّر هالشي ، عشان كذا سالفة زواج أبوك من ياسمين بتظل سر هنا ، بس ياسمين راح تقعد عندكم في البيت ، مثل ما كانت في البداية مرافقة مسن ، و لو جربت تلوي ذراعي بكلمة وحدة ، الخبر بنفس الساعة بيكون عند أمّك .. و كل شي بقوله بيتنفذ ، مفهوم ؟
يصمت و يرتخي جسده على الكرسي بعجز عن المقاومة ، يتبادل سُلطان و ياسمين ابتسامة النصر ، تقول ياسمين بسخرية : مزودينها على وِلد زوجي ، ترى ما أرضى !
سُلطان : ياسمين الحين رايحة بطريقها لأمك ، و برسالة مني كل شي عنّك و عن أبوك بيكون عندها ، خليك ذكي مثل ما أعرفك ، ولا تخاطر ..
يشتت نظراته في الأرض ، عقله عاجز عن التصديق ، لِم فعلت بي كل ذلك يا أبي ؟ أعرفتني قوياً لأتحمل الدنيا من بعدِك ؟
تخرج ياسمين من عندهم بأمر من سُلطان ، الذي يأمر رجاله أيضاً ليفكّوا فهد ، يقول : هالمرّة فركة أذن بسيطة ، ما حبيت أزوّدها عليك ، بس لو تتصرف بغباء مرة ثانية صدقني ما بيحصل طيّب ، و هذاك عرفت مين سُلطان ، لا تجرب توقف بوجهي مرة ثانية ..
كان صمته لاذعاً ، و نظراته سامّة ، كأنه الهدوء الذي يسبِق العاصفة ، رأى وعيداً في عينيه ، وعيداً لم يُخِفه ، فقد أبرح قَلبه صدمات ، أعجز قلبه عن المقاومة ، يُردف سُلطان : هالحين تروح بيتكم و ترتاح عشان شغل بكرا ، و بالنسبة للعلامات اللي في وجهك ، قول إنّك تعالقت مع واحد في الطريق ..
فهد بصوت مبحوح : راح يقولوا لي مع السلامة من أول يوم ، منو بيوظّف عنده واحد راعي مشاكل ؟
سُلطان : لما يكون وراك سلطان ، ما في أهمية لأي شي ثاني ..
رفع فهد حاجبيه ، ظهرت ابتسامة ساخرة على وجهه من ثقته الزائدة بنفسه ، نهض بصعوبة من مكانه و هو يشعر أن حتى عقله شُل عن التفكير ، إلى أين ذاهب ؟ لا أدري ! إنه طريق بلا نهاية ، كما قلت يا أمي ..

،,

ألقى نظرة أخيرة إلى وجهه في مرآة السيّارة ، عاتَب نفسه في داخله على تِلك الكلمة التي ألقاها لعصام ، ترجل من السيارة متجهاً نحو بيت طارِق ، لا يعلم إن كان ما يفعله تحدياً له ، أم أنه يريد أن يفسّر ذاته .. لم يعجبه ما دار بين طارِق و أخته من كلام ، ولا يحب أن يظهر بتلك الصورة الوحشية أمام أي كان ، لا أحد يعلم ما الذي سيحدث بعد طرق الباب ، لكنّه دون تردد ، طَرقه ثلاث طرقات متتالية ، باتَ بإمكانها توقع الطارق ، فقد اعتادت على تِلك النغمة التي تصدر من باب بيتهم المتهالك ، حين يأتي ذلك المتغطرس ليطرقه ، لكنّها في هذه المرة لم تكن غير مبالية كالمعتاد بقدومه ، بل كانت خائفة جداً من التوالي .. اقتربت و هي تدعو الله أن تخيب ظنونها ، قالت : ميـن ؟
يبتسم يحيى ، المشهد ذاته يتكرر ، بنبرة هادئة غريبة عليها يقول : يحيى الغانِم ..
تنفث أنفاساً قوية ، تعدل حجابها و تفتح ، تقول بعجلة : طارِق مو موجود ..
يُميل رأسه و يقول : ننتظره ..
بنبرة الرجاء : و اللي يخليك روح من هنا قبل لا يجي أخوي !
يحيى بسخرية : اوف اوف شهد تترجى ! من متى !
رفعت نظرها إليه بحدة : من وين عرفت اسمي ؟
أرسل ابتسامة مستفزة ، تلاحظ كدمة حمراء تميل إلى اللون البنفسجي ، تبتسم بسخرية : سبحان الله ربّك ما يضيع حق أحد ..
يعقد حاجبيه و لم يفهم مقصدها ، أردفت : امشي من هنا ، نصيحة ..
جاءت لتغلق الباب ، استبقها بوضع قدمه ليبقي الباب مفتوحاً ، نظرت إليه بحقد : وش بيصير إذا ما مشيت ؟
تَركت الباب ، كتفت يديها : والله طارِق لو شافك هِنا بيكوفنك ، و أتوقع سمعت وش قال ..
يحيى : عشان كِذا أنا جيت ، أنا ماني شخص ما يخاف ربنا مثل ما قلتوا ..
شهد : و أنا ما يهمني و مابي أخوي يشوفَك لأني خايفة على أخوي مو عليك !
أغلقت الباب بغضب ، أطبق عينيه بملل ، ماذا أفعل هنا ؟ لا أعرف ، إنني أرتبط بقضية ارتباطاً أشعر أن مكانه القَلب ، قَلبي هو من يقودني ، و إنه كان شرساً طوال تِلك المدّة ، لكنني تعلمت أن لا أترك فيه مجالاً للعاطفة ، لا أعلم لِم أنا مهتم إلى تِلك الدرجة بنظرة طارِق عني ، ربما لأنني لست كما يرونني ، و لِم أنا مهتم بدقة الصورة التي يتخذونها عني ؟ ربما لأنني لم أعرف إن كانوا محقين ، لا أعلم يا الله ، هل كانوا محقين حين قالوا أنني لا أخشاك ؟ أيعقل أن أكون هكذا ؟ تنهّد بقوة ، ربما كانت تِلك اللكمة من عِصام هي ما توقظه ، لكنه إلى تِلك اللحظة لم يعرف بعد ، سبب اهتمامه بنظرة طارِق له ، أهناك صوت في داخله يخبره أنه قد ظلمه ؟

،,


تجلِس على الرصيف المُقابِل لكليتها ، واضعة نظاراتها الشمسية فوق عينيها ، تنظر بملل إلى المارّة ، تحاول أن تتعرف على صاحِب الاتصال ، تأخر عن موعده ، و لم مستغربة من تأخره كأنها تعرفه بدقة مواعيده و هي تراه للمرة الأولى ، قفز أمامها شاب يرتدي بدلة رياضية ، كأنه يعرفها تماماً ، يقول بلكنته الإيطالية : هل تأخرت عليكِ ؟
رَفعت النظارات عن عينيها ، و هي تعقِد حاجبيها تساءلت : من أنت ؟
ابتسَم : صاحِب الاتصال ، ألم تأتِ لتقابليني ؟
تجاهلت كلامه ، و عادت للتحديق في المارّة بتوتر واضح ، أردف : قبولك لدعوتي يعني أن ما سمعته كان صحيحاً ،
حَسناء دون أن تنظر إليه : و ماذا سمعت ؟
أجاب : قدرتك الهائلة على إستحضار كأس البطولة للفريق الذي تريدين ..
ابتسمت بسخرية دون أن ترد ، أكمل كلامه : نحن بحاجة لكِ .. بحاجة إلى تِلك المنشطات ..
رمقته بطرف عينِها : من أين أتيت بتلك الخرافات ؟ أي منشطات تتحدث عنها ؟
: أخبرني صديق لي ، لا تقلقي سيكون الأمر سراً بيننا ..
أرسلت ابتسامة ذات مغزى : من هو ذلك الصديق ؟ لا بد أنني أعرفه ..
: أنتِ حذرة بشكل مبالغ فيه ، لا داعي للقلق ، قلت أن الأمر سيكون سراً ..
حسناء : أعطني سبباً يجعلني أثِق برجل أراه لأول مرة في حياتي !
: و ما السبب كي لا تثقي برجل ترينه لأول مرة ؟ الحياة دائماً بحاجة إلى الفرص ، لا يمكنك أن تسيئي الظن بأحدهم لمجرد عدم معرفتك به !
أخذت نفساً عميقاً و هي تفتش في جوالها ، قالت بعد تفكير و هي تمد الكلام : أنت مُـحِق ، يـبـدو أنَـك تستحق فرصة ما ..
ابتسم براحة ، التفتت إليه : تعرِف جيداً أن أموراً كتِلك لا يمكن أن تحل بين أسوار الجامعة ..
: أين سنلتقي إذن ؟ لا مانع لدي !
حسناء و هي تنهض عن الرصيف ، تنفض الغبار عن بنطالها بكفيها : سأرسل لك العنوان و التوقيت ، ولا تنسى تجهيز الثمن ..
ابتسم : كل شيء سيكون جاهزاً ، صدقيني إن فزنا هذه المرة سأهديك مكافأة جيدة ..
بادلته الابتسامة ، تركته و مضت ..


،,

فَتحت عينيها ببطء ، بالكاد تذكر ما حدث في الأمس ، كان أشبه بكابوس ، أو حلم طويل ، لكنّها تأكدت من واقعيته حين رأت بياض الجدران حولها ، جهاز مراقبة القلب إلى جانبها ، يستقر المغذي في كفّها الهزيلة ، رفعت رأسها بإنهاك ، الرؤية غير واضحة تماماً لها ، فتاة نحيلة تختبئ في عباءة سوداء تجلِس أمامها تتصفح جوالها بلا مبالاة ، هل سافر فهد مجدداً ؟ ذلك السؤال تراود إلى ذهنها حين رأت تِلك المرافقة تطل مجدداً في حياتِها .. رفعت ياسمين رأسها ، لتقول بهدوء : صح النوم خالة ، نمتِ كويس ؟
تجاهلت سؤالها : وين فهـد ؟
دفعت كرسيها إلى الأمام لتقترب منها : فهد اتصل و طلب مني أظل معاكِ ، قال إنه مشغول اليوم ..
ارتخى رأسها فوق وسادتها البيضاء ، خيبة أمل ارتسمت على ملامحها ، تتمتم بينها و بين نفسها : مشغول ؟ أتفعل الأموال ما فعلت بك يا طِفلي الذي لم تبتعد عن حضني يوماً واحداً ؟ وحيدة و جدراني في هذه الغرفة الباردة ، هل سأموت وحيدة يا فهـدي ؟
دخل الطبيب بعد أن طرق الباب ، بابتسامة قال : لا ما شاء الله واضِح إنك أحسن اليوم ..
تعلقت عيناها بباب الغرفة الخشبي دون أن ترد ، شعر بسوء حالها ، وجّه كلامه لياسمين : حضرتِك بنتها ؟
ياسمين و هي تقف : لا أنا مرافقتها ، شلون وضعها دكتور ؟
تنهّد الطبيب و قد فهم سبب بؤس تِلك السيدة ، ابتسم بارتباك : ان شاء الله ما فيها شي ، شوية إرهاق ، ما عليكِ شر يا أمـي ..
تناثرت دمعاتها بعشوائية على وجنتيها ، أصبحتِ مثيرة للشفقة يا جواهر ، يقول الغَريب لكِ أُمي ، لاستشعاره مدى فقدانِك لتلك الكلمة ، إنني أفقِد نفسي يا وَلدي ، فهل ستجلبها لي بمالِك ؟ لم أقتنع يوماً أن السعادة قد تنفصل عن المال و الثّراء ، لكنني و إن كنت أملِك مال الدنيا كلها ، أشعر أنني فقيرة ، معدَمة أكثر من أي وقت مضى ، معدمة الأمومة ، معدَمة الحب ، و الدفء .. شعرت ياسمين أن الطبيب لم يقل كل شيء لديه ، خَرجت خلفه ، نادته بهدوء : دكتور ..
التفت إليها ، قالت : شلون وضع المريضة ؟ في شي ؟
أخذ شهيقاً قوياً و هو يرغب في لكم ذلك الرجل على وجهه : لازم ولدها يكون موجود عشان نبلغه ..
ياسمين بقلق مُفتَعل : تبلغوه بشنو ؟ اهوة صراحة دائماً مشغول عشان كذا أنا معاها و أنا دائمأ أبلغه بأي طارئ ..
الطبيب : المريضة عندها فَشل كلوي ، بمرحلته الأولى ، و لازم يكون موجود عشان إجراءات العِلاج ..
طقطقت أصابعها بتوتر : ممم طيب ممكن نخليها لبكرا هِنا عبال ما يتفرغ ولدها ؟
ينظر إليها بتعجب : بتنتظري إلين يتفرّغ ؟ هذا فَشَل كَلوي ، عارفة وش يعني ؟ يعني ممكن نخسر المريضة بأي لحظة !
هزّت رأسها بتوتر و هي تفتح جوالها : طيب الحين بكلمه إن شاء الله ..
رمقها بنظرة غير مفهومة ، مضى في طريقه ، راقبته حتى غاب عن عينيها ، ضغطت على اسم سُلطان ، بعد دقائق : سُلطان .. أنا في المستشفى ..
سُلطان ببرود : وش أسويلك ؟
ياسمين بهمس : الطبيب كان هِنا و قال إن أم فهد عندها فشل كلوي ..
يبتلع لقمته من السّمك ، و بنفس البرود : وش أسويلها أعطيها كليتي ؟
ياسمين : اففف ، أقصِد أتصل أبلغ فهد ؟
سُلطان : لا تبلغيه بشيء ، خليه ملهي بـشغله معـانا ، انتِ تصرفي ..
ياسمين : أتصرف بشنو قالوا ولدها لازم يكون موجود ! بعدين فهد لو درى بيموّتنا كلنا !
سُلطان بغضب : ياسـمـيـن ، ماني طفل عشان أخاف من هذا اللي اسمه فهد ، خلاص خليه بكرا يستلم وظيفته و يتثبت فيها بعدين نكلمه في سالفة أمه ..
تتجول ذهاباً و إياباً ، تتحدث بصوت منخفض : طيب وش أسوي الحين ؟
سُلطان : خليكِ معاها ، و بلغيني كل شي أول بأول .. ولا تتصرفي بغباوة و تدقي على فهد !
ياسمين : افرض جـاء بـروحه ، أكيد بيعرف ..
سُلطان بابتسامة : ما شفتِ وجهه خريطة شلون بيروح لأمه بهالحال ؟
ياسمين تبتسم بسخرية ، تقول : والله مَنت قليل .. طيب و أنا بالنسبة لي متى أبدأ شغلي ؟
تسمع صوت الماء يتدفق في حلقه ، يقول بعد أن يشرب : هالحين مو وقته أنا أقول لك متى و شلون ..
ياسمين تهز رأسها : طيب ، خليني أفوت لهالعجوز الحين ، سَلام ..
سُلطان : سَلام يا قمـر ..


،,






يتحرّك بعجز تام و هو ينظر حوله بريبة ، رجلين أمامه ينظران إليه ببرود ساخِر ، غير مباليان بمقاوماته الخاذِلة ، يصرخ و هو ينظر إليهما بغل : اتركوني ، شغلـي مو مـعــاكــم !!


،,



أخذت غرّتها المزعجة إلى الجانب الأيسر من وجهها ، نهضت و ملامح وجهها تنبئ بالنهاية لتقول : ماني متأكدة إذا كنت أبيك أو لا ..


،,

صَفعها على وجهها الناعِم ، صفعة قوية أسقطت جسدها الهزيل أرضاً ، دون أن تدرك السبب خلف غضبه الجامح تجاهها ، انحنى ليأخذ شعرها بيديه ، يشدّه بقوة و هو يصرخ بكلمات تخرج من شفتيه الغاضبتين بارتباك ، لم تكن واضحة لدى أي منهم ..



انتهى


مرة أخرى سامحوني على التأخير ، و إن شاء الله لن يتكرر ..

توقعاتكم و آراءكم ، نلتقي الجمعة القادمة بإذن المولى ..

دمتم بخير ،
طِيفْ!



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 07-12-19, 01:08 AM   #14

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،

أتمنى أن يكون الجميع بصحة و عافية ، هذا الجزء رح أعتبره تتمة للجزء الثامن ، إن شاء الله يعجبكم

قراءة ممتعة


بسم الله نبدأ


وَ إن زارَنا الشّوق يومًا و نادى
و غنى لنا ما مَضى و استعادا
و عاد إلى القَلبِ عهد حنون
فزاد احتراقاً و زدنا بعادا
لقد عاش قلبي مثل النسيم
إذا ذاق عطراً جميلاً تهادى
و كم كان يصرخ مثل الحريق
إذا ما رأى النار سكرى تتمادى
فهل أخطأ القلب حين التقينا
و في نشوة العِشق صرنا رمادا ؟ "


*فَاروق جويدة

وَ في نَشوةِ العِشقِ صرنا رمادا ، بقلم : طِيفْ!

الجزء 8
*تتمة


الأجواء المشحونة ، الصّمت يعم المكان ، يعمل كل منهم دون أن يتحدث إلى الآخر ، كأنما كلمة واحدة من أحدهم ستشعل فَتيل الحرب ، تنهّد و هو يتقدّم نحو غرفته ، وسط نظرات الضباط المتعجبة لوجهه في دخوله و خروجه ، تجاهلهم ، وصل إلى مكتبه ، وقف عند الباب يتأمل التوتر الذي اختلقه اليوم ، أخذ نفساً عميقاً ، و قال بصوت أقرب للخجل : السّلام عليكم ..
توجهت أنظار كل منهم إليه ، بعد ثانية ، رد إبراهيم و عزيز بصوتٍ واحد : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
لاحظ نظرات عِصام الحانقة ، و عَدم ردّه السلام ، تجاهل نظراته و توجّه نحو مكتبه ، يقف عِصام أمام مكتبه و هو يحمل ملفاً أحمر اللون بين يديه ، دون أن ينظر إلى يحيى ، يسأل بجمود : وين كِنت ؟
يرفع نظره إليه ، يستمر بصمته ، لم يستوعب بعد أنه يوجه سؤالاً له ، يُكرر عِصام بنفس اللهجة : قاعِد أكلمك وين كِنت ؟
يحيى : كان عندي مشوار لبيت فهد ، و ..
قاطعه و هو يتقدم نحوه و يُلقي الملف الأحمر أمامه بقوّة : دقق هالملف و انقله عالكمبيوتر ، أبغاك اليوم تخلصه ..
ينظر إلى الملف بطرف عينه ، تنتقل نظراته إلى عصام : بس هذا ما يخلص اليوم ، و أنا ماسِك قضية و أشتغل عليها ..
عِصام و هو يُعطيه ظهره : مو مشكلتي هذا أمر من مسؤولك بتنفذه ، إبراهيم الحقني مع ملف السجين 4071
خرج من الغرفة ، تِلك المرة الأولى التي يرون بها عصام على تِلك الحالة من الغضب و السّخط ، توجّه إبراهيم نحو المكتبة ليفتش عن الملف ، يُطبِق يحيى عينيه بتعب و هو يسند رأسه إلى ظهر كرسيه و كأنه يعاتب نفسه ، ينظر إلى عزيز ، يسأله : قال شي لما كنت برا ؟
عَزيز يهز رأسه بالنفي ، يترك مكتبه و يتجه نحو يحيى ، يجلِس أمامه : شفت فهد ؟
يحيى : ما كان موجود في البيت ..
عقد حاجبيه : طيب ؟؟
ينظر إليه ، بتوتر يقول : وش طيب ؟؟ قلتلك مو في البيت وش اللي طيب ؟
عزيز : وين رحت بعدها ! كل هالوقت بس رحت بيت فهد و ما لقيته ؟
رفع حاجبيه و هو يشبك أصابع كفيه فوق الطاولة : وش رأيك تاخذني لغرفة التحقيق تحقق معاي ؟
عزيز : لا تنسى إني مُساعدك في القضية ، يعني حقي أعرف كل شي يخصها ..
يحيى : إنتَ قلت مساعدي ، و حقّك تعرف اللي أبيك تعرفه ، غير كِذا مالك علاقة ..
يرمقه بنظرة ، يقول بحدّة : واضِح إني كنت غلطان لما ساعدتك تستلم القضية هذي ،
يحيى بتأفف : بديـنـا جَمـايل ...
التفت إليهم إبراهيم و هو يحمل بين يديه إحدى الملفات : خلاص إنتَ و هو مثل الضراير قاعدين ، هالقضية ما جالنا منها إلا عوار الدماغ ، قفلوا هالموضوع و ريحونا !
رمقهم بنظرة حادة ، تركهم و خرج ، التفت يحيى إلى عزيز : دام إنّك قاعِد تقول إن هالقضية قضيتنا و مو لازم أحد يخبي شي عن الثاني ، ليش حذفت تسجيلات طارِق الأخيرة و حاولت تخليني ما أسمعها ؟
عزيز بتهرب : هذا موضوع ثاني ما كنت أبغى يصير مشكلة ثانية من ورا كلام طارِق ..
يحيى : لا تتهرب ، هذا مو هو السبب ..
نَهض عن الكرسي : حذفتهم لأني حسيت الكلام جارِح ، و لأني أعرِف إنك مو مثل ما قالوا ، ما حبيت تسمع كلام يأذيك ..
اتسعت عينا يحيى ، يترجم في نظراته تعجباً هائلاً من اهتمام عزيز بمشاعِره ، يُردف بارتباك : لا تطالعني كِذا ، إنت مسؤولي ، و زميلي و ما أرضى أحد يتكلم عنك بسوء .. و لو كانت نيتي سوء أو عدم احترام ، كان سمعت كلام عصام لما طلب مني أخلي سبيل طارِق ، مع إني كنت معارضك في تعاملك معاه بس ما رضيت أتصرف تصرف ممكن يقلل احترامك في غيابَك ، و كان ممكن أتحمل عقوبة هالشي من عِصام ، بس كل مرة تفاجئني بغرورك و تكبرك ، و تخليني أتأكد إنك ما تستحق هالشي ، و ما أستغرب أبداً إن ما عندَك أصدقاء و لو بتظل بهالنفسية مستحيل يكون لك أصدقاء ..
تنفس بعمق بعد أن فرّغ ما بداخله ، دون أن يترك مجالاً له للحديث ، التفت خارجاً من المكان ، ظل يحيى متجمداً في مكانه ، كلمات عزيز تتردد في مسامعه ، تنهّد و هو يُطبق عينيه بحيرة ، أشعل حاسوبه و بدأ بتنفيذ ما وكّله به عِصام ، بعقل مشوش جداً ..


،,

يجلِس أرضاً في زاوية غرفته ، في منزلهم القديم ، مستنداً إلى الجدار بإنهاك ، لم يعد الألم يحرق وجهه ، إنه يحرق قلبه دون رحمة ، صحن السجائر إلى جانبه ممتلئ بالرماد و السجائر المحترقة كروحه المتعبة ، سيجارة أخرى تذوب بين شفتيه ، صورة قديمة تكاد ألوانها تختفي ، أكثر ما هو واضح فيها ، تِلك الضحكة التي ارتسمت على وجوههم ، يجلِس أبيه على تلك الأريكة الوحيدة التي شابت معهم ، في المنتصف هو ، و إلى يساره والدته ذات يوم ، حين كان وجهها ضحوكاً ، يبتسم لتلك الذكرى ، حتى ذكرياتنا مزيفة يا أبي ، تِلك الضحكة الأجمل ، الشيء الوحيد الذي أورثتني إياه ، كنت أعتقد أنها ضحكتك الصادقة تظهر على وجهي ، إنني أكتشف أنها خدعة يا أبي ، تشبه خدعة ضوء الشمس في منتصف كانون القارِس ، إن حياتي الوردية ، مستقبلي ، كلها كانت كذبة كبيرة ، أعيش الصدق اليوم يا أبي ، أعيشه وحيداً ، إنه موجع جداً ، وحيد جداً ، و بحاجتك جداً ، و إنني ناقم عليكَ يا أبي ، جداً جداً ..

تعقِد حاجبيها و هي ترى باب ذلك البيت مفتوحاً بعد أن اعتقدت أنه قد أغلق على قلبيهما منذ زمن ، و إلى الأبـد ، تتلفّت حولها بريبة تنظر إلى المارّة ، تدخل ببطء إلى الداخل ، تمدّ رأسها بنظرات متفحصة ، تجده بحال لأول مرة تراه بها ، دخنة تملأ المكان ، لم ينتبه حتى لوجودها ، حتى وقفت بكامل جسدها أمامه تقول بتعجب : فهـد !
يرفع نظراته الدامعة نحو الباب ، ينظر إليها كأنه يستنجدها ، تتساءل و هي تتلفت حولها بارتباك : ليش قاعِد هنا ! وش صاير معاك ليش وجهك كِذا ؟
ارتخت نظراته ، يتابع تحديقه في الصورة و يقول بصوته المبحوح : تعبان يا شهد ..
ثَقيلة على قلبي أن أراه متعباً ، ثقيلة أن أسمع صوت قلبي مستنجداً ، اقتربت بحركات مرتبكة خجولة ، انحنت لتجلس بنصف جسدها أمامه ، تنظر إلى الصورة التي يحمِلها بين يديه ، تتساءل : اشتقتله ؟
تنضم شفتيه كأنه متقزز من فِكرة الشوق له ، يهز رأسه بالنفي متردداً ، تنظر باستفهام ، يُردف بنفس النبرة : تعبان يا شهد ..
تمتد يدها بتردد و خجل ، ترتجف أهداب عينيها ، إلى وجه ذلك الضعيف الذي لم يُبدي أي مقاومة لملامسة أطراف أناملها لحيته الخفيفة ، ظهرت ابتسامة صغيرة على وجهه و هو يشعر بارتجاف أصابعها ، رفع نظراته إليها ، تنتفض بخوف و تبعد يدها ، ينتصب جسدها واقفاً أمامه ، تفرك يديها و تشتت أنظارها في المكان ، تقول : قوم عن الأرض لا ييجيك برد .. أنا لازم أرد البيت ..
و ما ضر برد الجسد إن كنت في داخلي أرتجِف ، أرتعش برداً .. عاد لصورته و سيجارته مجدداً ، نظرت إليه بقلّة حيلة ، أطلقت تنهيدتها الأخيرة في المكان ، ود لو يحتفظ بتلك التنهيدة في صدره المشبع بالألم ، خرجت دون كلمات ، مشت في الحارة كالتائهة بلا عنوان ، تحبس دمعات عينيها بصعوبة و هي تفرك أطراف أصابعها بقوة ، كأنها تحاول أن تزيل أثر ملامستهم لذقنه ، بحركات سريعة ، لا مبالية بنظرات الناس ، وَقفت أمام باب بيتهم ، أخذت شهيقاً طويلاً ، أتبعته بزفير ، مَسحت وجهها بكفيها ، أخرجت مفتاحها ، دخلت إلى البيت متناسية ما حدث في الخارج ، تنظر إلى أمها و أختها الجالستين ، الخوف بعينيهما و كأن أمراً قد حصل ، يأتي والدها يرمقها بنظرات غاضبة ، تنظر إليه باستفهام و نصف ابتسامة مرتجفة تظهر على شفتيها ، يقف أمامها دون أن يتفوه بكلمة ، صفعها على وجهها الناعم ، صفعة قوية أسقطت جسدها الهزيل أرضاً ، دون أن تدرك السبب خلف غضبه الجامح تجاهها ، انحنى لينزع عن رأسها حجابها ، يأخذ شعرها بيديه ، يشده بقوة و هو يصرخ بكلمات تخرج من شفتيه الغاضبتين بارتباك ، لم تكن واضحة لدى أي منهم ، تُسرع عبير نحوه باكية ، تحاول أن تبعده عنها بترجي : يبه اتركهاا واللي يخلييك !
تناثرت دمعات شهد على وجهها بصمت ، أول ما خطر في ذهنها أنه عرف عن دخولها لبيت فهد ، عاد ليمسك شعرها مجدداً و يصرخ : أنا ينحكى عن بناتي في حارتي و أسمع الكلام بأذني يا قليلة الحيا !!
بدخول طارِق ، يقترب مسرعاً ليُبعد والده عنها ، تجلس أرضاً دون حراك أو مقاومة ، يُحكم سيطرته عليه و يُبعِده عنها و هو يتساءل : يبه وش صار ليش ضربتها !!!
يُشير إليها بسبابته ، بعينين تشتعلان غضباً ، تُطبق عينيها بخجل منتظرة أن يروي له كيفَ خذلتهم بخلوتها مع فهد ، انفتحت عيناها مجدداً بصدمة و هي تسمع : أختك اللي ما تستحي تقعد تسولف مع هذا يحيى باب البيت و الرايح و الجاي يشوفهم أناا أسمع الناس بأذني تقول إنكم تتهاوشوا مثل المتزوجين !!
ترتخي قبضة طارِق عن ذراع والده ، ينظر إلى شهد و يقول : متى صار هالكلام ؟
تستمر في صمتها و بكائها ، يصرخ طارِق : تكلــــــمـــي !
ترتجف نبرتها الباكية لترد بخوف : اليوم ، اليوم كان هنا و أنا كلمته عشان أقول له لا عاد يخطي هالبيت لأني خايفة عليك خايفة يصيرلك مشكلة أو تسويله شي و تأذي نفسك !!
طارِق بهدوء : يعني يتحدّاني !
توجّه بسرعة نحو باب البيت ، أوقفه صوت والده الحاد : طـارِق !
توقف دون أن يلتفت ، اقترب والده و قال : إذا ناوي تكسَب غضب أبوك تروح ليحيى هالحين .. بس بعدها ما أبي أشوف خشتك عندي في البيت ..
التفت و هو يقول باحتجاج : يبه إنت سمحت لهالرجال يدخل بيتنا و حياتنا و هذا هو الحين بيخرب سمعتنا و إنت للحين قاعد ...
قاطعه : طــارق ، اللي عندي قِلته ، و وقفته مع شهد أنا أحاسبه عليها ..
التفت إلى شهد ، قال باشمئزاز : انصرفي قومي من قدّامي ..
نهضت عن الأرض نحو غرفتها بسرعة ، تتبعها عبير ، أما والدتها تجلس على أريكتها بتعب تفكر فيما آل إليه حالهم ، يتجه طارق نحو الباب مجدداً ، يقول والده : على وين ؟
دون أن يلتفت يكمل سيره : لا تخاف ماني حابب أكسب غضبك يُبه !
يخرج ، يُطبق الباب خلفه بقوّة معبراً عن امتعاضه ، شيء ما في كفيه يرغب في لكم يحيى على وجهه ، يُريد أن ينتقم و لو بضربة واحدة ترد له كرامته ، نفث أنفاساً عميقة و هو يسير مخفياً كفيه في جيوبه كأنه يحبسها عن رغبتها في ضرب يحيى ، يستمر في سيره على غير هُدى ، ارتفعت أنظاره بدهشة إلى فهد الخارج من منزله ، يستمران في النظر إلى بعضهما لثوانٍ دون كلمات ، لا يعلم طارِق بأي لغة من العَتب يكلّمه ، ولا يعلم فهد بأي لغة من الندم و الأسف يعتَذر .. حتى قال طارِق : وش فيك فهد ليش وجهك كذا ؟ مع مين متضارب ؟
يمحص فهد في وجه طارق و هو يقول : لا ما فيني شي ، إنت وش فيك ؟ ليش وجهك كِذا ؟
يمد طارِق أصابعه لتلامس مكان كدماته ، يصمتان لوهلة ، ثم ينفجران ضحكاً في وقت واحد ،،

،,

تدخل من الباب و على وجهها ابتسامة ، يبدو أنها غارقة في التفكير في أمر ما ، تتفاجئ بوالدها الذي يقترب متلهفاً منها و يقول : ديانا !! وش صار معاك تأخرتِ !
ترفع حاجبيها لتتساءل ببرود : وش السالفة الظاهر حنّيت لهالاسم ؟
عُمر بهدوء : من زمان أحن لديانا ، و أنتظر فرصة زي هذي عشان أناديكِ ديانا ، بس وجود ريم كان مانعني أسوي هالشي ..
خيبة جديدة ، تظهر على ملامحها التي انطبعت أساساً بالخيبة ، لتقول : عذر أقبح من ذنب ..
تبتعد عنه بهدوء و هي تخلع حذاءها و تتركه خلفها بإرهاق ، يوقفها سؤاله الصادم : تكرهيني يا ديانا ؟
أتراني لامست قَلبك الذي ظننت أنه قد مات ؟ أتراني بقسوتي أُحييك مجدداً يا أبي ؟ التفتت إليه ، تنظر إليه باستفهام و تعجب ، يقترب منها و يكرر سؤاله : تكرهيني ؟
ابتلعت ريقها ، قالت بصوت خافت : متى قلت إني أكرهك ؟
عمر بحدة : كلامك الصبح ؟ قلتي إني لازم أحتفظ بهالولد ، عشان يكون عندي شخص واحد يحبني ، يعني إنتِ ما تحبيني ..
أمالت رأسها ، و بذات لهجته الحادة : إني أكرهك شي ، و إني ما أحبك شي ثاني .. أكيد ما أحبك لأني عمري ما حسيتك أبو .. أنا بالنسبة لك مجرد أرقام و آلة تصنع فلوس ، شلون تبيني أحبك ؟
عمر : إنت عارفة أمك وش سوت ..
ظهرت ابتسامة ساخرة على شفتيها ، تقول بملل : تعبت أقول لك إني مالي ذنب ، لا تقعد تحطلي مبررات واهية ، أنا ما طلبت منك تبرير ، خلاص ، أساساً اللي سويته و اللي قاعد تسويه فيني ماله مبرر أبداً ، إنت حاطط أمي شماعة تعلق عليها كل أخطاءك تجاهي ، مانك أحسن منها بشي ، كل واحد ظلمني بطريقته ، و اثنينكم تفننتوا بهالشي ، اثنينكم أنانيين و ما يهمكم إلا روحكم ، و أنا راضية بهالشي ، قول أنا أناني و استغليتك يا بنيتي لمصلحتي ، أنا راضية فيك يبه بكل عيوبك ، بس لا تحط مبررات لشي ما يتبرر ، عالأقل حِس بالذنب تجاهي !
كلماتها الحارقة ألجمت لسانه ، سارت أماماً مجدداً ، التفتت لتراه في نفس وقفته و مكانه ، عادت بضع خطوات : صحيح ، بالنسبة لمقابلة اليوم ، أبي ثنين من رجالك معاي في شي مهم ، لا تسألني وش هو ، تقدر توثق إني ما راح أورطك ..


،,


تسقط في الحِيرة ، إن زواجها و عشقها الأول يقفان الآن على حافة هاوية ، لا تُدرك تماماً ما هو الصحيح لتفعله ، لم يعد يحزنها عجزها عن الإنجاب ، قدر ما يحزنها عجزها عن الاحتفاظ بدقة قلبها الأخيرة ، تجلس برفقة أختها في غرفة المجلِس ، تتنهّد جيهان و تقول : إنتِ مو لازم تخبي هالشي عن عمتك ، بالنهاية راح تعرف ..
مَريم : و إذا زوّجت عِصام ؟ وش بسوي بروحي ؟
جيهان و هي تسند رأسها إلى يدها المنتصبة بهدوء فوق ظهر الأريكة : عِصام ماهو طفل ، لو يبي يتزوج بيتزوج ، ولو ما يبي ما في أحد بيجبره !
يتحرك بؤبؤ عينيها مشتتاً نظراتها في المجلِس ، الحيرة تتجلى في وجهها المُتعَب ، صوت يتردد في أذنها ، يشوّش تفكيرها ، تهزّ رأسها بقوة كأنها تُخرِس ذلك الصوت ، تنظر إلى جيهان التي قد اتضح على وجهها أنها لم تخسر نصيبها من الهموم هي الأخرى ، تتساءل : وش صار بينِك و بين إبراهيم ؟
تنظر جيهان إليها بيأس ، كأنها تبلغها بعدم رغبتها في الكلام ، تتجاهل الرد على سؤالها ، تكرر مريم بإصرار : جيهان ! قولي وش صاير بينكم ، سالفة التأجيل هذي ماني مرتاحة لها ،
ترد بنبرة يتضح فيها عدم الصدق ، لإنسانة لم يسبق لها أن تعلّمت كيف تكذِب : مو أول ثنين يأجلون زواجهم ليش مكبرين السالفة ؟
مريم : لأني أعرفك ، مو قاعدة تقولي الصدق ، جيهان أنا مو غريبة ، قولي وش صاير ؟!
تتأفف بملل ، تنظر إلى أختها بيأس و تقول : إبراهيم ما يبي يتزوجني ..
تبرز عيناها و هي تقول بدهشة : نـعــم ؟؟!!
جيهان : ما قال كِذا طبعاً ، بس سبب تأجيله الزواج إنه ما حس إنه يحبني ، و ما يبي يظلمني معاه .
مريم : و ليش أجلتوا ؟ ليش للحين معاكِ لو ما يبيكِ ؟
ابتلعت ريقها و هي تشعر بانتقاص قيمتها : أجلناه عشان الناس ما يقولوا هذولا ليش تطلقوا قبل العرس بيومين ، آخر هالشهر كل شي بيكون منتهي بيننا ..
مريم : يبي يطلقك بعد كل هالفترة ! ماني فاهمة شي !
جيهان : اهوة ما قال يبي يطلقني ، قال يبي يعطي نفسه فرصة ثانية إذا ممكن يكمل هالزواج ، و أنا رفضت قلتله إني مابيه و خلاص ، الرجال ما يبي يظلمني ..
مريم بنبرة احتجاجية : ليش قاعدة تحطيله مبررات !! وش السبب اللي يخليه ما يحبك لو كنتِ فعلاً أول حرمة في حياته !
تعقد جيهان حاجبيها : وش تقصدي ؟
مريم : واضحة ، لو ما كان في حرمة ثانية في قلبه ، ما كان حس إنه مو قادر يكمل معاكِ ..
تفكر جيهان لوهلة ، تهز رأسها بالنفي : لا لا ، مستحيل لو كان كذا كان ما قال يبي يعطي نفسه فرصة ..
مريم بحرقة : يبي يعطي نفسه فرصة ينسى ، إنتِ خبلة يَ بنت ! الرجال ما يبعد عن زوجته أو خطيبته إلا إذا كان في غيرها ..
جيهان بلامبالاة : و لو كان كلامك صحيح ، ما هي فارقة ، ما راح نتزوج لو إيش ما كانت الأسباب ، انتهى !
مريم : بس مو من حقه يساوي فيكِ كذا ! جيهان ، إنتِ ما حسيتي عليه لما بدا يتغير عليكِ ؟
جيهان : شلون يعني يتغير ؟
مريم : يعني ، يعصب عليكِ من دون سبب ، يقل كلامه معاكِ ، هذي كلها تدل إن الرجال في وحدة ثانية بحياته !
تبتسم جيهان بسخرية ، تأخذ نفساً عميقاً : اهوة ما تغير ، هذي صفاته فعلاً من أول ما ملكنا ، يعصب بدون سبب و ما يكلمني إلا قليل و حاطط الشغل حجة ..
مريم ترفع حاجبيها : النـذل ! يعني خطبك و اهوة يحب وحدة ثانية !! وش هالظلم ، مو من حقه أبداً يسوي كذا !
جيهان و هي تضع نقابها : لا تنسي إن هذي مجرد تخمينات ، يعني ممكن تكون طبيعته كذا مو بالضرورة يكون تخمينك صحيح ..
تضرب بكفيها فخذيها ، تقول بقهر : لسه تدافعي عنه ! بتموتيني انتِ !
جيهان : ما أدافع ولا غيره ، الموضوع ماهو مستاهل ..
مريم : مو مستاهل ! بتصيري مطلّقـة ، و قاعدة تقولي مو مستاهل ؟؟
جيهان : وش فيها يعني ؟ ترى المطلقة حالة اجتماعية ، مثلها مثل متزوجة ، عزباء ، أرملة ، ماني فاهمة وين الغلط ؟!
مريم : الغلط إن بمجتمعاتنا العربية المطلقة للأسف ماهي حالة اجتماعية ، إلا وصمة عار ! كل تحركاتك بتصير محسوبة عليكِ ، حتى فرصة إنك تتزوجي بتصير ضعيفة لأن رجالنا ما يحبوا ياخذوا وحدة كشفها رجال ثاني و قعد معاها ..
جيهان و هي تنهض : قاعدة تبالغي ، هالشي ممكن كان زمان لكن الحين الناس صارت تفكر بطريقة ثانية ، ما أقولك لا المطلقة وضعها صعب شوي بس ما هو مستحيل ، و بعدين الرجال اللي يفكر بهالطريقة أنا مابيه أساساً !
مريم تقف أمامها : قاعدة تقولي هالكلام لأنك ما عشتِ الحالة ، الحرمة عندنا تتحمل المر أهون ما تتحمل كلمة مطلقة و نظرات الناس ، جيهان حاولي تمنعي هالطلاق من إبراهيم ..
جيهان : تبيني أعيش معه بدون كرامة ؟! خلاص يا مريم و اللي يخليك أنا بروح كافي كلام بهالموضوع .. و لمعلومك سليمان ما يدرى بالموضوع و ما أبيه يدرى ، مابي هالشي يأثر عليه و على عَروب . السّلام عليكم ..
تخرج بسرعة كمن يهرب من نقاش عقيم يُلاحقه ليقتله ، كأنها تهرب من ذاتِها ، تنظر مريم إليها و هي خارجة بيأس ، تتكتف بقلة حيلة و ترد : مع السّلامة !

،,

تجلس في زاوية غرفتها ، تضم ركبتيها إلى صدرِها ، يُغرِق بياض عينيها حمارُ دموعها ، تجف بعد يأسها من السقوط ، ليحتشد الدمع مجدداً فيهما ، لا شيء يمر في ذاكرتها سوى نظرات فهد و ما كانت ستفعل ، أيعقل أن تُلامس أناملي وجهه ، أيعقل أن أرتكب ذلك الإثم ؟ إني أحبك يا فهد ، و إنّك أول من تسلل إلى داخلي دون إذني ، كيف يمكن للعِشق أن يُضعِفنا ، يبعدنا عن مبادئنا ، يقودنا نحو الخطأ دون مقاومة منا ، أذلك العشق حقاً ؟ أيجِب أن تضعف إرادتي تماماً كي أعشقك ؟ لِم لا يكون حبّي لكَ قوة ، لم يجب أن تنهار قِواي حين ألاقي عيناك ، و يبتسم لي ثغرك ليغرِس في قلبي سِهام غمازتك المختبئة بخجل في خدّك ، تقترب منها عَبير ، الضيق واضح على معالم وجهها ، تجلِس أرضاً إلى جانبها و تقول بقهر : شهد ، مو لازم تكوني خجلانة من نفسِك كذا ! إنتِ ما سويتِ شي غلط إنتِ كان هدفك تحمي طارِق ، الناس تهتّم بالظاهر ما يعرفون ليش وقفتي مع المحقق ، وش تبي فيهم !
تنظر إليها بنظرات غير مفهومة ، تردف عبير : خلاص عاد لا تظلي قاعدة كِذا ، عارفة إن أبوي زعّلك بس هذا أبوكِ و لو مد إيده عليكِ وش فيها مو هو أبونا ؟!
أخذت نفساً عميقاً : أنا أستاهل اللي سوّاه أبوي ..
عبير و هي تعقد حاجبيها : شلون يعني ما فهمت !
شهد دون أن تنظر إليها : مو عشان موضوع يحيى ، عشان موضوع فهد ..
عبير بابتسامة : تقصدي إنك زرتيه أمس و كلمتيه بالجوال ؟ إنتِ ما غلطتِ كلمتيه بكل احترام ، ما له داعي تحسي بتأنيب الضمير ..
شهد بنبرة باكية : الموضوع ما وقف هِنا يا عبير !
عبير بخوف : شهد ! وش هالكلام ؟ شلون يعني ما وقف هنا ؟
تصمت فيزداد خوف عبير : شهد تكلمي ! وش اللي بينك و بين فهد أكثر من اللي أعرفه ؟
شهد : اليوم كنت رايحة أشوف ريحانة بنت بوخالد ، و أنا بالطريق راجعة شفت باب بيت فهد مفتوح و استغربت يعني قلت مين اللي دخل البيت و ليش تارك الباب مفتوح فدخلت ..
عبير : ايه ؟؟؟
شهد تبتلع ريقها و تردف : دخلت و لقيت فهد قاعد في الأرض و حالته غريبة كأنه متهاوش مع أحد ، و كان قاعد يدخن و يتفرج على صورته مع أبوه ..جيت قعدت قدامه و سألته ما قال شي بس قال إنه تعبان ، و كسر خاطري مرة ما تحملت أشوفه كذا ..
عبير : كملي ؟
شهد : مدّيت يدي على وجهه ، و لَمسته ..
عَبير تأخذ نفساً عميقاً : و بعدين وش صار ؟
شهد : بس ، قمت و خجلت من تصرفي و طلعت ، و رديت البيت ..
تتنفس عبير براحة : هالحين هذا اللي مخليكِ تقعدي تبكي ، خرعتيني قلت أكيد صار شي كبير !
شهد بخجل : بس اللي صار ماهو قليل يا عبير ، كان ممكن يصير شي أكبر ! ما كان المفروض أسمح إني أختلي معاه بروحنا !!
عبير : صحيح إنك تصرفتِ غلط لما دخلتِ البيت ، و قعدتي لما شفتيه بروحه بس لو ما كنتِ خايفة من ربنا ما كان تركتِ البيت ، و شعورك الحين بالذنب دليل كافي إنك تخافي ربنا ولا يمكن تخوني الأمانة اللي ربنا وصّاكِ عليها ..
شهد : هذا رأيك فيني ؟ يعني نظرتك ما تغيرت لي ؟
عَبير بحب تضغط فوق يدها : طبعاً ما تغيرت و مستحيل تتغير ، بتظلي أختي الكبيرة اللي أحبها و أفتخر فيها ..
شهد تحتضنها : ربي ما يحرمني منك .


،,

ليال متعبة تتوالى ، يدخل يحيى إلى المكتب مبتسماً و هو يحمِل صينية بين يديه ، دون أن يلتفت إليه أحد ، يقترب من طاولة عِصام ليضع فنجان القهوة عليها ، يرفع عِصام نظره إليه كأنه يتساءل عن سر تصرفه ، يرد يحيى بابتسامة ، يقترب من مكتب عزيز ليضع الفنجان الثاني ، يتنحنح إبراهيم بابتسامة و يقول : و أنا ابن البطة السودا ؟ مالي قهوة ؟
يحيى : إنتَ ما سمّعتني كلام يليّن الحجر ، " ينظر إلى عِصام " ، و ما ضربتني على وجهي قدّام الكل ،
إبراهيم : يعني حضرتك ما تيجي إلا بالعين الحمرا ؟
يحيى بضحكة : ههههههههه تقريباً ، الحين رضيتوا عني ؟ مو أنا مثل أخوكم الصغير ؟
عزيز باحتجاج : والله ، أخونا الصغير بعد ؟؟
يرميه بعلبة المحارم : لا تدقق إنتَ !
عزيز يضحك مع إبراهيم بنفس الوقت : ههههههههههههههههه ماشي خلاص سامحتَك يارب تنعدل !
يحيى يرفع حاجباً : صدق إنك ما تنعطى وجه !
يلتفت إلى عِصام الذي لم يبرح مكانه ، يقترب منه و يقول : عِصام ، أنا آسف .. عارف إني قللت احترام معاك ، ما كان قصدي ..
يرفع نظره إليه و يقول بلهجة معاتبة و هو ينهض من مكانه : حصل خير .. أنا رايح البيت ، سَلام ..
بخيبة يقول يحيى : مع السلامة ..
يخرج عصام من المكتب ، يتنهد يحيى و هو يرخي نظراته أرضاً ، يقترب منه إبراهيم و يربت على كتفه بحب : لا تزعل ، بكرا يرضى ..

،,

و لكنني أخاف ، هل إن أردت يوماً أن تحبني ، سأحتاج إلى واسطة لتبوح لي بحبك ؟ ضربات قلبي لم تعد منتظمة منذ ذلك اليوم ، حين خذلتني ، لم يحزنني أنّك اختلقت عقبة في طريقنا ، بل ما أحزنني أنك خذلت قلباً ما وثق يوماً إلا بك ، إنني و إن كنت من قبل أتساءل كم من الورود سأنتظر في حياتي معك ، إلا أنني اليوم بدأت أعد كم من الخيبات سيحتمل قلبي بعد ؟ ينظر إليها بعينين تتساءلان عن سبب غياب ملامح الفرح عنها ، زمت شفتيها ، أخذت غرتها المزعجة إلى الجانب الأيسر من وجهها ، نهضت و ملامح وجهها تنبئ بالنهاية لتقول : ماني متأكدة إذا كنت أبيك أو لا ..
و لست متأكدة أيضاً من كلامي في هذه اللحظة ، أجازِف بقلبي يا سُليمان ، نهض الآخر مندهشاً : عَـروب ! شلون يعني ؟؟
تنظر إليه : لما قرر أخوي يأجل الزواج بآخر لحظة ، جاني و كان خايف إنك تتأثر بقراره ، قلتله إن سليمان عاقل و مستحيل يسوي هالشي ، بس إنت صدمتني بقرارك ، و الحين بعد ما عرفت جيهان بالتأجيل أكيد اهية كلمتك و طلبت منك ما تأجل ، أنا مابي واسطات في علاقتنا يا سليمان ، ماني مستنية أي أحد يقنعك فيني !
سليمان : منو قال إني ماني مقتنع فيكِ ؟ متى قلت أنا هالكلام ؟ أنا أبيك و ماني مستني من جيهان أو غيرها يتوسطون عشان أتزوجك ، أنا أخذت هالقرار بلحظة تسرع ، ممكن تكون جيهان نبهتني لتسرعي ، بس المسألة مو مسألة اقناع مثل ما أنت مفكرة !!
عروب : و منو عارف لحظة هالتسرع كم مرة ممكن تتكرر بحياتنا ؟ أنا ماني مضطرة أعيش معاك بخوف إنك ممكن خلال لحظة تسرع تظلمني ! بكرا لا صار أي مشكلة بين إبراهيم و جيهان رح أظل خايفة إنك تعاقبني بسبتهم ..
يُمسك بيدها : ممكن تجلسي شوي ؟
تنظر إليه بعتب و توتر ، تجلس فيقول : عروب ، إنتِ عارفة سليمان ، و عارفة إني ماني ظالِم ..
عروب : كنت أتوقع نفسي إني عارفة سليمان ، بس طلعت غلطانة !
سليمان : وش آخرة هالكلام ؟ أنا مابي زواجنا يتأجل ،
عروب بعد تفكير لم يدم طويلاً : زواجنا لسا عليه وقت ، اتركني أفكّر .. اللي صار آخر مرة غير شغلات كثيرة ..
نهضت متجهة إلى باب المجلس : عن إذنك تعبانة شوي ..
لاحقتها عيناه حتى خرجت ، تأفف في داخله ندماً ، هل بدأت بدفع الثمن ؟


،,

غرفة مظلمة ، نور خافت يقبع في زاويتها ، تجلِس حسناء على كرسي خشبي في وسط الغرفة ، تتصفح جوّالها بهدوء ، حتى دخل رجالها ، أو رجال والدها كما تسميهم ، ممسكان برجل مقيّد اليدين ، فمه مغلق بلاصق سميك ، يفتك الخوف في جسده ، الذي ارتخى براحة حين رآها تتقدم منهم مبتسِمة ، تقول لرجالها : ربطوه على الكرسي ..
تتسع عيناه مما سمع ، ما يؤكّد لحسناء ظنونها فتتسع ابتسامتها أكثر ، يُحكمون وثاقه على الكرسي ، ثم يقف كل منهم على حِدة منتظرين أوامرها ، تقترب و تنزع اللاصق عن فمه بقوّة ، تجلِس أمامه و هي تلف قدماً فوق الأخرى و تقول : اللي بعثك عندي ظلمك ، ما قالك من هي حسناء ..
يعقِد حاجبيه ، يتساءل بالإيطالية : أنا لا أفهم كلامك !
تضحك بصخب : هههههههههههههه ، طيب ، خلاص انتهى المزح و بدينا بالجد .. لغتك الإيطالية كويسة ، يعني تقدر تضحك فيها على واحد عربي ، بس مو علي ، أقدر أميز الإيطالي من العربي ..
يبتلع ريقَه ، جبينه يلمع في وسط الظلام من قطرات عرق تتصبب بخوف على وجهه ، يستمر في صمته ، تهزّ حسناء رأسها : قول لا تخاف ، منو إنت و منو اللي بعثك علي ؟ و ايش اللي كنت تبيه مني ؟
يعم الصمت المكان ، يصر أكثر على عدم الكلام ، تقول حسناء : مممممم ، مع إني ما كنت حابة إنك تجرب هالشي معانا من أول زيارة ، بس واضح إنك ما تتكلم إلا بالعصا ..
تصرخ و هي ترى في عينه الرغبة في الهرولة هرباً : يا بـدر ..
يدخل الرجل الطويل ، ذو العضلات البارزة ، يبدو أنه صمم ذاته خصيصاً بتلك الهيئة و البنية الرياضية الضخمة بعد تمرينات رياضية طويلة الأمد ، لذلك الغرض تحديداً ، انتفض مرتعباً حين رآه ، اقتربت حسناء من بدر ، قالت : هذا واضح إنه ما يبي يتكلّم بالذوق ، شوف شغلك ..
ألقت أمرها ، و نظرة أخيرة ساخرة له ، بثقة خرجت من الغرفة ، يزداد خوفه و هو يرى ذلك الرجل يتقدم منه ، يتحرك بعجز تام و هو ينظر حوله بريبة ، رجلين أمامه ينظران إليه ببرود ساخر ، غير مباليان بمقاومته الخاذِلة ، يصرخ و هو ينظر إليهم بغل : اتركوني ، شغلي مو معاكــم !!!

خارِج الغرفة ، تظهر ابتسامة جانبية على شفتيها و هي تسمعه يتلفظ العربية بكل طلاقة ، تتجه نحو سيّارتها ، و قد أتمت مهمتها ..
" مثل ما توقعت ، طلع كمين ، من واحد من أعداءك ، اللي علي سويته و الباقي عندك .. "

،,



تُخرِس صوت شهقتها و هي تضغط بكفها على فمها ، تحتشد الدموع في عينيها الخائفتين ، في الداخل ، ينهض من مكانه بعينين متسعتين ، يتساءل بدهشة : إنتِ قاعدة تمزحي ، صح ؟؟


،,




يصِل إلى الباب ، ما بين عجز يقتله ، و صدمات أنهكت قلبه ، يلتفت إليه ليراه واقفاً مستنداً إلى الحائط بإرهاق ، أشابته الخيبة تلو الخيبة ، كعجوز في السبعين من عمره ، ينتظر الساعة التي سيستسلم فيها ليرحل دون عودة ، قال بشيء من عتاب الذات للذات : يمكن لو كانت حياتَك أحسن من حياتي ، ما كنت احتجت مساعدة واحد عاجز مثلي ..


،,



انتهى


عارفة والله إنه قَصير ، و عارفة إني قصّرت معاكم الفترة اللي فاتت .. و بعد الإعتذار صدقاً هالأسبوع كان فُل بالنسبالي ما كان عندي متسع من الوقت لكتابة البارت ، حاولت يطلع بشكل جميل قدر المستطاع ، و اليوم ما تحركت من قدّام الشاشة لأكتب 20 صفحة في الوورد ، لهذا السبب اعتبرته تتمة للجزء الثامن ..

موعدنا بإذن الله الجمعة القادمة ، مع بارت طويل يرضيكم و يعوّض تقصيري ، الذي أسأل الله أن يعينني لكي لا يتكرر .. كان أهم شي عندي هو عدم التأخر عن يوم الجمعة في نشره ، أتمنى ينال إعجابكم و رضاكم .. و لي عودة في الغد للرد على جميع تعليقاتكم الجَميلة ..

نلتقي الجمعة بإذن المولى ..

طِيفْ!



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 15-12-19, 12:22 AM   #15

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

عَساكم بخير ،

بِسم الله نبدأ



الحب روحٌ أنتَ معنَاه ،
و الحُسن لفظٌ أنتَ مبنَاه .
ارحم فؤادًا في هَواكَ غدا ،
مُضنًى و حُمّاه حُميّاه .
تمّت برؤيتَك المُنى فحَكت ،
حُلُمًا تمتّعنا برُؤياه .
يا طِيب عيني حين آنَسَها ،
يا سَعدَ قَلبي حين نَاجَاه .


*جـُبـران


و في نَشوةِ العِشقِ صِرنا رمادا ، طِيفْ!

الجزء 9


أُدرِك تماماً يا صديقي ، أن الدنيا دوماً ما تجمع المتشابهين ، و لو لم أكن مثلك في ضعفِك و عجزِك هذا ، لما كنّا نجلِس الآن على نفس البقعة من الأرض ، إلا أنني لست متأكداً مما كنت سأفعل لو كنت مكانَك ، آخر ما أذكره هو أننا كنا متشابهين جداً في الخَيبة ، و قَسوة الدّنيا علينا ، لكنك بعد أن تغيّرت ، أتُراني أكسر مبادئي كما فعلت ؟ و لكنني لا أملك لك حلاً آخر ، فكَيف سأنجدك من السقوط في الهاوية ؟ كيف ألتقط كفّك التي تمتد لي لأنجيّك ، و كفّاي أنا مقيدان بحبل وثيق الرباط ؟
و أنا أعلَم يا طارِق ، أنّك ما كنت لتحتمل صفعة كتلك ، كيف تعرِف أنني غارِق بالخطايا إلى ذلك الحد ، إنّك منهك الآن ، أعلم ذلك ، فقد عشت شعوراً مشابهاً للتو ، لأخبرك يا طارِق ، لا تقلق ، ربما هي التجربة الأولى ، لكنّك ستواجه الكثير بعد ، فها أنا أمامك ، تلقيّت عدّة صفعات دون أن يرمش جفني ، لم تؤلمني الصفعات بل آلمني من صفعني ، إنّه أبي .. أيعقل أن يخيب ظني أبي ، أيعقل أن يرميني برصاص أفعاله ، و هو نائم في قبره دون حركة ؟ إنّه رصاص شديد القَسوة يا صاحبي ، يؤلمني كل يوم ، يمزّقني إلى أشلاء ، يتركني أنزف لساعات و ساعات ، لكنه لم يأذن لي بالموت بعد ، لم يتركني لألتقط حتى نفسًا أخيرًا ، لأعتذر لأمي ، عن كل ما فعلته ، و سأفعله ، و عن كل ما فعله أبي !

يصِل إلى الباب ، ما بين عجز يقتله ، و صدمات أنهكت قلبه ، يلتفت ليراه واقفاً مستنداً إلى الحائط بإرهاق ، أشابته الخيبة تلو الخيبة ، كعجوز في السّبعين من عمره ، ينتظر الساعة التي سيستسلم فيها ليرحل دون عودة ، قال بشيء من عتاب الذات للذات : يمكن لو كانت حياتَك أحسن من حياتي ، ما كنت احتجت مساعدة واحد عاجز مثلي ..
نصف ابتسامة متعبة تظهر بصعوبة على وجهه ، ساخرة منه و من صديقه اليائس ، يقترب طارِق منه ، يربت على كتفه : يمكن ما أقدر أخلصك من اللي تورطت فيه ، و يمكن ما أقدر أسويلك أي شي ، بس أقدر أنصحك ، لا تترك أمك يا فهد مهما كانت الأسباب ، لا تتركها بروحها و تكسرها ، و اعتبرني ما سمعت شي من كلامك ، اللي بيننا سر ما أحد يدرى فيه على موتي ، ما أقدر أساعدَك بشي ، غير إني مثل ما أنا ، موجود ، حتى لو عاجِز ، موجود معاك ..
يَضع فهد كفّه فوق كف طارِق ، يبتسم بإرهاق ، يرافقه ببطء حتى يصِل إلى الباب ، يخرج و يتركه وحيداً ، كم أصبحت أخاف أن أجلِس وحيدا ، إنها تلاحقني بذكرياتي و أوجاعي ، يقف أمام مرآته ، يسألها أهذا حقاً أنا ؟ إنني لا أعرفني ! يبتسم فتظهر لمعة ابتسامته في عينيه ، طيف ذِكرى شهْد ، قربها منه ، يمر في خاطِره الآن ، ليت كل الذّكرى كأنتِ يا شهْد ،

،,


الثانية و النّصف بعد منتصف الليل ، يدخل يَحيى ببطء و إرهاق إلى البيت ، و هو يفكّ أول أزرار قميصه ، يقترِب من الصّالة و هو يعلم أن والدته لا زالت مستيقظة كعادتها ، يطرق الباب و يدخل و هو يقول بخفوت : يمه !
تنهض من مكانها متلهفة ، تقترب منه : هلا حبيبي الحمدلله عالسّلامة يا بعد قلبي !
يبتسم بحب و هو يقبّل يدها : يمه مو كلمتك عالجوال و قلتلك بتأخر ؟ ليه سهرانة ؟
أم يحيى : ما جاني النوم يا يمه و إنت مو في البيت .. " تتسع عيناها و هي ترى تلك الكدمة على وجهه ، تمتد يدها و هي تقول بخوف : " يحيى ! وش ذا وش صايرلَك ؟؟ أنا عارفة قلبي قال لي إنه بيصير معاك شي !
يضحك : هههههههههه يمه هدّي روحِك ! ما في شي ، تهاوشت مع عِصام ..
أم يحيى بغضب : و منو هذا عِصام و ليش مسوي فيك كذا ؟
يحيى : مسؤولي في الشغل ، أنا عصّبته ، بعدين عادي ما فيها شي هذاني قدّامك بخير !
تضغط عليها بإصبعيها ، السبابة و الوسطى ، يتجعد جبينه متألماً ، تتساءل : تآلمـك ؟
يضع يده فوق أصابعها ليبعدهما بهدوء : ايه يمه شوي ..
أم يحيى : هذي يبيلها ثَلج ، بجيب ثلج و بحطلك فوقها ..
يحيى : لا لا يمه ما أبي إلا أنـااام و أرتاح ، ما عليكِ منها يومين و تروح ..
أم يحيى : طيب يمه يا حبيبي ما تبي تتعشى ؟
يحيى : لا يمه أبي أنام و بس و إنتِ بعد نامي .. تصبحي على خير ..
أم يحيى بهدوء : و إنت من أهل الخير ..

يتجه لغرفته بتعب ، يدخل و يقف أمام المرآة ، يتحسس مكان الكدمة بألم ، يمر طيف شهد و هي تسخر من وجهه ، يبتسم و هو يستذكر ما قالت ، يعلم أخيراً أنها قصدت أن الله قد اقتص لأخيها طارِق منه بعد أن ضربه ، طيف شهد ، يمر اليوم في بال أكثر رجلين بائسين في هذه الأرض ، يرسم ابتسامة يتيمة على وجهيهما ، كليهما كان الأب هو سبب بؤسهما ، لكن الفَرق أن يحيى لا زال يعيش الخدعة ، يظن نفسه مجرد محقق في تِلك القضيّة ، و لم يعلم بعد ، أنه أحد أهم أطرافها !

،,

نَفث أنفاسه بخوف ، يبتلع ريقه المختلط بالدم ، ينظر حوله و هو يحاول توقّع مصيره ، يقول عمر الجالِس أمامه : كمّل ، و ليش يعقوب ساوى كِذا ؟
راشِد : كان يبيني أبلّغ الشرطة ، و أقول لهم عن الكمين ، و المكان اللي بيصير فيه التسليم ، و بكذا يقضي عليك و عليها ، و اهوة يحتل الساحة بروحه ..
تظهر ابتسامة جانبية ساخرة على وجهه : ما يعرف إن هالشغلة ماهي شغلته ؟ و مهما حاول ينجح مثلنا ما يقدَر ؟ أتوقّع لازم تنبهه ، كونَك تشتغل عنده أكيد تهمك مصلحته ..
راشِد بتعب : أنا مالي علاقة بكل شي صار ، أنا مجرّد رجال يشتغل بأجرته عند يعقوب ، اهوة يأمرني و أنا أنفذ ! مالي علاقة تعاقبوني !
عمر : إنتَ عارف اللي يحاول يقرّب من بنتي أو يفكر حتى تفكير إنه يأذيها ، أنا وش بسوي فيه ؟
يصمت ، بجسد مكبل من جميع أطرافه ، غير قادر على الارتعاش ، قلب غير قادر على الارتجاف خوفاً ، يُردِف عمر : الحين أكيد معلمك منتظر منّك مكالمة ، علشان تبلغه إن المهمة تمّت بنجاح ..وين جوّالك ؟
راشد بهدوء : أخذوه مني الشباب ..
يقترب أحدهم من عمر ، يمد له الجوّال : تفضّل معلم هذا جواله ..
عمر و هو يفتح الجوّال ، يترقبه راشد بنظراته ، يضغط على رقم يعقوب للاتصال ، يمد له الجوال ليتحدّث ، يأخذه أحد رجاله و يضعه على أذن راشد ، بعد ثوانٍ ، يأتي صوت يعقوب الهامس ، يتحدث بلهجة ممتعضة : وينَك إنت كل هالوقت وين اختفيت ؟
يتنفّس بسرعة و خوف ، لا يعرف ماذا يقول ، يعقد يعقوب حاجبيه و يتساءل : راشِد ! وش فيك تكلّم ؟ أنهيت اللي طلبته منك ؟
يُشير عمر للرجل ، ليبعد السماعة عن أذن راشِد و يعطيه الجوال ، يأخذه ، يتنحنح و يقول : شلونَك يا يعقوب ؟
يتجمّد لسانه ، تجحظ عيناه ، يُردف عمر : مو حرام عليك اللي سويته بهالمسكين ؟
يعقوب : منو انت ؟
عمر بضحكة : عالأقل نبهه ، قول له إن العالم اللي جاي يحاول يوقعهم ، مو سهلين ، يعني الحين هاين عليك اللي صاير فيه ؟
يعقوب : وش اللي تبيه ؟
عمر بلهجة جدية : شوف يا يعقوب ، صارلك أكثر من مرة تحاول توقف بطريقي و تتحداني ، و كل مرة تفشل و إنت عارف إنك منت قدي ، و الطريق اللي قاعد تحاول تمشي فيه مثلي ، ماهو طريقك ، يا ليت تقتنع بهالشي لأنك قاعد تضيع وقتك و وقتي ..
يُغلق من جهته الخط دون أن يرد ، يلقي جواله جانباً ، بغيظ و هو يضغط على أسنانه : و بعدين معاك يا عُمر ، بعدييين !!

في الجهة الأخرى ، يبعد عمر السماعة عن أذنه ، تظهر ابتسامة شامتة على وجهه ، يقول لراشد : شفت ؟ عرف إنّك معانا ، و تخلى عنّك ، حتى ما طلب مني أتركك !
راشِد : الحين وش تبون مني ؟ كل شي تبونه عرفتوه ! اتركوني الحين .
عمر : والله يا راشد مثل ما يقولوا ، دخول الحمام ماهو مثل خروجه ، تكلّم بنتي و تحاول توقّعها و تسلمها للشرطة ، و تخرب علي شغلي و حياتي ، و تبيني بهالسهولة أتركك ؟ إذا معلّمك يعقوب ما سأل عنك ، و ما يبيك ، إحنا نبيك !
تتسابق أنفاسه الخائفة ، يتساءل : وش تبون مني ؟
يترك كرسيه ، ينتصِب واقفاً و هو يتنقل بنظراته بين رجاله الواقفين منتظرين أوامره ، يقول : الحين مبدئياً راح أتركك ترتاح مع الشباب ، و تاكل و تشرب و تنام ، بعدين نتكلم و نتفق ، " يقترب منه ، ينحني بجسده و يقول بلهجة مستفزة : " أحلام سعيدة يا حلو !
يخرج من عنده ، راحة غريبة تسري في جسده ، في كل مرة تثبت له حسناء ، أنّها بالفعل ابنته ، القوّية التي لا تُقهَر ، لولا أنها تقِف في وجهي دائماً ، تعاندني ، تتمرّد كثيراً ، إلا أنني سعيد ، فخور جداً بالقوة و الذكاء اللذان منحتها إياهما ، نجاحي الأعظم في الدنيا ، هو حسناء ، يقود سيارته و هو شارد يفكّر فيها ، يزداد إعجابه بها يوماً بعد يوم ، قوية ، معتدة بنفسها ، لا يمكن لأي كان أن يكسِرها ، ابتسامته لا تفارق وجهه و هو يحدّث ذاته عنها ، يصطف أمام المنزل ، تتسع ابتسامته أكثر و هو يرى نور الصالة المضيء ، ينزل متلهفاً ، يتقدم بخطوات متوازنة داخل المنزل إلى صالة الجلوس ، حيث تجلِس حسناء ، تتابع التلفاز ، بحركة فاجأتها ، تجعلها تنتفض في مكانها ، يضغط والدها بكلتا يديه على كتفيها ، يقبّل رأسها من الخلف ، تلتفت إليه ، و تنظر باستغراب ، يقول بفخر : هذي هي بنتي ، كل مرة ترفعي راسي أكثَر ..
تبتسم ابتسامة لم يعرف إن كانت تسخر بها منه ، تنهض من مكانها و تقول : و إنتَ كل مرة تخيّبني ..
تختفي ابتسامته عن وجهه : رجعنا لنفس الموضوع ؟
تكتّف حسناء يديها : كلّمتني ريم ، تدري كنت متوقعة بعد الكلام اللي صار بيننا إنك تتأثر و تغير رأيك ! بس للأسف قاعِد تصدمني !
عمر : هذا الموضوع له حسابات ثانية ، مو كل شي لازم تكوني عارفة فيه !
حسناء : وش اللي مو لازم أكون عارفة فيه ؟ اللي أعرفه إن هذا طفلك و هذي أمه و زوجتك ، شلون تقدر تسوي فيهم كذا ؟ طيب إذا ما تبي تربي هالطفل اترك الحرمة تربيه بروحها !
عمر بتذمر : إنتِ ما تعرفي تشوفيني رايق ؟ لازم تعكريني ؟
خطوات ناعمة ، ليست غريبة على مسامع أذنيه ، تقترب ، كأنه يمنع نفسه عن الالتفات ، حتى يسمع صوتها من خلفه تقول : أخيراً شرّفت ؟
يجيب بحدة : إنتِ وش جابك هِنا ؟ مو قلت ما تبي تردي البيت ؟
ريم ، و هي تقف أمامه : هالبيت بيتي ، مو مرحب فيني في بيتي ؟
عمر : برحب فيكِ ببيتِك بس بدون هالبلوة اللي حاملتها ..
تتكتف و تقول : أنا مابيك ترحب فيني ، أبيك تتركني أعيش بروحي و أربي ولدي بروحي ، مابي منك شي ..
يرفع حاجباً : أجل ليش جاية ؟
ريم : لأنك مجبور تتحمل مصاريفي و مصاريف هالولد ، أبيك تفعّل حسابي فِـ البنك و مصروفي يوصلني كل شهر ،
عمر بسخرية : و إذا قلت لك طلبك مرفوض ؟
حسناء تتدخل لتقول بحدّة : هذا مو طلب عشان ترفضه أو توافق عليه بكيفك ! هذا واجبك !
عمر : قاعدة توقفي معاها ضد أبوكِ ؟
ريم بابتسامة ، تقاطع حسناء قبل أن تجيب والدها : معلش حسنا ، خليكِ برا الموضوع ، شوف يا عمر معاك يومين ، إذا حسابي ما تفعّل ، و ما أرسلت لي مصروفي ، راح تخليني أضطر أتوجه للمحاكم ، و هالشي ما راح يكون في صالحَك ..
عمر ، ينظر إلى حسناء : شايفة اللي قاعدة تدافعي عنها ؟ قاعدة تهددني !
ريم بحدة : قلتلك خلي حسنا برا الموضوع ، اللي عندي قلته ، أنصحك تشوف محامي من الحين إذا كنت تبي تعانِد ..
تُعطيه ظهرها متجهة للباب ، تعلم جيداً مدى قَسوة النظرات التي يرمقها بها ، إلا أنه لا يعرِف أن نظراته تِلك لم تعُد تخيفها ، ذلك الجنين رغم صِغره المتناهي ، إلا أنه بدأ يمدّها بقوة كافية لتجابه عمر و كل من يقف إلى جانبه ،،

،,

صباح الأحد ، دون أن تشعر بها مريم ، تتقدّم بخطوات هادئة جداً نحو المطبخ ، بعد أن تأكدت من خروج ابنها ، تقف مريم مُعطية ظهرها للباب ، تقول أم عِصام بنبرة حادّة تفزع مريم : وين عصام يا مريم ؟
مَريم بجزع : بسم الله !
أم عِصام و هي ترفع حاجبها الأيسر : شايفة جني ؟؟
مَريم : لا عمتي مو القَصد ، بس ما حسيت لما دخلتِ ..
تجلِس على الكرسي ، و هي تضع كفّيها فوق بعضهما : طبعاً ما راح تحسي ، من متى كان عندك إحساس ؟
تعقِد حاجبيها ، للمرة الأول تحدّثها بتلك اللهجة ، تبتلع ريقها : وش تقصدي عمتي ؟
أم عِصام : لو كان عندك إحساس كان ما زنيتي براس ولدي عشان يخبي عني سالفة مرضك ، و ما كان رضيتي تحرمي ولدي الضنا عشان أنانيتك !
ترتبك شفتيها ، بلهجة مرتجفة : أنا ماني عارفة عن إيش تتكلمي ؟
أم عِصام بغضب : لا تسوي نفسِك مو عارفة شي ! أنا سمعت كلامك إنتِ و جيهان أمس ، و عرفت إنك ما تجيبي عيال و إنك مخبية عني إنتِ و عصام ..
ينحني رأسها بخجل ، تُردف أم عصام و هي تقف : مو مزعلني إنّك ما تجيبي عيال كثر مو مزعلني إنكم خبيتوا عني ، ليش خبيتوا عني جاوبيني ؟؟
مَريم ، تفرك يديها بتوتر : عمتي ، عصام قال لي مو وقته و قال لي أتعالج و إذا ما كان فيه أمل ذيك الساعة نقول لك ..
أم عِصام : لا تحطيها بظهر عصام هالحين ! أنا عارفة إنك إنتِ اللي زنيتي ع دماغه !
مريم : أنا خايفة ، خايفة يتزوج علي ..
أم عِصام : ثلاث سنوات متزوجين و ما شفنا منك شي ، و يطلع العيب منك و تبيني ما أزوج ولدي و أشوف عياله ؟
احتشدت الدموع في عينيها : العيب مو مني هذا شي بايد ربنا مو بايدي !
أم عصام : ما قلنا شي و النعم بالله ، بس تصرفك هذا أثبتلي سوء نواياكِ ..
تنظر إليها بعينين متسعتين : سوء نواياي ؟؟ عمتي ليش قاعدة تكلميني كذا ؟
أم عصام : شلون تبيني أكلمك ؟ بعد ما عرفت وش ناوية عليه مع ولدي ؟ شفتيه رجال طيّب تبي تستغليه و تحرميه الضنا ؟؟
مَريم بلهجة باكية : أنا أحب عصام و مستحيل أفكر أأذيه أو أستغله !
أم عِصام بسخرية : والله هذا الكلام ما يمشي علي ، شوفي يا مريم أنا ما راح أرضى إن عصام يطلقك لأني ما أرضى هالشي لبنتي ، بس لمعلومك ، أنا من اليوم راح أشوفله عروس ، و برضاكِ أو بدونه عصام بيتزوج ، عاد الحين الطابة في ملعبك ، حبيتي تظلي يا هلا و مرحبا ، ما حبيتي إنتِ حرة ..
احترقت وجنتيها بملوحة دمعها : هذا القرار راجِع لعصام ، عصام يبيني ما يبغى يتزوج علي ، لو يبي يتزوج علي كان بلغك بمرضي ..
تَرفع يدها ، تصفعها على وجهها صفعة تفاجئها : صِدق إنك قليلة أدب قاعدة تجاوبيني ؟؟ و تبي تحرضي ولدي ما يسمع كلمتي ؟
تمتد يدها لتتحسس مكان الصفعة ، تنظر إليها بألم و الدموع توالي احتشادها في عينيها الواسعتين ، تخرج دون كلمات ، بينما تنفث أم عصام أنفاسها و هي تتمتم : استغفر الله العظيم يا ربي ..

،,

عالم جديد يدخل إليه ، يمشي بثبات ، نظراته تأخذ جولة في الشركة التي سيصبح موظفاً فيها ، دقائق من الحلم يقتلها الواقِع تمر في عقله المشوش ، لو كنت أزور هذه الشركة ، دون وساطات ، دون أن أتورط ، أعلم جداً حقيقة تواجدي هنا ، إدراك الحقيقة مؤلم جداً ، أستغفل ذاتي جداً ، لِم لَم تتاح لي فرصة كهذه من قبل ؟ لم أكن أعرف حتى بوجود هذه الشركة فوق كوكب الأرض ، فقط لأنني أنتمي إلى طبقة أخرى ، و واقع آخر ، حُكِم علي أن أدفَن حيّاً في أرضي التي لم تُرحب بوجودي ، كان علي أن أكون شخصاً آخر ، و ابن شخص آخر ، لأستطيع أن أحلم ، و أن أصِل ، فإن الحلم ، حتى الحلم مشروط بشروط أوّلها جيبك ، و ما تملك بداخله ! بتجاهل لنظرات الموظفين ، الذين عرفوا أنه الموظف الجديد ، متعجبين من آثار الكدمات على وجهه ، يتقدّم نحو مكتب الإدارة ، يطلب من السكرتاريا الدخول ، بعد أن يعرف بنفسه ، يطرق الباب و يدخل ، إلى رجل يرتدي دشداشه الأبيض ، يجلِس خلف مكتبه بوقار ، ترجمت الحياة على وجهه كل ملامح النعم التي لم تكن موجودة في وجه فهد ، استطاع أن يرسم ابتسامة زائفة على وجهه ، يتقدم و يقول : السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته .. حضرتك السيد نَعيم العَتيق ؟
نَعيم بجمود : نعم ، و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، تفضل اجلس ..
يجلِس فهد ، يبدو عليه التوتر و هو يشتت نظراته يميناً و يسارًا ، يتساءل نَعيم بصوت جهوري : عرّفني بنفسك ؟
فهد : أنا فهد ، فهد مشعل شهران ..
نَعيم : عارِف ، غيره ؟
فهد بنصف ابتسامة : كل معلوماتي عندَك في السي في ..
يرمقه بنظرة ، يقرأ السي في بعينيه بصمت ، يرفع نظراته إليه بعد ثوانٍ ، يقول : عارِف يا فهد ، لو ما كان سُلطان وراك كان مستحيل أوظفك ..
يرفع حاجبه الأيسر : و ليش ؟
نَعيم : إذا مقابلة عمل مو عارف تسوي ، قاعد أسأل تقول لي معلوماتي عندك ؟ يعني ماني عارف أنا ؟ إنت أول مرة تسوي مقابلة ؟
يأخذ نفساً عميقاً ، يُردِف نعيم : اللي يسألك بالمقابلة عن اسمك و شغلك و تخصصك مو لأنه مو عارِف ، بس يبي يشوفَك شلون تتكلم ، ثقتك بنفسك و كل هالشي ما يبين بالسي في ..
فَهد : ما كنت عارِف نفسي جاي أقابل ، على بالي توظّفت و خلاص ..
نَعيم : أنا مدير هالشركة بس ماني صاحبها ، و في مجلس إدارة في الشركة ، لو وظفتك بدون مقابلة عالأقل شكلياً قدامهم ، بيصير مشاكِل ..
فهد ببرود : آها ،
يترك نعيم مكتبه ، يتقدّم نحوه و هو يمد يده للمصافحة : أهلاً و سهلاً فيك بيننا ، تقدر تستلم شغلك بقسم المحاسبة ..
يُصافحه فهد ، يتساءل نعيم و هو يعقِد حاجبيه : في كمان شي مو مكتوب بالسي في ..
فهد : وش هو ؟
نَعيم : هالعلامات اللي في وجهك مو مكتوب عنها شي ..
يَضحك فهد ، تظهر غمازته و يقول : ما في شي ، عَلقت أمس مع شباب ، أكلنا اللي فيه النصيب ..
نَعيم يهز برأسه : مشكلجي بعد ، وش هذا اللي جايبه لنا سلطان !
تختفي ابتسامة فهد ، يرن جوّال نعيم و المتصل سُلطان ، يقول نعيم : طيب ، الحين يدلوك على قسمك و مكتبك ، روح باشِر شغلك ..
يخرج فهد و هو يحدّث ذاته متسائلاً عما تخفيه له الأيام ، أصبحت حياته أشبه بفيلم مغامرات غامض جداً ، لا يعلم ما سيحدث له في الغد ، كأنه يقِف قدماً في الحياة و قدماً في الممات ،
بعد خروجه ، رد نَعيم على مكالمة سُلطان : يا هلا و غلا بأبو يحيى ..
سُلطان : شلونك يالحبيب ؟
نَعيم : الحمدلله بألف خير ، ياخي وش هذا اللي جايبه لنا ، والله لولا معزتك فلا بوظفه عندي ..
سُلطان : ليش ساوى شي يسوّد الوجه ؟
نَعيم بضحكة : لا ما لحق توه رايح لمكتبه ، بس واضح إنه ما عنده خبرة ..
سُلطان بعتب : من وين بيجيب خبرة إذا هالشركات ما ترضى توظف إلا اللي بخبرة ، لازم يشتغل عشان يصير عنده خبرة ..
نعيم : ما قصدت كذا ، بس حتى بمقابلات العمل ما عنده خبرة !
سُلطان : الولد هذا مسكين و ما أخذ فرصته بعد ما تخرج ما لاقى وظيفة ، اهوة ولد سايق نعرفه و المسكين توفى و ماله وصية غير ولده ، عشان كذا نبي نساعده بمعيتك ، تكسب فيه أجر و تتحسن أحواله و أحوال أمه المريضة ..
نعيم : على كل حال راح نوظفه 3 أشهر كتجربة ، و بعد كذا بنشوف و بنثبته إن شاء الله ..
سُلطان : ما يبيلك توصية يا نعيم ،
نَعيم بابتسامة : ولو ، بعيوني إن شاء الله ..
سُلطان : ربي يسعدَك ، يلا مع السلامة ..
أغلق الخط ، من جهته ، ابتسامته المعتادة تظهر على وجهه ، يفتح جواله مجدداً ليتصل بشريكه ،

ثوانٍ ، جاءه الرد من عمر ليخبره بآخر المستجدّات ، عمر بامتعاض : شلون تسوي كذا من غير لا تسألني ؟
سلطان : الولد بدأ يتمرد علينا ، و صار يحطلنا شروط ، و كان لازمه نربيه !
عمر : احنا نبي نكسبه معانا ، مو نضيعه بهالتصرفات ، ما كان لازم تتصرف من دون ما تكلمني ، و سالفة ياسمين اتفقنا إنه مو وقتها الحين ،
سُلطان : أنا ماني بزر عمر ! عارف وش قاعِد أسوي ، اللي سويته خلاه مثل الخاتم فـ اصبعنا ، تبيه كل شوي يقول هاتوا فلوس و هاتوا فلوس ؟ و يهددني بولدي بعد ؟ إنت إيدك مو فـ النار ،
عمر ، يأخذ نفساً عميقاً ثم يقول : إن شاء الله ما تندم على تسرعك ، يعني فهد داوم في الشركة ؟
سُلطان : ايه نعم ، قبل شوي كلمت نَعيم و وصيته عليه ،
عمر بلهجة تحذيرية : بس أهم شي ، ما نبيهم يحسوا أو يشكوا بفهد ، عشانَك ، إذا عرفوا راح يقولوا هذا وش بينه و بين عمر ..
سُلطان بابتسامة جانبية : من وين بيعرفوا ؟ مناقصة و خسروها من وين راح ييجي عَ بالهم إن في جاسوس بالشركة ؟
يهز رأسه بتأييد : عسى خير ، طيّب ، خليك ع تواصل معاي ولاا تصرف بشي قبل لا تتصل فيني .. مع السلامة ..

يُغلِق الخط ، يلتفِت ليكمل أعماله ، شيء ما يدور في رأسِه ،


،,


تتنهّد بحيرة و هي ترى اسمها يُنير شاشة جوّالها ، تعرف تماماً ما سيكون خلف هذا الاتصال ، تردد لم يدم طويلاً حتى ردت بصوت مهموم : هلا جيهان ..
جيهان : شلونها عروستنا الحلوة ؟
تلجم لسانها كلمتها ، تمتنع عن الإجابة ، فتردف جيهان : سليمان قال لي إنك مزعلتيه .. صحيح هالكلام ؟
عَروب بانفعال : فوق اللي ساواه معاي ، زعلان بعد ؟ منو اللي لازم يزعل من الثاني ؟
جيهان : عروب ، أنا عارفة إن سليمان تصرف غلط لما قال إنه يبي يأجل العرس ، بس إنتِ شايفة إنه تراجع عن هالخطأ ، معقولة تقولي إنك مو عارفة إذا تبيه عشان مشكلة صغيرة زي كذا ؟
عَروب : لو ما كلمتيه ما كان بيتراجع ، بعدين الموضوع ماهو مجرد زعل لأنه أجل الزواج ، إنتِ قادرة تكوني طبيعية مع إبراهيم بعد ما أجل زواجكم بآخر لحظة ؟
بلهجة تعتريها الهموم : اللي بيني و بين إبراهيم شي ثاني تماماً ، إنتِ و سليمان تحبون بعض و ما في شي يوقف بطريقكم ..
عَروب : لا تزعلي مني يا جيهان ، بس سليمان اتضحلي إنه لا يؤتمن جانبه ، شلون بأمن أتزوج من شخص قدر يخلي شي مالنا علاقة فيه يأثر على علاقتنا ؟ شلون بأمن إن هالشي اللي صار ما راح يتكرر ؟
جيهان : سليمان شخص واعي ، و هالتصرف بدر منه بلحظة تهور ما فكّر فيها ، و مستحيل يتصرف بتهور بعد ما تصيري عنده في بيته ، إنتِ عارفة إن الشباب أحياناً يتصرفون بتهور خاصة لا كان الموضوع يخص خواتهم ، لا تلوميه ..
عروب : ماني قاعدة ألومه ، بس عالأقل أعطوني حقي إني آخذ موقف من تصرفه ، عالأقل عشان يتعلّم ما يكرره مرة ثانية ، لو سامحته بسهولة على هالشي ، بيكرره بسهولة مرة و اثنين و عشرة بعد !
تنقل جيهان سماعة الهاتف إلى أذنها اليسرى : بس عرسكم مو باقي عليه شي ، ما فيه وقت للتفكير و مابي اللي صار معاي يصير معاكِ من غير شر !
تلقي تنهيدة طويلة ، ثم تقول : لا تخافي ، خلال هاليومين بردله خبر ،
جيهان بصوت مُنكسر : نتكلم بعدين ، سلام ..

تُغلِق الخط ، تلتفت إلى جدتها الجالسة إلى جانبها ، تنظر إليها بحيرة ، تتنفس بعمق و هي تشتت نظراتها بعيداً عن أعين جدتها ، التي تقول : مو كافيكِ همومك ، قاعدة تحملي هموم الناس معاكِ ؟
جيهان و هي ترخي نظراتها للأسفل ، تقول بخفوت : هذولا الناس مو غرب ، أخوي يا جدّة ، خايفة عليه تخترب حياتي بسببي ..
تمتد يدَها بطيات الزمن ، تختبئ فيها حنيتها لتبعد خصلة غرتها عن وجهها : ما بتقولي لي وش اللي خلا إبراهيم يسوي فيكِ كذا ؟
تُمسِك بيدها ، تقبّلها بحب كأنها تتهرب من سؤالها ، إلا أن جدتها تصر ، فتكرر : وش اللي خلاه يسوي كذا ؟
جيهان بابتسامة باهتة : مدري ، صدقيني مدري ، كل اللي أعرفه إنه ما حبني ، وش أسوي هالشي ماهو بيدي ولا بيده ، ما حبني ..
تعقد حاجبيها : و يحبه برص ! شلون ما حبك إنتِ منو يشوفك و ما يحبك ؟
تضحك بخفة : ههههههههه ، تسلميلي أنا من دونك وش بسوّي ؟
الجدة ، بجدية و هي تحتضن رأسها : أناا ما أجاملك ، أقول الصدق ، ترى لو ما خاطِر زوج أختك عِصام كان في ألف واحد غير إبراهيم يتمنى ظفرك ،
تستمر في الضّحِك ، إلا أن اسماً لم يزر شاشتها منذ مدة ، يُنير شاشتها اليوم ليقطع عليها صفوها الذي تتعب كثيراً لتحصّله ، تقرأ عينيها الاسم عدة مرات ببرود ، تقول جدتها : صحيح إني ما أعرف أقرأ الكلام ، بس أقرأ لغة العيون ، هذا الحبيب صح ؟
تَرفع رأسها : حبيب شنو يا جدّة الله يسامحك بس ، عن إذنك ..
تُجيب في اللحظة الأخيرة ، بصوت خافت : هلا ..
إبراهيم : كنتِ نايمة ؟
جيهان : منو ينام لهالحزة ؟ كنت قاعدة مع جدتي ..
إبراهيم بلهجة كأنه يخجل من محادثتها و هو يعرف تماماً أن الخدش الذي تركه في قلبها لم يتعافى بعد : لا بس طولتِ لين رديتِ قلت يمكن نايمة .. شلونِك ؟
جيهان ببرود : بخير الحمدلله ..
إبراهيم ، يتلفت حوله و هو يرفع حاجبه الأيسر : ما بتسأليني شلونَك ؟
لم يسمع رداً على سؤاله سوى صوت أنفاسها الهادئة ، يُردف بسؤال آخر : ليش ما تتصلي فيني ؟
جيهان : و ليش أتصل ؟؟ بعدين حضرتك اللي مقطع عمرك اتصالات و زيارات ؟
إبراهيم بحدة : و ليش تتكلمي كذا ؟
جيهان بنفس نبرته : و شلون تبيني أتكلم بعد ؟؟ رجال غريب شلون تبيني أكلمك ؟
إبراهيم متعجباً : رجال غريب ؟
جيهان : راح تصير غريب قريباً ، ماله داعي نظل على تواصل دام إن هالزواج مصيره ينتهي ..
إبراهيم : إنتِ اللي قررتِ مصيره مو أنا ..
جيهان : لا تحاول تلف الموضوع و تحط العلل فيني ، بس عشان تبرر لنفسك و تبري ضميرك .. أنا ما قررت نهاية هالزواج إلا بعد تصرفك معاي يوم أجلت زواجنا ..
إبراهيم : وش أسوي ؟ قعدت معاكِ 4 شهور على أمل إني أحبك و أتقبلك ماا قدرت ، وش أسوي ؟
تُخرسها سهام كلماته ، تضغط على أسنانها لتمنع نفسها من إصدار شهقة باكية ، تحبس دموعها في محاجر عينيها بقسوة ، يُدرِك كلامه فيقول بخجل : جيهان أنا ما قصدت ..
بصوت متحشرج تحاول أن توزنه : لو سمحت لا عاد تدق علي ، ولا عاد أشوف وجهك إلين يوم الطلاق ..
إبراهيم : اسمعيني يا جيهان ..
تُغلِق الخط دون مقدمات ، تسمح لنفسها بالبكاء بعد أن تغلق باب غرفتها بمفتاحه ، يتعالى نحيبها و هي ترى كرامتها تهدر أمامه ، بجبروته و قوّته ، قَسوته التي تجعله يسحقها بكلماته دون تفكير و لو لثوان ، لم تمنع نفسك أبداً من إيذائي ،


يُتبـَع ...



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 15-12-19, 12:26 AM   #16

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



،,


ظهراً ، يتقدم بخطوات مترددة نحو البيت ، على عكس شخصيته التي تمشي بثقة ، اليوم هو في قمّة تردده ، لا يَعلم ما يشعر به حِيال سكّان ذلك المنزِل ، يشعر أنه قد ظلمهم في إيلاجهم بأمور ليس لهم بها ناقة ولا جمل ، إلا أنه يشعر أن طرف الخيط الوحيد المتعلق بقضيته ، سيجده بينهم ، يسري شعور غريب في جسده ، و هو يلاحظ نظرات الناس المتفحصة له كأنه مطلوب ، لا يعلم إن كانت تلك هي نظراتهم له منذ البداية ، أم أن أمراً استجد دون أن يعلم .. يطرق الباب ، و لم يعد يزرهم في بيتِهم سوى ذلك المحقق الكريه ، ذلك ما كان يخطر في بال شهد و هي تسمع صوت نقر الباب ، تلتزم مكانها و هي تبتعد عن نظرات والدها ، الذي يشعر هو الآخر أن الضّيف هو يحيى ، يرمقها بنظرة و يقول : خذي أمّك و ادخلوا داخل ، ما تتحركي من الغرفة مفهوم ؟
تحاول أن تتجاهل في ذاتها لهجة والدها ، تعامله الذي اختلف كلياً معهم ، تتشبث بيدها يد والدتها الضعيفة ، لتنهض بصعوبة عن الأرض ، تتحرك ببطء مع شهد نحو الغرفة ، يتحرك بعد ذلك والدها نحو الباب ليفتحه ، لم يفاجئه قدومه مجدداً ، لكن علامات الترحيب به لم تكن ظاهرة على وجهه هذه المرة ، الأمر الذي أدى إلى اختفاء ابتسامة يحيى و هو يشعر أنه بدا ضيفاً ثقيلاً على قلوبهم ، يقول بصوت جهوري : شلونَك عمي ؟
أبو طارِق بجمود : الحمدلله بخير ، تفضل ..
يشعر يحيى أنه قد أفسح له المجال للدخول على مضض ، يدخل بتردد ، الأجواء متوترة على غير عادتها ، دوماً ما كان يُرحب بوجوده صاحب البيت ، فما الذي يحدث الآن ؟ يدخل يحيى ، يجلِس على الكرسي و يقول و هو يخفي ارتباكه : كويس إنّك موجود ، جاي عشان أكلمك ..
يقترب أبو طارِق بصمت ، منتظراً يحيى ليكمل كلامه ، يُخرِج يحيى سيجارة من باكيته ، و كأن التدخين لا يحلو له إلا في بيتِهم ، يقول و هو يشعل السيجارة دون أن ينظر إلى أبو طارِق : قهوة وسط كالعادة ..
أبو طارِق بصوت مرتفع : اعذرنا يا سيادة المحقق ، ما فيه قهوة اليوم ..
يرفع يحيى نظراته المتسائلة إليه ، يرمقه بنظرات و كل ما يأتي في باله هو ذلك اليوم الذي وضعت فيه شهد الملح في فنجانه متعمدة ، هل عرف ؟ و ما الذي يجعله يحدثني بتلك اللهجة ، يبتسم يحيى ، يقول بمراوغة : إذا ما فيه قهوة عندكم بلا ، عادي ما في مشكلة ..
يجلِس أبو طارق أمامه و يقول : إلا فيه قهوة ، بس ما نبي نضيفك ..
يَرفع حاجبه و هو يسحب ابتسامته لتتحول إلى عبوس جاد : و السبب ؟؟
أبو طارق : سيد يحيى لو تبي مني شي بخصوص التحقيق ، يا ليت تكلمني و أنا أجيلك المكان اللي تبيه ، بس لو سمحت مابي أشوفك في بيتي مرة ثانية ..
في الداخل ، تستمع شهد إلى الكلام ، ترتسم ابتسامة على وجهها ، رب ضارة نافعة ، سأنتهي منك أخيراً يا حضرة المحقق ،

خارجاً ، بذات وضعيته يكرر سؤاله : السبب ؟
أبو طارق : أنا عندي بنات في البيت ، و دخولك علينا كل يوم ماهو أصول ..
يحيى بنبرة حادة : و منو اللي أساء لبناتك يابو طارِق ؟ شايفني قليل تربية ؟
أبو طارق : العفو ، بس لو عندك أخت ما ترضى إنها توقف و تكلم رجال غريب باب بيتها و الناس يطلعون عليها كلام طالع نازل ..
يحيى : متى وقفت مع بنتك ؟ بنتك اهية اللي تفتح الباب كل ما جيت ، و توقف و تأخذ و تعطي معاي ، ولا مرة حاولت أكلمها كانت تفتح أسألها سؤال ما تجاوبني ع قده ، اهية اللي كانت تكلمني مو أنا !
يصطدم أبو طارِق بحقيقة ما قال ، لم تكن مرة واحدة كما قالت شهد ، إلا أن صوتاً رقيقاً من الخلف يأتي ليدافع بحدته عنها : إنت إنسان وقح و ما فيك دم ..
يلتفت كليهما إليها ، والدها و هو يجحظ عينيه ، يقول من بين أسنانه : أنا ما قلت لك لا تطلعي ؟
شهد بغضب : شلون ما تبيني أطلع و أنا سامعة بأذني هالكائن يتبلى علي ؟ أنا لما وقفت معاك أول مرة فـ شنو كلمتك ؟ سألتني عن طارِق قلتلك ماهو موجود و ما يبي يشتغل معاك ، و قفلت الباب ، و ثاني مرة سألتني عن أبوي ، و آخر مرة قلتلك تمشي من هنا لأن طارق ما بيعديها على خير ، قول لي ، في شي ثاني كنت أكلمك فيه يا حضرة المحقق المحترم ؟ في شغلكم تتعلموا شلون تفترون على بنات الناس و تسودوا سمعتهم ؟؟؟
يحيى و هو يرخي نظراته : أنا ما أقصِد أسود سمعتك ، شايفتني ماسك الناس و قاعِد أتكلم عليكِ ؟ أنا قاعِد أدافع عن نفسي قدّام أبوكِ ،
شهد : ماهو محتاج تدافع ، ما يهمنا حسن أخلاقَك ، يهمنا لا عاد نشوف خشتك في بيتنا و تريّحنا منّك !
تظهر ابتسامة على وجهه ، يوجّه كلامه لوالدها : هذا مثال حي قدامك ، يأكدلك صدق كلامي .. على كل حال ، ما كنت حابب أغلبك بالروحة و الجية عالمركز بس دام إن هذا طلبك يا ريت تراجعنا بكرا ، و خليك دائماً تحت الطلب ..
شهد : مالك شغل بأبوي و أخوي ، و احنا مالنا علاقة بقضيتك ، اتركنا بحالنا عاد !
أبو طارِق بلهجة متوعدة : شهـْد ، ادخلي للغرفة ولا تتدخلي !
تتقدّم بخطوات ثابتة و هي تعرف تماماً ما سيكون ثمن تجرؤها عند والدها ، دون تفكير بالعواقب و تقول : شلون ما تبيني أتدخل و أنا شايفة شلون قاعِد ع قلوبنا و كأن الجريمة صايرة في بيتنا ؟؟ روح حقق مع فهد و عيلة مشعل احنا وش علاقتنا ؟؟
يحيى : واضح إن بنتَك يستهويها الكلام معاي ،
تنظر إلى أبيها الذي تشتعل عيناه غضباً منها ، تنتظر أن يتصرّف بحقه بعد الكلمات اللاذعة الي ألقاها لها ، لكنه لم يفعل ، بالطبع لن يفعل ، فإنني حتى و إن كان كلامي دفاعاً عن عائلتي ، ثورة لحقي و حقهم في حياة هادئة ، سيعتبره أي رجل في العالم تودداً له ، كما لو كنت لا أبحث في الدنيا إلا عن رجل متعجرف يلقيني بأسفه الكلمات ليُشبِع غرور ذاتِه ، ليُرضي شعوره بمركزيته في هذا الكون ، تقدّمت بحقد نحوه ، يقرأ في عينيها الثائرتين كُرهًا لم يستطع أن يحمله ، ظلّ يراقبها ببرود ، منتظراً صرخة والدها التي قد توقفها في مكانها ، لكنه لم يفعل ، لربما اعترف بضعفه عن مجابهة وحشية ذلك الرجل ، لربما شعر بحاجته إلى أنوثة ابنته لتحمي ذاتها و تحميه ، دون تردد ، و بحركة فاجأته لم يجعل لها في دماغه حسباناً ، رفعت يدها و صفعته على وجهها ، علّها تعلّمه كيف تثور على الأنثى أنوثتها ، كيف تشحذها لتُصبِح أشجع من فُرسان الزمن الغابِر ، فرسان الأساطير القديمة ، اتسعت عيناه كرد فعل فقير على تصرفها ، كان يود لو بمقدوره رد تلك الصفعة بصفعات ، إلا أن قانونه يقول ، لا رجولة لمن يضرب امرأة ، أفَمن الرجولة أن تضربها بكلماتك و تصفعها بلسانِك ؟ لَم تعتدي عليكَ بصفعتها ، إنها ترد عليكَ كما يليق ، إنها تدافع عن ذاتها بيدها الناعمة التي دخلت شجاراً مع لسانِك السليط ، و على الرغم من قوة اللسان مقارنة بيدها النحيلة ، إلا أنها عَرفت كيف و متى تستخدمها لتخرسك تماماً ، ينظر إلى والدَها ، لِم ينتظر منه الوقوف إلى صفه ضد ابنته ؟ ألمجرد أنها أنثى يجب أن يقف ضدها ؟ نظرات حادّة ، كانت آخر ما يملك قبل خروجه بمشاعر ، و أفكار تتَلاكم في عقله لتُنتِج صداعاً عنيفاً في رأسه ، ركب سيّارته ، لم أكن أعلم يومًا أنني سأكون ضحية للحيرة ، ما بين الاعتذار ، و الانتقام !


،,


المستشفى ، تستاء حالتها بعد انقطاع ولدها عنها ، فتاة يافعة تجلِس أمامها تواصل الليل بالنهار ، لم تعرف بعد أنها شريكة ، بل منافسة قوية جداً لها ، و أي منافسة ستستمر بعد موتِ زوجها ؟ لم تعد هناك منافسة من الآن ، إنها الرابحة حتماً أمام عجوز مريضة طريحة الفراش لسنوات ، تظهر ابتسامة صغيرة تؤلم شفتيها المتشققتين ، و هي تسمع تقرير الطبيب بعد أن يئِس من قدوم ابنها ، فَشَل كَلوي ، كانت كليتاي هن الشيء الوحيد الذي صمد ، و نجح حتى هذه اللحظة ، و الآن قدّمن استسلامهن أخيراً للفشل ، إنه الفشل الأخير ، المتبقي ، لأختتم به فَشل حياتي ، و زواجي ، و فشل أمومتي .. إلا أن كل أنواع الفشل تِلك لم تقتلني ، كانت تغرز السكاكين في أجزاء جسدي دون رحمة ، تتركني أعيش و أنا أنزف قطرات دمي يومياً ، ظلت روحي صامِدة ، لا بد أن أكون ممتنة للفَشَل الذي سينهي ذلك الألَم ، سيُجهِز علي ، سينقلني إلى جانِب زوجي الذي بات في الظلمة وحيداً لفترة طويلة ، صوته المختنق يناجيني ، حان وقت الاستجابة يا خَليلي ..
الطبيب ، يردِف و هو يتنقل بنظراته بين مريضته ، و ياسمين : الحل الوحيد هالحين هو غَسيل الكِلى ، لكن لازم نسويلك عملية نقل كلية بأسرع وقت ..
ياسمين : و شلون بنسوي عملية نقل كلية ؟
الطبيب : بالنسبة للمستشفى ننتظر متبرعين ، في ناس بعد ما تتوفى توصي بالتبرع بأعضاءها ، بس ما أخفيكِ هالحل موّاله طويل و ممكن تنتظر سنوات ، لأن في كثير ناس تنتظر كلية من قبلها .. إلا إذا كان فيه متبرع من العائلة أو أي شخص تعرفوه يتبرع لها بالاسم ، كذا ممكن يكون الموضوع أسهل ..
ياسمين : آها ، و أي أحد يقدر يتبرع بالكلية ؟؟
الطبيب : لا طبعاً ، في فحوصات و تحاليل ، لازم نتأكد من توافق الأنسجة قبل لا تتم عملية النقل ..
يلتفت إلى أم فهد موجهاً كلامه لها : لازم نحجزلك موعد في وحدة غَسيل الكلى ..
أم فهد ببرود : أبي أرد البيت ..
يتبادل الطبيب و ياسمين النظرات المندهشة ، يقول بعدها : بس حالتك للحين ما استقرت ، ما أقدر أخرجك اليوم !
أم فهد : مابيها تستقر يا دكتور ، أنا عارفة إن غسيل الكلى مثل الضحك على اللحى ، الفَشل الكلوي بداية الموت ..
الطبيب : لا تكوني يائسة يا أمي ، الله قادر على كل شيء ،، بعدين كثير من مرضى الفشل الكلوي تعافوا و تعالجوا و رجعوا لحياتهم الطبيعية ..
أم فهد بسخرية : حياتي الطبيعية انتهت من زمان يا دكتور ، أرجوك تخرجني أنا مابي أقضي أيامي الأخيرة في المستشفى ..
تقترب ياسمين من الطبيب الذي يقف حائراً أمام مريضته ، تهمس بصوت خفيف : دكتور تقدر تكتبلها على خروج و لا رجع ولدها أكيد اهوة بيقنعها بالعلاج ، حالتها سيئة لأنه بعيد عنها ..
الطبيب : حسبي الله و نعم الوكيل فالأولاد اللي يسوون كذا بأمهاتهم ، ما عنده قلب ؟؟؟ على كل حال راح أكتبلها خروج بس لازم توقعلي إنه ع مسؤوليتها ، لأنه لو حصل شي أنا بتحمل المسؤولية ..
تهز ياسمين رأسها موافِقة ، يخرج الطبيب ، تجلس ياسمين بجوار أم فهد : الحين بتوقعي إنك خارجة ع مسؤوليتك ، و برجعك للبيت إن شاء الله ..
أم فهد : أبي أرجع لبيتنا القديم ، مابي أرجع لهالبيت الكبير ، هذا مو بيتي ..
ياسمين : أي بيت ؟ أنا ما أعرف بيتكم القديم !
أم فهد بتعب : أنا أعرفه كويس ، خذيني بالسيارة و أنا أدلك ..
ياسمين ، بتردد : لا يا خالتي إنتِ ما تبي تضريني لو فهد درى بيسويلنا مشكلة !
أم فهد : هه ، فهد ؟ فهد لو سائل عني ما تركني يومين في المستشفى ولا سأل عني ..
ياسمين : خالتي ما تعرفي وش هي ظروفه أكيد في شي جبره يتأخر عليكِ ..
أم فهد و هي تنهض بصعوبة لتعتدل في جلستها : الظروف أكبر كذبة اخترعها الإنسان يا بنيتي ..
تلتزم ياسمين الصمت ، تُراقب عيناها الكهلتين ، و ما مر على ذلك الوجه المجعّد ، كل تجعيدة تروي حكاية من التعب و القَهر ، كلماتها لَيست تنبع من قلب عجوز أمية ، و كأن قلبها لا زال شاباً ، يتحدّث عنها ، عن رغبتها التي تحتضر في داخلها بالحياة ، تتحدث : الحين باخذك لبيتكم ، و بكلم فهد عشان يرد البيت و يشوفِك ..
أم فهد ، بغضب مُتعَب غير قادر على الظهور : ماني بحاجة وساطات عشان يتحنن علي و يشوفني ، ما كنت عارفة رغم كل هالسنين اللي عشتها ، إن الفلوس ممكن تغير الإنسان هالكثر ، كان ما يقدَر يغمض عيونه إذا كنت بعيدة عنه ، بعد ما صار معاه فلوس سافر و تركني أسبووع ، و هذا الحين يتركني في المستشفى حتى ما كلّف نفسه يسأل عن تحاليلي ، و الحين تبي تتواسطي لي عنده عشان يشوفني ؟ أبي أروح للبيت اللي كان فيه كل شي بَسيط ، و حلو ، و حقيقي .. أبي أروح لبيت مشعل .
ينتفِض قلبها و هي تسمع ذِكر مشعل على لسانها ، شيء ما يتغير في داخلها فورًا حين تسمع اسمه ، يجرّدها من كل ما تحاول أن تلصقه بذاتها من إنسانية و مشاعِر ، تقول بارتباك : طيب ، بعد شوي آخذك للمكان اللي تَبيه ..
فأنا أيضًا لدي الفضول لأعرف أين قضيت سنوات عمرك ، يا مشعل ..

،,


يدخل إلى المكتب متعجلاً ، ينظر إلى عزيز و يقول : عزيز تجهز اليوم ، بنروح لحارة فهد القديمة ..
عزيز : وش لك شغل بحارته القديمة ؟
يحيى و هو يجلِس خلف مكتبه : باخذ إذن تفتيش عشان نفتش بيته ..
عِصام يتدخل ليقول : اووف ، شلون ما خطر عَ بالنا نفتش بيت مشعل !
يحيى ينظر بابتسامة غرور نحو عصام : إنتوا ما أعطيتوا اهتمامكم لهالقضية ، طبعاً لأنها من النوع الصعب مو أي شخص يقدَر يتذكر التفاصيل ..
عِصام بامتعاض مبتذل : طيب بس لا أرميك بالفنجال !
يحيى : هههههههههههه طيب لا خلاص ، ما صدقنا شفنا إعجاب سموّك بشغلنا ..
عِصام : أنا رايح لمدير الامن أجيبلك الموافقة ، لعل و عسى يبين هالخير فيك ..
يحيى بضحكة و هو يرفع صوته ممازحاً : ماني بحاجتك ، واسطتي معاي " ينظر إلى عزيز الذي يضحك هو الآخر "
يقول إبراهيم دون أن ينظر إليه : من وين فكّرت بهالسالفة ؟
يحيى : أي سالفة يا أبو وجه ما يضحك للرغيف السخن ؟
يرفع نظراته إليه ، بابتسامة جانبية : وش اللي يضحّك في الرغيف السخن مثلاً ؟ سالفة التفتيش ، لا تقول لي بذكاءك الخارِق ، ترى حارتنا ضيقة !
يحيى يرفع حاجباً : شـُف النذل !
إبراهيم : هههههههههههههههههه لا قول بجد من وين عرفت ؟
يحيى : عصافير المحقق يحيى الغانِم بلغته إن فهد كان في بيته أمس ، فكرت و قلت وش رجعه لبيته لو ما فيه شي ؟
عزيز : يعني رجع سكَن فيه ؟
يحيى : لا ، قعد شوي و طلع ، هذا ما أبلغتني به العصافير ..
عزيز : و شلون بتفوت البيت و اهوة مسكّر ؟ رحت لبيت فهد و قلتله ؟
يحيى : العصافير أبلغتني إنه بدأ شغل جديد ، و بعدين يا ذكي تبيني أبلغه إنه جايين نفتش عشان لو فيه شي يخفيه ؟
إبراهيم : و ليش بيخفي شي ممكن يساعد بالوصول لقاتِل أبوه ؟
يرفع يحيى حاجبيه : ممكن لأنه يعرف القاتِل ؟!
عزيز باندهاش : مجنون إنتَ ! لا عاد مو لهالدرجة !
يحيى يقول بجدية مختلطة بالمزاح : شوف يا ولدي يا عزيز بالتحقيق الجنائي و في جرائم القتل لازم تحط نسب متساوية لجميع الاحتمالات ، و لازم تشك بكل حدا قريب من المغدور ، حتى لو كان ولده ، و أتوقع ماهي غريبة علينا نسمع إن واحد قتل أبوه ، صح ؟
يصمت عزيز ، بحيرة بين الاقتناع بكلام فهد و عدمه ، يقول إبراهيم بفضول : تدري ، صار عندي فضول أشارِك بهالقضية ..
يحيى بسخرية : والله ! قبل كانت مو عاجبتك و تقنعني أتركها ، وش صار اليوم ؟
عزيز يرمق يحيى بنظرة : يحيى ! وش اتفقنا ؟
يحيى ممازحاً : طيب طيب ، ببطل غرور ، شوف ما عندي مانع تنضم لفريقنا ، بس لازم تتقبل إني أنا المسؤول عن هالقضية يعني مو بكرا تسويلي فيها الأكبر و أكثر خبرة ..
ينهض إبراهيم من مكانه و هو يحمل ورقاً بين يديه ، بابتسامة يقول : طيب اتفقنا ..
عزيز يلتفت إلى يحيى بعد خروج إبراهيم : طيب و فرضاً ما قدرنا نوصل لفهد وش بنسوي ؟
يحيى : بندور عليه ، لا تنسى إن فهد أصلاً مطلوب للتحقيق ..
عزيز و هو يفكّر : نشـوف ..

يسند يحيى رأسه إلى ظهر الكرسي ، يشرد في مكان آخر و هو يتحسس وجهه ، تعود أمامه شهد ، تقف بغضبها و سخطِها ، ترفع يدها و تصفعه مرة ثانية و ثالثة و رابعة ، ترمش عيناه و هو يتنفس بقوّة ، مشاعره المتناقضة في داخله تتجلى بوضوح في معالم وجهه الحائرة ، غير آبه بمراقبة عزيز له .

،,


ترتجف أطرافه و هو يرى غرفة والدته فارغة ، يبتعد بخوف عن الغرفة ليعود مُسرعاً نحو الاستقبال ، يصطدم في طريقه بالطبيب ، يقول بتعجل و خوف : دكتور ، غرفة والدتي فاضية وينها ليش مو موجودة ؟
ينظر إليه الطبيب بغضب : انت ولد المريضة أم فهد ؟
يهز رأسه ، بجبينه المتعرق ، يقول الطبيب : الحقني لغرفتي ..
تتسع عيناه و هو ينفث أنفاسه بسرعة ، لم يعد يشعر بأطرافه و هو يسير خلف الطبيب ، خيبة تسري أمامه ، تخبره أنه ينهزم أمام حياتِه المتوحشة مجدداً ، يدخل الطبيب إلى غرفته ، يجلِس خلف مكتبه ، يدخل فهد خلفه ، يجلِس على الكرسي و هو يشعر أن أقدامه لم تعد قادرتان على حمله ، ترتجف شفتيه ، ترتطمان ببعضهما ، أذنيه تتشوشان كأنما تحاولان الامتناع عن سماع خبر مؤذ ، يقول الطبيب و هو يشبك أصابع كفيه فوق طاولته ، دون أن يبدي أي احترام لفهد : المريضة مو في المستشفى ، خرجناها اليوم ..
يُطبِق عينيه و هو يتنفس براحة ، يفتحهما مجدداً و نصف ابتسامة تظهر على شفتيه : يعني تحسنت ؟
الطبيب بملامح جامدة : وش تحسنت ؟ المريضة رفضت العلاج و اهية اللي طلبت نخرجها !
اختفت ابتسامته ، تساءل : علاج شنو ؟؟ وش مرضها ؟
الطبيب : والدتك يا سيد فهد معاها فَشل كلوي ، بلغتها اليوم نحجزلها موعد بوحدة غسيل الكلى ، و رفضت ، و طلبت نخرجها ، و خرجناها بناء ع طلبها ..
ينهض فهد ليقول بغضب : شلون تخرجوها بدون ما تعالجوها ؟؟ مين صاحِب القرار بالمستشفى الطبيب أو المريض ؟؟
يقف الطبيب و يرد بنفس لهجته : قصّر صوتك يا أستاذ ، أنا ما أقدر أعالج المريضة أو أخليها في المستشفى إجباري ! خاصة إن ما في أحد من أقاربها كان موجود غير هذي البنية اللي قالت إنها مرافقتها ، في المستشفى حاولنا نوفرلها كل وسائل الراحة ، و سوينا واجبنا من ساعة دخولها لـ ساعة خروجها ، لو كنت هنا و مهتم بوالدتك كان قلنا بس إنت تاركها بروحها يومين ما سألت عن نتائجها و جاي تحاسبنا ؟؟
عجز لسانه عن الرد ، لا يعرِف ذلك الرجل كم رغبت في قص قدماي في كل مرة رغبتا فيها بالسير نحو والدتي ، لم أرغب في أن تراني بحالتي الرثة ، حاولت أن أبتلع آلامي ، و صدمتي بوالدي وحدي ، لم أكن أضمن صمتي أمامها و أمام تِلك الدخيلة ، لكن شوقي اليوم جرّني إليها من نصف قَلبي ، فلم أجدها ، أعرف أنني لم أكسب في تِلك الدنيا إلا المال و غضبها ، إلا أنني لست بتلك القوة يا أمي لأحتمل حزنك ، ليتك تعلمين أن كل ما أفعله ، هو لأسعدك ، و إن كنت جاهلاً في كيفية إسعاد البشر ، إلا أنني لا زلت أحاول ، و أسقط يا أمي ، إنني أسقط بشكل سيء جداً ،
خرج من عند الطبيب دون أن يتلفظ بكلمة واحدة يدافع بها عن نفسه ، قد وقّع والده على اتفاقية فقدان ابنه حق الدفاع عن ذاته قبل وفاته ، فقد حقه في العيش حراً ، حقيقياً .. رفع جوّاله ليتصل بياسمين ، بصوت حانق يقول : وين أخذتِ أمي ؟ ليش ما كلمتيني و قلتي باللي صار ؟
تبتعد ياسمين ، تقول بهمس : سُلطان ما سمح لي أبلغك ، على كل حال أنا و أمك الحين في بيتكم القديم ..
يعقد حاجبيه : ليش في بيتنا القديم ؟؟
ياسمين : هذا طلب أمك ، تعال شوفها حرام عليك يومين تاركها بروحها !
فهد بحقد : حرام علي ؟؟ إنتوا تعرفوا تميزوا بين الحلال و الحرام ؟؟

يُغلِق الخط ، يخرج من المستشفى هائماً على وجهه ، يركب سيارته و هو يشعر أن الدنيا تغلق أبوابها في وجهه ، يمشي باتجاه بيته القديم ، إلا أن الطرق جميعها توحي له أنه يسير في متاهة لا نهاية لها ..

،,


يحل المساء المرهق ، أنهكت ذاتها بكاءً و قهرًا ، يكوّر قبضته بعجز عن أن يفعل لها شيئاً يُرضيها ، تمتد يده الضعيفة لتتحسس شعرها ، الجزء الوحيد الظاهر منها بعد ما أخفت وجهها الباكي بين ركبتيها المضمومتين إلى بعضهما ، يقول : حبيبتي ، لا تزعلي منها أمي مثل أمك و تمون عليكِ !
مريم ترفع رأسها ، و هي تقول بين شهقاتها : أنا ماني زعلانة إنها ضربتني ، زعلانة لأنها قالت عني معيوبة ، أنا وش ذنبي هذا الموضوع بأمر ربنا أنا وش ذنبي تقول عني معيوبة ؟؟
عِصام : أكيد ماهي قاصدة بس يمكن من زعلها إنا خبينا عنها الموضوع قالت هالكلام من دون ما تقصده ،
مريم ولا زالت مستمرة في بكائها : إذا فيني مرض معين هذا من ربنا مو مني أنا مابي ينقص احترامي بهالبيت لأجل شي أنا مالي يد فيه !
يمد إبهامه ليمسح دمعة من بين حشد من الدموع المتزاحمة فوق وجنتيها الحمراوين ، يتنهد و يقول : طيب ، أنا نازل أكلمها ، و ما بتكوني إلا راضية ، بس أبيكِ تمسحي دموعِك و تغسلي وجهك و تستهدي بالله ..
تحاول كتم شهقاتها ، ينهض أمامها متجهاً للباب ، يلقي نظرة أخيرة إليها ، يتنهد مجدداً و يخرج ، تمسح وجهها بكفيها و هي تشعر بصداع عنيف يغزو رأسها بعد يوم طويل من البكاء ، تخرج على أطراف أصابعها لتتبعه نحو غرفة والدته ، تقِف خلف الباب و تُلصِق أذنها به لتحاول أن تسمع كلامهم ، علها تعرف ما سينتظرها في حياتها القادمة ، يجلِس أمام والدته التي ترمقه بنظرات معاتبة ، يقول بعد صمت دام لثوان : يمه أنا اضطريت أخبي عنك .. قلت مؤقتاً يمكن مريم تتعالج أحسن ما نخلق جو توتر في البيت عالفاضي ..
أم عِصام : لا تحمل الذنب عنها ، أنا عارفة وش مربية ولدي ما يخبي عني شي ، أنا عارفة إنها مريم اهية اللي زنت فـ دماغك عشان تخبي عني ..
عِصام : حرام عليكِ تظلميها يمه ، اهية أكثر من مرة قالتلي نبلغك و أنا رفضت .. بعدين يمه حرام تعيريها بمرضها ، المرض ما فيه شماتة !
أم عصام باستهجان : أنا أشمت بزوجة ولدي ؟ أشمت إنها مو قادرة تجيب لي حفيد ؟؟ حسافة عليك يا ولدي ما هقيتها منك !
ينحني برأسه ليقبل يدها : يمه مريم من ساعة ما كلمتيها و اهية تبكي فـ غرفتها ، كسرتِ خاطرها ..
أم عِصام : خليها تتعلم ما تخبي عني شي ، و بترضى بعدين لا يهمك ، المهم في شي ثاني بكلمك فيه ،
ينظر إليها بيأس ، يصمت لتُكمل كلامها : اليوم كلمت أم جمال ..
عصام ببرود : منو أم جمال ؟
أم عصام : هذي أمها لـ سَارة ، البنية المطلقة اللي قلتلك عنها قبل فترة ..
تتسع عيناه : شنو يعني ؟؟؟
أم عصام : وش شنو يعني ؟؟؟ أخذت موعد منها عشان بكرا أزورهم إن شاء الله و نتكلم في موضوعك ، و ترى لمحت قدامها عن سالفة الخطبة ..

في الخارِج ، تُخرس صوت شهقتها و هي تضغط بكفها على فمها ، تحتشد الدموع مجدداً في عينيها الخائفتين ، في الداخل ، ينهض من مكانه بعينين متسعتين :ِ إنتِ قاعدة تمزحي ، صح ؟؟


،,



يضرب الطاولة بكفّه ، ينهض و هو يصرخ بأعلى صوت : أبي أعرف ويـن راحـت ! ما بتركك إلا لما تقـول ! و اسأل عني يا فهـد ..


،,


يتقدمان بخطوات هادئة مدروسة جداً ، يبدو على ضحيتهم التعب و الإرهاق ، يتثاءب بكثرة و هو يتقدّم ببطء نحو منزله ، يتقدمان كليهما ببطء حتى يصبحا خلفه تماماً ، يرفع أحدهما عصاه الخشبية السميكة ، ليضربه بقوة على مؤخرة رأسه ، الضربة التي تُسقِطه أرضاً ، فوراً و خلال ثانية فقط ، يبدو أنه انتقل إلى مكان آخر ، فقد القدرة على البقاء ضمن واقعه ، تشوشت الرؤية في عينيه تدريجياً و هو يشعر بشابين متلثمين يفتشانه ، حتى فقد الوعي تماماً ..



انتهى


البارت القادِم إن شاء الله سيكون يوم الأحد القادِم ،

ملاحظة ، صار فيه تغيير بمواعيد البارتات ، في نهاية كل بارت ببلغكم بموعد البارت القادم ، لأن الجمعة غالباً يوم للعائلة و صعب ألاقي وقت دائماً للنشر ، لذلك تم التغيير ، أتمنى يكون البارت أعجبكم لا تحرموني من تعليقاتكم اللطيفة .

طِيفْ!



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 31-12-19, 01:29 PM   #17

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




بسم الله نبدأ ،

الجزء 10



يجلِسون بهدوء قاتل ، يتناولون العشاء ببطء ، يتنقلون بنظراتهم بين بعضهم البعض ، نظرات غير مفهومة تحتاج الكثير من التفسير ، دون أيّة كلمات ، تشعر أم طارِق بارتجاف يد شهد و هي تضع اللقمة في فمها ، كأنها تنتظر عِقابها الذي لم يحِن موعده بعد .. يقتل والدها الصمت لينطِق دون أن ينظر إليهم : أخوكم طارِق تأخر ، ما عرفتوا وين راح ؟
تلتزم شهد الصمت ، بينما ترد عَبير بخفوت : لا يبه ، الحين ندق عليه ..
ينفضّ كفيه ببعضهما ، ينهض عن الأرض و هو يقول : الحمدلله ..
يتجه نحو المغسلة ، تقترِب عَبير من شهـد ، تهمس لها : ماني مصدقة إن أبـوي سكـت عاللي ساويتيه مع المحقق !
شهـد : وش بيسوي يعني ؟ اهوة كـان قـليل حـيا ، و اللي صار كان لازم يصير عشان يحفظ حدوده ..
أم طارِق ، تمضغ لقمتهـا و تقـول : مانـي متطمنة ، هذا المحقق ما راح يسكت عن هالكف ..
شهـد تنظر إليهـا : لا تخـافي يمـه ، لو مـو عارف إنه غلطـان كان بنفس اللحظة رد ، بس اهوة سكَت لأنه عارف نفسـه ،
هزّت رأسها : لعلـه خـير ، لعـله خير ..
تتجه أنظارهم جميعاً نحو الباب حيث يسمعون فتحه ، يدخل طارِق بوجه مهموم ، يقترِب والده يسأله : وين كنت ؟
طارِق : كنت في المستشفى ..
أم طارِق بخوف : أي مستشفى وش فيك يمه ؟؟
طارق ، بابتسامة صغيرة : ما فيني شي يمه ، رحت زيارة ..
أبو طارق : مين زرت ؟؟
يمشي طارِق ، يجلِس إلى جانب والدته ، يضع لقمة في فمه ، يمضغها و يقول : خالتي أم فهد كانت في المستشفى ، رحت أشـوف فهد و أوقف معـاه ..
شهـد بلهفة جعلت الجميع ينظر إليها باستفهام : وش فيهـا عمـتي ؟
ترمقها عَبير بنظرة ، تنتبه شهـد : أقصِد خالتي أم فهـد ..
طارق بنبرة بطيئة و هو يتفحص شهد بنظراته : مادري ، رحت قالولي خرجوها ..
أبو طارِق : اليوم المحقق كان هِنا ..
تبدو على وجه طارِق علامات عدم الرضا : وش يبي ؟؟ هذا ما يبي يفهـم ؟
أبو طارِق بعد أن يأخذ نفساً عميقاً : فهّمته لا عاد ييجي بيتنا ، و طلب مني أراجعه بالمركـز بكـرا ..
طارق ، يرفع حاجباً : وش اللي ممكن تساعده فيه ؟
أبو طارِق : مادري ، بكرا نشـوف ..
ينهض طارِق من مكانه ، يتقدّم من والده و يقول : رغم إني مانصحـك تروح ، بس مثل ما تبي يبه ..
أبو طارِق باستغراب : و ليش ما تنصحني أروح ؟
طارِق بانفعال : لأن بيت عمي بـو فهـد طول عمرهم أصحابنا الوحيدين ، الحين من وين لوين نروح نعطي معلومات عنهم لهذا اللي اسمه يحيى ؟ ليش تبي تضرهم يبه ؟
أبو طارِق : اللي يسمعَك يقول إن يحيى هذا مُحتل ، ما هو ولد البلد .. أنا ماي أضرهم ، ما راح أتبلى عليهم ، بقول اللي أعرفه و بس ..
يتنهد طارق بيأس : مثل ما تبي يبه ، سوي اللي تشوفه ..
يرمقه والده بنظرة ، يخرج بعدها إلى خارِج المنزل ، بينما يتجه طارِق إلى غرفته ، يغلق الباب خلفه بقوّة معبراً عن غضبه ، ليتَك لم تبُح بسرّك يا فهـد ، لم يكن ليُقلقني ذلَك المحقق اللعين ، حين كان يسألني ، كانت الإجابة على الدوام ، لا أعرف .. اليَوم أنا أعرِف ، فهل إن سألني سأكون قوياً بما يكفي ، لأكذب و أخبئ سرّك دون أن يظهر في عيناي ؟ هل سأكون قادراً على حمل سرّك ؟ لِم ائتمنتني و قد عرفت أنني وظّفت لأتجسس عليك ؟

في الخارج ، تقترب أم طارِق من شهد ، لتهمس : وش سالفة عمتي جواهر هذي ؟
ترتخي نظراتها بخجل ، و هي تقطع قطعة الخبز في يدها إلى قطع صغيرة ، تبتسِم عبير و هي تنظر إلى توترها ، تقول أم طارِق : جواهر فاتحة معاكِ هالسالفة ؟
ترتفع نظراتها قليلاً إليها ، كأنها بصمتها تقول نعم ، تتنهد بعدها أم طارِق ، و تقول : شيلي هالسالفة من دماغك يا شهد ..
شهـد ، و عبيـر ، تنظران إليها في وقت واحد بدهشة ، تقول : لـو علي ، أتمنى تكوني زوجة فهـد اليـوم قبل بكرا ، بس شايفة أبوكِ ، مستحيل يوافِق .. لا تتأملي بشي ما بيصير ..
تُلقي قطعة الخبز من يدِها فوق صحن الطعام الفارغ ، تنهض لتتحرك بسرعة نحو غرفتها ، تجلِس أرضاً و هي تتنفس بسرعة ، كانت تعرِف تِلك الحقيقة ، لكنها لم تواجهها حتى الآن ، بل إن والدتها قامت بالمواجهة عنها ، فلماذا أُصِر إذاً ، على عِشقٍ لن يأتيني إلا بالمتاعب ؟
لكنني لا أستغني ، عن تِلك الابتسامة ، عن تِلك النظرة ، لن أستغني عن تِلك الأشعـار التي تنطقها عيناك حين تنظر إلي ، و نبضات قلبي الذي لا أشعر بحيويته إلا حين أراك ، كيف لي أن أستغني عنها ؟


،,


يصطف إلى جانِب الطريق ، نظراته متعلقة بالسماء التي اصطبغت باللون الأسود دون أن يَشعر ، تنقّل كثيراً في السيارة ، دون أن يُدرِك الزمان و المكان ، يختنِق ، ولا زالت رئتيه تنبضان ، يريد المـوت حتماً ، لكن الموت لا يريده ، حاول أن يحرِف مساره عن بيتِهم القديم ، لكن دواليب سيارته قادته دون إرادة منه إلى هُناك ، إلى حيث يجد والدته ، و تلك التي دخلت بينهم دون استئذان ، سيتساءل هذه المرة ، إلى مَن كنت تـفي يا أبي ؟ من كانت التي تستميل قلبك أكثر ؟ ماذا كانت لتفعل جوهرتك ، لو علِمت أنك أبدلتها بياسمينة قد تخونَك و ترحل في خَريف العمر ؟ ترجّل من سيّارته ، بعد أن شَعَر أخيراً بحاجته إلى المواجهة الحاسِمة ، تقدّم بخطوات مترددة ، لا يُبالي بنظرات الناس من حوله ، يتساءلون بأعينهم عن سبب عودته بعد أن ابتسمت له الدنيا كما يظنون ، لم يعرِفوا بعد أن الدنيا بخلت عليه حتى بعبوسها ، فقد أغلقت في وجهه كل أبواب المشاعِر ، الحب و الكره ، الرضا و الغضب ، التسامح و الحِقد ، كل ذلك لم يعد يعرف له معنى بعد وفاة والده .. دخل إلى البيت ، أغلق الباب الحديدي خلفه ، ما جعل والدته و ياسمين ، اللتان تجلِسان في الغرفة اليتيمة في هذا المنزل ، تحت إنارة خافتة جداً ، تلتفتان نحو مصدر الصوت ، تَضـع ياسمين حجابها ، لتنهض مسرعة نحو الباب ، حيث يقِف فهد صامتاً ، متأملاً المكان الذي جمع ذكرياتهم الكاذِبة ، كانت جدران المنزل ميتة ، حين زاره وحيداً في المرة الماضية ، هل أردتِ أن تحييها مجدداً يا أمي ؟
تقدّمت منه ياسمين ، وقفت أمامه متكتفة و قالت بهمس : أمّـك في الغرفة ، ادخل شوفـها ..
ينظر إليهـا و قد لاحظ جزءًا من شعرِها قد تمرّد ليهرب خارج حجابها ، قال بسخرية : استعجلتِ تحطي الحجاب ، مو على أساس إنك زوجة أبوي ؟ يعني ما هو حرام لو شلتيه ، ياا " خالتي "
تُشتت أنظارها و هي تعيد شعرها إلى داخل الحجاب : على أساس أمّـك ما تدري ، كل شي ساويناه عشان نحافِظ عليها ، لو تبي نقول ما عِندي أي مانِع !
يرمقها بنظرة باردة لا معنى لها ، يتقدم نحو الغرفة ، ترخي والدته نظراتها عنه كأنها تمنع عينيها عن البَوح بشوقها لطِفلها الوحيد ، يتقدّم ببطء ، أعرِف أنني مهما فَعلت يا أمي ، ستبقين كما أنتِ ، و أعرف أنه مهما طال غِيابي ، سأعود لأجدك بحنيّتك ذاتها تنتظريني ، إنّك الشيء الوحيد الذي لم يتغير منذ مجيئي إلى هذه الدنيا ، أحتـاج أن تُعيديني إلى رَحمك الآن ، إلى داخِلك ، لم أكـن لأشعر بأمـان أكثر سِوى داخل أحشاءك ، إنني أرتجِف برداً يا أمي ، أمامك وحدك يا من تُشعرني أنني ما زِلت حياً ، أضـع رأسي في حِجرك ، أعود طفلاً تملأه الحيـاة ، تعـود شهـد تنبِض في عروقي ، و ما إن ابتعدت عنك ، أتحول إلى حَجَر ناطق يا أمي ، أفتقد حقاً الشعور بالألم ..
يجلِس أمامها أرضاً ، تشيح بوجهها عنه ، ينحني رأسه دون مقاومة منه ، تتحرّك يداه لتلمِس يدها ، تلتصق شفتيه بكفّها ، كان يفضفض عن الكثير من أسراره بقُبلة على يدِها ، سَرت في جسدها آلامه ، لتمتد يدها الأخرى ، تتوغّل في شعرِه النـاعم ، تُراقِب ياسمين المشهـد من بُعـد ، على كفّهـا البـاردة ، تشعر بقطرة حارة ، تسقط بخجل من عين ابنها ، الذي أطبق عينيه لتبتل رموشه ، أحبّك جداً يا فهـدي ، لكنني لا أعرفك ، أصبحت غريباً يا طِفلي .. تَرفع رأسه نحوها بقوّة ، عيناه العاجزتين تحترقان ، وجهه مليء بالكدمات ، تتحسس مكانها و تقول : وش صايرلَك ؟
يَعتدل في جلوسه ، يمسح دمعه بخجل ، و عَجل ، يُجيب بعدها : صارت معاي مشكلة ، تهجموا علي رجال ما أعرفهم ، و ما حبيت آجي المستشفى و أنا بهالحالة و أقلقك علي ..
جواهر ، بعتب قاسي : و هذا سبب يخليك تبعد عن أمك و تتركها بروحها مع المرافقة ؟
ينحني مجدداً ، ليطبع قبلات متتالية و هو ينطق : سامحيني يمه ، سامحيني ..
جواهر : قول لي وش مخبي عني ؟ وش صاير عليك ؟
فهد : اتفقنا يمه لا تحسنتِ أقول لك كل شي ، ليش طلعتي من المستشفى و ما رضيتِ بالعلاج ؟
جواهر بنصف ابتسامة على وجهها الحزين : أي علاج ؟ فَشَل كلوي يا يمه ، يعني خلاص ..
تتسع عيناه ، ليقول برجاء : وش اللي خلاص يمه ؟ وش اللي خلاص ؟ أنا ما بقى لي في الدنيا غيرِك ! وش اللي خلاص ؟
جواهر ، بنفس ابتسامتها ، تتحسس وجهه : اللي أبيه ، إني أتطمن عليك قبل لا أموت .. أبي أشوفَك مع بنية تراعيك و تهتم فيك ..
فهد : يمه لا تقولي هالكلام ، أنا مالي حياة بعدِك !
جواهر : وش رأيك بـ شهـد ؟ لا تقول ما تبيها ، أنا عارفة وش اللي بينَك و بينها ..
تتشتت نظراته بارتباك : وش اللي بيني و بينها يعني ؟
جواهر ، تنظر إليه بطرف عينها : الحب العذري ، أعرف خاطرَك فيها ..
فهـد ، و هو ينظر إلى ياسمين الواقفة عند الباب ، يقول : يمه مو وقت هالكلام ، باخذك المستشفى عشان تتعالجي ، و تتحسني ، و تشوفي زوجتي و أولاد أولادي بعد ..

على بعد كيلومترات قليلة ، تصطف سيّارة يركبها كل من يحيى ، إبراهيم و عزيز ، في المقاعِد الأمامية ، يجلِس يحيى و إبراهيم ، في الخلف ، عزيز ، يَقول يحيى و هو ينظر إلى السيّارة الحديثة المصطفة إلى جانب الطريق : قلتلكم إنه هِنا .
إبراهيم : منو قالك ؟
يحيى بابتسامة جانبية : العصافير ..
عَزيز : لا يكون حطيت جاسـوس جديد ؟
يلتفت إليه : برافو والله شلون حزرت ، يلا خلونا ننزل نشوف شغلنا ..

يُطرَق الباب ، لينتشِل فهد من دوّامة أسئلة كان سيقَع بها ، تقترب ياسمين ، تفتح الباب ، تنظر بعينين متعجبتين إلى ثلاث رجال يقفون أمام الباب ، يتقدّمهم يحيى الذي تعرفه جيداً من خلال صوره مع سُلطـان ، ينظر يحيى إليها أيضاً بتعجب ، كان يتساءل ، من تكون تِلك الفتاة ؟
يَفتح يَحيى محفظته ، لتظهر بطاقته الأمنية و يقول : يحيى الغانِم من التحقيق الجنائي .. فهـد موجود ؟
يأتي فهـد على صوتِهم الضخم ، يتقدّم بتوتر و هو يقول : يا هلا بالسيد يحيى ، تفضل ..
يحيى و هو يتنقل بنظراته داخل البيت المُعدَم : معانا أمر بتفتيش البيت ..
فهـد : وش السبب ؟
متجاهلاً سؤاله ، يُلقي أمره لعزيز بكلمة : عـزيز ..
يتحرّك عزيز ليبدأ التفتيش ، بينما يبتعد يحيى عن فهد و هو لا زال يتنقل بنظراته في المنزل ، يقترب فهد من إبراهيم ، يتساءل بهمس : ممكن أعرف ليش التفتيش ؟
إبراهيم : بنستكمل التحقيق في قضية مقتل والدَك ..
يتركه إبراهيم ، يتجه إلى يَحيى الذي يُدخّن سيجارته بمزاج عالٍ ، يقول في أذنه : وش بنفتش هنا بيت ما فيه شي وش بنلاقي فيه ؟
يرمقه بنظرة ، يُتابع فهد الذي تبِع عزيز ، ثم ينتقل إلى ياسمين ليسألها : منـو إنتِ ؟ معلوماتي فهـد ماله اخـوة ؟
تهزّ رأسها بتوتر واضح : صحيح أنا ماني أخته ، أنا المرافقة لوالدته لما يكون اهوة مشغول ..
يرفع حاجبيه و هو يهز رأسه بإعجاب ساخر ، ليتقدم عزيز و من خلفه فهد ، بعد دقائق ، يمد عزيز له فلاشة لجهاز حاسوب ، قديمة نوعاً ما ، يقول : ما لقيت إلا هذي ..
يأخذها يحيى ، وسط نظرات إبراهيم المتفحصة للفلاشة ، ينظر إلى فهد : هذي لَك ؟
يعقد حاجبيه ، يهز رأسه ببطء نافياً : لا ، ولا مرة كان عندي فلاش ميموري ، هذي أول مرة أشوفهـا ..
يُغلِق أصابعه عليها ، يسأل : عزيز ، فتشت كويس ؟
يقترِب منه ليهمس : البيت كله غرفتين ، " يَرفع صوته " ، نعم سيدي فتشت البيت كله ..
يمد يحيى الفلاشة لإبراهيم : إبراهيم تأخذ الفلاشة و تفتحها ..
يلتفت إلى فهد : نعتذر عن الإزعاج ، فهد ، راجعنا بكرا فـ المركز ضروري ..
يغلِق الباب بعد خروجِهم ، لتتقدم منه ياسمين ، تهمس : شلون تخليهم ياخذوا الفلاشة ؟ كان المفروض قلت إنها فلاشتك و ما تتركهم ياخذونها !
فهد ، يرفع حاجبه الأيسَر : ليه ؟؟ بعدين لو قلتلهم إنها لي كانوا بيتركوها يعني ؟
صَوت والدته المُتعَب يناديه من الداخل ، يدخل ليراها ، تقِف ياسمين حائرة تفكر ، ترفع جوالها لتكتب رسالة ..


،,


تهز قدَمها بتوتر و قهر ، تنظر إلى عيناه المشعّتان و تقول : ليش أمزح في موضوع زي كذا ؟
عِصام : يمه شلون تخطبيلي بدون ما أعرف أو أكون موافق حتى ؟!
أم عِصام : والله اللي أعرفه إن ولدي عصام ما يثنيلي كلمة ، علّمتك علي الست مريم ؟
يجلِس مجدداً أمامها : يمه وش اللي تعلمني عليكِ ! أنا رجال ماني بزر عشان أتعلم من فلان و علان ! بس يمه أنا من الأول قايل لك مابي أتزوج على مريم !
أم عِصام : والله ماني عارفة وش لاقي فيها ، ساحرتَك هالبنت ؟ و ليش ما تتزوج عليها ؟ عيب ولا حرام ؟
عِصام : يمه لا هو عيب ، ولا حرام ، بس أنا مابي ، مابي أتزوج مرة ثانية و خلاص ، وضعي ما يسمحلي !
تعقِد حاجبيها : وش فيه وضعك ؟ فلوسَك موجودة الحمدلله تقدر تصرف على أربع حريم مو بس على ثنتين !
يطلق تنهيدة طويلة ، يقول بعدها : ما قصدت الوضع المادي يمه ، بس إنتِ عارفة طبيعة شغلي ، و دوامي الطويل ، مريم بروحها و ماني ملحق أقوم بواجباتي عشانها ، شلون بقوم بواجبات ثنتين ؟
أمه ، بسخرية : والله ؟ واجباتك ؟ وش بتكون واجباتك ، والله ماني عارفة منـو الرجال !
يُطبِق عينيه ، و هو يضغط على أسنانه ليقول : حرمتي لها حقوق مثلي مثلها ، انتهينا من هالموضوع يمه ، ما راح أتزوج على مريم ! لا تجبريني آخذ بنت الناس و أظلمها ، تتحملي خطيتي و خطيتها و خطية مريم بعد !
أمه بدهشة : هذا الكلام لي أنـا يا عِصام ؟؟
يُرخي نظراته ، بعجـز ، يخرج من غرفتها دون كلام ، يخاف أن يتمادى أكثر فيُغضِبها .. صعد الدرج ببطء و هو يتنهد بألم على حالـه ، يتنفس بعمق عند باب جناحه ، لئلا يُشعِرها بشيء ، يفتح الباب بابتسامة مزيفة على وجهه ، لا زالت تُهلِك عيناها دمعاً ، تأفف و دخل إليها ، جلس على طرف السرير و قال : و بعدين يا مريم بهالحالة ؟ خلاص ، بالأول و بالآخر كانت بتعرف ، هذانا ارتحنا من هم كبير ، هالحين تقدري تروحي تتعالجي براحتِك ..
تستمر في بكائِها ، يُطلِق العَنان لغضبه ليصرخ : خلاص عاد ! ضيعتوني ما بينكم إنتِ و أمي ! إنتِ كل همّك إني ما أتزوج عليكِ ، و أمي كل همها إنها تشوف أحفادها ، و أنا ما أحد فيكم حاسس فيني ما أحد يقول هالرجال وش يفكّر فيـه ، قاعـد بس أراضيكِ و أراضيهـا تعبتـوني خلاص عـاد !
تَرفع رأسها ، تَمسح وجهها بهدوء ، بصوتٍ مبحوح تقول : ماله داعي تفتعل معاي مشكلة عشان تبرر زواجك الثاني علي ..
عِصام : أي زواج ثاني ؟ شفتيني تزوجت ؟
مَريم : لا ، بس مبارك الخطوبة ، أمّك شافت العَروس و قررت خلاص ،
عِصام ، يُميل رأسه و هو ينظر إليها : بس هذا القرار قراري ، مو قرار أي أحد ثاني ..
بنبرة مهتزّة : و قرارك راح يختلِف عن قرار أمّك ؟
عِصام : واضِح إنّك سمعتِ اللي تبيه و بس ، عشان كِذا أنا ما راح أتعب نفسي و أبررلك ،
يتجّه ليخرج من الغرفة ، يلتفت قبل خروجه : أكثر شي مضايقني ، إنك بعد كل هالسنوات طلعتِ ما تعرفي من هو عِصام ..

،,


روما ، المساء الممل ، تتحرك بغرفتها الكَبيرة بملل ، لا شيء يربطها بالحياة سِوى العمل الذي أجبرها عليه والدها ، لربما كان الشيء الوحيد الذي يشعرها بوجوديتها رُغم عدم رغبتها به ، دوماً ما أشعر أنني لَست أنا ، أشعر أنني في مسلسل تلفزيوني ، أتقمص شخصية تِلك البطلة التي سُميّت حسناء ، سأعود يوماً ما ديانا ، لكنني لا أعلم متى سينتهي ذلك المسلسل ! لقد تورطت حقاً ، أريد بشدة أن أعـود ديـانا ، لكنني حقاً لا أذكرنـي ، لا أعرفني سِوى حَسنـاء ، دُفِن الكثير مني قبل عَشر سَنـوات ، لَم يتبقى مني سِوى جسدي الذي يتحرك كروبوت ينفذ الأوامر فحَسب ، في غرفة الملابِس ، سقطت نظراتها على الوشاح الأحمر الذي قدّمه لها فهد ، ابتسامة خاطفة تظهر على وجهها و هي تذكر تِلك الساعات القليلة التي قضتها معه ، كَم شعرت بالانتماء و هي تُجالِسه ، رُغم أنهما كانا كثيرا الاختلاف ، تهمس بينها و بين ذاتها : والله كنت مُسلي يا فهـد ..
تلتفت إلى باب غرفتها الذي فُتِح ، تتأفف في داخلها و هي تشعر أن مهمة جديدة قادمة إليها ، لتكرّس حَسناء ، و تُلقي التراب فوق ديانا فتختنق أكثـر ، يقترِب والدها بابتسامة ، تضع الوِشاح جانباً و تتقدم منه ، تنظر إليه كأنها تقول أعرِف أن تِلك الابتسامة لم تكن لتظهر لولا أنّك تريـد أن تطلب مني طلباً تعرف مسبقاً أنني قد لا أوافق عليه ، يقول : مَساء الورد يا وردة بيتي ..
تتكتف بابتسامة ، تقول : نعم ؟
يرفع حاجبه و يقول بمزاح : كِذا يردون التحية ؟
تأخذ نفساً عميقاً : قول لي وش بعد هالتحية اختصر المقدّمات ..
عمر : يعني قصدِك إني مصلحجي ؟ أحياناً أحس إني ما ربيتك ربع ساعة !
تضحك : ههههههههههههه ، إنتَ اللي عوّدتني إن علاقتنا ماهي علاقة أب ، و بنته ، علاقتنا " بزنس " و بس ..
يجلِس على الأريكة المنفردة إلى جانب النافذة : هالمرة غلطانة ، جاي أكلمك ، أب ، لبنته ..
تَرفع حاجبيها ، تجلِس على طرف سريرها أمامه : الله الله ، خير إن شاء الله ؟
عمر : عارفة إن شركتي في الرياض داخلة مناقصة قوية ، و لازم أكون موجود ..
حَسناء : على أساس بو جابِر ماسك كل أمور هالشركة ، ليش تبي تكون موجود ؟
عمر : هذي مناقصة مهمة جداً ، و إن ربحناها هالشي بينعكس إيجاباً على شغلنا .. لازم أكون موجود و أتابع كل شي بنفسي ..
حسناء : و إذا ربحنا هالمناقصة ، بتترك شغلك بالمنشطات و غَسيل الأموال ؟
يعبُس وجهه ، حسناء بضحكة ساخِرة : مالك غِنى عن هالأمور .. يبه بقول شي ، وضعنا المادي الحمدلله صار فوق الريح ، و صار عندك شركات و أموال ، ليش للحين مصر تظل ماشي في الغلط ، متى بتصير قانوني ؟
عمر : هههههههههههههههه ، قانوني ؟؟ تدري لو مشيت عالقانون اللي قاعدة تتكلمي عنه ، كان قاعدين نعزف أنا وياكِ بشوارع ايطاليا و نتسول بالعزف ..
حَسناء : يعني الحين كل اللي معاهم فلوس حصلوا فلوسهم بالحرام ؟؟؟
عمر بغضب : لا تقولي حرام ، أنا اجتهدت ، بعدين فيه ناس حظها انها انولدت في عائلة غنية ، أنا ما انولدت كذا بس قدرت أكون نفسي من لا شيء ..
حَسناء : دام إنّك شايف إن اللي قاعِد تسويه ماهو حرام ، و اسمه اجتهاد مثل ما قلت ، أجل ليش كل هالتحفظ على شغلك ، و ليش دايماً تخاف إن الشرطة يعرفوا شي عن اللي تسويه و تتاجر فيه ؟
عمر : هذا ما هو الموضوع اللي جاي أتكلم فيه معاكِ ، هالفلوس اللي مو عاجبك مصدرها اهية اللي سوت منك بني آدمة و درّستك في أحسن جامعات إيطاليا ، لا تتكبري عالنعمة ..
تصمت ، لم يبدو عليها الاقتناع بكلامه ، يُردِف : أبيكِ تسافري معاي للرياض .. أبيكِ تتعرفي على بلدك ..
حَسناء : وش بسوي هناك ؟ ما أعرف أحد !
عمر : مو ضروري تعرفي أحد ، بس مو معقولة تكوني من أب سعودي و ما عمرك شفتِ بلدك ولا زرتيها !
حَسناء بملل : و جامعتي ؟؟
عمر : ما راح نغيب كثير ، أسبوع -10 أيام كحد أقصى ..
حسناء : يبه ، إنتَ أكيد ما تبيني أروح معاك بس عشان تعرفني ع بلدي ، قـول وش هـدفك من سفـري معاك !
ينهض عمر ، يقول بغضب : تدري ؟ إنتِ اللي ما تبي نكون أب و بنته ، كل ما أحاول أقرب منك كأب تبعديني ، و تطلعيني دائماً الرجل اللي يحاول يستغلك لمصلحته ، حتى و أنا قاعد أقولك إني أبيكِ تسافري معاي حولتي الموضوع لشغل و مصالح ، عكل حال تجهزي للسفر .. و مابي أسمع كلام بهالموضوع ..
يستوقفه صوتها عند الباب : و ريـم ؟
عمر : وش فيها ريم ؟
حَسناء : بتتركها و اهية حامل من دون مصروف ولا شي ؟؟
عمر : لا تخافي عليها ، فعلت حسابها فـ البنك ، خلها تولي اهية و ولدها ..
حسناء بتعجب : قاعِد تتكلم كأنه مو ولدك !
عمر : لا حول ولا قوة إلا بالله ، تصبحي على خير ..
يخرج ، يغلق الباب خلفه بقوّة ، تَعود حسناء إلى غرفة الملابِس ، تأخذ وشاحها ، تتحرك ببطء نحو سريرها ، تستلقي فوقه و وشاحها يغطيها ، هل سألتقي بك مجدداً يا فهد ؟ و لِم لا ؟ لعلّك ترد الجميل و تأخذني إلى جولة في شوارع الرياض التي لم يسبِق لي أن رأيتها إلا في الانترنت ، فقد فَعلت الكثير تِلك الليلة حتى ترد الجميل ..


،,

يتقدمان بخطوات مدروسة ، يبدو على ضحيتهم التعب و الإرهاق ، يتثاءب بكثرة و هو يتقدّم ببطء نحو منزله ، يتقدمان كليهما ببطء حتى يصبِحا خلفه تماماً ، يرفع أحدهما العصاة الخشبية السميكة ، ليضربه بقوة على مؤخرة رأسه ، الضربة التي تُسقِطه أرضاً ، فوراً و خلال ثانية فقط ، يبدو أنه انتقل إلى عالم آخر ، فقد القدرة على البقاء ضمن واقعه ، تشوشت الرؤية في عينيه تدريجياً و هو يشعر بشابين متلثمين يفتشانه ، حتى فقد الوعي تماماً .. يأخذان ما يريدان ، يتبادلان نظرات النصر المُبتسمة ، يجران ضحيتهما إلى جانب الطريق ، يتلفتان حولهما بمراقبة للطريق ، ينطلقان نحو سيارتهما ليختفوا في غضون ثوانٍ قليلة من المكان ..

في غُرفة التحقيق ، يدخل يحيى برفقة عَزيز ، يفاجئهم وجود عِصام في ذلك الوقت المتأخر ، يبدو عليه أنه معكر المزاج ، يتساءل يحيى : وش مرجعك ؟!!
يتنهّد عِصام ، يتجاهل سؤاله ليرد بسؤال آخر : فتشتوا بيت فهد ؟
يحيى ، يجلِس خلف مكتبه : فتشناه ، ولاقينا فلاش ميموري واضح إنها قديمة .. راح يجي الحين إبراهيم و يفتحها ..
عِصام : و ليش ما جا معاكم ؟
يحيى : قال بيروح البيت أول و بعدين بيلحقنا ..
يهز رأسه بصمت ، ينهض عزيز ، يستأذن يحيى ليعود لمنزله ، يخرُج ، يتقدّم يحيى من طاولة عصام ، بصوت خافت يقول : عِصام ، وش فيك ؟
دون أن ينظر إليه ، يطرق بالقلم فوق الطاولة : ما في شي ..
يجلِس أمامه : شلون ما في شي ؟ ليش رجعت ؟؟
يتنهّد ، يلتزِم الصمت ، يَحيى : قول عِصام ، وش مضايقك أنا مثل أخوك !
يرفع نظراته إليه ، بعد تردد يقول : أمي تبي تخطبلي ..
يَحيى ، و هو يعرِف تماماً ما ينتظره عِصام منذ بداية زواجه ، يتساءل : و انت وش رأيك ؟
عِصام ، يُميل رأسه : أنا ماني موافق أتزوج ، بس أمي مصرة على رأيها ..
يحيى : بس هذا القرار قرارك يا عِصام ..
ينهض مهموماً ، يقِف أمام النافذة : عارِف إنه قراري ، بس خايف أمي تزعل مني ، ماني عارف شلون أرضيها من دون ما أتزوج ..
يقف يحيى خلفه ، يربِت على كتفه : إنتَ أدرى يا عِصام ، بس حرام تتزوج بنت ثانية بس عشان ترضي أمك ، و تظلمها بعدين معاك ..

يتركه ، يعود لمكتبه لعدم رغبته في التدخل أكثر ، يعود عِصام للشرود ، و لم يزدد إلا حيرة ..

،,

،,

في لُجّة الظلام ، يجلِس سلطان خلف طاولته ، أمام شاشَة حاسوبه التي تمنحه ضوءً وحيداً في غرفته ، يبتسِم بسخرية و هو يسترخي على كُرسيه الدوّار ، و هو يُقلب تِلك الفلاش ميموري بين أصابعه ، و في يدِه الأخرى ، يحمِل سماعته على أذنه ، بلهجة إطراء شديد : والله وجودِك معاهم فادنا يا ياسمين ..
من عندها ، تبتسم و تقول بهمس : طبعاً ، إنتَ ما تعرف قيمتي و على طول ظالمني ..
يَضحك : ههههههههههه ، خلاص ولا يهمّك ، من هِنا و رايح راح أصير أعرِف قيمتِك .. وينكم الحين ؟؟
ياسمين : فهـد أقنع أمه ترد المستشفى عشان تتعالج ، و الحين في المستشفى ..
تتغيّر لهجتها و هي تنهض من مكانها ، حين تسمع فتح باب الغرفة ، تتحدث بارتباك : طيب حبيبتي أكلمِك بعدين .. مع السلامة ..
تُغلِق الخط ، تلتفت إلى فهـد ، تبتسم بتوتر : هـا وش قال الدكتور كل شي تمام إن شاء الله ؟
ابتسامة جانبيّة تظهر على وجه فهد ، يقترِب منها و يقول : لا تسوّي نفسِك ذكيّة ، ترى عارِف إنّك كنتِ تكلمي سُلطـان ، مو علي هالحركات !
ياسمين بارتباك : و ليش أكلمه يعني ؟
بذات ابتسامته ، يتفحّصهـا بنظراته حتى يزداد ارتباكها ، يتساءل بعد عدّة ثواني : عندي سؤال محيرني ..
ياسمين : وش هو ؟
فهـد : وش سِر تعاونك مع سُلطان ضدي ؟ مع إني وِلـد زوجِك ، المفروض توقفي معاي ..
تكتّفت ياسمين ، ابتسامة جانبية تُشابه تِلك التي على وجهه ، تظهر على شفتيها : و متى شفتني واقفة ضِدّك ؟
فهد : كل اللي صار المرة الماضية ، و مجرّد إنك تسمحيله إنه يستخدمِك كوسيلة عشان يضغط علي فيها ، ما تعتبريه إنّك واقفة معاه ضدنا ؟
تَرفع يدها لتحك فوقَ حاجِبها بتوتر ، ثم تجيب : لأنـه سلـطان ما تركني من يوم وفـاة أبـوك ، و لـولاه كان ضـاع حقي معاكـم ..
فهـد : آهـا ، عن أي حـق قـاعدة تتكلمي ؟
ابتلعت ريقَهـا خوفـاً من المفاجأة الجديدة التي ستُفجّرها ، لتقول بصوت مرتجف : أبـوك كان راح ينكرني لولا وجـود سلطـان ..
عَقـد حاجبيه : بينكرِك ؟ شلـون يعني ؟
ترتخي نظراتها إلى الأسفل : مقـدر أقـولك ، هذا شي يخصني و يخص مشعل ..
أخـذ نفساً عميقاً ، بنبرة غاضبة : مشعـل يكـون أبـوي اللي انقتل ، قـولي وش بعـد مخبيين عنـي ؟
ترفَع نظراتَها الحادّة إليـه ، بنبرة واثِقة ثابتة : أنـا حـامل يا فهـد ..
تَظهر ملامح الصدمة على وجهه ، بعدم تصديق : نـعـم ؟؟
تَعود للجلوس على الكُرسي ، بلهجة المغلوب على أمرِها ، تبدأ برواية قصّتها : عِندي أبـو ظالِم ، أمي توفّت و أنا طِفلة ، و أبـوي تزوّج ، و تَركني لجدتي تربيني ، ما كِنت أشـوفه إلا فـ المناسبات و بعد ما جدتي تترجـاه يزورني ، زوجـته ما كـانت تحبني ولا كـانت تخليني أدخـل بيتهم ، ماتت جدتي لما كـان عمري 16 سنـة ، و اضطريت أعيش بعدها مع أبـوي اللي ما كِنت أعرف عنه شي ،
يقترب فهـد بإنهاك ، و قلّة حيلة ، يجلِس على الكرسي المجاور لهـا ، يستمع إليها بإنصات ، فتردف : خلال 6 شهور اكتشفت إن أبـوي يِلعب قمـار ، و معتمد على فلـوس القمـار فـ كل حياته ، زوجـة أبـوي ما كـانت تعترض لأنه كـان يكسَب و يدخّل فلـوس ، ما همها هالفلوس حلال أو حـرام .. و استمرينا بهالحـال إلين صـار عمري 28 سنـة ، عِشتهم مع أبوي و زوجته مادري شـلون تحملتهم و تحملت قسوتهم ..
فهـد ، بعد أن أطلق تنهيدة طويلة : كـافي تراجيـديـا ، قـولي اللي يهمني أسمعـه ..
تظهر ابتسامة ساخِرة : لا تستعجل ، بتعرف كل شي .. لمـا صِرت 28 سنة ، و أبـوي طبعاً مستمر فـ لعب القمـار ، بدا يِخسَر ، و كل ما يخسر كان يطمَع ، و يتحدى نفسه إنه يبي يعوّض خسـاراته ، بس كل مرة كان يخسر أكثـر ، استمر على هالحـال إلين خسر كل فلوسه ، حتى البيت اللي كـان قاعـد فيه خِسره ، زوجـة أبوي ما اتحملت ، خذت أولادها و ردّت لبيت أهلـها ، و ظليت أنـا ، مالي مكان أروحله ، و اللي بيصير على أبوي بيصير علي .. آخر شي كـان يملكـه أبـوي ، اهوة أنـا ، جِسمي .. و كِنت أنـا اللي بدفع ثَمـن خسارته هالمرة ..
تزاحَمت الدموع في عينيه ، ينظر إليها و هو يجاهِد نفسه ألا تسقط إحدى دموعه أمامها ، تساءل بنبرة مهتزة : و مـنو اللي ربـح ؟
ياسَميـن : الرابح كان ، مشعـل شهـران .. و هالشي كـان قبل وفـاته بشهـرين تقريباً ..
غطّى وجهه بيديه بعجز عن أن يمنع دموعه ، أردفت : أبوك اللي عاش آخر سنوات حياته مع حرمة مريضة مو قادرة تكون زوجة تقوم بكل حقوقه ، أعجبته الصبية اللي كانت تستلم لخسـارات أبـوها كل ليـلة ، و بعـد شهـر تقريباً ، حسّيت بأعراض الحمـل ..
رفع يديه عن وجهه الأحمر كالدم ، بعد تفكير : و سلطـان شلـون ساعدك ؟
ياسمين : كـان الوحيد اللي يدافع عني كل ما دخل علي أبوك الغرفة ، طبعاً سلطان كان من أهم لاعبي القمـار ، بس كـان خايف علي ، و لمـا حسيت بالحمل ، حاولت أوصل له ، اتصلت فيـه و قلتله ، و اهوة اللي ضغط على أبوك علشـان يتزوجني و يعترف بالولـد ، و لولا سُلطـان ، كان الحين أنا و ولدي مدري وش بيصير فيـنا ..
فهد بهدوء : أبـوي كان يلعب قمـار ؟ و كـان زانـي ؟ هذا اللي مـات عليه أبـوي ؟ اللي قاعدة تنتظريه هالحين ، ولـد حرام ؟؟
وَضع رأسه بين يديه : شلـون أساعدك يبـه ؟ شلـون أكفّرلك عن كل هالذنوب ؟؟
ياسمين : بعد ما تزوجنا ، أبـوك حس بغلطه و تحسنت معاملته معاي ، الله يرحمه ، قريباً راح أدخل بالشهر الثـالث ، كـنت قـادرة أجهضه ، بس هالولد ماله ذنب ..
ظهرت ابتسامة ساخِرة على وجهه ، نهض من مكانه و قال : أنا برد البيت و بكرا باجي أشوف أمي ، الكلام هذا إياك أمي تدرى فيه ، خليك معاها و أي شي اتصلي فيني ..

تركها و التفت خارجاً و هو يشعر أنه ترك دماغه عندها ، لـم يُجهض ذلك الجَنين ، فإنه ليس لـه ذنب بما اقترفت يدا والده ، و هـل كـنت أنـا المذنب يا أبي لأعاقب بتِلك القَسوة ؟



،,



اقتربت السّـاعة من الثالثة فَجـراً ، اقتربت أم إبراهيم برداء الصّلاة ، بملامح قلق و ذعر ، نحـو باب غرفـة ابنتِها عَروب ، تطرقه بهدوء عدّة مرّات ، في الداخل ، تفتَح عروب عينيها ببطء و هي تعتقِد أن طرْق الباب توهماً ، حتى تكرر أكثـر ، رفعت رأسهـا عن الوسـادة لتعتدل في جلوسـها ، بخوف رَفعـت شعرها عن وجهها ، تقدّمت نحو الباب و فتحته ، بخوفٍ قالت : يمـه ، وش فيكِ ؟؟
أم إبراهيم : أخوكِ للحين ما رد البيت ، خايفة يكون صارله شي !
تنفّسـت بعمق : يمـه خرعتيني والله ، يكـون انشغل بشي يمـه إنتِ عارفة طبيعة شغله !
هزّت رأسهـا بنفي ، بنبرة خائفة : أخـوك ولا عمـره تأخر لبعـد الساعة 12 ، مستحيل يتأخر علينا و احنا حـريم بروحنا لو مو صاير معاه شي ! عالأقل كان اتصل و قال إنه بيتأخر !
أخذت بيدها و سَارت معها نحو السرير ، عَروب : طيب يمه قعدي شوي ، وش نقدر نسوي مالنا غير ننتظر ..
تجلِس والدتها : وش ننتظر !! اتصلي بجيهـان خليها تكلّم أختها ، زوجها يشتغل معاه أكيد يعرف وينه !
عَروب بتردد : يمه مادري بس مو شايفة إنها مو مناسبة أتصل بهالوقت فيها ؟ جربتِ تدقي على إبراهيم ؟
الخوف يزداد وضوحاً في نبرتها : دقييت جواله مقفول ، دقي على جيهان ما فيني صبر دقي عليهاا
عروب و هي تفتح جوالها : طيب يمه اهدي راح أدق عليها ..
تبحث بسرعة عن اسم جيهان ، بإبهامها المرتجف تضغط على زِر الاتصال ، تبادل والدتها بنظرات الخوف و الاستفهام ، بعد ثوانٍ ، ردّت جيهان بصوت ملؤه النعاس ، تقول باستغراب : عَروب ، وش فيك ؟؟!
عَروب : آسفة إني دقيت بهالوقت ..
تفرك جيهان عينيها و تقول بخوف : لا ما في مشكلة قولي وش صاير ؟؟
عَروب : إبراهيم للحين ما رد البيت دقينا عليه جوّاله مقفول ، و أمي قلقانة مو عارفة تنام ، لو تدقي على أختِك مريم تسأل زوجها ، أكيد يعرف شي !
جيهـان بخوف تحاول أن تخفيه : طيب الحين أكلمها ، قولي لعمتي لا تشغل بالها إن شاء الله ما في شي ..
أغلقت السمّاعة فوراً ، نهضت من مكانها لتعتدل في جلستِها ، أشعلت اللمبادير لينتشر ضوء برتقالي خافِت في الغرفة ، وضعت السماعة على أذنها بعد أن طلبت رقَم أختها ، تَسمع صوت الرنين و هي تهز قدمها بتوتر ، في الجِهة الأخرى ، تتقلّب مريم بتعب فوق سريرها ، غير مبالية بصوت رنين هاتفها ، أفكـار سيئة تراودها تظهر في أحلامِها ، حتى يستيقظ عِصام على صوت الجوّال ، يختطف نظرة ليجِد اسم جيهـان ، يهزّ كتف مريم بقوة : مريـم قومي ..
تفتح عينيها بتعب : عِصـام ، وش فيك ؟
ينظر إلى هاتِفها مجدداً ، حيث انقطع الاتصال و هَدأت نغمته : قومي قومي دقي على أختِك ، كانت تدق عليكِ أكيـد صايـر شي !
تلتفت إلى الكومدينا إلى يسارِها ، تلتقط جوّالها : فِعلاً داقة علي ، خير إن شاء الله ..
تُعاوِد الاتصال بها ، قَبل أن تكتمل الرنّة الأولى ، ترد جيهـان : مريم ..
تعتدل في جلستِها : جيهـان وش فيكِ ؟ ليش داقة علي هالحزة ؟؟
ابتلعت ريقها لتتحدث بسرعة : دقّت علي عَروب و قالتلي إن إبراهيم للحين ما رد البيت ، و قلقانين عليه ، دقيت عليكِ عشان تسألي عِصام يمكن يعرِف شي ..
مَريم : طيب طيب ،
تلتفت إلى عِصام لتسأله : عصام هذي جيهان تقول إن إبراهيم للحين ما رد البيت و ما شافوه اليوم ، تعرف وينه ؟
يعقِد حاجبيه و يَقول بصوت كان مسموعاً لدى جيهـان : كـان مع يحيى و عزيز ، و لما ردوا المركز قالوا إنه بيمر البيت وش صاير عليه !!
مَريم : جيهان عِصام يقول ..
تُقاطعها بخوف : سمعت ! وين راح يا ربي ! وش بنسوي الحين ؟
عِصـام : قولي لها إني قلت إنه في عنده شغل اليوم ، لا تقلقوا أنا رايح المركز أشوف السالفة ..
مَريم : جيهان لا تشغلي بالهم الحين ، عِصام رايح المركز و بيكلمني ، قوليلهم عنده شغل ..
جيهـان : طيّب ، راح أجرّب أدق على إبراهيم يمكن يرد ..
مَريم : اوكيه حبيبتي و أنا بردلك خبر أول ما يكلمني عِصـام ..

خَمس دقائق ، في غُرفة عَروب ، أغلقت الخط بابتسامة عريضة ، توجهت لوالدتها لتقول : مو قلتلك يمه ، عنده شغل ، الحين زوج أخت جيهان قال إنه مكلفه بشغل عشان كِذا تأخر ..
لا زال القَلق يبدو على ملامحها : طيّب ليش جوّاله مقفول ؟ ماني مرتاحة !
عَروب : يمه أكيد فضي شَحن عشان كِذا مقفول ، قومي الحين نامي و إن شاء الله بكرا تقعدي من النوم تلاقيه موجود ..
تتنهّد والدتها ، تخرج من الغرفة مُرغَمة و هي تشعر أن مكروهاً قد أصاب ابنها ..

في الجِهة الأخرى ، عَـاودت الاتصال عدّة مرات ، عاد لينبِض قلبها و هي تَسمع رنة هاتفه ، تحمِد الله في سرّها ، لكن القَلق راوَدها مجدداً حين انتهى الاتصال دون أن يرد عليـها ، لتقول في ذاتِها ، و لِم كل ذلك القلق يا جيهـان على ذاك الذي لم يُفوت فرصة ليُحطّمك ، منذ تلك اللحظة التي وقّع فيها على عهـد الألـم الذي سيقذفكِ به حتى النهاية .. انتفضت يدها مع صوت نغمة الجوّال حين وصلتها رسالة مُرعبة من رَقم إبراهيم ، نصّـها : " خـلاص كـافي تدقـوا على هالرّقـم صاحِب الجوّال قدّام بيتـه و ما في خَطر عليه بس روحوا أسعفوه لأننا ضربناه على دمـاغه "
تَشهق بخوف و عَدم فهـم ، تتصل بمريم مُسرِعة ، يأتيها الرد فتقول بخوف : مريم وصلتني رسالة من جوّال إبراهيم !
يصِل عِصـام إلى باب الغُرفـة ، يقِف في مكانه مترقباً ، تقترب منه مريم و تقول : جيهـان تقول إنه واصلها رسـالة من جوّال إبراهيـم !
يَسحب مِنها الجوّال و يقول بعجلة : السّلام عليكم ، وش الرسالة اللي وصلتك ؟
جيهـان بصوتها المذعور : يقولون إنه ضربوه على دمـاغه و لازم نسعفه !
عِصـام : اقرأي لي الرسـالة مثـل ما هي ..
قرأت عليه نص الرّسـالة ، اتسعت عيناه بدهشة ، بسرعة قال : طيّب خلاص أنا رايح أشوف الموضوع ..
ألقى السّمـاعة إلى مريم ، التي تبعته متسائلة : عِصـام وش صـاير ؟؟
دون أن يلتفِت ، وضع مسدّسه في الجهة الخلفية من بنطاله و هو يقول : ما في شي لا تقلقي ، راح أكلمك أول ما يصير شي ..

خَرج من عندها بسرعة متجّهـاً نحو سيارته ، ركِب خلف المقود ، وضـع السمـاعة على وضعية السبيكر ، و هو يتصل بـيحيى ، الذي رد بعد عدّة رنـات بصوت ناعِس ، ليتساءل عِصام : يحيى إبراهيم رد المكتب بعد ما أنا رحت ؟
يعقد حاجبيه : لا انتظرته و ما رد ، و كلّمته ما رد قِلت يمكن تعب و ظل في البيت ..
صوت أنفاسه المتسارعة كانت الرد ، يتساءل يحيى بريبة : عِصام وش صاير ليش قاعِد تسأل ؟
عِصام : كلّمتنا قبل شوي خطيبته ، و قَالت إنه ما رد البيت ..
نهض يحيى من فرشته : شلون ما رد البيت ! أنا وصّلته قدّام بيته شلون يعني ما رد !!!
عِصـام : و لما حاولت تدق عليه أكثر من مرة وصلتها رسالة إنهم ضربوه على دماغه ,,
يحيى : عِصـام وش قاعِد تقول ماني فاهِم شي !
عِصام : أنا بروح الحين لبيت إبراهيم اتصل بعزيز و حصلوني ..
هزّ رأسه بسرعة موافقاً ، أغلق السماعة بتشتت و هو يتجه لدولابه ، يُخرِج قميصه الأسود و بنطاله ، يَخلع بيجامته و يرتدي ثيابه بسرعة ، يأخذ سلاحه و ينزل مسرعاً ، يتصل عدة مرات بعـزيز دون أن يجِد منه رداً ، تأفف و هو يفتح باب سيارته منزعجاً من عدم رد عزيز ، ركِب و سار نحو بيتِ إبراهيم ..
،,


فَتحت عينيها على اهتزاز جوّالها الموضوع إلى جانب وسادتِها ، للمرة الأولى يرن هاتفها في هذا الوقت ، تعجبّت بخوف و هي ترى اسمـه ، بدأت تنظر حَولـها بارتباك ، نَهضـت لترتدي خفّـها في قدمـها و تخرج ، تتجه على رؤوس أصابِعها نحو المطبخ ، ترد بصوت هامس : آلـو ..
يبتسِم و هو يسمَع صوتها بعد أن اعتقد أنها لن ترد ، يصمت ، فتقول : فهـد ، انتَ بخير ؟
فهـد : مانـي بخير ، تعبـان يا شهـد ..
ابتلعت ريقَـها ، بخوف تساءلت : وش فيك ؟ قول وش صاير معاك ؟
فهد : أبوي تركلي هموم الدنيا كلها و راح .. ماني قـادر على هالدنيا يا شهد ، ماني قـادر !
شهـد بذات الهمس : ليش قاعِد تقول كِذا ؟ ربنـا أكرمك و صـار عندَك فلوس تقدر تعالج أمّك و تشتغل و تحسّن حياتَك ، ليش كل هاليأس ؟
ظهرت ابتسامة سخرية على وجهه ، ثم قال : شهـد ، ممكن ما نتكلّم في هالشي ؟ أنا داقق عليكِ عشان أنسى همي شوي ..
اتسعت عيناها ، و بنبرة تجلى فيها الخجل : عن شنـو بنتكلم يعني ؟
فهـد : عنّـا ..
عَقدت حاجبيها لترد بارتباك : عنـا ؟
فهد بضحكة : ههههه ايه عنا ، ليه مستغربة ؟
شهـد : لاا ، ماني مستغربة ، بس ما فهمت ، شلون تقصِد ؟
أخـذ نفسـاً عميقاً ، ليقول بعد تردد : يعني عن عيونِك ، جَمـالِك ، عن قَلبي وش يصير فيه لا شافِك !
ازدادت سرعة أنفاسها و هي تقول باضطراب : فهد ، إنت وش تبي مني ؟
فهـد : مادري ، بس أكيـد أمي عارفة ، لأنها تعرفني أكثر مني ..
تنحنحت ، ثم قالت : وش تقصِد ؟
فهـد : اليوم كلّمتني ، قالت إنها عارفة عن اللي بيني و بينِك ..
شهد : وش اللي بيني و بينك !!
فهـد : النظرات ما تكذب يا شهـدي ، أنـا أبيـكِ .. مـا تَبيني ؟
ابتلعت ريقَها ، و ردّت بنبرة مرتجفة : هالحين مو وَقت هالكَلام !
فهد ، بابتسامة جانبية : ليش ترجفي ؟؟ بردانة ؟
أنزلت السمّاعة بسرعة عن أذنها ، أغلقت الخط دون أن تودّعـه ، رَفعت يدها إلى قَلبِها الذي كادَ يخرج من مكانِه ، إنّك غَريب جدًا ، لا أشعر بالراحة أحياناً تجاهَك ، لم تعد فهد الذي عشِقت يوماً ، تعرف بذاتك أنّك تغيرت ، إلا أنني غير قادِرة على السيطرة على نبضات قلبي في كل مرة يُذكَر فيها اسمك أمامي ،
انتفضت و هي تسمع صوت خطوات قادمة ، أخفت جوّالها في جيب بنطال البيجامة ، أخذت كأساً لتملأه بالماء ، صَوت طارِق يتساءل بهدوء : شهـد ؟ وش تسوي ؟؟
التفتت و هي تمسك بكأس الماء : ما في شي ، قمت أشرَب مويا ..
نظر إليها بريبة ، هزّ رأسه بهدوء و عدم تصديق ، تحرّك متجهاً نحو الحمام ، تنفست شهد الصعداء ، عادت بسرعة إلى غرفتها ، اندسّت تحت لحافها ، و قـَد غادر النّـوم عينيها و لم يعد مجدداً في تِلك الليلة .


،,

عدّة سـاعـات مَضت ، السّابعة و النصف صباحاً ، المُستشفى قِسم الطوارئ ، يجلِسان إلى جانِبه ، يفرك يحيى كفيه بتوتر و غَضَب ، أفكار عديدة تتلاحم في ذِهنه ، و أسئلة لا نهاية لهـا تدور في عقله ، شَبَك أصابِعه ببعضِها ، يثبت عيناه نحو إبراهيم النائم أمامهم ، رأسـه ملفـوف بقطعة شاش بيضاء ، يجلِس عِصام إلى جانِبه و يهمس له : رأيـك منـو اللي ساوى كِذا ؟
عاقِداً حاجبيه بحقد ، أخذ نفساً ثم أخرجه و أجاب : مادري ، مالنا غير ننتظر إبراهيم إلين يصحى ، و إن شاء الله ما يكون اللي فـ بالي صحيح ..
عِصـام : وش اللي فـ بالك ؟
تقدّم إليهما عَزيز متعجّلاً ، وَقف أمامهم و قال و هو ينظر إلى إبراهيم : شلـون صـار كِذا ؟ وش قال الطبيب ؟؟
رفَع يحيى نظراته الجامِدة إليه ، رمقه بنظرة حادّة ، و عاد للتحديق في إبراهيم ، نَهض عصام ليقف بمحاذاة عَزيز : إنتَ وين كنت للحين ؟؟
عَزيز : لما دق علي يحيى كِنت نـايم ..
عِصـام : دق عليك ألف مرة معقول ما سمعت رنة الجوال ؟؟
عَزيز و هو يُرخي أنظاره : كِنت حاطط الجوّال عالصّامت ..
يحيى بصوت جهوري حاد : أجـل التحقيق ماهو شغلك ، لو تبي تحط جوّالك عالصّامت و تنام ، لازم تشوفلك شغل ثاني غير الأمن الجنائي ..
ابتعدت شفتيه عن بعضِهما لينطق بتبرير ، استبقه يحيى و هو ينهض و يتحدّث بذات لهجته الحادّة : يوم تعيّنت معانا بشكل رسمي ، كنت بشرحلك طبيعة شغلنا ، ما تركتني أكمّل كلامي و قعدت تقول عارِف تراني مو جاي من كلية الرياضة ، و الحين يوم نحتاجك نلاقيك نايم في بيتَك و جوّالك عالصّامت بعد !
عِصـام بخفوت : يحيى خلاص ماهو وقت هالكلام ..
يحيى : هذي آخرة اللي يتوظفون بالواسطة !
ارتفـع حاجِب عزيز الأيسـَر معبّرًا عن احتجاجه ، إلا أن عِصـام أشـار لـه بنظراته ليختصِر الحَديث ، تنحنح عِصـام و قـال : يا شباب والدة إبراهيم و خـواته صـار عندهـم خبر ، أنا قلتلهم ماله داعي يجون المستشفى ، بس إذا شفتوهم جايين اتركوهم بروحهم مع ولدهم ..
التزموا الصّمت في آن معاً ، تبادل النظرات غَير المفهومة كانت تَسـود المـوقِف ، حتى خَرج صوت باهِت من حنجرة إبراهيم المتعبة ، التفتوا إليه في آن معاً ، اقتَرب عِصـام : إبراهيم ، الحمدلله عَ سلامتَك ..
عقد حاجبيه و هو يرى المكان من حولِه ، تساءل : وش صار !
يحيى ، يجلِس أمامه : المفروض احنا اللي نسأل مو إنت ..
رمَقه عِصام بنظرة و هو يقول بحدة : يَحيى !!
تنحنح ، ابتسم رغماً عنه و قال : الحمدلله ع سلامتَك ...
اقترَب عزيز و قال بابتسامة : الحمدلله ع سلامتك يا إبراهيم .. " التفت إلى عِصـام " : عِصـام أنا بروح المركز لازم يكون فيه واحد منا هنـاك ..
هزّ رأسـه بالموافقة ، تركهم و خرج دون أن ينظر إلى يحيى ، الذي لم يعجبه تصرف عزيز إذ أخذ الإذن من عِصـام بدلا منه ، رفَع إبراهيم رأسـه ، ليضع يده و يضغط بها فوق جرحه الملفوف بالشاش ، يتساءل باستغراب : يا جماعة وش اللي صار أنا وش أسوي هِنا ؟
عِصـام : فيـه جماعة تعرضولك و ضربـوك فـ راسك من ورا ، و تركوك فـ الطريق إلين جيت أنا و يحيى و أسعفناك هِنا .. و الحمدلله لحقناك لأن الضربة كـانت بمكان خطير !
إبراهيم و هو يتنقل بنظراته بينهم : و ليش يضربوني ؟؟
يحيى : علشـان ياخذوا منّك الفلاش ميموري اللي لقيناها فـ بيت فهـد ..
عَقـد حاجبيـه و هو يفكّر ، يستذكر آخر ما حدث معه ، تمر في باله كأطياف مشوشة غير مترابطة ، يتقدّم يحيى بجسده : إبراهيم إنتَ شفت اللي ضربوك ؟ يعني تقدر تتذكرهم ؟
عِصـام : يحيى ، الرجال توّه صاحي بديت معاه تحقيق؟! اتركه يرتاح و يتحسّن أول !!
تساءل إبراهيم : مين مصلحته يسرق الفلاش مني ؟؟
يحيى و هو يتكتف : مو هذا السؤال ، السؤال منـو اللي يدرى بموضوع الفلاش أصلاً ، أنا و إنت و عزيز كنـا موجودين فـ بيت فهـد ، و اللي شافوا الفلاش غيرنا اهمة البنية المرافقة ، و فهـد ، يعني اللي ضربوك على معرفة بواحد كـان موجود لما لقينا الفلاش !
إبراهيم بتعجب : لا تقول إنك شاكك بعزيز ..!
هزّ رأسه نافياً ، أخذ نفساً عميقاً : شاكك بـ فهـد ..

،,


بعد عدّة سـاعات ، رومـا ، تجلِسان في الكفتيريا التابعة للأوتيل ، أمام كل منهما كـوب عصير برتقال ، ريـم : وافقتِ تسافري معاه ؟
حَسناء بخيبة : أنا ماقدر أقـول ايه أو لا ، أنا أنفـذ و بس ..
عقدت ريم حاجبيها ، و هي تحدّق في ملامح وجه حسناء المليئة بالعجز ، ما جعل حسناء تصحو على ذاتِها ، تصلّح الموقف بابتسامة مفتعلة : أمزح معاكِ وش فيك ، أكيد وافقت أنا حابة من زمان أزور الرياض ..
هزّت رأسهـا ، عاد الصمت ليكلل المشهـد ، قَطعت حسناء الصّمت : ريـم ، إنتِ تحبيه ؟
ريم بارتباك : أحِب منو ؟
حسناء : منو يعني ، عمر حرب ..
ريـم ، أخذت نفساً عميقاً : مادري إذا أقـدر أقـول عن مشاعري لأبوكِ حب ، بس عمري ما حسّيت بأمـان إلا معـاه ، اهوة اللي أخذني من حياتي الصّعبة ، و اهوة اللي خلاني متمسكة فـ هالدنيا ، و الحين ربـنا بيعطيني منـه ولـد يملى علي حياتي ، شلـون ما راح أحـبه ؟
تَرفع حسناء حاجبها الأيسر ببطء : بس اهوة رفض هالطفل ، و كـان مستعد يموّته .. بعدين مَنتِ أول وحدة يتزوجها أبـوي بعـد أمي .. يعني يمكن هالحب ما يكون متبادل ...
ابتسمت ريـم بسخرية : مو يمكـن ، أكيـد ، أبوكِ يا حسناء للحين يحلَم بأمّـك ، أنا أحسِدها ..
حسناء بتعجب : تحسدينها ؟ على شنـو ؟
ريـم : لأنها الوحيـدة اللي قدرت تخلي أبوكِ يحبها ، و ما ينساها ، حتى بعد كل هالمدّة اللي انفصلـوا فيهـا عن بعض ، ما انفصلت عن دماغه و قَلبه ..
حسناء : صحيح إن أبوي للحين يفكّر فيها ، و للحين ما انفصلت عن دماغه و قلبه ، بس مو لأنه يحبّها ، لأنـها الوحيـدة اللي ضعف قدّامها ، و فـ وقت كل الحريم اللي عرفهـم كـانـوا خاتـم في اصبعه ، اهية الوحيدة اللي تركـته و ما اهتمّت له .. يعني الوحيدة اللي كَسرت قلبه و أوجعته ، و الرجال ما ينسى اللي توجع قَلبه ..
ريـم : أفهـم من كلامك الحين إنك تعطيني وَصفة عشان أعرف أتعامل مع أبوك ؟
نَهضت حسناء و هي تحمل حقيبتها : افهمي اللي تبيه من كلامي ، بس أنا متأكدة إذا بتظلي على موقفِك هذا ، الولد هذا اللي جـاي ما راح يتربى بعيد عن أبـوه ..

التفتت لتخرج ، و تتركها حائرة في أمرِها ، لِم أنتَ عَسير إلى ذلك الحد يا عمر ؟


انتهى

أعزائي القرّاء ، البارت ما كـان طويل مثل الوعد ، و هذا شيء يخجلني .. عدا عن التأخير ..

اللي صار إن الوالدة طاحت علينا ، و نقلناها للمستشفى ، و نامت كذا يوم بسبب فيروس شديد ، و اضطريت كوني البنت الوحيدة أكـون معاها على طول في المستشفى ، و اليـوم قدرت أدخل البيت و أفوت المنتدى ، حاولت أفوت المنتدى من الجوّال لكن ما قدرت للأسف .. و لما رجعت نزلت الشيء اللي كتبته لأجل ما أتأخر عليكم أكثر من كذا ..
أتمنى أن يكون عذري مقبولاً ، و اسمحوا لي بالتعويض في الأجزاء القادمة بإذن الله ..

انتظروني الاثنين القادِم ، أحبكم ..


طِيفْ!




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 01-01-20, 01:38 AM   #18

Magic21

? العضوٌ??? » 416806
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 45
?  نُقآطِيْ » Magic21 is on a distinguished road
افتراضي

أهم شيء سلامة والدتك الله يحفظها ويشفيها 🧡🧡

Magic21 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-01-20, 02:06 AM   #19

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بأنقل لكم كلام الكاتبه


انتقلت إلى رحمة الله عز و جل والدتي ، رحمها الله و أسكنها فسيح جنانه ..

سامحوني عالتقصير و رح أحاول أكون معاكم في أقرب وقت بإذن الله

أختكم طِيف ..


الله يغفر لها ويرحمها ويصبرهم



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 17-01-20, 07:17 AM   #20

الزمن القديم
 
الصورة الرمزية الزمن القديم

? العضوٌ??? » 444275
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 258
?  نُقآطِيْ » الزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond reputeالزمن القديم has a reputation beyond repute
افتراضي

عظم الله اجرك اختنا طيف الله يرحم الوالده ويسكنها فسيح الجنان ويصبركم ويربط على قلوبكم
لله ماأخذ ولله ماأعطى ..


الزمن القديم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:46 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.