15-11-19, 11:43 PM | #11 | ||||||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة
| ،, تقِف خلف المجلى تُشطّف الصحون بالماء ، شاردة في مكان آخر ، اقتربت منها عبير و هي تحمل الملاعق و تضعهم داخل المجلى ، تقول بهمس : حظّك من السما .. إنتِ دخلتي و بعد دقيقتين أبوي دخل .. لم تكترث بكلامها ، استمرت في غسل المواعين و هي تفكّر في ملامح فهد و حسرتها لبعده عنهم ، لم تعد قادرة على أن تراه في كل صباح ، أردفت عبير بنفس الهمس : بس أبعرف وين كنتِ ؟ شهد : أحاول أحل مشكلة طارق اللي أبوكِ مو سائل عنّه ، أمّك المسكينة ما نامت الليل من قلقها .. جحظت عيني عبير : رحتِ مركِز الأمــن ؟! تجعّد جبينها و عقدت حاجبيها بتقزز من ذِكر اسم المركز : لاا طبعاً ، " هَمست بابتسامة " : رحت لفهـد .. شهقت بصوت تحاول أن تكتمه : اهــئ !! شلــون و ويـن وش سويتوا ؟ ضربتها بخفة على كفّها : و صمخ وش بنسوي يعني ، قلتله عن مشكلة طارِق عشان يساعدنا .. تكتفت و تساءلت بسخرية : فهـد يسـاعدنا ؟ من ويـن يقدر يساعدنا و اهو حاله أسوأ من حالنا ! ظهرت ابتسامة جانبية على وجهها : هه ، حبيبتي فهد اللي تعرفيه زمان ماهو فهد نفسه حق اليوم ، تغيّر مرة ، عنده بيت ، و سيارة ، و فلوس ، و أكيد واسطة .. عبير : و من وين كل هالشي ؟ تنهدت شهد : مادري ، كل اللي أعرفه إنه صار بدنيا غير الدنيا اللي كان فيها ،، عبير : طيب ما قالك شي عنكم ؟ شهد : عنا ؟ وش قصدِك ؟ عبير بابتسامة تحاول اخفاؤها : يعني وش آخرة هالنظرات من بعيد لبعيد ، وش آخرة هالحب العذري هذا ! شهد بخجل : بس يا بنت وش هالكلام الماصِخ ! بعدين أقولك رحت أكلمه بخصوص طارِق و يا دوب كلمتين عالباب ، جاية تقوليلي حب و ما حب .. عبير : صدقتِ ، عجبتيني لأن اهو لازم يفتح معاكِ الموضوع مو إنتِ ، هذولا الرياجيل لا شافوا وحدة تحبهم يتكبروا عليها حتى لو كانوا يحبونها .. شهد ترفع حاجباً : ما شاء الله ، من وين عندك هالخبرة آنسة عبير ؟ عَبير : من الروايات اللي أقراها كونه ما في تلفزيون نشوف مسلسلات .. قاطعهم صوت رنة قصير لرسالة نصية وصلت على هاتف شهد ، التي ارتبكت و نشّفت يديها في بنطالها بعجلة ، أخرجت الجوال من جيبها و همست : عبير وقفي عند الباب إذا أبوي جاء قوليلي .. عبير : أبوي مو هِنا ما سمعتيه لما قال إنه رايح يشوف جارنا بـو خالد ؟ صمتت و هي تقرأ رسالة فهد بابتسامة ، عبير : اللي ماخذ عقلك يتهنـى !! شهد : هسسس ، " تابعت قراءة رسالته " : " شهد ، عساكِ بخير ، أبغاكِ تكوني متطمنة ، طارِق اليوم أو بكرا بيكون بينكم ، أنا تصرّفت و بإذن الله ما رح يتأخر أكثر من كِذا ، انتبهي على نفسِك " بدأت تضغط على أزرار جوالها و تكتب رداً ترسله بسرعة : " مشكور ماني عارفة شلون أتشكرك ، و أعذرني من لهفتي على أخوي نسيت أقول لك الحمدلله عالسلامة ، و يا ليت تسلملي على خالتي جواهر و تعتذر منها عني إني ما قدرت أدخل أسلّم عليها ، " جاءها الرد سريعاً و مربكاً : " ربي يسلّمك و يسعدِك ، لا تخافي عَمـتـِك جواهـر تحبّك و ما راح تزعل منّك " اتسعت ابتسامتها و هي تقرأ تِلك الكلمة ( عمتِك ) ، أيقصِد بها ما أفكر فيه ؟ ألا زِلت تريدني يا فهد كما أريدك أنا بكل خلية في جسدي النحيل ؟ بدأت تختفي ابتسامتها و هي تتذكر حقد والدها على فهد ، و استحالة قبوله به كنسيب لهم ، أطلقت تنهيدة حارة و هي تخفي جوالها في جيبها ، اقتربت عبير : هذا فهد ؟ التزمت الصمت ، فأردفت عبير : انتبهي يا شهد ، والله لو أبوي يدرى إنّك تكلميه بيذبحك و يذبحه ، و طارِق بعد ! شهد مرتبكة : منو قالك إني أكلمه شايفتني أغازله مثلاً ؟ كل الموضوع إنه طمني عن طارِق ، قومي سوي شاي و خذيه لأمي يلا .. يُطرق الباب في وقت لم يعتادوا فيه زيارة أحد ، تذهب عبير بحركات خفيفة ، تقف خلف الباب و تسأل : مـين ؟ صوته الضّخم من الخارِج : الأمن الجنائي .. ترفع عبير حاجبيها بخوف و دهشة ، تمشي على أطراف أصابعها بسرعة متجهة إلى المطبخ ، تنظر إليها شهد باستفهام ، فتقول بهمس : هذولا الأمن الجنائي ! تعقِد شهد حاجبيها و هي تتساءل في داخلها عن سبب قدومهم ، تغلق الحنفية ، تنشّف يديها من الماء و ترفع الشال عن كتفها لتغطي به شعرها ، تلتفت إلى عبير : خليكِ عند أمي ، ولا تقولي لها شي .. اقتربت شهد من الباب ، تغلق أصابع يدها اليُسرى على حجابها من جهة الرقبة كي لا يفلت أمامهم ، و بيدها اليمنى تفتح الباب ، ذلك الطويل ، و عضلات جسده التي تدل على تدريبات قاسية تلقاها منذ زمن ، يعطيها ظهره و يديه في جيوبه ، يقول دون أن يلتفت : بـو طارِق موجود ؟ شهد تقف خلف الباب : خير ان شاء الله وش تبي منه ؟ مو كافي خذيتوا أخوي ؟ وش تبون من أبوي بعد ؟ أطلق زفيراً سريعاً ، التفت : هذا مو شغلك ، أبوكِ موجود أو لا ؟ شهد : لا مو موجود ، و ما أنصحَك تخليه يشوفَك لأنه ما بيعديها لَك على خير إنّك أخذت أخوي .. رفع حاجبه الأيسر ، تعالت ضحكته ذلك الذي ظنّت شهد أن وجهه لا يعرِف حتى الابتسام ، تساءلت بنرفزة : خير ان شاء الله ضحكنا معاك ! أخذ نفساً ، توقّف عن الضحك بشكل مفاجئ : اللي ضحّكني ثقتك و إنتِ تهددي ، بدا على وجهها التوتر : أخوي طارِق وينه ؟ و ليش أخذتوه ؟ أخذ يمرر نظراته في الشارع أمامه على المارّة ، قال ببرود : أنا ماني جاي أتكلّم في موضوع أخوكِ ، أنا جاي عَشان أبوك .. شهد : والله أبوي مو هِنا إذا تبيه تفضل استناه في الشارع لين يجي ، ولا ترجع تدق علينا و تزعجنا ،، يحيى : اوك ، سوي فنجان قهوة و حطيه عالباب أنا باخذه .. ترفع شهد حاجبيها مستنكرة : نعم ؟ مو ملاحظ إنّك واثق في نفسك زيادة عن اللزوم ؟ يحيى بابتسامة : ملاحظ طبعاً ، رمقته بنظرة حاقدة ، أغلقت الباب في وجهه بقوّة و دخلت إلى المطبخ تتمتم بغضب ، ضحِك هو و توجّه نحو سيارته ، عاد ليجلس مراقباً عودة أبو طارِق .. ،, استند إلى ظهر المكتب وقف متكتفاً و سأل : كل هذا صار من أمس لليوم ؟ هزّ عزيز رأسه ببرود ، أردف عصام : و حضرة جنابه وين راح ؟ عزيز و هو يقرأ مقالاً على شاشة الحاسوب ، دون أن ينظر إليه : مادري ، أنا تركته بعد الظهر و الحين رديت ،، مادري وين راح .. عِصام بهدوء : والله حلو ، أغيب كم ساعة ألاقيكم قالبين الدنيا ! عَزيز ينظر إليه : المسألة مو مسألة ليش اعتقلنا طارِق ،، طارِق ما نفذ المهمة ، أنا اللي عصبني من يحيى طريقة تعامله معاه ، يعني ماهو هالذنب الكبير ، بعدين طارق من الأساس كان رافض الفِكرة .. عِصام بنبرة حادّة مرتفعة قليلاً : أساساً بأي حق بتجبروه يشتغل معاكم ؟ هذا ماهو رجل أمن شلون بتكلفوه بمهمة اهوة ما يعرف عنها شي !! و بالإجبار بعد ؟ عزيز : كونه صديق فهد المقرّب ، كان ممكن يكون أكثر واحد بيفيدنا ،، عِصام يعتدل في وقفته : و انتوا بدال ما تحققوا في مقتل مشعل ، جايين تدورون وراء فهد و سفراته ؟ ارتفعت نبرة عزيز : ما هذا هو السر ، سفرات فهد و تغير وضعه ممكن يوصلنا لأشياء مهمة ! وش نسوي إذا القضية ما فيها ولا خيط يوصلنا للقاتِل ؟ رمقه بنظرة : وش تسوون ؟ شوفوا قضية ثانية امسكوها ، جبتوا واسطة عشان تشتغلوا بقضية أساساً ميؤوس منها ! ولا بس مضيعة وقت ؟ عزيز : إنت شايفنا نضيع وقت ؟ عِصام : طبعاً تضييع وقت ! المجرم قاعِد يسرح و يمرح و مبسوط ، و إنتوا لاحقين لي فهد و طارق و بو طارق و مدري منو ! وش هالكلام الفارغ ! ناقصنا عيال يشتغلوا معانا ! نهض عزيز و قال بغضب : وش عيال ما عيال احترم نفسك !! أنا و يحيى مو قاعدين نلعب ! مسح عصام وجهه بكفه ، اقترب من عزيز : انزل الحين اخلي سبيل طارِق ، و لو شفتكم مرة ثانية تلاحقون الهبل هذا راح أطلّع قرار نقلكم بإيدي ، والله برجعكم صف أول .. إذا حابين تتسلوا اتسلوا بعيد عن شغلنا .. عزيز بعناد : مقدر ، أنا آخذ أوامري من يحيى .. صَمت لدقيقة ، ثم : و يحيى يأخذ أوامره مني ، انزل اخلي سبيل طارِق أقول لك ، أخذ مفتاح سيّارته ، التفت : أعتذِر ، عن إذنَك .. خرج من أمامه ، تقدّم عِصام نحو الباب و هو يتوعّد في داخله لكليهما ، نادى على أحد الضبّاط ، اقترب منه بسرعة ، قال عِصام : انزل إخلي سبيل المتهم طارِق الحمد فوراً .. الضابط : حاضِر سيدي .. عاد إلى المكتب ، يده اليمنى في جيبه ، و الأخرى يحكّ بها ذقنه بتوتر : ناقِص علينا كنّا فـ يحيى صرنا فـ يحيى و عزيز ! ،, روما ، دخل الطبيب إلى غرفة ريم ، بابتسامة على وجهه ، تساءل بالإيطالية : كيف أصبحتِ الآن سيّدة ريم ؟ ريم و هي تعدّل حجابها : الحمدلله بخير ، هل ظهرت نتيجة التحاليل ؟ هزّ رأسه بـنعم ، حسناء تتساءل بفضول : و ما هي النتيجة ؟ تنهد الطبيب و هو يضع يديه في جيب لابكوته الأبيض : إن ما حدث لكِ سيدة ريم هو تسمم دوائي ، و لقد تبين لنا أن تركيبة الدواء ضارة بالجنين ، يستخدمنها النساء عادة للإجهاض .. التفتت ريم إلى حسناء ، تنظر إليها و كأنها تقول : " صدقت توقعاتي " ، أردف الطبيب : هل تريدين تقديم شكوى بمن حاول أن يؤذيكِ و يؤذي طفلك ؟ تنظر إليها حسناء و عينيها متسعتين من تفكيرها بأن ريم قد تتقدم بشكوى ضد والدها ، ولا تعرف ما الذي يربطها به إلى تِلك الدرجة رغم كل الأذى الذي ألحقه بها ، تبادلت ريم النظرات الصامتة معها ، تنهّدت و قالت : لا ، تنفست حسناء براحة ، أردفت ريم : هل يمكنني الخروج اليوم ؟ الطبيب : يمكنِك ذلك ، لكنني أفضل أن تنتظري حتى صباح الغد ، ريم : أرجوك دكتور ، أريد أن أخرج اليوم ، الطبيب : كما ترغبين ، سأسمح لكِ بالخروج اليوم .. أتمنى أن تتعافي بسرعة .. ريم بابتسامة متوترة : شكراً .. خرج الطبيب من عندها ، التفتت إليها حسناء و قالت بسخرية : بهالسرعة تبي ترجعيله ؟ لا تقولي اشتقتي ؟ رفعت اللحاف عن قدميها و نهضت : منو قالك إني برد البيت بعد سواة أبوكِ ؟ وقفت حسناء إلى جانبها ، متكتّفة : أجل وين بتروحي ؟ ريم : أبيكِ تاخذيني لأي أوتيل ، و المهم عمر ما يدرى عن مكاني .. حسناء ترفع حاجباً : نعم ؟ يعني بتقضي حياتِك كلها في أوتيل ؟ بعدين عُمر لو يبي يقدر يعرف إنتِ في أي مكان ، ما هي صعبة عليه ،، أنا رأيي الأحسن تردي البيت و تحاولي تقنعيه يتقبل الولد .. بعدين اهوة ما راح يكرر اللي سواه مرة ثانية .. ريم بعناد : مستحيل ، لو لفترة مؤقتة أنا لازم أبعد عن البيت ، طلبتك حسناء لا تاخذيني لعنده هالحين أبوكِ ممكن يسوي أي شي عشان يخلص من اللي في بطني ! حسناء تنهّدت : طيب ، جهزي نفسِك ، عبال ما أرجع بشوف الطبيب .. تحركت نحو الباب ، قالت ريم : حسناء ، إنتِ شلون تخلين طبيب رجال يعالجني ؟ منتِ عارفة إني متحجبة و ما أرضى رجال يكشفني ؟ التفتت لها حسناء ، بلا مبالاة : إنتِ كنت تنزفي و الجنين كان بين الحياة و الموت ، و هذا الطبيب كان موجود و اهوة اللي أسعفك و أنقذ طِفلك ، الحالة كانت طارئة .. و لو ما كنت مضطرة كان استنينا تيجي دكتورة ، سمعتِ الدكتور وش قال ، الوقت كان أهم شي .. لو ما استعجلنا كان راح الجنين .. أطلقت زفيراً ، هزّت رأسها : عالعموم شكراً ،، أطلقت حسناء ابتسامتها المزيفة ، و خرجت .. ،, قَبل الغروب ، سمِعت صوت الباب يُفتح و ترحيب من والدها بالمحقق الذي اعتقل أخيها ، يقول : يا هلا بالسيد يحيى ، عن إذنك بس أقول للحريم يدخلوا داخل .. يحيى بابتسامة : خذ راحتَك يا عم .. دخل بسرعة ، جميعهن جالسات في الساحة و والدتهن مستلقية فوق الكنبة المهترئة ، قال بهمس : قوموا اقعدوا داخل معاي ضيف .. شهد بالهمس ذاته : يبه هذا وش جايبه عندنا فوق ما أخذ أخوي وش يبي بعد ؟ يحيى في مدخل المنزل ، يسمع تذمراتها و يبتسم بشماتة ، حين يوبخها والدها : يلا قومي ولا تكثري هذرة ،، عَبير خذي أمك و ادخلوا ، و إنتِ سوي لنا قهوة و ومابي أسمع صوتِك ! أخذت عبير كتابها ، أمسكت بيد والدتها و دخلتا إلى الغرفة ، وضعت شهد حجابها فوق رأسها و دخلت متأففة إلى المطبخ ، عاد والدها إلى يحيى : تفضل يا ولدي تفضل أهلا و سهلا .. أخذ كرسياً و جلس ، واضعاً قدماً فوق الأخرى بتعجرف ، تراقبه شهد من نافذة المطبخ الصغيرة بغيظ ، يتساءل أبو طارِق : شلون قهوتك يا سيد يحيى ؟ يخرج سيجارة من باكيت دخانه ، مبتسماً : ما حفظناها يا عم ؟ وسَط ،، رد له الابتسامة ، رفع صوته : وَسَط و سادة يُبه .. من عندها ، متخصرة ، تقلّد صوته بنرفزة : ما حفظناها يا عم ؟ وسط نانانا !! يا ثقل دمّك عساه سم ينزل في معدتك .. تأففت و هي تقترب نحو الغاز لتشعله و هي تمتم : أستغفرك ربي و أتوب إليك .. في الخارج ، التفت أبو طارق ليحيى و قال بقلق : يبه طمني عن ولدي ؟ وينه الحين ؟ أخذ نفساً عميقاً من سيجارته ، ثم أجاب و الدخنة البيضاء تنطلق من بين شفتيه : لا تقلق يا عم ولدك بالحفظ و الصون ، أبو طارِق : طيب أقدر أعرف ليش أخذتوه يعني وش مسوي معاكم ؟ يحيى : وِلدك قال لفهد عن المهمة اللي كلفناه فيها ، يعني خرب كل شغلنا .. يفرك أبو طارِق يديه بتوتر : لا حول ولا قوّة إلا بالله ، طيب إلى متى بيظل عندكم ؟ اعتدل يحيى في جلسته بعد أن أطفأ السيجارة : أنا مو جاي أتكلم بموضوع طارق ، أبو طارِق : أجل ؟؟ يحيى : أنا أبغى أعرف وش السر ، اللي مكرّهك في فهد ، و أبوه .. مع إنه معلوماتي تقول إنكم كنتوا أعز أصدقاء قبل وفاة مشعل ، وش اللي صار بعدين ؟ اتسعت عينا أبو طارق بدهشة ، ابتسم بارتباك : بشوف وش صار بالقهوة .. همّ بالنهوض ، استوقفته نبرة يحيى الحادة : هالحين مو وقت القهوة ، جاوبني على سؤالي .. اعتدل في جلسته ، و قال : بصراحة ، ما في سبب معين بس .. اقترب يحيى و أطفأ سيجارته في منفضة السجائر : أيوه ، أنا سؤالي عن اللي بعد الـ بس هذي ، بس شنو ؟ أبو طارق : بعد مقتل مشعل ، فهد تغيرت أحواله و الكل في الحارة قالوا عنه إنه أكيد ما صار حاله هالحال إلا لأنه اشتغل بشي ممنوع .. يحيى : شي ممنوع مثل شنو ؟ أبو طارق : والله يا سيد يحيى ما عندي معلومات ، فهد بعد ما تحسنت أحواله ما قعد في الحارة ولا عاد سمعنا عنه خبر ، حتى أولادي منعتهم يتواصلوا معاه عشان أبعدهم عن المشاكل .. استند يحيى إلى ظهر الكرسي ، قال و هو يكتّف ذراعيه : و شلون لاحظتوا عليه إن أحواله تحسنت وش التغييرات اللي شفتوها ؟ أبو طارق : يعني صار عنده سيّارة ، و حتى لبسه صار مرتب و صار فهد ثاني يعني ، و بعدين أخذ بيت ثاني و غيّر بيته ،، صمت يحيى بتفكير ، قال أبو طارق و هو ينهض : أكيد القهوة جهزت ، عن إذنك .. توجّه نحو المطبخ ، ولا زال يحيى غارقاً في تفكيره ، غاب لثوانٍ و عاد ، وضع فنجانه أمامه : هذي القهوة الوسط مثل ما طلبتها ،، جلس على كرسيه و بدأ ينظر إليه بتوتر ، تقدّم يحيى بجسده ، تناول فنجانه و ارتشف الرشفة الأولى ، أطبق عينيه و تغيرت ملامح وجهه من الطعم المالِح في القهوة ، تساءل أبو طارق : خير سيد يحيى ما عجبتك القهوة ؟ وضع الفنجان على الطاولة ، رفع نظره إلى نافذة المطبخ حيث تقف شهد و تنظر إليه راسمة ابتسامة على وجهها ، نهض و قال : لا لا عمي بس تذكرت عندي شغل ولازم أروح عن إذنك .. وقف أبو طارق متعجباً من عجلته المفاجئة ، رافقه إلى باب المنزل ، شهد في المطبخ تفك حجابها و تقول بغيظ : روحـة بلا ردّة ! أغلق الباب خلفه و هو يقول : مع السلامة ،، توجّه يحيى نحو سيارته غاضباً من تلك التي وضعت له الملح في فنجان القهوة ، ركب السيارة و تحرّك مسرعاً خارج الحارة الضيقة ، لاحظه طارق الذي يتقدّم نحو البيت بحركات بطيئة و ارهاق ، وسط نظرات أهالي الحارة المتعجبة للكدمات على وجهه ، وقف أمام بيته و هو يتحسس مكان الكدمة بيده اليسرى بألم ، و بيده اليمنى أخرج مفتاح المنزل ، دخل ببطء إلى الداخل ، حيث عادت والدته و أخته عبير للجلوس في مكانهم ، يجلس أبو طارق يفكّر في زيارة يحيى ، بينما تلم شهد فناجين القهوة خوفاً من أن يكتشف والدها فعلتها ، وقف أمامهم بحالته التي جعلت والدته و عبير تشهقان من منظر الكدمات ، قالت والدته بلهفة : يمه طارق وش صايرلك ؟؟ تقدّم بصمت نحو والده الذي انتصبت قامته و هو يرمقه بنظرات غاضبة ، وقفت شهد على باب المطبخ تراقب الوضع ، وقف أمامه بنظرات خجولة ، رأسه في الأرض ، رفع يده و صفعه على وجهه : طول عمرك فاشل ، و ما تعرف مصلحتك .. الشرهة علي اعتمدت عليك و اعتبرتك رجال .. اقتربت شهد بسرعة و وقفت خلف أخيها ، وضعت يدها فوق كتفه و قالت بلوم : يبه حرام عليك مو شايف وش مسوي فيه هذا اللي ما يخاف من ربنا ! رفع طارق نظراته الجامدة نحو والده : سامحني يبه إني خيبت أملك ، و سامحني عاللي بقوله هالحين بعد .. نظروا جميعهم إليه باستفهام ، فأردف : راح أخيب أملك أكثر من كذا ، لو كان أملك إني أخون صديق عمري و أأذيه .. أنا ماني خاين يبه ، و إنت ما ربيتني على كذا .. ساد الصمت بينهم ، ألقى إليهم نظرة معاتبة ، و دخل إلى غرفته .. ،, "" الله أكبـر على صوتِ أذان المغرب ، دخل إلى غرفتهم المعتمة ، تجلِس مريم على سجادتها بنصف جسدها مرتدية لباس الصلاة ، رأسها مستلقٍ تحت ذراعيها الراقدة على الكرسي أمام السجادة ، تغفو بهدوء بعد تفكير يبدو أنه قد طال ، أشعل نوراً خافتاً لم يوقظها ، وضع مفاتيح سيارته و مسدسه فوق الطاولة بهدوء ، اقترب منها بحركات بطيئة ، جلس نصف جلسة أمامها ، مرر سبابته فوق خدّها الأبيض الناعم و قال بهمس : مريم .. قومي حبيبتي .. انتفضت و هي تفتح عينيها ، قال : بسم الله عليكِ .. فركت عينيها بنعس ، اعتدلت في جلستها : عصام ، متى جيت ؟ عِصام : توني أدخل .. بدأت تفرك وجهها و هي تردد مع الأذان بصوت ناعس : أشهد أن لا إله إلا الله .. عِصام بلوم : حبيبتي ليش نايمة هالحزة مو عارفة إن النوم فـ هالوقت ماهو كويس ؟ مريم : والله ما حسيت على نفسي شلون غفيت عيني و أنا أستناك ، تأخرت ! عِصام : كان في شوية شغل خلصت و جيت ، إنتِ ما طلعتِ من الغرفة ؟؟ هزت رأسها بالنفي : لا ظليت هنا من ساعة ما طلعت إنت .. عقد حاجبيه و هو يقف : و ليش تحبسي نفسك ؟ كان قعدتي مع أمي تسليتوا عبال ما أرجع ! وقفت إلى جانبه : لو نزلت كانت بتسويلي تحقيق مثل أمس و أنا ماني قادرة يا عصام ! ابتعد عنها ، وقف أمام النافذة و قال بنفاذ صبر : إنتِ قاعدة تبالغي و هالشي ما ينحمل ! عقدت حاجبيها و هي تنظر إليه باستغراب : عِصام ؟ وش تقصد وش يعني ما ينحمل ؟ عِصام ينظر إليه بعتب : يعني إذا بتظلي على هالحـال صدق راح .... ،, لَكمه على وجهه ليزداد تدفق الدم من وجهه ، مثبتاً على الكرسي بحبال وثيقة الرباط ، ينظر إليه بحقد ، يقول الآخر بلهجة باردة : حاولنا نفهمك بالحسنى ما فهمت ، واضح إنك ما تيجي إلا بهالطريقة .. ،, ,، انتهى بعضكم راح يقول البارت هذا قصير ، و هو فعلاً ما هو مثل طول البارتات السابقة ، بس ما هو مرة أقصر منهم ، البارتات السابقة كانت 40 -42 صفحة بالوورد ، هذا البارت تقريباً 30 صفحة ، و السبب إني كنت مشغولة بشكل هالأسبووع من أوله لليوم عزومات ، و بعد طلعات و شوبينق فما فضيت ،، العذر و السموحة يا غوالي و إن شاء الله بعوضكم في البارت القادم .. نلتقي على خير الجمعة القادمة بإذن الله ، و لذلك الوقت فلتبقوا بألف خير .. طِيفْ! | ||||||||
30-11-19, 03:08 AM | #12 | ||||||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة
| السلام عليكم و رحمة الله و بركاته وحشتوني يا غوالي ، قبل كل شيء اعتذار كــبيــر على التـأخـير ، سَبق و أخبرتكم إني قرأت الجزء بعد ما كتبته و ما أعجبني حسّيته مجرد صف كلام و أبداً ماهو بمستوى الأجزاء السّبعة السابقة ، و لهذا السبب قلت لا والله ، بتأخر أحسن ما ينزل جزء دون المستوى ، لأن قرائي يستاهلون أجزاء عالية المستوى تصِل لذائقتهم ، و أتمنى هالشي يخليكم تعذروني شوي .. و بعد حدث أمر خارج عن إرادتي ما كان برغبتي أتأخر لمدة أسبوع كامل ، لكن أصبت بإنفلونزا حادة شوي تقريباً كل البيت كانوا مصابين و عارفين الجو بهالوقت و تقلباته ، و لذلك كان صعب علي أسوي التعديلات اللي في دماغي بشكل أسرع ، العذر و السموحة أتمنى تعذروني .. عِندي عَتَب صغنون ، الرواية تم نقلها دون إذن ، مو هنا زعلي ، زعلي إن اللي ينقلونها ما يكتبولي تعليقاتهم و آراءهم عالأجزاء ، ليه بس كِذاا :/ خلاص ، طوّلتها عليكم ، جاهزين للبارت ؟ بسم الله نبدأ ، " لَن تستَطيع سنينَ البُعدِ تمنعنا ، إنَّ القُلوبَ برغمِ البُعدِ تتّصِلُ . لا القَلبُ يَنسى حَبيبًا كانَ يعشَقهُ ، و لا النُّجوم عن الأفلاكِ تنفصِلُ . " *امرؤ القَيْس . و في نَشوةِ العِشقِ صِرنا رمادًا ، بقلم : طِيفْ! الجزء 8 الحِقد ، كما الحب ، مُتساويان في المقدار ، متعاكسان في الاتجاه ، ذاكَ يقترِب ليسعَد ، أما أنا فسأقترِب لأنتقم .. لم أقَع في الحُب قط ، لكنني قد وَقَعت في الحِقدِ أخيراً ، منذ زَمن و أنا أشعر بالنّقمة على عدل الدنيا المزيّف ، أقنع نفسي دوماً بالقناعة و الرّضا ، إلا أن كل شيء يُعاكِسني ، يدعوني للحقد على حياتي ، و حياة من هم حولي .. لِمدّة قصيرة ، ظلّت عيناه متعلقتين في سقف الغُرفة المتشقق ، القهر يأكل ملامح وجهه ، العجز يفتك به كمُقعَدٍ في أمسّ الحاجة للهرولة ، نَهَض من مكانه يصرخ بغضب و جنون ، ما جعل والدته و أخواته في الخارج ينتفضن خوفاً ، تقدّم من خزانته ، فتح بابها المتهالك بقوّة أسقطته أرضاً ، بدأ يأخذ قمصانه ، يُلقيها أرضاً و يدوسها بقدميه ، دخلت شهد بخوف ، تراه في حالة لم يسبق لها أن رأته بها ، اقتربت منه تُحاوِل أن تُحكِم سيطرتها على حركاته الانفعالية ، شهد بنبرة مرتجفة : بسـم الله عـليك ياخوي وش فيك وش مسويين فيك هذولا اللي ما يخافوا ربنا ؟؟ جلس أرضاً ، يتنفس بسرعة و يلهث كأنه كان يركض في ماراثون طويل جداً ، تجلِس شهد إلى جانبه ، تمسح جبينه المتعرق بكفّها و تتمتم : بسم الله عليك ، بسم الله عليك .. كلمات متقطّعة تخرج من صوتِه المتحشرج : أنا طـارِق الحمد ، واحد مثل يحيى يمد إيده علي ، يهيني و يذلني و أظل ساكِت ؟ تنهّدت شهد : مالك غير تقول حسبي الله و نِعم الوكيل ، علِقنا مع واحَد ظالِم وش بنسوّي ؟ محـنا قـدّه يا طارِق .. هزّ رأسه برفضٍ لِفكرة الاستسلام : لا والله يا شهـْد ، مو أنا ، مو طارِق اللي يسكت عالإهانة من غير ما يردها .. تنظر إليه بِقلق : وش بتسوّي يعني ؟ طارِق تكفى ، إحـنا ما نقدر عليه ، مابيه يأذيك ، هذا ما يخاف ربنا ! ثبّت عينيه في عينيها ، تِلك الحدّة لم تراها في نظراته من قبل ، إنّه الرجل حين يحقِد ، إنه نداء رجولته التي حاولت أن تستبيحها ، قال : شهـْد ، هذولا المحققين ، حطولي أجهزة تنصت في قمصاني ، و مادري وين في البيت ، أبيكِ تفتشي ملابسي و البيت كويّس ، و إذا لاقيتي شي فوراً تعطيني إياه ، عَقَدت حاجبيها : أجهزة تنصّت ؟ و إنت شلون ما حسّيت ؟ طارِق : حبيبتي هذولا عارفين شلون يحطونها و وين ، و أحجامها بعد ، أكيد ما بحس ، ليش سمّوها أجهزة تنصت ؟ صمتت تفكّر ، أردف طارِق : المهم أبيك تدوري كويس ، و هذا يحيى لو رجله تخطّي عتبة بيتنا بكسرها ، " نَظر إلى قمصانِه المُلقاة أرضاً ، بغضب رفع صوته : " سامعني يا يحيى ، والله بكسر رجولك لو عتبت باب بيتنا ، سـامـعني يَحيى ؟!! اقتربت شهد بجزع ، وضعت يدها فوق فمِه ، و بنبرة رجاء هامسة : اششش ، صوتَك ! طارِق ناسي هذا وش يشتغل و ايش يقدَر يسوّي فينا ؟ حرّك رأسه ، أزاح يدها بغضب : أنا ما أخاف إلا من اللي خَلقني ، و سوي مثل ما قلتلك .. نَهض عن الأرض ، توجّه نحو الباب ، التفت إليها و قال : و أنا جاي شفت اللي ما يتسمى طالِع من بيتنا ، شنو كان يسوّي هِنا ؟ شهد : مادري ، قال يبغى يشوف أبوي ، و قعدوا مع بعض أنا كنت في المطبخ ما قدرت أسمع كل شي ، بس سمعته يسأل عن فهد .. طارِق : و أبوي وش قال ؟ هزّت كتفيها بجهل : مادري ، ما كنت سامعة كل شي ، هذا المحقق ما بيحل عنا إلا يخرب علاقتنا مع بيت عمي بو فهد الله يرحمه .. هزّ رأسه بوعيد ، و خرج ..وَيلاه كم يكون الإنسان قادراً على التغيّر ، و كيف تتغير نظرات عينيه بلحظات ، كيف تُدس كل تِلك القسوة فيهما ! ،, " الله أكـبر الله أكـبر " على صَوتِ أذان المغرِب ، دخل إلى غرفتهم المُعتِمة ، تجلِس مريم على سجّادتها بنصف جسدِها مرتدية لِباس الصلاة ، رأسها مُستلقٍ فوق ذِراعيها الراقدة على الكُرسي أمام السجادة ، تغفو بهدوء بعد تفكير يبدو أنه قد طال ، أشعَل نوراً خافتاً لم يوقظها ، وضع مفاتيح سيارته و مسدسه فوق الطاولة بهدوء ، اقترب منها بحركات بطيئة ، جلس نِصف جلسة أمامها ، مرر سبابته فوق خدّها الأبيض الناعم ، قال بهمس : مريم ، قومي حبيبتي .. انتفضت و هي تفتح عينيها ، قال : بسم الله عليكِ .. فركت عينيها بنعس ، اعتدلت في جلستها : عصام ، متى جيت ؟ عِصام : توني أدخل .. بدأت تفرك وجهها و هي تردد مع الأذان بصوت ناعس : أشهد أن لا إله إلا الله .. عِصام بلوم : حبيبتي ليش نايمة هالحزة مو عارفة إن النوم فهالوقت ماهو كويس ؟ مريم : والله ما حسيت على نفسي شلون غفيت عيني و أنا أستناك ، تأخرت ! عِصام : كان في شوية شغل خلصت و جيت ، إنتِ ما طلعتِ من الغرفة ؟ هزّت رأسها بالنفي : لا ظليت هنا من ساعة ما طلعت إنت .. عقد حاجبيه و هو يقف : و ليش تحبسي نفسك ؟ كان قعدتي مع أمي تسليتوا عبال ما أرجع ؟ وقفت إلى جانبه : لو نزلت كانت بتسويلي تحقيق مثل أمس ، و أنا ماني قادرة يا عصام ! ابتعد عنها ، وقف أمام النافذة و قال بنفاذ صبر : إنتِ قاعدة تبالغي ، و هالشي ما ينحمل ! عقدت حاجبيها و هي تنظر إليه باستغراب : عِصام ؟ وش تقصد وش يعني ما ينحمل ؟ عِصام ينظر إليها بعتب : يعني إذا بتظلي على هالحال صدق بتقلبي حياتنا لجحيم .. تتسع عيناها : أنا قالبة حياتك جحيم يا عِصام ؟ عِصام بحدّة : من يوم عرفتِ عن التحاليل و إنتِ قالبة حياتي نكَد ، قلتلك مستحيل أتزوج عليك لو بظل من دون أولاد طول عمري ، و قلتلك العلاج موجود و فيه أمل و إنتِ مصرّة عالنكَد ! لا قادرة تقعدي مع أمي ، ولا قادرة تعيشي معي مثل البشر ، أنا ما رح أتحمل كل هالشي اللي فيني كافيني !! ارتخت أنظارها نحو الأرض ، دون أن ترد بتعليق واحد ، توجّه إلى الخزانة ، تناول منشفة بيضاء طويلة ، أردف بذات الحدة و هو يتجه نحو باب الحمام : هالحياة ما تنطاق قاعِد أتحمل و أقول الحرمة تعبانة بس مو لهالدرجة اليأس و النكَد الناس قاعدة تنبلى بأمور أكبر من كِذا ما شفتهم يائسين مثلِك ! الضّحكة ما تطلع منّك إلا بفلوس ، مو كفاية علي مشاكل الشغل أرجع ألاقي نكَد في البيت ! تعبتيني معاكِ ! دخل إلى الحمام ، أغلق الباب خلفه بقوة أفزعتها ، جلست على طرف السرير و قد احتشدت الدموع في عينيها ، كانت تِلك اللحظة التي ستبدأ فيها الخلافات بسبب الإنجاب ، هي اللحظة التي تنتظرها ، تعرِف أنّها ستكون قاسية كهذه اللحظة أو أشد قسوة ، و سيبقى الانتظار أصعب ما تفعله ، انتظار ينهي هذا الزواج ، لا يمكن أن يستمروا دون أهم أساس في هذه العلاقة ، لا يُمكِن .. ،, أَيُعقل أن هذا كله كان يوماً واحِداً ؟ يا لذلك اليوم اللئيم على قلبي يا الله ، تنفّست بعمق بعد أن أدارت مفتاح السيّارة لتطفئها ، ارتخى رأسها إلى مسند الكرسي ، عيناها تستسلمان فتغلقهما بإرهاق ، تفتحهما مجدداً ، تخرج من بين شفتيها الورديتين تنهيدةً و هي ترى نور الصّالة مشتعِلاً ، سَحبت المفتاح ، تناولت حقيبتها و نزلت بخطوات متكاسلة تمشي نحو الباب ، فتحته و دخلت مُنهكة ، ثبتت في مكانها حين رأته واقفاً أمامها يُحملِق بها بنظرات غير مفهومة ، نَظرت إليه بجمود لا يعكِس ما بداخِلها من فوضى ، تحرّكت متجهة نحو الدرج ، مصطنعة اللامبالاة ، استوقفها سؤاله : ويـن ريـم ؟ دون أن تلتفت ، تتابع صعودها : مادري .. استوقفها مرة أخرى ، بنبرة انفعالية : ديــانــا ! التفتت بذهول ، نِصف ابتسامة ساخرة ظهرت على وجهها ، رافعة حاجبها الأيسر : ديانا ؟ من 10 سنين ما ناديتني ديانا ، وش اللي صار اليوم ؟ لم يرد ، نظراته لها كانت لاذِعة ، نَزلت 3 درجات ، أردفت بنبرتها الساخرة : ديانا بنتك ، بس حسناء مو بنتك ، عشان كِذا غيّرت اسمي ، يعني لا بغيت تمون علي تناديني باسمي ؟ ولا احتجتني في شغلك تناديني حسناء ؟ صَعَد درجتين ، وَصل إليها ، أحكم قبضته على ذراعها و ضغط عليها ليؤلمها : اسمعي يا بنت ، قولي وين ريم و إلا أقسِم بالله بسوي شي لا يرضيكِ ولا يرضيها ! نَفضت يدها منه بقوّة : متى سويت شي يرضيني أصلاً ؟ ريم تركت المستشفى و اهية الحين في أوتيل ، و مادري أي أوتيل لا تغلّب روحك و تسألني .. عمر بسخرية : على أساس إني ماقدر أعرف وينها ! أمالت رأسها : ممتاز ، أجل لا تسألني استخدم نفوذك و جيبها ، عمر : وش صار معاكِ بسالفة المنشطات ؟ صمتت لثوان ، ترمقه بنظرات ما بين حقد و عتب و خيبة ، بصوت خافت : تصبح على خير .. أدارت ظهرها ، صعدت إلى غرفتها و قد فكّت نصف لباسها على الدرج ، شيء ما يقِف في حنجرتها يحبس عنها التنفس ، لقد كان من المبكر جداً يا أبي أن أكره حياتي ، أشعر أنني خمسينية فقدت القدرة على الرؤية و الكلام ، متى تنتهي يا صَبري الذي أنهكني طولَه ، متى أخبرني متى تنفذ ؟ نَزل عُمر الدرج ، اتصل بعابِد و هو يجلِس أمام شاشة التلفاز ، دون عبارات ترحيبية قال : عابِد ، ذكّرني بكرا نمر البنك ، عندي شغلة بسويها .. أغلق الخط ، ألقى هاتفه أمامه على الأريكة ، يقلّب محطات التلفاز بدون تركيز ، يحدّث نفسه : بسيطة يا ريم ، حبيتي تلعبي معاي ، بنشوف مين بيفوز في النهاية .. ،, الحادية عشرة و النصف مساء الجمعة ، قد أوشَك ذلك اليوم الطّويل على الانتهاء أخيراً ، نسائِم الخريف بدأت تتجول بخفّة في الشّرق الخلّاب ، تداعب سِتارة غرفة أم فهد البيضاء الرقيقة ، تتحرّك بعذوبة جَميلة ، يسترخي فهد على الأريكة المقابلة لسرير والدته النائمة ، يُراقب بقلق صعود صدرها و هبوطه ، تنفّسها المضطرب أثناء نومها ، أخذ نفساً عميقاً ، انحنى و هو يُسنِد ذراعيه إلى ركبتيه ، يشبِك أصابعه بتوتر ، يفكّر في إيقاظها ، ولا يرغب في إزعاجها ، يهتزّ جوّاله في جيبه معلناً عن رسالة وصَلته ، تِلك التي تُخرجه دوماً من سفوح الحزن إلى أوجِ السعادة ، بكلماتها البسيطة ، الخَجل المتناثر من رسالتِها ، حُمرة خدّيها في حروفها ، تصنع تِلك الابتسامة الوحيدة التي استطاع فهد أن يختطِفها من ماضيه ، ليضعها في حاضِره ، " طارِق صار في البيت ، ماني عارفة شلون أشكرك ، الله يحفظك يارب " كيف تستطيع تِلك الصغيرة أن تنقله إلى دنيا ثانية ، برسالة مرتبكة الأحرف ، أخذ نفساً عميقاً ليكتب الرد ، إلا أن صوتَ والدته الخائر ، جعله يلقي الجوّال جانباً ، يتجّه إليها بسرعة متلهفاً ، انحنى يمسح بأنامله رأسها : يمه تبي شي ؟ قولي آمري ! فَتحت عينيها ، انتفاخ وجهها و يديها واضح بشكل ملحوظ لديه ، تقول بتعب : راسي مصدّع و ماني قادرة أتنفّس ! التفت إلى النافذة بسرعة ، و أعاد نظراته إليها : يمّه الشباك مفتوح ! ابتلعت ريقها و كررت : ماني قادرة أتنفّس خذني المستشفى هز رأسه بخوف ، أسرع إلى غرفته ليتناول سُترته الخفيفة ، أخذ عباءة والدته ، وَقف أمامها و قال : قادرة تمشي يمه ؟ هزّت رأسها بـ نعم ، فهد و هو يرفع الغِطاء عنها ، يمسك بيدها : يلا يمه قولي بسم الله ، استندي علي .. ضَغطت بقوة على يده و هي تهمس : بسم الله ، دَفعت جسدها إلى الأمام لتجلس بصعوبة ، ولا زال تنفّسها مضطرباً ، ألقى عليها عباءتها بإهمال ، عدّل حجابها على رأسها ، تشبثت بيده مرة أخرى ، تنهض من سريرها بصعوبة ، ببطء خطواتها و هي تشعر بارتجاف يد فهد و برودتها ، و ضربات قلبه المتسارعة ، وَصلوا إلى السيارة بعد جهد ، ساعدها لتجلس في المقعد الخلفي ، و بعَجَلة توجّه إلى خلف المقود ، يقول بخوف و هو يضغط بقدمه على دعسة البنزين : يمه لا تقلقي هالحين باخذك لأحسن مستشفى في البلد ، كان الطريق طويلاً جداً ، ولا أريد يا الله خَسارة أخرى ، فلم أتعافى بعد من خسارتي الأولى ، ،, تُداعب نسمات الهواء وجهها الرقيق ، دون أن تظهر منها أي ردة فعل بالارتعاش و السعادة الي تغمرها عادة ما داعبت تِلك اللفحة الهوائية الهزيلة وجهها ، تستلقي في سريرها بقميص نومها البحري اللون ، ظهرها لباب الغرفة ، أمامها النافذة ، نظرات عينيها ثابتة في سماء مظلمة تُبرق فيها نجمة وحيدة مثلها ، يستقر كفيها بجزع فوق بطنها الذي يملأه الهواء ، لم تلتفت لدخوله البطيء ، ينعكس خياله على نافذتها ، يقف عند الباب متمسكاً بمقبضه ، نظرات معاتبة ، و قلب أضناه التنهّد يراقبانها ، أغلق الباب الذي أصدَر صريراً مزعجاً ، لم ينجح في لفت انتباهها ، اقترب منها و هو يعرف كم من المعاني كان يحمل كلامه اليوم لها ، يحاول منذ فترة أن يكون أكثر حذراً معها ، لكنه كان اليوم أكثر قسوة ، و جرحاً .. تقدّم أكثر نحو السرير ، ولا زالت هامدة في مكانها ، استلقى إلى جانبها ، يتنحنح علّها تنظر إليه ، اقترب أكثر ، التصق صدره بظهرها ، مدّ ذراعيه ليطوقها ، و يُغلق كفيه فوق كفيها ، يقول بخفوت : آسف .. أدارت وجهها ، نظرت إليه ، ثم عادت للتحديق في تلك النجمة الوحيدة ، أردف بعد أن تنهد : مريم ، أنا مو عاجبني حالنا .. أخذت أنفاساً متتالية ، أجابت بصوت مبحوح : ولا أنا عاجبني حالنا .. عِصام : أنا قلتلك تزوري الطبيبة عشان لو فيه مشكلة تعالجيها ، ما شفتك زرتيها مرة ثانية ! مريم : وش بقول لأمك ؟ بروح الدكتورة أتعالج لأني ما أجيب عيال ؟ سَحب يديه عنها بغضب ، اعتدل في جلسته و قال بحدة : و بعدين عاد ! وش تبي في أمي ؟ و لو قلتيلها قاعدة تتعالجي وش بتسوي ؟ بتقص راسك ؟ عدّلت جلستها هي الأخرى ، و بنفس نبرته أجابت : ما بتقص راسي طبعاً ، بس ما بتركك إلا لما تتزوج علي .. عِصام : أمي ممكن تتكلم في هالموضوع مرة و مرتين و عشرة ، لكن مستحيل تجبرني على هالشي ، إنت عارفة إني رافض لفكرة الزواج الثاني ، وش اللي مخوفك ؟ مريم : عالحالتين ما راح نكون مرتاحين ، أنا ماني راضية إنك تنحرم الضنا بسببي ! و أكيد عمتي ما راح تهنينا لو عرفت إني ماجيب عيال حتى لو ما تزوجت حياتنا بتصير كلها مشاكل ! رفع حاجبه الأيسر : ترى حيرتيني ، وش تبي بالضبط ؟ أرخت نظراتها ، تلعب في خاتِم زواجها بتوتر : مادري ، صدقني مادري ، أنا هالفترة ملخبطة كثير و ماني عارفة أفكر بشي .. أدار جسده ليصبح مواجهاً لها ، أمسك بيدها : اللي لازم تفكري فيه الحين هو العلاج ، و بعدين لكل حادث حديث ، و ترى أمي ماهي كائن متوحش تخافي منها ! أمي تحبك مثل بنتها من يوم دخلتِ هالبيت ، و إنتِ عارفة هالشي .. هزّت رأسها مؤيدة لكلامه ، رفع يدها ، قبّلها ، قال بصوت منهك : مريم أنا تعبان من كل شي ، أبيكِ معي ، مو علي ! مدّت يدها اليسرى ، تتحسس ذقنه بحب : سامحني ، عارفة إني كنت مثال للزوجة النكدية الفترة اللي فاتت ، هز رأسه بتأييد ، و بلهجة مازحة : ايه والله نكدية .. تضحك ، تضربه بخفة على كتفه : والله ؟ يضحك عِصام : ههههههههههههههههههههههه " يحتضن رأسها و يقبّله " : أحلى نكدية والله ، بس مو تصدقي و تسودي عيشتي ! ترفع حاجبيها : لا انت صدق بتزعلني منك ، متى سوّدت عيشتك يالنصاب ؟ عصام : مو من زمان ، من 3 سنوات بس .. بنبرة احتجاجية ، و بنصف ابتسامة تخجل من الظهور : والله ؟ يبتسم بحب ، مد يده تتحسس خدّها الناعم : مريم ، اتوكلي على ربنا و لا تكوني يائسة ، إنتِ مو أكرم من ربنا ، حرام تسيئي الظن فيه ، ربنا قال : " ولا تيأسوا من رَوح الله إنه لا ييأس من رَوحِ الله إلا القَوم الكافِرون " مريم بهدوء هزّت رأسها : صدق الله العظيم .. عِصام : يلا ، قومي ننزل نقعد مع أمي شوي قبل لا تنام .. مريم : لسا ما نامت ؟ عصام بعتب : زعلانة عاللي ما قعدت معاها طول اليوم ، ارتخت نظراتها للأسفل بخجل ، نهضت عن السرير و تبعته بصمت .. ،, خرَج برفقة الطبيب إلى خارج الغرفة ، يطقطق أصابعه باضطراب ، يلتفت الطبيب إليه : ما عليها شر إن شاء الله .. هزّ فهد رأسه : تسلم ، بس وش اللي صاير معاها ما فهمت ؟ تنهّد الطبيب : خلينا نشوف نتائج التحاليل ، و بعدين نتكلّم .. فهد بخوف : دكتور ، صارحني ! شاكك بشي ؟ ظهرت ابتسامة صغيرة على وجهه ، ربت على كتفه : لا تخاف ، إن شاء الله ما في شي ، بنشوف التحاليل أول ، ماله داعي تخاف .. فهد : طيب ، أمي بتنام هنا ؟ الطبيب : طبعاً طبعاً ، إن شاء الله بكرا بتكون النتائج جاهزة ، ما عليها شر .. هزّ فهد رأسه ، غادره الطبيب ، أخذ فهد نفساً عميقاً و دخل .. ابتسم لوالدته المرهقة بقلق ، جلس أمامها و أخذ يشتت أنظاره بعيداً عن وجهها ، تساءلت بتعب : وش قالك الطبيب ؟ نَظر إليها ، ابتسم بارتباك : ما قال شي يمه ، ينتظرون نتائج التحاليل ، إن شاء الله خير .. ابتلعت ريقها ، ثم قالت : أنا بـمـوت .. انتفض فهد ، قال بضيق : بسم الله عليكِ يمه ! لا تقولي كِذا ! اقترب بكرسيه منها ، انحنى يقبّل يدها : لا تقولي كِذا ، أنا ما عندي غيرِك ! أخذت نفساً عميقاً : كل إنسان له عمر ، و أنا ماني قادرة على هالدنيا بعد أبوك يا فهد ، ماني قادرة .. فهد بابتسامة معاتِبة : و أنا وين رحت ؟ لمين بتتركيني ؟ جواهر : للي تركتني عشانهم و سافرت ، أخفض بصره و هو يقول بخجل : نفس الموضوع يمه ! أنا رحت بشغل ، شغل .. ضغطت بيدها الضعيفة على يده : يمه ، طالعني .. رَفع أنظاره لها ببطء ، قالت : أنا ماني عارفة وش هو هالشغل ، بس متأكدة إنّك مخبي عني شي ، يمه أنا خايفة عليك .. ابتسم : ليش الخوف ؟ أنا مو رجال ؟ جواهر بصوتها المبحوح : إلا ، زينة الرجال يا بعد أمّك ، بس إنت ماشي بطريق ماله آخرة ، أنا أم و أحس ، مَنت مرتاح يا ولدي ! أخذ نفساً عميقاً ، ابتسم بعده بتوتر : نامي يمه و ارتاحي .. جواهر : فضفض يمه ، قول ، أنا اليوم هِنا ، يمكن بكرا ما أكون موجودة عشان أسمعَك ! نهض لينحني ، يقبّل جبينها : ربي ما يحرمني منّك ، يمه و اللي يخليك لا تقولي هالكلام ، اتحسني أول و بعدين نتكلم باللي تبيه ، اتفقنا ؟ بيأس هزّت رأسها موافِقة ، ابتسم و عاد للجلوس مكانه ، أطبقت عينيها محاولة النوم دون جدوى .. ،, صباح جديد ، يُلقي نظرة إلى جهاز الحاسوب و هو يعدّل كم قميصه ، يرفع حاجبيه و قد لاحظ وجود تسجيلاً جديداً ، يبتعد عن طاولة المكتب لتتجه نظراته نحو الباب حيث دخل إبراهيم ، بوجهه العابس : صباح الخير .. يَحيى : صباح النور ، جاي بدري ؟ إبراهيم ينظر إلى ساعته في يده : الساعة 8 بالضبط ، إنت اللي جاي بدري ، شعندك ؟ يحيى بابتسامة : شغلي ما غيره ، بس عزيز تأخر ، أنا نازل أشوف طارِق عبال ما ييجي .. إبراهيم : منو طارِق ؟ يحيى يتجه للباب : سالفة طويلة بعدين أقولك ، قول لعزيز يلحقني لازم نروح عند فهد .. خرج دون أن يترك له مجالاً للكلام ، مَسح إبراهيم وجهه بكفه بلامبالاة ، أشعل جهاز الحاسوب ، دقيقتين حتى التفت للصوت القادِم : صباح الخير .. إبراهيم بابتسامة : صباح النور ، يحيى سأل عنّك .. عَبس وجهه و هو يتجّه نحو مكتبه : يا فتّاح يا عَليم .. إبراهيم يركّز في شاشة حاسوبه ، يكتم ضحكته : الله يكون في عونك .. جَلس عزيز أمام شاشته ، يتساءل : يحيى اهوة اللي مشغّل جهازي ؟ يزم إبراهيم شفتيه : مـدري ، بس أكيد يعني ، اهوة كان أول واحد هِنا .. عزيز يُدقق في التسجيل الجديد الذي لم يُفتَح ، يرفع أحد حاجبيه مستغرباً ، يتناول السماعة و يضعها فوق أذنيه ، يضغط على زر التشغيل ، تبدأ الأصوات غير الواضحة بالتردد عبر السماعات ، يعقِد عزيز حاجبيه بتركيز ، يأخذ نفساً عميقاً و هو يشتت نظراته في الغرفة و يفكّر في رد فعل يحيى لو سمِع ذلك الكلام ، أنزل السماعات عن أذنيه ببطء ، ظلل التسجيل ، طقطق أصابعه بتردد و هو يفكر ، سمِع صوت خطواته الغاضبة قادمة ، ضغط على مفتاح الحذف بسرعة ، توجهت نظراته إلى يحيى الذي دخل غاضباً ، وقف يحيى عِند الباب و هو يرى عزيز مكانه ، وجه كلامه لإبراهيم : أنا مو قلتلك تقول له إنه يلحقني ؟؟ إبراهيم بحدّة : أشتغل عندَك أنا تكلمني كِذا ؟ عزيز : قال لي ، و كنت عارف إنك بترجع لأن طارق ماهو موجود ، ألحقك ليش ؟ تقدّم يحيى ، بهدوء لا يُنبئ بالخير : يعني عارف إن طارِق ماهو موجود ؟ إنت اللي أخليت سبيله ؟ صَمت عزيز ، يصرخ يحيى : جاوبني إنت أخليت سبيله ؟ صوت من خلفه : أنا اللي أخليت سبيله يا يحيى .. يلتفتون في آن واحد إلى الباب ، يقف عِصام بنظرات متحدية ليحيى ، و يردف : برافو يا يحيى ، المساعِد حقّك وفي جداً ، قلتله يخلي سبيل طارِق ما رضي ، فاضطريت إني أتصرف .. يحيى : و دام إن مساعدي رفض ، بأي حق إنت تخلي سبيله ؟ يجلس عصام خلف مكتبه ، بلا مبالاة يرد : قبل إنت جاوبني ، بأي حق تسجنه ، و بأي حق تجبره يستلم مهمة زي كذا ؟ يحيى بنبرة غاضبة : هذي القضية قضيتي و ما يحقلك تتدخل فيها ! أمال عِصام رأسه ، حدّق فيه بحدة : شوف يا يحيى ، إنتَ قاعد تتخطى حدودك مع رئيس قِسمك ، هذا آخر تنبيه شفهي ، لا تخليني أضطر أوجهلك إنذار خطي .. يحيى يرفع حاجبه الأيسر وسط مراقبة إبراهيم و عزيز بصمت : تهديد يعني ؟ عِصام دون أن ينظر إليه : بالضبط تهديد ، و لو ناسي في سيدي أخذته أول يوم داومت فيه هنا ، يوضحلك صلاحياتك و صلاحيات زملاءك حسب الرتبة ، تقدر تراجع معلوماتك ، عشان ما تخسر وظيفتك ، و أنا للحين سامحلك تمسك القضية و إنت عارف إني قادر أسحبها منك ، فخليك عاقِل معاي .. أخذ يحيى نفساً عميقاً ، محاولاً أن يتجاهل تهديداته ، التفت نحو عزيز ، تقدم من مكتبه و قال : بعدلي كذا في تسجيل جديد ، سمعته ؟ يبتعد عزيز عن كرسيه ، يجلس يحيى مكانه ، يرد بارتباك : ما شفت تسجيلات جديدة ! يحرّك الفأرة ، ينتقل ليضغط على البرنامج ضغطة مزدوجة ، يدقق النظر في زاوية التسجيلات الجديدة ، لا يوجد أي تسجيل ، ينظر إلى عزيز : كان فيه تسجيل جديد ، وين راح ؟ عزيز بتوتر : ما كان فيه تسجيلات أبداً ، نظر إليه إبراهيم الذي قد لاحظ أنه كان يستمع إلى شيء ما قبل دخول يحيى ، بادله عزيز النظرات ، التزم الصمت ، يضرب يحيى كفّه بالطاولة و يصرخ : شـلـون يعني ؟ تبي تجنني ؟؟؟ قبل لا أنزل كان في تسجيل ، وين رااح ! عصام بحدة : قصّر صوتك .. ينظر إليه يحيى بحقد ، يلتفت إلى عزيز : واضِح في شي ما تبيني أعرفه ، ماشي يا عزيز حسابك بعدين .. أخذ سماعة الهاتف الأرضي ، ضغط على الأزرار و قال بحدة : آلو ، ابعثولي أي واحد من قسم الحاسوب ، أبيه يرجعلي شغلات محذوفة من الجهاز .. أطبق سمّاعة الهاتف بغضب و هو يشتت نظراته بينهم ، ,, | ||||||||
30-11-19, 03:11 AM | #13 | ||||||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة
| ،, تتقلب في سريرها بانزعاج من صوت رنين الهاتِف ، تأفف و هي تحرّك يدها نحو الكوميدينا لتلتقطه ، واضعة العصبة السوداء فوق عينيها ، تلتقطه أخيراً ، ترد بصوت يملأه النعاس : آلـو .. صوت خشن يتحدث بالإيطالية : صباح الخير آنسة حسناء ، ترفع رأسها باستغراب ، ترفع العصبة فوق شعرها ، تنظر إلى الرقم الغريب ثم تعيد السماعة إلى أذنها ، يكرر الرجل : آنسة حسناء ، هل تسمعيني ؟ تنحنت : نعم نعم ، تفضل ، من المتحدث ؟ الرجل : ستعرفين لاحقاً ، لكنني أريدِك في موضوع يخص العمل .. عقدت حاجبيها : عن أي عمل تتحدث ؟ الرجل : أنا طالب من كلية الرياضة في جامعتك ، و لدنيا بطولة أمام كلية الرياضة في جامعة أخرى ، حسناء : و ما المطلوب مني ؟ الرجل بغموض : الفـوز .. حسناء : عفواً ؟ و ما علاقتي بفوزكم ؟ الرجل : تعرفين تماماً علاقتك ، في المرة الماضية كنت سبباً في فوزهم ، الآن عليكِ أن تخدمي طلبة جامعتك .. حسناء بحدّة : اعذرني لكنني لا أفهم عن ماذا تتكلم ، سأغلق الآن .. يرد بحدّة مماثلة : لن تغلقي يا حسناء .. يجب أن نتقابل .. حسناء تنظر إلى الساعة : هل الآن ؟ هل يتصل أحد ليقابل أحداً في هذا الوقت ؟ هل أنت مجنون ؟ يضحك : هههههههههههههه بالطبع لا ، يبدو أنك كسولة قليلاً ، سأنتظرك بعد ساعة مقابل الجامعة .. حسناء : أنسيت أننا في عطلة ؟ و هل سأخرج لأقابل رجلاً لا أعرفه ؟ الرجل : ستعرفين ، بعد ساعة سأكون في انتظارك ، و أرجو أن لا تجادليني .. أغلق الخط دون أن يترك لها مجالاً للكلام ، تأففت و ألقت الجوّال جانباً ، نهضت من سريرها بتكاسل ، وضعت روبها الدافئ فوق جسدها ، خرجت من غرفتها و هي تسمع أصواتاً من الأسفل ، متعجبة أن والدها مستيقظ في ذلك الوقت الباكر جداً ، وقفت عند بداية الدرج و هي تسمع والدها يحدّث عابد : يعني اليوم البنوك كلها مو شغّالة .. عابد : سيد عمر إنت عارف اليوم عطلة ، بس ممكن لو تبي نروح على فرع البنك بالمول .. عمر : مو كل المعاملات بيسوونها بأفرع المولات ، أنا ماني فاهِم شلون ما قلتلي أمس إن اليوم عطلة ! عابِد بنصف ابتسامة : سيد عمر إنت في هالبلد من قبلي و عارف إن السبت عطلتهم .. عمر بحدة : والله ؟ و تخفف دم بعد ؟ ارتخت نظراته و هو يخفي ابتسامته ، قال بهدوء : سيد عمر إنت ما بتسوي معاملة كبيرة إنت تبي توقّف حساب زوجتك و هذي عملية بسيطة تقدر تسويها بأي مكان .. اتسعت عينا حسناء و هي تسمع كلام عابِد ، قال عمر : طيب روح هالحين ، الظهر نتكلم و نشوف .. خرج عابِد ، سمع عمر صوت خطوات حسناء و هي تنزل الدرج ، يتذمر داخلياً هذه الفترة من تصرفاتها و تمردّها ، يبتعد ليجلس على أريكته ، ينظر إلى ظلها من خلال شاشة التلفاز المُغلقة ، ترتخي نظراته ليركز في شاشة جواله دون أن يبالي بقدومها ، تلقي نفسها إلى الأريكة المجاورة و تقول : صباح الخير .. عمر دون أن ينظر إليها : صباح النور .. يعم الصمت لدقيقة ، تحدّق فيه بنظرات غير مفهومة ، يتساءل بعدها : وش مصحيك هالحين ؟ تُميل رأسها : الشّغل .. ينظر إليها : أي شغل ؟ في شي ما أعرفه ؟ تبتسم ابتسامة ذات مغزى ، تشتت أنظارها في أشجار الحديقة الظاهرة من خلف زجاج النافذة : لا ، قبل شوي اتصل فيني واحد ، يقول إنه من جامعتي ، و واضِح إن فيه أحد دالّه علي .. عقد حاجبيه : منو يعني ؟ تهز كتفيها بعدم معرفة : ما أدري ، بعد شوي راح نتقابل و نشوف .. يترك جوّاله ، يقترب منها : تقابلي منو و ليش ؟ ما نبي أي مخاطرة ، اعتذري ، أو خلاص خليكِ ولا تروحي ، و إذا اتصل مرة ثانية لا تردي .. تنظر إليه و تقول بجدية : و لو كان عارف شي فعلاً ، مو ممكن تكون مخاطرة لو ما لبينا طلبه ؟ الرجال قال إنه عارف لمين بعنا المنشطات المرة الماضية و شلون ساعدناهم يفوزوا ! تتسع عيناه : يعني اللي بلّغه واحد منهم ؟ شلون وثـقـتي فيـهم ؟ مو حضرتك قلتي أمـان ؟ حسناء : مو بالضرورة ، ما كانت أول مرة نشتغل ، إن الأمر ينكشف كان شي متوقع لا تقعد تحط اللوم علي .. بنبرة حادّة مرتفعة : إنتِ لازم تعرفي مين اللي قاعدة تتعاملي معاهم ، لازم يكون معاكِ ضمانات ! وش كنت أعلمك طول هالسنين ؟؟؟ نهضت : كنت تعلمني أخدمك ، شوف يا ، عُمـر حـرب ، أكلمك الحين بصفتي ، خلينا نقول شريكة عمل ، مو بنتك .. إيّاك تحاول إنك تطلعني غلطانة ، أو تفكّر تضحي فيني .. بهدوء ، يتساءل عمر : أضحي فيكِ ؟ شلون ممكن أضحي فيكِ ؟ حسناء : يعني ، لو الموضوع وصل للشرطة و الأمن ، لا تتوقع إنك تحطني كَبش فِدا و إنتَ تطلع منها ، هالشي مستحيل .. نَهَض بصمت ، أمسك كتفيها بكفيه و قال بجدية : متوقعة إني ممكن أسوي شي زي كِذا فيكِ ؟ بنتي الوحيدة متوقعة إني ممكن أترك شي يأذيكِ ؟ ابتسمت بسخرية و هي تنظر إلى يديه المستقرتين فوق ذراعيها : ليش ما حاولت تقتل وِلدك اللي لسا ما شاف الدنيا ؟ و يا ليتَك تتوب ، لسا تحاول تقتله و تقتل أمه ! عَقد حاجبيه ، أردفت : لما تفكّر إنّك توقف حسابات ريم ، يعني كأنك تموّتها من الجوع ، تخيّرها بين حياتها و حياة وِلدها ، أنا ما شفت بحياتي رجال ظالِم مثلَك .. أنزلت يديه عن ذراعيها بهدوء ، ابتعدت عنه بخطوات بطيئة حتى وصلت الدرج ، عيناها تتبعانها ، وقفت عند عتبة الدرجة الأولى ، التفتت : ربنا أعطاك فرصة يكون عندك ولد حقيقي ، ابن ، يحبّك ، لا تفوّت هالفرصة برأيي ، و لا تتأمل إني أكون بنتَك اللي بتظل معاك لآخر لحظة بحياتَك ، حاول تخلي شخص واحد عالأقل بهالدنيا يحبّك .. ،, تظهر ابتسامة ساخرة على وجهه و هو يسمع التسجيل الذي حذفه عزيز ، يراقب جميعهم ردود فعله عدا عصام ، يرفع عينيه إلى عزيز الواقف أمامه بتوتر و يقول : طارِق كِبر راسه و قاعد يهدد .. أجل هذا اللي ما تبيني أسمعه ؟ اكتفى بالصمت ، أردف بصوت مسموع و هو يكلّم نفسه : أنا ما أخاف من ربنا ؟ عِصام بحدّة نظر إليه : وش استفدت بعد ما سمعت التسجيل ، يعني وش بتسوي ؟ يحكّ ذقنه بتفكير : مدري ، وش بسوي يعني ؟ عِصام يشبك يديه أمام الطاولة : يحيى إنت قاعِد تلعب ؟ وش قاعِد تسوّي فهمني ؟ يرفع حاجبيه : أنا قاعِد ألعب ؟ هذا رأيك ؟ عِصام يترك مكتبه ، يتقدّم إليه : شوف يا يحيى ، أنا مقدّر حماسك لهالقضية ، بس اللي شايفه إن الموضوع قاعِد يتحوّل لتحدي ، أو أمر شخصي بالنسبة لك ، و هذا مؤشر ماهو كويس .. يحيى بملل : المعنى ؟ عِصام يأخذ نفساً : المعنى يا تحل هالقضية و تشتغل عليها كمحقق عادي ، يا اتركها لغيرَك ، و خليك صادِق مع نفسك و قول أنا ماني قادر أتعامل مع هالقضية .. إنت لا زلت مبتدئ ، و طبيعي تكون قضية من هالنوع صعبة عليك ... نهض يحيى : أجل أنا مبتدئ ! يخفي عزيز ضحكته و كذلك إبراهيم ، الذي يتدخل : لا يحيى مو المقصود كذا بس خبرتك في التحقيق لسا بسيطة ، لازم تعترف بهالشي .. يرمق يحيى عزيز بنظرة ، ينظر إليهم : شوفوا اتركوني أشتغل بقضيتي على كيفي ، أنا ماني قاعِد أخالف القانون ، لا شفتوني أسوي هالشي حطوا الكلبشات بايديني و احبسوني ، كويس ؟ عِصام : مانك ملاحظ إنك قاعِد تأخذ كل شي على منحى شخصي ؟ إنت عاطفي زيادة عن اللزوم ، يحيى و هو يقف أمامه : كلامك هذا كله فارغ ، وش عاطفي ما عاطفي ، شايفني هندي ؟ عِصام بجدية ، متكتفاً : لا والله شايفك عربي ، لأن العرب اهمة الوحيدين اللي تتدخل عواطفهم بشغلهم ، تلاقيه مع حرمته و عياله جدار ، و في شغله كله أحاسيس ! يحيى ساخراً : والله إذا إنت جدار مع حرمتك هذي مشكلتك مو مشكلتي .. ينظر الجميع إلى يحيى بصدمة ، تتسع عينا عِصام بغضب واضح لدى يحيى الذي شعر أنه تسرّع في كلمته ، تتكوّر قبضة يدِ عصام ليلكمه على وجهه ، يلتصق ظهر يحيى في المكتب دون مقاومة ، يقترب عِصام ، يشدّه من ياقة قميصه : صدقني بعلمك شلون تقلل أدبك معاي يا يحيى .. رمقه بنظرة غاضبة ، خرج مسرعاً دون أن يلتفت لأحد ، إبراهيم و علي ينظران إلى يحيى بتوتر ، يتجاهل نظراتهم و هو يتحسس مكان اللكمة ، يخرج خلف عصام دون كلام ،، ،, يضرِب الطاولة بكفه بِغضب ، يصرخ و هو ينهض : إنتَ جايبني من الصبح عشان تسمعني هالكلام الفارغ ؟ فهد ببرود : أبغى دفعة اليوم ، مو بعد أول أسبوع شغل .. قلتلك صار عندي ظرف طارئ و أمي في المستشفى ! سُلطان : وش ذنبي أنا ؟ أنا وعدتك أصرف عليك و على عيلتك ؟ ما معاك فلوس ؟؟ فهد بحدة : ما قلتلك اصرف علي ، قلتلك أبغى دفعة سلف من الشغل اللي بيننا ، ما هي صَدقة .. يجلس مجدداً و هو يكتّف يديه : و إذا قلتلك ما معي الحين ، وش بتسوي ؟ فهد ، بلا مبالاة : ما بروح الشغل .. سلطان : فهد أنا طوّلت بالي عليك أكثر من مرة ، واضِح إنك مَنت رايد لنفسك الخير .. إنتَ ملاحظ إنّك قاعِد تتحداني ؟ فهد : مو بكيفك طولت بالك ، ناسي إن في بين ايدي كَرت للحين ما حرقته ؟ و إنتَ عارف إني لو بحرق هالكرت بحرقك معاه ، شرايك ؟ أخذ نفساً عميقاً ، أخرج زفيراً : والله مَنت قدّ اللعب معاي ، أحذرك لا تلعب معاي .. و بكرا تنزل دوامك مثل البشر و إلا ! نهض فهد : وإلا .. ؟ شوف أنا الحين رايح المستشفى ، اليوم إذا ما وصلني دفعة ، بكرا ماني نازل الشغل ، و إذا جربت تأذيني ، رقم يحيى الغانِم معاي ، ابتسم سُلطان بسخرية لم يفهمها فهد ، و سمح له بالخروج دون أن يمنعه ، تأكد من ابتعاده عن المكتب ، رفع سماعة الهاتف و قال : اهوة نازل الحين ، لا تخلوه يترك المبنى ، عارفين شغلكم .. مع السّلامة .. أغلق الخط ، ليرفعه مرة أخرى و يتّصل ، يقول بدون مقدّمات : واضِح راح نحتاجِك ، ما في حل ثاني .. تأتي ضحكتها الصاخبة : هههههههههههههههههههههه ، طبعاً يا سُلطاني ، و إنتَ تقدَر من غيري ؟ يبتسم بخبث : طبعاً مـقدر ، عارفة كل شي ولا نعيد ؟ : أفـا ، ولو ؟ عيب هالكلام .. سُلطان : أنتظرِك .. ،, تبدأ الحياة بالابتسام مجدداً لها ، تعود الشمس لُتشرِق في غرفتها و تنيرها ، تتجول بخفة رغم وزنها الزائد في غرفتها ، و هي ترتب جميع أغراضها في حقائبها ، تدندن بكلمات أغنية تخرج من بين شفتيها كعصفور يرقص فرحاً ، مَرت من جانب غرفتها أختها التي تحمل كوب النسكافيه بيدها ، تسمع فرحها لأول مرة ، دون أن تطرق الباب ، تفتحه و تدخل لتزول ابتسامة سـَارة عن وجهها فور رؤيتها ، تَميل بكتفها لتستند إلى الباب ، ترتشف شفة من كوبها ، تقول بسخرية : الله الله ، وش هالسعادة ، من متى ؟ تضع الكتاب من يدها في الحقيبة و تقول دون أن تنظر إليها : من يوم عرفت إني مسافرة ، غيره ؟ رَهف : كويس ، و احنا نفتّك شوي من اللي عاملة اكتئاب في البيت .. ترمقها بنظرة دون أن ترد ، تدخل رهف لتتجول نظراتها في أرجاء الغرفة ، تقول : تدري يعني غرفتِك ما هي شينة ، ما كانت مبينة قبل لأنك كنت دايماً مقفلة النور و الأباجورات ، كويسة ، معاها حمام بعد ، راح تفيدني كثير .. ترفع سارة حاجبها و تقول : شنو راح تفيدك وش تقصدي ؟ رَهف : يعني أفكّر لا سافرتِ ، أبدل غرفتي بغرفتك ، هذي أكبر و أحسن لي .. إنتِ وش تبي بغرفة كبيرة مثلها ؟ سارة بنرفزة : والله لو تغيري شي بهالغرفة بكسر ايدك ! رهف ترفع حاجبيها : والله ! قاعدة في بيتنا و تتكلمي بعد ؟ حبيبتي هذا بيت أبوي أنا ، و أنا اللي أقرر وين أقعد مو إنتِ ! سارة بابتسامة مستفزة : والله ما حزرتِ ، هذي الغرفة لي و بتظل لي .. يأتي صوته الأجش من الخارج ليقول : و ليش ما حزرت ؟ تلتفتان سوية إلى الباب ، تبتسم رهف ابتسامة النصر و هي ترى والدها يقف أمام الباب ، تقول سارة : عمي ! يَعقوب : إذا حابّة هالسفرة مرة بتتركي هالغرفة لأختك و تاخذي إنتِ غرفَتها .. تقترب رهف ، تعلق يدها بذراعه و هي تقبّل خده : فديت أحلى أبو في الدنيا .. سارة : بس يا عمّي .. يعقوب يقاطِعها : اللي قلته ما أثنيه ، " يقترب منها و يهمِس في أذنها " : و لو ما ترجعي البيت من الأساس تريحينا كِلنا .. يتبادلان نظرات حادة ، قبل أن يخرج برفقة ابنته من الغرفة .. تبقى سارة وحيدةً ، تتمنى لو تجِد بالفعل مخرجاً آخر يخلصها من العيش مهملة ، غير مرغوب بها في عائلة ، كانَت يوماً تعني لها .. ،, لَكمه على وجهه ليزداد تدفق الدم من وجهه ، مثبتاً على الكرسي بحبال وثيقة الرباط ، ينظر إليه بحقد ، يقول الآخر بلهجة باردة : حاولنا نفهمك بالحسنى ما فهمت ، واضح إنك ما تيجي إلا بهالطريقة .. فهد : أمي بالمستشفى بروحها و لازم أكون عندها ..اتركني يا سُلطان أبركلك ! سُلطان بابتسامة : لا تخاف ، بعد شوي بنبعث ياسمين .. بس أول في شي لازم تعرفه .. صَمت ، أردف سُلطان : الحين ياسمين بتيجي هِنا ، و بنشوف وش بتقول لك ، ما كِنت حابب أزيد همّك و أقول لك ، بس إنت أجبرتني .. يلتزم بالصمت ، يُشير سُلطان إلى الرجل الواقف أمام الباب ليفتحه ، تدخل ياسمين بابتسامة ، و حركات بطيئة ، تُلقي السلام على سُلطان ، يرد : هلا بالغالية ، " ينظر إلى فهد " : زوجة الغالي .. تتسع عينا فهد بدهشة خوفاً من أن يكون ما قد فكر فيه صحيحاً ، ينظر إلى سُلطان باستفهام ، الذي يغمِز لياسمين و كأنه يعطيها الضوء الأخضر للتكلم ، فتقول و هي تقف أمامه : سمعت إن ضرتي تعبانة ، قلت آجي آخذ عنوان المستشفى و أزورها .. فهد بلهجة مرتجفة : وش هالكلام الفارِغ ؟ ياسمين : أنا ياسمين ، زوجة مشعل شَهران .. يعني زوجة أبوك ، صَرخ و هو يتحرّك على الكرسي دون جدوى كأنما يحاول فكّ قيدِه : كــذب ، كذابيين ، وش تبون مني قولوا !! ابتسمت و هي تفتح حقيبتها لتُخرِج منها عقداً ، تفتحه أمامه ليقرأه ، يرى كلمة " عقد زواج " ، يغلق عينيه بسرعة محاولاً أن يُبعد ذلك عن رأسه ، تصرخ بحدة : افتح و شوف .. يفتحهما مجدداً بخوف ، يقرأ العقد كاملاً ، يتضح أنه لم يثبّت في المحكمة الشرعية ، لكن هذا اسم والدي ، و هذا توقيعه ، و هؤلاء هم الشهود على خيبتِك يا أمي ، يقول بنبرة هادئة : وش المطلوب مني ؟ تبتعد من أمامه ، يقول سُلطان : آهـا ، سألتني وش المطلوب ، يعني رح نتفق ، شوف يا فهد ، أمّك تعبانة و ما هي قادرة تتحمل خبر صادم زي كِذا و أنا مقدّر هالشي ، عشان كذا سالفة زواج أبوك من ياسمين بتظل سر هنا ، بس ياسمين راح تقعد عندكم في البيت ، مثل ما كانت في البداية مرافقة مسن ، و لو جربت تلوي ذراعي بكلمة وحدة ، الخبر بنفس الساعة بيكون عند أمّك .. و كل شي بقوله بيتنفذ ، مفهوم ؟ يصمت و يرتخي جسده على الكرسي بعجز عن المقاومة ، يتبادل سُلطان و ياسمين ابتسامة النصر ، تقول ياسمين بسخرية : مزودينها على وِلد زوجي ، ترى ما أرضى ! سُلطان : ياسمين الحين رايحة بطريقها لأمك ، و برسالة مني كل شي عنّك و عن أبوك بيكون عندها ، خليك ذكي مثل ما أعرفك ، ولا تخاطر .. يشتت نظراته في الأرض ، عقله عاجز عن التصديق ، لِم فعلت بي كل ذلك يا أبي ؟ أعرفتني قوياً لأتحمل الدنيا من بعدِك ؟ تخرج ياسمين من عندهم بأمر من سُلطان ، الذي يأمر رجاله أيضاً ليفكّوا فهد ، يقول : هالمرّة فركة أذن بسيطة ، ما حبيت أزوّدها عليك ، بس لو تتصرف بغباء مرة ثانية صدقني ما بيحصل طيّب ، و هذاك عرفت مين سُلطان ، لا تجرب توقف بوجهي مرة ثانية .. كان صمته لاذعاً ، و نظراته سامّة ، كأنه الهدوء الذي يسبِق العاصفة ، رأى وعيداً في عينيه ، وعيداً لم يُخِفه ، فقد أبرح قَلبه صدمات ، أعجز قلبه عن المقاومة ، يُردف سُلطان : هالحين تروح بيتكم و ترتاح عشان شغل بكرا ، و بالنسبة للعلامات اللي في وجهك ، قول إنّك تعالقت مع واحد في الطريق .. فهد بصوت مبحوح : راح يقولوا لي مع السلامة من أول يوم ، منو بيوظّف عنده واحد راعي مشاكل ؟ سُلطان : لما يكون وراك سلطان ، ما في أهمية لأي شي ثاني .. رفع فهد حاجبيه ، ظهرت ابتسامة ساخرة على وجهه من ثقته الزائدة بنفسه ، نهض بصعوبة من مكانه و هو يشعر أن حتى عقله شُل عن التفكير ، إلى أين ذاهب ؟ لا أدري ! إنه طريق بلا نهاية ، كما قلت يا أمي .. ،, ألقى نظرة أخيرة إلى وجهه في مرآة السيّارة ، عاتَب نفسه في داخله على تِلك الكلمة التي ألقاها لعصام ، ترجل من السيارة متجهاً نحو بيت طارِق ، لا يعلم إن كان ما يفعله تحدياً له ، أم أنه يريد أن يفسّر ذاته .. لم يعجبه ما دار بين طارِق و أخته من كلام ، ولا يحب أن يظهر بتلك الصورة الوحشية أمام أي كان ، لا أحد يعلم ما الذي سيحدث بعد طرق الباب ، لكنّه دون تردد ، طَرقه ثلاث طرقات متتالية ، باتَ بإمكانها توقع الطارق ، فقد اعتادت على تِلك النغمة التي تصدر من باب بيتهم المتهالك ، حين يأتي ذلك المتغطرس ليطرقه ، لكنّها في هذه المرة لم تكن غير مبالية كالمعتاد بقدومه ، بل كانت خائفة جداً من التوالي .. اقتربت و هي تدعو الله أن تخيب ظنونها ، قالت : ميـن ؟ يبتسم يحيى ، المشهد ذاته يتكرر ، بنبرة هادئة غريبة عليها يقول : يحيى الغانِم .. تنفث أنفاساً قوية ، تعدل حجابها و تفتح ، تقول بعجلة : طارِق مو موجود .. يُميل رأسه و يقول : ننتظره .. بنبرة الرجاء : و اللي يخليك روح من هنا قبل لا يجي أخوي ! يحيى بسخرية : اوف اوف شهد تترجى ! من متى ! رفعت نظرها إليه بحدة : من وين عرفت اسمي ؟ أرسل ابتسامة مستفزة ، تلاحظ كدمة حمراء تميل إلى اللون البنفسجي ، تبتسم بسخرية : سبحان الله ربّك ما يضيع حق أحد .. يعقد حاجبيه و لم يفهم مقصدها ، أردفت : امشي من هنا ، نصيحة .. جاءت لتغلق الباب ، استبقها بوضع قدمه ليبقي الباب مفتوحاً ، نظرت إليه بحقد : وش بيصير إذا ما مشيت ؟ تَركت الباب ، كتفت يديها : والله طارِق لو شافك هِنا بيكوفنك ، و أتوقع سمعت وش قال .. يحيى : عشان كِذا أنا جيت ، أنا ماني شخص ما يخاف ربنا مثل ما قلتوا .. شهد : و أنا ما يهمني و مابي أخوي يشوفَك لأني خايفة على أخوي مو عليك ! أغلقت الباب بغضب ، أطبق عينيه بملل ، ماذا أفعل هنا ؟ لا أعرف ، إنني أرتبط بقضية ارتباطاً أشعر أن مكانه القَلب ، قَلبي هو من يقودني ، و إنه كان شرساً طوال تِلك المدّة ، لكنني تعلمت أن لا أترك فيه مجالاً للعاطفة ، لا أعلم لِم أنا مهتم إلى تِلك الدرجة بنظرة طارِق عني ، ربما لأنني لست كما يرونني ، و لِم أنا مهتم بدقة الصورة التي يتخذونها عني ؟ ربما لأنني لم أعرف إن كانوا محقين ، لا أعلم يا الله ، هل كانوا محقين حين قالوا أنني لا أخشاك ؟ أيعقل أن أكون هكذا ؟ تنهّد بقوة ، ربما كانت تِلك اللكمة من عِصام هي ما توقظه ، لكنه إلى تِلك اللحظة لم يعرف بعد ، سبب اهتمامه بنظرة طارِق له ، أهناك صوت في داخله يخبره أنه قد ظلمه ؟ ،, تجلِس على الرصيف المُقابِل لكليتها ، واضعة نظاراتها الشمسية فوق عينيها ، تنظر بملل إلى المارّة ، تحاول أن تتعرف على صاحِب الاتصال ، تأخر عن موعده ، و لم مستغربة من تأخره كأنها تعرفه بدقة مواعيده و هي تراه للمرة الأولى ، قفز أمامها شاب يرتدي بدلة رياضية ، كأنه يعرفها تماماً ، يقول بلكنته الإيطالية : هل تأخرت عليكِ ؟ رَفعت النظارات عن عينيها ، و هي تعقِد حاجبيها تساءلت : من أنت ؟ ابتسَم : صاحِب الاتصال ، ألم تأتِ لتقابليني ؟ تجاهلت كلامه ، و عادت للتحديق في المارّة بتوتر واضح ، أردف : قبولك لدعوتي يعني أن ما سمعته كان صحيحاً ، حَسناء دون أن تنظر إليه : و ماذا سمعت ؟ أجاب : قدرتك الهائلة على إستحضار كأس البطولة للفريق الذي تريدين .. ابتسمت بسخرية دون أن ترد ، أكمل كلامه : نحن بحاجة لكِ .. بحاجة إلى تِلك المنشطات .. رمقته بطرف عينِها : من أين أتيت بتلك الخرافات ؟ أي منشطات تتحدث عنها ؟ : أخبرني صديق لي ، لا تقلقي سيكون الأمر سراً بيننا .. أرسلت ابتسامة ذات مغزى : من هو ذلك الصديق ؟ لا بد أنني أعرفه .. : أنتِ حذرة بشكل مبالغ فيه ، لا داعي للقلق ، قلت أن الأمر سيكون سراً .. حسناء : أعطني سبباً يجعلني أثِق برجل أراه لأول مرة في حياتي ! : و ما السبب كي لا تثقي برجل ترينه لأول مرة ؟ الحياة دائماً بحاجة إلى الفرص ، لا يمكنك أن تسيئي الظن بأحدهم لمجرد عدم معرفتك به ! أخذت نفساً عميقاً و هي تفتش في جوالها ، قالت بعد تفكير و هي تمد الكلام : أنت مُـحِق ، يـبـدو أنَـك تستحق فرصة ما .. ابتسم براحة ، التفتت إليه : تعرِف جيداً أن أموراً كتِلك لا يمكن أن تحل بين أسوار الجامعة .. : أين سنلتقي إذن ؟ لا مانع لدي ! حسناء و هي تنهض عن الرصيف ، تنفض الغبار عن بنطالها بكفيها : سأرسل لك العنوان و التوقيت ، ولا تنسى تجهيز الثمن .. ابتسم : كل شيء سيكون جاهزاً ، صدقيني إن فزنا هذه المرة سأهديك مكافأة جيدة .. بادلته الابتسامة ، تركته و مضت .. ،, فَتحت عينيها ببطء ، بالكاد تذكر ما حدث في الأمس ، كان أشبه بكابوس ، أو حلم طويل ، لكنّها تأكدت من واقعيته حين رأت بياض الجدران حولها ، جهاز مراقبة القلب إلى جانبها ، يستقر المغذي في كفّها الهزيلة ، رفعت رأسها بإنهاك ، الرؤية غير واضحة تماماً لها ، فتاة نحيلة تختبئ في عباءة سوداء تجلِس أمامها تتصفح جوالها بلا مبالاة ، هل سافر فهد مجدداً ؟ ذلك السؤال تراود إلى ذهنها حين رأت تِلك المرافقة تطل مجدداً في حياتِها .. رفعت ياسمين رأسها ، لتقول بهدوء : صح النوم خالة ، نمتِ كويس ؟ تجاهلت سؤالها : وين فهـد ؟ دفعت كرسيها إلى الأمام لتقترب منها : فهد اتصل و طلب مني أظل معاكِ ، قال إنه مشغول اليوم .. ارتخى رأسها فوق وسادتها البيضاء ، خيبة أمل ارتسمت على ملامحها ، تتمتم بينها و بين نفسها : مشغول ؟ أتفعل الأموال ما فعلت بك يا طِفلي الذي لم تبتعد عن حضني يوماً واحداً ؟ وحيدة و جدراني في هذه الغرفة الباردة ، هل سأموت وحيدة يا فهـدي ؟ دخل الطبيب بعد أن طرق الباب ، بابتسامة قال : لا ما شاء الله واضِح إنك أحسن اليوم .. تعلقت عيناها بباب الغرفة الخشبي دون أن ترد ، شعر بسوء حالها ، وجّه كلامه لياسمين : حضرتِك بنتها ؟ ياسمين و هي تقف : لا أنا مرافقتها ، شلون وضعها دكتور ؟ تنهّد الطبيب و قد فهم سبب بؤس تِلك السيدة ، ابتسم بارتباك : ان شاء الله ما فيها شي ، شوية إرهاق ، ما عليكِ شر يا أمـي .. تناثرت دمعاتها بعشوائية على وجنتيها ، أصبحتِ مثيرة للشفقة يا جواهر ، يقول الغَريب لكِ أُمي ، لاستشعاره مدى فقدانِك لتلك الكلمة ، إنني أفقِد نفسي يا وَلدي ، فهل ستجلبها لي بمالِك ؟ لم أقتنع يوماً أن السعادة قد تنفصل عن المال و الثّراء ، لكنني و إن كنت أملِك مال الدنيا كلها ، أشعر أنني فقيرة ، معدَمة أكثر من أي وقت مضى ، معدمة الأمومة ، معدَمة الحب ، و الدفء .. شعرت ياسمين أن الطبيب لم يقل كل شيء لديه ، خَرجت خلفه ، نادته بهدوء : دكتور .. التفت إليها ، قالت : شلون وضع المريضة ؟ في شي ؟ أخذ شهيقاً قوياً و هو يرغب في لكم ذلك الرجل على وجهه : لازم ولدها يكون موجود عشان نبلغه .. ياسمين بقلق مُفتَعل : تبلغوه بشنو ؟ اهوة صراحة دائماً مشغول عشان كذا أنا معاها و أنا دائمأ أبلغه بأي طارئ .. الطبيب : المريضة عندها فَشل كلوي ، بمرحلته الأولى ، و لازم يكون موجود عشان إجراءات العِلاج .. طقطقت أصابعها بتوتر : ممم طيب ممكن نخليها لبكرا هِنا عبال ما يتفرغ ولدها ؟ ينظر إليها بتعجب : بتنتظري إلين يتفرّغ ؟ هذا فَشَل كَلوي ، عارفة وش يعني ؟ يعني ممكن نخسر المريضة بأي لحظة ! هزّت رأسها بتوتر و هي تفتح جوالها : طيب الحين بكلمه إن شاء الله .. رمقها بنظرة غير مفهومة ، مضى في طريقه ، راقبته حتى غاب عن عينيها ، ضغطت على اسم سُلطان ، بعد دقائق : سُلطان .. أنا في المستشفى .. سُلطان ببرود : وش أسويلك ؟ ياسمين بهمس : الطبيب كان هِنا و قال إن أم فهد عندها فشل كلوي .. يبتلع لقمته من السّمك ، و بنفس البرود : وش أسويلها أعطيها كليتي ؟ ياسمين : اففف ، أقصِد أتصل أبلغ فهد ؟ سُلطان : لا تبلغيه بشيء ، خليه ملهي بـشغله معـانا ، انتِ تصرفي .. ياسمين : أتصرف بشنو قالوا ولدها لازم يكون موجود ! بعدين فهد لو درى بيموّتنا كلنا ! سُلطان بغضب : ياسـمـيـن ، ماني طفل عشان أخاف من هذا اللي اسمه فهد ، خلاص خليه بكرا يستلم وظيفته و يتثبت فيها بعدين نكلمه في سالفة أمه .. تتجول ذهاباً و إياباً ، تتحدث بصوت منخفض : طيب وش أسوي الحين ؟ سُلطان : خليكِ معاها ، و بلغيني كل شي أول بأول .. ولا تتصرفي بغباوة و تدقي على فهد ! ياسمين : افرض جـاء بـروحه ، أكيد بيعرف .. سُلطان بابتسامة : ما شفتِ وجهه خريطة شلون بيروح لأمه بهالحال ؟ ياسمين تبتسم بسخرية ، تقول : والله مَنت قليل .. طيب و أنا بالنسبة لي متى أبدأ شغلي ؟ تسمع صوت الماء يتدفق في حلقه ، يقول بعد أن يشرب : هالحين مو وقته أنا أقول لك متى و شلون .. ياسمين تهز رأسها : طيب ، خليني أفوت لهالعجوز الحين ، سَلام .. سُلطان : سَلام يا قمـر .. ،, ,، يتحرّك بعجز تام و هو ينظر حوله بريبة ، رجلين أمامه ينظران إليه ببرود ساخِر ، غير مباليان بمقاوماته الخاذِلة ، يصرخ و هو ينظر إليهما بغل : اتركوني ، شغلـي مو مـعــاكــم !! ،, ,، أخذت غرّتها المزعجة إلى الجانب الأيسر من وجهها ، نهضت و ملامح وجهها تنبئ بالنهاية لتقول : ماني متأكدة إذا كنت أبيك أو لا .. ،, صَفعها على وجهها الناعِم ، صفعة قوية أسقطت جسدها الهزيل أرضاً ، دون أن تدرك السبب خلف غضبه الجامح تجاهها ، انحنى ليأخذ شعرها بيديه ، يشدّه بقوة و هو يصرخ بكلمات تخرج من شفتيه الغاضبتين بارتباك ، لم تكن واضحة لدى أي منهم .. انتهى مرة أخرى سامحوني على التأخير ، و إن شاء الله لن يتكرر .. توقعاتكم و آراءكم ، نلتقي الجمعة القادمة بإذن المولى .. دمتم بخير ، طِيفْ! | ||||||||
07-12-19, 01:08 AM | #14 | ||||||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة
| السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، أتمنى أن يكون الجميع بصحة و عافية ، هذا الجزء رح أعتبره تتمة للجزء الثامن ، إن شاء الله يعجبكم قراءة ممتعة بسم الله نبدأ وَ إن زارَنا الشّوق يومًا و نادى و غنى لنا ما مَضى و استعادا و عاد إلى القَلبِ عهد حنون فزاد احتراقاً و زدنا بعادا لقد عاش قلبي مثل النسيم إذا ذاق عطراً جميلاً تهادى و كم كان يصرخ مثل الحريق إذا ما رأى النار سكرى تتمادى فهل أخطأ القلب حين التقينا و في نشوة العِشق صرنا رمادا ؟ " *فَاروق جويدة وَ في نَشوةِ العِشقِ صرنا رمادا ، بقلم : طِيفْ! الجزء 8 *تتمة الأجواء المشحونة ، الصّمت يعم المكان ، يعمل كل منهم دون أن يتحدث إلى الآخر ، كأنما كلمة واحدة من أحدهم ستشعل فَتيل الحرب ، تنهّد و هو يتقدّم نحو غرفته ، وسط نظرات الضباط المتعجبة لوجهه في دخوله و خروجه ، تجاهلهم ، وصل إلى مكتبه ، وقف عند الباب يتأمل التوتر الذي اختلقه اليوم ، أخذ نفساً عميقاً ، و قال بصوت أقرب للخجل : السّلام عليكم .. توجهت أنظار كل منهم إليه ، بعد ثانية ، رد إبراهيم و عزيز بصوتٍ واحد : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته .. لاحظ نظرات عِصام الحانقة ، و عَدم ردّه السلام ، تجاهل نظراته و توجّه نحو مكتبه ، يقف عِصام أمام مكتبه و هو يحمل ملفاً أحمر اللون بين يديه ، دون أن ينظر إلى يحيى ، يسأل بجمود : وين كِنت ؟ يرفع نظره إليه ، يستمر بصمته ، لم يستوعب بعد أنه يوجه سؤالاً له ، يُكرر عِصام بنفس اللهجة : قاعِد أكلمك وين كِنت ؟ يحيى : كان عندي مشوار لبيت فهد ، و .. قاطعه و هو يتقدم نحوه و يُلقي الملف الأحمر أمامه بقوّة : دقق هالملف و انقله عالكمبيوتر ، أبغاك اليوم تخلصه .. ينظر إلى الملف بطرف عينه ، تنتقل نظراته إلى عصام : بس هذا ما يخلص اليوم ، و أنا ماسِك قضية و أشتغل عليها .. عِصام و هو يُعطيه ظهره : مو مشكلتي هذا أمر من مسؤولك بتنفذه ، إبراهيم الحقني مع ملف السجين 4071 خرج من الغرفة ، تِلك المرة الأولى التي يرون بها عصام على تِلك الحالة من الغضب و السّخط ، توجّه إبراهيم نحو المكتبة ليفتش عن الملف ، يُطبِق يحيى عينيه بتعب و هو يسند رأسه إلى ظهر كرسيه و كأنه يعاتب نفسه ، ينظر إلى عزيز ، يسأله : قال شي لما كنت برا ؟ عَزيز يهز رأسه بالنفي ، يترك مكتبه و يتجه نحو يحيى ، يجلِس أمامه : شفت فهد ؟ يحيى : ما كان موجود في البيت .. عقد حاجبيه : طيب ؟؟ ينظر إليه ، بتوتر يقول : وش طيب ؟؟ قلتلك مو في البيت وش اللي طيب ؟ عزيز : وين رحت بعدها ! كل هالوقت بس رحت بيت فهد و ما لقيته ؟ رفع حاجبيه و هو يشبك أصابع كفيه فوق الطاولة : وش رأيك تاخذني لغرفة التحقيق تحقق معاي ؟ عزيز : لا تنسى إني مُساعدك في القضية ، يعني حقي أعرف كل شي يخصها .. يحيى : إنتَ قلت مساعدي ، و حقّك تعرف اللي أبيك تعرفه ، غير كِذا مالك علاقة .. يرمقه بنظرة ، يقول بحدّة : واضِح إني كنت غلطان لما ساعدتك تستلم القضية هذي ، يحيى بتأفف : بديـنـا جَمـايل ... التفت إليهم إبراهيم و هو يحمل بين يديه إحدى الملفات : خلاص إنتَ و هو مثل الضراير قاعدين ، هالقضية ما جالنا منها إلا عوار الدماغ ، قفلوا هالموضوع و ريحونا ! رمقهم بنظرة حادة ، تركهم و خرج ، التفت يحيى إلى عزيز : دام إنّك قاعِد تقول إن هالقضية قضيتنا و مو لازم أحد يخبي شي عن الثاني ، ليش حذفت تسجيلات طارِق الأخيرة و حاولت تخليني ما أسمعها ؟ عزيز بتهرب : هذا موضوع ثاني ما كنت أبغى يصير مشكلة ثانية من ورا كلام طارِق .. يحيى : لا تتهرب ، هذا مو هو السبب .. نَهض عن الكرسي : حذفتهم لأني حسيت الكلام جارِح ، و لأني أعرِف إنك مو مثل ما قالوا ، ما حبيت تسمع كلام يأذيك .. اتسعت عينا يحيى ، يترجم في نظراته تعجباً هائلاً من اهتمام عزيز بمشاعِره ، يُردف بارتباك : لا تطالعني كِذا ، إنت مسؤولي ، و زميلي و ما أرضى أحد يتكلم عنك بسوء .. و لو كانت نيتي سوء أو عدم احترام ، كان سمعت كلام عصام لما طلب مني أخلي سبيل طارِق ، مع إني كنت معارضك في تعاملك معاه بس ما رضيت أتصرف تصرف ممكن يقلل احترامك في غيابَك ، و كان ممكن أتحمل عقوبة هالشي من عِصام ، بس كل مرة تفاجئني بغرورك و تكبرك ، و تخليني أتأكد إنك ما تستحق هالشي ، و ما أستغرب أبداً إن ما عندَك أصدقاء و لو بتظل بهالنفسية مستحيل يكون لك أصدقاء .. تنفس بعمق بعد أن فرّغ ما بداخله ، دون أن يترك مجالاً له للحديث ، التفت خارجاً من المكان ، ظل يحيى متجمداً في مكانه ، كلمات عزيز تتردد في مسامعه ، تنهّد و هو يُطبق عينيه بحيرة ، أشعل حاسوبه و بدأ بتنفيذ ما وكّله به عِصام ، بعقل مشوش جداً .. ،, يجلِس أرضاً في زاوية غرفته ، في منزلهم القديم ، مستنداً إلى الجدار بإنهاك ، لم يعد الألم يحرق وجهه ، إنه يحرق قلبه دون رحمة ، صحن السجائر إلى جانبه ممتلئ بالرماد و السجائر المحترقة كروحه المتعبة ، سيجارة أخرى تذوب بين شفتيه ، صورة قديمة تكاد ألوانها تختفي ، أكثر ما هو واضح فيها ، تِلك الضحكة التي ارتسمت على وجوههم ، يجلِس أبيه على تلك الأريكة الوحيدة التي شابت معهم ، في المنتصف هو ، و إلى يساره والدته ذات يوم ، حين كان وجهها ضحوكاً ، يبتسم لتلك الذكرى ، حتى ذكرياتنا مزيفة يا أبي ، تِلك الضحكة الأجمل ، الشيء الوحيد الذي أورثتني إياه ، كنت أعتقد أنها ضحكتك الصادقة تظهر على وجهي ، إنني أكتشف أنها خدعة يا أبي ، تشبه خدعة ضوء الشمس في منتصف كانون القارِس ، إن حياتي الوردية ، مستقبلي ، كلها كانت كذبة كبيرة ، أعيش الصدق اليوم يا أبي ، أعيشه وحيداً ، إنه موجع جداً ، وحيد جداً ، و بحاجتك جداً ، و إنني ناقم عليكَ يا أبي ، جداً جداً .. تعقِد حاجبيها و هي ترى باب ذلك البيت مفتوحاً بعد أن اعتقدت أنه قد أغلق على قلبيهما منذ زمن ، و إلى الأبـد ، تتلفّت حولها بريبة تنظر إلى المارّة ، تدخل ببطء إلى الداخل ، تمدّ رأسها بنظرات متفحصة ، تجده بحال لأول مرة تراه بها ، دخنة تملأ المكان ، لم ينتبه حتى لوجودها ، حتى وقفت بكامل جسدها أمامه تقول بتعجب : فهـد ! يرفع نظراته الدامعة نحو الباب ، ينظر إليها كأنه يستنجدها ، تتساءل و هي تتلفت حولها بارتباك : ليش قاعِد هنا ! وش صاير معاك ليش وجهك كِذا ؟ ارتخت نظراته ، يتابع تحديقه في الصورة و يقول بصوته المبحوح : تعبان يا شهد .. ثَقيلة على قلبي أن أراه متعباً ، ثقيلة أن أسمع صوت قلبي مستنجداً ، اقتربت بحركات مرتبكة خجولة ، انحنت لتجلس بنصف جسدها أمامه ، تنظر إلى الصورة التي يحمِلها بين يديه ، تتساءل : اشتقتله ؟ تنضم شفتيه كأنه متقزز من فِكرة الشوق له ، يهز رأسه بالنفي متردداً ، تنظر باستفهام ، يُردف بنفس النبرة : تعبان يا شهد .. تمتد يدها بتردد و خجل ، ترتجف أهداب عينيها ، إلى وجه ذلك الضعيف الذي لم يُبدي أي مقاومة لملامسة أطراف أناملها لحيته الخفيفة ، ظهرت ابتسامة صغيرة على وجهه و هو يشعر بارتجاف أصابعها ، رفع نظراته إليها ، تنتفض بخوف و تبعد يدها ، ينتصب جسدها واقفاً أمامه ، تفرك يديها و تشتت أنظارها في المكان ، تقول : قوم عن الأرض لا ييجيك برد .. أنا لازم أرد البيت .. و ما ضر برد الجسد إن كنت في داخلي أرتجِف ، أرتعش برداً .. عاد لصورته و سيجارته مجدداً ، نظرت إليه بقلّة حيلة ، أطلقت تنهيدتها الأخيرة في المكان ، ود لو يحتفظ بتلك التنهيدة في صدره المشبع بالألم ، خرجت دون كلمات ، مشت في الحارة كالتائهة بلا عنوان ، تحبس دمعات عينيها بصعوبة و هي تفرك أطراف أصابعها بقوة ، كأنها تحاول أن تزيل أثر ملامستهم لذقنه ، بحركات سريعة ، لا مبالية بنظرات الناس ، وَقفت أمام باب بيتهم ، أخذت شهيقاً طويلاً ، أتبعته بزفير ، مَسحت وجهها بكفيها ، أخرجت مفتاحها ، دخلت إلى البيت متناسية ما حدث في الخارج ، تنظر إلى أمها و أختها الجالستين ، الخوف بعينيهما و كأن أمراً قد حصل ، يأتي والدها يرمقها بنظرات غاضبة ، تنظر إليه باستفهام و نصف ابتسامة مرتجفة تظهر على شفتيها ، يقف أمامها دون أن يتفوه بكلمة ، صفعها على وجهها الناعم ، صفعة قوية أسقطت جسدها الهزيل أرضاً ، دون أن تدرك السبب خلف غضبه الجامح تجاهها ، انحنى لينزع عن رأسها حجابها ، يأخذ شعرها بيديه ، يشده بقوة و هو يصرخ بكلمات تخرج من شفتيه الغاضبتين بارتباك ، لم تكن واضحة لدى أي منهم ، تُسرع عبير نحوه باكية ، تحاول أن تبعده عنها بترجي : يبه اتركهاا واللي يخلييك ! تناثرت دمعات شهد على وجهها بصمت ، أول ما خطر في ذهنها أنه عرف عن دخولها لبيت فهد ، عاد ليمسك شعرها مجدداً و يصرخ : أنا ينحكى عن بناتي في حارتي و أسمع الكلام بأذني يا قليلة الحيا !! بدخول طارِق ، يقترب مسرعاً ليُبعد والده عنها ، تجلس أرضاً دون حراك أو مقاومة ، يُحكم سيطرته عليه و يُبعِده عنها و هو يتساءل : يبه وش صار ليش ضربتها !!! يُشير إليها بسبابته ، بعينين تشتعلان غضباً ، تُطبق عينيها بخجل منتظرة أن يروي له كيفَ خذلتهم بخلوتها مع فهد ، انفتحت عيناها مجدداً بصدمة و هي تسمع : أختك اللي ما تستحي تقعد تسولف مع هذا يحيى باب البيت و الرايح و الجاي يشوفهم أناا أسمع الناس بأذني تقول إنكم تتهاوشوا مثل المتزوجين !! ترتخي قبضة طارِق عن ذراع والده ، ينظر إلى شهد و يقول : متى صار هالكلام ؟ تستمر في صمتها و بكائها ، يصرخ طارِق : تكلــــــمـــي ! ترتجف نبرتها الباكية لترد بخوف : اليوم ، اليوم كان هنا و أنا كلمته عشان أقول له لا عاد يخطي هالبيت لأني خايفة عليك خايفة يصيرلك مشكلة أو تسويله شي و تأذي نفسك !! طارِق بهدوء : يعني يتحدّاني ! توجّه بسرعة نحو باب البيت ، أوقفه صوت والده الحاد : طـارِق ! توقف دون أن يلتفت ، اقترب والده و قال : إذا ناوي تكسَب غضب أبوك تروح ليحيى هالحين .. بس بعدها ما أبي أشوف خشتك عندي في البيت .. التفت و هو يقول باحتجاج : يبه إنت سمحت لهالرجال يدخل بيتنا و حياتنا و هذا هو الحين بيخرب سمعتنا و إنت للحين قاعد ... قاطعه : طــارق ، اللي عندي قِلته ، و وقفته مع شهد أنا أحاسبه عليها .. التفت إلى شهد ، قال باشمئزاز : انصرفي قومي من قدّامي .. نهضت عن الأرض نحو غرفتها بسرعة ، تتبعها عبير ، أما والدتها تجلس على أريكتها بتعب تفكر فيما آل إليه حالهم ، يتجه طارق نحو الباب مجدداً ، يقول والده : على وين ؟ دون أن يلتفت يكمل سيره : لا تخاف ماني حابب أكسب غضبك يُبه ! يخرج ، يُطبق الباب خلفه بقوّة معبراً عن امتعاضه ، شيء ما في كفيه يرغب في لكم يحيى على وجهه ، يُريد أن ينتقم و لو بضربة واحدة ترد له كرامته ، نفث أنفاساً عميقة و هو يسير مخفياً كفيه في جيوبه كأنه يحبسها عن رغبتها في ضرب يحيى ، يستمر في سيره على غير هُدى ، ارتفعت أنظاره بدهشة إلى فهد الخارج من منزله ، يستمران في النظر إلى بعضهما لثوانٍ دون كلمات ، لا يعلم طارِق بأي لغة من العَتب يكلّمه ، ولا يعلم فهد بأي لغة من الندم و الأسف يعتَذر .. حتى قال طارِق : وش فيك فهد ليش وجهك كذا ؟ مع مين متضارب ؟ يمحص فهد في وجه طارق و هو يقول : لا ما فيني شي ، إنت وش فيك ؟ ليش وجهك كِذا ؟ يمد طارِق أصابعه لتلامس مكان كدماته ، يصمتان لوهلة ، ثم ينفجران ضحكاً في وقت واحد ،، ،, تدخل من الباب و على وجهها ابتسامة ، يبدو أنها غارقة في التفكير في أمر ما ، تتفاجئ بوالدها الذي يقترب متلهفاً منها و يقول : ديانا !! وش صار معاك تأخرتِ ! ترفع حاجبيها لتتساءل ببرود : وش السالفة الظاهر حنّيت لهالاسم ؟ عُمر بهدوء : من زمان أحن لديانا ، و أنتظر فرصة زي هذي عشان أناديكِ ديانا ، بس وجود ريم كان مانعني أسوي هالشي .. خيبة جديدة ، تظهر على ملامحها التي انطبعت أساساً بالخيبة ، لتقول : عذر أقبح من ذنب .. تبتعد عنه بهدوء و هي تخلع حذاءها و تتركه خلفها بإرهاق ، يوقفها سؤاله الصادم : تكرهيني يا ديانا ؟ أتراني لامست قَلبك الذي ظننت أنه قد مات ؟ أتراني بقسوتي أُحييك مجدداً يا أبي ؟ التفتت إليه ، تنظر إليه باستفهام و تعجب ، يقترب منها و يكرر سؤاله : تكرهيني ؟ ابتلعت ريقها ، قالت بصوت خافت : متى قلت إني أكرهك ؟ عمر بحدة : كلامك الصبح ؟ قلتي إني لازم أحتفظ بهالولد ، عشان يكون عندي شخص واحد يحبني ، يعني إنتِ ما تحبيني .. أمالت رأسها ، و بذات لهجته الحادة : إني أكرهك شي ، و إني ما أحبك شي ثاني .. أكيد ما أحبك لأني عمري ما حسيتك أبو .. أنا بالنسبة لك مجرد أرقام و آلة تصنع فلوس ، شلون تبيني أحبك ؟ عمر : إنت عارفة أمك وش سوت .. ظهرت ابتسامة ساخرة على شفتيها ، تقول بملل : تعبت أقول لك إني مالي ذنب ، لا تقعد تحطلي مبررات واهية ، أنا ما طلبت منك تبرير ، خلاص ، أساساً اللي سويته و اللي قاعد تسويه فيني ماله مبرر أبداً ، إنت حاطط أمي شماعة تعلق عليها كل أخطاءك تجاهي ، مانك أحسن منها بشي ، كل واحد ظلمني بطريقته ، و اثنينكم تفننتوا بهالشي ، اثنينكم أنانيين و ما يهمكم إلا روحكم ، و أنا راضية بهالشي ، قول أنا أناني و استغليتك يا بنيتي لمصلحتي ، أنا راضية فيك يبه بكل عيوبك ، بس لا تحط مبررات لشي ما يتبرر ، عالأقل حِس بالذنب تجاهي ! كلماتها الحارقة ألجمت لسانه ، سارت أماماً مجدداً ، التفتت لتراه في نفس وقفته و مكانه ، عادت بضع خطوات : صحيح ، بالنسبة لمقابلة اليوم ، أبي ثنين من رجالك معاي في شي مهم ، لا تسألني وش هو ، تقدر توثق إني ما راح أورطك .. ،, تسقط في الحِيرة ، إن زواجها و عشقها الأول يقفان الآن على حافة هاوية ، لا تُدرك تماماً ما هو الصحيح لتفعله ، لم يعد يحزنها عجزها عن الإنجاب ، قدر ما يحزنها عجزها عن الاحتفاظ بدقة قلبها الأخيرة ، تجلس برفقة أختها في غرفة المجلِس ، تتنهّد جيهان و تقول : إنتِ مو لازم تخبي هالشي عن عمتك ، بالنهاية راح تعرف .. مَريم : و إذا زوّجت عِصام ؟ وش بسوي بروحي ؟ جيهان و هي تسند رأسها إلى يدها المنتصبة بهدوء فوق ظهر الأريكة : عِصام ماهو طفل ، لو يبي يتزوج بيتزوج ، ولو ما يبي ما في أحد بيجبره ! يتحرك بؤبؤ عينيها مشتتاً نظراتها في المجلِس ، الحيرة تتجلى في وجهها المُتعَب ، صوت يتردد في أذنها ، يشوّش تفكيرها ، تهزّ رأسها بقوة كأنها تُخرِس ذلك الصوت ، تنظر إلى جيهان التي قد اتضح على وجهها أنها لم تخسر نصيبها من الهموم هي الأخرى ، تتساءل : وش صار بينِك و بين إبراهيم ؟ تنظر جيهان إليها بيأس ، كأنها تبلغها بعدم رغبتها في الكلام ، تتجاهل الرد على سؤالها ، تكرر مريم بإصرار : جيهان ! قولي وش صاير بينكم ، سالفة التأجيل هذي ماني مرتاحة لها ، ترد بنبرة يتضح فيها عدم الصدق ، لإنسانة لم يسبق لها أن تعلّمت كيف تكذِب : مو أول ثنين يأجلون زواجهم ليش مكبرين السالفة ؟ مريم : لأني أعرفك ، مو قاعدة تقولي الصدق ، جيهان أنا مو غريبة ، قولي وش صاير ؟! تتأفف بملل ، تنظر إلى أختها بيأس و تقول : إبراهيم ما يبي يتزوجني .. تبرز عيناها و هي تقول بدهشة : نـعــم ؟؟!! جيهان : ما قال كِذا طبعاً ، بس سبب تأجيله الزواج إنه ما حس إنه يحبني ، و ما يبي يظلمني معاه . مريم : و ليش أجلتوا ؟ ليش للحين معاكِ لو ما يبيكِ ؟ ابتلعت ريقها و هي تشعر بانتقاص قيمتها : أجلناه عشان الناس ما يقولوا هذولا ليش تطلقوا قبل العرس بيومين ، آخر هالشهر كل شي بيكون منتهي بيننا .. مريم : يبي يطلقك بعد كل هالفترة ! ماني فاهمة شي ! جيهان : اهوة ما قال يبي يطلقني ، قال يبي يعطي نفسه فرصة ثانية إذا ممكن يكمل هالزواج ، و أنا رفضت قلتله إني مابيه و خلاص ، الرجال ما يبي يظلمني .. مريم بنبرة احتجاجية : ليش قاعدة تحطيله مبررات !! وش السبب اللي يخليه ما يحبك لو كنتِ فعلاً أول حرمة في حياته ! تعقد جيهان حاجبيها : وش تقصدي ؟ مريم : واضحة ، لو ما كان في حرمة ثانية في قلبه ، ما كان حس إنه مو قادر يكمل معاكِ .. تفكر جيهان لوهلة ، تهز رأسها بالنفي : لا لا ، مستحيل لو كان كذا كان ما قال يبي يعطي نفسه فرصة .. مريم بحرقة : يبي يعطي نفسه فرصة ينسى ، إنتِ خبلة يَ بنت ! الرجال ما يبعد عن زوجته أو خطيبته إلا إذا كان في غيرها .. جيهان بلامبالاة : و لو كان كلامك صحيح ، ما هي فارقة ، ما راح نتزوج لو إيش ما كانت الأسباب ، انتهى ! مريم : بس مو من حقه يساوي فيكِ كذا ! جيهان ، إنتِ ما حسيتي عليه لما بدا يتغير عليكِ ؟ جيهان : شلون يعني يتغير ؟ مريم : يعني ، يعصب عليكِ من دون سبب ، يقل كلامه معاكِ ، هذي كلها تدل إن الرجال في وحدة ثانية بحياته ! تبتسم جيهان بسخرية ، تأخذ نفساً عميقاً : اهوة ما تغير ، هذي صفاته فعلاً من أول ما ملكنا ، يعصب بدون سبب و ما يكلمني إلا قليل و حاطط الشغل حجة .. مريم ترفع حاجبيها : النـذل ! يعني خطبك و اهوة يحب وحدة ثانية !! وش هالظلم ، مو من حقه أبداً يسوي كذا ! جيهان و هي تضع نقابها : لا تنسي إن هذي مجرد تخمينات ، يعني ممكن تكون طبيعته كذا مو بالضرورة يكون تخمينك صحيح .. تضرب بكفيها فخذيها ، تقول بقهر : لسه تدافعي عنه ! بتموتيني انتِ ! جيهان : ما أدافع ولا غيره ، الموضوع ماهو مستاهل .. مريم : مو مستاهل ! بتصيري مطلّقـة ، و قاعدة تقولي مو مستاهل ؟؟ جيهان : وش فيها يعني ؟ ترى المطلقة حالة اجتماعية ، مثلها مثل متزوجة ، عزباء ، أرملة ، ماني فاهمة وين الغلط ؟! مريم : الغلط إن بمجتمعاتنا العربية المطلقة للأسف ماهي حالة اجتماعية ، إلا وصمة عار ! كل تحركاتك بتصير محسوبة عليكِ ، حتى فرصة إنك تتزوجي بتصير ضعيفة لأن رجالنا ما يحبوا ياخذوا وحدة كشفها رجال ثاني و قعد معاها .. جيهان و هي تنهض : قاعدة تبالغي ، هالشي ممكن كان زمان لكن الحين الناس صارت تفكر بطريقة ثانية ، ما أقولك لا المطلقة وضعها صعب شوي بس ما هو مستحيل ، و بعدين الرجال اللي يفكر بهالطريقة أنا مابيه أساساً ! مريم تقف أمامها : قاعدة تقولي هالكلام لأنك ما عشتِ الحالة ، الحرمة عندنا تتحمل المر أهون ما تتحمل كلمة مطلقة و نظرات الناس ، جيهان حاولي تمنعي هالطلاق من إبراهيم .. جيهان : تبيني أعيش معه بدون كرامة ؟! خلاص يا مريم و اللي يخليك أنا بروح كافي كلام بهالموضوع .. و لمعلومك سليمان ما يدرى بالموضوع و ما أبيه يدرى ، مابي هالشي يأثر عليه و على عَروب . السّلام عليكم .. تخرج بسرعة كمن يهرب من نقاش عقيم يُلاحقه ليقتله ، كأنها تهرب من ذاتِها ، تنظر مريم إليها و هي خارجة بيأس ، تتكتف بقلة حيلة و ترد : مع السّلامة ! ،, تجلس في زاوية غرفتها ، تضم ركبتيها إلى صدرِها ، يُغرِق بياض عينيها حمارُ دموعها ، تجف بعد يأسها من السقوط ، ليحتشد الدمع مجدداً فيهما ، لا شيء يمر في ذاكرتها سوى نظرات فهد و ما كانت ستفعل ، أيعقل أن تُلامس أناملي وجهه ، أيعقل أن أرتكب ذلك الإثم ؟ إني أحبك يا فهد ، و إنّك أول من تسلل إلى داخلي دون إذني ، كيف يمكن للعِشق أن يُضعِفنا ، يبعدنا عن مبادئنا ، يقودنا نحو الخطأ دون مقاومة منا ، أذلك العشق حقاً ؟ أيجِب أن تضعف إرادتي تماماً كي أعشقك ؟ لِم لا يكون حبّي لكَ قوة ، لم يجب أن تنهار قِواي حين ألاقي عيناك ، و يبتسم لي ثغرك ليغرِس في قلبي سِهام غمازتك المختبئة بخجل في خدّك ، تقترب منها عَبير ، الضيق واضح على معالم وجهها ، تجلِس أرضاً إلى جانبها و تقول بقهر : شهد ، مو لازم تكوني خجلانة من نفسِك كذا ! إنتِ ما سويتِ شي غلط إنتِ كان هدفك تحمي طارِق ، الناس تهتّم بالظاهر ما يعرفون ليش وقفتي مع المحقق ، وش تبي فيهم ! تنظر إليها بنظرات غير مفهومة ، تردف عبير : خلاص عاد لا تظلي قاعدة كِذا ، عارفة إن أبوي زعّلك بس هذا أبوكِ و لو مد إيده عليكِ وش فيها مو هو أبونا ؟! أخذت نفساً عميقاً : أنا أستاهل اللي سوّاه أبوي .. عبير و هي تعقد حاجبيها : شلون يعني ما فهمت ! شهد دون أن تنظر إليها : مو عشان موضوع يحيى ، عشان موضوع فهد .. عبير بابتسامة : تقصدي إنك زرتيه أمس و كلمتيه بالجوال ؟ إنتِ ما غلطتِ كلمتيه بكل احترام ، ما له داعي تحسي بتأنيب الضمير .. شهد بنبرة باكية : الموضوع ما وقف هِنا يا عبير ! عبير بخوف : شهد ! وش هالكلام ؟ شلون يعني ما وقف هنا ؟ تصمت فيزداد خوف عبير : شهد تكلمي ! وش اللي بينك و بين فهد أكثر من اللي أعرفه ؟ شهد : اليوم كنت رايحة أشوف ريحانة بنت بوخالد ، و أنا بالطريق راجعة شفت باب بيت فهد مفتوح و استغربت يعني قلت مين اللي دخل البيت و ليش تارك الباب مفتوح فدخلت .. عبير : ايه ؟؟؟ شهد تبتلع ريقها و تردف : دخلت و لقيت فهد قاعد في الأرض و حالته غريبة كأنه متهاوش مع أحد ، و كان قاعد يدخن و يتفرج على صورته مع أبوه ..جيت قعدت قدامه و سألته ما قال شي بس قال إنه تعبان ، و كسر خاطري مرة ما تحملت أشوفه كذا .. عبير : كملي ؟ شهد : مدّيت يدي على وجهه ، و لَمسته .. عَبير تأخذ نفساً عميقاً : و بعدين وش صار ؟ شهد : بس ، قمت و خجلت من تصرفي و طلعت ، و رديت البيت .. تتنفس عبير براحة : هالحين هذا اللي مخليكِ تقعدي تبكي ، خرعتيني قلت أكيد صار شي كبير ! شهد بخجل : بس اللي صار ماهو قليل يا عبير ، كان ممكن يصير شي أكبر ! ما كان المفروض أسمح إني أختلي معاه بروحنا !! عبير : صحيح إنك تصرفتِ غلط لما دخلتِ البيت ، و قعدتي لما شفتيه بروحه بس لو ما كنتِ خايفة من ربنا ما كان تركتِ البيت ، و شعورك الحين بالذنب دليل كافي إنك تخافي ربنا ولا يمكن تخوني الأمانة اللي ربنا وصّاكِ عليها .. شهد : هذا رأيك فيني ؟ يعني نظرتك ما تغيرت لي ؟ عَبير بحب تضغط فوق يدها : طبعاً ما تغيرت و مستحيل تتغير ، بتظلي أختي الكبيرة اللي أحبها و أفتخر فيها .. شهد تحتضنها : ربي ما يحرمني منك . ،, ليال متعبة تتوالى ، يدخل يحيى إلى المكتب مبتسماً و هو يحمِل صينية بين يديه ، دون أن يلتفت إليه أحد ، يقترب من طاولة عِصام ليضع فنجان القهوة عليها ، يرفع عِصام نظره إليه كأنه يتساءل عن سر تصرفه ، يرد يحيى بابتسامة ، يقترب من مكتب عزيز ليضع الفنجان الثاني ، يتنحنح إبراهيم بابتسامة و يقول : و أنا ابن البطة السودا ؟ مالي قهوة ؟ يحيى : إنتَ ما سمّعتني كلام يليّن الحجر ، " ينظر إلى عِصام " ، و ما ضربتني على وجهي قدّام الكل ، إبراهيم : يعني حضرتك ما تيجي إلا بالعين الحمرا ؟ يحيى بضحكة : ههههههههه تقريباً ، الحين رضيتوا عني ؟ مو أنا مثل أخوكم الصغير ؟ عزيز باحتجاج : والله ، أخونا الصغير بعد ؟؟ يرميه بعلبة المحارم : لا تدقق إنتَ ! عزيز يضحك مع إبراهيم بنفس الوقت : ههههههههههههههههه ماشي خلاص سامحتَك يارب تنعدل ! يحيى يرفع حاجباً : صدق إنك ما تنعطى وجه ! يلتفت إلى عِصام الذي لم يبرح مكانه ، يقترب منه و يقول : عِصام ، أنا آسف .. عارف إني قللت احترام معاك ، ما كان قصدي .. يرفع نظره إليه و يقول بلهجة معاتبة و هو ينهض من مكانه : حصل خير .. أنا رايح البيت ، سَلام .. بخيبة يقول يحيى : مع السلامة .. يخرج عصام من المكتب ، يتنهد يحيى و هو يرخي نظراته أرضاً ، يقترب منه إبراهيم و يربت على كتفه بحب : لا تزعل ، بكرا يرضى .. ،, و لكنني أخاف ، هل إن أردت يوماً أن تحبني ، سأحتاج إلى واسطة لتبوح لي بحبك ؟ ضربات قلبي لم تعد منتظمة منذ ذلك اليوم ، حين خذلتني ، لم يحزنني أنّك اختلقت عقبة في طريقنا ، بل ما أحزنني أنك خذلت قلباً ما وثق يوماً إلا بك ، إنني و إن كنت من قبل أتساءل كم من الورود سأنتظر في حياتي معك ، إلا أنني اليوم بدأت أعد كم من الخيبات سيحتمل قلبي بعد ؟ ينظر إليها بعينين تتساءلان عن سبب غياب ملامح الفرح عنها ، زمت شفتيها ، أخذت غرتها المزعجة إلى الجانب الأيسر من وجهها ، نهضت و ملامح وجهها تنبئ بالنهاية لتقول : ماني متأكدة إذا كنت أبيك أو لا .. و لست متأكدة أيضاً من كلامي في هذه اللحظة ، أجازِف بقلبي يا سُليمان ، نهض الآخر مندهشاً : عَـروب ! شلون يعني ؟؟ تنظر إليه : لما قرر أخوي يأجل الزواج بآخر لحظة ، جاني و كان خايف إنك تتأثر بقراره ، قلتله إن سليمان عاقل و مستحيل يسوي هالشي ، بس إنت صدمتني بقرارك ، و الحين بعد ما عرفت جيهان بالتأجيل أكيد اهية كلمتك و طلبت منك ما تأجل ، أنا مابي واسطات في علاقتنا يا سليمان ، ماني مستنية أي أحد يقنعك فيني ! سليمان : منو قال إني ماني مقتنع فيكِ ؟ متى قلت أنا هالكلام ؟ أنا أبيك و ماني مستني من جيهان أو غيرها يتوسطون عشان أتزوجك ، أنا أخذت هالقرار بلحظة تسرع ، ممكن تكون جيهان نبهتني لتسرعي ، بس المسألة مو مسألة اقناع مثل ما أنت مفكرة !! عروب : و منو عارف لحظة هالتسرع كم مرة ممكن تتكرر بحياتنا ؟ أنا ماني مضطرة أعيش معاك بخوف إنك ممكن خلال لحظة تسرع تظلمني ! بكرا لا صار أي مشكلة بين إبراهيم و جيهان رح أظل خايفة إنك تعاقبني بسبتهم .. يُمسك بيدها : ممكن تجلسي شوي ؟ تنظر إليه بعتب و توتر ، تجلس فيقول : عروب ، إنتِ عارفة سليمان ، و عارفة إني ماني ظالِم .. عروب : كنت أتوقع نفسي إني عارفة سليمان ، بس طلعت غلطانة ! سليمان : وش آخرة هالكلام ؟ أنا مابي زواجنا يتأجل ، عروب بعد تفكير لم يدم طويلاً : زواجنا لسا عليه وقت ، اتركني أفكّر .. اللي صار آخر مرة غير شغلات كثيرة .. نهضت متجهة إلى باب المجلس : عن إذنك تعبانة شوي .. لاحقتها عيناه حتى خرجت ، تأفف في داخله ندماً ، هل بدأت بدفع الثمن ؟ ،, غرفة مظلمة ، نور خافت يقبع في زاويتها ، تجلِس حسناء على كرسي خشبي في وسط الغرفة ، تتصفح جوّالها بهدوء ، حتى دخل رجالها ، أو رجال والدها كما تسميهم ، ممسكان برجل مقيّد اليدين ، فمه مغلق بلاصق سميك ، يفتك الخوف في جسده ، الذي ارتخى براحة حين رآها تتقدم منهم مبتسِمة ، تقول لرجالها : ربطوه على الكرسي .. تتسع عيناه مما سمع ، ما يؤكّد لحسناء ظنونها فتتسع ابتسامتها أكثر ، يُحكمون وثاقه على الكرسي ، ثم يقف كل منهم على حِدة منتظرين أوامرها ، تقترب و تنزع اللاصق عن فمه بقوّة ، تجلِس أمامه و هي تلف قدماً فوق الأخرى و تقول : اللي بعثك عندي ظلمك ، ما قالك من هي حسناء .. يعقِد حاجبيه ، يتساءل بالإيطالية : أنا لا أفهم كلامك ! تضحك بصخب : هههههههههههههه ، طيب ، خلاص انتهى المزح و بدينا بالجد .. لغتك الإيطالية كويسة ، يعني تقدر تضحك فيها على واحد عربي ، بس مو علي ، أقدر أميز الإيطالي من العربي .. يبتلع ريقَه ، جبينه يلمع في وسط الظلام من قطرات عرق تتصبب بخوف على وجهه ، يستمر في صمته ، تهزّ حسناء رأسها : قول لا تخاف ، منو إنت و منو اللي بعثك علي ؟ و ايش اللي كنت تبيه مني ؟ يعم الصمت المكان ، يصر أكثر على عدم الكلام ، تقول حسناء : مممممم ، مع إني ما كنت حابة إنك تجرب هالشي معانا من أول زيارة ، بس واضح إنك ما تتكلم إلا بالعصا .. تصرخ و هي ترى في عينه الرغبة في الهرولة هرباً : يا بـدر .. يدخل الرجل الطويل ، ذو العضلات البارزة ، يبدو أنه صمم ذاته خصيصاً بتلك الهيئة و البنية الرياضية الضخمة بعد تمرينات رياضية طويلة الأمد ، لذلك الغرض تحديداً ، انتفض مرتعباً حين رآه ، اقتربت حسناء من بدر ، قالت : هذا واضح إنه ما يبي يتكلّم بالذوق ، شوف شغلك .. ألقت أمرها ، و نظرة أخيرة ساخرة له ، بثقة خرجت من الغرفة ، يزداد خوفه و هو يرى ذلك الرجل يتقدم منه ، يتحرك بعجز تام و هو ينظر حوله بريبة ، رجلين أمامه ينظران إليه ببرود ساخر ، غير مباليان بمقاومته الخاذِلة ، يصرخ و هو ينظر إليهم بغل : اتركوني ، شغلي مو معاكــم !!! خارِج الغرفة ، تظهر ابتسامة جانبية على شفتيها و هي تسمعه يتلفظ العربية بكل طلاقة ، تتجه نحو سيّارتها ، و قد أتمت مهمتها .. " مثل ما توقعت ، طلع كمين ، من واحد من أعداءك ، اللي علي سويته و الباقي عندك .. " ،, ,، تُخرِس صوت شهقتها و هي تضغط بكفها على فمها ، تحتشد الدموع في عينيها الخائفتين ، في الداخل ، ينهض من مكانه بعينين متسعتين ، يتساءل بدهشة : إنتِ قاعدة تمزحي ، صح ؟؟ ،, ,، يصِل إلى الباب ، ما بين عجز يقتله ، و صدمات أنهكت قلبه ، يلتفت إليه ليراه واقفاً مستنداً إلى الحائط بإرهاق ، أشابته الخيبة تلو الخيبة ، كعجوز في السبعين من عمره ، ينتظر الساعة التي سيستسلم فيها ليرحل دون عودة ، قال بشيء من عتاب الذات للذات : يمكن لو كانت حياتَك أحسن من حياتي ، ما كنت احتجت مساعدة واحد عاجز مثلي .. ،, ,، انتهى عارفة والله إنه قَصير ، و عارفة إني قصّرت معاكم الفترة اللي فاتت .. و بعد الإعتذار صدقاً هالأسبوع كان فُل بالنسبالي ما كان عندي متسع من الوقت لكتابة البارت ، حاولت يطلع بشكل جميل قدر المستطاع ، و اليوم ما تحركت من قدّام الشاشة لأكتب 20 صفحة في الوورد ، لهذا السبب اعتبرته تتمة للجزء الثامن .. موعدنا بإذن الله الجمعة القادمة ، مع بارت طويل يرضيكم و يعوّض تقصيري ، الذي أسأل الله أن يعينني لكي لا يتكرر .. كان أهم شي عندي هو عدم التأخر عن يوم الجمعة في نشره ، أتمنى ينال إعجابكم و رضاكم .. و لي عودة في الغد للرد على جميع تعليقاتكم الجَميلة .. نلتقي الجمعة بإذن المولى .. طِيفْ! | ||||||||
15-12-19, 12:22 AM | #15 | ||||||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة
| السلام عليكم و رحمة الله و بركاته عَساكم بخير ، بِسم الله نبدأ الحب روحٌ أنتَ معنَاه ، و الحُسن لفظٌ أنتَ مبنَاه . ارحم فؤادًا في هَواكَ غدا ، مُضنًى و حُمّاه حُميّاه . تمّت برؤيتَك المُنى فحَكت ، حُلُمًا تمتّعنا برُؤياه . يا طِيب عيني حين آنَسَها ، يا سَعدَ قَلبي حين نَاجَاه . *جـُبـران و في نَشوةِ العِشقِ صِرنا رمادا ، طِيفْ! الجزء 9 أُدرِك تماماً يا صديقي ، أن الدنيا دوماً ما تجمع المتشابهين ، و لو لم أكن مثلك في ضعفِك و عجزِك هذا ، لما كنّا نجلِس الآن على نفس البقعة من الأرض ، إلا أنني لست متأكداً مما كنت سأفعل لو كنت مكانَك ، آخر ما أذكره هو أننا كنا متشابهين جداً في الخَيبة ، و قَسوة الدّنيا علينا ، لكنك بعد أن تغيّرت ، أتُراني أكسر مبادئي كما فعلت ؟ و لكنني لا أملك لك حلاً آخر ، فكَيف سأنجدك من السقوط في الهاوية ؟ كيف ألتقط كفّك التي تمتد لي لأنجيّك ، و كفّاي أنا مقيدان بحبل وثيق الرباط ؟ و أنا أعلَم يا طارِق ، أنّك ما كنت لتحتمل صفعة كتلك ، كيف تعرِف أنني غارِق بالخطايا إلى ذلك الحد ، إنّك منهك الآن ، أعلم ذلك ، فقد عشت شعوراً مشابهاً للتو ، لأخبرك يا طارِق ، لا تقلق ، ربما هي التجربة الأولى ، لكنّك ستواجه الكثير بعد ، فها أنا أمامك ، تلقيّت عدّة صفعات دون أن يرمش جفني ، لم تؤلمني الصفعات بل آلمني من صفعني ، إنّه أبي .. أيعقل أن يخيب ظني أبي ، أيعقل أن يرميني برصاص أفعاله ، و هو نائم في قبره دون حركة ؟ إنّه رصاص شديد القَسوة يا صاحبي ، يؤلمني كل يوم ، يمزّقني إلى أشلاء ، يتركني أنزف لساعات و ساعات ، لكنه لم يأذن لي بالموت بعد ، لم يتركني لألتقط حتى نفسًا أخيرًا ، لأعتذر لأمي ، عن كل ما فعلته ، و سأفعله ، و عن كل ما فعله أبي ! يصِل إلى الباب ، ما بين عجز يقتله ، و صدمات أنهكت قلبه ، يلتفت ليراه واقفاً مستنداً إلى الحائط بإرهاق ، أشابته الخيبة تلو الخيبة ، كعجوز في السّبعين من عمره ، ينتظر الساعة التي سيستسلم فيها ليرحل دون عودة ، قال بشيء من عتاب الذات للذات : يمكن لو كانت حياتَك أحسن من حياتي ، ما كنت احتجت مساعدة واحد عاجز مثلي .. نصف ابتسامة متعبة تظهر بصعوبة على وجهه ، ساخرة منه و من صديقه اليائس ، يقترب طارِق منه ، يربت على كتفه : يمكن ما أقدر أخلصك من اللي تورطت فيه ، و يمكن ما أقدر أسويلك أي شي ، بس أقدر أنصحك ، لا تترك أمك يا فهد مهما كانت الأسباب ، لا تتركها بروحها و تكسرها ، و اعتبرني ما سمعت شي من كلامك ، اللي بيننا سر ما أحد يدرى فيه على موتي ، ما أقدر أساعدَك بشي ، غير إني مثل ما أنا ، موجود ، حتى لو عاجِز ، موجود معاك .. يَضع فهد كفّه فوق كف طارِق ، يبتسم بإرهاق ، يرافقه ببطء حتى يصِل إلى الباب ، يخرج و يتركه وحيداً ، كم أصبحت أخاف أن أجلِس وحيدا ، إنها تلاحقني بذكرياتي و أوجاعي ، يقف أمام مرآته ، يسألها أهذا حقاً أنا ؟ إنني لا أعرفني ! يبتسم فتظهر لمعة ابتسامته في عينيه ، طيف ذِكرى شهْد ، قربها منه ، يمر في خاطِره الآن ، ليت كل الذّكرى كأنتِ يا شهْد ، ،, الثانية و النّصف بعد منتصف الليل ، يدخل يَحيى ببطء و إرهاق إلى البيت ، و هو يفكّ أول أزرار قميصه ، يقترِب من الصّالة و هو يعلم أن والدته لا زالت مستيقظة كعادتها ، يطرق الباب و يدخل و هو يقول بخفوت : يمه ! تنهض من مكانها متلهفة ، تقترب منه : هلا حبيبي الحمدلله عالسّلامة يا بعد قلبي ! يبتسم بحب و هو يقبّل يدها : يمه مو كلمتك عالجوال و قلتلك بتأخر ؟ ليه سهرانة ؟ أم يحيى : ما جاني النوم يا يمه و إنت مو في البيت .. " تتسع عيناها و هي ترى تلك الكدمة على وجهه ، تمتد يدها و هي تقول بخوف : " يحيى ! وش ذا وش صايرلَك ؟؟ أنا عارفة قلبي قال لي إنه بيصير معاك شي ! يضحك : هههههههههه يمه هدّي روحِك ! ما في شي ، تهاوشت مع عِصام .. أم يحيى بغضب : و منو هذا عِصام و ليش مسوي فيك كذا ؟ يحيى : مسؤولي في الشغل ، أنا عصّبته ، بعدين عادي ما فيها شي هذاني قدّامك بخير ! تضغط عليها بإصبعيها ، السبابة و الوسطى ، يتجعد جبينه متألماً ، تتساءل : تآلمـك ؟ يضع يده فوق أصابعها ليبعدهما بهدوء : ايه يمه شوي .. أم يحيى : هذي يبيلها ثَلج ، بجيب ثلج و بحطلك فوقها .. يحيى : لا لا يمه ما أبي إلا أنـااام و أرتاح ، ما عليكِ منها يومين و تروح .. أم يحيى : طيب يمه يا حبيبي ما تبي تتعشى ؟ يحيى : لا يمه أبي أنام و بس و إنتِ بعد نامي .. تصبحي على خير .. أم يحيى بهدوء : و إنت من أهل الخير .. يتجه لغرفته بتعب ، يدخل و يقف أمام المرآة ، يتحسس مكان الكدمة بألم ، يمر طيف شهد و هي تسخر من وجهه ، يبتسم و هو يستذكر ما قالت ، يعلم أخيراً أنها قصدت أن الله قد اقتص لأخيها طارِق منه بعد أن ضربه ، طيف شهد ، يمر اليوم في بال أكثر رجلين بائسين في هذه الأرض ، يرسم ابتسامة يتيمة على وجهيهما ، كليهما كان الأب هو سبب بؤسهما ، لكن الفَرق أن يحيى لا زال يعيش الخدعة ، يظن نفسه مجرد محقق في تِلك القضيّة ، و لم يعلم بعد ، أنه أحد أهم أطرافها ! ،, نَفث أنفاسه بخوف ، يبتلع ريقه المختلط بالدم ، ينظر حوله و هو يحاول توقّع مصيره ، يقول عمر الجالِس أمامه : كمّل ، و ليش يعقوب ساوى كِذا ؟ راشِد : كان يبيني أبلّغ الشرطة ، و أقول لهم عن الكمين ، و المكان اللي بيصير فيه التسليم ، و بكذا يقضي عليك و عليها ، و اهوة يحتل الساحة بروحه .. تظهر ابتسامة جانبية ساخرة على وجهه : ما يعرف إن هالشغلة ماهي شغلته ؟ و مهما حاول ينجح مثلنا ما يقدَر ؟ أتوقّع لازم تنبهه ، كونَك تشتغل عنده أكيد تهمك مصلحته .. راشِد بتعب : أنا مالي علاقة بكل شي صار ، أنا مجرّد رجال يشتغل بأجرته عند يعقوب ، اهوة يأمرني و أنا أنفذ ! مالي علاقة تعاقبوني ! عمر : إنتَ عارف اللي يحاول يقرّب من بنتي أو يفكر حتى تفكير إنه يأذيها ، أنا وش بسوي فيه ؟ يصمت ، بجسد مكبل من جميع أطرافه ، غير قادر على الارتعاش ، قلب غير قادر على الارتجاف خوفاً ، يُردِف عمر : الحين أكيد معلمك منتظر منّك مكالمة ، علشان تبلغه إن المهمة تمّت بنجاح ..وين جوّالك ؟ راشد بهدوء : أخذوه مني الشباب .. يقترب أحدهم من عمر ، يمد له الجوّال : تفضّل معلم هذا جواله .. عمر و هو يفتح الجوّال ، يترقبه راشد بنظراته ، يضغط على رقم يعقوب للاتصال ، يمد له الجوال ليتحدّث ، يأخذه أحد رجاله و يضعه على أذن راشد ، بعد ثوانٍ ، يأتي صوت يعقوب الهامس ، يتحدث بلهجة ممتعضة : وينَك إنت كل هالوقت وين اختفيت ؟ يتنفّس بسرعة و خوف ، لا يعرف ماذا يقول ، يعقد يعقوب حاجبيه و يتساءل : راشِد ! وش فيك تكلّم ؟ أنهيت اللي طلبته منك ؟ يُشير عمر للرجل ، ليبعد السماعة عن أذن راشِد و يعطيه الجوال ، يأخذه ، يتنحنح و يقول : شلونَك يا يعقوب ؟ يتجمّد لسانه ، تجحظ عيناه ، يُردف عمر : مو حرام عليك اللي سويته بهالمسكين ؟ يعقوب : منو انت ؟ عمر بضحكة : عالأقل نبهه ، قول له إن العالم اللي جاي يحاول يوقعهم ، مو سهلين ، يعني الحين هاين عليك اللي صاير فيه ؟ يعقوب : وش اللي تبيه ؟ عمر بلهجة جدية : شوف يا يعقوب ، صارلك أكثر من مرة تحاول توقف بطريقي و تتحداني ، و كل مرة تفشل و إنت عارف إنك منت قدي ، و الطريق اللي قاعد تحاول تمشي فيه مثلي ، ماهو طريقك ، يا ليت تقتنع بهالشي لأنك قاعد تضيع وقتك و وقتي .. يُغلق من جهته الخط دون أن يرد ، يلقي جواله جانباً ، بغيظ و هو يضغط على أسنانه : و بعدين معاك يا عُمر ، بعدييين !! في الجهة الأخرى ، يبعد عمر السماعة عن أذنه ، تظهر ابتسامة شامتة على وجهه ، يقول لراشد : شفت ؟ عرف إنّك معانا ، و تخلى عنّك ، حتى ما طلب مني أتركك ! راشِد : الحين وش تبون مني ؟ كل شي تبونه عرفتوه ! اتركوني الحين . عمر : والله يا راشد مثل ما يقولوا ، دخول الحمام ماهو مثل خروجه ، تكلّم بنتي و تحاول توقّعها و تسلمها للشرطة ، و تخرب علي شغلي و حياتي ، و تبيني بهالسهولة أتركك ؟ إذا معلّمك يعقوب ما سأل عنك ، و ما يبيك ، إحنا نبيك ! تتسابق أنفاسه الخائفة ، يتساءل : وش تبون مني ؟ يترك كرسيه ، ينتصِب واقفاً و هو يتنقل بنظراته بين رجاله الواقفين منتظرين أوامره ، يقول : الحين مبدئياً راح أتركك ترتاح مع الشباب ، و تاكل و تشرب و تنام ، بعدين نتكلم و نتفق ، " يقترب منه ، ينحني بجسده و يقول بلهجة مستفزة : " أحلام سعيدة يا حلو ! يخرج من عنده ، راحة غريبة تسري في جسده ، في كل مرة تثبت له حسناء ، أنّها بالفعل ابنته ، القوّية التي لا تُقهَر ، لولا أنها تقِف في وجهي دائماً ، تعاندني ، تتمرّد كثيراً ، إلا أنني سعيد ، فخور جداً بالقوة و الذكاء اللذان منحتها إياهما ، نجاحي الأعظم في الدنيا ، هو حسناء ، يقود سيارته و هو شارد يفكّر فيها ، يزداد إعجابه بها يوماً بعد يوم ، قوية ، معتدة بنفسها ، لا يمكن لأي كان أن يكسِرها ، ابتسامته لا تفارق وجهه و هو يحدّث ذاته عنها ، يصطف أمام المنزل ، تتسع ابتسامته أكثر و هو يرى نور الصالة المضيء ، ينزل متلهفاً ، يتقدم بخطوات متوازنة داخل المنزل إلى صالة الجلوس ، حيث تجلِس حسناء ، تتابع التلفاز ، بحركة فاجأتها ، تجعلها تنتفض في مكانها ، يضغط والدها بكلتا يديه على كتفيها ، يقبّل رأسها من الخلف ، تلتفت إليه ، و تنظر باستغراب ، يقول بفخر : هذي هي بنتي ، كل مرة ترفعي راسي أكثَر .. تبتسم ابتسامة لم يعرف إن كانت تسخر بها منه ، تنهض من مكانها و تقول : و إنتَ كل مرة تخيّبني .. تختفي ابتسامته عن وجهه : رجعنا لنفس الموضوع ؟ تكتّف حسناء يديها : كلّمتني ريم ، تدري كنت متوقعة بعد الكلام اللي صار بيننا إنك تتأثر و تغير رأيك ! بس للأسف قاعِد تصدمني ! عمر : هذا الموضوع له حسابات ثانية ، مو كل شي لازم تكوني عارفة فيه ! حسناء : وش اللي مو لازم أكون عارفة فيه ؟ اللي أعرفه إن هذا طفلك و هذي أمه و زوجتك ، شلون تقدر تسوي فيهم كذا ؟ طيب إذا ما تبي تربي هالطفل اترك الحرمة تربيه بروحها ! عمر بتذمر : إنتِ ما تعرفي تشوفيني رايق ؟ لازم تعكريني ؟ خطوات ناعمة ، ليست غريبة على مسامع أذنيه ، تقترب ، كأنه يمنع نفسه عن الالتفات ، حتى يسمع صوتها من خلفه تقول : أخيراً شرّفت ؟ يجيب بحدة : إنتِ وش جابك هِنا ؟ مو قلت ما تبي تردي البيت ؟ ريم ، و هي تقف أمامه : هالبيت بيتي ، مو مرحب فيني في بيتي ؟ عمر : برحب فيكِ ببيتِك بس بدون هالبلوة اللي حاملتها .. تتكتف و تقول : أنا مابيك ترحب فيني ، أبيك تتركني أعيش بروحي و أربي ولدي بروحي ، مابي منك شي .. يرفع حاجباً : أجل ليش جاية ؟ ريم : لأنك مجبور تتحمل مصاريفي و مصاريف هالولد ، أبيك تفعّل حسابي فِـ البنك و مصروفي يوصلني كل شهر ، عمر بسخرية : و إذا قلت لك طلبك مرفوض ؟ حسناء تتدخل لتقول بحدّة : هذا مو طلب عشان ترفضه أو توافق عليه بكيفك ! هذا واجبك ! عمر : قاعدة توقفي معاها ضد أبوكِ ؟ ريم بابتسامة ، تقاطع حسناء قبل أن تجيب والدها : معلش حسنا ، خليكِ برا الموضوع ، شوف يا عمر معاك يومين ، إذا حسابي ما تفعّل ، و ما أرسلت لي مصروفي ، راح تخليني أضطر أتوجه للمحاكم ، و هالشي ما راح يكون في صالحَك .. عمر ، ينظر إلى حسناء : شايفة اللي قاعدة تدافعي عنها ؟ قاعدة تهددني ! ريم بحدة : قلتلك خلي حسنا برا الموضوع ، اللي عندي قلته ، أنصحك تشوف محامي من الحين إذا كنت تبي تعانِد .. تُعطيه ظهرها متجهة للباب ، تعلم جيداً مدى قَسوة النظرات التي يرمقها بها ، إلا أنه لا يعرِف أن نظراته تِلك لم تعُد تخيفها ، ذلك الجنين رغم صِغره المتناهي ، إلا أنه بدأ يمدّها بقوة كافية لتجابه عمر و كل من يقف إلى جانبه ،، ،, صباح الأحد ، دون أن تشعر بها مريم ، تتقدّم بخطوات هادئة جداً نحو المطبخ ، بعد أن تأكدت من خروج ابنها ، تقف مريم مُعطية ظهرها للباب ، تقول أم عِصام بنبرة حادّة تفزع مريم : وين عصام يا مريم ؟ مَريم بجزع : بسم الله ! أم عِصام و هي ترفع حاجبها الأيسر : شايفة جني ؟؟ مَريم : لا عمتي مو القَصد ، بس ما حسيت لما دخلتِ .. تجلِس على الكرسي ، و هي تضع كفّيها فوق بعضهما : طبعاً ما راح تحسي ، من متى كان عندك إحساس ؟ تعقِد حاجبيها ، للمرة الأول تحدّثها بتلك اللهجة ، تبتلع ريقها : وش تقصدي عمتي ؟ أم عِصام : لو كان عندك إحساس كان ما زنيتي براس ولدي عشان يخبي عني سالفة مرضك ، و ما كان رضيتي تحرمي ولدي الضنا عشان أنانيتك ! ترتبك شفتيها ، بلهجة مرتجفة : أنا ماني عارفة عن إيش تتكلمي ؟ أم عِصام بغضب : لا تسوي نفسِك مو عارفة شي ! أنا سمعت كلامك إنتِ و جيهان أمس ، و عرفت إنك ما تجيبي عيال و إنك مخبية عني إنتِ و عصام .. ينحني رأسها بخجل ، تُردف أم عصام و هي تقف : مو مزعلني إنّك ما تجيبي عيال كثر مو مزعلني إنكم خبيتوا عني ، ليش خبيتوا عني جاوبيني ؟؟ مَريم ، تفرك يديها بتوتر : عمتي ، عصام قال لي مو وقته و قال لي أتعالج و إذا ما كان فيه أمل ذيك الساعة نقول لك .. أم عِصام : لا تحطيها بظهر عصام هالحين ! أنا عارفة إنك إنتِ اللي زنيتي ع دماغه ! مريم : أنا خايفة ، خايفة يتزوج علي .. أم عِصام : ثلاث سنوات متزوجين و ما شفنا منك شي ، و يطلع العيب منك و تبيني ما أزوج ولدي و أشوف عياله ؟ احتشدت الدموع في عينيها : العيب مو مني هذا شي بايد ربنا مو بايدي ! أم عصام : ما قلنا شي و النعم بالله ، بس تصرفك هذا أثبتلي سوء نواياكِ .. تنظر إليها بعينين متسعتين : سوء نواياي ؟؟ عمتي ليش قاعدة تكلميني كذا ؟ أم عصام : شلون تبيني أكلمك ؟ بعد ما عرفت وش ناوية عليه مع ولدي ؟ شفتيه رجال طيّب تبي تستغليه و تحرميه الضنا ؟؟ مَريم بلهجة باكية : أنا أحب عصام و مستحيل أفكر أأذيه أو أستغله ! أم عِصام بسخرية : والله هذا الكلام ما يمشي علي ، شوفي يا مريم أنا ما راح أرضى إن عصام يطلقك لأني ما أرضى هالشي لبنتي ، بس لمعلومك ، أنا من اليوم راح أشوفله عروس ، و برضاكِ أو بدونه عصام بيتزوج ، عاد الحين الطابة في ملعبك ، حبيتي تظلي يا هلا و مرحبا ، ما حبيتي إنتِ حرة .. احترقت وجنتيها بملوحة دمعها : هذا القرار راجِع لعصام ، عصام يبيني ما يبغى يتزوج علي ، لو يبي يتزوج علي كان بلغك بمرضي .. تَرفع يدها ، تصفعها على وجهها صفعة تفاجئها : صِدق إنك قليلة أدب قاعدة تجاوبيني ؟؟ و تبي تحرضي ولدي ما يسمع كلمتي ؟ تمتد يدها لتتحسس مكان الصفعة ، تنظر إليها بألم و الدموع توالي احتشادها في عينيها الواسعتين ، تخرج دون كلمات ، بينما تنفث أم عصام أنفاسها و هي تتمتم : استغفر الله العظيم يا ربي .. ،, عالم جديد يدخل إليه ، يمشي بثبات ، نظراته تأخذ جولة في الشركة التي سيصبح موظفاً فيها ، دقائق من الحلم يقتلها الواقِع تمر في عقله المشوش ، لو كنت أزور هذه الشركة ، دون وساطات ، دون أن أتورط ، أعلم جداً حقيقة تواجدي هنا ، إدراك الحقيقة مؤلم جداً ، أستغفل ذاتي جداً ، لِم لَم تتاح لي فرصة كهذه من قبل ؟ لم أكن أعرف حتى بوجود هذه الشركة فوق كوكب الأرض ، فقط لأنني أنتمي إلى طبقة أخرى ، و واقع آخر ، حُكِم علي أن أدفَن حيّاً في أرضي التي لم تُرحب بوجودي ، كان علي أن أكون شخصاً آخر ، و ابن شخص آخر ، لأستطيع أن أحلم ، و أن أصِل ، فإن الحلم ، حتى الحلم مشروط بشروط أوّلها جيبك ، و ما تملك بداخله ! بتجاهل لنظرات الموظفين ، الذين عرفوا أنه الموظف الجديد ، متعجبين من آثار الكدمات على وجهه ، يتقدّم نحو مكتب الإدارة ، يطلب من السكرتاريا الدخول ، بعد أن يعرف بنفسه ، يطرق الباب و يدخل ، إلى رجل يرتدي دشداشه الأبيض ، يجلِس خلف مكتبه بوقار ، ترجمت الحياة على وجهه كل ملامح النعم التي لم تكن موجودة في وجه فهد ، استطاع أن يرسم ابتسامة زائفة على وجهه ، يتقدم و يقول : السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته .. حضرتك السيد نَعيم العَتيق ؟ نَعيم بجمود : نعم ، و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، تفضل اجلس .. يجلِس فهد ، يبدو عليه التوتر و هو يشتت نظراته يميناً و يسارًا ، يتساءل نَعيم بصوت جهوري : عرّفني بنفسك ؟ فهد : أنا فهد ، فهد مشعل شهران .. نَعيم : عارِف ، غيره ؟ فهد بنصف ابتسامة : كل معلوماتي عندَك في السي في .. يرمقه بنظرة ، يقرأ السي في بعينيه بصمت ، يرفع نظراته إليه بعد ثوانٍ ، يقول : عارِف يا فهد ، لو ما كان سُلطان وراك كان مستحيل أوظفك .. يرفع حاجبه الأيسر : و ليش ؟ نَعيم : إذا مقابلة عمل مو عارف تسوي ، قاعد أسأل تقول لي معلوماتي عندك ؟ يعني ماني عارف أنا ؟ إنت أول مرة تسوي مقابلة ؟ يأخذ نفساً عميقاً ، يُردِف نعيم : اللي يسألك بالمقابلة عن اسمك و شغلك و تخصصك مو لأنه مو عارِف ، بس يبي يشوفَك شلون تتكلم ، ثقتك بنفسك و كل هالشي ما يبين بالسي في .. فَهد : ما كنت عارِف نفسي جاي أقابل ، على بالي توظّفت و خلاص .. نَعيم : أنا مدير هالشركة بس ماني صاحبها ، و في مجلس إدارة في الشركة ، لو وظفتك بدون مقابلة عالأقل شكلياً قدامهم ، بيصير مشاكِل .. فهد ببرود : آها ، يترك نعيم مكتبه ، يتقدّم نحوه و هو يمد يده للمصافحة : أهلاً و سهلاً فيك بيننا ، تقدر تستلم شغلك بقسم المحاسبة .. يُصافحه فهد ، يتساءل نعيم و هو يعقِد حاجبيه : في كمان شي مو مكتوب بالسي في .. فهد : وش هو ؟ نَعيم : هالعلامات اللي في وجهك مو مكتوب عنها شي .. يَضحك فهد ، تظهر غمازته و يقول : ما في شي ، عَلقت أمس مع شباب ، أكلنا اللي فيه النصيب .. نَعيم يهز برأسه : مشكلجي بعد ، وش هذا اللي جايبه لنا سلطان ! تختفي ابتسامة فهد ، يرن جوّال نعيم و المتصل سُلطان ، يقول نعيم : طيب ، الحين يدلوك على قسمك و مكتبك ، روح باشِر شغلك .. يخرج فهد و هو يحدّث ذاته متسائلاً عما تخفيه له الأيام ، أصبحت حياته أشبه بفيلم مغامرات غامض جداً ، لا يعلم ما سيحدث له في الغد ، كأنه يقِف قدماً في الحياة و قدماً في الممات ، بعد خروجه ، رد نَعيم على مكالمة سُلطان : يا هلا و غلا بأبو يحيى .. سُلطان : شلونك يالحبيب ؟ نَعيم : الحمدلله بألف خير ، ياخي وش هذا اللي جايبه لنا ، والله لولا معزتك فلا بوظفه عندي .. سُلطان : ليش ساوى شي يسوّد الوجه ؟ نَعيم بضحكة : لا ما لحق توه رايح لمكتبه ، بس واضح إنه ما عنده خبرة .. سُلطان بعتب : من وين بيجيب خبرة إذا هالشركات ما ترضى توظف إلا اللي بخبرة ، لازم يشتغل عشان يصير عنده خبرة .. نعيم : ما قصدت كذا ، بس حتى بمقابلات العمل ما عنده خبرة ! سُلطان : الولد هذا مسكين و ما أخذ فرصته بعد ما تخرج ما لاقى وظيفة ، اهوة ولد سايق نعرفه و المسكين توفى و ماله وصية غير ولده ، عشان كذا نبي نساعده بمعيتك ، تكسب فيه أجر و تتحسن أحواله و أحوال أمه المريضة .. نعيم : على كل حال راح نوظفه 3 أشهر كتجربة ، و بعد كذا بنشوف و بنثبته إن شاء الله .. سُلطان : ما يبيلك توصية يا نعيم ، نَعيم بابتسامة : ولو ، بعيوني إن شاء الله .. سُلطان : ربي يسعدَك ، يلا مع السلامة .. أغلق الخط ، من جهته ، ابتسامته المعتادة تظهر على وجهه ، يفتح جواله مجدداً ليتصل بشريكه ، ثوانٍ ، جاءه الرد من عمر ليخبره بآخر المستجدّات ، عمر بامتعاض : شلون تسوي كذا من غير لا تسألني ؟ سلطان : الولد بدأ يتمرد علينا ، و صار يحطلنا شروط ، و كان لازمه نربيه ! عمر : احنا نبي نكسبه معانا ، مو نضيعه بهالتصرفات ، ما كان لازم تتصرف من دون ما تكلمني ، و سالفة ياسمين اتفقنا إنه مو وقتها الحين ، سُلطان : أنا ماني بزر عمر ! عارف وش قاعِد أسوي ، اللي سويته خلاه مثل الخاتم فـ اصبعنا ، تبيه كل شوي يقول هاتوا فلوس و هاتوا فلوس ؟ و يهددني بولدي بعد ؟ إنت إيدك مو فـ النار ، عمر ، يأخذ نفساً عميقاً ثم يقول : إن شاء الله ما تندم على تسرعك ، يعني فهد داوم في الشركة ؟ سُلطان : ايه نعم ، قبل شوي كلمت نَعيم و وصيته عليه ، عمر بلهجة تحذيرية : بس أهم شي ، ما نبيهم يحسوا أو يشكوا بفهد ، عشانَك ، إذا عرفوا راح يقولوا هذا وش بينه و بين عمر .. سُلطان بابتسامة جانبية : من وين بيعرفوا ؟ مناقصة و خسروها من وين راح ييجي عَ بالهم إن في جاسوس بالشركة ؟ يهز رأسه بتأييد : عسى خير ، طيّب ، خليك ع تواصل معاي ولاا تصرف بشي قبل لا تتصل فيني .. مع السلامة .. يُغلِق الخط ، يلتفِت ليكمل أعماله ، شيء ما يدور في رأسِه ، ،, تتنهّد بحيرة و هي ترى اسمها يُنير شاشة جوّالها ، تعرف تماماً ما سيكون خلف هذا الاتصال ، تردد لم يدم طويلاً حتى ردت بصوت مهموم : هلا جيهان .. جيهان : شلونها عروستنا الحلوة ؟ تلجم لسانها كلمتها ، تمتنع عن الإجابة ، فتردف جيهان : سليمان قال لي إنك مزعلتيه .. صحيح هالكلام ؟ عَروب بانفعال : فوق اللي ساواه معاي ، زعلان بعد ؟ منو اللي لازم يزعل من الثاني ؟ جيهان : عروب ، أنا عارفة إن سليمان تصرف غلط لما قال إنه يبي يأجل العرس ، بس إنتِ شايفة إنه تراجع عن هالخطأ ، معقولة تقولي إنك مو عارفة إذا تبيه عشان مشكلة صغيرة زي كذا ؟ عَروب : لو ما كلمتيه ما كان بيتراجع ، بعدين الموضوع ماهو مجرد زعل لأنه أجل الزواج ، إنتِ قادرة تكوني طبيعية مع إبراهيم بعد ما أجل زواجكم بآخر لحظة ؟ بلهجة تعتريها الهموم : اللي بيني و بين إبراهيم شي ثاني تماماً ، إنتِ و سليمان تحبون بعض و ما في شي يوقف بطريقكم .. عَروب : لا تزعلي مني يا جيهان ، بس سليمان اتضحلي إنه لا يؤتمن جانبه ، شلون بأمن أتزوج من شخص قدر يخلي شي مالنا علاقة فيه يأثر على علاقتنا ؟ شلون بأمن إن هالشي اللي صار ما راح يتكرر ؟ جيهان : سليمان شخص واعي ، و هالتصرف بدر منه بلحظة تهور ما فكّر فيها ، و مستحيل يتصرف بتهور بعد ما تصيري عنده في بيته ، إنتِ عارفة إن الشباب أحياناً يتصرفون بتهور خاصة لا كان الموضوع يخص خواتهم ، لا تلوميه .. عروب : ماني قاعدة ألومه ، بس عالأقل أعطوني حقي إني آخذ موقف من تصرفه ، عالأقل عشان يتعلّم ما يكرره مرة ثانية ، لو سامحته بسهولة على هالشي ، بيكرره بسهولة مرة و اثنين و عشرة بعد ! تنقل جيهان سماعة الهاتف إلى أذنها اليسرى : بس عرسكم مو باقي عليه شي ، ما فيه وقت للتفكير و مابي اللي صار معاي يصير معاكِ من غير شر ! تلقي تنهيدة طويلة ، ثم تقول : لا تخافي ، خلال هاليومين بردله خبر ، جيهان بصوت مُنكسر : نتكلم بعدين ، سلام .. تُغلِق الخط ، تلتفت إلى جدتها الجالسة إلى جانبها ، تنظر إليها بحيرة ، تتنفس بعمق و هي تشتت نظراتها بعيداً عن أعين جدتها ، التي تقول : مو كافيكِ همومك ، قاعدة تحملي هموم الناس معاكِ ؟ جيهان و هي ترخي نظراتها للأسفل ، تقول بخفوت : هذولا الناس مو غرب ، أخوي يا جدّة ، خايفة عليه تخترب حياتي بسببي .. تمتد يدَها بطيات الزمن ، تختبئ فيها حنيتها لتبعد خصلة غرتها عن وجهها : ما بتقولي لي وش اللي خلا إبراهيم يسوي فيكِ كذا ؟ تُمسِك بيدها ، تقبّلها بحب كأنها تتهرب من سؤالها ، إلا أن جدتها تصر ، فتكرر : وش اللي خلاه يسوي كذا ؟ جيهان بابتسامة باهتة : مدري ، صدقيني مدري ، كل اللي أعرفه إنه ما حبني ، وش أسوي هالشي ماهو بيدي ولا بيده ، ما حبني .. تعقد حاجبيها : و يحبه برص ! شلون ما حبك إنتِ منو يشوفك و ما يحبك ؟ تضحك بخفة : ههههههههه ، تسلميلي أنا من دونك وش بسوّي ؟ الجدة ، بجدية و هي تحتضن رأسها : أناا ما أجاملك ، أقول الصدق ، ترى لو ما خاطِر زوج أختك عِصام كان في ألف واحد غير إبراهيم يتمنى ظفرك ، تستمر في الضّحِك ، إلا أن اسماً لم يزر شاشتها منذ مدة ، يُنير شاشتها اليوم ليقطع عليها صفوها الذي تتعب كثيراً لتحصّله ، تقرأ عينيها الاسم عدة مرات ببرود ، تقول جدتها : صحيح إني ما أعرف أقرأ الكلام ، بس أقرأ لغة العيون ، هذا الحبيب صح ؟ تَرفع رأسها : حبيب شنو يا جدّة الله يسامحك بس ، عن إذنك .. تُجيب في اللحظة الأخيرة ، بصوت خافت : هلا .. إبراهيم : كنتِ نايمة ؟ جيهان : منو ينام لهالحزة ؟ كنت قاعدة مع جدتي .. إبراهيم بلهجة كأنه يخجل من محادثتها و هو يعرف تماماً أن الخدش الذي تركه في قلبها لم يتعافى بعد : لا بس طولتِ لين رديتِ قلت يمكن نايمة .. شلونِك ؟ جيهان ببرود : بخير الحمدلله .. إبراهيم ، يتلفت حوله و هو يرفع حاجبه الأيسر : ما بتسأليني شلونَك ؟ لم يسمع رداً على سؤاله سوى صوت أنفاسها الهادئة ، يُردف بسؤال آخر : ليش ما تتصلي فيني ؟ جيهان : و ليش أتصل ؟؟ بعدين حضرتك اللي مقطع عمرك اتصالات و زيارات ؟ إبراهيم بحدة : و ليش تتكلمي كذا ؟ جيهان بنفس نبرته : و شلون تبيني أتكلم بعد ؟؟ رجال غريب شلون تبيني أكلمك ؟ إبراهيم متعجباً : رجال غريب ؟ جيهان : راح تصير غريب قريباً ، ماله داعي نظل على تواصل دام إن هالزواج مصيره ينتهي .. إبراهيم : إنتِ اللي قررتِ مصيره مو أنا .. جيهان : لا تحاول تلف الموضوع و تحط العلل فيني ، بس عشان تبرر لنفسك و تبري ضميرك .. أنا ما قررت نهاية هالزواج إلا بعد تصرفك معاي يوم أجلت زواجنا .. إبراهيم : وش أسوي ؟ قعدت معاكِ 4 شهور على أمل إني أحبك و أتقبلك ماا قدرت ، وش أسوي ؟ تُخرسها سهام كلماته ، تضغط على أسنانها لتمنع نفسها من إصدار شهقة باكية ، تحبس دموعها في محاجر عينيها بقسوة ، يُدرِك كلامه فيقول بخجل : جيهان أنا ما قصدت .. بصوت متحشرج تحاول أن توزنه : لو سمحت لا عاد تدق علي ، ولا عاد أشوف وجهك إلين يوم الطلاق .. إبراهيم : اسمعيني يا جيهان .. تُغلِق الخط دون مقدمات ، تسمح لنفسها بالبكاء بعد أن تغلق باب غرفتها بمفتاحه ، يتعالى نحيبها و هي ترى كرامتها تهدر أمامه ، بجبروته و قوّته ، قَسوته التي تجعله يسحقها بكلماته دون تفكير و لو لثوان ، لم تمنع نفسك أبداً من إيذائي ، يُتبـَع ... | ||||||||
15-12-19, 12:26 AM | #16 | ||||||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة
| ،, ظهراً ، يتقدم بخطوات مترددة نحو البيت ، على عكس شخصيته التي تمشي بثقة ، اليوم هو في قمّة تردده ، لا يَعلم ما يشعر به حِيال سكّان ذلك المنزِل ، يشعر أنه قد ظلمهم في إيلاجهم بأمور ليس لهم بها ناقة ولا جمل ، إلا أنه يشعر أن طرف الخيط الوحيد المتعلق بقضيته ، سيجده بينهم ، يسري شعور غريب في جسده ، و هو يلاحظ نظرات الناس المتفحصة له كأنه مطلوب ، لا يعلم إن كانت تلك هي نظراتهم له منذ البداية ، أم أن أمراً استجد دون أن يعلم .. يطرق الباب ، و لم يعد يزرهم في بيتِهم سوى ذلك المحقق الكريه ، ذلك ما كان يخطر في بال شهد و هي تسمع صوت نقر الباب ، تلتزم مكانها و هي تبتعد عن نظرات والدها ، الذي يشعر هو الآخر أن الضّيف هو يحيى ، يرمقها بنظرة و يقول : خذي أمّك و ادخلوا داخل ، ما تتحركي من الغرفة مفهوم ؟ تحاول أن تتجاهل في ذاتها لهجة والدها ، تعامله الذي اختلف كلياً معهم ، تتشبث بيدها يد والدتها الضعيفة ، لتنهض بصعوبة عن الأرض ، تتحرك ببطء مع شهد نحو الغرفة ، يتحرك بعد ذلك والدها نحو الباب ليفتحه ، لم يفاجئه قدومه مجدداً ، لكن علامات الترحيب به لم تكن ظاهرة على وجهه هذه المرة ، الأمر الذي أدى إلى اختفاء ابتسامة يحيى و هو يشعر أنه بدا ضيفاً ثقيلاً على قلوبهم ، يقول بصوت جهوري : شلونَك عمي ؟ أبو طارِق بجمود : الحمدلله بخير ، تفضل .. يشعر يحيى أنه قد أفسح له المجال للدخول على مضض ، يدخل بتردد ، الأجواء متوترة على غير عادتها ، دوماً ما كان يُرحب بوجوده صاحب البيت ، فما الذي يحدث الآن ؟ يدخل يحيى ، يجلِس على الكرسي و يقول و هو يخفي ارتباكه : كويس إنّك موجود ، جاي عشان أكلمك .. يقترب أبو طارِق بصمت ، منتظراً يحيى ليكمل كلامه ، يُخرِج يحيى سيجارة من باكيته ، و كأن التدخين لا يحلو له إلا في بيتِهم ، يقول و هو يشعل السيجارة دون أن ينظر إلى أبو طارِق : قهوة وسط كالعادة .. أبو طارِق بصوت مرتفع : اعذرنا يا سيادة المحقق ، ما فيه قهوة اليوم .. يرفع يحيى نظراته المتسائلة إليه ، يرمقه بنظرات و كل ما يأتي في باله هو ذلك اليوم الذي وضعت فيه شهد الملح في فنجانه متعمدة ، هل عرف ؟ و ما الذي يجعله يحدثني بتلك اللهجة ، يبتسم يحيى ، يقول بمراوغة : إذا ما فيه قهوة عندكم بلا ، عادي ما في مشكلة .. يجلِس أبو طارق أمامه و يقول : إلا فيه قهوة ، بس ما نبي نضيفك .. يَرفع حاجبه و هو يسحب ابتسامته لتتحول إلى عبوس جاد : و السبب ؟؟ أبو طارق : سيد يحيى لو تبي مني شي بخصوص التحقيق ، يا ليت تكلمني و أنا أجيلك المكان اللي تبيه ، بس لو سمحت مابي أشوفك في بيتي مرة ثانية .. في الداخل ، تستمع شهد إلى الكلام ، ترتسم ابتسامة على وجهها ، رب ضارة نافعة ، سأنتهي منك أخيراً يا حضرة المحقق ، خارجاً ، بذات وضعيته يكرر سؤاله : السبب ؟ أبو طارق : أنا عندي بنات في البيت ، و دخولك علينا كل يوم ماهو أصول .. يحيى بنبرة حادة : و منو اللي أساء لبناتك يابو طارِق ؟ شايفني قليل تربية ؟ أبو طارق : العفو ، بس لو عندك أخت ما ترضى إنها توقف و تكلم رجال غريب باب بيتها و الناس يطلعون عليها كلام طالع نازل .. يحيى : متى وقفت مع بنتك ؟ بنتك اهية اللي تفتح الباب كل ما جيت ، و توقف و تأخذ و تعطي معاي ، ولا مرة حاولت أكلمها كانت تفتح أسألها سؤال ما تجاوبني ع قده ، اهية اللي كانت تكلمني مو أنا ! يصطدم أبو طارِق بحقيقة ما قال ، لم تكن مرة واحدة كما قالت شهد ، إلا أن صوتاً رقيقاً من الخلف يأتي ليدافع بحدته عنها : إنت إنسان وقح و ما فيك دم .. يلتفت كليهما إليها ، والدها و هو يجحظ عينيه ، يقول من بين أسنانه : أنا ما قلت لك لا تطلعي ؟ شهد بغضب : شلون ما تبيني أطلع و أنا سامعة بأذني هالكائن يتبلى علي ؟ أنا لما وقفت معاك أول مرة فـ شنو كلمتك ؟ سألتني عن طارِق قلتلك ماهو موجود و ما يبي يشتغل معاك ، و قفلت الباب ، و ثاني مرة سألتني عن أبوي ، و آخر مرة قلتلك تمشي من هنا لأن طارق ما بيعديها على خير ، قول لي ، في شي ثاني كنت أكلمك فيه يا حضرة المحقق المحترم ؟ في شغلكم تتعلموا شلون تفترون على بنات الناس و تسودوا سمعتهم ؟؟؟ يحيى و هو يرخي نظراته : أنا ما أقصِد أسود سمعتك ، شايفتني ماسك الناس و قاعِد أتكلم عليكِ ؟ أنا قاعِد أدافع عن نفسي قدّام أبوكِ ، شهد : ماهو محتاج تدافع ، ما يهمنا حسن أخلاقَك ، يهمنا لا عاد نشوف خشتك في بيتنا و تريّحنا منّك ! تظهر ابتسامة على وجهه ، يوجّه كلامه لوالدها : هذا مثال حي قدامك ، يأكدلك صدق كلامي .. على كل حال ، ما كنت حابب أغلبك بالروحة و الجية عالمركز بس دام إن هذا طلبك يا ريت تراجعنا بكرا ، و خليك دائماً تحت الطلب .. شهد : مالك شغل بأبوي و أخوي ، و احنا مالنا علاقة بقضيتك ، اتركنا بحالنا عاد ! أبو طارِق بلهجة متوعدة : شهـْد ، ادخلي للغرفة ولا تتدخلي ! تتقدّم بخطوات ثابتة و هي تعرف تماماً ما سيكون ثمن تجرؤها عند والدها ، دون تفكير بالعواقب و تقول : شلون ما تبيني أتدخل و أنا شايفة شلون قاعِد ع قلوبنا و كأن الجريمة صايرة في بيتنا ؟؟ روح حقق مع فهد و عيلة مشعل احنا وش علاقتنا ؟؟ يحيى : واضح إن بنتَك يستهويها الكلام معاي ، تنظر إلى أبيها الذي تشتعل عيناه غضباً منها ، تنتظر أن يتصرّف بحقه بعد الكلمات اللاذعة الي ألقاها لها ، لكنه لم يفعل ، بالطبع لن يفعل ، فإنني حتى و إن كان كلامي دفاعاً عن عائلتي ، ثورة لحقي و حقهم في حياة هادئة ، سيعتبره أي رجل في العالم تودداً له ، كما لو كنت لا أبحث في الدنيا إلا عن رجل متعجرف يلقيني بأسفه الكلمات ليُشبِع غرور ذاتِه ، ليُرضي شعوره بمركزيته في هذا الكون ، تقدّمت بحقد نحوه ، يقرأ في عينيها الثائرتين كُرهًا لم يستطع أن يحمله ، ظلّ يراقبها ببرود ، منتظراً صرخة والدها التي قد توقفها في مكانها ، لكنه لم يفعل ، لربما اعترف بضعفه عن مجابهة وحشية ذلك الرجل ، لربما شعر بحاجته إلى أنوثة ابنته لتحمي ذاتها و تحميه ، دون تردد ، و بحركة فاجأته لم يجعل لها في دماغه حسباناً ، رفعت يدها و صفعته على وجهها ، علّها تعلّمه كيف تثور على الأنثى أنوثتها ، كيف تشحذها لتُصبِح أشجع من فُرسان الزمن الغابِر ، فرسان الأساطير القديمة ، اتسعت عيناه كرد فعل فقير على تصرفها ، كان يود لو بمقدوره رد تلك الصفعة بصفعات ، إلا أن قانونه يقول ، لا رجولة لمن يضرب امرأة ، أفَمن الرجولة أن تضربها بكلماتك و تصفعها بلسانِك ؟ لَم تعتدي عليكَ بصفعتها ، إنها ترد عليكَ كما يليق ، إنها تدافع عن ذاتها بيدها الناعمة التي دخلت شجاراً مع لسانِك السليط ، و على الرغم من قوة اللسان مقارنة بيدها النحيلة ، إلا أنها عَرفت كيف و متى تستخدمها لتخرسك تماماً ، ينظر إلى والدَها ، لِم ينتظر منه الوقوف إلى صفه ضد ابنته ؟ ألمجرد أنها أنثى يجب أن يقف ضدها ؟ نظرات حادّة ، كانت آخر ما يملك قبل خروجه بمشاعر ، و أفكار تتَلاكم في عقله لتُنتِج صداعاً عنيفاً في رأسه ، ركب سيّارته ، لم أكن أعلم يومًا أنني سأكون ضحية للحيرة ، ما بين الاعتذار ، و الانتقام ! ،, المستشفى ، تستاء حالتها بعد انقطاع ولدها عنها ، فتاة يافعة تجلِس أمامها تواصل الليل بالنهار ، لم تعرف بعد أنها شريكة ، بل منافسة قوية جداً لها ، و أي منافسة ستستمر بعد موتِ زوجها ؟ لم تعد هناك منافسة من الآن ، إنها الرابحة حتماً أمام عجوز مريضة طريحة الفراش لسنوات ، تظهر ابتسامة صغيرة تؤلم شفتيها المتشققتين ، و هي تسمع تقرير الطبيب بعد أن يئِس من قدوم ابنها ، فَشَل كَلوي ، كانت كليتاي هن الشيء الوحيد الذي صمد ، و نجح حتى هذه اللحظة ، و الآن قدّمن استسلامهن أخيراً للفشل ، إنه الفشل الأخير ، المتبقي ، لأختتم به فَشل حياتي ، و زواجي ، و فشل أمومتي .. إلا أن كل أنواع الفشل تِلك لم تقتلني ، كانت تغرز السكاكين في أجزاء جسدي دون رحمة ، تتركني أعيش و أنا أنزف قطرات دمي يومياً ، ظلت روحي صامِدة ، لا بد أن أكون ممتنة للفَشَل الذي سينهي ذلك الألَم ، سيُجهِز علي ، سينقلني إلى جانِب زوجي الذي بات في الظلمة وحيداً لفترة طويلة ، صوته المختنق يناجيني ، حان وقت الاستجابة يا خَليلي .. الطبيب ، يردِف و هو يتنقل بنظراته بين مريضته ، و ياسمين : الحل الوحيد هالحين هو غَسيل الكِلى ، لكن لازم نسويلك عملية نقل كلية بأسرع وقت .. ياسمين : و شلون بنسوي عملية نقل كلية ؟ الطبيب : بالنسبة للمستشفى ننتظر متبرعين ، في ناس بعد ما تتوفى توصي بالتبرع بأعضاءها ، بس ما أخفيكِ هالحل موّاله طويل و ممكن تنتظر سنوات ، لأن في كثير ناس تنتظر كلية من قبلها .. إلا إذا كان فيه متبرع من العائلة أو أي شخص تعرفوه يتبرع لها بالاسم ، كذا ممكن يكون الموضوع أسهل .. ياسمين : آها ، و أي أحد يقدر يتبرع بالكلية ؟؟ الطبيب : لا طبعاً ، في فحوصات و تحاليل ، لازم نتأكد من توافق الأنسجة قبل لا تتم عملية النقل .. يلتفت إلى أم فهد موجهاً كلامه لها : لازم نحجزلك موعد في وحدة غَسيل الكلى .. أم فهد ببرود : أبي أرد البيت .. يتبادل الطبيب و ياسمين النظرات المندهشة ، يقول بعدها : بس حالتك للحين ما استقرت ، ما أقدر أخرجك اليوم ! أم فهد : مابيها تستقر يا دكتور ، أنا عارفة إن غسيل الكلى مثل الضحك على اللحى ، الفَشل الكلوي بداية الموت .. الطبيب : لا تكوني يائسة يا أمي ، الله قادر على كل شيء ،، بعدين كثير من مرضى الفشل الكلوي تعافوا و تعالجوا و رجعوا لحياتهم الطبيعية .. أم فهد بسخرية : حياتي الطبيعية انتهت من زمان يا دكتور ، أرجوك تخرجني أنا مابي أقضي أيامي الأخيرة في المستشفى .. تقترب ياسمين من الطبيب الذي يقف حائراً أمام مريضته ، تهمس بصوت خفيف : دكتور تقدر تكتبلها على خروج و لا رجع ولدها أكيد اهوة بيقنعها بالعلاج ، حالتها سيئة لأنه بعيد عنها .. الطبيب : حسبي الله و نعم الوكيل فالأولاد اللي يسوون كذا بأمهاتهم ، ما عنده قلب ؟؟؟ على كل حال راح أكتبلها خروج بس لازم توقعلي إنه ع مسؤوليتها ، لأنه لو حصل شي أنا بتحمل المسؤولية .. تهز ياسمين رأسها موافِقة ، يخرج الطبيب ، تجلس ياسمين بجوار أم فهد : الحين بتوقعي إنك خارجة ع مسؤوليتك ، و برجعك للبيت إن شاء الله .. أم فهد : أبي أرجع لبيتنا القديم ، مابي أرجع لهالبيت الكبير ، هذا مو بيتي .. ياسمين : أي بيت ؟ أنا ما أعرف بيتكم القديم ! أم فهد بتعب : أنا أعرفه كويس ، خذيني بالسيارة و أنا أدلك .. ياسمين ، بتردد : لا يا خالتي إنتِ ما تبي تضريني لو فهد درى بيسويلنا مشكلة ! أم فهد : هه ، فهد ؟ فهد لو سائل عني ما تركني يومين في المستشفى ولا سأل عني .. ياسمين : خالتي ما تعرفي وش هي ظروفه أكيد في شي جبره يتأخر عليكِ .. أم فهد و هي تنهض بصعوبة لتعتدل في جلستها : الظروف أكبر كذبة اخترعها الإنسان يا بنيتي .. تلتزم ياسمين الصمت ، تُراقب عيناها الكهلتين ، و ما مر على ذلك الوجه المجعّد ، كل تجعيدة تروي حكاية من التعب و القَهر ، كلماتها لَيست تنبع من قلب عجوز أمية ، و كأن قلبها لا زال شاباً ، يتحدّث عنها ، عن رغبتها التي تحتضر في داخلها بالحياة ، تتحدث : الحين باخذك لبيتكم ، و بكلم فهد عشان يرد البيت و يشوفِك .. أم فهد ، بغضب مُتعَب غير قادر على الظهور : ماني بحاجة وساطات عشان يتحنن علي و يشوفني ، ما كنت عارفة رغم كل هالسنين اللي عشتها ، إن الفلوس ممكن تغير الإنسان هالكثر ، كان ما يقدَر يغمض عيونه إذا كنت بعيدة عنه ، بعد ما صار معاه فلوس سافر و تركني أسبووع ، و هذا الحين يتركني في المستشفى حتى ما كلّف نفسه يسأل عن تحاليلي ، و الحين تبي تتواسطي لي عنده عشان يشوفني ؟ أبي أروح للبيت اللي كان فيه كل شي بَسيط ، و حلو ، و حقيقي .. أبي أروح لبيت مشعل . ينتفِض قلبها و هي تسمع ذِكر مشعل على لسانها ، شيء ما يتغير في داخلها فورًا حين تسمع اسمه ، يجرّدها من كل ما تحاول أن تلصقه بذاتها من إنسانية و مشاعِر ، تقول بارتباك : طيب ، بعد شوي آخذك للمكان اللي تَبيه .. فأنا أيضًا لدي الفضول لأعرف أين قضيت سنوات عمرك ، يا مشعل .. ،, يدخل إلى المكتب متعجلاً ، ينظر إلى عزيز و يقول : عزيز تجهز اليوم ، بنروح لحارة فهد القديمة .. عزيز : وش لك شغل بحارته القديمة ؟ يحيى و هو يجلِس خلف مكتبه : باخذ إذن تفتيش عشان نفتش بيته .. عِصام يتدخل ليقول : اووف ، شلون ما خطر عَ بالنا نفتش بيت مشعل ! يحيى ينظر بابتسامة غرور نحو عصام : إنتوا ما أعطيتوا اهتمامكم لهالقضية ، طبعاً لأنها من النوع الصعب مو أي شخص يقدَر يتذكر التفاصيل .. عِصام بامتعاض مبتذل : طيب بس لا أرميك بالفنجال ! يحيى : هههههههههههه طيب لا خلاص ، ما صدقنا شفنا إعجاب سموّك بشغلنا .. عِصام : أنا رايح لمدير الامن أجيبلك الموافقة ، لعل و عسى يبين هالخير فيك .. يحيى بضحكة و هو يرفع صوته ممازحاً : ماني بحاجتك ، واسطتي معاي " ينظر إلى عزيز الذي يضحك هو الآخر " يقول إبراهيم دون أن ينظر إليه : من وين فكّرت بهالسالفة ؟ يحيى : أي سالفة يا أبو وجه ما يضحك للرغيف السخن ؟ يرفع نظراته إليه ، بابتسامة جانبية : وش اللي يضحّك في الرغيف السخن مثلاً ؟ سالفة التفتيش ، لا تقول لي بذكاءك الخارِق ، ترى حارتنا ضيقة ! يحيى يرفع حاجباً : شـُف النذل ! إبراهيم : هههههههههههههههههه لا قول بجد من وين عرفت ؟ يحيى : عصافير المحقق يحيى الغانِم بلغته إن فهد كان في بيته أمس ، فكرت و قلت وش رجعه لبيته لو ما فيه شي ؟ عزيز : يعني رجع سكَن فيه ؟ يحيى : لا ، قعد شوي و طلع ، هذا ما أبلغتني به العصافير .. عزيز : و شلون بتفوت البيت و اهوة مسكّر ؟ رحت لبيت فهد و قلتله ؟ يحيى : العصافير أبلغتني إنه بدأ شغل جديد ، و بعدين يا ذكي تبيني أبلغه إنه جايين نفتش عشان لو فيه شي يخفيه ؟ إبراهيم : و ليش بيخفي شي ممكن يساعد بالوصول لقاتِل أبوه ؟ يرفع يحيى حاجبيه : ممكن لأنه يعرف القاتِل ؟! عزيز باندهاش : مجنون إنتَ ! لا عاد مو لهالدرجة ! يحيى يقول بجدية مختلطة بالمزاح : شوف يا ولدي يا عزيز بالتحقيق الجنائي و في جرائم القتل لازم تحط نسب متساوية لجميع الاحتمالات ، و لازم تشك بكل حدا قريب من المغدور ، حتى لو كان ولده ، و أتوقع ماهي غريبة علينا نسمع إن واحد قتل أبوه ، صح ؟ يصمت عزيز ، بحيرة بين الاقتناع بكلام فهد و عدمه ، يقول إبراهيم بفضول : تدري ، صار عندي فضول أشارِك بهالقضية .. يحيى بسخرية : والله ! قبل كانت مو عاجبتك و تقنعني أتركها ، وش صار اليوم ؟ عزيز يرمق يحيى بنظرة : يحيى ! وش اتفقنا ؟ يحيى ممازحاً : طيب طيب ، ببطل غرور ، شوف ما عندي مانع تنضم لفريقنا ، بس لازم تتقبل إني أنا المسؤول عن هالقضية يعني مو بكرا تسويلي فيها الأكبر و أكثر خبرة .. ينهض إبراهيم من مكانه و هو يحمل ورقاً بين يديه ، بابتسامة يقول : طيب اتفقنا .. عزيز يلتفت إلى يحيى بعد خروج إبراهيم : طيب و فرضاً ما قدرنا نوصل لفهد وش بنسوي ؟ يحيى : بندور عليه ، لا تنسى إن فهد أصلاً مطلوب للتحقيق .. عزيز و هو يفكّر : نشـوف .. يسند يحيى رأسه إلى ظهر الكرسي ، يشرد في مكان آخر و هو يتحسس وجهه ، تعود أمامه شهد ، تقف بغضبها و سخطِها ، ترفع يدها و تصفعه مرة ثانية و ثالثة و رابعة ، ترمش عيناه و هو يتنفس بقوّة ، مشاعره المتناقضة في داخله تتجلى بوضوح في معالم وجهه الحائرة ، غير آبه بمراقبة عزيز له . ،, ترتجف أطرافه و هو يرى غرفة والدته فارغة ، يبتعد بخوف عن الغرفة ليعود مُسرعاً نحو الاستقبال ، يصطدم في طريقه بالطبيب ، يقول بتعجل و خوف : دكتور ، غرفة والدتي فاضية وينها ليش مو موجودة ؟ ينظر إليه الطبيب بغضب : انت ولد المريضة أم فهد ؟ يهز رأسه ، بجبينه المتعرق ، يقول الطبيب : الحقني لغرفتي .. تتسع عيناه و هو ينفث أنفاسه بسرعة ، لم يعد يشعر بأطرافه و هو يسير خلف الطبيب ، خيبة تسري أمامه ، تخبره أنه ينهزم أمام حياتِه المتوحشة مجدداً ، يدخل الطبيب إلى غرفته ، يجلِس خلف مكتبه ، يدخل فهد خلفه ، يجلِس على الكرسي و هو يشعر أن أقدامه لم تعد قادرتان على حمله ، ترتجف شفتيه ، ترتطمان ببعضهما ، أذنيه تتشوشان كأنما تحاولان الامتناع عن سماع خبر مؤذ ، يقول الطبيب و هو يشبك أصابع كفيه فوق طاولته ، دون أن يبدي أي احترام لفهد : المريضة مو في المستشفى ، خرجناها اليوم .. يُطبِق عينيه و هو يتنفس براحة ، يفتحهما مجدداً و نصف ابتسامة تظهر على شفتيه : يعني تحسنت ؟ الطبيب بملامح جامدة : وش تحسنت ؟ المريضة رفضت العلاج و اهية اللي طلبت نخرجها ! اختفت ابتسامته ، تساءل : علاج شنو ؟؟ وش مرضها ؟ الطبيب : والدتك يا سيد فهد معاها فَشل كلوي ، بلغتها اليوم نحجزلها موعد بوحدة غسيل الكلى ، و رفضت ، و طلبت نخرجها ، و خرجناها بناء ع طلبها .. ينهض فهد ليقول بغضب : شلون تخرجوها بدون ما تعالجوها ؟؟ مين صاحِب القرار بالمستشفى الطبيب أو المريض ؟؟ يقف الطبيب و يرد بنفس لهجته : قصّر صوتك يا أستاذ ، أنا ما أقدر أعالج المريضة أو أخليها في المستشفى إجباري ! خاصة إن ما في أحد من أقاربها كان موجود غير هذي البنية اللي قالت إنها مرافقتها ، في المستشفى حاولنا نوفرلها كل وسائل الراحة ، و سوينا واجبنا من ساعة دخولها لـ ساعة خروجها ، لو كنت هنا و مهتم بوالدتك كان قلنا بس إنت تاركها بروحها يومين ما سألت عن نتائجها و جاي تحاسبنا ؟؟ عجز لسانه عن الرد ، لا يعرِف ذلك الرجل كم رغبت في قص قدماي في كل مرة رغبتا فيها بالسير نحو والدتي ، لم أرغب في أن تراني بحالتي الرثة ، حاولت أن أبتلع آلامي ، و صدمتي بوالدي وحدي ، لم أكن أضمن صمتي أمامها و أمام تِلك الدخيلة ، لكن شوقي اليوم جرّني إليها من نصف قَلبي ، فلم أجدها ، أعرف أنني لم أكسب في تِلك الدنيا إلا المال و غضبها ، إلا أنني لست بتلك القوة يا أمي لأحتمل حزنك ، ليتك تعلمين أن كل ما أفعله ، هو لأسعدك ، و إن كنت جاهلاً في كيفية إسعاد البشر ، إلا أنني لا زلت أحاول ، و أسقط يا أمي ، إنني أسقط بشكل سيء جداً ، خرج من عند الطبيب دون أن يتلفظ بكلمة واحدة يدافع بها عن نفسه ، قد وقّع والده على اتفاقية فقدان ابنه حق الدفاع عن ذاته قبل وفاته ، فقد حقه في العيش حراً ، حقيقياً .. رفع جوّاله ليتصل بياسمين ، بصوت حانق يقول : وين أخذتِ أمي ؟ ليش ما كلمتيني و قلتي باللي صار ؟ تبتعد ياسمين ، تقول بهمس : سُلطان ما سمح لي أبلغك ، على كل حال أنا و أمك الحين في بيتكم القديم .. يعقد حاجبيه : ليش في بيتنا القديم ؟؟ ياسمين : هذا طلب أمك ، تعال شوفها حرام عليك يومين تاركها بروحها ! فهد بحقد : حرام علي ؟؟ إنتوا تعرفوا تميزوا بين الحلال و الحرام ؟؟ يُغلِق الخط ، يخرج من المستشفى هائماً على وجهه ، يركب سيارته و هو يشعر أن الدنيا تغلق أبوابها في وجهه ، يمشي باتجاه بيته القديم ، إلا أن الطرق جميعها توحي له أنه يسير في متاهة لا نهاية لها .. ،, يحل المساء المرهق ، أنهكت ذاتها بكاءً و قهرًا ، يكوّر قبضته بعجز عن أن يفعل لها شيئاً يُرضيها ، تمتد يده الضعيفة لتتحسس شعرها ، الجزء الوحيد الظاهر منها بعد ما أخفت وجهها الباكي بين ركبتيها المضمومتين إلى بعضهما ، يقول : حبيبتي ، لا تزعلي منها أمي مثل أمك و تمون عليكِ ! مريم ترفع رأسها ، و هي تقول بين شهقاتها : أنا ماني زعلانة إنها ضربتني ، زعلانة لأنها قالت عني معيوبة ، أنا وش ذنبي هذا الموضوع بأمر ربنا أنا وش ذنبي تقول عني معيوبة ؟؟ عِصام : أكيد ماهي قاصدة بس يمكن من زعلها إنا خبينا عنها الموضوع قالت هالكلام من دون ما تقصده ، مريم ولا زالت مستمرة في بكائها : إذا فيني مرض معين هذا من ربنا مو مني أنا مابي ينقص احترامي بهالبيت لأجل شي أنا مالي يد فيه ! يمد إبهامه ليمسح دمعة من بين حشد من الدموع المتزاحمة فوق وجنتيها الحمراوين ، يتنهد و يقول : طيب ، أنا نازل أكلمها ، و ما بتكوني إلا راضية ، بس أبيكِ تمسحي دموعِك و تغسلي وجهك و تستهدي بالله .. تحاول كتم شهقاتها ، ينهض أمامها متجهاً للباب ، يلقي نظرة أخيرة إليها ، يتنهد مجدداً و يخرج ، تمسح وجهها بكفيها و هي تشعر بصداع عنيف يغزو رأسها بعد يوم طويل من البكاء ، تخرج على أطراف أصابعها لتتبعه نحو غرفة والدته ، تقِف خلف الباب و تُلصِق أذنها به لتحاول أن تسمع كلامهم ، علها تعرف ما سينتظرها في حياتها القادمة ، يجلِس أمام والدته التي ترمقه بنظرات معاتبة ، يقول بعد صمت دام لثوان : يمه أنا اضطريت أخبي عنك .. قلت مؤقتاً يمكن مريم تتعالج أحسن ما نخلق جو توتر في البيت عالفاضي .. أم عِصام : لا تحمل الذنب عنها ، أنا عارفة وش مربية ولدي ما يخبي عني شي ، أنا عارفة إنها مريم اهية اللي زنت فـ دماغك عشان تخبي عني .. عِصام : حرام عليكِ تظلميها يمه ، اهية أكثر من مرة قالتلي نبلغك و أنا رفضت .. بعدين يمه حرام تعيريها بمرضها ، المرض ما فيه شماتة ! أم عصام باستهجان : أنا أشمت بزوجة ولدي ؟ أشمت إنها مو قادرة تجيب لي حفيد ؟؟ حسافة عليك يا ولدي ما هقيتها منك ! ينحني برأسه ليقبل يدها : يمه مريم من ساعة ما كلمتيها و اهية تبكي فـ غرفتها ، كسرتِ خاطرها .. أم عِصام : خليها تتعلم ما تخبي عني شي ، و بترضى بعدين لا يهمك ، المهم في شي ثاني بكلمك فيه ، ينظر إليها بيأس ، يصمت لتُكمل كلامها : اليوم كلمت أم جمال .. عصام ببرود : منو أم جمال ؟ أم عصام : هذي أمها لـ سَارة ، البنية المطلقة اللي قلتلك عنها قبل فترة .. تتسع عيناه : شنو يعني ؟؟؟ أم عصام : وش شنو يعني ؟؟؟ أخذت موعد منها عشان بكرا أزورهم إن شاء الله و نتكلم في موضوعك ، و ترى لمحت قدامها عن سالفة الخطبة .. في الخارِج ، تُخرس صوت شهقتها و هي تضغط بكفها على فمها ، تحتشد الدموع مجدداً في عينيها الخائفتين ، في الداخل ، ينهض من مكانه بعينين متسعتين :ِ إنتِ قاعدة تمزحي ، صح ؟؟ ،, يضرب الطاولة بكفّه ، ينهض و هو يصرخ بأعلى صوت : أبي أعرف ويـن راحـت ! ما بتركك إلا لما تقـول ! و اسأل عني يا فهـد .. ،, يتقدمان بخطوات هادئة مدروسة جداً ، يبدو على ضحيتهم التعب و الإرهاق ، يتثاءب بكثرة و هو يتقدّم ببطء نحو منزله ، يتقدمان كليهما ببطء حتى يصبحا خلفه تماماً ، يرفع أحدهما عصاه الخشبية السميكة ، ليضربه بقوة على مؤخرة رأسه ، الضربة التي تُسقِطه أرضاً ، فوراً و خلال ثانية فقط ، يبدو أنه انتقل إلى مكان آخر ، فقد القدرة على البقاء ضمن واقعه ، تشوشت الرؤية في عينيه تدريجياً و هو يشعر بشابين متلثمين يفتشانه ، حتى فقد الوعي تماماً .. انتهى البارت القادِم إن شاء الله سيكون يوم الأحد القادِم ، ملاحظة ، صار فيه تغيير بمواعيد البارتات ، في نهاية كل بارت ببلغكم بموعد البارت القادم ، لأن الجمعة غالباً يوم للعائلة و صعب ألاقي وقت دائماً للنشر ، لذلك تم التغيير ، أتمنى يكون البارت أعجبكم لا تحرموني من تعليقاتكم اللطيفة . طِيفْ! | ||||||||
31-12-19, 01:29 PM | #17 | ||||||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة
| بسم الله نبدأ ، الجزء 10 يجلِسون بهدوء قاتل ، يتناولون العشاء ببطء ، يتنقلون بنظراتهم بين بعضهم البعض ، نظرات غير مفهومة تحتاج الكثير من التفسير ، دون أيّة كلمات ، تشعر أم طارِق بارتجاف يد شهد و هي تضع اللقمة في فمها ، كأنها تنتظر عِقابها الذي لم يحِن موعده بعد .. يقتل والدها الصمت لينطِق دون أن ينظر إليهم : أخوكم طارِق تأخر ، ما عرفتوا وين راح ؟ تلتزم شهد الصمت ، بينما ترد عَبير بخفوت : لا يبه ، الحين ندق عليه .. ينفضّ كفيه ببعضهما ، ينهض عن الأرض و هو يقول : الحمدلله .. يتجه نحو المغسلة ، تقترِب عَبير من شهـد ، تهمس لها : ماني مصدقة إن أبـوي سكـت عاللي ساويتيه مع المحقق ! شهـد : وش بيسوي يعني ؟ اهوة كـان قـليل حـيا ، و اللي صار كان لازم يصير عشان يحفظ حدوده .. أم طارِق ، تمضغ لقمتهـا و تقـول : مانـي متطمنة ، هذا المحقق ما راح يسكت عن هالكف .. شهـد تنظر إليهـا : لا تخـافي يمـه ، لو مـو عارف إنه غلطـان كان بنفس اللحظة رد ، بس اهوة سكَت لأنه عارف نفسـه ، هزّت رأسها : لعلـه خـير ، لعـله خير .. تتجه أنظارهم جميعاً نحو الباب حيث يسمعون فتحه ، يدخل طارِق بوجه مهموم ، يقترِب والده يسأله : وين كنت ؟ طارِق : كنت في المستشفى .. أم طارِق بخوف : أي مستشفى وش فيك يمه ؟؟ طارق ، بابتسامة صغيرة : ما فيني شي يمه ، رحت زيارة .. أبو طارق : مين زرت ؟؟ يمشي طارِق ، يجلِس إلى جانب والدته ، يضع لقمة في فمه ، يمضغها و يقول : خالتي أم فهد كانت في المستشفى ، رحت أشـوف فهد و أوقف معـاه .. شهـد بلهفة جعلت الجميع ينظر إليها باستفهام : وش فيهـا عمـتي ؟ ترمقها عَبير بنظرة ، تنتبه شهـد : أقصِد خالتي أم فهـد .. طارق بنبرة بطيئة و هو يتفحص شهد بنظراته : مادري ، رحت قالولي خرجوها .. أبو طارِق : اليوم المحقق كان هِنا .. تبدو على وجه طارِق علامات عدم الرضا : وش يبي ؟؟ هذا ما يبي يفهـم ؟ أبو طارِق بعد أن يأخذ نفساً عميقاً : فهّمته لا عاد ييجي بيتنا ، و طلب مني أراجعه بالمركـز بكـرا .. طارق ، يرفع حاجباً : وش اللي ممكن تساعده فيه ؟ أبو طارِق : مادري ، بكرا نشـوف .. ينهض طارِق من مكانه ، يتقدّم من والده و يقول : رغم إني مانصحـك تروح ، بس مثل ما تبي يبه .. أبو طارِق باستغراب : و ليش ما تنصحني أروح ؟ طارِق بانفعال : لأن بيت عمي بـو فهـد طول عمرهم أصحابنا الوحيدين ، الحين من وين لوين نروح نعطي معلومات عنهم لهذا اللي اسمه يحيى ؟ ليش تبي تضرهم يبه ؟ أبو طارِق : اللي يسمعَك يقول إن يحيى هذا مُحتل ، ما هو ولد البلد .. أنا ماي أضرهم ، ما راح أتبلى عليهم ، بقول اللي أعرفه و بس .. يتنهد طارق بيأس : مثل ما تبي يبه ، سوي اللي تشوفه .. يرمقه والده بنظرة ، يخرج بعدها إلى خارِج المنزل ، بينما يتجه طارِق إلى غرفته ، يغلق الباب خلفه بقوّة معبراً عن غضبه ، ليتَك لم تبُح بسرّك يا فهـد ، لم يكن ليُقلقني ذلَك المحقق اللعين ، حين كان يسألني ، كانت الإجابة على الدوام ، لا أعرف .. اليَوم أنا أعرِف ، فهل إن سألني سأكون قوياً بما يكفي ، لأكذب و أخبئ سرّك دون أن يظهر في عيناي ؟ هل سأكون قادراً على حمل سرّك ؟ لِم ائتمنتني و قد عرفت أنني وظّفت لأتجسس عليك ؟ في الخارج ، تقترب أم طارِق من شهد ، لتهمس : وش سالفة عمتي جواهر هذي ؟ ترتخي نظراتها بخجل ، و هي تقطع قطعة الخبز في يدها إلى قطع صغيرة ، تبتسِم عبير و هي تنظر إلى توترها ، تقول أم طارِق : جواهر فاتحة معاكِ هالسالفة ؟ ترتفع نظراتها قليلاً إليها ، كأنها بصمتها تقول نعم ، تتنهد بعدها أم طارِق ، و تقول : شيلي هالسالفة من دماغك يا شهد .. شهـد ، و عبيـر ، تنظران إليها في وقت واحد بدهشة ، تقول : لـو علي ، أتمنى تكوني زوجة فهـد اليـوم قبل بكرا ، بس شايفة أبوكِ ، مستحيل يوافِق .. لا تتأملي بشي ما بيصير .. تُلقي قطعة الخبز من يدِها فوق صحن الطعام الفارغ ، تنهض لتتحرك بسرعة نحو غرفتها ، تجلِس أرضاً و هي تتنفس بسرعة ، كانت تعرِف تِلك الحقيقة ، لكنها لم تواجهها حتى الآن ، بل إن والدتها قامت بالمواجهة عنها ، فلماذا أُصِر إذاً ، على عِشقٍ لن يأتيني إلا بالمتاعب ؟ لكنني لا أستغني ، عن تِلك الابتسامة ، عن تِلك النظرة ، لن أستغني عن تِلك الأشعـار التي تنطقها عيناك حين تنظر إلي ، و نبضات قلبي الذي لا أشعر بحيويته إلا حين أراك ، كيف لي أن أستغني عنها ؟ ،, يصطف إلى جانِب الطريق ، نظراته متعلقة بالسماء التي اصطبغت باللون الأسود دون أن يَشعر ، تنقّل كثيراً في السيارة ، دون أن يُدرِك الزمان و المكان ، يختنِق ، ولا زالت رئتيه تنبضان ، يريد المـوت حتماً ، لكن الموت لا يريده ، حاول أن يحرِف مساره عن بيتِهم القديم ، لكن دواليب سيارته قادته دون إرادة منه إلى هُناك ، إلى حيث يجد والدته ، و تلك التي دخلت بينهم دون استئذان ، سيتساءل هذه المرة ، إلى مَن كنت تـفي يا أبي ؟ من كانت التي تستميل قلبك أكثر ؟ ماذا كانت لتفعل جوهرتك ، لو علِمت أنك أبدلتها بياسمينة قد تخونَك و ترحل في خَريف العمر ؟ ترجّل من سيّارته ، بعد أن شَعَر أخيراً بحاجته إلى المواجهة الحاسِمة ، تقدّم بخطوات مترددة ، لا يُبالي بنظرات الناس من حوله ، يتساءلون بأعينهم عن سبب عودته بعد أن ابتسمت له الدنيا كما يظنون ، لم يعرِفوا بعد أن الدنيا بخلت عليه حتى بعبوسها ، فقد أغلقت في وجهه كل أبواب المشاعِر ، الحب و الكره ، الرضا و الغضب ، التسامح و الحِقد ، كل ذلك لم يعد يعرف له معنى بعد وفاة والده .. دخل إلى البيت ، أغلق الباب الحديدي خلفه ، ما جعل والدته و ياسمين ، اللتان تجلِسان في الغرفة اليتيمة في هذا المنزل ، تحت إنارة خافتة جداً ، تلتفتان نحو مصدر الصوت ، تَضـع ياسمين حجابها ، لتنهض مسرعة نحو الباب ، حيث يقِف فهد صامتاً ، متأملاً المكان الذي جمع ذكرياتهم الكاذِبة ، كانت جدران المنزل ميتة ، حين زاره وحيداً في المرة الماضية ، هل أردتِ أن تحييها مجدداً يا أمي ؟ تقدّمت منه ياسمين ، وقفت أمامه متكتفة و قالت بهمس : أمّـك في الغرفة ، ادخل شوفـها .. ينظر إليهـا و قد لاحظ جزءًا من شعرِها قد تمرّد ليهرب خارج حجابها ، قال بسخرية : استعجلتِ تحطي الحجاب ، مو على أساس إنك زوجة أبوي ؟ يعني ما هو حرام لو شلتيه ، ياا " خالتي " تُشتت أنظارها و هي تعيد شعرها إلى داخل الحجاب : على أساس أمّـك ما تدري ، كل شي ساويناه عشان نحافِظ عليها ، لو تبي نقول ما عِندي أي مانِع ! يرمقها بنظرة باردة لا معنى لها ، يتقدم نحو الغرفة ، ترخي والدته نظراتها عنه كأنها تمنع عينيها عن البَوح بشوقها لطِفلها الوحيد ، يتقدّم ببطء ، أعرِف أنني مهما فَعلت يا أمي ، ستبقين كما أنتِ ، و أعرف أنه مهما طال غِيابي ، سأعود لأجدك بحنيّتك ذاتها تنتظريني ، إنّك الشيء الوحيد الذي لم يتغير منذ مجيئي إلى هذه الدنيا ، أحتـاج أن تُعيديني إلى رَحمك الآن ، إلى داخِلك ، لم أكـن لأشعر بأمـان أكثر سِوى داخل أحشاءك ، إنني أرتجِف برداً يا أمي ، أمامك وحدك يا من تُشعرني أنني ما زِلت حياً ، أضـع رأسي في حِجرك ، أعود طفلاً تملأه الحيـاة ، تعـود شهـد تنبِض في عروقي ، و ما إن ابتعدت عنك ، أتحول إلى حَجَر ناطق يا أمي ، أفتقد حقاً الشعور بالألم .. يجلِس أمامها أرضاً ، تشيح بوجهها عنه ، ينحني رأسه دون مقاومة منه ، تتحرّك يداه لتلمِس يدها ، تلتصق شفتيه بكفّها ، كان يفضفض عن الكثير من أسراره بقُبلة على يدِها ، سَرت في جسدها آلامه ، لتمتد يدها الأخرى ، تتوغّل في شعرِه النـاعم ، تُراقِب ياسمين المشهـد من بُعـد ، على كفّهـا البـاردة ، تشعر بقطرة حارة ، تسقط بخجل من عين ابنها ، الذي أطبق عينيه لتبتل رموشه ، أحبّك جداً يا فهـدي ، لكنني لا أعرفك ، أصبحت غريباً يا طِفلي .. تَرفع رأسه نحوها بقوّة ، عيناه العاجزتين تحترقان ، وجهه مليء بالكدمات ، تتحسس مكانها و تقول : وش صايرلَك ؟ يَعتدل في جلوسه ، يمسح دمعه بخجل ، و عَجل ، يُجيب بعدها : صارت معاي مشكلة ، تهجموا علي رجال ما أعرفهم ، و ما حبيت آجي المستشفى و أنا بهالحالة و أقلقك علي .. جواهر ، بعتب قاسي : و هذا سبب يخليك تبعد عن أمك و تتركها بروحها مع المرافقة ؟ ينحني مجدداً ، ليطبع قبلات متتالية و هو ينطق : سامحيني يمه ، سامحيني .. جواهر : قول لي وش مخبي عني ؟ وش صاير عليك ؟ فهد : اتفقنا يمه لا تحسنتِ أقول لك كل شي ، ليش طلعتي من المستشفى و ما رضيتِ بالعلاج ؟ جواهر بنصف ابتسامة على وجهها الحزين : أي علاج ؟ فَشَل كلوي يا يمه ، يعني خلاص .. تتسع عيناه ، ليقول برجاء : وش اللي خلاص يمه ؟ وش اللي خلاص ؟ أنا ما بقى لي في الدنيا غيرِك ! وش اللي خلاص ؟ جواهر ، بنفس ابتسامتها ، تتحسس وجهه : اللي أبيه ، إني أتطمن عليك قبل لا أموت .. أبي أشوفَك مع بنية تراعيك و تهتم فيك .. فهد : يمه لا تقولي هالكلام ، أنا مالي حياة بعدِك ! جواهر : وش رأيك بـ شهـد ؟ لا تقول ما تبيها ، أنا عارفة وش اللي بينَك و بينها .. تتشتت نظراته بارتباك : وش اللي بيني و بينها يعني ؟ جواهر ، تنظر إليه بطرف عينها : الحب العذري ، أعرف خاطرَك فيها .. فهـد ، و هو ينظر إلى ياسمين الواقفة عند الباب ، يقول : يمه مو وقت هالكلام ، باخذك المستشفى عشان تتعالجي ، و تتحسني ، و تشوفي زوجتي و أولاد أولادي بعد .. على بعد كيلومترات قليلة ، تصطف سيّارة يركبها كل من يحيى ، إبراهيم و عزيز ، في المقاعِد الأمامية ، يجلِس يحيى و إبراهيم ، في الخلف ، عزيز ، يَقول يحيى و هو ينظر إلى السيّارة الحديثة المصطفة إلى جانب الطريق : قلتلكم إنه هِنا . إبراهيم : منو قالك ؟ يحيى بابتسامة جانبية : العصافير .. عَزيز : لا يكون حطيت جاسـوس جديد ؟ يلتفت إليه : برافو والله شلون حزرت ، يلا خلونا ننزل نشوف شغلنا .. يُطرَق الباب ، لينتشِل فهد من دوّامة أسئلة كان سيقَع بها ، تقترب ياسمين ، تفتح الباب ، تنظر بعينين متعجبتين إلى ثلاث رجال يقفون أمام الباب ، يتقدّمهم يحيى الذي تعرفه جيداً من خلال صوره مع سُلطـان ، ينظر يحيى إليها أيضاً بتعجب ، كان يتساءل ، من تكون تِلك الفتاة ؟ يَفتح يَحيى محفظته ، لتظهر بطاقته الأمنية و يقول : يحيى الغانِم من التحقيق الجنائي .. فهـد موجود ؟ يأتي فهـد على صوتِهم الضخم ، يتقدّم بتوتر و هو يقول : يا هلا بالسيد يحيى ، تفضل .. يحيى و هو يتنقل بنظراته داخل البيت المُعدَم : معانا أمر بتفتيش البيت .. فهـد : وش السبب ؟ متجاهلاً سؤاله ، يُلقي أمره لعزيز بكلمة : عـزيز .. يتحرّك عزيز ليبدأ التفتيش ، بينما يبتعد يحيى عن فهد و هو لا زال يتنقل بنظراته في المنزل ، يقترب فهد من إبراهيم ، يتساءل بهمس : ممكن أعرف ليش التفتيش ؟ إبراهيم : بنستكمل التحقيق في قضية مقتل والدَك .. يتركه إبراهيم ، يتجه إلى يَحيى الذي يُدخّن سيجارته بمزاج عالٍ ، يقول في أذنه : وش بنفتش هنا بيت ما فيه شي وش بنلاقي فيه ؟ يرمقه بنظرة ، يُتابع فهد الذي تبِع عزيز ، ثم ينتقل إلى ياسمين ليسألها : منـو إنتِ ؟ معلوماتي فهـد ماله اخـوة ؟ تهزّ رأسها بتوتر واضح : صحيح أنا ماني أخته ، أنا المرافقة لوالدته لما يكون اهوة مشغول .. يرفع حاجبيه و هو يهز رأسه بإعجاب ساخر ، ليتقدم عزيز و من خلفه فهد ، بعد دقائق ، يمد عزيز له فلاشة لجهاز حاسوب ، قديمة نوعاً ما ، يقول : ما لقيت إلا هذي .. يأخذها يحيى ، وسط نظرات إبراهيم المتفحصة للفلاشة ، ينظر إلى فهد : هذي لَك ؟ يعقد حاجبيه ، يهز رأسه ببطء نافياً : لا ، ولا مرة كان عندي فلاش ميموري ، هذي أول مرة أشوفهـا .. يُغلِق أصابعه عليها ، يسأل : عزيز ، فتشت كويس ؟ يقترِب منه ليهمس : البيت كله غرفتين ، " يَرفع صوته " ، نعم سيدي فتشت البيت كله .. يمد يحيى الفلاشة لإبراهيم : إبراهيم تأخذ الفلاشة و تفتحها .. يلتفت إلى فهد : نعتذر عن الإزعاج ، فهد ، راجعنا بكرا فـ المركز ضروري .. يغلِق الباب بعد خروجِهم ، لتتقدم منه ياسمين ، تهمس : شلون تخليهم ياخذوا الفلاشة ؟ كان المفروض قلت إنها فلاشتك و ما تتركهم ياخذونها ! فهد ، يرفع حاجبه الأيسَر : ليه ؟؟ بعدين لو قلتلهم إنها لي كانوا بيتركوها يعني ؟ صَوت والدته المُتعَب يناديه من الداخل ، يدخل ليراها ، تقِف ياسمين حائرة تفكر ، ترفع جوالها لتكتب رسالة .. ،, تهز قدَمها بتوتر و قهر ، تنظر إلى عيناه المشعّتان و تقول : ليش أمزح في موضوع زي كذا ؟ عِصام : يمه شلون تخطبيلي بدون ما أعرف أو أكون موافق حتى ؟! أم عِصام : والله اللي أعرفه إن ولدي عصام ما يثنيلي كلمة ، علّمتك علي الست مريم ؟ يجلِس مجدداً أمامها : يمه وش اللي تعلمني عليكِ ! أنا رجال ماني بزر عشان أتعلم من فلان و علان ! بس يمه أنا من الأول قايل لك مابي أتزوج على مريم ! أم عِصام : والله ماني عارفة وش لاقي فيها ، ساحرتَك هالبنت ؟ و ليش ما تتزوج عليها ؟ عيب ولا حرام ؟ عِصام : يمه لا هو عيب ، ولا حرام ، بس أنا مابي ، مابي أتزوج مرة ثانية و خلاص ، وضعي ما يسمحلي ! تعقِد حاجبيها : وش فيه وضعك ؟ فلوسَك موجودة الحمدلله تقدر تصرف على أربع حريم مو بس على ثنتين ! يطلق تنهيدة طويلة ، يقول بعدها : ما قصدت الوضع المادي يمه ، بس إنتِ عارفة طبيعة شغلي ، و دوامي الطويل ، مريم بروحها و ماني ملحق أقوم بواجباتي عشانها ، شلون بقوم بواجبات ثنتين ؟ أمه ، بسخرية : والله ؟ واجباتك ؟ وش بتكون واجباتك ، والله ماني عارفة منـو الرجال ! يُطبِق عينيه ، و هو يضغط على أسنانه ليقول : حرمتي لها حقوق مثلي مثلها ، انتهينا من هالموضوع يمه ، ما راح أتزوج على مريم ! لا تجبريني آخذ بنت الناس و أظلمها ، تتحملي خطيتي و خطيتها و خطية مريم بعد ! أمه بدهشة : هذا الكلام لي أنـا يا عِصام ؟؟ يُرخي نظراته ، بعجـز ، يخرج من غرفتها دون كلام ، يخاف أن يتمادى أكثر فيُغضِبها .. صعد الدرج ببطء و هو يتنهد بألم على حالـه ، يتنفس بعمق عند باب جناحه ، لئلا يُشعِرها بشيء ، يفتح الباب بابتسامة مزيفة على وجهه ، لا زالت تُهلِك عيناها دمعاً ، تأفف و دخل إليها ، جلس على طرف السرير و قال : و بعدين يا مريم بهالحالة ؟ خلاص ، بالأول و بالآخر كانت بتعرف ، هذانا ارتحنا من هم كبير ، هالحين تقدري تروحي تتعالجي براحتِك .. تستمر في بكائِها ، يُطلِق العَنان لغضبه ليصرخ : خلاص عاد ! ضيعتوني ما بينكم إنتِ و أمي ! إنتِ كل همّك إني ما أتزوج عليكِ ، و أمي كل همها إنها تشوف أحفادها ، و أنا ما أحد فيكم حاسس فيني ما أحد يقول هالرجال وش يفكّر فيـه ، قاعـد بس أراضيكِ و أراضيهـا تعبتـوني خلاص عـاد ! تَرفع رأسها ، تَمسح وجهها بهدوء ، بصوتٍ مبحوح تقول : ماله داعي تفتعل معاي مشكلة عشان تبرر زواجك الثاني علي .. عِصام : أي زواج ثاني ؟ شفتيني تزوجت ؟ مَريم : لا ، بس مبارك الخطوبة ، أمّك شافت العَروس و قررت خلاص ، عِصام ، يُميل رأسه و هو ينظر إليها : بس هذا القرار قراري ، مو قرار أي أحد ثاني .. بنبرة مهتزّة : و قرارك راح يختلِف عن قرار أمّك ؟ عِصام : واضِح إنّك سمعتِ اللي تبيه و بس ، عشان كِذا أنا ما راح أتعب نفسي و أبررلك ، يتجّه ليخرج من الغرفة ، يلتفت قبل خروجه : أكثر شي مضايقني ، إنك بعد كل هالسنوات طلعتِ ما تعرفي من هو عِصام .. ،, روما ، المساء الممل ، تتحرك بغرفتها الكَبيرة بملل ، لا شيء يربطها بالحياة سِوى العمل الذي أجبرها عليه والدها ، لربما كان الشيء الوحيد الذي يشعرها بوجوديتها رُغم عدم رغبتها به ، دوماً ما أشعر أنني لَست أنا ، أشعر أنني في مسلسل تلفزيوني ، أتقمص شخصية تِلك البطلة التي سُميّت حسناء ، سأعود يوماً ما ديانا ، لكنني لا أعلم متى سينتهي ذلك المسلسل ! لقد تورطت حقاً ، أريد بشدة أن أعـود ديـانا ، لكنني حقاً لا أذكرنـي ، لا أعرفني سِوى حَسنـاء ، دُفِن الكثير مني قبل عَشر سَنـوات ، لَم يتبقى مني سِوى جسدي الذي يتحرك كروبوت ينفذ الأوامر فحَسب ، في غرفة الملابِس ، سقطت نظراتها على الوشاح الأحمر الذي قدّمه لها فهد ، ابتسامة خاطفة تظهر على وجهها و هي تذكر تِلك الساعات القليلة التي قضتها معه ، كَم شعرت بالانتماء و هي تُجالِسه ، رُغم أنهما كانا كثيرا الاختلاف ، تهمس بينها و بين ذاتها : والله كنت مُسلي يا فهـد .. تلتفت إلى باب غرفتها الذي فُتِح ، تتأفف في داخلها و هي تشعر أن مهمة جديدة قادمة إليها ، لتكرّس حَسناء ، و تُلقي التراب فوق ديانا فتختنق أكثـر ، يقترِب والدها بابتسامة ، تضع الوِشاح جانباً و تتقدم منه ، تنظر إليه كأنها تقول أعرِف أن تِلك الابتسامة لم تكن لتظهر لولا أنّك تريـد أن تطلب مني طلباً تعرف مسبقاً أنني قد لا أوافق عليه ، يقول : مَساء الورد يا وردة بيتي .. تتكتف بابتسامة ، تقول : نعم ؟ يرفع حاجبه و يقول بمزاح : كِذا يردون التحية ؟ تأخذ نفساً عميقاً : قول لي وش بعد هالتحية اختصر المقدّمات .. عمر : يعني قصدِك إني مصلحجي ؟ أحياناً أحس إني ما ربيتك ربع ساعة ! تضحك : ههههههههههههه ، إنتَ اللي عوّدتني إن علاقتنا ماهي علاقة أب ، و بنته ، علاقتنا " بزنس " و بس .. يجلِس على الأريكة المنفردة إلى جانب النافذة : هالمرة غلطانة ، جاي أكلمك ، أب ، لبنته .. تَرفع حاجبيها ، تجلِس على طرف سريرها أمامه : الله الله ، خير إن شاء الله ؟ عمر : عارفة إن شركتي في الرياض داخلة مناقصة قوية ، و لازم أكون موجود .. حَسناء : على أساس بو جابِر ماسك كل أمور هالشركة ، ليش تبي تكون موجود ؟ عمر : هذي مناقصة مهمة جداً ، و إن ربحناها هالشي بينعكس إيجاباً على شغلنا .. لازم أكون موجود و أتابع كل شي بنفسي .. حسناء : و إذا ربحنا هالمناقصة ، بتترك شغلك بالمنشطات و غَسيل الأموال ؟ يعبُس وجهه ، حسناء بضحكة ساخِرة : مالك غِنى عن هالأمور .. يبه بقول شي ، وضعنا المادي الحمدلله صار فوق الريح ، و صار عندك شركات و أموال ، ليش للحين مصر تظل ماشي في الغلط ، متى بتصير قانوني ؟ عمر : هههههههههههههههه ، قانوني ؟؟ تدري لو مشيت عالقانون اللي قاعدة تتكلمي عنه ، كان قاعدين نعزف أنا وياكِ بشوارع ايطاليا و نتسول بالعزف .. حَسناء : يعني الحين كل اللي معاهم فلوس حصلوا فلوسهم بالحرام ؟؟؟ عمر بغضب : لا تقولي حرام ، أنا اجتهدت ، بعدين فيه ناس حظها انها انولدت في عائلة غنية ، أنا ما انولدت كذا بس قدرت أكون نفسي من لا شيء .. حَسناء : دام إنّك شايف إن اللي قاعِد تسويه ماهو حرام ، و اسمه اجتهاد مثل ما قلت ، أجل ليش كل هالتحفظ على شغلك ، و ليش دايماً تخاف إن الشرطة يعرفوا شي عن اللي تسويه و تتاجر فيه ؟ عمر : هذا ما هو الموضوع اللي جاي أتكلم فيه معاكِ ، هالفلوس اللي مو عاجبك مصدرها اهية اللي سوت منك بني آدمة و درّستك في أحسن جامعات إيطاليا ، لا تتكبري عالنعمة .. تصمت ، لم يبدو عليها الاقتناع بكلامه ، يُردِف : أبيكِ تسافري معاي للرياض .. أبيكِ تتعرفي على بلدك .. حَسناء : وش بسوي هناك ؟ ما أعرف أحد ! عمر : مو ضروري تعرفي أحد ، بس مو معقولة تكوني من أب سعودي و ما عمرك شفتِ بلدك ولا زرتيها ! حَسناء بملل : و جامعتي ؟؟ عمر : ما راح نغيب كثير ، أسبوع -10 أيام كحد أقصى .. حسناء : يبه ، إنتَ أكيد ما تبيني أروح معاك بس عشان تعرفني ع بلدي ، قـول وش هـدفك من سفـري معاك ! ينهض عمر ، يقول بغضب : تدري ؟ إنتِ اللي ما تبي نكون أب و بنته ، كل ما أحاول أقرب منك كأب تبعديني ، و تطلعيني دائماً الرجل اللي يحاول يستغلك لمصلحته ، حتى و أنا قاعد أقولك إني أبيكِ تسافري معاي حولتي الموضوع لشغل و مصالح ، عكل حال تجهزي للسفر .. و مابي أسمع كلام بهالموضوع .. يستوقفه صوتها عند الباب : و ريـم ؟ عمر : وش فيها ريم ؟ حَسناء : بتتركها و اهية حامل من دون مصروف ولا شي ؟؟ عمر : لا تخافي عليها ، فعلت حسابها فـ البنك ، خلها تولي اهية و ولدها .. حسناء بتعجب : قاعِد تتكلم كأنه مو ولدك ! عمر : لا حول ولا قوة إلا بالله ، تصبحي على خير .. يخرج ، يغلق الباب خلفه بقوّة ، تَعود حسناء إلى غرفة الملابِس ، تأخذ وشاحها ، تتحرك ببطء نحو سريرها ، تستلقي فوقه و وشاحها يغطيها ، هل سألتقي بك مجدداً يا فهد ؟ و لِم لا ؟ لعلّك ترد الجميل و تأخذني إلى جولة في شوارع الرياض التي لم يسبِق لي أن رأيتها إلا في الانترنت ، فقد فَعلت الكثير تِلك الليلة حتى ترد الجميل .. ،, يتقدمان بخطوات مدروسة ، يبدو على ضحيتهم التعب و الإرهاق ، يتثاءب بكثرة و هو يتقدّم ببطء نحو منزله ، يتقدمان كليهما ببطء حتى يصبِحا خلفه تماماً ، يرفع أحدهما العصاة الخشبية السميكة ، ليضربه بقوة على مؤخرة رأسه ، الضربة التي تُسقِطه أرضاً ، فوراً و خلال ثانية فقط ، يبدو أنه انتقل إلى عالم آخر ، فقد القدرة على البقاء ضمن واقعه ، تشوشت الرؤية في عينيه تدريجياً و هو يشعر بشابين متلثمين يفتشانه ، حتى فقد الوعي تماماً .. يأخذان ما يريدان ، يتبادلان نظرات النصر المُبتسمة ، يجران ضحيتهما إلى جانب الطريق ، يتلفتان حولهما بمراقبة للطريق ، ينطلقان نحو سيارتهما ليختفوا في غضون ثوانٍ قليلة من المكان .. في غُرفة التحقيق ، يدخل يحيى برفقة عَزيز ، يفاجئهم وجود عِصام في ذلك الوقت المتأخر ، يبدو عليه أنه معكر المزاج ، يتساءل يحيى : وش مرجعك ؟!! يتنهّد عِصام ، يتجاهل سؤاله ليرد بسؤال آخر : فتشتوا بيت فهد ؟ يحيى ، يجلِس خلف مكتبه : فتشناه ، ولاقينا فلاش ميموري واضح إنها قديمة .. راح يجي الحين إبراهيم و يفتحها .. عِصام : و ليش ما جا معاكم ؟ يحيى : قال بيروح البيت أول و بعدين بيلحقنا .. يهز رأسه بصمت ، ينهض عزيز ، يستأذن يحيى ليعود لمنزله ، يخرُج ، يتقدّم يحيى من طاولة عصام ، بصوت خافت يقول : عِصام ، وش فيك ؟ دون أن ينظر إليه ، يطرق بالقلم فوق الطاولة : ما في شي .. يجلِس أمامه : شلون ما في شي ؟ ليش رجعت ؟؟ يتنهّد ، يلتزِم الصمت ، يَحيى : قول عِصام ، وش مضايقك أنا مثل أخوك ! يرفع نظراته إليه ، بعد تردد يقول : أمي تبي تخطبلي .. يَحيى ، و هو يعرِف تماماً ما ينتظره عِصام منذ بداية زواجه ، يتساءل : و انت وش رأيك ؟ عِصام ، يُميل رأسه : أنا ماني موافق أتزوج ، بس أمي مصرة على رأيها .. يحيى : بس هذا القرار قرارك يا عِصام .. ينهض مهموماً ، يقِف أمام النافذة : عارِف إنه قراري ، بس خايف أمي تزعل مني ، ماني عارف شلون أرضيها من دون ما أتزوج .. يقف يحيى خلفه ، يربِت على كتفه : إنتَ أدرى يا عِصام ، بس حرام تتزوج بنت ثانية بس عشان ترضي أمك ، و تظلمها بعدين معاك .. يتركه ، يعود لمكتبه لعدم رغبته في التدخل أكثر ، يعود عِصام للشرود ، و لم يزدد إلا حيرة .. ،, ،, في لُجّة الظلام ، يجلِس سلطان خلف طاولته ، أمام شاشَة حاسوبه التي تمنحه ضوءً وحيداً في غرفته ، يبتسِم بسخرية و هو يسترخي على كُرسيه الدوّار ، و هو يُقلب تِلك الفلاش ميموري بين أصابعه ، و في يدِه الأخرى ، يحمِل سماعته على أذنه ، بلهجة إطراء شديد : والله وجودِك معاهم فادنا يا ياسمين .. من عندها ، تبتسم و تقول بهمس : طبعاً ، إنتَ ما تعرف قيمتي و على طول ظالمني .. يَضحك : ههههههههههه ، خلاص ولا يهمّك ، من هِنا و رايح راح أصير أعرِف قيمتِك .. وينكم الحين ؟؟ ياسمين : فهـد أقنع أمه ترد المستشفى عشان تتعالج ، و الحين في المستشفى .. تتغيّر لهجتها و هي تنهض من مكانها ، حين تسمع فتح باب الغرفة ، تتحدث بارتباك : طيب حبيبتي أكلمِك بعدين .. مع السلامة .. تُغلِق الخط ، تلتفت إلى فهـد ، تبتسم بتوتر : هـا وش قال الدكتور كل شي تمام إن شاء الله ؟ ابتسامة جانبيّة تظهر على وجه فهد ، يقترِب منها و يقول : لا تسوّي نفسِك ذكيّة ، ترى عارِف إنّك كنتِ تكلمي سُلطـان ، مو علي هالحركات ! ياسمين بارتباك : و ليش أكلمه يعني ؟ بذات ابتسامته ، يتفحّصهـا بنظراته حتى يزداد ارتباكها ، يتساءل بعد عدّة ثواني : عندي سؤال محيرني .. ياسمين : وش هو ؟ فهـد : وش سِر تعاونك مع سُلطان ضدي ؟ مع إني وِلـد زوجِك ، المفروض توقفي معاي .. تكتّفت ياسمين ، ابتسامة جانبية تُشابه تِلك التي على وجهه ، تظهر على شفتيها : و متى شفتني واقفة ضِدّك ؟ فهد : كل اللي صار المرة الماضية ، و مجرّد إنك تسمحيله إنه يستخدمِك كوسيلة عشان يضغط علي فيها ، ما تعتبريه إنّك واقفة معاه ضدنا ؟ تَرفع يدها لتحك فوقَ حاجِبها بتوتر ، ثم تجيب : لأنـه سلـطان ما تركني من يوم وفـاة أبـوك ، و لـولاه كان ضـاع حقي معاكـم .. فهـد : آهـا ، عن أي حـق قـاعدة تتكلمي ؟ ابتلعت ريقَهـا خوفـاً من المفاجأة الجديدة التي ستُفجّرها ، لتقول بصوت مرتجف : أبـوك كان راح ينكرني لولا وجـود سلطـان .. عَقـد حاجبيه : بينكرِك ؟ شلـون يعني ؟ ترتخي نظراتها إلى الأسفل : مقـدر أقـولك ، هذا شي يخصني و يخص مشعل .. أخـذ نفساً عميقاً ، بنبرة غاضبة : مشعـل يكـون أبـوي اللي انقتل ، قـولي وش بعـد مخبيين عنـي ؟ ترفَع نظراتَها الحادّة إليـه ، بنبرة واثِقة ثابتة : أنـا حـامل يا فهـد .. تَظهر ملامح الصدمة على وجهه ، بعدم تصديق : نـعـم ؟؟ تَعود للجلوس على الكُرسي ، بلهجة المغلوب على أمرِها ، تبدأ برواية قصّتها : عِندي أبـو ظالِم ، أمي توفّت و أنا طِفلة ، و أبـوي تزوّج ، و تَركني لجدتي تربيني ، ما كِنت أشـوفه إلا فـ المناسبات و بعد ما جدتي تترجـاه يزورني ، زوجـته ما كـانت تحبني ولا كـانت تخليني أدخـل بيتهم ، ماتت جدتي لما كـان عمري 16 سنـة ، و اضطريت أعيش بعدها مع أبـوي اللي ما كِنت أعرف عنه شي ، يقترب فهـد بإنهاك ، و قلّة حيلة ، يجلِس على الكرسي المجاور لهـا ، يستمع إليها بإنصات ، فتردف : خلال 6 شهور اكتشفت إن أبـوي يِلعب قمـار ، و معتمد على فلـوس القمـار فـ كل حياته ، زوجـة أبـوي ما كـانت تعترض لأنه كـان يكسَب و يدخّل فلـوس ، ما همها هالفلوس حلال أو حـرام .. و استمرينا بهالحـال إلين صـار عمري 28 سنـة ، عِشتهم مع أبوي و زوجته مادري شـلون تحملتهم و تحملت قسوتهم .. فهـد ، بعد أن أطلق تنهيدة طويلة : كـافي تراجيـديـا ، قـولي اللي يهمني أسمعـه .. تظهر ابتسامة ساخِرة : لا تستعجل ، بتعرف كل شي .. لمـا صِرت 28 سنة ، و أبـوي طبعاً مستمر فـ لعب القمـار ، بدا يِخسَر ، و كل ما يخسر كان يطمَع ، و يتحدى نفسه إنه يبي يعوّض خسـاراته ، بس كل مرة كان يخسر أكثـر ، استمر على هالحـال إلين خسر كل فلوسه ، حتى البيت اللي كـان قاعـد فيه خِسره ، زوجـة أبوي ما اتحملت ، خذت أولادها و ردّت لبيت أهلـها ، و ظليت أنـا ، مالي مكان أروحله ، و اللي بيصير على أبوي بيصير علي .. آخر شي كـان يملكـه أبـوي ، اهوة أنـا ، جِسمي .. و كِنت أنـا اللي بدفع ثَمـن خسارته هالمرة .. تزاحَمت الدموع في عينيه ، ينظر إليها و هو يجاهِد نفسه ألا تسقط إحدى دموعه أمامها ، تساءل بنبرة مهتزة : و مـنو اللي ربـح ؟ ياسَميـن : الرابح كان ، مشعـل شهـران .. و هالشي كـان قبل وفـاته بشهـرين تقريباً .. غطّى وجهه بيديه بعجز عن أن يمنع دموعه ، أردفت : أبوك اللي عاش آخر سنوات حياته مع حرمة مريضة مو قادرة تكون زوجة تقوم بكل حقوقه ، أعجبته الصبية اللي كانت تستلم لخسـارات أبـوها كل ليـلة ، و بعـد شهـر تقريباً ، حسّيت بأعراض الحمـل .. رفع يديه عن وجهه الأحمر كالدم ، بعد تفكير : و سلطـان شلـون ساعدك ؟ ياسمين : كـان الوحيد اللي يدافع عني كل ما دخل علي أبوك الغرفة ، طبعاً سلطان كان من أهم لاعبي القمـار ، بس كـان خايف علي ، و لمـا حسيت بالحمل ، حاولت أوصل له ، اتصلت فيـه و قلتله ، و اهوة اللي ضغط على أبوك علشـان يتزوجني و يعترف بالولـد ، و لولا سُلطـان ، كان الحين أنا و ولدي مدري وش بيصير فيـنا .. فهد بهدوء : أبـوي كان يلعب قمـار ؟ و كـان زانـي ؟ هذا اللي مـات عليه أبـوي ؟ اللي قاعدة تنتظريه هالحين ، ولـد حرام ؟؟ وَضع رأسه بين يديه : شلـون أساعدك يبـه ؟ شلـون أكفّرلك عن كل هالذنوب ؟؟ ياسمين : بعد ما تزوجنا ، أبـوك حس بغلطه و تحسنت معاملته معاي ، الله يرحمه ، قريباً راح أدخل بالشهر الثـالث ، كـنت قـادرة أجهضه ، بس هالولد ماله ذنب .. ظهرت ابتسامة ساخِرة على وجهه ، نهض من مكانه و قال : أنا برد البيت و بكرا باجي أشوف أمي ، الكلام هذا إياك أمي تدرى فيه ، خليك معاها و أي شي اتصلي فيني .. تركها و التفت خارجاً و هو يشعر أنه ترك دماغه عندها ، لـم يُجهض ذلك الجَنين ، فإنه ليس لـه ذنب بما اقترفت يدا والده ، و هـل كـنت أنـا المذنب يا أبي لأعاقب بتِلك القَسوة ؟ ،, اقتربت السّـاعة من الثالثة فَجـراً ، اقتربت أم إبراهيم برداء الصّلاة ، بملامح قلق و ذعر ، نحـو باب غرفـة ابنتِها عَروب ، تطرقه بهدوء عدّة مرّات ، في الداخل ، تفتَح عروب عينيها ببطء و هي تعتقِد أن طرْق الباب توهماً ، حتى تكرر أكثـر ، رفعت رأسهـا عن الوسـادة لتعتدل في جلوسـها ، بخوف رَفعـت شعرها عن وجهها ، تقدّمت نحو الباب و فتحته ، بخوفٍ قالت : يمـه ، وش فيكِ ؟؟ أم إبراهيم : أخوكِ للحين ما رد البيت ، خايفة يكون صارله شي ! تنفّسـت بعمق : يمـه خرعتيني والله ، يكـون انشغل بشي يمـه إنتِ عارفة طبيعة شغله ! هزّت رأسهـا بنفي ، بنبرة خائفة : أخـوك ولا عمـره تأخر لبعـد الساعة 12 ، مستحيل يتأخر علينا و احنا حـريم بروحنا لو مو صاير معاه شي ! عالأقل كان اتصل و قال إنه بيتأخر ! أخذت بيدها و سَارت معها نحو السرير ، عَروب : طيب يمه قعدي شوي ، وش نقدر نسوي مالنا غير ننتظر .. تجلِس والدتها : وش ننتظر !! اتصلي بجيهـان خليها تكلّم أختها ، زوجها يشتغل معاه أكيد يعرف وينه ! عَروب بتردد : يمه مادري بس مو شايفة إنها مو مناسبة أتصل بهالوقت فيها ؟ جربتِ تدقي على إبراهيم ؟ الخوف يزداد وضوحاً في نبرتها : دقييت جواله مقفول ، دقي على جيهان ما فيني صبر دقي عليهاا عروب و هي تفتح جوالها : طيب يمه اهدي راح أدق عليها .. تبحث بسرعة عن اسم جيهان ، بإبهامها المرتجف تضغط على زِر الاتصال ، تبادل والدتها بنظرات الخوف و الاستفهام ، بعد ثوانٍ ، ردّت جيهان بصوت ملؤه النعاس ، تقول باستغراب : عَروب ، وش فيك ؟؟! عَروب : آسفة إني دقيت بهالوقت .. تفرك جيهان عينيها و تقول بخوف : لا ما في مشكلة قولي وش صاير ؟؟ عَروب : إبراهيم للحين ما رد البيت دقينا عليه جوّاله مقفول ، و أمي قلقانة مو عارفة تنام ، لو تدقي على أختِك مريم تسأل زوجها ، أكيد يعرف شي ! جيهـان بخوف تحاول أن تخفيه : طيب الحين أكلمها ، قولي لعمتي لا تشغل بالها إن شاء الله ما في شي .. أغلقت السمّاعة فوراً ، نهضت من مكانها لتعتدل في جلستِها ، أشعلت اللمبادير لينتشر ضوء برتقالي خافِت في الغرفة ، وضعت السماعة على أذنها بعد أن طلبت رقَم أختها ، تَسمع صوت الرنين و هي تهز قدمها بتوتر ، في الجِهة الأخرى ، تتقلّب مريم بتعب فوق سريرها ، غير مبالية بصوت رنين هاتفها ، أفكـار سيئة تراودها تظهر في أحلامِها ، حتى يستيقظ عِصام على صوت الجوّال ، يختطف نظرة ليجِد اسم جيهـان ، يهزّ كتف مريم بقوة : مريـم قومي .. تفتح عينيها بتعب : عِصـام ، وش فيك ؟ ينظر إلى هاتِفها مجدداً ، حيث انقطع الاتصال و هَدأت نغمته : قومي قومي دقي على أختِك ، كانت تدق عليكِ أكيـد صايـر شي ! تلتفت إلى الكومدينا إلى يسارِها ، تلتقط جوّالها : فِعلاً داقة علي ، خير إن شاء الله .. تُعاوِد الاتصال بها ، قَبل أن تكتمل الرنّة الأولى ، ترد جيهـان : مريم .. تعتدل في جلستِها : جيهـان وش فيكِ ؟ ليش داقة علي هالحزة ؟؟ ابتلعت ريقها لتتحدث بسرعة : دقّت علي عَروب و قالتلي إن إبراهيم للحين ما رد البيت ، و قلقانين عليه ، دقيت عليكِ عشان تسألي عِصام يمكن يعرِف شي .. مَريم : طيب طيب ، تلتفت إلى عِصام لتسأله : عصام هذي جيهان تقول إن إبراهيم للحين ما رد البيت و ما شافوه اليوم ، تعرف وينه ؟ يعقِد حاجبيه و يَقول بصوت كان مسموعاً لدى جيهـان : كـان مع يحيى و عزيز ، و لما ردوا المركز قالوا إنه بيمر البيت وش صاير عليه !! مَريم : جيهان عِصام يقول .. تُقاطعها بخوف : سمعت ! وين راح يا ربي ! وش بنسوي الحين ؟ عِصـام : قولي لها إني قلت إنه في عنده شغل اليوم ، لا تقلقوا أنا رايح المركز أشوف السالفة .. مَريم : جيهان لا تشغلي بالهم الحين ، عِصام رايح المركز و بيكلمني ، قوليلهم عنده شغل .. جيهـان : طيّب ، راح أجرّب أدق على إبراهيم يمكن يرد .. مَريم : اوكيه حبيبتي و أنا بردلك خبر أول ما يكلمني عِصـام .. خَمس دقائق ، في غُرفة عَروب ، أغلقت الخط بابتسامة عريضة ، توجهت لوالدتها لتقول : مو قلتلك يمه ، عنده شغل ، الحين زوج أخت جيهان قال إنه مكلفه بشغل عشان كِذا تأخر .. لا زال القَلق يبدو على ملامحها : طيّب ليش جوّاله مقفول ؟ ماني مرتاحة ! عَروب : يمه أكيد فضي شَحن عشان كِذا مقفول ، قومي الحين نامي و إن شاء الله بكرا تقعدي من النوم تلاقيه موجود .. تتنهّد والدتها ، تخرج من الغرفة مُرغَمة و هي تشعر أن مكروهاً قد أصاب ابنها .. في الجِهة الأخرى ، عَـاودت الاتصال عدّة مرات ، عاد لينبِض قلبها و هي تَسمع رنة هاتفه ، تحمِد الله في سرّها ، لكن القَلق راوَدها مجدداً حين انتهى الاتصال دون أن يرد عليـها ، لتقول في ذاتِها ، و لِم كل ذلك القلق يا جيهـان على ذاك الذي لم يُفوت فرصة ليُحطّمك ، منذ تلك اللحظة التي وقّع فيها على عهـد الألـم الذي سيقذفكِ به حتى النهاية .. انتفضت يدها مع صوت نغمة الجوّال حين وصلتها رسالة مُرعبة من رَقم إبراهيم ، نصّـها : " خـلاص كـافي تدقـوا على هالرّقـم صاحِب الجوّال قدّام بيتـه و ما في خَطر عليه بس روحوا أسعفوه لأننا ضربناه على دمـاغه " تَشهق بخوف و عَدم فهـم ، تتصل بمريم مُسرِعة ، يأتيها الرد فتقول بخوف : مريم وصلتني رسالة من جوّال إبراهيم ! يصِل عِصـام إلى باب الغُرفـة ، يقِف في مكانه مترقباً ، تقترب منه مريم و تقول : جيهـان تقول إنه واصلها رسـالة من جوّال إبراهيـم ! يَسحب مِنها الجوّال و يقول بعجلة : السّلام عليكم ، وش الرسالة اللي وصلتك ؟ جيهـان بصوتها المذعور : يقولون إنه ضربوه على دمـاغه و لازم نسعفه ! عِصـام : اقرأي لي الرسـالة مثـل ما هي .. قرأت عليه نص الرّسـالة ، اتسعت عيناه بدهشة ، بسرعة قال : طيّب خلاص أنا رايح أشوف الموضوع .. ألقى السّمـاعة إلى مريم ، التي تبعته متسائلة : عِصـام وش صـاير ؟؟ دون أن يلتفِت ، وضع مسدّسه في الجهة الخلفية من بنطاله و هو يقول : ما في شي لا تقلقي ، راح أكلمك أول ما يصير شي .. خَرج من عندها بسرعة متجّهـاً نحو سيارته ، ركِب خلف المقود ، وضـع السمـاعة على وضعية السبيكر ، و هو يتصل بـيحيى ، الذي رد بعد عدّة رنـات بصوت ناعِس ، ليتساءل عِصام : يحيى إبراهيم رد المكتب بعد ما أنا رحت ؟ يعقد حاجبيه : لا انتظرته و ما رد ، و كلّمته ما رد قِلت يمكن تعب و ظل في البيت .. صوت أنفاسه المتسارعة كانت الرد ، يتساءل يحيى بريبة : عِصام وش صاير ليش قاعِد تسأل ؟ عِصام : كلّمتنا قبل شوي خطيبته ، و قَالت إنه ما رد البيت .. نهض يحيى من فرشته : شلون ما رد البيت ! أنا وصّلته قدّام بيته شلون يعني ما رد !!! عِصـام : و لما حاولت تدق عليه أكثر من مرة وصلتها رسالة إنهم ضربوه على دماغه ,, يحيى : عِصـام وش قاعِد تقول ماني فاهِم شي ! عِصام : أنا بروح الحين لبيت إبراهيم اتصل بعزيز و حصلوني .. هزّ رأسه بسرعة موافقاً ، أغلق السماعة بتشتت و هو يتجه لدولابه ، يُخرِج قميصه الأسود و بنطاله ، يَخلع بيجامته و يرتدي ثيابه بسرعة ، يأخذ سلاحه و ينزل مسرعاً ، يتصل عدة مرات بعـزيز دون أن يجِد منه رداً ، تأفف و هو يفتح باب سيارته منزعجاً من عدم رد عزيز ، ركِب و سار نحو بيتِ إبراهيم .. ،, فَتحت عينيها على اهتزاز جوّالها الموضوع إلى جانب وسادتِها ، للمرة الأولى يرن هاتفها في هذا الوقت ، تعجبّت بخوف و هي ترى اسمـه ، بدأت تنظر حَولـها بارتباك ، نَهضـت لترتدي خفّـها في قدمـها و تخرج ، تتجه على رؤوس أصابِعها نحو المطبخ ، ترد بصوت هامس : آلـو .. يبتسِم و هو يسمَع صوتها بعد أن اعتقد أنها لن ترد ، يصمت ، فتقول : فهـد ، انتَ بخير ؟ فهـد : مانـي بخير ، تعبـان يا شهـد .. ابتلعت ريقَـها ، بخوف تساءلت : وش فيك ؟ قول وش صاير معاك ؟ فهد : أبوي تركلي هموم الدنيا كلها و راح .. ماني قـادر على هالدنيا يا شهد ، ماني قـادر ! شهـد بذات الهمس : ليش قاعِد تقول كِذا ؟ ربنـا أكرمك و صـار عندَك فلوس تقدر تعالج أمّك و تشتغل و تحسّن حياتَك ، ليش كل هاليأس ؟ ظهرت ابتسامة سخرية على وجهه ، ثم قال : شهـد ، ممكن ما نتكلّم في هالشي ؟ أنا داقق عليكِ عشان أنسى همي شوي .. اتسعت عيناها ، و بنبرة تجلى فيها الخجل : عن شنـو بنتكلم يعني ؟ فهـد : عنّـا .. عَقدت حاجبيها لترد بارتباك : عنـا ؟ فهد بضحكة : ههههه ايه عنا ، ليه مستغربة ؟ شهـد : لاا ، ماني مستغربة ، بس ما فهمت ، شلون تقصِد ؟ أخـذ نفسـاً عميقاً ، ليقول بعد تردد : يعني عن عيونِك ، جَمـالِك ، عن قَلبي وش يصير فيه لا شافِك ! ازدادت سرعة أنفاسها و هي تقول باضطراب : فهد ، إنت وش تبي مني ؟ فهـد : مادري ، بس أكيـد أمي عارفة ، لأنها تعرفني أكثر مني .. تنحنحت ، ثم قالت : وش تقصِد ؟ فهـد : اليوم كلّمتني ، قالت إنها عارفة عن اللي بيني و بينِك .. شهد : وش اللي بيني و بينك !! فهـد : النظرات ما تكذب يا شهـدي ، أنـا أبيـكِ .. مـا تَبيني ؟ ابتلعت ريقَها ، و ردّت بنبرة مرتجفة : هالحين مو وَقت هالكَلام ! فهد ، بابتسامة جانبية : ليش ترجفي ؟؟ بردانة ؟ أنزلت السمّاعة بسرعة عن أذنها ، أغلقت الخط دون أن تودّعـه ، رَفعت يدها إلى قَلبِها الذي كادَ يخرج من مكانِه ، إنّك غَريب جدًا ، لا أشعر بالراحة أحياناً تجاهَك ، لم تعد فهد الذي عشِقت يوماً ، تعرف بذاتك أنّك تغيرت ، إلا أنني غير قادِرة على السيطرة على نبضات قلبي في كل مرة يُذكَر فيها اسمك أمامي ، انتفضت و هي تسمع صوت خطوات قادمة ، أخفت جوّالها في جيب بنطال البيجامة ، أخذت كأساً لتملأه بالماء ، صَوت طارِق يتساءل بهدوء : شهـد ؟ وش تسوي ؟؟ التفتت و هي تمسك بكأس الماء : ما في شي ، قمت أشرَب مويا .. نظر إليها بريبة ، هزّ رأسه بهدوء و عدم تصديق ، تحرّك متجهاً نحو الحمام ، تنفست شهد الصعداء ، عادت بسرعة إلى غرفتها ، اندسّت تحت لحافها ، و قـَد غادر النّـوم عينيها و لم يعد مجدداً في تِلك الليلة . ،, عدّة سـاعـات مَضت ، السّابعة و النصف صباحاً ، المُستشفى قِسم الطوارئ ، يجلِسان إلى جانِبه ، يفرك يحيى كفيه بتوتر و غَضَب ، أفكار عديدة تتلاحم في ذِهنه ، و أسئلة لا نهاية لهـا تدور في عقله ، شَبَك أصابِعه ببعضِها ، يثبت عيناه نحو إبراهيم النائم أمامهم ، رأسـه ملفـوف بقطعة شاش بيضاء ، يجلِس عِصام إلى جانِبه و يهمس له : رأيـك منـو اللي ساوى كِذا ؟ عاقِداً حاجبيه بحقد ، أخذ نفساً ثم أخرجه و أجاب : مادري ، مالنا غير ننتظر إبراهيم إلين يصحى ، و إن شاء الله ما يكون اللي فـ بالي صحيح .. عِصـام : وش اللي فـ بالك ؟ تقدّم إليهما عَزيز متعجّلاً ، وَقف أمامهم و قال و هو ينظر إلى إبراهيم : شلـون صـار كِذا ؟ وش قال الطبيب ؟؟ رفَع يحيى نظراته الجامِدة إليه ، رمقه بنظرة حادّة ، و عاد للتحديق في إبراهيم ، نَهض عصام ليقف بمحاذاة عَزيز : إنتَ وين كنت للحين ؟؟ عَزيز : لما دق علي يحيى كِنت نـايم .. عِصـام : دق عليك ألف مرة معقول ما سمعت رنة الجوال ؟؟ عَزيز و هو يُرخي أنظاره : كِنت حاطط الجوّال عالصّامت .. يحيى بصوت جهوري حاد : أجـل التحقيق ماهو شغلك ، لو تبي تحط جوّالك عالصّامت و تنام ، لازم تشوفلك شغل ثاني غير الأمن الجنائي .. ابتعدت شفتيه عن بعضِهما لينطق بتبرير ، استبقه يحيى و هو ينهض و يتحدّث بذات لهجته الحادّة : يوم تعيّنت معانا بشكل رسمي ، كنت بشرحلك طبيعة شغلنا ، ما تركتني أكمّل كلامي و قعدت تقول عارِف تراني مو جاي من كلية الرياضة ، و الحين يوم نحتاجك نلاقيك نايم في بيتَك و جوّالك عالصّامت بعد ! عِصـام بخفوت : يحيى خلاص ماهو وقت هالكلام .. يحيى : هذي آخرة اللي يتوظفون بالواسطة ! ارتفـع حاجِب عزيز الأيسـَر معبّرًا عن احتجاجه ، إلا أن عِصـام أشـار لـه بنظراته ليختصِر الحَديث ، تنحنح عِصـام و قـال : يا شباب والدة إبراهيم و خـواته صـار عندهـم خبر ، أنا قلتلهم ماله داعي يجون المستشفى ، بس إذا شفتوهم جايين اتركوهم بروحهم مع ولدهم .. التزموا الصّمت في آن معاً ، تبادل النظرات غَير المفهومة كانت تَسـود المـوقِف ، حتى خَرج صوت باهِت من حنجرة إبراهيم المتعبة ، التفتوا إليه في آن معاً ، اقتَرب عِصـام : إبراهيم ، الحمدلله عَ سلامتَك .. عقد حاجبيه و هو يرى المكان من حولِه ، تساءل : وش صار ! يحيى ، يجلِس أمامه : المفروض احنا اللي نسأل مو إنت .. رمَقه عِصام بنظرة و هو يقول بحدة : يَحيى !! تنحنح ، ابتسم رغماً عنه و قال : الحمدلله ع سلامتَك ... اقترَب عزيز و قال بابتسامة : الحمدلله ع سلامتك يا إبراهيم .. " التفت إلى عِصـام " : عِصـام أنا بروح المركز لازم يكون فيه واحد منا هنـاك .. هزّ رأسـه بالموافقة ، تركهم و خرج دون أن ينظر إلى يحيى ، الذي لم يعجبه تصرف عزيز إذ أخذ الإذن من عِصـام بدلا منه ، رفَع إبراهيم رأسـه ، ليضع يده و يضغط بها فوق جرحه الملفوف بالشاش ، يتساءل باستغراب : يا جماعة وش اللي صار أنا وش أسوي هِنا ؟ عِصـام : فيـه جماعة تعرضولك و ضربـوك فـ راسك من ورا ، و تركوك فـ الطريق إلين جيت أنا و يحيى و أسعفناك هِنا .. و الحمدلله لحقناك لأن الضربة كـانت بمكان خطير ! إبراهيم و هو يتنقل بنظراته بينهم : و ليش يضربوني ؟؟ يحيى : علشـان ياخذوا منّك الفلاش ميموري اللي لقيناها فـ بيت فهـد .. عَقـد حاجبيـه و هو يفكّر ، يستذكر آخر ما حدث معه ، تمر في باله كأطياف مشوشة غير مترابطة ، يتقدّم يحيى بجسده : إبراهيم إنتَ شفت اللي ضربوك ؟ يعني تقدر تتذكرهم ؟ عِصـام : يحيى ، الرجال توّه صاحي بديت معاه تحقيق؟! اتركه يرتاح و يتحسّن أول !! تساءل إبراهيم : مين مصلحته يسرق الفلاش مني ؟؟ يحيى و هو يتكتف : مو هذا السؤال ، السؤال منـو اللي يدرى بموضوع الفلاش أصلاً ، أنا و إنت و عزيز كنـا موجودين فـ بيت فهـد ، و اللي شافوا الفلاش غيرنا اهمة البنية المرافقة ، و فهـد ، يعني اللي ضربوك على معرفة بواحد كـان موجود لما لقينا الفلاش ! إبراهيم بتعجب : لا تقول إنك شاكك بعزيز ..! هزّ رأسه نافياً ، أخذ نفساً عميقاً : شاكك بـ فهـد .. ،, بعد عدّة سـاعات ، رومـا ، تجلِسان في الكفتيريا التابعة للأوتيل ، أمام كل منهما كـوب عصير برتقال ، ريـم : وافقتِ تسافري معاه ؟ حَسناء بخيبة : أنا ماقدر أقـول ايه أو لا ، أنا أنفـذ و بس .. عقدت ريم حاجبيها ، و هي تحدّق في ملامح وجه حسناء المليئة بالعجز ، ما جعل حسناء تصحو على ذاتِها ، تصلّح الموقف بابتسامة مفتعلة : أمزح معاكِ وش فيك ، أكيد وافقت أنا حابة من زمان أزور الرياض .. هزّت رأسهـا ، عاد الصمت ليكلل المشهـد ، قَطعت حسناء الصّمت : ريـم ، إنتِ تحبيه ؟ ريم بارتباك : أحِب منو ؟ حسناء : منو يعني ، عمر حرب .. ريـم ، أخذت نفساً عميقاً : مادري إذا أقـدر أقـول عن مشاعري لأبوكِ حب ، بس عمري ما حسّيت بأمـان إلا معـاه ، اهوة اللي أخذني من حياتي الصّعبة ، و اهوة اللي خلاني متمسكة فـ هالدنيا ، و الحين ربـنا بيعطيني منـه ولـد يملى علي حياتي ، شلـون ما راح أحـبه ؟ تَرفع حسناء حاجبها الأيسر ببطء : بس اهوة رفض هالطفل ، و كـان مستعد يموّته .. بعدين مَنتِ أول وحدة يتزوجها أبـوي بعـد أمي .. يعني يمكن هالحب ما يكون متبادل ... ابتسمت ريـم بسخرية : مو يمكـن ، أكيـد ، أبوكِ يا حسناء للحين يحلَم بأمّـك ، أنا أحسِدها .. حسناء بتعجب : تحسدينها ؟ على شنـو ؟ ريـم : لأنها الوحيـدة اللي قدرت تخلي أبوكِ يحبها ، و ما ينساها ، حتى بعد كل هالمدّة اللي انفصلـوا فيهـا عن بعض ، ما انفصلت عن دماغه و قَلبه .. حسناء : صحيح إن أبوي للحين يفكّر فيها ، و للحين ما انفصلت عن دماغه و قلبه ، بس مو لأنه يحبّها ، لأنـها الوحيـدة اللي ضعف قدّامها ، و فـ وقت كل الحريم اللي عرفهـم كـانـوا خاتـم في اصبعه ، اهية الوحيدة اللي تركـته و ما اهتمّت له .. يعني الوحيدة اللي كَسرت قلبه و أوجعته ، و الرجال ما ينسى اللي توجع قَلبه .. ريـم : أفهـم من كلامك الحين إنك تعطيني وَصفة عشان أعرف أتعامل مع أبوك ؟ نَهضت حسناء و هي تحمل حقيبتها : افهمي اللي تبيه من كلامي ، بس أنا متأكدة إذا بتظلي على موقفِك هذا ، الولد هذا اللي جـاي ما راح يتربى بعيد عن أبـوه .. التفتت لتخرج ، و تتركها حائرة في أمرِها ، لِم أنتَ عَسير إلى ذلك الحد يا عمر ؟ انتهى أعزائي القرّاء ، البارت ما كـان طويل مثل الوعد ، و هذا شيء يخجلني .. عدا عن التأخير .. اللي صار إن الوالدة طاحت علينا ، و نقلناها للمستشفى ، و نامت كذا يوم بسبب فيروس شديد ، و اضطريت كوني البنت الوحيدة أكـون معاها على طول في المستشفى ، و اليـوم قدرت أدخل البيت و أفوت المنتدى ، حاولت أفوت المنتدى من الجوّال لكن ما قدرت للأسف .. و لما رجعت نزلت الشيء اللي كتبته لأجل ما أتأخر عليكم أكثر من كذا .. أتمنى أن يكون عذري مقبولاً ، و اسمحوا لي بالتعويض في الأجزاء القادمة بإذن الله .. انتظروني الاثنين القادِم ، أحبكم .. طِيفْ! | ||||||||
17-01-20, 02:06 AM | #19 | ||||||||
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بأنقل لكم كلام الكاتبه انتقلت إلى رحمة الله عز و جل والدتي ، رحمها الله و أسكنها فسيح جنانه .. سامحوني عالتقصير و رح أحاول أكون معاكم في أقرب وقت بإذن الله أختكم طِيف .. الله يغفر لها ويرحمها ويصبرهم | ||||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|