آخر 10 مشاركات
303 – عنيدة- فلورا كيد - روايات احلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          بين أزهار الكرز (167) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          [تحميل] عاشق يريد الانتقام،بقلم/ *نجاح السيد*،مصريه (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          At First Sight - Nicholas Sparks (الكاتـب : Dalyia - )           »          [تحميل] مهلاً يا قدر ،للكاتبة/ أقدار (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          مهلاُ يا قدر / للكاتبة أقدار ، مكتملة (الكاتـب : لامارا - )           »          وكانت زلة حياتي(111)-قلوب شرقية[حصريا]للكاتبةفاطمةالزهراء عزوز*الفصل14ج1**مميزة* (الكاتـب : Fatima Zahrae Azouz - )           »          عروس دراكون الهاربة(157)للكاتبة:Tara Pammi(ج3من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree2430Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-11-20, 10:55 PM   #3511

امال ابراهيم ابوخليل
 
الصورة الرمزية امال ابراهيم ابوخليل

? العضوٌ??? » 383503
?  التسِجيلٌ » Oct 2016
? مشَارَ?اتْي » 328
?  نُقآطِيْ » امال ابراهيم ابوخليل is on a distinguished road
افتراضي


تسجيل حضور لاحلي روايه 😘😘💃💃💃💃💃💃

امال ابراهيم ابوخليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-11-20, 11:00 PM   #3512

ياسمين الحريرى
 
الصورة الرمزية ياسمين الحريرى

? العضوٌ??? » 435294
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 102
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ياسمين الحريرى is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 456 ( الأعضاء 172 والزوار 284)
‏ياسمين الحريرى, ‏فرحه الياسمين, ‏amana 98, ‏الاوهام, ‏Nesma96, ‏safiato966, ‏S.F.MOHAMED, ‏لمعة فكر, ‏نجمة جزاءرية, ‏ريما العدوان, ‏Heckenrose, ‏عبير سعد ام احمد, ‏m-berr, ‏butterfly.z, ‏بسمه رضا, ‏لولو73, ‏amoaasmsma, ‏ربروبة, ‏meryamaaa, ‏markunda, ‏Rwida.147, ‏SORAYA M, ‏Hagora Ahmed, ‏SARA alshehri14, ‏سوسن1411, ‏asmaaasma, ‏olfak, ‏Dina abd elhalim, ‏Mayaseen, ‏bataomar, ‏سومة$$, ‏ميار111, ‏Kemojad, ‏Rasha.r.h, ‏3alloa, ‏حسناء_, ‏Noor Alzahraa, ‏soma gli, ‏ATHAR OSaMA, ‏نور الفردوس, ‏Freespirit77, ‏dm992, ‏Gmb, ‏ام علي اياد, ‏gegesw, ‏فاايا, ‏مزاااين, ‏ليل سرمدي, ‏ميمو كوكي, ‏امال ابراهيم ابوخليل, ‏منة إبراهيم, ‏strom, ‏Omsama, ‏الجنه لنا, ‏طوطه, ‏حبة الكراميل, ‏موضى و راكان, ‏شارلك, ‏Hadooshtash, ‏hoba2017, ‏fattima2020, ‏شهدsoso, ‏ghader, ‏Amanykassab, ‏ميرو حامد, ‏زهرةالكون, ‏dina said, ‏33Zain, ‏Aris, ‏bochraa, ‏mh4836630, ‏Sea birde, ‏احلام العمر, ‏نسمه فوزي, ‏Ghada$1459, ‏منة الله رفعت, ‏Shimoo1996, ‏جنغوما, ‏ali.saad, ‏Amal Almabrouk, ‏Ektimal yasine, ‏المياس, ‏ام زياد محمود, ‏فاطمة زعرور, ‏Nana96, ‏Jourialem, ‏nada alaa, ‏ابرار محمد, ‏هدير الماء, ‏الاء جمعة, ‏ام هنا, ‏Embarka, ‏فتاة طيبة, ‏kozmo, ‏bahija 1981, ‏بريق العابرين, ‏mayna123, ‏Shammosah, ‏Rashaa84, ‏الاميرة..., ‏ايثو كردم, ‏همس البدر, ‏ريما الشريف, ‏ghdzo, ‏tamo1987, ‏ponopono, ‏Aya a qabeel, ‏ريري المصري, ‏بيتو23, ‏أم دان, ‏nes2013, ‏نجمة القطب, ‏mamanoumanoul, ‏Amneh mohammmad, ‏شموخي ثمن صمتي, ‏هدوء الصمت222, ‏Barky, ‏شاكره لله, ‏ايناس عبدالسميع, ‏the7sky, ‏yawaw, ‏Dr Nada Baghdady, ‏أم سيف, ‏zsa89, ‏حبيبيه, ‏توتى على, ‏فاطمه أأ, ‏Lolav, ‏حنحون3, ‏redrose2014, ‏Aysa, ‏فليفلة, ‏minasaloma, ‏dodo elbadry, ‏نور*وليد, ‏منيرة موني, ‏Sahar Mahmoud, ‏neno 90, ‏just life, ‏Roxa, ‏Shadwa.Dy, ‏mira amani, ‏اك حصه, ‏princess of romance, ‏ملك بيتي, ‏loulieta, ‏دموع ♡الياسمين, ‏جنا محمد علي, ‏رودى رامى, ‏تقوي عمر, ‏Agadeer, ‏نغم فارس, ‏وظني فيك يارب جميل, ‏Amou Na, ‏big zero, ‏simsemah, ‏reemrabouh, ‏نهى حمزه, ‏samar mohammd, ‏Sa Lma, ‏المتفائله بالله, ‏فاطمة توتى, ‏shimaa saad, ‏maryam ghaith, ‏جيسكان, ‏وردة البوفارديا, ‏Essonew, ‏سرى النجود, ‏الديسطي, ‏Nana999, ‏ورد الشاام

Elbayaa likes this.

ياسمين الحريرى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-11-20, 11:00 PM   #3513

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 1



الفصل الثالث والأربعون
(قبل الأخير)


(1)




قبل قليل

هدر جابر بصوت مخيف" إذن دعني أقابل الحاج بدير مادام عماد غير موجود"

رد علاء بتوتر من أمام بوابة بيت العسال " أبي لا يقابل أحدا حاليا"

صاح جابر بغضب عارم " لقد اتصلت بعمك ولا يرد اتصل به حالا قبل أن أفقد أعصابي وأفعل ما أندم عليه"

تكلم علاء بارتباك وهو يخرج هاتفه من جيبه "أنا أيضا اتصلت به و لا يرد .. سأعاود الاتصال"

ابتعد جابر عدة خطوات للخلف ووقف يستند بظهره على الحائط المقابل قائلا بعناد " وأنا لن أغادر"

فوقف بعض الجيران يتابعون بفضول وتدخل أحدهم مقتربا من جابر يقول" ما بك يا معلم جابر ؟..لم نرك في هذه الحالة من قبل"

أفلت جابر ذراعه من يد الرجل قائلا بمزاج عكر ليس من شيمه " اتركني الآن بالله عليك يا حاج عاشور"

قال الرجل بإصرار وفضول" اخبرني ماذا حدث"

كان جابر كمن يمسك بقنبلة بدأت في العد العكسي للانفجار ويحاول التصرف فيها قبل أن يتحول كل شيء لأشلاء .. فأخذ يُذَكِّر نفسه بابنته وسمعتها.. يُذَكِّر نفسه بعاقبة الغضب المبالغ فيه ..ويحاول ممارسة كل الحيل العقلية لعدم التهور وفضح كاميليا في الشارع كله .. فلم يرد على الرجل وإنما هدر في علاء صائحا" جد لي عمك حالا"

توقفت سيارة عماد بعد أن اتصلت به زوجته في نفس الوقت الذي اقترب بسطاويسي مهرولا آتيا من بيته القريب حينما أخبره الناس بما يحدث.. ليقول عماد بانزعاج وتحفز وهو يقترب من جابر "ما هذا؟.. هل تتهجم على البيت في غيابي؟"

قالها وهو يضرب بظهر يده على كتف جابر بتهديد شاعرا بالإهانة أمام الجيران فدفعه جابر في كتفه قائلا" بيتك حدوده هذه البوابة وأنا لم اتخطاها ولم أقترب منها"

بعنجهية هتف عماد باستهجان وهو يقترب من جابر متحديا " وطرقك على البوابة ..وصوتك العالي ..وترويعك للنساء والأطفال "

دفعه جابر بخشونة وهو يقول " أنا أعلي صوتي كيفما أشاء ..هذا بدل من أن تسأل ما السبب وماذا أريد تتحدث بهذه الطريقة؟"

تدخل بسطاويسي قائلا " ماذا حدث يا معلم جابر؟"

ضاع السؤال وإجابته وسط حمم الغضب المتبادلة بين الرجلين ليرد جابر على عماد " عموما قبل أن تطلب مني احترام النساء سيطر على أهل بيتك أولا"

جنت العبارة جنون عماد فاندفع ينقض عليه ليسرع بسطاويسي بحضن ابن عمه من الخلف في الوقت الذي توقفت فيه سيارة مصطفى الزيني وترجل منها الأخير فتفرق الواقفون الذين يتابعون بفضول يفسحون له الطريق ليسرع هو نحو جابر ويبعده بعيدا عن عماد وكلا الخصمين يحدج الأخر بنظرات نارية.

مال مصطفى على جابر قائلا" جابر .. أعلم بما تشعر به لكن تذكر أنها أم ابنتك"

ناظره جابر بنظرة جعلت مصطفى يشفق عليه .. نظرة غضب مكبوت وشعور بالقهر .. وهو يرزح تحت وطأة مشاعر قوية قاسية تتصارع لحظتها مع أخلاقه وعقيدته .

استدار مصطفى يقول للناس" تفضلوا يا جماعة لأشغالكم لا داعي للوقوف "

تململ الواقفون في المغادرة بينما قال مصطفى لعماد" السلام عليكم يا عماد ..هلا ضيفتنا في بيتك .. فهناك أمر خطير لابد أن نتحدث فيه "

××××

كانت الأصوات الآتية من الدور الأرضي غريبة أو ربما شعور داخلي ما جعل أم هاشم تشعر بالقلق لكنها لم تكن قادرة على النزول فأمسكت بهاتفها واتصلت بحماتها التي بادرتها باكية" جابر وزين ذهبا يتوعدان لبيت العسال .. إن زين يحمل مسدسا يا أم هاشم"

شعرت أم هاشم بالتشوش لثوان وهي تتساءل في سرها عما تقوله حماتها عن زين الغير موجود بالبلد لكنها سمعت نصرة تقول باكية" استرها على عبيدك يا رب لا تبكي يا حاجة نجف"

سقط قلب أم هاشم بين قدميها فاستقامت واقفة وأسرعت بلم شعرها المجعد في عقدة وهي ترتدي خف البيت وتسرع بالنزول..

حين وصلت للدور الأرضي كانت نصرة تربت على ظهر نجف وتشاركها البكاء فسألت أم هاشم بجزع" ماذا يحدث؟"

تطلعت نصرة في ملامح أم هاشم المتورمة وقالت باكية" أبو ميس ذهب لبيت العسال ..وهلال أخبرني في الهاتف بأن أبا ميس علم أن كاميليا هي التي استأجرت الغجريتين"

اتسعت عينا أم هاشم وغلى دمها فأخذت تشتم في سرها شاعرة بالإهانة أكثر من ذي قبل واستدارت تنوي الصعود لغرفتها قائلة" اتركوا الذبابة الخضراء عليّ سأجعل القرية كلها تشاهدها وهي ..."

قاطعتها نصرة قائلة" يا أم هاشم .. جابر هناك ومنفعل جدا .. وزين عاد من السفر منذ قليل وأخذ مسدسه وذهب خلف أخيه ونموت من الرعب لما يمكن أن يحدث وكيف ستنتهي الليلة"

تجمدت أم هاشم وتبدل غضبها بالقلق فقالت باندفاع" سألحق بهما"

قالت نجف باكية" لا تزيدي من اشعال الأمر يا بنيتي ..فجابر لن يحب خروجك دون إذنه ولا تدخلك"

تطلعت فيها الأخيرة متقبضة لتضيف نصرة "هلال وعمك يحيى معهما ومصطفى الزيني تدخل ليفض الخلاف قبل أن تتحول المشاجرة لبحور من الدم بين العائلتين"

انقبض قلب أم هاشم بينما غمغمت نجف وهي تنكس رأسها وتبكي بقلة حيلة "أخشى من تهور زين إن معه مسدسا والشيطان شاطر"

اشفقت أم هاشم على حماتها فاقتربت منها وجلست إلى جوارها تربت على ظهرها مواسية ثم قبّلت رأسها قائلة " سيكونان بخير بإذن الله"

بينما تحركت نصرة تقول" سأذهب لأرى أين ذهبت إسراء ..كانت تهرول خلف زين .. استرها على عبيدك يا رب"

رددت أم هاشم وقد بدأ الخوف يسيطر عليها" استرها على عبيدك يا رب"

××××

في الدور العلوي من بيت العسال ضربت وجدان على ذراع كاميليا ببعض الخشونة توقظها من النوم قائلة" انهضي .. انهضي الدنيا مقلوبة بالأسفل وأنتِ نائمة؟!!"

رفعت كاميليا جذعها تقول بعبوس" ماذا هناك يا وجدان؟.. لماذا توقظيني"

قالت الأخيرة بقلق "ماذا فعلت؟.. الدنيا مقلوبة"

اعتدلت كاميليا تستفيق من قيلولتها العصرية وسألتها" ماذا تعنين؟"

ردت وجدان من بين أسنانها "أعني أن أبا ميس عندنا ..وفي حالة هياج وتشاجر مع عماد ثم جاء مصطفى الزيني وحضر عدد من أفراد عائلة العسال .. ماذا فعلت؟"

اصفر وجه كاميليا وسقط قلبها بين قدميها وهي ترد بارتباك "أنا؟؟.. أنا لم أفعل شيئا"

صوت عالٍ جاء من الأسفل فأسرعت وجدان مهرولة تخرج من الغرفة وتسرع للطابق الارضي تقول لنفسها" استر يا رب فلا يتدخل علاء ولا يتشاجر من أجل عمه"



في غرفة الضيوف ذات البابين باب على ساحة البيت يدخل منه الضيوف وأخر على صالة البيت من الداخل كان مصطفى يقول للعمدة عبر الهاتف " فهلا شرفتنا لحضور الجلسة يا عمدتنا؟"

جاءه صوت عبد الرحيم يقول "تصرف أنت بالنيابة عني وانهِ الموضوع يا أبا حمزة"

علا صوت شجار الحاضرين فأسرع مصطفى بإنهاء المكالمة قائلا" كما تريد سأذهب الآن"

أغلق الخط وهدر في جابر وعماد المتحفزين لبعضهما" أرجوكما لنهدأ حتى نتحدث"

تدخل يحيى وهلال اللذان وصلا للتو وأجلسا جابر وجلسا بجواره بينما وقف مصطفى يناظر بصرامة عماد المتحفز الذي بدأ يتيقن بأن هناك مصيبة قد حدثت لتجعل جابر دبور يفقد أعصابه بهذا الشكل وبالتأكيد الأمر يتعلق بكاميليا.

قال مصطفى لعماد بلهجة حازمة " إن لم تحترم وجودي ووجود الحاضرين سنغادر فورا لكن لا تلومنا على أي شيء بعد ذلك"

شده بسطاويسي وابن عم أخر له ليجلس فنفذ على مضض وأخذ عقله يحاول ربط الخيوط ببعضها داعيا في سره أن يكون تخمينه خاطئا.. بينما جلس مصطفى على المقعد المقابل لجابر يقول لعويس الواقف على باب الغرفة" لا تدخل أحد إلا من عائلة الطرفين"

كان الناس لا يزالون يقفون بفضول في الخارج بينما نساء البيت بما فيهن كاميليا التي نزلت للأسفل يقفن في الصالة يتابعن ما يحدث بقلق شديد .. في الوقت الذي كان بدير في سريره يحاول أن يرفع نفسه بصعوبة.

إن الأصوات عالية وهو يشعر بتوتر شديد ولا يفهم .. أهذه مشاجرة أم أنها الشرطة أم ماذا.. وهاتفه انزلق بين السرير والكومود وهو يحاول الامساك به ..

رفع جذعه فآلمه فخذه وظهره بشدة وبدأ يتصبب عرقا وكأنه يقوم بمجهود كبير ..وتعجب كيف كانت حركة بسيطة كهذه يقوم بها في السابق دون أن يلتفت لها.

حين نجح في رفع جذعه أخيرا حاول الاستناد بكفيه على الكومود والسرير حتى يسحب نصفه السفلي قليلا ويعتدل جالسا لكن كفه انزلقت من فوق الكومود ومال على جانبه ثم سقط من فوق السرير والآلام المبرحة تمزقه.. فجز على أسنانه وحاول بصعوبة التحامل على ذراعه للاعتدال ليتفاجأ بدورق الماء يسقط فوقه ويغرقه .



في الطابق الأرضي أخذت وجدان توصي ابنها الكبير بألا ينفعل وألا يدخل نفسه في كلام الكبار لكن علاء شعر بالإهانة وسحب ذراعه من يد أمه ثم دخل ليجلس في الجلسة وفي نفس الوقت تطلع الواقفون بالشارع في المرأتين والرجل الغريبين عن أهل القرية والمساقين من قبل الغفر يدخلوا ساحة بيت العسال وفهموا فورا ما يحدث فضربت إحدى النسوة الواقفات يدها على صدرها قائلة" يبدو أن هؤلاء هم الغجر المهاجمون لبنت الشيخ زكريا"

ردت الأخرى" يبدو كذلك وهذا يفسر حالة الغضب التي كان عليها المعلم جابر"

تكلم رجل مشاركا في الحديث وهو يضرب كفا بكف" هل وصلت غيرة الحريم ببنت العسال لتأجير من يسقط حمل بنت الشيخ!"

قالت إحداهما" وما أدراك ربما تنتقم لأن أم هاشم سرقت منها زوجها بعدما سحرت له"

ناظرها الرجل باستهزاء بينما ردت عليها الأخرى "لا تقولي سحرت له .. فكلنا نعرف من هي كاميليا وكيف هو غرورها ..بصراحة لم تكن تليق برجل بدماثة خلق المعلم جابر"



في الداخل قفز عماد من مكانه هاتفا بعصبية" ما هذا الكلام الفارغ؟؟ ..هل فشلت في إيجاد من تتهمهم بالاعتداء على زوجتك فجئت لتلصق التهمة بنا حتى ترفع رأسك من الخزي أمام أهل البلدة؟؟!!"

استقام جابر هو الأخر وقال مشيرا بسبابته بلهجة تحذيرية " احترم نفسك وتهذب وإلا هذا اليوم لن يمر على خير"

أمسك به يحيى وهلال بينما قال مصطفى عابسا لعماد الذي يمسك به بسطاويسي ليعيده للجلوس "يا عماد ..إن كانت الجلسة ستسير بهذا الشكل فصدقني الأمور ستتعقد.. أين بدير ألم يخرج من المستشفى ليته يستطيع الحضور"

رد عماد بصلف " أخي مريض ( وأضاف بذقن مرفوع ) وأنا من يتولى شؤون العائلة "

لوي بسطاويسي فمه من عنجهية ابن عمه وجلافته بينما تملك الحزن من قلب علاء شاعرا بالحسرة على والده وتحرك يغادر الجلسة.



تنهد مصطفى وقال "إذن دعني أخبرك أن الأمر خطير ..وحين أقول لك أن أختك هي المتسببة فيما حدث لبنت الشيخ زكريا فاعلم أني لن أتحدث إلا عن بينة"

نظر عماد إلى جابر وقال بإصرار " وأنا أقول لك بأنه كاذب ويحاول تلفيق التهمة لأختي وهذا أمر لن أقبل به ولن أمرره"

هدر مصطفى عابسا " هل تتهمني بالكذب يا عماد؟!!"

أمسك بسطاويسي بذراع عماد يحاول أن يحذره من التمادي في العصبية في حضور ممثل العمدة ثم قال ببعض الهدوء" يا حاج مصطفى هذا كلام غير مقبول وافتراء على بنت عمي"

قضمت كاميليا ظفر إبهامها وهي تقف في الصالة تهز ساقها بتوتر بينما وجدان وهدى تناظراها بغضب.. فسمعت جابر يقول "الغجريتان قالتا بأنها من استأجرتهما لإسقاط حملها"

كانت تشعر بالرعب ولم تجد إلا الهجوم وسيلة حتى لا تطاوع نفسها في الهرب وحبس نفسها في غرفتها ترتجف من الخوف فادعت الشجاعة وانطلقت تدخل مجلس الرجال قائلة" هذا كذب ..كذب حسبي الله فيمن يفتري عليّ .."

بدأت تبكي فتحفز عماد حينما وجد جابر قد انتفض واقفا عندما رآها بينما أمسك هلال ويحيى بالأخير يمنعانه من انفلات أعصابه بشكل سيجعل الحق عليه هو وليس هي ..فقال جابر والشرر يتطاير من نظراته " قسما بجلال الله لو كنتِ رجلا يا كاميليا لما خرجت من تحت يدي إلا ميتة"

أرعبتها هيئته و ذكرتها بيوم المستشفى فشعرت بالألم في معصمها بينما تدخل يحيى قائلا " اهدأ ووحد الله يا جابر "

بينما قال عماد وأبناء عمه يمسكون به " هل تهددها أمامي (وناظرها يقول ) عودي إلى الداخل ..هيا"

أسرعت بالدخول لكنها بقيت بجوار الباب ترتجف وعقلها يحاول التفكير في مخرج من تلك المصيبة في الوقت الذي تكلم بسطاويسي وقد تملك منه الغضب هو الأخر "يا جابر ..نحن حتى الآن نحاول التحلي بالأخلاق رغم أنك جئت لتتبلى على بنتنا دون وجه حق"

"إذن نبلغ الشرطة وهي تحقق في الأمر وتعثر على الجاني"

قالها زين وهو يدخل الغرفة يناظر بسطاويسي وعماد بعينين مقلوبتين بينما اتسعت عينا جابر وهتف بدهشة " زين!!.. متى جئت؟"

رد الأخير من وقفته أمام الباب وعيناه لا تحيدان عن جانب آل العسال "جئت لأرى هل سنأخذ حقنا بالشرطة أم بيدينا .. أنا جاهز لكل الاحتمالات"

نظر بسطاويسي في المسدس المعلق في حزام زين وقال باستنكار "هل تحمل سلاحا؟"

نظر جابر لزين بعينين جاحظتين و حمائية الأخ الكبير جعلته يجبر نفسه على التصرف بحكمة حتى لا ينفعل ويرتكب جريمة بينما

انفعل عماد قائلا "هل جئتنا مهددا بسلاحك ؟؟؟.. أخوك يفتري علينا وأنت تريد قتلنا ..إن كنتم تريدونها حربا فآل العسال سيلقنونكم درسا لن تنسوه لأجيال قادمة"

هدر مصطفى يرفع كفه" كفى"

ساد الصمت فنظر لزين قائلا بلهجة حازمة" هات المسدس"

ناظره زين بعينين ناريتين وصدره يعلو ويهبط من الانفعال فقال مصطفى بلهجة أكثر صرامة " قلت هات المسدس أو أخرج من الجلسة فورا"

تطلع فيه جابر بترقب وبدأ الخوف على أخيه يتسلل إليه في الوقت الذي كان زين يصارع انفعالاته ويحاول تلجيم مشاعره الغاضبة وهو يمد يده ببطء للمسدس ثم أمسك بمقدمته وأعطاه لمصطفى على مضض وهو يقول "هذا فقط من أجل مقامك يا حاج مصطفى .. لكن قسما بربي أي تطاول على جابر أو على عائلة دبور لن أسكت عليه"

مجددا مارس جابر المزيد من الجهد لضبط النفس حتى لا يستفز زين وقال له بحشرجة "اجلس"

ناظر زين أخاه الذي يكبت غضبه فزاد تحفزه وهو يتحرك ليجلس في المقعد المجاور للباب ينفض طرف سترته بعصبية ويناظر عماد بعينين مقلوبتين مهددتين بينما قال مصطفى للغفير" ادخل من في أمانتك يا عويس"

أمر عويس الغفر فأدخلوا الرجل والمرأتين فنظرت كاميليا من زاوية باب الغرفة المفتوح ثم لطمت على وجهها وعادت تقضم ظفر إبهامها ليقول مصطفى لإحدى السيدتين " تكلمي ..من طلب منك مهاجمة بنت الشيخ زكريا"

بلعت المرأة ريقها وقالت" كاميليا العسال"

دخلت كاميليا تصيح" كذب وافتراء .. ماذا دفعوا لك لتقولي هذا الكلام"

ثم هتف عماد "ليس هناك دليلا على هذا الافتراء ..هاتان السيدتان ماكرتان وتريدان الافلات من فعلتهما بتلفيق التهمة لأختي .. فطبيعي إن حدث شيء لزوجة جابر سيحاول البعض إلصاقها بزوجته السابقة"

عادت كاميليا تقول وقد شعرت ببعض الأمل في الإفلات من جريمتها " لم أر هاتين السيدتين في حياتي"

أشاحت المرأة بيدها تقول لكاميليا بغضب "هل تتنصلين الآن ؟..أنت من سلطتنا وطلبت أن نسقط حملها وأعطيتنا مبلغا من المال ووعدتنا بضعفه إن نفذنا "

صاحت كاميليا باكية" كذب"

تكلم عماد مجادلا ليحفظ ماء وجه العائلة " ولماذا ستريد اختي فعل ذلك إنها مخطوبة ومشغولة بالتجهيز لزواجها"

تفاجأت كاميليا بما قاله أخوها لكنها التقطت طرف الخيط وقالت وهي تنظر ناحية جابر بكبرياء زائف" بالضبط أنا مخطوبة ولست متفرغة لتلك الترهات ولا يهمني لا جابر ولا زوجته ولا أعرف هاتين السيدتين"

هدرت المرأة الأخرى بشراسة" بل أنت من طلبت منا ذلك"

أخرج مصطفى الاسورتين من جلبابه يسأل" وماذا عن هاتين؟"

أجابت إحدى السيدتين "لقد أعطتني إياهما أم ميس والدليل أن ثالثتهما معها"

ارتبكت كاميليا وبحركة تلقائية وضعت يدها ذات الأسورة الثالثة خلف ظهرها وهي تصيح مستمرة في تمثيلها " هذا كذب ..لا أعرف عن تلكما الأسورتين شيئا"

لطمت وجدان في الصالة على وجهها وهي ترى يد كاميليا ذات الاسورة الواحدة والمخبأة خلف ظهرها بينما نظر عماد جاحظا في الأسورتين المميزتين من بعيد وتيقن من أن حدسه صحيح وأن ما كان يخشاه قد حدث وفضحتهم كاميليا في البلدة"

تكلم جابر قائلا بحسرة " أنا أعرفهما ..فأنا من اشتريتهما.. وعندي الفواتير التي تخص الثلاث أساور ..وكما ترى هي مميزة التصميم ابتعتهما من صائغ بعينه بالعاصمة اتعامل معه منذ سنوات .. وستجد ختمه على الأسورة من الداخل معروفا ومميزا وأنا أكيد أن التصميم ليس له شبيه في المحافظة كلها"

أغمض عماد عينيه لثوان شاعرا بالفضيحة بينما انقلب وجه بسطاويسي ومن كان جالسا من آل العسال وتملكهم الحرج

في نفس الوقت تحرك لسان زين بين ضروسه وهو يناظر كاميليا بمقلتين مقلوبتين ويحجم رغبة في قتلها وتخليص أخيه من بلائها بينما

هتفت الأخيرة باكية وهي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها" لا أعرف ربما سقطتا مني ولم أدرِ"

قال مصطفى باستهجان " سقطتا منك ولم تلحظي إلا الآن؟!!"

غمغمت بارتباك " أقصد لاحظت وكنت أبحث عنهما"

حاصرها بقوله "أنت أنكرت معرفتك بهما قبل دقيقة"

كانت تشعر بالرعب وجسدها يختض رغم تماسكها الظاهري فردت "لم أميزهما من بعيد (وأجهشت بالبكاء متمتمة) حسبي الله فيمن يريد توريطي في هذا الأمر وأنا بريئة منه ..هناك من سرق الأسورتين وأراد أن يزج باسمي ظلما"

قال زين ببرود " حسنا ..لنبلغ الشرطة وهم يحققون في الأمر"

اتسعت عيناها تردد بتفاجؤ "الشرطة!!"

رد زين بحاجب مرفوع " نعم الشرطة .. سنأخذ هاتين المرأتين وهذا الرجل ونسلمهم لهم ونخبرهم بما حدث لبنت الشيخ وهم من سيجدون الجاني ويوجهون له تهمة الشروع في القتل .. (وضغط على الحروف مضيف ) وهي تهمة قد تصل عقوبتها لخمسة عشر سنة"

بهتت كاميليا وتلجلجت تقول"كككم!! .. أنا لم أفعل شيئا.. لم أر هاتين السيدتين من قبل "

قال مصطفى موضحا " زين لم يقل شيئا ..هو تحدث عن الجاني يا أم ميس"

وقفت ميس عند أول السلم تشعر بالارتباك والخوف ولم تفهم ما يحدث بغرفة الضيوف ولماذا والدها غاضب وأمها تبكي ..فاشفق عليها بلال ابن خالها المراهق أصغر أولاد بدير وأمسك بيدها قائلا" تعالي لنصعد فوق السطح ..أريد أن أريك فرخ الحمام الجديد الذي فقس من البيض"

لم يعطها مجالا للاعتراض وسحبها في نفس الوقت صعد علاء ابن بدير الأكبر يبحث عن والده شاعرا بالغضب أن تم تنحيته عن الجلسة فقفز الدرجات بتحفز وأسرع نحو غرفة والده وطرق الباب.

لم يأته ردا فطرق مجددا في الوقت الذي كان بدير يشعر بالذل والقهر ويكاد أن يبكي وهو يتصور منظره أمام الطارق وهو ملقى على الأرض على هذا الحال .

فتح علاء الباب وجحظت عيناه فأسرع نحو والده الذي شعر ببعض الراحة أنه علاء وليس أحد أخر ليسرع الأخير بمحاولة رفع والده من فوق الأرض فاستند عليه بدير والغضب من حالته المخزية يقهره حتى حط متوجعا على فراشه بصعوبة ليقول علاء بتأثر" ماذا حدث لك يا أبي؟"

ابتسم الأخير ابتسامة مُرة ورد" هذا السؤال لا أعرف إجابته بعد"

قال له علاء وهو ينظر لملابسه المبللة" لقد أغرقتك الماء"

قال بدير لاهثا" اتركنا من هذا الآن واخبرني ماذا يحدث بالأسفل"

أطرق علاء برأسه وهو يقول" يبدو أن عمتي كاميليا لها يد فيما حدث لزوجة العم جابر الجديدة"

جز بدير على أسنانه ثم سأله "وماذا حدث لزوجة جابر بالضبط؟"



رغم أن جابر كان يعلم أن تنفيذ ذلك صعب بسبب ابنته لكنه استخدمه كورقة ضغط قائلا" ليس عندي خيار إلا إبلاغ الشرطة ومعنا المنفذ والدليل (وناظر كاميليا بنظرة ذات مغزى مضيفا ) وأعتقد أن عندي ما يقال من أمور أخرى سأرغب في التحدث عنها .. ولدي ما يثبتها أيضا "

هربت الدماء من وجهها وأحس عماد أن هناك ما يلمح له جابر وأخبره حدسه أن هناك المزيد من المصائب وهو ما يخشي أن تقال في جلسة ستفضح آل العسال ففكر بسرعة في أي طريقة للمراوغة لكن ما حدث بعد ثانية لم يعطه أي فرصة لفعل شيء حين ولولت إحدى السيدتين تقول باكية "لا داعي للشرطة ..هي من حرضتنا واتفقت معنا وأعطتنا الأسورتين ..وقد زرتها هنا مساء يوم الحادث لأخذ بقية حقي واسأل الشاب الذي فتح لي الباب"

امتقع وجه عماد وكاميليا بينما سألها مصطفى مضيقا عينيه "من من أهل البيت فتح لك الباب؟"

أجابت المرأة" شاب مراهق فتح لي الباب ثم نادى عمته "

استدار عماد ينظر في وجه أيمن ابن بدير الأوسط الذي شب برأسه بعفوية حينما تحدثت المرأة عنه ثم عاد للخلف مرتبكا فلمحه مصطفى من جلسته وقال "تعال يا بني"

امتقع وجه أيمن وخطا خطوتين ليقف عند الباب فصرخت المرأة" هو .. هذا هو من فتح لي الباب"

سأله مصطفى "هل جاءت هذه المرأة من قبل لتقابل عمتك؟"

وقف أيمن ينظر بارتباك لعمه عماد حائرا هل يقول الصدق أم يكذب ثم أطرق برأسه متقبضا وتمتم وهو يبتعد "لا أعرف شيئا "

قال مصطفى وهو يهز رأسه " وصلت الإجابة فلو كانت الإجابة (لا ) لنطقها بشكل قاطع "

رغم تيقنه من أنها فعلتها إلا أن عماد جادل من أجل كرامة العائلة فقال معترضا "هذا ليس دليلا يثبت أي شيء"

ثم صرخت كاميليا في محاولة للفرار من الموقف العصيب " كل هذا كذب وافتراء .. (ونظرت لجابر تهتف ) هل سَحَرَتْ لك تلك السوداء فتحاول إلصاق التهمة بي حتى ترضيها بعد أن فَشِلَتْ هي في دفع ابنتي لكرهي بأسلوبها الملتوي كعادتها؟؟؟"

انتفض جابر واقفا فأسرع هلال ويحيى بالإمساك بذراعيه وهو يهدر بقوة خلعت قلبها من مكانه "إياك ونطق اسم زوجتي على لسانك ؟؟هل تفهمين؟ .. بنت الشيخ زكريا خط أحمر ومقامها فوق رؤوس الجميع "

و قال زين بشراسة وهو يسرع بالوقوف بجوار أخيه " أنتم مصرون على أن يكون الدم حتى الركب الليلة "

تدخل مصطفى هادرا بغضب " هلا سيطرت على أختك يا عماد إن كنت ترغب في عدم تعقيد الوضع "

أسرع الأخير بدفع كاميليا إلى الداخل قائلا بعصبية "تعالي معي"

سحبها نحو أقرب غرفة أمام عينيّ وجدان وهدى وأدخلها قائلا بخفوت " لا أريد حرفا يزيد الوضع سوءا .. وحسابك معي فيما بعد يا بنت ال *** "

قالها وأغلق الباب عليها بالمفتاح.. فجلست كاميليا على أحد المقاعد لا تعرف كيف ستنتهي هذه المصيبة.

عاد عماد للجلسة بينما أخذ هلال يهمس لجابر بألا يفعل ما يمكن أن يؤخذ عليهم بينما قبل زين كتفه قلقا عليه من فورة الغضب المكبوت فجلس عماد يفكر كيف سيخرج من الموقف بأقل خسائر ممكنة وبادر بالقول " لا تؤاخذوها ..شعرت بالظلم فتفوهت بما لم تعيه"

هدر جابر باستنكار "الظلم؟!!"

هذه المرة حاول زين أن يلجم هو انفعاله حتى يهدئ أخاه فسحبه قائلا "اجلس يا جابر واهدأ وهناك ألف طريقة وطريقة ليرد بها اعتبارك "

قالها وهو يحدج عماد شذرا .. فجلس جابر مكفهر الوجه بينما قال مصطفى مشيرا على السيدتين والرجل" اعدهم لبيت العمدة وتحفظ عليهم جيدا لنرى هل سيحل الأمر وديا أم سيضطروننا لسلك مسلك أخر ليس من عاداتنا"

أسرع الغفير بالتنفيذ بينما نظر مصطفى لعماد مضيفا " هل سننهي هذا الإشكال يا عماد أم ستجادلون ..وتجادلون إلى ما لا نهاية؟.. أنا شخصيا لست متفرغا وأُذن لصلاة العصر ولم نصلها بعد"

قال عماد لحفظ ماء وجهه "أنتم مصرون على الصاق التهمة بأختي ولكن حتى لو افترضنا أن الكلام صحيح ..فالموضوع لا يندرج إلا تحت عنوان غيرة حريم (وأضاف مستدركا ) ليس لشيء فأختي كما قلت لكم مخطوبة ولكن ربما موقف قديم حدث بينها وبين بنت الشيخ "

صاح جابر باستنكار " غيرة حريم !! .. تمتهن كرامة زوجتي وتعرضها هي وابني للموت وتقول غيرة حريم!!"

قال زين شاعرا بالإجهاد الشديد واستنزاف الطاقة " قلت لكم هذا التفكير الإجرامي ليس له مكان إلا السجن"

هدر مصطفى فيه بلهجة موبخة " زين بالله عليك نريد أن نحل لا نعقد"

تكلم يحيى يقول بهدوء "دعنا ننهي الموضوع يا بني"

تقبض الأخير بينما قال مصطفى لعائلة العسال " ما حدث هو شروع في القتل ويلزمه تعويضا ماديا"

جادله عماد قائلا بلؤم" ألم تقل بأن بنت الشيخ زكريا بخير هي وطفلها ؟"

كاد جابر أن ينطق فوكزه هلال ليترك التعامل لمصطفى الذي قال بلهجة محذرة من التمادي في الجدال " عماد "

أمسك بسطاويسي بيد عماد يمنعه من التفوه بأي حماقة وقال لمصطفى " طلباتكم يا حاج مصطفى"

فوق السطح كانت ميس تجلس أرضا في أحد الأركان تحضن ركبتيها وتبكي فاقترب منها بلال يحضن في يده فرخ حمام صغير وقال لها وهو يجلس على عقبيه أمامها" انظري ميوس لما خرج من البيضة قبل أيام"

توقفت ميس عن البكاء وتطلعت في الفرخ الصغير بين كفيه بتعاطف ثم رفعت إليه عينيها الباكيتين تقول" أعده لوالديه بسرعة فبالتأكيد هو يتألم بعيدا عنهما"

قال بلال بابتسامة ليخفف عنها "أتعلمين يا ميس ..لقد أعطتني تربية الحمام فرصة للتأمل وتعلم الكثير من الأمور .. فمثلا بالرغم مما هو معروف عن أي زوجين من الحمام الترابط الشديد إلا أنني لاحظت ذات مرة أن هناك زوجين دائمي الشجار ينقرون بعضهم البعض بشكل عجيب وحين فقس البيض وخرجت الفروخ بدأ نقارهما وشجارهما ينتقل للصغار ويؤذيهم ..بل كانا أحيانا يلتهيان بالشجار عن إطعام صغارهما .. فسألت أحد أصدقائي الأكبر سنا والأكثر خبرة في تربية الحمام عما أفعل ونصحني أن أفصل الزوجين عن بعضهما وأن أختار أكثر فرد منهم يهتم بالأطفال هو الذي يبقى مع الصغار .."

طالعته تحاول فهم ما يقوله فانزل بلال أنظاره لها قائلا" ما أقصده أنه أحيانا يكون ترك الزوجين لبعضهما أقل خسارة لأطفالهما من بقائهما في عش واحد "

وابتسم وهو يستقيم واقفا فتابعته مقلتاها وهو يبتعد ليعيد الفرخ مكانه ثم قال" هيا ..اقترحي عليّ اسمين للفرخين الجديدين"



في الطابق الأرضي هتف عماد باعتراض" هذا مبلغ كبير جدا يا حاج مصطفى!!"

قال مصطفى بلهجة قاطعة" هذا ما يفرض هذه الأيام في أحداث مشابهة ..وآخرهم المشاجرة التي حدثت بين عائلتي بخيت وعبد الراضي الورداني حين تشاجر شابان من العائلتين وكسر أحدهم ذراع الأخر.. تم دفع هذا المبلغ كتعويض "

تقبض عماد وناظر أقاربه مكفهر الوجه يشتم كاميليا في سره ثم عاد للجدال قائلا " ولكن أنتم قلتم أن بنت الشيخ وابنها بخير وهذا المبلغ الكبير مبالغ فيه جدا"

قال جابر هادرا " وهل تعتقد أن هذا المبلغ يليق بكرامتي وكرامة زوجتي ويعوض ما حدث لها من أذى نفسي وجسماني ؟!! (ورفع سبابته ) وعزة وجلال الله كل مالكم لا يكفي لتعويض ظفر كسر في يد بنت الشيخ زكريا ..لكني مضطر للاكتفاء بهذا فقط من أجل مصلحة ابنتي وعدم تصعيد الأمر ووضعه بين يدي الشرطة .. وكرامة لمقام أبي حمزة والشيخ يحيى وباقي الموجودين"

أمسك بسطاويسي ذراع عماد ومال عليه هامسا من بين أسنانه" دعنا ننتهي من هذا الأمر بدلا من أن يصل الأمر للشرطة وتُجر أختك في أقسام الشرطة وننفضح كلنا"

غمغم عماد بغيظ هامسا "وهل هناك فضيحة أكثر مما يحدث الآن !! "

لكنه في قرارة نفسه كان يعلم بأنه مضطر لأن يقبل فليس هناك مفر بينما تدخل بسطاويسي قائلا "ونحن أيضا سندفع المبلغ كرامة لوجود الحاج مصطفى الذي يمثل عمدة بلدنا ..ولكي نثبت لكم أننا مسالمون ولا نريد المشاكل"

قال مصطفى براحة " هذا عين العقل سأجهز وصل الأمانة بالمبلغ المطلوب"

تدخل جابر يقول " ولي شرط أخر من بعد اذنك يا حاج مصطفى"

تطلع فيه الجميع ليقول جابر" أريد ابنتي"

غمغم عماد بحاجبين معقودين " ماذا تعني؟"

رد جابر " رغم كل شيء لم أرغب في أن أحرم بنتي من أمها في هذا السن .. لكن مادامت أمها مخطوبة وستتزوج فأنا أريد ابنتي ..فلن أتركها لتتربى بعيدا عن أولادي"

تدخل مصطفى قائلا "حقه أن يطالب بابنته في حالة زواج أمها هذه عاداتنا .., حتى القانون في صفه نظرا لوفاة الجدة أم الأم "

تكلم زين الذي لم يعجبه أن ينتهي الأمر بالتعويض " ويحق له أيضا حينما تكون الأم بهذا الإجرام"

هتف عماد متصيدا الأخطاء لإفشال الاتفاق " أرأيتم التطاول "

حدج مصطفى زين بنظرة موبخة بينما أسرع هلال بترك مكانه وسحب زين للخارج .. فصاح الأخير معترضا "هل تعتقدون بأن انتهاء الأمر بالتعويض مهما كان المبلغ سيبرد نار أخي وناري؟!!"

سحبه هلال بقوة يغمز له ألا يعطي فرصة للطرف الأخر بالالتفاف والمراوغة .. ثم لف ذراعه حول رقبته يحاول السيطرة على غضبه مبتعدا وغادرا الجلسة .. فتابعت أنظار جابر أخاه بقلق يشعر جيدا بما يشعر به وأكثر لكنه مضطر لأن يبقي الأمر عند هذا الحد .. فكون كاميليا أما لميس هذا يلجمه في التصرف .. فمن غير المعقول جرها لأقسام الشرطة ..فتقبض بقوة يحاول التحكم في مشاعره بينما قال مصطفى لعماد الذي ينظر لوصل الأمانة بوجه مكفهر" وقع يا عماد واثنين من الشهود يوقعا معك"

زفر الأخير ووقع مكرها ثم أعطى الإيصال بخشونة لجابر بعد أن وقع عليه شاهدان وهو يحدجه بنظرة تتمنى له الموت قبل أن يستخدم هذا المبلغ الكبير من المال الذي سيخرج من حوزة بيت العسال.. فنظر جابر في الإيصال بعبوس ثم سأل" وماذا عن طلبي الأخر؟"

جز عماد على أسنانه وأشاح بوجهه قائلا "اعطنا وقت لنخبر البنت وأمها"

حاول جابر أن يخفف عن نفسه مشاعره التي لا تزال غير راضية بأنه على الأقل سيحصل على ميس بشكل أسرع مما توقع.. وترك مقعده متجها نحو مصطفى بالإيصال وهو يقول " هذا المبلغ تبرُع باسم بنت الشيخ زكريا في مشروع المستوصف الطبي الخيري الذي يقام حاليا في أول القرية"

اتسعت عيون أولاد العسال وامتقعت وجوههم بصدمة بينما ناظر مصطفى صديقه بنظرة احترام وهو يأخذ منه الإيصال .. لينظر جابر لعماد الذي يوشك على الإصابة بذبحة صدرية ويقول "المبلغ سيتكرم الحاج مصطفى بتحصيله منكم ..وسأنتظر منك اتصالا لتخبرني بالوقت الذي ستنتقل فيه ميسة لمنزلي بشكل دائم ..وسنتفق على مواعيد زيارتها لأمها بعد ذلك .. (ورفع إصبعه محذرا ) واعلم أني هذه المرة اضطررت للقبول بالتعويض من أجل مصلحة ميسة .. لكني لن أقبل بليّ ذراعي مرة أخرى بسببها.. ضعوا هذا في اعتباركم وأبلغه لأم ميسة"

تبادل الحاضرون من أولاد العسال الحديث مع عماد بمجرد أن غادر الضيوف يؤكدون عليه ضرورة أن يقوم بالسيطرة على أخته التي فضحتهم بين أهل القرية ثم ربت بسطاويسي على كتف عماد قائلا" سأمر على بدير لأطمئن عليه في المساء ولكن عندي مشوار مهم سأنتهي منه وأعود .. واخبره أنني لابد أن أراه هذه المرة أو يرد على اتصالاتي على الأقل ..السلام عليكم"



بمجرد أن غادر الجميع استدار عماد يدخل البيت وهو يتفتت من الغضب المكبوت وتوجه مباشرة نحو تلك الغرفة التي يحتجز فيها كاميليا فنظرت هدى لوجدان بتوتر بينما استقامت كاميليا واقفة حين دخل عليها عماد مكفهر الوجه.

كل المبررات التي فكرت فيها خلال الدقائق الماضية لم تستطع أن تتفوه بها حينما اندفع عماد نحوها قائلا وهو يهوي على وجهها بصفعة "هل وصل بك الأمر إلى هذا الحد يا بنت ال *** "

صرخت كاميليا والصفعات تتوالى عليها من أخيها الغاضب فأسرعت وجدان وهدى بمحاولة منعه في الوقت الذي استاء بدير وقال لولده بالدور الأعلى "انزل وحاول منع عمك وإلا سيقتلها بين يديه"

أسرع علاء بتلبية أمر والده بينما ازداد شعور بدير بالعجز وتذكر وجه عماد ليلة الحادث والقسوة التي تطل من عينيه .. فحاصرته الآلام المبرحة في كل جسده وهو يسمع صوت صرخات كاميليا المتوجعة وكلماتها الوقحة في وجه أخيها فعض على قبضته وهو يسأل نفسه "كيف وصلت أخته الى هذه الدرجة من الحمق والوقاحة؟!"



في الدور الأرضي قالت وجدان" سننفضح أمام الناس "

فصاح عماد من خلف علاء وأيمن ابنيّ بدير اللذين يحاولان منعه بصعوبة من الانقضاض عليها مجددا بمساعدة هدى "اسمعي المبلغ الذي سيدفع كتعويض لجابر ستدفعينه أنت من نصيبك "

اتسعت عينا كاميليا جاحظة وصرخت بوجه مغرق بالدموع "وهل أنا من وقعت على الإيصال ووافقت على المبلغ؟؟!!"

جز عماد على أسنانه وقال وهو يبحث عن شيء ليرميها به" وهل كنت تريدينني أن أتركهم لجرنا لأقسام الشرطة يا بنت ال **** ؟.. هل كنت تريدين أن تبيتي في غرفة الحجز ؟.. كما قلت ..هذا المبلغ لن أدفع منه مليما ..ستدفعينه من نقودك التي بالبنك.. هذا أولا .. أما ثانيا فأمامك أسبوع لتقرري مَن مِن العريسين اللذين تقدما لك الأسبوع الماضي ستوافقين عليه .. ( وأضاف بلهجة تحذيرية ) هل سمعتني ؟. أسبوع واحد لتختاري منهما ..واعلمي بأني لست بدير لأمهلك الوقت وأصبر عليك .. بعد أسبوع ستعطينني ردك النهائي لأني لن اتحملك في هذا البيت كثيرا .. وجهزي بنتك حتى تنتقل للعيش مع والدها كان هذا ضمن الاتفاق"

قالها وخرج من الغرفة غاضبا فأسرع الباقون باللحاق به وتركوها تقف وحدها ..جاحظة العينين ..وجهها عليه أثار صفعات عماد ..

كانت متسمرة في حالة ذهول تتساءل كيف انهار كل شيء حولها فجأة ؟..وماذا ستفعل في هذه المصائب التي حلت فوق رأسها.

××××


يتبع










Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-11-20, 11:00 PM   #3514

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 2

(2)


بعد صلاة المغرب
وقف جابر في ساحة بيت دبور يعطي المسدس لزين قائلا بلهجة لائمة "لا تتهور بالمسدس مرة أخرى يا زين ..إن النفس لأمارة بالسوء"
أخذه الأخير وقال وهو يضعه في حزامه"لن أسمح لأحد بأن يتعدى عليك .. والله لم تبرد ناري حتى الآن"
ربت جابر على جانب وجه أخيه قائلا بعاطفة قوية " لا حرمني الله منك وبارك فيك وحفظك ..أنا أيضا أشعر بالقهر لأني مكبل باعتبارات كثيرة فمن ناحية ميسة ومن ناحية تقاليدنا التي لا تفضل إدخال الشرطة بيننا "
لاح التجهم على وجه زين فأسرع جابر بالقول وهو يحرك سبحته بكلتا يديه "تعودت دائما أن أبحث عن النقاط الإيجابية حتى في أسوأ المواقف ورأيت أن ما حدث رغم بشاعته عجل بأن أضم ميسة إلى بيتي.. وهذا المبلغ الذي أخذته منهم تعويضا حرق دمهم وسيوقفهم عند حدهم إن شاء الله (وقال بعاطفة صادقة) و رأيناك أيها المشاغب"
أضاف زين " وفضح كاميليا في البلدة كلها .. فالخبر انتشر بأنها تغار من بنت الشيخ واستأجرت من يسقط حملها"
تغضنت ملامح جابر وقال بأسى" يعلم الله كم بذلت من مجهود خرافي لأمنع الفضيحة عن ميسة (وتحرك يدخل للبيت قائلا وهو يمسك بذراع اخيه ) تعال لنطمئن أمي وبنت الشيخ"
دخل جابر يلقي السلام فقابلته أمه وهي تتطلع في ولديها لتطمئن بأنهما بخير فحتى بعد أن اتصل بها جابر بنفسه بعد انتهاء الجلسة وطمأنها عليهما كانت لا تزال تشعر بالقلق فقالت" حمدا لله على سلامتكما "
وأجهشت بالبكاء تخبئ وجهها بطرف وشاحها فاقترب منها جابر يحضن قامتها القصيرة بينما قال زين بلهجة هادئة " لماذا البكاء يا نجف هل هذا هو الترحيب بعودتي؟"
ناظر جابر أم هاشم التي تقف باسدالها بجوار طاولة السفرة وتبادلا ابتسامة واهنة بينما أصر زين على مناكفة أمه قائلا" لم أتلق ترحيبا يليق بي حتى الآن يا نجفة (ونظر لأم هاشم يداري استياءه من أثار ما حدث على وجهها وأضاف ) ولا قالت لي زوجة ابنك الشبيهة بملاكم خرج من مباراة ..كيف حالك يا زين ..أنرت البيت يا زين ..طبخت لك يا زين"
ابتسمت أم هاشم ابتسامة واهنة وقالت " لم نطبخ اليوم لكن سأصنع لك ولجابر شيئا سريعا"
قال وهو يتحرك ليترك المكان "لا ..سأغتسل و أبدل ملابسي وأذهب لمشوار هام أولا"
قالت أم هاشم بلهجة ذات مغزى "المشوار الهام كان في حالة سيئة اليوم"
عبس زين بقلق فأبعدت امه رأسها عن حضن جابر وقالت" اطمئن عليها يا ولدي ..لقد وجدتها نصرة جالسة في الشارع على عتبة الباب لما يقرب من ساعة لم تكن قادرة على القيام من مكانها "
تملك القلق من قلب زين فتحرك مسرعا وهو يقول" أنا ذاهب"
قالها وأسرع مغادرا بينما قالت أم هاشم لجابر " وأنا سأعد طعاما سريعا"
راقبها وهي تدخل المطبخ بينما قالت نجف لولدها البكري "أحسنت بوضع المال تبرعا في مشروع خيري حتى لا يعتقدون أننا نقبل العوض"
دارى جابر الاستياء الذي لا يزال يسيطر عليه وقال "ليت كان بوسعي أن أفعل أكثر"
غمغمت نجف " ربك فوق الكل يا ولدي ..ويجازي كل إنسان على عمله في الدنيا .. احتسب عند الله الذي لا يغفل ولا ينام"
قال جابر بإرهاق "ونعم بالله"
تكلمت نجف " سألحق بصلاة المغرب لم أصلها بعد "
قال جابر وهو يتركها لتجلس على مقعدها المفضل لتصلي "تقبل الله.. لقد صليت أنا وزين مع الجماعة"
تحرك نحو المطبخ ووقف يراقب أم هاشم التي خلعت اسدالها وتقف هادئة تعد شيئا أمام المنضدة الرخامية.. فأدارت وجهها إليه بابتسامة ضعيفة تحاول التخفيف عنه فدخل خلفها ووارب الباب .
بمجرد أن اقترب منها لم تدر أم هاشم لم أجهشت فجأة بالبكاء .. فسحبها إلى حضن دافئ حصين ومال يخبئ وجهه بين كتفها ورقبتها هامسا "حقك فوق رأسي يا بنت شيخي"
غمغمت بعاطفة جارفة " بل أنت من هو فوق رأسي .. لا حرمني الله منك أبدا يا جابر وحفظك من كل شر.. كدت أن أموت من الخوف عليك "
غمغم يكبت غيظا شديدا " ليتها رجل ..والله لو كانت رجلا لاقتصصت لك منه بيدي"
غمغمت أم هاشم " وليتها لم تكن أم ابنتك لكنت سلطت عليها عفاريتي و سحلتها في الشارع أمام أنظار الجميع لكنها أفلتت مني بنت المحظوظة"
ازداد في ضمها .. في زرعها في حضنه .. لتعمق جذورها في أرضه .. وهو يقول هامسا " قدرك معي أن تتحملي وجودها في حياتي من أجل ميسة"
غمغمت تتمرغ في حضنه وكأنها تتلقى منه دواء لجروحها " قدر سأظل أشكر ربي عليه طوال حياتي .. انسى الأمر يا أبا هاشم ولا تحرق دمك قدر الله ثم لطف بنا.. حسبنا الله هو نعم الوكيل "
تمتم جابر " ونعم بالله "
××××
سأل زين نصرة "أين عم هلال؟"
ردت عليه بتطمين "آت حالا ..لقد نادى عليه أحد الجيران يريده في أمر ما فذهب له وسيعود بسرعة"
قال زين ببؤس " أنا أكاد آكل نفسي من الجوع لا أذكر أخر مرة تناولت فيها الطعام"
ضربت على صدرها تقول بتعاطف" العشاء سيكون جاهزا حالا .. كم ستبقى معنا قبل السفر مرة أخرى ؟"
رد بهدوء " أسبوع"
غمغمت وهي تشير للأرائك في ساحة البيت" تفضل حتى يأتي هلال.. أنت لا تتصور فرحتي برجوعك فبرغم الظرف الصعب لكن رؤيتك كانت مفاجأة سعيدة"
لمح إسراء آتية من خلفها بوجه مقلوب فقفزت ضربات قلبه لأقصى سرعتها وهو يتابعها حتى تجاوزتهما وسبقته نحو الجلسة الخارجية ثم وقفت تنتظره متخشبة لا تنظر نحوه فقال زين لنصرة وهو يهرش خلف رأسه " يبدو أن رؤيتي لم تكن سعيدة للكل"
ابتسمت نصرة وأمسكت بذراعه تقول بترج هامس" أنت الكبير العاقل يا زين .. وتعرفنا نحن النساء أحيانا نكن مجنونات فلا تلتفت لأي كلام غاضب اليوم "
تطلع في إسراء ثم عاد لنصرة يقول" ادعي لي أن أفلت من عقاب أبلة الناظرة يا أم كريم "
كتمت نصرة ضحكتها وتحركت لتدخل البيت بينما تحرك زين نحوها وعيناه تتحركان ببطء لتشملها من رأسها حتى أخمص قدميها وكل الشوق الذي كان يقتات عليه خلال الشهور الماضية يعربد بداخله هذه اللحظة ويلهمه بأفكار مجنونة تقطع بسببها الرقاب..
وقف أمامها فتقبضت بقوة حتى لا تهتز ولا أن يظهر عليها ارتجاف قلبها ولا تأثير حضوره القوي عليها بينما قال زين بصوت زاد من ارتعاش قلبها " مساء الخير أبلة سراء"
انتفضت غاضبة تقول وهي تنظر إليه "نعم ماذا تريد؟"
تطلع في وجهها المكفهر من الغضب وعينيها الكمونيتين اللتين تحدجانه بغيظ وأجاب بهدوء" أريد محبسي يا أبلة "
قالت باستهجان " أي محبس؟.. ليس لك عندي شيء"
قال زين معترضا " لااااا ..هذا المحبس الفضي اشتريته بنقودي ولن أمشي بدونه وقد أرتكب من أجل استعادته جريمة"
تكتفت وقالت هازئة " جريمة كالتي كنت تنوي أن توقع نفسك فيها قبل ساعات؟؟ .. جريمة كنت ستقترفها وكأنك مراهق صغير جاهل غير متحضر!"
سقطت عنه اللهجة المازحة وقال لها عابسا" هل كنت تتوقعين مني أن اتحلى بالهدوء والحكمة بعد ما حدث لزوجة أخي؟!.. هل كنت تريدينني أن أترك أخي يواجه ظرفا صعبا كهذا وحده ؟.. أنا أعرف جابر وأعرف أن نضجه وإحساسه بالمسئولية سيمنعاه من الأخذ بالثأر بالطريقة التي من الممكن أن تبرد ناره ..فكنت أحاول أن آخذ له بحق العائلة كلها"
فكت عقدة ذراعيها وصاحت باستنكار " هل الحياة غابة لا يوجد فيها شرطة؟"
رد بتحفز " أنا كنت مستعدا لكل الاحتمالات يا إسراء .. في مواقف مثل هذه وفيما يخص جابر بالذات سأفعل أي شيء من أجله حتى لو سأضحي بحياتي"
انفعلت صارخة دون إرادة منها وسيرة الموت التي عاشت معها الساعات الماضية تقبض قلبها " هكذا الأمر ببساطة؟.. أخوك فقط هو ما تفكر فيه .. دون وضع أي اعتبار لأخرين أصبحت حياتهم مرتبطة بك ؟...لأخرين مروا بأصعب اللحظات في حياتهم اليوم مرتعبين لا يعلمون ما هو مصيرك"
تسارعت دقات قلبه بشكل غير مسبوق.. هل يحلم؟ ..هل تلك الدموع التي بعينيها والتي سقطت منها دمعة ومسحتها بكبرياء بسببه؟ .. هل تخلت أخيرا عن تحفظها وعبرت عن مشاعرها تجاهه؟ .. هل تحمل له مشاعر بهذه القوة دون أن يدري وقد ظن أنه هو وحده من وقع في فخها؟
بدأت إسراء تعي شيئا فشيئا ما قالته باندفاع فاحمر وجهها وهي تتطلع فيه وهو يناظرها بنظرات ذاهلة ..ثم ازداد احمرارا وهو يقترب منها ببطء قائلا بحشرجة" ماذا قلت؟.. أعيدي ما قلتيه"
عادت خطوات للخلف حتى التصقت بالحائط وهي تقول بارتباك "قصدت ..قصدت خالتي نجف طبعا ..المسكينة كانت في حالة يرثى لها (ثم أطلقت صرخة خافتة صغيرة تقول محذره بصوت هارب منها) زين!!"
كان زين قد رفع كفيه واقترب أكثر حتى أحست بأنه على وشك أن يحضنها قبل أن تتجمد كفاه في الهواء مع تحذيرها.. فمارس جهدا كبيرا للسيطرة على نفسه وهو يراقب انكماشها اللذيذ بعد وصلة التقريع وزاد اشتعال أعصابه وأحس بأنه سيجن إن لم يقبلها ..فقال بحشرجة وكفاه يحيطان برأسها دون أن يلمسها "ماذا أفعل بك الآن وردي المناسب على كلامك سيتسبب في قطع رقبتي؟؟"
كانت أنفاسها متلاحقة كأنفاسه يتطلعان في بعضهما من هذا القرب الذي يشعل توهجا يحيط بهما فما كان منه إلا أن مد يده وأمسك بطرف وشاحها وطبع عليه قبلة قوية ..فكاد قلبها أن يغشى عليه .
عاد زين خطوات للخلف وهو يرفع سبابته قائلا بتصميم "قسما بالله لتكونين حلالي وتزفي إليّ قبل أن أترك هذا البلد عائدا لغربتي"
اتسعت عيناها بذهول فاستدار هو نحو البوابة قائلا " أين عم هلال .. لابد أن أجده فورا"
××××
العاشرة مساء
"بسرعة يا وليد ..أريد دخول الحمام بالله عليك وأشعر برغبة قوية في التقيؤ"
قالتها بسمة باضطراب وهي تسمع صوت وليد يعالج عتلة الباب فقال لها "ابتعدي أنت عن الباب"
كانت قد قضيت الساعات الماضية تبكي حتى غلبها النوم ثم استيقظت قبل وصول وليد بفترة قصيرة .. وكم شعرت بالإهانة والذل أن تحتاج لاستخدام الحمام ويغلب عليها الغثيان لكنها محبوسة بهذا الشكل المهين .. بينما والدها لم يعد من الخارج بعد..
حاولت في الوقت القصير الذي قضته بعد استيقاظها حتى وصل وليد عائدا من العاصمة تخيل سيناريوهات للأيام القادمة.. و كيف من الممكن أن تتصرف.. وكم شعرت باحتياجها الشديد لكامل ..
دفع وليد الباب بكتفه بعد أن عالج القفل فانفتح الأخير لتتنفس فاطمة الصعداء بينما تجاوزته بسمة مسرعة نحو الحمام .. وسمعتها أمها التي ذهبت خلفها تفرغ ما في معدتها بينما وقفت مهجة تتطلع في وليد العابس الوجه يتفحص أثار التلف في الباب وهو يبرطم "لا أصدق انه تركها محبوسة كل هذا الوقت"
حاولت مهجة التعامل مع الرغبة الملحة بداخلها لتوجيهه لما يمكن عمله بعد ذلك .. وأوصت نفسها بالحذر من إعلاء سقف الأمنيات حتى لا تحبط فتتأثر علاقتهما مرة أخرى.. ربما السبب متاعب الحمل وهرموناته وربما لأنها أضحت أكثر مرونة من السابق لكنها لم ترغب في خوض أي شجار وتركته ليتصرف مع أخته .. فهما ناضجان خاصة وأن بسمة ليست طرفا ضعيفا أو يستحق الشفقة فستتدخل حمائيتها للدفاع عنها ..بل إنها قوية وصامدة وتدافع عن حقها بشجاعة .. وفي الوقت نفسه بات وليد أكثر مراعاة وتفهما لذا صمتت تتأمله .
غابت بسمة في الحمام بعض الوقت ثم خرجت لتسألها أمها" هل أنت بخير؟"
غمغمت الأخيرة براحة" الحمد لله"
قال وليد متعجلا "هلا أسرعت وأحضرت حقيبتك يا بسمة "
طالعته العيون بتساؤل فأشار لساعته قائلا" أبوك على وشك العودة لذا علينا التحرك فورا لأعيدك للعاصمة قبل وصوله "
تفاجأت بسمة وحدقت في وجهه ليقول وليد " هل ستضيعين الوقت في تأمل ملامحي! .. هيا بالله عليك قبل أن يعود وتسمع الناس أصواتنا العالية "
نفضت بسمة عنها المفاجأة وأسرعت نحو الغرفة تقول" سأحضر حقيبتي بسرعة"
تأملته فاطمة بمشاعر مختلطة بين السعادة والقلق فقال وليد لأمه "حين يحضر اخبريه أني من كسر الباب وأني أخذتها لأعيدها للعاصمة ودعي الباقي عليّ حين أعود"
واستدار لمهجة التي ألجمتها الفرحة وقال ببؤس طفولي" لو تعدين أي شيء في خمس دقائق لآكله في الطريق فأنا جائع جدا "
غمغمت وهي تتحرك لتنزل والدموع تملأ عينيها " حاضر ..حاضر"
بعد خمس دقائق كانوا جميعا بالطابق الأرضي ووليد يقف على باب البيت في انتظار بسمة التي لفت وشاحها حول رأسها وهي تنزل مسرعة بينما أعطت مهجة لوليد علبتين فسألها" ما هذا؟"
قالت وهي تتطلع في ملامحه المرهقة مشفقة لعودته مرة أخرى كل هذه المسافة دون راحة " وضعت لك البسلة فوق الأرز وقطعت فوقها اللحم لتكون سهلة الأكل في السيارة فليس هناك وقت لعمل سندوتشات .. وكذلك صنعت لبسمة فلم تأكل طوال النهار"
قال وهو يأخذ العلبتين" سلمت يداك (وقال لبسمة التي تحضن أمها) هيا لابد أن نخرج على الطريق قبل أن يصل أبوك"
تركت بسمة حضن أمها وناظرتا بعضهما باكيتين لتقول بسمة من بين دموعها" لا أعرف متى سأراك ثانية لكني سأتصل بك دوما ..وإن شاء الله مادام وليد في صفي فسيستطيع أن يحضرك لزيارتي .. لم أكن أحب أن أفعل هذا لكن أبي من أجبرني على ذلك"
مسحت فاطمة عينيها بطرف وشاحها وقالت" يسر الله لك حياتك يا بسمة وأسعدك يا بنت بطني "
"هيا يا ست الناس"
قالها وليد بنزق من أمام البيت واقفا بجوار سيارته فقالت بسمة" حاضر حالا"
تحركت تقبل وجنتي مهجة ثم توجهت ناحية الباب لكنها توقفت وانعطفت يسارا ناحية المطبخ فسألتها أمها باندهاش " ماذا تفعلين؟"
غمغمت وهي تبحث في الخزانات" أبحث عن برطمان الجبن القديم"
عقدت فاطمة حاجبيها بينما قالت مهجة" جهزت لك طعاما مع وليد"
سحبت بسمة برطمانا بلاستيكيا وناظرته بسعادة وهي تقول "لا .. بل أريد هذا الجبن القديم الحادق ...الحقيقة أحلم بهذا البرطمان منذ أيام وكنت أخشى ألا أجده "
فتحت بسمة البرطمان وتشممت رائحة الجبن ثم سحبت ملعقة تقول "إياكم أن تكونوا قد أكلتم قشر البرتقال "
دست الملعقة في البرطمان تخرج من بين الجبن قشرة برتقال مخللة واستدارت حولها تبحث عن قطعة خبز فتطلعت فاطمة في ابنتها بذهول وهي تبعد عن مخيلتها ما تفكر فيه حتى لا تحبط بعد ذلك .. بينما تحركت مهجة للمطبخ تخرج لبسمة رغيفا من الخبز الفلاحي فقطعت منه بسمة لقمة لتضع فيها قطعة قشر البرتقال في الوقت الذي صرخ فيه وليد من الخارج "ارحموني"
غمغمت بفم مملوء بالطعام" آتية "
وتحركت وهي تحضن البرطمان ثم سحبت كيس الخبز في طريقها للخارج.
قابلها وليد يجز على أسنانه فناولته كيس الخبز ليضعه في المقعد الخلفي ثم استدار إليها يقول" ابوك لو رآنا سيستخدم ورقة التهديد الشهيرة وسيحلف على أمك بالطلاق لليّ ذراعنا .. علينا أن نخرجك من هنا قبل مجيئه .. (وأخرج من جيبه هاتفها يعطيه لها قائلا ) وجدته يحتفظ به في درج مكتبه"
لم تستطع بسمة المقاومة فاستطالت لتحضنه بذراع بينما الأخر لا يزال يحضن البرطمان وغمغمت باكية" لا حرمني الله منك يا وليد"
ربت على ظهرها ثم سحبها ودار حول مقدمة السيارة ليجلسها وعاد لمقعده أمام أنظار زوجته وأمه المودعة لهما وتحرك بسرعة ليخرج على الطريق قبل وصول والده ..فاستدارت بسمة تنظر لأمها التي تمسح دموعها بطرف وشاحها وانهمرت دموعها هي الأخرى .. فلم تتوقع أبدا أن تأتي عليها لحظة تغادر فيها القرية هاربة تحت جناح الظلام.
××××


يتبع











التعديل الأخير تم بواسطة rola2065 ; 28-11-20 الساعة 02:38 AM
Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-11-20, 11:01 PM   #3515

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 3

(3)



الثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل
الساعات تمر ببطء سلحفاة في حجم ديناصور يجثم فوق الصدور .. وهو يتلوى من القلق .. واليوم بالذات هناك شيء يحدث معه هو يستشعره لكنه غير قادر على تحديده ..
تحرك شامل في الحديقة جيئة وذهابا بعد أن انتهى العمل في المطعم وأغلقت أبوابه.. تحرك يشعر بأنه على وشك الجنون ..فمدة أسبوع بدون أي أخبار أمر مقلق بشدة .. ويشفق على والده الذي يلتزم صمتا يزيد من وجع قلبه .
أخرج هاتفه من جيبه واتصل بالمحامي الذي رد عليه بعد برهة ليقول شامل باعتذار" أنا آسف جدا .. أعلم أن الوقت متأخر لكن تحملني .. هلا بحثت مرة أخرى عن اسمه في أقسام الشرطة في العاصمة ..أعلم أننا بحثنا قبل ذلك لكن أرجوك هلا قمنا بذلك مرة أخرى؟"
بعد دقائق خرجت ونس من باب الفيلا ووقفت تتطلع فيه بقلق وشفقة فلفحتها برودة الجو لتتدثر جيدا بالوشاح الثقيل حول كتفيها وتقترب منه فاستدار شامل نحوها حين سمع خطواتها ثم قال بلهجة لائمة" لماذا خرجت في هذا الجو يا ونس؟.. أمي شددت عليّ بشأن حساسية حالتك الصحية كنفساء "
ابتسمت ونس وتذكرت استياء حماتها من حركتها الكثيرة دون راحة ثم اقتربت من شامل وأمسكت بذراعه بنفس الطريقة التي يفعلها كامل معه فزفر شامل قائلا "ليته ما أوصاك بهذا الأمر ..وكأنه يقصد تعذيبي حتى وهو بعيد"
أخذت عينة دم من إصبعه ووضعتها على قياس مستوى السكر وانتظرت النتيجة ثم عبست تقول "عايي يا شامي ..أعييا من المية الثابقة"
(عالي يا شامل أعلى من المرة السابقة)
غمغم عابسا "لا تشغلي بالك يا ونس ..واذهبي بالله عليك للداخل (ونظر في ساعته وقال ) الوقت قد تأخر لماذا لم تنامي حتى الآن "
هزت كتفها برفض طفولي ثم قالت بابتسامة " كنت أيسم يوحة (واخرجت هاتفها من جيبها ووضعت بدلا منه الجهاز وأضافت ) صويت يك ما يثمت "
(كنت أرسم لوحة ..صورت لك ما رسمت)
تطلع شامل في الهاتف وارتجف قلبه كانت صورة له هو وكامل مرسومة بالقلم الرصاص .. أحدهما مبتسم الوجه عاقدا ذراعيه أمام صدره والثاني رغم جدية ملامحه كان منبسط الوجه مبتسم العينين يلف ذراعه حول رقبة الأخر بشكل غير محدد إن كان يحضنه أو يخنقه وعبارة مكتوبة فوق اللوحة (ماذا يحدث معك؟)
قرصت الدموع عيني شامل وغمغم "ليتني أستطيع أن أصل إليه كي اسأله هذا السؤال يا ونس"
اقتربت منه وحضنت جذعه فربت شامل على ظهرها وقبّل رأسها مغمغما بخفوت "هل أنت سعيدة لأن آسر استجاب أخيرا للرضاعة؟"
هزت رأسها وقالت "متفائية بهذا ايحدث يا أعيف كيف أعبي عن شعويي بشأنه يكني متفائية "
"متفائلة بهذا الحدث لا أعرف كيف أعبر عن شعوري بشأنه لكني متفائلة "
قبّل رأسها مجددا ثم قال" يا رب يا ونس .. أتمنى أن يرحمنا من هذا العذاب ويطمئننا عليه"
توقفت سيارة وليد أمام فيلا نخلة ليقول الأخير" حمدا لله على سلامتك سيدة بسمة"
أحاطت عنقه بذراعيها تقول بتأثر شديد "مهما وصفت لك شعوري لن أستطيع التعبير عنه جيدا .. خاصة في هذه الأيام التي أفتقد فيها وجود كامل في حياتي ..ولا عن مدى إحساسي بالامتنان أن لي ظهرا وسندا من عائلتي"
حضنها وليد قائلا" تمنيت أن أسمع هذه العبارة منك يوما يا بسمة والحمد لله أن حقق الله لي ذلك .. أتمنى دوما أن أكون ذلك الأخ الذي تتمنينه وأن أكون دوما على قدر المسؤولية"
أبعدت رأسها تقول بلهجة باكية" لا أدري لماذا تلح على رأسي طول الطريق مشاهد من طفولتك ..كنتَ طفلا جميلا جدا"
رن هاتف وليد للمرة العاشرة فلملم ضحكاته التي انفجرت مع عبارتها وقال هيا" انزلي حتى أرد عليه بعد أن أتركك"
نزلا من السيارة فأسرعت بسمة تفتح البوابة بمفتاحها ليستدير شامل عابسا بينما تحفزت ونس ولمعت عيناها فدخلت بسمة وتطلعت في وجهيهما ثم تغضنت ملامحها وقد فهمت سبب تخشبهما على هذه الحالة فقالت "آسفة لست هو"
نفض شامل عنه المفاجأة وقال" لم تخبرينا أنك ستعودين في نفس اليوم وفي هذا الوقت المتأخر هل حدث شيء؟!!"
غمغمت باقتضاب "لا شيء .. تشاجرت مع أبي"
ابتأست ملامح شامل وقد فهم السبب فقال وهو يقترب منها" ومن أوصلك ؟..ولماذا لم تطلبي منا أن نرسل لك السائق"
ظهر وليد من خلفها يقول" السلام عليكم"
سلم عليه شامل مرحبا ليقول وليد لبسمة" سأذهب أنا"
قالت باعتراض "الوقت قد تأخر!"
تدخل شامل قائلا "بسمة على حق ..بِت معنا الليلة"
قال وليد معتذرا" لن أستطيع فهناك أمور في البيت تستدعي عودتي فورا"
قالت بسمة مشفقة "ولكنك لم ترتح حتى"
قال وليد وهو يعود لسيارته وصوت هاتفه يرن" لابد أن أعود كما تعلمين "
حين ركب السيارة قالت بسمة بتأثر" طمئني عليك حين تصل.. لن أنام إلا بعد أن تطمئنني"
أشار لها بيده مودعا فوقفت تشيعه بنظراتها بينما سحب وليد نفسا ورد على الهاتف بمجرد أن ابتعدت السيارة يقول بهدوء "نعم أبي"
أتاه سيلا من الشتائم والتهديد والوعيد فقال له " يا حاج الناس ستتحدث سواء كانت في بيت أبيها أو في بيت زوجها ..ومادامت تحبه ومتمسكة به لماذا نعذبها .. كما أنه حتى لو كان كامل قد فعلها فقد حدث الامر نتيجة لمشاجرة أي أنه ليس مجرما بطبعه وإنما لحظة انتصر فيها الشيطان وهذا يحدث أحيانا في بلدتنا ليست قصة جديدة .. كما أنك بالتأكيد لا تريد معاداة غنيم بك خاصة وأن القضية لا تزال قيد التحقيق"
أبعد الهاتف عن أذنه حتى لا يسمع صياح والده الغاضب ثم أعاده يقول بهدوء" لا تنفعل حتى لا تؤذي صحتك.. حين أعود سنتحدث يا حاج .. سلام"
أغلق الخط وزفر يشعر بالخلاص وتمنى أن يصل البيت فورا فقد كان مجهدا جدا.
××××
صباح اليوم التالي
حبينا .. حبينا ..
حبيناكي حبينا
لو ما حبينا عيونك
ما اتعذبنا ولا جينا
على رائحة القهوة الصباحية داعبت كلمات الأغنية قلب بسمة ومشاعرها فوقفت في المطعم تتذكر رقص كامل مع شامل وونس ذلك اليوم ..وتذكرت هيئته المهلكة ونظراته القوية التي كانت تحاصرها هذه الفترة ..واشتعلت أعصابها من ذكرى تلك القبلة في غرفة التبريد .. تحب قبلته وما تفعله بها .. تحب كل شيء فيه .. كل شيء يخصه .. وتحفظ تفاصيله عن ظهر قلب حتى التي تزعجها منه ..
انها تمر بأصعب فترات حياتها هذه الأيام.. لكنها وعدت نفسها أن تكون قوية .. لهذا لم تستسلم لرغبتها في النوم رغم عدم نومها طوال الليل حتى بعد أن اطمأنت على وصول وليد في الثالثة صباحا لم تستطع النوم .. وفي الصباح نزلت مبكرا لتعد القهوة بمعرفتها في المطعم وتعيش على رائحتها مع الذكريات.
تطلعت في غنيم الواقف يتسلم شيئا يخص المطعم بدلا من شامل الذي ذهب مع ونس لآسر في زيارة صباحية .. وحمدت ربها أنه لم يستفسر منها عن السبب الذي جعلها تعود بعد منتصف ليل أمس .. تعرف بأنه قد خمن ما حدث لكنه لم يرغب في جرحها بالسؤال واكتفى بالصمت دون تعليق .
بعد قليل دخل شامل المطعم وانخطف قلبه بأغنية من أغنيات كامل المفضلة فتبادل مع بسمة ابتسامة حزينة ليسأله غنيم الذي استقر على أحد المقاعد" كيف حال الصغير؟"
رد شامل مطمئنا "حمدا لله ..بدأ يستجيب للرضاعة ..ونس متأثرة جدا وكانت تبكي .. هي الآن تحكي لسوسو عن تفاصيل الزيارة وتريها الصور "
قال غنيم بهدوء " الله كريم بإذن الله يعود معكما قريبا (ودقق في وجهه وأضاف ) عليك بالاهتمام بصحتك يا شامل ..أخبرتني ونس قبل مغادرتكما إلى الحضانة عن عدم نومك طوال الليل"
وضع شامل يديه في جيبي بنطاله وقال بإرهاق" ليلة أمس كنت قلقا ومشدود الأعصاب ولازلت حتى الآن"
رن هاتفه فأخرجه من جيبه وتطلع في الرقم غير المسجل ثم أجاب" آلو"
"شامل هذا أنا"
(هذا أنا)..
كلمة لو سئل عن معناها فلن يستطيع تفسير إن كان يعني بهذه الـ (أنا) هو أم نفسه.. فسقط قلبه بين قدميه وصرخ بحشرجة " كامل (ثم هتف وعيناه تكادا تخرجان من محجريهما) أين أنت يا زفت"
اتسعت عينا غنيم وتركت بسمة كوب القهوة فوق الطاولة العالية وأسرعت إليه وقد توقف قلبها عن النبض بينما أنصت شامل إلى صوت أخيه المرهق بشدة "شامل اسمعني لأني ليس معي وقت سوى دقائق للتحدث في الهاتف .. أنا في قسم شرطة (… ) .. لقد سلمت نفسي في مدينة (… ) وتم ترحيلي للمحافظة التي تقع فيها قرية مفرح بعد رحلة طويلة مجهدة من المماطلة .. فوصلت مساء أمس وسيتم عرضي على النيابة ظهر الغد .. وعليك إرسال المحامي ليكون معي في التحقيق "
حاولت بسمة أخذ الهاتف من شامل فحدجها بنظرة رافضة وأشار لها ألا تفعل وهو يقول لتوأمه "لا تقلق حالا سأتحدث معه "
قال كامل في عجلة "مضطر أن أغلق الخط ..لا تخبر أمي بالله عليك.. اخترع أي قصة.. وطمئن أبي وباسمة ..سلام "
أغلق الخط فوقفت بسمة تمسك بقلبها ليقول شامل لاهثا وهو يتطلع حوله ليتأكد من خلو المطعم " لقد سلم نفسه منذ أسبوع ووصل لمحافظة ( ...) ليلة أمس .. سأتصل بالمحامي "
قبل أن يرفع الهاتف على أذنه صاح بجزع "بسمة"
وأسرع بالإمساك بها قبل أن تسقط على الأرض مغشيا عليها ..
××××
أغلق كامل الهاتف ثم تحرك مع اثنين من العساكر في أروقة قسم الشرطة المزدحم حتى عاد إلى غرفة الحجز الملحقة بالقسم والتي بات فيها ليلته.
تطلع فيه المساجين بفضول ..فتحرك يجلس في أحد أركان الغرفة الضيقة الخانقة وأسند رأسه للخلف بإجهاد شديد ثم عاد بذكرياته لليلة رأس السنة.
قبل أسبوع
كان ينظر للصحراء المترامية على الجانبين والظلام الذي يحيط به ينافس تلك القتامة التي تجثم فوق صدره والحيرة التي تأكله..
إنه منذ أن وصل صباح اليوم وقاده سحس لبيت مهجور وجد فيه مجموعة من الرجال مختلفي الجنسيات ينتظرون مثله السفر أخذ يفكر بهدوء بعيدا عن الضغط العاطفي لعائلته .. يفكر في موقفه ومدى صحة تصرفه بالهرب وتأكيد التهمة عليه .. لكنه في الوقت نفسه ومن المعلومات التي عرفها عن الحادث موقفه صعب ..خاصة وأنه لا يعرف بالضبط في أي يوم حدثت الجريمة وفي أي وقت بالضبط.
سأل أحد الأفارقة المتواجدين بالسيارة بلغة عربية مكسرة عن الوقت المتبقي للوصول للحدود فرد عليه السائق بأنهم قد قطعوا ربع المسافة فقط.
عاد كامل يتطلع من النافذة من جديد ويفكر .. ماذا لو سلم نفسه؟ .. وحاول مع المحامي إيجاد ثغرة في القضية ..بالتأكيد أقوال بدير هذا مهما كانت متقنة لابد أن يكون فيها ثغرة يمكن إثبات كذبه منها ..
إن عليه أن يختار بين أمانه وحريته وكبريائه من ناحية وشرفه وشرف عائلته وكرامته من ناحية أخرى .. وتساءل كيف ستواجه عائلته المجتمع بعد هروبه .. كيف ستواجه بسمة أهل القرية؟ .. إنها ستكون في نظرهم زوجة القاتل الهارب.
هو ليس بجبان ولم يكن أبدا كذلك .. لا ينكر أن الخبر زلزل الأرض من تحت قدميه ..ولا ينكر بأنه قد صدم بما قاده إليه تهوره وبأن تأثير ما تسبب فيه على كل فرد في عائلته قد أضاف عليه حملا ثقيلا ربما أثر على قراراته ..وربما هي الصدمة التي شلت عقله عن التفكير..
ربما هو الخوف .. أجل عليه أن يتعرف حتى بينه وبين نفسه بأنه يخاف من تجربة السجن ..فمهما كان هو ليس في بلده ومهما ادعى عدم تأثره إلا أن هناك وشم طُبع في لا شعوره بعد تجربة الحرب والهجرة يجعله يشعر بالخوف من السجون والظلم أكثر من الشخص العادي..
ومع هذا وبرغم كل شيء ..عليه أن يعترف أيضا أن هروبه تصرف خاطئ
.. سأل نفسه سؤالا مباشرا قبل نفاذ الوقت " هل تملك الشجاعة يا ابن نخلة لمواجهة أخطاءك؟ .. أم أنك جبان .. لا تسوى قرشا في سوق الرجال بدون أموال والدك وحمايته"
عند هذه اللحظة لم يدر أنه قد اندفع يقول بخشونة "توقف"
عبس السائق وسأله" ماذا حدث؟"
كررها يمسك بعجلة القيادة "توقف قلت"
هدر الرجل " لماذا؟"
نطقها بعزم " أريد النزول"
صاح السائق " نعم!!.. هل جننت؟؟.. لا يوجد خيار لذلك"
قال آمرا وقد بدأ القرار يترسخ في يقينه "قلت توقف وانزلني"
تدخل أحدهم يقول من المقاعد الخلفية بتوتر" أين ستنزل يا أستاذ الطريق الذي نسير عليه مهجور والليل والصحراء حولنا!"
تجاهله كامل وأمسك بذراع السائق يقول" أريد أن أنزل هنا"
أخرج السائق من أحد الأدراج مسدسا وأشهره في وجه كامل قائلا بلهجة تنافس ملامحه قسوة "لا يوجد نزول وإلا سأقتلك هنا وأدفنك دون أن يشعر بك أحد"
صاح أحد الراكبين قائلا بتوتر "وحدوا الله يا جماعة "
ناظر كامل السائق بنظرات شرسة قائلا وهو يتطلع في المسدس" غيرت رأيي وسأنزل بهدوء واكملوا أنتم طريقكم "
قال السائق باندهاش" أين ستنزل أيها المجنون؟!.. وماذا ستفعل؟"
أجابه كامل "هذا ليس من شأنك إن كنت لا تريدني ألا أثير المشاكل أنزلني ..وإلا صدقني في أقرب مكان سألفت الانتباه لنا وسيقبض علينا كلنا"
قال أحدهم من الخلف" إنه بالتأكيد يخشى أن تبلغ عنا الشرطة"
رد كامل "لكم وعدي بألا أفعل ( وعاد ينظر للسائق مضيفا) صدقني لن أسكت فأمامك خيارين أن تصدق كلمتي بأني لن أوشي بكم أو أسبب لكم المشاكل "
لاح التردد قليلا على وجه السائق ثم قال بتهديد " ليس هناك نزول هل فهمت .. وإن حاولت سأفرغ فيك طلقات هذا المسدس "
صمت كامل ونظر للمسدس في يد الرجل ثم أخذ ذهنه يعمل في وضع الخطط متسائلا كيف سيفلت منهم وهذا الرجل يستطيع قتله وتركه في الصحراء؟.
بعد حوالي ساعة عرجت السيارة إلى أحد الطرق غير المعبدة حتى وصلوا لبناء قديم وحيد غير مكتمل الجدران وسط مساحة كبيرة من الخلاء والظلام .. ففهم كامل بأن هذا المكان لشراء وقود للسيارة وهو ما تأكد منه حينما خرج رجل عجوز من خلف تلك الجدران غير المكتملة يحمل جالونا كبيرا فنزل له السائق.
بسرعة أخذ كامل قراره ونزل من السيارة وسط ذهول البقية وقال للسائق الذي امتقع وجهه "إلى هنا وكفى ..سأكمل طريقي أنا للعودة"
تطلع فيه السائق بغضب لكنه لم يستطع التحدث أمام الرجل الأخر وأحس كامل أنه لم يجد بدا من تركه فبالتأكيد هو ليس غبيا ليعرض المجموعة كلها للخطر من أجل راكب واحد مشاغب مثله ليقول السائق من بين أسنانه" كما تشاء .. وأعلم أنك ستندم لأن هذا المكان مهجور تماما"
انقد السائق الرجل العجوز النقود وركب السيارة التي تحركت مبتعدة فتطلع كامل فيها ثم في المكان الخالي حوله وسأل نفسه" ماذا بعد؟"
دقق فيه العجوز قائلا باندهاش" ما الذي أنزلك هنا ولماذا تركتهم"
أجاب كامل باقتضاب" عليّ أن أعود هل تملك هاتف؟"
ضحك العجوز فلاحت أسنانه المتكسرة ورد" أي هواتف في هذا المكان يا أستاذ .. لا يوجد شبكات للهاتف من الأساس في هذه المنطقة ألا تعرف أين نحن؟"
سأله كامل" ما اسم هذه المنطقة؟"
الإجابة لم يفهم منها كامل شيئا سوى أن أقرب مكان به تجمعات سكنية على بعد كبير جدا فسأله" وهل أنت هنا وحدك؟"
تحرك العجوز مبتعدا وهو يجيب " أكل العيش يا أستاذ ..أنا ابقى هنا أثناء الليل ..وشخص أخر يبدل معي بالنهار"
ونزل يجلس على صخرة أمام بعض الحطب المشتعل ثم أنزل من فوقه أبريقا وصب منه في كوب وألقى بما فيه أرضا وعاد يملأه بالشاي ويعطيه لكامل فالتقطه الأخير وهو يضع حقيبة ظهره على الأرض ويتخذ من إحدى الصخور مجلسا ثم نظر في شكل الكوب المتسخ باشمئزاز لكنه كان بحاجة لشرب أي شيء ربما شعر ببعض الدفء في هذا الجو قارص البرودة فرشف بعضا من الشاي شديد المرارة وسأله" ألا تخشى من بقاءك هنا وحدك "
قال الرجل ساخرا " كما يقول المثل (ماذا ستأخذ الريح من البلاط؟) ماذا سيأخذ أي شخص مني؟ .. ( وأضاف بلهجة جادة ) الخوف لا يسكن إلا القلب الفارغ "
سأله كامل "كيف أستطيع الذهاب لأقرب مكان مأهول بالسكان؟.. هل أستطيع استئجار أي سيارة؟"
أجاب الرجل وهو يرشف الشاي بصوت مسموع من كوب متسخ أخر " هذا أمر غير معلوم .. فالسيارات تمر من هنا بشكل نادر ربما كل يومين أو ثلاثة تمر واحدة كله حسب الأرزاق "
سأله " وأنت كيف تعود صباحا ؟"
رد العجوز " الرجل الذي يستلم مني وردية النهار يحضر بسيارة صغيرة أغادر بها ثم أعود له في المساء وأحيانا يرسل شخصا أخر بالسيارة ليحل محلي أثناء النهار "
سأله كامل بلهفة" هل تستطيع ايصالي لأقرب مكان أقدر أن أحصل منه على مواصلة أخرى؟"
صمت الرجل قليلا يحتسي الشاي ثم قال" لا أعرف فالسيارة ليست ملكي وإنما ملك ذلك الشخص ..وبصراحة هو بخيل ويعطيني إياها على مضض"
قال كامل وهو يتحسس جيبه ليتأكد من أنه لا يزال يحمل بعض النقود "سأتفاهم معه وأدفع له ما يريد"
هز الرجل كتفيه (بلا أعرف ) ثم ساد الصمت.
قضى كامل ليلتها جالسا على تلك الصخرة يحدق في الظلام ويسترجع كل شيء مر به في حياته وكأنه يعيد تقييم كل شيء حوله .. ينظر للأمور بنظرة شمولية متجردة من الأنا ومن عنجهيته .. متجردة من وجود شامل في حياته .. فقط هو .. كامل .
حين بدأ يبهت لون الظلام ويقترب النور وجد الرجل العجوز يتوضأ من إناء قديم يغرف به الماء من إناء فخاري كبير ثم سمعه يسأله" هل ستصلي معي؟"
استقام كامل واقفا يقول" أجل ..فأنا أحوج للصلاة في هذه اللحظة" وتوجه بعدها يلتقط الإناء ليتوضأ.
بعد عدة ساعات قضاها العجوز بعد أن فرغا من الصلاة في تلاوة القرآن بصوت مسموع منغم يثير في النفس الشجن من مصحف صغير جدا كان يلصقه بعينيه سمع كامل صوت سيارة قادمة ليجد أمامه نصف نقل ينزل منها رجل عابس الوجه يختلف تماما عن ذلك العجوز البسيط فوقف الرجل يتطلع في كامل باستغراب ثم سأل العجوز" من هذا؟"
تكلم كامل" احتاج لمواصلة وسأدفع لك ثمنها"
وقف الرجل ذو الوجه المقلوب يتطلع في كامل ويبدو أنه قد فهم من هيئته بأنه ميسور الحال فنطق بالمبلغ الذي يريده.
ارتفع حاجب كامل بينما ناظره العجوز بغير رضا لكنه لم يتدخل فاعترض كامل على المبلغ الكبير الذي طلبه .
مط الرجل شفتيه قائلا "هذا ما عندي ..إن لم يناسبك فانتظر الفرج يومين ..ثلاثة أنت وحظك"
كان المبلغ الذي طلبه الرجل أكبر بكثير مما يحمل في جيبه فتملك الغضب من كامل وجز على أسنانه ينوي بأن ينقض على الرجل قائلا "هل تعلم أني قادر على ضربك وأخذ السيارة منك ؟"
وأكمل في سره" لكني لن أفعلها لأني احتاج لباقي رصيدي من الستر في طريق مجهول سأحمل فيه روحي على كفي"
دون أي كلام أخرج الرجل من جيبه مسدسا صغيرا وقال لكامل ببرود "وأنا أيضا أستطيع فعل ذلك بك "
امتقع وجه كامل يتطلع في المسدس الذي يُشهر في وجهه للمرة الثانية في وقت قصير فأضاف الرجل بتهديد وهو يشير بالمسدس "هيا من هنا لا تقف في هذا المكان فهو يخصني .. الصحراء ممتدة أمامك (ونظر للعجوز قائلا بلهجة معنفة ) وأنت لا تستبقي أحدا هنا مرة أخرى .. تفضل خذ السيارة وأرحل"
لاح الاستياء على وجه العجوز لكنه تحرك مرغما ففهم كامل أن الرجل هو رب عمله ولم يدر كيف يتصرف فاستخدامه للقوة لن يفيده فاخرج من جيبه كل النقود التي يحملها .. فما كان متفق عليه أن يحول له شامل نقودا بمجرد وصوله للدولة المجاورة.. وقال للرجل بلهجة جرحت كرامته وهو يشعر بالإذلال وباضطراره لمهادنة صاحب السيارة الجشع بدلا من دق عنقه" صدقني ليس معي إلا هذا المبلغ"
تطلع الرجل في المبلغ في يد كامل ثم سأله" كم هذا المبلغ ؟"
حين أخبره كامل رد الرجل باعتراض" آسف هذا نصف ما أريد تقريبا"
قال كامل وهو يطحن ضروسه فلم يتعرض لموقف كهذا أبدا في حياته "ليس معي إلا هذا المبلغ صدقني "
هز الرجل كتفيه واستدار يقول للرجل العجوز الذي يناظر كامل بتعاطف "هيا لماذا لازلت واقفا"
قال كامل" ربما لو أوصلتني لنقطة ما.. أتصل بأهلي ويرسلون لك باقي المبلغ"
رد الرجل باستهجان" لست صغيرا يا أستاذ لأصدق هذا الكلام.. كما أنني لست من سيوصلك ولكن هذا العجوز الذي تأخر على العودة .. أي أنني لا أضمن صدق تنفيذك لما تقول "
رفع كامل قبضته يسيطر على غضب متأجج بداخله فتطلع الرجل في ساعة كامل قائلا "من الممكن أن آخذ هذه مع المبلغ"
نظر كامل في الساعة التي أهدته إياها بسمة وقال له باستنكار "هل تعلم كم ثمن هذه؟"
هز الرجل كتفيه ورد" لا ..ولكن تبدو ثمينة"
فكر كامل قليلا ثم قال مشترطا" لو أعطيتك إياها ستترك لي المبلغ"
رد الرجل نافيا " بالطبع لا ..فما أدراني بسعر هذه الساعة وإن كنت سأستطيع التصرف فيها أم لا .. لذا سأخذ الاثنين .. موافق؟ أم أطلب من العجوز المغادرة؟"
صمت كامل لبرهة والغضب والغيظ يحرضاه على ارتكاب الجرائم ثم قال وهو يخلع الساعة من يده بقلب متألم "موافق"
بعد ساعة كان كامل لا يزال في السيارة بجوار العجوز الذي أخذ يثرثر أثناء الطريق ..فمرا من أمام كمين للشرطة وتوتر كامل وخاف أن يُقبض عليه قبل أن يسلم نفسه .. فبالطبع وجوده في منطقة مهجورة كهذه سيعتبرون أنه كان ينوي الهرب وليس تسليم نفسه وهو يريد أن يثبت حسن نيته بالمبادرة .. لكن السيارة مرت بدون تفتيش وأخذ كامل يفكر .. ماذا يفعل؟.. فهو لا يحمل أي نقود وفرصة القبض عليه تزداد مع اقترابهم من العمران فسأل العجوز "ألا توجد هواتف في المكان الذي تسكن فيه؟"
رد الرجل نافيا " لا توجد أي هواتف إلا في الأماكن الحكومية كقسم الشرطة مثلا ستجد هاتفا أرضيا فلا توجد شبكات للهواتف المحمولة"
تقبض كامل وعاد يتطلع في الصحراء والشمس تضرب في رأسه المليء بالأفكار ثم لمح على الجانب الأخر مقرا لقسم شرطة المنطقة ..
تسارعت ضربات قلبه وأخذت أنظاره تتحرك مع تحرك السيارة تتطلع فيه حتى ابتعد عنه ..ثم نظر أمامه يفكر ويوازن الحلول المطروحة والاحتمالات غير المرغوب فيها وقال للعجوز "توقف هنا"
عبس الأخير وهو يهدئ من سرعة السيارة حتى أوقفها وناظره بتساؤل
فبلع كامل ريقه وقال له" سأنزل هنا"
نظر الرجل حوله وسأل" هنا أين؟"
أجابه كامل وهو يمسك بحقيبة ظهره "لمحت مقرا لقسم شرطة سأذهب إليه ليتصلوا لي بأهلي"
هز الرجل رأسه فقال كامل وهو يفتح عتلة الباب" ادعي لي أيها العجوز لعلها ساعة استجابة "
تحركت مقلتا الأخير على وجه كامل وقال بلهجة صادقة " أنا لا أعلم لماذا أنت هنا في هذا المكان؟.. لكني أسأل الله أن ييسر أمرك ويهديك للطريق الصحيح "
ابتسم كامل وترجل من السيارة ووقف يناظر العجوز مترددا ثم قال له وهو يفتح حقيبته ويخرج منها مصحفا بحجم الكف "خذ هذا لتقرأ فيه بشكل أوضح واعطني الأخر الصغير"
تطلع الرجل في المصحف في يد كامل متفاجئا ثم مد يده يأخذه بامتنان وتأثر وفتح صفحاته ذات الخط الأكبر والأوضح بينما مد كامل ذراعه الطويل يأخذ المصحف الصغير المهترئ من رف السيارة وتحرك مغادرا في الاتجاه العكسي ليسلم نفسه بنفسه قبل أن يتم القبض عليه .
عاد كامل بذكرياته يتطلع في الجدران الخانقة حوله ويتذكر كيف تحمل غرفة حجز أخرى أكثر ضيقا على مدى الأيام الماضية ..فبمجرد أن سلم نفسه وضعه ضابط برتبة صغيرة في غرفة الحجز حتى يحضر مأمور القسم الذي كان في مهمة كما قيل له .. وبعدها بيومين قابل ضابط شرطة أعلى رتبة من الأول فأمر بأخذ صورة من بصماته وطلب الكشف عنها ثم أعيد لغرفة الحجز مرة أخرى دون أن يسمح له بإجراء أي اتصال هاتفي .. وأحس خلال تلك الأيام أن هناك تعنتا ضده هو بالذات لأنه من جنسية أخرى ولم يفهم السبب لكن ما سمعه من بعض المساجين بعد ذلك أن هناك عملية إرهابية نفذت ضد أفراد من الجيش ليلة رأس السنة بالقرب من المنطقة .. فخمن بأن ما يحدث معه من تعنت وتطويل ربما توجسا منه أن يكون على صلة بالمعتدين وقد أكد له عسكري تخمينه حينما أجابه بتوجس حين كرر طلبه في أن يجري اتصالا هاتفيا " وهل تعتقد أننا سنعطيك الفرصة بأن تتصل بزملائك الإرهابيين ليحضروا لتفجير قسم الشرطة أيضا أيها الوافد الإرهابي؟!!"
على الرغم من سذاجة ما قاله العسكري فهم كامل أن هناك حالة من الاستنفار ولم يدر وقتها أهو تعيس الحظ أن سلم نفسه في توقيت كهذا في مكان كهذا ..أم ذا حظ سعيد أن بادر بذلك قبل أن يقبض عليه في هذا التوقيت بالذات وتلفق له المزيد من التهم .. لكنه ظل في هذه المعاناة متحملا .. يلجم نفسه عن الغضب ويأمرها بالصبر حتى لا يزيد موقفه تعقيدا .. وكم كان ذلك صعبا عليه .. حتى تم التحقيق معه بشكل رسمي قبل يومين وصدر قرار بترحيله إلى هذه المحافظة بعد أن تم الكشف عن هويته ومعرفة بأنه مطلوب على ذمة قضية هنا .
إنه خائف من القادم ...خائف من أن يفشل في إثبات براءته ..خائف على أمه حين تعلم بأنه قد سلم نفسه ..وخائف على الجميع وخائف من التجربة كلها ..
أخرج كامل المصحف الصغير المهترئ من جيبه .. الشيء الوحيد المتبقي له والذي رافقه خلال الأيام الماضية في الحبس وعاد ليكمل تلاوة القرآن آملا أن يتمكن من ختمه قبل أن يُعرض على النيابة غدا .
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-11-20, 11:01 PM   #3516

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 4



(4)


بعد عدة ساعات
"أنا متفائلة إن شاء الله وستكونين حاملا يا بسمة"
قالتها سوسو وهي تتحرك بحماس جيئة وذهابا في غرفة بسمة التي ترقد في الفراش تنتفض منذ أن سمعت بخبر كامل قبل عدة ساعات .. لقد سقطت مغشيا عليها فحملها شامل لغرفتها وتم افاقتها لكنها كانت تعاني من هبوط شديد وسيطرت عليها نوبة من البكاء فاستدعوا لها طبيب العائلة الذي تعامل مع ضغطها المنخفض ثم طلب أن تقوم ببعض التحاليل من بينها تحليل للحمل .. فاتصلت سوسو بمعمل التحاليل لإجراء تحليل عاجل لها أجرته قبل ثلاث ساعات .. وكان خوفها على كامل الذي سلم نفسه للشرطة أقوى من خوفها من الحقنة هذه المرة .
وها هي سوسو في انتظار أن تُرسَل لها نتيجة اختبار الحمل على الهاتف ..وكلها حماس ولا تعرف هي أو ونس التي تشارك حماتها الحماس بمكالمة كامل هذا الصباح فقد طلب منها شامل ألا تخبرهما ..
قالت سوسو وهي تفكر" أنا شككت في ذلك بصراحة .. فنوبات الغثيان التي باتت متكررة بالإضافة لذلك البرطمان ذو الرائحة الكريهة الذي أحضرته معك ليلة أمس ووقفت تلتهمين منه في الثانية صباحا شككني في أمرك"
ابتسمت ونس لحماتها التي أضافت وهي تتحرك في الغرفة" أتمنى أن يكون التخمين صحيحا وأن تكون مفاجأة حلوة لكامل حين يتصل الأسبوع القادم ..فشامل يقول أنه قد يتصل بعد أسبوعين من وصوله .. ( وتنهدت متألمة ) بصراحة لازلت لا أصدق أننا في هذا العصر قد نحتاج لكل هذا الوقت للتواصل ..لكن الحرص واجب"
صفارة صدرت من هاتف سوسو الذي تمسكه في يدها فنظرت فيه بلهفة تفتح الرسالة ثم صرخت بفرح "إيجابي.. إيجابي .. النتيجة ايجابية يا بسمة"
لثوان أحست الأخيرة بالتشوش وسألتها بغباء" ما معنى هذا؟"
أسرعت إليها سوسو لتريها شاشة الهاتف "أنت حامل.. حامل يا بسمة"
تطلعت الأخيرة في وجه حماتها بذهول صامت وانسابت بعض الدموع من عينيها المتسعتين الزرقاوين ثم وضعت يدها على بطنها تنظر إليه قائلة بذهول" حامل … أنا حامل "
بعد قليل سقطت فاطمة من طولها وأخذت تبكي بانهيار ووقع منها الهاتف ..فأسرعت المساعدات بالبيت بإسنادها حتى جلست تفترش الأرض بينما التقطت مهجة الهاتف تسأل بسمة" ما الأمر يا بسمة ؟..ما بها خالتي؟"
انتحبت الأخيرة غير قادرة على الكلام لتشد فاطمة ثوب مهجة حتى تعيد لها الهاتف فأعادته لها بقلق .
قالت فاطمة باكية" أتقولين الصدق يا بسمة؟ ..حقا ...أنت حامل؟" شهقت المساعدتين بصدمة وأفلت لسان إحداهما تقول للأخرى بصوت خافت" ألم تكن عقيما!!"
ناظرتهما مهجة شذرا وطلبت منهما مغادرة المكان ثم عادت تتطلع في حماتها وقرصت الدموع عينيها بينما قالت فاطمة وهي تمنح الهاتف لمهجة" اسمعي ما تقوله بنيتي لربما كنت أهلوس"
فتحت مهجة مكبر الصوت وسألت بتأثر" هل أنت حقا حامل يا بسمة؟"
ردت الأخيرة من بين نشيجها الباكي" أجل أنا حامل ..حامل ..حامل في طفل كامل"
××××
قبيل الغروب
"عم هلال ..أبو كريم .. عم هلال"
زفر هلال واستدار لزين يقول" يا حبيبي عندي مشوار هام أقسم بالله فارحمني "
قال زين بابتسامة " قل (موافق) وستتخلص مني ..بسيطة المسألة "
قال هلال بغيظ " قلنا ليلة أمس أن أسبوعا مدة قليلة جدا لتعقد قرانك وتتزوج"
تكلم زين وهو يرفع الهاتف على أذنه "سأتصل بصاحبك لاشتكيك له"
اقترب منهما يحيى الذي خرج للتو من منزله وناظرهما بتساؤل ليقول هلال مفسرا "المجنون يريد أن يعقد قرانه ويزف أخر هذا الأسبوع"
صحح له زين قائلا" لا ..ليس هذا ما أريده ..ما أريده أن أعقد وأتزوج الليلة ..ولكنك تتحدث عن إجراءات ما قبل الزواج ..و أشياء لم تكتمل في الشقة بعد لهذا منحتك فرصة أسبوعا "
ابتسم يحيى وهو يتطلع في لهفته بينما رد هلال" هذا صحيح فكما قلت لك حتى لو استطعنا الانتهاء من الإجراءات المطلوبة لعقد القران هناك أشياء لم اشتريها بعد وليس هناك وقت لشرائها"
أغلق زين الهاتف حين لم يرد جابر وقال" اسمعني يا عم هلال إسراء من الأساس ترغب في نقل كل شيء بدون أي احتفال وأنا ليس عندي مانع أبدا أن نستكمل تجهيز شقتنا بعد الزواج ..فأنا شخصيا هناك بعض الأشياء التي أريد شرائها ولم أفعل وسأشتريها في المستقبل إن شاء الله "
قال هلال رافضا" ولماذا هذه السرعة؟؟"
صرخ زين قائلا" تسألني لماذا؟؟؟ .. لأني أرغب في الزواج من ابنتك بشكل عاجل هذا هو السبب"
عبس هلال بينما ضحك يحيى وقال" خير البر عاجله يا أبا كريم ..أنا شخصيا أرى الأمر أكثر بركة أن يتم بشكل غير مرتب له"
توقفت سيارة جابر على بعد أمتار وترجل منها يتطلع في وقفة زين مع هلال ويحيى قبل أن يهتف زين "ها قد حضر جابر "
وأسرع نحوه يسحبه من ذراعه فناظره جابر باستنكار وهو يعود به بخطوات مسرعة قائلا" جئت لك بولي أمري"
ضحك الواقفان بينما قال زين لأخيه " تصرف مع صاحبك واقنعه .. لقد طلبت من الشركة مد إجازتي ووالله لو تعلمون كم سأخسر من مال بسبب هذه الإجازة لأشفقتم عليّ وزوجتموني الليلة ..لكن كله من أجل إسراء"
نظر جابر لهلال فقال الأخير بعصبية" أبعد أخاك المجنون عني يا جابر.. أي زفاف هذا الذي سنلحق أن نجهز له خلال أسبوع!!"
ابتسم جابر وقال "دعنا نفرح بهما يا هلال ..وأي شيء ناقص من الطرفين أنا سداد"
هلل زين وقبل كتف أخاه ثم قال بسعادة" لا حرمني الله منك يا أبا هاشم (ونظر لهلال يسأله) ها ..ماذا قلت ؟.. هل أذهب لأحضر المأذون حتى تعود من مشوارك؟"
××××
ظهر اليوم التالي
سأل وكيل النيابة" ماهي ماركة سيارتك التي ذهبت بها إلى القرية يا كامل؟"
رد الأخير بهدوء "سيارة دفع رباعي ماركة (....) سوداء"
"هل استعملت أي سيارة أخرى خلال فترة إقامتك هناك ؟"
"لا ..لمَ قد أفعل ذلك وعندي سيارتي !"
"أعطني رقم لوحتها "
أملاه كامل رقما ثم عبس بارتباك واضح جعل وكيل النيابة والمحامي الجالس أمامه يدققان فيه ..فعاد لتصحيح أحد الأرقام ثم غمغم بإرهاق واضح" أحيانا انسى الأرقام والتواريخ"
سأله وكيل النيابة وهو ينظر في ملف القضية أمامه" هل لازلت لا تذكر أي شيء مميز قد فعلته مساء يوم الثالث من ديسمبر بين الحادية عشر مساءا والواحدة صباحا؟"
أجاب كامل بإجهاد ذهني" كما قلت ..ماذا سأفعل في قرية صغيرة في ليلة شتوية سوى المكوث بالمنزل ...أنا وزوجتي قضينا الأيام في بيتنا هناك"
طرق وكيل النيابة عدة مرات بقلمه على المكتب مفكرا ثم سأله" وإلى أين كنت متوجها في تلك المنطقة التي سلمت نفسك فيها؟"
عبس كامل ورد مراوغا " كنت في مشوار يخص العمل في إحدى المدن القريبة من المنطقة حينما جاءتني أخبار تخص الأمر بالقبض عليّ وتفاجأت بأن مسدسي قد اختفى من سيارتي دون أن أدري فلا استخدمه إلا نادرا.. "
قال وكيل النيابة مقاطعا" تقصد ذلك اليوم الذي أشهرته في وجه بدير أمام الناس "
رد كامل بعصبية "هذا ما حدث فعلا .. لقد كانت لحظة جنون استفزني فيها بدير هذا فأخرجت المسدس لتهديده ..لكني بالتأكيد لست مجنونا لأذهب إليه وأطلق عليه الرصاص ..ولا أعتقد أن مشاجرة كالتي وصفها ذلك المدعو بدير وذكرتها لي سيادتك الآن من الممكن أن تستفزني لإشهار مسدسي فلا تؤاخذني انظر لهيئتي.. بالتأكيد ضربه علقة ساخنة سيكون أسهل بالنسبة لي وسيفرغ طاقة غضبي لو كانت روايته صحيحة .. ولهذا سلمت نفسي بنفسي حتى أثبت حسن نيتي وأني لست مجرما "
أشار المحامي لكامل أن يهدأ بينما قال وكيل النيابة" أرجو أن تتحدث بشكل اهدأ يا كامل حتى تستطيع الرد على الأسئلة بشكل أكثر دقة ووضوح"
قال الأخير باختناق " كيف لي ان اهدأ وأنا منذ أسبوع في حالة يرثى لها بسبب المط والتطويل في ترحيلي إلى هنا "
تدخل المحامي يقول بدبلوماسية" كما ترى سيادتك إنه مرهق ومستنزف بعد رحلة طويلة من الإجراءات حتى وصل إلى هنا"
صمت وكيل النيابة لبرهة ثم قال "لنعطيه فرصة للهدوء وترتيب أفكاره (وأملى على مساعده ) يحبس على ذمة القضية خمسة عشر يوما قابلة للتجديد"
بعد قليل خرج كامل من مقر النيابة مع قوة من الشرطة .. معصماه مقيدان بالأصفاد ليرحل إلى أحد السجون على أطراف المحافظة
.. كان مرهقا مستنزفا يائسا ويشعر بخزي من قيد معصميه البارد لكنه تماسك عند رؤيتهم .
في الوقت الذي جحظت عينا شامل وتسارعت دقات قلبه وهو يراه أخيرا ولم يعرف هل يندفع إليه ليحضنه أم يصارعه أم يبكي لرؤيته سالما .. بينما وقف غنيم يتوكأ على عصاه ويتطلع فيه صامتا متألما على حال ابنه الذي لم يعرف منذ أن تلقى الخبر يوم أمس هل عليه أن يحزن عليه أم يسعد لأن ابنه رجل حقيقي وليس جبانا .. أما مفرح فوقف واجم الوجه مغلق الملامح يتابع خروجه من مبنى النيابة ..
ابتسم لهم كامل ابتسامة ضعيفة وكأنه يريد أن يخفف عليهم وقع ما اقترفه في حقهم.. ثم خاطر شامل فكريا يقول" أريد مالا وطعاما وملابس يا حلوف ( ثم أضاف بصوت مسموع مشاكسا والعسكري يقوده نحو سيارة الشرطة التي تقف على بعد أمتار) لماذا لا تبدل معي الملابس وتذهب معهم أنت"
ابتسم شامل ابتسامة ضعيفة بينما عبس العسكري بتوجس واستمر في سحبه نحو السيارة ..فأدار كامل وجهه ينظر لمفرح الذي يقف صامتا وقال ساخرا بنفس المشاكسة "وأنت ..صدعت رأسنا ( أنا ابن عمدة... أنا ابن عمدة) أين سيطرتك يا حضرة ابن عمدة وأنا أقاد بهذا الشكل إلى السجن !"
لم يقدر مفرح إلا على منحه ابتسامة ضعيفة بينما نظر كامل إلى شامل قائلا" إياك أن تقترب بسمة من السجن أو مقر النيابة أو أي شيء من هذا ..اخبرها بذلك"
ثم نظر إلى والده مبتسما قبل أن يصعد إلى السيارة ورفع له يده بعلامة النصر .. فبادله غنيم الابتسام وكلاهما يداري ألما عظيما في صدره..
قبل أن تغادر السيارة تحمل معها قلوبهم هتف شامل " أتانا آسر نخلة"
اتسعت عينا كامل بمفاجأة وعقد جبينه يحسب الوقت فأضاف شامل " ولد قبل موعده وموجود بالحضانة "
عادت عينا كامل للاتساع بينما تحركت السيارة تأخذه بعيدا مصدوما من المفاجأة .
سند شامل والده ليعيده للسيارة فقال الأخير" سأقوم باتصالاتي لأوصي عليه في السجن ..وأدعو الله أن يهديه وألا يستفزه أحد بالداخل"
عقب مفرح قائلا بحشرجة" أنا أيضا سأوصي عليه في السجن"
فغمغم غنيم وهو يدخل السيارة " اللهم الطف بنا في قضائك وقدرك يا كريم "
××××
بعد أربع ساعات كانت إجراءات إدخال كامل السجن قد انتهت فوقف لبرهة يتطلع في المبنى أمامه وبجواره أحد العساكر يقوده إلى محبسه.. ولوهلة ابتسم لنفسه بسخرية ..
لقد نجا من ويلات الحرب ولجأ آمنا مكرما إلى بلد أخرى ولم يلق ما لَقِيه بعضهم من عذاب .. ليدخل السجن بعد ذلك بسبب طيشه فغمغم لنفسه" يا ويلك يا كامل ماذا فعلت بنفسك يا غبي!"
في نفس الوقت كان وكيل النيابة يتناقش مع أحد زملائه وهو يتفحص ملف القضية قائلا "بعيدا عن رواية المجني عليه التي تتطابق بشكل مثير للشك مع ما حدث قبل الحادث بيوم ..فأقواله تتعارض مع الواقع .. أولا ذكر أن المتهم قد أطلق عليه الرصاص من على بعد أمتار وهو ما يتعارض مع التقرير الطبي الذي أفادنا به المستشفى من أن الرصاصة خرجت من مسافة قريبة جدا من الفخذ بل تكاد معدومة مما جعلها تسبب تمزقا شديدا في العظام والانسجة .. كما أن أثر الإطارات على الأرض الطينية التي رفعت صباح يوم الحادث لا تشير لوجود سيارة كبيرة الحجم مثل سيارة المشتبه به .. وإنما سيارة صغيرة الحجم"
قال زميله" وهذا ما سيستند عليه الدفاع عن المتهم حين يطلع على ملف القضية "
شرد وكيل النيابة قائلا " لابد من دليل قاطع على براءته إن أراد كامل هذا أن يختصر وقتا طويلا من التحقيق والمحاكمة ( ورفع سماعة الهاتف يقول ) أريد كشف تحركات من المرور عن السيارة رقم( … )في الأسبوع الأول من ديسمبر الماضي"
××××
وقفت بسمة في الحديقة تنتظر قدوم غنيم وشامل اللذين كانا على وشك الوصول عائدين من مقابلة كامل.
لقد اعتذرت عن مرافقة سوسو وونس لزيارة الصغير في الحضانة وبقيت في الفيلا حتى تنفرد بحميها وسلفها لتعرف تفاصيل زيارتهما وهي تدعو الله ألا تعود حماتها وونس قبلهما ..
وضعت يدها على بطنها تتحسسه وهي لا تزال لم تبرح مرحلة الصدمة بعد فبالرغم من ترقبها وانتظارها لهذا الحدث على مدى الأشهر الماضية لكن التمني والترقب شيء ووقعه في النفس عند حدوثه شيء أخر.
ترى كيف ستكون ردة فعل كامل؟.. وهل ستنتظر حتى يخرج من السجن كي تخبره أم تبلغه في أقرب وقت ؟..
والسؤال الأهم هل سيخرج كامل من السجن قريبا أم عليها أن تهيئ نفسها للأسوأ؟!
نفضت عنها أفكارها السوداء التي تتماشى مع مزاج الحمل الأكثر سوادا وتذكرت ردود أفعال الجميع على خبر حملها بداية من سوسو التي أخذت تخطط لأن تخبر كامل بنفسها بالخبر بمجرد أن يتصل بها.. وونس التي بدأت تتخيل السيناريوهات بشأن علاقة ابنها بابن عمه ثم رد فعل أمها التي لا تزال في حالة صدمة وانهيار تبكي في كل اتصال من الاتصالات الكثيرة بينهما منذ أمس برغم أنها قد سبق ومهدت لها منذ أن ذهبت إلى الطبيبة أن هناك أملا في أن تحمل لكن يبدو أن المسكينة لم تتشبث بالأمل حتى لا تحبط .. تذكرت أيضا اتصالا مؤثرا من مفرح لمباركتها واتصال جماعي ضمها هي ومليكة وأم هاشم قضوا غالبية وقته يبكين من الفرحة وانتهى باقتراح الأخيرة حتمية أن تتقابلن وتتصورن وهن حوامل صورة للذكرى… وليد أيضا كان متأثرا بشدة وهو يبارك لها ليلة أمس.. كل هذه القلوب التي سعدت من أجلها خففت عليها محنتها وشحذتها بالطاقة للصبر وتحمل المحنة .. لكنها في قرارة نفسها تعلم بأنها مسكنات لوجع ينخر في قلبها على حبيب الروح.
سمعت صوت السيارة تمر في الممر الفاصل بين الفيلا والمطعم والمؤدي للمرآب فأسرعت تدخل الفيلا حتى تقابلهما عند باب المرآب الداخلي.. واستقبلتهما بلهفة وتساؤل فقال غنيم" حبس على ذمة القضية كما كنا متوقعين وتم ترحيله لسجن المحافظة"
وضعت يدها على قلبها وسألتهما بحشرجة" وكيف حاله كيف بدا لكما؟"
هز شامل رأسه وقال "بدا مجهدا جدا لكن معنوياته مرتفعة"
تحرك غنيم يقول" سأستريح في غرفتي حتى تعود سوسو"
سألت بسمة شامل بلهفة" هل أستطيع الاتصال به أو يستطيع هو الاتصال بي؟"
أجاب شامل بإرهاق" لم يدخل السجن إلا اليوم يا بسمة وقدمنا طلبا لزيارته ولا أعرف إن كان سيستطيع الاتصال بك أم لا .. من فضلك جهزي له بعض الملابس لنرسلها له .. (وتطلع في ملامحها الذابلة وجفونها المنتفخة وقال مشفقا ) ولنصبر ونرى إلام ستؤول إليه الأمور"
سألته بحشرجة" هل هناك أمل يا شامل ؟"
غمغم بيقين "الأمل في الله كبير فهو لن يرضى بالظلم أبدا"
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-11-20, 11:02 PM   #3517

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 5



(5)




بعد أيام
الزغاريد .. صيحات الفرح العالية التي تخرج من القلب إلى قلوب الحاضرين .. كانت البهجة حاضرة والأحباب مجتمعون والقلوب تملأها الأمنيات البكر رغم تكرار الحدث .. لكن الفرق بين الماضي والحاضر كبير ..كبير باتساع قلب محب عاشق .
وقفت إسراء للمرة الثانية أمام مسجد الشيخ تيمور لكن اليوم لم يكن أبدا أشبه بالبارحة ..كانت أكثر قلقا .. أكثر توترا .. و… أكثر فرحا .. على الرغم من أنها تقريبا تكاد لم تتواصل مع زين بعد ذلك اليوم الذي رفضت إعطائه المحبس فيه وطلب من والدها التعجيل بالزفاف ليوافق والدها في اليوم التالي ويبدأوا في سباق الزمن ..فالعائلتان كانتا تجريان في كل الاتجاهات لإعداد التجهيزات..
ورغم شعورها بالإجهاد ومواصلتها الأيام الماضية بدون نوم تقريبا إلا أنها كانت سعيدة جدا ..وكأنها لم تعش تلك اللحظة من قبل .. أما نصرة فكانت على باب المسجد تبكي بجوار نجف وصباح وعمة العريس وخالاته .. الجميع كانوا حاضرين إلا أم هاشم التي اعتذرت لأن وجهها رغم تحسنه لم يعد لحالته الطبيعية الكاملة بعد ..
في داخل المسجد وقبل القيام بالإجراءات الرسمية لتوثيق الزواج أخرج هلال من جيبه ورقة بيضاء وقلم ثم قال بحرج "الحقيقة لم أجد الفرصة لإعداد قائمة الأثاث بعد ..خاصة وأن هناك أشياء لم نجد الفرصة لشرائها ..إن شاء الله نشتريها بعد الزفاف ..لهذا أرجو أن تساعدني يا زين في كتابة القائمة فكما تعلم...."
قطع عبارته حين سحب منه زين الورقة وكتب في أعلاها (قائمة أثاث إسراء هلال جمعة) ثم نزل يكتب في أسفل الصفحة (توقيع الزوج زين الدين إسماعيل دبور ) ومرر الورقة لجابر الذي يجلس بجواره يقول "وقع يا شاهد العريس"
ابتسم جابر ووقع دون تعليق ..فمرر زين الورقة لأخي هلال الذي حضر من العاصمة لحضور عقد قران ابنة أخيه وقال "وقع يا شاهد العروس"
حين انتهى الأخير من التوقيع طوى زين الورقة وأعطاها لهلال وهو يقول" أكتب محتويات القائمة على راحتك يا أبا كريم"
دس هلال الورقة في جيبه شاعرا بالامتنان بينما قال زين للمأذون بحنق "اسرع يا شيخنا تأخرنا كثيرا"
حين نادوا عليها خطت إسراء بقدميها الحافيتين ودخلت المسجد مسبلة الاهداب بفستان بسيط باللون البصلي ووقفت في ركن فناظرها هلال وقرصت الدموع عينيه وتلك الذكري المؤلمة تسيطر على أفكاره رغما عنه.. بينما اتسعت ابتسامة زين فنبهه المأذون لأن يوقع قائلا بمشاكسة "وقع يا عريس ولا تضيع وقتنا في التسبيل "
أسرع زين بالتوقيع على الأوراق قائلا بانشراح قلب مصحوب برقصات مجنونة داخل صدره "العريس وقع وبصم بأصابعه العشرة منذ مدة يا شيخنا"
ابتسم الحاضرون يتمتمون بالمباركة وقد بدا واضحا أن الذكرى السابقة لا تزال عالقة بأذهان الجميع وليس هلال وحده ..حتى زين الذي لم يحضرها لاحظ ذلك جيدا فتعمد المزاح ليغلب التوتر المخيم على الحدث ..
أعطيت الأوراق لكريم ليذهب بها إلى أخته فأمسكت بالقلم ووقعت عليها ثم وضعت بصمتها.. فعاد كريم بالأوراق للجالسين أرضا.. ليمسك المأذون بيد هلال ويمد يده ليمسك يد زين فقال الأخير "لحظة يا شيخنا"
شاكسه المأذون قائلا وهو يراه يستقيم واقفا" أنت من تعطلنا الآن وكنت تستعجلنا منذ الصباح الباكر"
تحفزت ملامح هلال وهو يتابعه متوجها نحو إسراء بينما انكمشت الأخيرة ..ليمد يده ويلتقط كفها يسحبها معه وسط همسات معترضة منها فعاد يجلس مكانه وأجبرها على النزول والجلوس خلفه ليقول زين "لا تؤاخذني يا عم هلال"
تنحنح جابر الذي يجلس بجواره فنظر إليه زين قائلا" الأوراق التي وقعنا للتو عليها تثبت بأنها قد أصبحت رسميا زوجتي وننتظر مباركة الشيخ"
مط هلال شفتيه بامتعاض فأمسك المأذون بكفه ووضعها في كف زين الذي أبقى على يده اليسرى تحضن كف اسراء التي كانت تنتفض من التوتر والحرج وبدأ المأذون في قول عباراته المشهورة لإتمام عقد القران.
فرفعت إسراء أهدابها المسبلة إلى أمها التي كانت تبكي على باب المسجد وحماتها التي كانت تضحك وتضرب كفا بكف على ما يفعله ابنها بينما همسة ونسمة تتهامسان بسعادة وهما تلتقطان الصور .
علت الزغاريد بالخارج حين انتهى المأذون من المراسم فاستدار زين وأمسك برأس إسراء يطبع قبلة على جبينها بعد أن قال "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات "
فاستقام هلال شاعرا بالغيظ وسحب ابنته لتستقيم واقفة ثم حضنها مباركا في حضن عاطفي مؤثر ..بينما تلقى زين التهاني من الحاضرين وعلى رأسهم جابر الذي غمغم قائلا وهو يحضنه" مبارك لك ..أخيرا ستتعقل وتستقر"
أبعد زين رأسه عن كتف أخيه ورد "الثانية نعم .. الأولى أشك فيها "
ثم ضحك وطبع قبلة على كتفه وتوجه بعدها لتلقي التهنئة من الحاج يحيى.
بعد دقائق كان زين يخرج من المسجد وسط الزغاريد العالية ويميل على يد أمه ليقبلها ثم قبل رأسها وهي تدعو له باكية بالسعادة بعدها تلقى التهاني من عمته وخالاته بينما إسراء غارقة في أحضان نصرة التي تبكي.. فقال زين بشقاوة وهو يقترب منها ويأخذها منها "اتركي القليل لغيرك يا حماتي"
وفي اللحظة التالية كانت إسراء المتخشبة غارقة في حضن رجولي دافئ عطر.. حضن زوجها.. عوضها.. وحين يكون العوض من السماء يأتي في أروع حالاته ..
بعدها تحول الشارع بدون ترتيب مسبق لساحة من الاحتفال .. انطلقت فيها نصرة تطبل وتغني أغانيها التي تحبها .. عادت من جديد للغناء .. عادت لتصدح بصوتها .. تغرد بفرحة مختلطة بالدموع ..والأقارب والجيران وصاحبات إسراء حولها يصفقن ويغنين معها .. بينما الرجال يقفن جانبا يتلقون ما يوزعه أهل العريس على الحاضرين من علب العصائر والحلوى..
أما زين فكان يقف بالقرب يتحفظ على يد إسراء تحت ابطه بينما هي محمرة الوجه يكاد أن يغشى عليها من الحرج والخجل وهي تحاول افلات يدها منه فمال عليها قائلا "فاتت فرصة الافلات يا أبلة"
رفعت إليه عينيها الكمونيتين المؤطرتين بالكحل وقالت "زين أشعر بالحرج أمام الناس"
مال عليها وهمس بجوار أذنها" هل هذا يعني أنني لو اختليت بك ستتركينني أفعل ما أريد؟"
ازدادت حمرة وجهها بشكل واضح واشاحت به فضحك ومال على أذنها قائلا بسخرية "وتتظاهرين كل هذا الوقت بالحزم والسيطرة ..بينما أنت ترتبكين وترتعشين من حضن واحد"
استمرت بالإشاحة بوجهها وقد لاحظ البعض خجلها الواضح أما هي فاستنكرت ما يحدث معها .. طوال عمرها هي ثابتة على الأرض تحتفظ بهدوئها وبثباتها الانفعالي .. أما هذه اللحظة فكانت تشعر بأنها كريشة تتأرجح مع نسمة صيف هبت في عز الشتاء .. هبت بحضوره المفاجئ .
سألها "ألن تعطني محبسي؟"
حركت كتفها رافضة وهي لا تزال تشيح بوجهها عنه وصاحباتها يقفن يتغامزن ويشاكسنها بإشارات مخفية من بعيد .
ابتسم زين وهو يتأملها وضربات قلبه لا تريد أن تهدأ منذ الصباح .. كانت شهية وكان هو جائعا .. كانت رقيقة فاتنة .. وكان هو لا يصدق أنها أضحت حلاله ..كانت تسر العين والقلب وكان هو يتقافز من السعادة .. هي كانت.. وهو كان .. فأضحى الاثنان بعد تلك اللحظة في خبر كان.
على صوت نصرة الجميل وطبلتها انتحى جابر جانبا مبتعدا عن الزحام وأنظاره لأعلى نحو أم هاشم التي تطلق الزغاريد من الشرفة فأشار لها على الهاتف فاختفت بالداخل لتحضره.
هو الي خطبها هو الي نقاها
راح وقال لابوها أنا دايب في هواها
فتحت أم هاشم هاتفها وهي تعود لتقف في الشرفة فقال" جابر الاحتفال ينقصه وجودك"
قالت بفرحة صادقة "مبارك لهما ليسعدهما رب العالمين"
قال جابر "اتصلت لأخبرك أني تذكرت يوم عقد قراننا وأنا بالمسجد.. ولازلت أذكر شكل الفستان الذي كنت ترتدينه وكيف كنت منكمشة ولحظتها خشيت أن تكوني قد ارتبطت بي لأنك حسبتها بالعقل"
قالت بصوت متهدج "وأنا أيضا كنت أتذكر تلك اللحظات منذ قليل ..لم أصدق وأنا أوقع اسمي بجوار اسمك وتمنيت أن أبصم بقلبي وشفتيّ على القسيمة"
ضحك جابر ضحكة نبعت من القلب فأضافت بطريقتها المتهكمة "تضحك عليّ لأني كنت غبية غباء الحمار العاشق"
تطلع حوله ليتأكد من أنه ليس هناك من ينظر نحوه وأضاف بلهجة ذات مغزي" بل فرس ..فرس أسمر جامح ..بركاتك يا شيخ تيمور"
انتبه جابر لما يحدث على بعد وتطلع في نصرة التي أعطت الطبلة لسيدة أخرى بدأت تطبل وتغني بدلا منها بينما وقفت هي في وسط الواقفات ترقص بجسدها البدين وتهز كتفيها وذراعيها والسعادة تتراقص على وجهها الأحمر فعاد جابر يقول لأم هاشم "أكمل الله لهما فرحتهما ..الحقيقة أنا أشكر الله على أن يسر لنا هذه المصاهرة"
غمغمت أم هاشم "العقبى لميس إن شاء الله ..أين هي لا أراها"
رد وهو ينظر للاتجاه المقابل "تقف مع عمتي وبناتها .. (وأضاف) والعقبى لهاشم .. أتمنى من الله أن يمد في عمري حتى أراه يكبر أمام عيني ويصبح رجلا كزين ..وأن أحضر زفافه"
قالت بعاطفة جارفة "أطال الله في عمرك يا جابر وقر عينك بأولادك وأحفادك"
نافسها في قوة العاطفة وهو يقول " ولك بالمثل يا أم قلبي"
في الساحة كانت السيدة تغني إحدى الأغنيات فاقترب هلال ووقف أمام زوجته وبدأ يرقص أمامها.
خدناها خدناها
خدناها بالسيف القاضي
وأبوها ماكنش راضي
وعلشانها بعنا الاراضي
الحلوة اللي كسبناها
تطلعت إسراء في والديها وهيستريا الفرح التي تسيطر عليهما وبدأت تبكي فربت زين على يدها التي تتأبط ذراعه وطبع قبلة فوق حجابها ثم غمغم وهو يميل على أذنها بمشاكسة حتى تكف عن البكاء "هل سمعت الأغنية؟.. من أجلك دفعنا الكثير … الكثيييير ..فأرجو مراعاة ذلك فأنا انتظر المقابل بصراحة "
تطلعت في وجهه باستنكار فمنحها ابتسامة وسيمة .. بل هو كله كان وسيما رجوليا يفتح الشهية على الحياة وقال غامزا" وأول ما انتظره محبسي يا سارقة المحابس "
كانت نصرة تبكي وبدأ هلال يشاركها البكاء مع الرقص .. عيناهما في تلاقى تتحدث من خلف الدموع.. جبر الله بخاطرنا.. أكرمنا في الغالية إسراء .. عوض صبرنا وصبرها .. رفع رأسنا ورأسها .. ونصرنا على من أذانا ..
خدناها بالملايين
وأهلها ما كانوش راضيين
وعلشانها بعنا الفدادين
الحلوة اللي كسبناها
توقف هلال فجأة وأخذ رأس نصرة رفيقة العمر وحبيبة القلب بين يديه وقبل جبينها بتأثر .. فالعوض بعد شقاء طويل يكون وفيرا ..جابرا للقلوب.
××××
تطلعت بسمة للمرة العاشرة في هاتفها خلال العشر دقائق الماضية .. لقد أخبرها شامل أن كامل اتصل به يخبره بأنه سيتصل بها حتى تتلقى المكالمة بعيدا عن أمه.. فأسرعت بالهرولة إلى جناحها وها هي في انتظار اتصاله ..في انتظار أن تروي اشتياقها له ولو بصوته..
ومض قلبها مع وميض الهاتف وأسرعت بالرد وهي لا تعرف هل رن أم لا فضربات قلبها كانت عالية جدا .. فهمست بحشرجة ترد على الرقم غير المسجل "آلو"
"باسمة"
جاءها صوته أجشا خافتا ..وأتاها اسمها منطوقا بطريقته التي لا تشبه أحدا فانفجرت ضرباتها كالمفرقعات النارية وقالت بصوت مرتعش "كامل ..اشتقت إليك يا كامل"
لم تستطع التماسك .. فأخذت تبكي رغما عنها فانتحى كامل جانبا يولي ظهره لعنبر المساجين المزدحم خلفه وحشر جسده في ركن ضيق حتى كاد أن يلتصق بالحائط وهو يهمس "لا تبكي بالله عليكِ.. فأنا غير قادر على تحمل المزيد"
سألته "رقم من هذا؟"
رد بخفوت "هاتف أحدهم يخفيه عن العيون ويؤجره لمن يرغب"
سألته عاتبة" لماذا لم تطمئنني عليك قبل ذلك ...والله يا كامل كنت أموت ببطء لكني لم أسمح لنفسي بالانهيار حتى لا يخفوا عني أي خبر يتعلق بك"
أجابها كامل موضحا" قضيت أياما صعبة ولم يكن معي أية نقود وانتظرت حتى استطاع مفرح ادخال نقود لي حين وصلت إلى هنا"
بكت بخفوت فقال كامل "لا أعلم إن كنت بقرار تسليم نفسي للشرطة قد ظلمتك معي أم لا ..لكني لم أقبل على نفسي أن أكون جبانا بهروبي فسامحيني"
"كامل"
"روح كامل"
قالت باكية " أنا أيضا لا أعرف إن كان إخبارك بأمر معين في هذا التوقيت تصرف جيد أم لا لكني غير قادرة على الصبر والانتظار ...فسامحني"
سألها بقلق " ماذا حدث يا باسمة؟"
"أنا حامل"
اتسعت عيناه وهتف " ها ؟... ماذا قلت؟؟؟"
"حامل"
توقف المهرجان الصاخب في صدره وسألها بصوت مرتعش "أتقولين الصدق يا باسمة؟"
قالت مؤكدة " أجل ذهبت للطبيبة فطمأنتني ... تقول بأني في الأسبوع التاسع ..أي بدأت في الشهر الثالث ..هل تصدق"
دارت عيناه لتختلسا نظرة سريعة خلفه ثم عاد يدفن وجهه في الحائط وانعقد لسانه .. يحاول ألا يقفز فرحا ..فترك مهمة القفز لقلبه الذي عاد لصخبه وأبعد الهاتف لثوان عن أذنه وتغضنت ملامحه ثم ترقرقت الدموع في عينيه .. فاستند بجبينه على الحائط وهمس" يا الهي لا أصدق بأني سأكون أبا .. أنت تحملين طفلي ..تحملين طفل كامل وبسمة"
ابتسمت تقول " أنا أيضا لازلت في مرحلة الصدمة"
كان الخبر أكبر من استيعابه أو ربما الظرف النفسي وتلك الضغوط التي يرزح تحتها كانت أقوى من تحمله.. فأحس بأنه على وشك البكاء خاصة وهو يتصور أنه قد لا يحضر لحظة ولادة ابنه فقال بصوت متهدج" عليّ أن أغلق الخط ..سأتصل بك متى سنحت الفرصة ..مبارك يا بسمتي ..وشكرا على منحي هذه الهدية"
ردت بسمة " الشكر لله وحده ..أراد أن يخفف عنا أنا وأنت المحنة"
همهم والبكاء يلح عليه بشكل غريب "سأتصل بك مرة أخرى .. أحبك.. سلام"
حين أغلق الخط سحب نفسا عميقا وأخرجه ببطء يغالب البكاء ومسح عينيه برجولة واستدار بعينين حمراوين يعطي الهاتف لصاحبه بينما قال له أحد المساجين وهو يمضغ الطعام "بصراحة يا شيف كامل طعام مطعكم رائع"
أيده الباقون المتجمعون حول أطباق الطعام التي أرسلها شامل له فهز كامل رأسه ..ليسأله أحدهم "ما بك؟.. هل كنت تبكي ؟..هل حدث شيء؟"
تخلى عن تحفظه وصمته المعهودين وكأنه أراد أن يعلن الخبر بمكبر صوت ورد بحشرجة خافتة مصدومة "زوجتي حامل وسأصبح أبا"
××××
بعد يومين
صباحا
كان ياما كان
كان في عصفور
قلبه صغير
ريشه قصير
كان بيرفرف برة السور
كان انسان من طين من نور
دندن إياد الأغنية بصوت خافت مسموع من جلسته في المقعد الخلفي للسيارة بجوار أخيه فبلعت مليكة الجالسة في المقعد الأمامي ريقها بصعوبة وشاركته في الدندنة بشجن ..فناظرها مفرح الجالس خلف عجلة القيادة وأخبر نفسه أن عليه أن يلفت نظر ولديه بما تحمل هذه الأغنية من ذكرى لمليكة ..فيبدو أنهما يرددانها لأنها تحبها دون أن يربطا معانيها بها ..
ونظر في المرآة الأمامية وقال لابنه " ارحمنا من غنائك"
هتف إياد بعبوس وهو يبعد سماعة الهاتف عن أذنيه" ألا يحق لي أن أغني!!"
غمغم مفرح" لا .. لا يحق لك أن تغني في حضوري"
تدخل أدهم قائلا" ولا في حضوري ..بالله عليك أخبره يا أبي .. إنه يصيب رأسي بالصداع"
لوى إياد شفتيه يناظر أخاه باستياء بينما ضغط مفرح على مشغل الأغاني يقول" فلنسمع أغنية أفضل"
صدح صوت كاظم الساهر:
سلام على جسد كالخرافة
يفتح كالورد أجفانه
ويختار عني فطور الصباح
وأشعر أن السرير يسافر فوق الغمام
اتسعت عينا مليكة وناظرته بنظره موبخة بينما تخشب الأخير لثوان يطالع ولداه عبر المرآة بحرج.
سلام على الخصر يخطر بالبال مثل المنام
سلام على قمرين يدوران حولـ ..
أغلق الأغنية بسرعة وأشاح بوجهه نحو نافذته وكذلك فعلت مليكة بوجنتين حمراوين ليقول إياد معترضا" لماذا أغلقتها يا أبي!"
غمغم مفرح يناظره في المرآة "غيرت رأيي لقد اقتربنا من القرية"
سأل إياد مستهبلا وهو يتبادل النظرات الشقية مع أدهم الذي يخفي شقاوته خلف هدوءه" ما اسمها هذه الأغنية إنها تبدو قليلة الأدب"
أطبق مفرح شفتيه بقوة حتى لا ينفجر في الضحك بينما عبست مليكة وأدارت وجهها لابنها تقول" ولماذا تسأل عنها مادامت قليلة الأدب يا إياد؟"
تبادل النظرات مع أخيه الذي احمرت وجنتاه ثم عاد ينظر لمليكة قائلا بابتسامة خبيثة" حتى أتجنب سماعها إن وجدتها أمامي "
أشاح مفرح بوجهه للنافذة بجواره ومسد عدة مرات على لحيته يكتم الضحك فحركت مليكة أنظارها بين ثلاثتهم وعادت تنظر أمامها بامتعاض ليقول إياد لأخيه " هل ذكر خصرها؟"
هز أدهم رأسه ورد" أعتقد ذلك"
فقال إياد وهو يتطلع في النافذة جواره و يلملم ابتسامة وقحة من فوق شفتيه " تؤتؤتؤ عيب هذا الكلام والله "
ناظرت مليكة مفرح الذي يزم شفتيه حتى لا يضحك وأمسكت بالهاتف تكتب له على الواتساب" هل تضحك يا مفرح.. إنه لا يزال صغيرا على هذا الكلام"
التقط هاتفه وقرأ رسالتها ثم كتب" ليس صغيرا ولا شيء فهو على أعتاب مرحلة البلوغ"
كتبت "تعجبك أنت الوقاحة"
"أعشقها وأنت تعرفين ذلك جيدا"
قرأت ما كتب بعبوس ثم رفعت أنظارها إليه فغمز لها .
احمر وجهها واشاحته بعيدا تتطلع في النافذة فأرسل لها رسالة أخرى يسأل "ما أخبار مستوى الشوق عندك ؟..نريد أن نختبره تحت سقف سرايتكم الليلة"
نظرت للهاتف تتطلع فيه وازداد اشتعال وجهها ولم ترد عليه.
بعد قليل دخلت السيارة في القرية فشعرت مليكة بشعور مقبض وذكريات كثيرة تتصارع للانفجار في وجهها .. ذكريات قديمة وأخرى حديثة .. لكنها فعلت ما وعدت نفسها به .. بألا تترك لتلك الذكريات الفرصة لأن تكسر ما رممته في نفسها ..
حين وقفت سيارة مفرح في حديقة السرايا كان عبد الغني صوالحة يقف أمام الباب في استقبالها ومعه أخويها وزوجتيهما فتأثرت مليكة بهذا الاحتفاء وترجلت مسرعة ترتمي في حضن والدها الذي غمغم" مبارك لك على الحمل يا بنيتي لقد جبر الله بخاطرك "
قالت مليكة" لا حرمني الله منك يا حبيبي"
تكلم مفرح بعد أن سلم هو وولديه على الواقفين سأوصل الولدين عند جدهما عبد الرحيم ليقضيا اليوم معه وأنا عندي مشوار هام لابد أن الحق به وبعدها سنعود ثلاثتنا إليكم في المساء"
قال عبد الغني لا تتأخروا يا مفرح فأكرم وعمار وأسرتيهما سيحضرون في المساء (وربت على ذراع مليكة التي تنام رأسها على صدره وأضاف ) نريد أن نجتمع ونحتفل"
قال مفرح "إن شاء الله (ثم طلب من ولديه أن يعودا للسيارة قائلا وهو ينظر في ساعته ) هيا لا أريد أن أتأخر عن موعدي"
عاد الولدان للسيارة على مضض بينما سأله بشر "هل أنت ذاهب لزيارة صاحبك كما سبق وأن أخبرتني؟"
هز مفرح رأسه يجيب" أجل .. أخيرا حصلنا على إذن بزيارته"
غمغم بشر بتعاطف" يسر الله له كل عسير"
تكلم مفرح وهو يخطو للخلف "يا رب .. دعواتكم جميعا أن يظهر الله براءته ويرده إلى أهله سالما"
××××


يتبع











Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-11-20, 11:03 PM   #3518

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 6

(6)



قالت أم هاشم وهي تقف أمام شقتها" لماذا لا تدخلان قليلا يا نصرة لا يصح أن تقفا على الباب هكذا؟"
ردت الأخيرة "لا لا ..جئنا فقط لنضع بعض الأشياء بالشقة حتى لا ننساها .. والله فوق رأسي آلاف الأشياء"
غمغمت أم هاشم "سامحيني كان لابد أن أكون معك لكني أنتظر أن يعود وجهي لطبيعته"
غمغمت نصرة وهي تدقق في وجهها" الحمد لله لم يبق إلا أثرا بسيطا وستحضرين حفل الزفاف في أحسن هيئة إن شاء الله .."
قالت نجف بإصرار "ادخلا لتشربا الشاي حتى"
ردت نصرة "والله صعب أمامنا الكثير .. و لا أنا ولا إسراء ننام حتى نجهزها ( وأمسكت بطرف وشاحها تضعه على فمها وهي تضيف) حتى أنني قلت لإسراء ستزفين من هنا ..وتسقطين نائمة بعدها وسيخنقك زين"
اشتعل وجه إسراء وقالت لامها بتوبيخ" أمي ارحميني"
غمغمت نصرة بلهجة شقية" ماذا قلت غير أن نحذر الشاب حتى لا يعقد أمالا على ليلة الزفاف "
ضحكت نجف وأم هاشم فسألت نصرة" هل خرج زين؟"
ردت نجف "نعم خرج مع جابر في الصباح ..ولم ينم هو الأخر فهو يبيت عندنا في غرفة الضيوف منذ أن وضع الأثاث بالشقة ..وشعرت به مستيقظا طوال الليل .. كان هناك شيئا يخص العمل يعده كما فهمت منه"
قالت إسراء لأمها وهي تصعد ببعض الأكياس" سأضع هذه في الشقة بسرعة وأنزل"
هزت نصرة رأسها وعادت لمحدثتيها ..
فتحت إسراء باب الشقة تبسمل وخلعت حذائها على الباب ثم دخلت تضع الأكياس فخرج زين بهدوء من إحدى الغرف حين مرت من أمامها.
استدارت إسراء مجفلة وكادت أن تطلق صرخة مفزوعة لكنه أسرع بإغلاق فمها بكفه قائلا بهمس "اششششش إنه أنا"
لم تعرف هل عليها أن تطمئن أم تتوتر فقالت بلجلجة حين رفع كفه عن فمها "ززززين ماذا تفعل هنا؟"
رد بشقاوة" أنتظرك بالطبع ..فمنذ أن قلت ليلة أمس أنك ستمرين في الصباح لتضعي بعض الأشياء في الشقة وأنا أخطط كيف سأصعد دون أن يلاحظ أحد .. أنا هنا انتظرك منذ ساعتين"
اشتعل وجهها وقالت وهي تعود خطوتين للخلف "ولماذا تنتظرني ..ماذا تريد؟ .."
تحرك نحوها فرفعت أصبعها تقول محذرة "زين وجودك هنا خطأ كبير ..وإن لمحنا أحد.."
قطعت حديثها وأطلقت صرخة قصيرة حين لف ذراعه حول خصرها بتملك وألصقها بصدره فهتفت "زين!"
قال هامسا وهو يتطلع في وجهها" إن كنت لا تريدين أن يرانا أحد اخفضي صوتك"
قالها بصوت مرتجف كجسدها الذي يختض أمام صدره ثم مال يحضنها بقوة قائلا "لست قادرا على الصبر على الأيام المتبقية يا إسراء "
كادت أن تبكي من الارتباك والخجل فغمغم زين وكفه تتحسس ظهرها برفق " لا تخافي من أي شيء أبدا وأنا موجود على قيد الحياة"
قالت بترج خافت" أمي قد تصعد في أي لحظة"
أبعد وجهها بكفه فظنت أنه سيطلق سراحها لكنه تطلع مليا في وجهها وجفنيها المسبلين ثم مال بوجهه وأطبق على شفتيها.. فسقط قلب اسراء بين قدميها وتقبضت إلى جانبيها مستسلمة لتلك المشاعر التي أخذت تتصارع مع قلقها وتوترها لتكون لها الغلبة بينما استمر زين في ارتشاف الشهد من شفتيها رويدا رويدا من أجلها ومن أجله حتى لا تنفلت أعصابه بلا رجعة ..
أطلق سراح شفتيها وأبعدها بعد برهة ثم حضنها بقوة يقاوم الرغبة المحترقة في أعصابه للحصول على المزيد بينما أحست إسراء بالشلل التام ..لم تكن قادرة حتى على رفع يديها المتقبضتين بجانبها وابعاده ..وهذا أغضبها من نفسها فغمغمت بعبارات مترجية لكنها غير مفهومة فاشفق عليها وأبعدها عنه يقول لاهثا بانفعال "حسنا ..نكتفي بهذا القدر من أجل خاطر هاتين الكمونيتين اللتين لا تريدان التطلع في وجهي"
بوجه مشتعل وقلب يرتج بقوة وبنفس النظرات المسبلة الخجول استجمعت إسراء أعصابها للابتعاد مغادرة بخطوات واسعة مبتعدة عن حضنه الدافئ ذو الرائحة العطرة ..بينما ألقى زين بنفسه أرضا واضعا يده على صدره ومغمغما "فليحضر أحدكم المطافئ ..هناك من يشتعل ذاتيا هنا"
راقبت أنظار أم هاشم إسراء وهي تنزل مسرعة وعبست حين أحست بارتباكها وارتعاش يدها التي تعدل بها وشاحها بينما هربت أنظار إسراء من الجميع وغمغمت بارتباك وهي تتحرك مغادرة "هيا يا أمي حتى لا نتأخر على ما ينتظرنا"
قالت نصرة "حاضر "
ثم ألقت التحية على أم هاشم ونجف وغادرت .
دخلت نجف البيت بينما ظلت أم هاشم واقفة تتطلع في أعلى السلم المؤدي لشقة الدور الثاني بعبوس ..فقالت نجف "ماذا تفعلين عندك يا أم هاشم تعالي لنكتب بقية الطلبات التي سنطلبها من الجزار لنضعها في ثلاجة العريس"
ردت أم هاشم بصوت عال "آتية حالا يا خالتي "
وأغلقت الباب بصوت عال.
في الشارع قالت نصرة لاهثة" لماذا تسرعين الخطى هكذا؟.. ما بك؟"
غمغمت الأخيرة ولأول مرة تخفي عن أمها شيئا" لا شيء لا شيء فكما تعلمين أمامنا الكثير من العمل"
صفر الهاتف في جيبها فأخرجته لتقرأ رسالة زين" شهد.. شفتاك تقطران شهدا"
ازداد ارتجاف جسدها وقلبها يدق بعنف في صدرها فوصلتها رسالة أخرى " المرة القادمة لن يوقفني مخلوق عن ارتشاف الشهد كله"
ورسالة ثالثة" لقد أنسيتني السبب الرئيسي الذي جعلني أقوم بهذه الخطة من الأساس ألا وهو رؤية شعرك ما دمت لا زلت تعاقبيني على خلع المحبس ولا تريدين إرسال صورة لي بدون حجاب"
ورسالة رابعة" ما رأيك أن تتحججي بأي شيء وتعودي للشقة وأعدك أن أرى شعرك فقط" ( وجه يغمز )
زفرت إسراء تشعر بالغيظ من نفسها لاستسلامها له بهذا الشكل المخزي إنها لم تبد حتى تمنعا تحفظ به ماء وجهها وسمعت صوت رسالة خامسة ففتحتها "أبلة سراء هل ستأتين؟"
فجزت على أسنانها وأسرعت بإغلاق الهاتف تماما.
بعد قليل كانت أم هاشم تنظر من شق باب الشقة الموارب حتى لمحت زين ينزل بخطوات خفيفة سريعة من الشقة ويغادر بيت دبور فضحكت في سرها بينما قالت نجف" ماذا تفعلين عندك يا أم هاشم؟"
أغلقت الأخيرة الباب قائلة بابتسامة" ها؟ .. لا شيء ظننت أن هناك من يطرق على الباب .. لكنني وجدت قطا شقيا ماكرا أسرع بالهرب"
××××
دخل كامل وعيناه مسلطتان على توأمه فتطلع ضابط السجن عابسا في التوأمين المتطابقين وقال "تعال يا كامل لديك زيارة (ثم استقام واقفا يترك مكتبه وهو يقول ) سأترككم معا لبعض الوقت (ونظر لمفرح يسلم عليه ) شرفتنا يا باشمهندس مفرح .. بلغ سلامي للعميد أبو المعاطي"
سلم عليه الأخير ممتنا فتوجه الضابط يقول هامسا للعسكري الذي أحضر كامل ويقف عند الباب "فتح عينيك على المسجون ولا تغفل ثانية واحدة ..واحفظ ما يلبسه جيدا وما يلبسه توأمه ولا تسمح لهما بالتقارب"
هز العسكري رأسه ووقف يتطلع في الثلاثة أمامه بتركيز شديد بينما قال شامل وهو يضرب على ذراع كامل بخشونة " اشتقت إليك أيها المتطفل على حياتي"
ابتسم كامل وقال بحماس "أرني إياه أريد أن أرى صورته"
عقد مفرح حاجبيه متسائلا وراقب شامل يعطي هاتفه لكامل فتطلع الأخير في صورة آسر باتساع عينيه وقال" يا الهي إنه صغير جدا ما هذا الإنتاج الضعيف يا شامل .. لم يعجبني أداءك "
قال شامل بفخر أبوي "لكنه مكافح هذا الولد ..أشعر بأنه قد ورث هذه الصفة من أمه"
رفع كامل رأسه يسأله" و كيف حالها؟"
أجابه شامل "تأكل في نفسها كل يوم لأنها لا تستطيع العودة به للبيت .. بالمناسبة لم نخبرها بموضوع سجنك أشعر بأن هذا الخبر سيزيد من تأثرها بالأحداث "
ابتسم كامل ابتسامة ضعيفة وعاد يدقق في الصورة فقال مفرح" مبارك لك على حمل بسمة"
رفع له كامل عينين متأثرتين وقال "تأتيني لحظات أشعر فيها بأني أهلوس .. كما أهلوس بحقيقة وجودي داخل جدران هذا السجن "
ابتسم مفرح بتعاطف وقال وهو يربت على كتفه "ربك كريم ..أنا أيضا أنتظر طفلا ثالثا"
اتسعت عينا كامل ليقول مفرح بابتسامة واسعة" ألا تدعو هذه الأخبار الحلوة للتفاؤل؟"
أطرق كامل برأسه ووضع الهاتف على الطاولة أمامه واجما فقال مفرح مشجعا" تماسك يا صديقي شدة وستزول بإذن الله"
رفع كامل له أنظاره وقال" من الجيد أنك استطعت الحصول على الزيارة ظننتهم سيوافقون لشامل فقط "
قال مفرح "لقد قمت باتصالاتي حتى أستطيع الحضور ..علينا أن نتحدث ونفند القضية"
قال كامل بيأس "المحامي زارني وتحدثنا ولا أعرف ماذا سنفعل"
قال شامل مطمئنا "أنا متفائل إن شاء الله فما قاله المحامي بعد الاطلاع على ملف القضية أن هناك ثغرات فيها سيعتمد عليها ..لكن الأمر يحتاج لبعض الوقت حتى يتم تحديد أول جلسة .. فأنت تعرف الإجراءات ..لكن مادام هناك أمل سنتشبث به ونتحلى بالصبر"
قال كامل بلهجة متأثرة " المهم أن أخرج قبل ولادة ابني .. كم أشعر بالحسرة والحزن أني لم أكن مع بسمة لحظة أن علمت بالخبر"
غمغم مفرح بغيظ وهو يعض على قبضته "ليتني قابلتك ذلك اليوم ولم أعتذر ..ليتنا شاهدنا المباراة سويا لكان المقهى كله شاهدا على تواجدك معي وقت حدوث الجريمة "
هز كامل رأسه موافقا قبل أن يرفعها لمفرح جاحظ العينين هاتفا" ماذا قلت ؟؟...يوم المباراة؟؟!!!"
هز مفرح رأسه فسأله كامل" هل كانت المباراة في الثالث من ديسمبر أم في الرابع منه؟"
رد مفرح" في الثالث يا بني آدم"
انتفض كامل واقفا وسقط قلبه بين قدميه في نفس اللحظة وهو يقول صائحا "تأكد من فضلك ..أنا كنت أظنها يوم الرابع من ديسمبر وأننا غادرنا القرية صباح اليوم التالي"
أخرج مفرح هاتفه من جيبه يقول بعبوس "لماذا ستجعلني أشك في نفسي "
وكتب على محرك البحث اسم المباراة بينما قال شامل مؤكدا وهو يتطلع في وجه توأمه ويحاول قراءة أفكاره " في الثالث من ديسمبر يا كامل .. نفس اليوم الذي كنت اتصل فيه بك طوال الليل أتذكر؟"
مال كامل يمسك بكتفي أخيه قائلا بعينين متسعتين" هذا اليوم أنا لم أكن بالبيت .. هذا اليوم ذهبت للعاصمة"
"ها !!!!"
قالها شامل بصدمة وهو يستقيم واقفا بينما جحظت عينا مفرح وسأله "كيف هذا؟"
قال كامل بعينين متسعتين وهو يمسك برأسه غير مصدق لما اكتشفه للتو" أقول أني لم أشاهد المباراة ..ذهبت للعاصمة وعدت"
هتف شامل قائلا وضربات قلبه تنافس قلب أخيه كسباق العدو في الماراثون "أين كنت ؟..تكلم بسرعة"
ناظره كامل وعلامات الاحباط تعود لتحتل وجهه "كنت عند شخص لا أتوقع بأنه قد يشهد بأني كنت معه .. كنت مع زوج بسمة السابق سيد صبرة"
××××


يتبع








Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-11-20, 11:04 PM   #3519

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 7

(7)



الثالث من ديسمبر ليلة الحادث
الثامنة والنصف مساء
قال كامل في الهاتف ساخرا "وأخذت تشدد عليّ ..(سنجتمع قبل المباراة بساعات يا كامل لنتعشى ونعيد الأمجاد) .. (علينا أيضا أن نلتقط لنفسنا الصور ونرسل الصورة لشامل الذي لا يكف عن إرسال الصور لك وإغاظته وربما لعبنا في الصور وأضفنا فتاتين جميلتين بجوارنا للتمادي في إغاظته) .. (كف عن كآبتك يا كامل وقابلني مبكرا وسأعشيك في أفخم مطعم في المحافظة كلها ) .. وها أنا قد غادرت البيت ومستعد للوليمة الضخمة لتفاجئني سيادتك باعتذارك عن الحضور"
جاءه صوت مفرح يقول بأسف شديد" أعتذر بشدة يا كامل ..صدقني أشعر بالغيظ بسبب السهرة التي فسدت .. أنا هنا منذ العصر أصالح تاجرين مهمين أتعامل معهما ..ولم أتوقع أن يمتد الموضوع ويطول.. المشكلة أني غير قادر على تركهما والانسحاب في نصف الجلسة ..لابد أن أبقى حتى تحل المشكلة ..حتى المباراة يبدو أني لن ألحق بها ..عموما أنا سأعطيك عنوان المقهى أنا حجزت لنا طاولة هناك اسبقني و...."
قاطعه كامل باقتضاب " لا لن اذهب لأي مكان"
قال مفرح يحاول إقناعه " اسمعني يا كامل لا يزال هناك ساعتين ونصف على موعد المباراة ربما لحقت بك في الشوط الثاني"
قال كامل بلهجة مكتئبة وهو يوقف سيارته عند أول القرية قبل أن يغادرها" لا أريد ..لست في مزاج للخروج من البيت من الأساس ..أخبرتك بهذا منذ الصباح لكنك أصريت على أن نتقابل ..سأعود وأشاهد المباراة على الانترنت مع بسمة"
غمغم مفرح بإحباط "حسنا كما تريد ( ثم سأله ) هل ستغادر صباح الغد؟"
"أجل إن شاء الله"
قال مفرح " حسنا سأتصل بك حين أكون في العاصمة.. سلام "
أغلق كامل الخط وهم بتشغيل السيارة للعودة لكنه تذكر بأن مهجة ستزور بسمة كما تواعدتا أن تقضيا السهرة معا وربما تكون قد حضرت بالفعل فأحس بالحرج من العودة ومهجة موجودة وحتى لو لم تصل بعد سيكون الوضع محرجا مع وليد وقد يضطر للخروج معه لأحد المقاهي لمشاهدة المباراة وهو ليس في مزاج جيد للتحدث مع أحد فلا يزال قلبه يحترق بسبب ما حدث الليلة قبل الماضية .. لا يزال غاضبا وغير قادر على تمرير الأمر.. ولولا ما حدث ليلتها وانهيار بسمة لكان قد ذهب لسيد هذا وأوسعه ضربا حتى يمنعه من الاجتماع ببسمة مستقبلا ..
إنه يحاول التعامل مع غضبه ويحاول إخماد نار غيرته لكن تلك العبارات الجارحة لا تزال تستفزه من آن لآخر .. تأجج غيرته .. تجرح كبريائه ولا يستطيع تحمل فكرة أن سيد هذا قابلها ونظر إليها بعينيه واستعاد علاقته بها .. فليصفوه بالمبالغ .. فليصفوه بالمعقد ..فليصفوه بالمجنون لكن أمر زواجها السابق لا يزال يجرحه بشدة .
زفر بقوة واحتار أين يذهب ليقضي تلك الساعات؟.. هل يتصل بمفرح حتى يعرف منه عنوان المقهى؟.. أم يتوجه هو لمركز المحافظة ويبحث بنفسه عن أي مقهى يقضي فيه وقته؟ ..
أسند رأسه للخلف وأغمض عينيه مجهدا يشعر بأن انفعاله المكبوت قد يصيبه بجلطة أو ربما رفع مستوى السكر في دمه مثل شامل ..
عادت تلك الصورة تلح على رأسه من جديد والتعليقات الوقحة تجرح كبريائه فالتقط الهاتف يدخل على فيسبوك ويبحث عن صفحة القناة كما يفعل كل يوم.. ورغم أن الصورة حذفت ليلتها .. لكنه بات يتابع ألبوم الصور الخاص بالحفل والذي يضاف إليه صورا جديدة كل يوم خشية من أن يكون هناك المزيد من الصور لبسمة حتى لو كانت وحدها فقد طلب شامل منهم عدم نشر أي شيء يخصها ..
لم يجد شيئا في الصور المضافة جديدا ..فنظر في التعليقات الخاصة بذلك المنشور الذي كتبته القناة تعتذر فيه عن تعليق كتب من قبل مسؤول الصفحة كان قد نزل على إحدى صور الحفل واكد المنشور أن ما حدث كان خطأ وأن سيد صبرة لا يزال متزوجا من مذيعة الراديو آية سماحة ..
راقب التعليقات ليتأكد من خلوها من أي اساءة فلفت نظره سؤال من سيدة تقول( ما الذي يحدث؟) فتبرعت أخرى بقص عليها ما حدث وأضافت ( ولقد أكد الملحن سيد صبرة أنه يكن كل احترام لطليقته) ووضعت رابط لصفحة سيد صبرة.
عبس كامل وضغط على الرابط ليجد صفحة باسم وصورة سيد صبرة عليها منشور يتحدث فيه قائلا (الأخبار التي تتحدث عن انفصالي عن زوجتي آية سماحة غير صحيحة وتلك الصورة التي التقطت لي مع السيدة بسمة الوديدي كانت صورة في حفل جماعي لإحدى القنوات .. والتقطت لنا سويا في مكان عام .. لقد انفصلنا باتفاق الطرفين في العام الماضي ..واتفقنا على أن نبقى أصدقاء.. وزوجتي الحالية تتفهم علاقتي ببسمة بكل رقي ..لذا أرجو أن تتوقفوا عن نشر الشائعات عن طلاقي لآية وتتفهموا علاقتي الراقية بالسيدة بسمة )
جحظت عينا كامل وشبت النار في رأسه يتطلع في تعليقات المنشور الكثيرة والتي كان من بينها تعليق يقول ساخرا ( ما هذه المرونة في التعامل؟! زوجتك تحترم علاقتك بطليقتك !!! )
وتعليق أخر" له كل الحق يا جماعة أن يُبقي على علاقتهما فمن رأى صورتها سيفهم أن هذه لا يمكن قطع علاقته بها أبدا " (وجه يغمز)
ألقى كامل بالهاتف بجواره وهو يلقي بسبة وقحة وشغل سيارته متوجها دون تردد نحو العاصمة والدم يغلي في رأسه .. ينوي أن يلقن هذا الرجل درسا لن ينساه ..
بعد ساعتين
بعد قيادة متهورة على الطريق متخطيا كل تعليمات السرعة دخل كامل بسيارته الضخمة إلى حي سماحة .. لقد كان يعرف المنطقة كمعلومة سابقة لكنه لم يكن يعلم أين يقع الحي بالضبط وهذا ما سأل عنه وعن سيد صبرة حتى وصل لذلك المقهى التي قيل له بأنه صاحبه.
لقد فكر بالاستعانة برامز لكنه لم يرغب في أن يدخل أحدا بينه وبين سيد.. كان يريده هو .. يريد أن ينفرد به ..ولم يرغب في أن يتحدث عن زوجته أمام شخص ثالث ..
ركن السيارة تحت إحدى البنايات الملاصقة للمقهى وترجل منها وهو يرى المقهى مزدحما بالناس المنتظرين بدء المباراة فأقترب يسأل أحد الجالسين عن سيد..
أشار له الرجل على سلم وهو يجيب" في مكانه بالطابق الأعلى ( ونادى بصوت عال ) يا طأطأ الأستاذ يسأل عن سيد باشا"
ضاع صوت الرجل بين صوت التلفاز وأصوات الحاضرين العالية بينما لم ينتظر كامل وتحرك مدفوعا بالنار التي تحرق أعصابه ليصعد السلم .
في غرفة علوية سمع كامل سيد يقول بغيظ" يا لتلكؤك يا وائل ..المباراة ستبدأ يا بني أدم ولم يأت أحد منكم حتى الآن .. (وصمت قليلا ثم قال) الكل على وشك الوصول عدا رامز فلا يزال متوعكا وأعتذر عن الحضور"
ظهر كامل أمام سيد يصعد السلم فاتسعت عينا الأخير متفاجئا وقال بسرعة "اذهب الآن يا وائل ( وسأل كامل بهدوء) ما الذي أتى بك إلى هنا؟"
وقف يتطلع فيه متحفزا.. وكذلك فعل كامل ..تطلع فيه هو الأخر لثانية ثم انفجر كل شيء بداخله بعدها ..
تضخم الغضب .. تضخم كغول شديد التوحش تغذيه غيرة مجنونة وعشق وافتتان .. وتصب عليه كرامته وكبريائه الوقود .. فتأجج.. أفلتت أعصابه.. جن .
إن هذا هو آخر إنسان على وجه الأرض كان يرغب في مقابلته .. فليقولوا ما يريدون ..فلن يهم ولن يفيد .. إنه يغار عليها منه .. يغار ولا يحتمل سيرته..
ظل سيد صامتا وقد فهم بأن كامل ينوي على الشر ..بينما الأخر يقترب منه بعينين يعربد فيهما الجنون ..كانا مماثلان لبعضهما في الطول ..ضخمان ..لكن الكتلة العضلية لسيد كانت الأكثر ..والجنون عند كامل كان الأكبر.
تكلم سيد قائلا "إن كنت هنا بشأن تلك الصورة فقد حُذفت وتم نشر تكذيبا"
انقض عليه كامل يمسك بتلابيبه صارخا "أنا هنا لأضع حدا لوقاحتك.. لأخبرك بأن الاقتراب من بسمة يعني هلاكك"
نفض سيد عنه يد كامل قائلا بلهجة قاطعة " أنا لم أتجاوز حدودي تجاه بسمة فـ..."
صاح كامل بجنون وهو يوجه لكمة إلى وجه سيد تفاداها الأخير"لا تنطق باسمها .. هل سمعت؟.. اسمها لا يلفظه لسانك"
دفعه سيد للخلف مدافعا عن نفسه وهو يقول بلهجة منزعجة "إن كنت قد جئت لتتواقح على سيد صبرة فأعلم بأنك لن تعود إلى بيتكم سليما"
عاد كامل إليه وأمسك بكتف قميصه يقول بتحدٍ " إن كنت تريد أن تجرب من منا سيكسر عظام الأخر فليس عندي أي مانع"
أدرك سيد أنه في حالة من الجنون ..ورغم استيائه من جرأته ووقاحته بتهديده لكن كان يتفهم حالته بل أن غضبه هذا أسعده.. فهو يؤمن بأنه بقدر الغيرة يكون الحب .. وهذا الذي يستعر في عيني هذا المجنون غيرة عاشق يفتقد للحكمة في تلجيم غضبه .. فاستغفر ربه ورفع سبابته يقول محذرا " اسمع ..أنا أحاول أن أضبط أعصابي معك متفهما لموقفك (وأبعد يده عن ملابسه بخشونة مضيفا) لكن لا تتمادى.. دعنا نتحدث بهدوء وسأوضح لك كل شيء وأن الصورة..."
هدر كامل موضحا" أنا لا أتحدث عن تلك الزفت الصورة ..أنا أتحدث عن وقاحتك وأكاذيبك التي تنشرها على صفحتك بشأن زوجتي"
اتسعت عينا سيد ورد غاضبا بصوت جهوري "عن أي شيء تتحدث أنا لا أفهم شيئا"
أخرج كامل هاتفه من جيبه وفتحه على الصفحة التي لا تزال مفتوحة كما هي منذ ثلاث ساعات ورفعه في وجه سيد حتى كاد أن يلصقه به هادرا "عما نشرته على صفحتك صباح اليوم ويخص زوجتي بسمة الوديدي"
أمسك سيد بالهاتف ينظر فيه مغمغما باستهجان" ولكن هذه ليست صفحتي"
صاح كامل فيه باستنكار "هل ستتصرف كالجبان الآن وتنكر!"
ألقى سيد بالهاتف على المقعد بجواره قائلا بتحذير وقد بدأ ينفد صبره "أنا لست جبانا ..فاحترس لما تتفوه به يا هذا .. هذه ليست صفحتي وسأتصرف حيال هذا الأمر"
لم يكن كامل في حاله تسمح له بالفهم.. كان جسده ينتفض من العصبية والدم يسري في أعصابه كماء النار.. وتماسُك سيد وتعقله باكتفائه بالدفاع فقط دون الهجوم استفزه .. أشعره بأنه يستهين به فصاح مهددا وهو يدفعه في كتفه "لا يهمني كل ما تقوله من ترهات ( ثم أمسك بتلابيبه يهزه وهو يحدق في عينيه قائلا بشراسة ) إياك والاقتراب من بسمة الوديدي .. هل سمعت؟.. بسمة الوديدي زوجتي أنا ..زوجة كامل نخلة ..إن رأيتها في مكان تدير وجهك للناحية الأخرى ..لسانك لا ينطق باسمها ..وإلا قسما بالله سأريك..."
نفد صبر سيد فدفعه دفعة قوية للخلف وهو يصيح بصوت جهوري" أنا صابر عليك حتى الآن.. لكن قسما بربي إن لم تهدأ لنتحدث كعاقلين سأجعلك مسخرة الحي "
تعرقل كامل بالمقعد خلفه وفقد توازنه فكاد أن يسقط لكنه تمسك بمنضدة جانبية واستقام واقفا ثم التقط مطواة سيد التي كانت بجوار برتقالة نصف مقشرة في طبق من الفاكهة وأشهرها في وجه سيد وقد أضحى عبدا لشيطان الغضب فقال وهو يقترب منه بالمطواة والجنون يلمع في عينيه "من الذي ستجعله مسخرة ..أتظن لأنك في وسط جيرانك لن استطيع تلقينك درسا؟"
عقد وائل حاجبيه أسفل السلم وهو يسمع أصوات الشجار التي تأتي من الطابق العلوي مختلطة بأصوات المباراة العالية خلفه والتي بدأت للتو فأدار وجهه لصاحبيه اللذين قابلاه قبل ثوان على باب المقهى ثم أسرع بالصعود بينما ناظر سيد كامل بهدوء وقال بلهجة صادقة وقد أشفق عليه رغم أسلوبه المستفز "يا أخي اهدأ وإلا ستخسر الكثير بسبب غضبك هذا"
استفزه سيد بهذا التعقل واستفزه أكثر حين أضاف "السيدة بسمة لم يعد يربط..."
اندفع مهاجما وهو يصيح " لا تتفوه باسمها .. ولا تدعوني بأخيك "
قالها كامل بجنون مستعر ثم تجمد بعد ذلك وهو يرى تألما على وجه سيد فأنزل نظراته ليجد سيد يمسك بجانبه والدماء تتفجر من تحت أصابعه .
نظر كامل بصدمة لطرف المطواة الملطخ بالدم بينما هتف وائل بجزع "سيد"
واقترب يدفع كامل بعيدا ويرفع قميص سيد الذي يجز على أسنانه متوجعا لفحصه.
دخل أحمد وعمرو وتفرقا على الفور الأول يمسك بكامل ويلصقه بالحائط والثاني يسرع نحو سيد بينما كامل لا يزال يحرك أنظاره الذاهلة من فوق كتف أحمد بين المطواة وسيد.
ماذا فعل؟ .. إلى أي مرحلة من الجنون وصل .. يكرهه؟ نعم .. يمقته؟ هذا أكيد .. وربما يتمنى أن يقتله لكن بقبضته كالرجال ..وليس بسلاح كالمجرم .. حتى فكرة القتل هذه اللحظة وهو يرى الدم على المطواة في يده والدماء التي يراها تخرج من جسد خصمه كانت صعبة على نفسه ..
قال سيد متوجعا" جرح سطحي يا شباب لا تفزعوا"
أيد وائل كلامه قائلا" أجل جرح سطحي لكن يحتاج لطبيب ليخيطه لك ويوقف النزيف"
نفض كامل عنه بعضا من الذهول وتحفزت ملامحه يناظر أحمد الذي قال غاضبا "ما الذي أتى بك إلى هنا؟ ..أنا سأحبسك ..اتصل بالشرطة يا عمرو"
وقف عمرو مشغولا بمتابعة جرح سيد بينما تدخل الأخير يقول وهو يلتقط منشفة صغيرة أحضرها له وائل من الحمام وضغط بها على الجرح "اتركه يرحل يا أحمد"
انقلبت عينا كامل بينما تركه أحمد وسحب المطواة من يده وطواها وهو يقول بإصرار "لن يغادر قبل أن تأتي الشرطة"
دفعه كامل وقد تخلى عن جزء من صدمته وقال" استدع ما شئت هل تحسبني سأرتعب .. لست نادما "
قال أحمد بعصبية "أنت تحتاج لتأديب"
تدخل عمرو على الفور يمنع أحمد من التمادي فوقف يفصل بجسده بينهما بينما هدر سيد في كامل بمزاج عصبي متوجعا" قلت هيا غادر المكان فورا ..والموضوع الذي جئت بشأنه قلت لك بأني لم أحاول أن اتعدى حدودي مع السيدة بـ .. السيدة زوجتك .. أما عن الصفحة فهي مزيفة وسأتصرف في هذا الأمر"
نزلت أنظار كامل ليد سيد التي تحبس الدماء في جنبه وتحير هل يغادر ويتركه أم يبقى فقال أحمد بإصرار وهو يحاول إبعاد عمرو عن طريقه" وأنا قلت سأبلغ الشرطة لتقبض عليه"
تحرك وائل نحوه وقال بتوبيخ "قال لك اتركه يا أحمد .. هيا لنأخذ سيد إلى الطبيب"
قال عمرو لكامل بهدوء حازم " هيا معي "
وقاده من ذراعه للخارج والأخر ينفض يده بخشونة وهو يسير بجواره بعد أن التقط هاتفه من فوق المقعد ثم سمع صوت أحمد المنفعل ووائل يمنعه.
نزل كامل للطابق الأرضي واخترق المقهى نحو الخارج تتطلع فيهم بعض العيون التي سمعت الصياح في الدور العلوي دون تبين لتفاصيله..
عند بوابة المقهى قال عمرو لكامل" اذهب في أمان الله"
العبارة هزت كامل ..فناظره عابسا فأضاف عمرو بلهجة صادقة " وانصحك أن تتق الله في غضبك ..فوالله أرى فيه هلاكك"
ازداد عبوس كامل وارتبكت دواخله ..فتحرك شاردا نحو سيارته ولا يزال ذهوله لما اقترفت يداه يسيطر عليه .. وتطلع في يده التي جرحت سيد بالمطواة .
اقترب رجل عجوز منه يقول غاضبا" لقد ركنت سيارتك مكان سيارتي واضطررتني لصفها بعيدا"
لم يرد كامل وإنما ضغط على مفتاح السيارة يهم بالركوب فقال الرجل "إلى أين أنت ذاهب ؟.. عليك بدفع ثمن ركن السيارة مكان سيارتي وتحت البناية التي أملكها"
استدار كامل إليه قائلا بعصبية" ابتعد عني أيها الرجل "
قال الأخر بإصرار " لن تغادر حتى تدفع ثمن الركنة تحت بنايتي ومكان سيارتي"
قال كامل والشياطين تتراقص أمامه وقد بدا له الرجل مختلا" عن أي ركنة تتحدث؟.. لم أتركها إلا ربع ساعة ..كما أنه شارع عام"
زفر عمرو الواقف عند المقهى واقترب يقول "اتركه بالله عليك يا عم برقوق "
قال الأخير لعمرو" ألا ترى أسلوبه المتعجرف"
فتح كامل الباب فأمسك به الأخير بعناد أخرج كامل عن السيطرة من جديد فصاح فيه" ابتعد عني حتى لا أؤذيك"
أطلت رؤوس بعض الجالسين في المقهى لتتابع ما يحدث بينما صرخ برقوق" لماذا تصرخ في وجهي من تعتقد نفسك "
أمسك عمرو ببرقوق يبعده في الوقت الذي لمح كامل سيد يخرج من المقهى مرتديا سترة جلدية مغلقة يده في جيبيها ويبدو أنه يضغط على الجرح بهذه الوضعية حتى لا يلفت انتباه أحد بينما الرجل الأشقر يسير بجواره وأحمد يسرع الخطى نحو سيارة قريبة يفتحها ليجلس سيد بصعوبة في المقعد الذي يجاور السائق واستقر ذلك الأشقر في المقعد الخلفي..
فلحق به الشاب الملتحي الذي كان يقف معه .. كما توجه ذلك العجوز إليهم يقول " إلى أين يا شباب ألن تشاهدوا المباراة ؟"
تحركت سيارة أحمد مغادرة .. وركب كامل سيارته وتحرك في الاتجاه المعاكس مبتعدا مارا بسيارة الشباب الأربعة.. فتبادل كامل وسيد النظرات الغاضبة قبل أن يتفرقا.
××××




يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 27-11-20, 11:04 PM   #3520

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي 8

(8)


الرابعة عصرا

الأمل يتضخم في الصدور.. يتشكل بقوة .. يَعِد .. ويمنح الفرصة للتمني ..فقاد شامل السيارة عائدا من زيارة كامل بعد أن فجر الأخير تلك المفاجأة التي لم يكن هو نفسه يعرفها .. ورغم ذهوله بتفاصيل ما حدث وتشكك كامل من موافقة سيد .. لكن شامل كان لديه أمل .. كان يشعر بأن الله لم يكشف هذا الأمر في هذا التوقيت من فراغ .. وشجعه مفرح حين أخبره بأنه لا يظن بأن سيد سيرفض المساعدة ..لهذا توجه على الفور إلى حي سماحة .. مستعدا لأن يدفع عمره مقابل أن يقبل سيد بالشهادة مع كامل.

توقفت سيارة التوأمين الضخمة بالقرب من الحي فنظر رامز لشامل ثم اقترب وركب بجواره وسلم عليه قائلا " ماذا هناك ؟.. لماذا طلبت مني أن نتقابل في أقرب مكان للحي الذي أسكن فيه؟"

قال شامل وهو يسيطر على انفعالاته" رامز ..أريد أن أقابل سيد صبرة بشكل عاجل "

رفع رامز حاجبيه وقال باندهاش" سيد صبرة .. لماذا ؟"

قال شامل "ليس هناك وقت أرجوك "

قال رامز متعجبا "حسنا أنا لا أعرف إن كان موجودا الآن أم لا فقد عدت للتو من العمل ..لكن هيا بنا "



بعد دقائق

وقف وائل أمام سيد في وسط الشارع يديه في جيبي بنطاله يناظره بنظرة متعالية فلوى الثاني شفتيه وقال وهو يمسك بطرف السترة الشتوية التي يرتديها صاحبه " أنا لا أفهم هل تنوي الدخول في مسابقة للأناقة .. أم ماذا؟ .. لقد صار لديك هوسا باقتناء الملابس يا وائل "

بنظرة متسلية من عينيه الزرقاوين رمقه وائل ثم قال وهو يعدل من سترته بخيلاء" يا حبيبي طوال عمري وأنا ملك الأناقة .. كما أنني معتاد على هذا المستوى الراقي من الملابس وأنت تعلم هذا "

غمغم سيد هازئا وهو يربت بكفه الغليظ على جانب وجه وائل بخشونة "حبيبي يا أنيق ما أروعك .. (وعاد ليتطلع فيه بنظرة حاقدة قائلا ) وأم ميري تتركك هكذا دون ضابط ولا رابط ترتدي وتتأنق كيفما تشاء .. لماذا لا تجعلها تعطي دروسا في ذلك لبنت سماحة التي تفتح معي تحقيقا إن خرجت متأنقا "

قبل أن يجيب عبس وجهه وهو يرى تلك السيارة السوداء الضخمة تدخل أول الشارع وشك إن كانت لمن يخمن أم أنها تشبهها فنظر وائل لما ينظر إليه صاحبه ثم قال باستنكار " هل أتى مرة أخرى ؟؟!!..( ثم عبس يقول) أليس مطلوبا في جريمة قتل كما سمعنا ؟"



هز سيد كتفيه وتذكر ما حدث تلك الليلة التي حضر فيها كامل وتشاجرا .. وتذكر ذلك الجرح الذي أصيب به وتحكم في الرغبة التي تراوده من آن لأخر لأن يدق عنقه ويلقنه درسا في عدم التهور لكن الحياة علمته أن يتحكم في ثورات غضبه .. فسأل وائل وهو يرى السيارة ستركن على بعد " هل عاد الكونت من عمله؟ "

رد وائل وهو يتابع ما يتابعه صاحبه " لم يعد بعد"

فقال سيد بارتياح " هذا جيد فلست في مزاج لفض اشتباكات ولا الشجار مع أحد "

قالها وهو يعود بذاكرته لليلة الحادث .

الواحدة بعد منتصف ليل الرابع من ديسمبر

قال سيد بحزم" يا أحمد قلت لك انتهى الأمر"

قال الثاني بقرف " بصراحة لم يعجبني تصرفك إنه يحتاج لتأديب"

رد سيد " أنا تركته لأني تفهمت حالته وسعيد لأن بسمة لديها من يحبها كل هذا الحب الجامح لهذا سأمررها له من أجلها"

غمغم عمرو الواقف يتطلع في الهاتف بجوار النافذة في الغرفة التي يستريح فيها سيد في عيادة الطبيب الذي قام بخياطة الجرح له " هذه الصفحة أنشئت منذ ثلاثة أشهر باسمك يا سيد كيف لا تعرف"

رد الأخير متهكما "والله لم أبحث عن نفسي على مواقع الانترنت من قبل "

ضحك الموجودون إلا أحمد بينما قال عمرو " لابد أن تفعل أو أن تكلف من يفعل كل فترة فقد أصبحت مشهورا ... إن صاحب الصفحة الذي يدعي أنه أنت يستخدم اسمك للترويج لشركة اكتشاف المواهب الغنائية ويوهمهم بأنك صاحب الشركة "

انتفض سيد يعتدل متوجعا في جلسته على السرير وقال غاضبا "هذه الصفحة لابد أن نبلغ شرطة الانترنت عنها "

قال عمرو "بالتأكيد سنفعل"

تكلم وائل متعجبا "شبكات التواصل الاجتماعي هذه مخيفة .. أي شخص يستطيع أن ينشئ أي صفحة بأي اسم "

قال عمرو وهو يتفحص منشورات الصفحة" هذا حقيقي رغم القيود التي باتت توضع مؤخرا لكن فرصة التلاعب لا تزال كبيرة للأسف (ثم أضاف مندهشا) المنشور الذي يقصده كامل نخلة صاحب الصفحة يدعي فيه على لسانك أنك قد طلقت بسمة العام الماضي وليس قبل أربع سنوات .. وهذا يعني بحسبة بسيطة أنك أنجبت طفليك من أية وبسمة لا تزال على ذمتك بعض التعليقات استنتجت ذلك.. لديه حق كامل أن يجن جنونه فمن منا سيقبل بأن تلوك الألسنة سيرة زوجته "

غمغم سيد باستياء" لا حول ولا قوة إلا بالله.. هل ستتصرف فيها يا عمرو ؟ "

هز الأخير رأسه وقال وهو يهرش في لحيته " طبعا .. لقد أرسلت بالفعل لإدارة الفيسبوك وإن لم تتصرف سيسعدني أن أتصرف أنا ..ولكن علينا أن نرى إن كانت شرطة جرائم الانترنت ستعتبر ما حدث هذا جريمة أم لا"

استقام سيد واقفا وهو يقول بتوجع واضعا يده على جرحه " المهم يا شباب ما حدث الليلة لا أريد أن يعرف به أحد .. فليس هناك داعي لنشره ..خاصة وأن كامل هذا يبدو مجنونا فيما يتعلق بأي ماضي يخص زواج بسمة الأول .. (ونظر لأحمد الممتعض الملامح يقول) أرجوكم لا يخرج هذا الأمر عن أربعتنا ..( ثم تحرك مضيفا) هيا لنغادر وفكروا معي ماذا سأقول لآية عن الجرح"

قال وائل وهو يغادر معه" اخبرها بما أخبرت به الطبيب ..أنك دخلت في عراك فوق أحد الكباري مع صاحب سيارة أخرى فطعنك وفر هاربا ولا تعرف عنه شيئا "

تهكم عمرو وهو يخرج خلفهما ويجر أحمد معه" شعرت بأن الطبيب كان يناظر أحمد المقلوب الوجه ويعارك ذباب وجهه بشك في أنه من فعل بسيد ذلك"

غمغم سيد مازحا" جميل جدا ..وجدت الحل .. سأخبر آية أن أخاها هو من طعنني "

أعقب ذلك انفجار في الضحك رج العيادة التي لم يبق فيها في هذه الساعة المتأخرة سوى الممرض والطبيب.



عاد سيد من ذكرياته وهو يرى رامز يقترب مع شامل فقطع برقوق عليهم المشهد حينما اعترض طريق شامل يقول بتحفز "هل جئت مجددا ؟.. بالتأكيد أنبك ضميرك لأنك لم تدفع ثمن الركنة تلك الليلة وجئت لتدفعه"

نظر كلا من شامل ورامز في وجه برقوق عابسين بينما هدر سيد بحزم "برقوق .. اتركه "

انتفض الأخير من صوت سيد ومط شفتيه يقول مبتعدا" من أجل خاطرك أنت فقط يا سيد باشا "

اقترب رامز يلقي السلام ويتطلع في النظرات المترقبة ثم قال" هناك من يسأل عنك يا سيد "

قال وائل بعبوس" لماذا عدت؟"

أيقن سيد أنه ليس هو .. فلا توجد تلك النظرة في عينيه التي تتمنى له الموت فقال لصاحبه "هذا ليس هو إنه توأمه"

قال شامل بارتباك " السلام عليكم .. الحقيقة أنا فعلا لست كامل أنا شامل .. وجئت إليكم وأنا أشعر بالحرج الشديد وبالخزي مما فعله أخي تلك الليلة "

رفع رامز حاجبيه وسأل" أية ليلة تقصد ؟"

أجابه وائل" هذا موضوع يطول شرحه "

نظر شامل لسيد يقول بصوت مخنوق "أنا جئت أتلمس فيك شهامة أولاد البلد وأعرف جيدا أنك شهم ولن تردني خائبا ولن تترك مظلوما يزج خلف القضبان وتضيع حياته "

عقد سيد حاجبيه فأضاف شامل "ربما وصلتك الأخبار بأن كامل أخي متهم في جريمة قتل"

هز سيد رأسه ولم ينكر لنفسه أنه شعر بالاستياء الشديد والحزن على بسمة حينما سمع بالخبر فأضاف شامل" أخي لفقت له تلك التهمة بعد أن تم سرقت مسدسه وتنفيذ الجريمة به ..مستغلين شجارا كان قد حدث قبلها بين أخي والمجني عليه .. وحتى يثبت أخي براءته لابد أن يثبت تواجده في مكان أخر وقت وقوع الجريمة .. (وصمت يتطلع في الوجوه الحائرة وركز في وجه سيد المتسائل وأضاف ) الجريمة حدثت وقت مباراة ( ...) حين كان كامل عندك وحدث ذلك الشجار بينكما "

ارتفع حاجبا سيد بمفاجأة بينما قال وائل باندهاش " هل أنت متأكد؟"

تطلع رامز في الجميع وقال "أفهموني عما تتحدثون "

رد وائل عليه بعصبية" اصمت فالأمر جدي ..وسأخبرك فيما بعد"

رد شامل على سؤال وائل " تستطيع أن تتأكد من الشرطة بنفسك (ونظر لسيد يقول ) ولهذا...."

قطع عبارته حينما سأله سيد " في نيابة أي قسم هو ؟"

أسرع شامل بالرد وقلبه يتقافز بترقب" في نيابة قسم شرطة (....) في محافظة (..... ) التابع لها القضية "

قال سيد وهو ينظر في ساعته" لن نلحق الوقت اليوم (ثم رفع هاتفه يطلب رقما وقال ) عمرو تفرغ صباح الغد من أي شيء مهما كان ..لدى أربعتنا مشوارا هاما لا يحتمل التأجيل"

وقف شامل يحدق فيه بامتنان كبير .. ولولا الملامة .. لبكى أو لسقط مغشيا عليه من الراحة.

×××××



في المساء

نزلت مليكة متأنقة بفستان من الحرير الأسود مكشوف الذارعين يحيط بجسدها .. شعرها مرفوع بأناقة لأعلى فقابلها أدهم وإياد يتطلعان فيها بإعجاب وقال الأخير " واااااو Very Beautiful "

ابتسمت وسألت زوجات أخواتها اللاتي يرتبن سفرة ضخمة مع الخدم " أين أبي والباقون؟"

ردت زوجة بشر " الحاج عبد الغني سينزل بعد قليل ..فهو يرتاح في غرفته حتى نستعد .. وباقي الرجال دخلوا غرفة المكتب وأغلقوا الباب على أنفسهم .. ربما هناك مباراة أو ما شابه ويريدون الهرب كعادتهم "

عبست مليكة وقالت " لا .. ليس هناك مجالا للمراوغة .. سنجتمع الليلة كلنا "

وتحركت نحو المكتب تقول " أنا ذاهبة لإحضارهم"

اقتربت من المكتب تعدل من فستانها .. فقد أرادت أن ترتدي شيئا مميزا اليوم خاصة وأن الجلسة عائلية .. وتساءلت كيف سيكون رأي مفرح في الفستان فهو يحب اللون الأسود .

تسمرت فجأة واسم ( نجمة ) يضرب برأسها بقوة .. فتجمدت يدها على مقبض الباب قبل أن تفتحه أو بمعنى أدق جمدها بعد أن فتحته وصار مواربا ثم تحولت الدقائق التالية .. لنوع من الهلاوس السمعية .. جعلتها تسمع أشياء صادمة .. مؤلمة .. مفجعة .. فجرت قنبلة في قلبها وهي تفتح الباب وتقف تتطلع في أخواتها الأربعة وزوجها الذي اتسعت عيناه هاتفا بجزع" مليكة"

ناظرتهم تنتفض لبضع ثوان ثم سقطت مغشيا عليها .

×××××

نهاية الفصل الثالث والأربعون

مع حبي شموسة


Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:06 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.