آخر 10 مشاركات
دموع رسمها القدر * مميزة ومكتملة *_ بقلم ديدي (الكاتـب : pretty dede - )           »          رواية اسيرة الشيطان..بقلم مايا مختار " مميزة " مكتملة (الكاتـب : مايا مختار - )           »          قبل الوداع ارجوك.. لاتذكريني ! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          عطر القسوة- قلوب احلام الزائرة- للكاتبة المبدعة :داليا الكومي *مكتملة مع الروابط (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          ومنك اكتفيت -ج2 من سلسلة عشق من نار-قلوب زائرة- للكاتبة : داليا الكومى(كاملة&الروابط) (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree2430Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-04-20, 11:06 PM   #591

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي


علا صوت الشجار الآتي من غرفة نوم والديهم فوقف اربعتهم في حالة من التوتر .. لتقول اسراء بحزم" هيا اذهبوا لإنهاء واجباتكم المنزلية .."
تقبض كريم ثم اندفع مغادرا للبيت فأسرعت اسراء خلفه لتناديه لكنه لم يتوقف .. لتعود وتصيح في أختيها "هيا اذهبا وافعلا شيئا مفيدا بدلا من الوقوف بهذا الشكل "
تحركت الفتاتان تباعا وقررتا الصعود إلى سطح البيت وكأنهما تهربان من أصوات الشجار بينما وقفت اسراء في منتصف الصالة وقد أظهرت على ملامحها توترها الذي كانت تخفيه ووقفت تسترق السمع في خوف شديد من أن يتطور الشجار .
كانت تعلم بأن الأمر لن يمر على خير بين والديها .. فأمها كأي أم ترغب في تزويج ابنتها لكن والدها لا تعلم إن كانت تشفق عليه بعد أن خسر وظيفته أم تشعر بالغضب لاستسلامه للإحباط ..
علا صوت نصرة تقول بغيظ "اسمع يا هلال أنا لا أريد لهذا العريس أن يطير من يد البنت .. يكفي حظها المائل في الدراسة "
أطرق هلال برأسه يطحن ضروسه غاضبا لتكمل نصرة بلهجة موبخة "أتحسبني لا أشعر بها ؟!.. أتحسبني لا أعرف كيف تداري البنت الحسرة في قلبها بعدما قررت بنفسها عدم الالتحاق بالكلية التي تمنتها لأنها تعرف بأننا لن نستطيع تحمل تكاليفها؟!"
بلعت اسراء غصة مُرة في حلقها وجاءها صوت أمها تضيف "كل من يعرف بأن مجموعها في الثانوية العامة كان يؤهلها للالتحاق بكلية الطب لكنها التحقت بكلية التربية بدلا منها حتى تصبح معلمة وأنها رفضت بكل إباء محاولات بعض المقتدرين في القرية لمساعدتها في تكاليف دراسة الطب يشعر بالأسف الشديد عليها .. فيزيد ذلك من حسرتي أن ابنتي لم تصبح طبيبة كما تمنت .. كما أنها لا تستحق منا أن نخيب أملها أكثر يكفي بأنه لولا مرتبها الآن لما...."
بكرامة مجروحة قاطعها هلال هاتفا بانفعال "أعرف يا نصرة.. أعرف كل ما ستقولينه ..لولا أن مرتبها يساعد مع المبلغ الذي يرسله أخي من العاصمة كل شهر لما وجدنا حتى الخبز الجاف لنأكله .. ( وأمسك بفتحه صدر جلبابه يصيح بقنوط ) ولكن ماذا بيدي لأفعله.. أنا عشت عمري كله بين ماكينات النسيج ولا أعرف مهنة غيرها ولا يوجد مصانع أخرى للنسيج في المحافظة كلها .. ولا أملك رأس المال لبداية أي مشروع .. ولا أفهم في المشاريع من اساسه .. (واضاف بمرارة وقهر ) ماذا عليّ أن افعل بالله عليك ؟!.. أتريدين مني في هذا العمر أن اعمل صبي في مقهى أو بائع أو كاشير في سوبر ماركت!!.. أهذا سيرضيكِ وسيشعركم بأني أعيلكم ؟.. ثم كم سأجني من وظيفة كهذه؟"
نظرته المكسورة في عينيه رغم الغضب البادي على ملامحه ووقفته المتشنجة بقلة حيلة حرك شفقتها عليه .. فغمغمت بصوت مبحوح " والعمل يا هلال البنت..."
قبل أن تكمل عبارتها طرقات على باب الغرفة جعلتها تصيح بعصبية "من؟؟"
جاء صوت اسراء تقول" أنا يامّة هل أدخل؟"
نظرت نصرة لزوجها الذي يحدجها بمقلتين حانقتين ثم قالت "ادخلي يا اسراء "
بخطوات مترددة وملامح متبسمة رسمتها جيدا قالت اسراء بمرح زائف "أنت تجهزين للأمر يا نصرة وكأني قد قبلت العريس ..أنا لن أوافق قبل أن اجلس معه مرة واثنتين وعشرة وبعدها سأقرر .. ولا تعارضي ذلك أرجوك "
كانت تعلم نصرة بأنها ستفعل ذلك .. ستحاول أن تظهر بأنها لا ترغب في الأمر .. وهي كـ نصرة لن تتحمل المزيد من تضحياتها ..لن تتحمله أبدا .. فإن ما يحدث فوق طاقتها .. فلمع الغضب في عينيها وصرخت فيها " اقسم بالله لو فعلتِها لأترك لكم البيت ولن تروا وجهي ثانية .. "
وانهمرت الدموع من عينيها وضربت بكلتا يديها على صدرها صائحة بهستيريا "ارحموني .. ارحموني ما عدت اطيق حياتي "
لم يستطع هلال تحمل رؤيتها منهارة .. قلبه كان يؤلمه بشدة فانطلق بسرعة يترك المكان يتمنى الموت.. بينما أسرعت اسراء بالاقتراب من أمها ومحاولة تهدئتها .. لكن الأخيرة كانت منهارة كليا فلم تنجح إسراء في احتضانها إلا بعد عدة محاولات .. حتى استكانت الأخيرة واخذت تبكي على صدر ابنتها بقهر وقلة حيلة وهي تردد بصوت مكتوم " ارحموني "
××××
يتبع


Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 11:09 PM   #592

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

ردت بسمة على الهاتف تقول" السلام عليكم"

جاءها صوت محدثها "وعليكم السلام استاذة بسمة معك مندوب شركة( ...) .. بخصوص المعدات التي طلبتِها نحن سنكون عند العنوان المسجل لدينا خلال ربع ساعة إن شاء الله "



العنوان ؟؟

ما هو تاريخ اليوم؟؟



يا إلهي .. لقد نسيَت أنها قد طلبت الاسبوع الماضي بعض المعدات من أجل مشروعها واعطتهم عنوان بيت الجد صالح !.

ما هذه الورطة !.



أسرعت بالقول لمحدثها "حسنا انتظر عند البوابة إن وصلت قبلي من فضلك ..وسأرسل لك احدا ليستلمها"



اغلقت الخط ثم اسرعت بالاتصال بمفرح .. لكنه لم يرد ..جزت على أسنانها بعصبية وعاودت الاتصال بإلحاح لكنه لم يرد أيضا .. فاتصلت بمليكة تقول بمجرد أن فتحت الخط "الحمد لله أن فيكم أحدا يرد على الهاتف"



ردت مليكة عاقدة حاجبيها" ما بك ؟.. لمَ أنت متحفزة بهذا الشكل؟"

سألتها بسمة بسرعة" أين مِفرح؟"

أجابت مليكة "مع صديقيه ..أخبرني بأنه سيأخذهما في جولة في المزرعة قبل أن يسافرا"



غمغمت بسمة "إذن حتى الضيفان ليسا في دار جدي صالح؟ "

ردت مليكة "أجل ..وأكد لي ذلك الغفير الذي أتى من هناك منذ دقائق جالبا معه ما أوصى به مفرح من أقفاص الخضر والفاكهة التي سنهديها لأخوتي قبل عودتهم للعاصمة"



هتفت بسمة بغيظ " ومادام السيد مفرح أفندي في المزرعة ..لمَ لا يرد على هاتفه؟؟!"



ردت مليكة بهدوء "ربما يضعه صامتا (واكملت بلهجة ممتعضة ) أو أضاعه كالعادة (ثم سألت باندهاش ) ماذا بك ؟.. ماذا تريدين من مفرح؟"

ردت بسمة بغيظ وهي تحك جبينها وتفكر في حل " المعدات الخاصة بالمشروع وصلت .. وبالطبع كنت قد أعطيتهم عنوان بيت الجد صالح ولم أكن أعلم بأنه سيكون مشغولا.. والسيد مفرح لا يرد عليّ حتى يستلمهم مادام في المزرعة"



قالت مليكة مقترحة " هل اطلب من أحد الغفر الذهاب لمفرح؟"

اسرعت بسمة بالقول وهي تسحب وشاحها من فوق السرير " ليس هناك وقت اذهبي الآن"



سألتها مليكة قبل أن تغلق "لم تخبريني ما الذي كان يريده منك الدكتور مهاب؟ "



غمغمت بسمة بسرعة قبل أن تغلق الخط "كان يريد ما كنا نتوقعه سأخبرك التفاصيل لاحقا"



تجاهلت صراخ مليكة المغتاظ والتي تريد تفصيلا لما اخبرتها به للتو .. وتجاهلت محاولاتها إعادة الاتصال بها وهي تخرج من غرفتها ومن الشقة كلها وتسرع نحو الشقة المقابلة .. شقة أخوها وعروسه ..لكن يدها تجمدت بتردد قبل أن تطرق الباب .. ففكرت لثوان ثم تراجعت شاعرة بالحرج ونزلت السلم بسرعة .



في بهو البيت سألت أمها بتردد" هل صعد وليد إلى شقته؟"

اومأت أمها بالإيجاب .. فأسرعت بسمة تلقي بوشاحها فوق رأسها وتلفه بإهمال .. لتصيح والدتها باندهاش "إلى أين يا بسمة؟!"



ردت الأخيرة وهي تندفع نحو باب البيت "سأعود بعد قليل يا أمي لن اتأخر"



انطلقت تسرع الخطى تخبر نفسها بأنه لا وقت للاتصال بفتى التوكتوك الذي تتعامل معه دوما .. فخرجت من شارعهم نحو شارع أوسع وأشارت لأحد التكاتك مقررة انتهاز فرصة عدم وجود الضيفين بالبيت لتدخل المعدات بالمخزن فالأمر لن يستغرق سوى بضع دقائق .

××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 11:10 PM   #593

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

في مزرعة العمدة انهى مفرح محاضرة طويلة للتوأمين عن نظام الصوب الزراعية في مزرعته وأنواع الزراعات المختلفة ومميزاتها وحرص القائمين عليها أن تكون صحية .. وقد استشعر التوأمين فخره واعتزازه بما يقول ..
وكيف لا يكون وهو فلاح ابن فلاح ..
ارتبط هو واجداده بطين هذه الأرض التي ارتوت بعرقهم على مر السنين..
يعرف قيمة كل ذرة تراب فيها ..
حتى لو ارتدى احدث الماركات العالمية وركب أغلى السيارات وزار بلاد العالم كلها.. وحصل على أعلى الشهادات .. سيظل يحمل هوية (فلاح) بكل فخر .. وسيظل الطين عنده كشرفه وعرضه .. وستحمل بشرته وبشرة أولاده سُمرة شمس النهار في الحقول.. حتى لو تربوا بين رفاهية العصر وثراء عائلته ..
مر سؤالا عابرا في رأس مفرح في وقفته مع التوأمين .. هل يرتبط أولاده بهذه الارض مثله..؟
أيدركان أهميتها أم انه التهى بما يشغله ونسي أن يعلمهما ماذا يعني الطين ..
الطرح النابت من باطن الأرض ..
الخير والرزق والنعمة التي يقدرها صاحبها ..
هل علمتهم يا مفرح أن زراعتها وحصادها نوع من العبادة ؟!.
انتهى شامل من التهام حبة المانجو الطازجة التي اقتطفها بنفسه من على الشجرة ثم تحرك يغسل يديه من أحد الخراطيم الموصلة بصنبور أرضي .. قبل أن يعود لصاحبه وتوأمه ويقول بمشاكسة وهو يجفف يديه بمنديل ورقي " كل هذا جميل .. لكني حتى الآن لم انبهر يا مفرح.. بصراحة كنت متوقعا مستوى أخر من الابهار (ونظر لأخيه يسأله بلؤم ) هل انبهرت يا كامل ؟"
بابتسامة لئيمة هز كامل رأسه ومط شفتيه نافيا.. فرفع مفرح حاجبا مستنكرا ومسد على لحيته المنمقة عدة مرات ثم قال بثقة وابتسامة صفراء متهكمة تزين شفتيه "حبيبي.. قرة عيني ..فلذة كبدي أنت وهو .. أنا لست هنا لأعرض عليكم منتجات مزارعنا ..ولا احتاج لذلك .. فأنا بفضل الله وكرمه أصدر منتجاتنا لدول أوروبا.. أنا فقط أتحدث لمصلحتكما لا أكثر يا ولد"
أسبل شامل جفنيه لعدة ثوان وقال مستمرا في مناكفته" لا بالطبع سنشتري منك حتى نساعدك في زيادة دخلك .. (وعاد ليرفع له أنظاره ويقول ) ولكن السؤال المهم كم قيمة الخصم الذي سنحصل عليه .. لن نوافق بأقل من ... "
صمت ونظر لأخيه المستمتع بما يفعله توأمه وبالابتسامة الساخرة التي تزين شفتي مفرح ليكمل له كامل عبارته " أقل من ثمانون بالمائة خصما لن نقبل"
تطلع مفرح فيهما بابتسامة هادئة ثم نادى "يا عم عطية .. جهز أقفاص الهدايا للضيوف حتى لا يتأخرا في العودة لبيتهما"
رفع كامل حاجبيه يقول باستهجان ولهجة تمثيلية " أتطردنا يا ابن الأصول !!"
رد مفرح بمراوغة والابتسامة الباردة تزين شفتيه " أنا !.. حاشا لله .. نحن أولاد بلد نكرم ضيوفنا ..وإن لم تحملكما الأرض نحملكما فوق رؤوسنا .."
نفض كامل الهزر الصبياني الذي يدور بينهم وقال بجدية "لن نختلف يا عم مفرح نحن قد طلبنا التعاقد معك من قبل مجيئنا ولم نكن ننوي أصلا الحضور لولا زفاف اختك .. (ونظر لتوأمه الذي فهم على الفور علام ينوي القول فتجهم وجهه بغير رضا ليضيف كامل) الحقيقة أنا لدي لك خبرين أردنا أن نفاجئك بهما"
عقد مفرح حاجبيه ومرر نظراته المستفهمة بينهما مغمغما" خير إن شاء الله"
دارى شامل ملامح عدم الرضا عن مفرح بينما أكمل كامل بابتسامة ماكرة" لقد وقّعنا عقدا مع مزرعة الوديدي للمواشي صباح اليوم لتوريد اللحوم ومنتجات الالبان أيضا للمطعم"
رفع مفرح حاجبيه متفاجئا .. فأوضح كامل "لقد أخذنا الحاج سليمان الوديدي في جولة في مزرعته صباح اليوم "
تدخل شامل يقول معترفا " الحقيقة ما رأيناه كان جيدا جدا .. فقلنا لمَ لا نتعاقد على اللحوم والخضر من مكان واحد"
غمغم مفرح من بين أسنانه في سره " خالي!"
"يا باشمهندس مفرح .. يا باشمهندس مفرح"
استدار الأخير بحاجبين معقودين إلى مصدر الصوت منزعجا ..فوجد أحد الغفر يهرول نحوه فلاح الاهتمام على وجهه.. قبل أن يقف الغفير أمامه يلهث .
سأله مفرح بتوبيخ "ما هذه الجلبة؟"
قال الغفير من بين لهاثه " حضرة العمدة يريدك على وجه السرعة ..لقد حاول الاتصال بك بدون رد"
تحسس مفرح جيوبه واخرج هاتفه بملامح عابسة ونظر فيه متذكرا بأنه قد وضعه صامتا في طريقه إلى التوأمين فوجد عشرات المكالمات الفائتة .. فرفع الهاتف يتصل بوالده وهو يسأل الغفير بقلق "هل حدث شيء جديد؟"
قال الغفير بسرعة" هناك طفل تائه يبحثون عنه منذ ساعة"
عبس مفرح وسأله " كم عمره ؟"
رد الغفير " تقريبا خمس أو ست سنوات سعادتك "
قال مفرح " اخبر عويس أن يخرج الغفر لمساعدة أهل البلدة في البحث عنه إذن (ثم قال في الهاتف ) نعم أبي"
قال العمدة بغيظ "ماذا تفعل عندك والبلدة مقلوبة تبحث عن الصبي"
تكلم مفرح باندهاش "أين سيذهب يا أبي سنجده إن شاء الله.. سأطلب من شيخ الغفر حالا أن ..."
قاطعه والده يقول بانفعال" شيخ الغفر خرج بالفعل هو ورجاله للبحث عنه .. لكني أريد لأهل البلد أن يروا اهتمامك بشئونهم الصغيرة لأنني أكيد بأن مصطفى الزيني سيهب للمساعدة كعادته في مثل هذه المواقف حتى يظهر أمام الجميع بأنه الأحق بمنصب العمدة القادم .. هذا اللؤم أنا اعلمه جيدا ..خاصة وأن الناس الآن مستنفرون بسبب ما حدث مع زهير ومنهم المتعاطفون معه .. فما بالك أن يتوه ولده "
عقد مفرح حاجبيه وسأل متفاجئا "الطفل التائه ابن زهير؟ !!"
رد العمدة" أجل ابنه .. المسكين أخبر جدته انه سيذهب للبحث عن والده وتحريره من أيدي الشرطة .. ثم اكتشفت اختفائه بعد قليل .. هو ودراجته الصغيرة"
حك مفرح جبينه وغمغم "لا حول ولا قوة إلا بالله .. سأتابع أنا الامر يا أبي لا تشغل بالك.. وسأجند البلدة كلها للعثور على الولد فطفل في الخامسة على دراجة صغيرة لا اتوقع أن يكون قد خرج من القرية"
قال والده بإصرار " لا أريد متابعتك فأهل البلدة قادرون على ايجاده بإذن الله ..فأنت تعرف أن الناس لا تتأخر في مثل هذه المواقف .. ما أريده هو أن تظهر أمام الجميع وتبدي اهتمامك بالأمر .. لا أريد لمصطفى أن يسرق منك المشهد.."
رفع مفرح انظاره لصاحبيه المتابعين لتعبيراته باهتمام ثم غمغم بضيق واستسلام وهو يشير للغفير بالانصراف" حاضر يا أبي سآتي حالا"
أغلق الخط وتحرك يقول لصاحبيه بوجوم واختناق وقد اختفى المرح السابق "عليّ الذهاب فورا .. هل ستبقيان أم ستغادران؟"
قال كامل وهو ينظر في ساعته" علينا بالتحرك خلال نصف ساعة لأن الوالد لديه موعد هام مع طبيبه في العاشرة مساء وعلى أحد منا أن يكون معه"
ربت مفرح على ذراع الأول ثم الثاني وهو يقول بضيق ممزوج ببعض الحرج " كنت أتمنى أن نبقى بعض الوقت سويا لكن كما ترون..."
سأله شامل بقلق "أتريد منا أن نخرج بالسيارة لنبحث عن الطفل معكم؟"
رد مفرح وهو يغادر "سلمتما .. لا تقلقا أهل البلد سدادون في مثل هذه المواقف كما أنكما لا تعرفان تفاصيل الطرق الداخلية للقرية .. (وتوقف عند البوابة والتفت إليهما قائلا بحرج) أنا اعتذر بشدة يا شباب كنت اخطط لجعلكما تنتظراني وأعود معكما للعاصمة .. لكن للأسف يبدو أني سأؤجل المغادرة .. (وأضاف بجدية تتنافي مع تصرفاته الصبيانية معهما عادة ) آسف مرة أخرى مضطر أن اغادر فورا وسأخبركما حينما اذهب للعاصمة.. في أمان الله"
قالها وتحرك مسرعا فطالع صاحبيه مشيته العصبية وكتفيه المتشنجين شاعران بالحزن لوجومه وقد فهما بأن والده يضغط عليه كالعادة .. ثم قال شامل لأخيه بعبوس "لماذا لم تخبره بالخبر الأخر يا كامل؟"
متجاهلا بعناد عبوس توأمه رد كامل محركا كتفيه" أنت رأيت بنفسك جاءه الغفير واضطر للمغادرة مسرعا .. كنت أود أن أرى وجهه حين يعلم .. لكن يبدو أني سأضطر لإخباره على الهاتف .."
قالها وتحرك يهرب من نظرات أخيه النارية وهو يغمغم "سأذهب لأضع الحقائب في السيارة"
تحرك كامل يخرج من بوابة المزرعة بينما وقف شامل متخصرا يشعر بالقلق من القادم ..فكامل متهور ومندفع وعنيد .. والوضع هنا في القرية مثله مثل كل المجتمعات الصغيرة يختلف تماما عن طبيعة الحياة في المدن الكبيرة.
قاطع شروده أحد رجال المزرعة حين قال "حالا سنحضر الاقفاص هل تريدنا أن نضعها مباشرة في حقيبة سيارة سيادتك؟"
رفع شامل حاجبيه وسأله باندهاش وهو ينظر في هاتفه الذي بدأ يرن في يده" لا افهم عن أي أقفاص تتحدث؟!"
قال الرجل موضحا "الباشمهندس مفرح أمر بإعداد اقفاصا من منتجات المزرعة لسيادتكم"
ابتسم شامل بحرج ولم يعقب وإنما رفع الهاتف على أذنه يقول" نعم يا أمي"
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 11:12 PM   #594

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

في الخارج نزلت بسمة من التوكتوك وتطلعت حولها فلم تجد أحدا في انتظارها فهمت بالاتصال بالمندوب قبل أن تلمح سيارة نصف نقل تدخل من أول الشارع خمنت بأنها سيارة الشركة .
أخرجت مفتاح بوابة بيت الجد صالح لكنها لاحظت أنها مفتوحة قليلا فدفعتها مغمغمة بامتعاض "يتركان البوابة مفتوحة!"
وقفت تستلم الطلبية من مندوب الشركة وتوقع على الأوراق ثم أشارت لمرافقيه وهي تسبقهم للمبنى ذي الطابق الواحد المجاور لدار الجد صالح والذي يستخدم كمخزن ورفعت لهما الباب ليضعوا فيه المعدات .
على أصوات جلبة في الخارج عقد كامل حاجبيه وأسرع الخطى ناحية باب البيت وهو يحمل حقيبتين صغيرتين.. وما أن خطى للخارج حتى وضع الحقيبتين في الأرض وتسمر مكانه.
إنها هي ..
رغم أنها توليه ظهرها لكنه لا يعرف كيف أخبره حدسه بأنها هي..
راقبها وهي توجه رجالا يحملون أشياء ميز منها آلة تغليف وبراميل بلاستيكية ..وراقب نظراتهم المختلسة لها ما بين معجب ووقح شاعرا ببعض الضيق بسبب ذلك الوشاح الذي ينحسر عن رأسها كل دقيقة وتعيد ضبطه.
صوت اغلاق بيت الجد صالح خلفها أجفل بسمة فأدارت وجهها بسرعة لتتفاجأ به ينظر إليها وهو يغلق الباب بالمفتاح ..فعادت لتنظر أمامها مغمغمة "يا للحرج!.. ألم تقل مليكة بأنه في المزرعة مع مفرح؟!"
صوت خطواته الصامتة كانت تشعر بها وهو يقترب منها فأغمضت عينيها بغيظ لثانية تجز على أسنانها ليأتيها صوته بعد ثوان يغمغم ساخرا "من الواضح أنكم هنا تحبون اقتحام الأماكن على الناس ومفاجأتهم"
تقبض كفاها بجوار جسدها ومنحته نصف استدارة تقول موضحة بذقن مرفوع" لا تؤاخذنا .. نضع بعض المعدات في المخزن ولا أعتقد أنا اقتحمنا عليكما المكان لا سمح الله ..فالدار شيء والمخزن شيء آخر .. والاثنان يضمهما بوابة واحدة"
على الرغم من تلك الخطوات التي تفصل بينهما وقد حرص على عدم اقترابه كثيرا .. إلا أنه خُيّل إليه باستشعاره لدفء جسدها من هذه المسافة..
وتعجب.. كيف لإنسان بهذه الجاذبية أن يُترَك هكذا يتجول في الطرقات بدون حراسة؟!! ..
بلع كامل ريقه الذي جف فجأة مستنكرا على نفسه تلك الأفكار المراهقة السخيفة .. واسرع بالإشاحة بنظراته بعيدا عن عينيها الزرقاوين اللتان حدقتا فيه ببرود قبل أن تدير رأسها بعيدا عنه تتابع العمال.. فغمغم بلهجة ساخرة شاعرا برغبة غريبة في مشاكستها "ومع هذا وجب إخطار ساكني المنزل على الأقل احتراما لهم"
استدارت إليه بحدة تقول باستنكار " أتقصد بأننا لا نحترم ضيوفنا يا حضرة !"
رفع كامل كفيه في الهواء يرد بلهجة ساخر استفزتها بشدة "أنا لم أقل هذا أبدا .. وهذا ثاني اتهام اتلقاه منك في أقل من أربع وعشرين ساعة .. أنا أكيد بأنكم أهل أصول (وانزل يديه يعيدهما في جيبيه ثم مال إلى الأمام برأسه قليلا يضيف مستمتعا باستفزازها ) لكن يبدو أن بعضكم لديه هواية إلقاء التهم على الناس جزافا"
لجمت شعورا بالغيظ سيطر عليها وهي تمنع نفسها من التمادي في الحديث معه فغمغمت وهي تتحرك خطوتين مبتعدة "ليس هناك دخانا بدون نار"
عقد كامل حاجبيه بدون فهم وتابعها من مكانه وهي تحاسب العمال الذين اسرعوا بالمغادرة فورا .. فنظرت بسمة لباب المخزن المفتوح عاقدة حاجبيها وهي تقترب منه لا تعرف كيف ستغلقه وقد فتحوه حتى آخره ولن تطاله .. فهو من النوع المعلق من الأعلى ببكرة ويُسحب لأسفل فاستدارت تخفي ارتباكها تحت وجه مصمت لتلحق بأحدهم أو تنادي أحد العمال من مزرعة العمدة القريبة منها ليساعدها في إغلاقه .. لكنها بمجرد أن خطت بضع خطوات لمحته يتحرك باتجاه باب المخزن فتابعته بأنظارها عابسة وهو يرفع ذراعيه العضليين ويسحب بقامته الطويلة الباب بسهولة.. ثم انحنى ليغلق القفل قبل أن يعتدل واقفا ويستدير إليها يقول بنفس الطريقة التي تستفزها وهو ينفض كفيه " أرجوكِ.. لا داعي للشكر .. ولا داعي لإلقاء المزيد من الاتهامات أيضا"
ناظرته ببرود تشعر بأنه يسخر منها بتلك الابتسامة التي تنبعج عنها زاوية شفتيه كلما تحدث معها فغمغمت " أشكرك (واستدارت تكمل طريقها للبوابة وهي تقول من بين أسنانها) لماذا يشعر نفسه شخصا مُهماً !.."
بمجرد خروجها من البوابة تفاجأت بتوأمه شامل وهو يقف مع ونس بنت عيد القللي .
قبل قليل :
على بعد أمتار من بوابة بيت الجد صالح وقفت مطرقة الرأس ترسم بمقدمة حذائها على الأرض الترابية تحت قدميها.. يداها معقودتان خلف ظهرها ولسانها يتلوى من الحرج والخجل في جانبي فمها يمينا ويسارا .
خرج شامل شاردا في تصرفات توأمه ..فلمح وقفتها البعيدة عن البوابة في الطريق الخالي تقريبا من البنايات إلا من بيت الجد صالح ومزرعة العمدة وسط سجادة كبيرة باللون الأخضر.
ابتسامة لا ارادية ارتسمت على وجهه وقد نسي ما كان يفكر فيه ..ورغم حذره في التعامل مع الاناث في البلدة لتفهمه باختلاف التقاليد فيها عن حياة المدن.. إلا أن قدماه ساقتاه نحوها ..لكنه توقف على بعد خطوات يديه في جيبي بنطاله يتلفت بأنظاره هنا وهناك وذلك التوتر اللذيذ عاد ليسري ببطء في اعصابه.
أحست ونس بخطواته نحوها قبل أن تلمحه يتوقف قريبا منها بصمت.. لقد استجمعت شجاعتها وجاءت بنفسها إليه لتعرف إن كان قد فهم بأنها الفاعلة أم لا..
لم تستطع الاختباء أو حتى الانتظار.. كانت كلص يحوم حول مسرح جريمته .. لكنها لم تكن خائفة.. أو بمعنى أدق لم تكن تخشى العقاب .. وإنما خشيت أن تكون صورتها أمام ذلك الوسيم سيئة.
مرت دقيقة من الصمت .. قبل أن يبادر شامل بالحديث قائلا بلطف "مساء الخير"
رفعت وجهها تناظره بزاوية عينيها بمقلتين بنيتين ووجنتين مخضبتين بالحُمرة .. فسألها شامل "لمَ تقفين بهذا الشكل؟"
عادت تطرق برأسها دون رد واستمرت في رسم دوائر على الأرض بمقدمة حذائها ولسانها يلعب في جدار خدها من الداخل.
بنظرة ذكورية خاطفة مرت مقلتي شامل عليها من رأسها حتى أخمص قدميها.. ثم اشاح بوجهه للناحية الأخرى وابتسامته تتسع وضربات قلبه تتسارع بسعادة غريبة.. ليعود بعد ثانية يقول بتلقائية متعمدا مناكفتها "هل جئت لتعتذري على فعلتك يا ترى ؟"
اغمضت ونس عينيها بقوة دون أن ترفع رأسها شاعرة بالحرج .. فاتسعت ابتسامته ثم طقطق بلسانه باستهجان وأضاف مشاكسا "تؤ تؤ تؤ ..لم أتوقع أبدا أنكِ مؤذية بهذا الشكل !"
جملته استفزتها فكشرت عن أنيابها وأدارت وجهها نحوه بحركة حادة ترفع إليه مقلتين مقلوبتين مليئتين بالغل..
ارتفع حاجباه متفاجئا ولملم ابتسامته يحاول ألا يضحك من تعابيراتها التي انقلبت فجأة .. ثم ضيق عينيه وهو يراقبها تدس يدها في جيب سترتها الصفراء القصيرة فوق تلك البلوزة الطويلة حتى ركبتها علي بنطال جينز واخرجت أمام دهشته دفتراً صغيراً وقلماً.. ثم كتبت شيئا ما فيه بعصبية ورفعته أمام ناظريه ..
"أنت من أخطأت في حقي.. أنت من كنت على وشك الإطاحة بي في الترعة"
عدة ثوان وقف أمامها شامل غير مستوعبا وقد تجمدت الابتسامة على وجهه ..
عدة ثوان نظر في الدفتر دون أن يعي ماذا كتبت.
عدة ثوان احتاجها عقله لإدراك الأمر .. وهذا الإدراك تلاه شعور قوي غير مفهوم اجتاحه..
أهو الصدمة ؟..
أم الشفقة ؟..
أم الألم والحسرة؟..
فهو بالتأكيد ليس ( حزنا ) كما بدا له .
فكيف يكون وهو لم يرها سوى ثلاث مرات!.
أنزلت ونس الدفتر وعادت لتكتب بنفس العصبية وبخط كبير ثم رفعته في وجهه مجددا..
"أتحسبني سأمرر لك الأمر ؟!!.. إن كان عليّ الاعتذار فأنت أيضا عليك أن تعتذر"
بلع صدمته وأخرج يديه من جيبي بنطاله يقول بملامح جادة وارتباك يحاول التحكم فيه" أناااااا اعتذر بشدة عما حدث .. فالأمر لم يكن مقصودا يا!"
لانت ملامحها وتخلت عن انفعالها فهدأت نظراتها النارية واشتعلت وجنتاها.. ثم اولته ظهرها وضربات قلبها تتسارع تكتب شيئا في الدفتر ثم استدارت ترفعه في وجهه مجددا .
مال شامل بجذعه للأمام قليلا يحدق في الاسم الذي كتبته بخط عريض فلمعت عيناه وانفرجت ملامحه مغمغما "اسمك"
"ونس! ..ماذا تفعلين هنا ؟"
قالتها بسمة بعصبية.. فأسرعت ونس بإخفاء الدفتر خلف ظهرها تتصنع البراءة.. وحركت كتفيها لبسمة بلا شيء ..
اقتربت بسمة منها وامسكت بمعصمها بعد أن حدجت شامل بنظرة باردة ثم تحركت بخطوات عصبية تسحبها خلفها وهي تغمغم "لا يصح أن تقفي بهذا الشكل في الشارع ومع الأغراب .. لو علم العم عيد سيقتلك "
أخذت تهرول خلف بسمة لكنها ادارت وجهها بارتباك نحو شامل .. تتطلع فيه وهي تبتعد .. كان لا يزال واقفا ينظر نحوها .. طويلا وسيما .. تنعكس شمس الغروب على شعره الذي تطير خصلاته الناعمة على جانبي وجهه .. فسألته في سرها "وأنت أيها الأمير الوسيم ما اسمك؟"
استمر شامل علي وقفته حتى أدارت ونس عنه وجهها فأخذ يردد في سره" ونس .. ما أجمله اسم !"
أما كامل فظل واقفا في ساحة البيت يديه في جيبي بنطاله يحدق في الأرض يشعر وكأنه قد وقع في فخ كبير غير قادر على الفكاك منه.
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 11:14 PM   #595

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

"الحاج بدير لديه كل الحق فيما فعل "
قالها أحد الرجال البسطاء معلنا عن رأيه في الجدال الحاد الذي يدور في البلدة منذ أن ألقت الشرطة القبض على زهير ..فأيده أخر قائلا "الرجل اقترض مبلغا كبيرا جدا .. ولا أتصور كيف ظل يقرضه رغم أنه لم يكن يلتزم بالسداد"
قال ثالث بشفقة" لكن لا تؤاخذني يا معلم بدير .. الشرطة ليست حلا لاسترداد أموالك"
سحب بدير نفسا من مبسم الشيشة في جلسته المختالة على مقعد خشبي أمام بيته واضعا ساقا فوق الأخرى ..وأسبل أهدابه يقول بهدوء "وهل لو كنت مكاني لكنت صبرت على هذا المبلغ الكبير يا عبد العزيز؟ .. أنا اتحدث عن سنين طويلة صابرا عليه ..بل وأقرضه المزيد حينما يأتيني مترجياً"
تكلم أحدهم "لم يكن عليك الاستمرار في اقراضه يا حاج بدير .. لا تؤاخذني .. بل كان عليك أن تكون أكثر حزما معه حتى لا يتمادى ويثقل دَيّنه "
وضع بدير يده على صدره وقال بلهجة تمثيلية متقنة "ماذا أفعل في قلبي الضعيف .. لا أحب أن أرد أحدا خائبا"
توقفت سيارة على بعد أمتار وترجل منها مصطفى الزيني بجلبابه الفاخر وسبحته وهيبته التي تفرض نفسها على المكان .. فاستقام الجالسون ليستقبلوه باحترام .
اقترب مصطفى يلقي السلام ..فمط بدير شفتيه بامتعاض وقد خمن سبب مجيئه قبل أن يستقيم واقفا ويرحب به قائلا بدبلوماسية" يا مرحب بأبي حمزة ما هذا النور"
بنظرة غاضبة متوارية خلف وجه رزين حدجه مصطفى وهو يقول" أريد التحدث معك يا أبا علاء"
حرك الأخير رأسه يقول بهدوء ظاهري "أه طبعا تفضل (وأشار له على مقعد مجاور ثم صفق بيديه يقول ) لا تؤخذونا يا جماعة لدينا أمرا نريد أن نناقشه"
تحرك الرجال ليقفوا على الناصية الأخرى من الشارع مستمرون في الجدال فيما بينهم بينما بلع بدير ريقه وجلس يضع ساقا فوق الأخرى .. ويصفق بيده قائلا بعنجهية "الشاي هنا يا علاء و... (ومال برأسه ينظر لمصطفى يسأل سؤالا يعرف إجابته) أتريدهم أن يجهزوا لك شيشة..؟"
حدجه مصطفى بنظرة حادة دون رد فغمغم بدير مستهبلا" آه نسيت بأنك لا تُقبل على مثل هذه الأشياء .. "
قال مصطفى بلهجة صارمة " ماذا فعلت بالرجل المسكين ؟.. ومنذ متى ونحن ندخل الشرطة في مشاكلنا؟"
ناظره بدير بعينيه الخضراوين لثوان ..ثم رد ببرود بعد أن سحب نفسا من الشيشة واطلقه في الهواء "أكنت تريد مني أن أصبر أكثر على كل هذا المبلغ الكبير ؟"
قال مصطفى معقبا "وما الذي أوصل المبلغ إلى هذا الحد المخيف؟.. أليس التعامل بالفائدة يا بدير؟"
طالعه بدير بنظرات حادة فأضاف مصطفى "أتظنني لا أعلم .. بل .. أتظن أن معظم أهل البلدة لا يعلمون ؟!.. انهم فقط يهربون من المواجهة .. يعلمون كل شيء ويصمتون متصنعين الجهل "
أسبل بدير أهدابه ورد ببرود "وماذا فيها؟..كلها تجارة وربح "
اكفهر وجه مصطفى وقال غاضبا " أنت تعرف بأنها ليست تجارة يا بدير .. ولست هنا لأحدثك في هذا الأمر فكل امرئ بما كسب رهين.. لكن ألا توجد لديك أية شفقة على هذا المسكين الذي ستتدمر عائلته بسببك!"
هتف بدير باستنكار "بسببي أنا!! .. أكان مطلوبا مني بعد أن صبرت عليه كل هذه السنين أن أتركه؟!"
ضرب مصطفى على المنضدة بحزم فأجفل بدير وانتفض قبل أن يعدل من فتحة جلبابه حول رقبته ويعتدل في جلسته متنحنحا وهو ينظر حوله ليرى إن كان هناك من يتابعهما ..بينما قال مصطفى بهمس من بين أسنانه ولهجة حازمة "اسمع يا بدير .. هذا المسكين ستتنازل عن شكواك ضده ..وبعدها سأجلس معك أنا وبعض كبار رجال العائلات وسندفع لك جزءاً منه والباقي نجدوله ونضمن لك السداد"
سأله بدير بشك يرفع حاجبه "ستدفعون المبلغ كاملا ؟!!"
بلهجة حازمة أجاب مصطفى ضاغطا على كل كلمة ينطقها" سنضمن لك استرداد أصل المبلغ أما الباقي فأنت تعرف بما يسمى"
اشتعلت حرب النظرات بينهما لعدة ثوان قبل أن يسبل بدير جفنيه ليجهز ردا .. فاستقام مصطفى واقفا ..
رفع إليه الأخر انظارا ناقمة .. فرآه من جلسته مهيبا كعادته وسبحته التي تتدلى من بين أصابعه ذات حبات العقيق تلمع بشكل استفزه .. يحدجه بنظرات حازمة وينتظر رده .. فمر سريعا شريط حياتهما في القرية أمام عينيه .. فهما من نفس الجيل ويتشاركان نفس الزمان والمكان .. تربوا على نفس الطين .. لكنه كان دوما مصطفى ابن العمدة السابق فاضل الزيني .. أما هو .. بدير ابن المزارع البسيط .. الصعلوك ابن الصعلوك وسط الأكابر .. قبل أن يغتني والده.
أخيرا رد بدير ببرود" وإن رفضت أن اتنازل عن البلاغ ؟"
اشتعلت ملامح مصطفى بالغضب ورد بلهجة ماكرة" إذا ما دمت ترى أن إدخال الشرطة بيننا أمرا مقبولا .. فربما أنا الآخر أجد ما أقوله للشرطة"
ضيق بدير عينيه وكشر عن أنيابه وقد انتابه القلق لكنه لم يبدِ أي تأثر على وجهه .
علت همهمات بين الرجال الواقفين على بعد فالتفتا إليها قبل أن يقترب أحدهم نحوهما وهو يصيح " ابن زهير عبد النبي تائه والكل خرج للبحث عنه"


××××

يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 11:15 PM   #596

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

بعد ساعة
نظر علي صوالحه لأخته قلقا من توترها بمجرد أن علمت بخبر الطفل التائه .. وتمنى لو أن يصل للسرايا بسرعة لتلتهي بتجمع أولاد الصوالحة قبل أن يغادر أكرم وعمار للعودة للعاصمة في المساء .. فنفذ ما طلبه مفرح بأن يتخذ أحد الطرق الرئيسية في القرية مبتعدا عن الطرق الداخلية حتى لا تتابع استنفار أهل البلد للبحث عن الطفل التائه.
سألته مليكة عاقدة الحاجبين " لماذا لم تسير في الشوارع الداخلية ؟"
غمغم مدعيا اللامبالاة " أتفادى الطرق الغير معبدة حفاظا على السيارة (ومال برأسه نحوها يضيف بمشاكسة) هل مللت مني بهذه السرعة يا ست مليكة فلا ترغبين في إطالة الطريق لبضع دقائق إضافية قبل الوصول للسرايا "
لم ترد ولكن عيناها كانتا تركزان على نقطة ما أمامها تقترب منهما شيئا فشيئا .. فركز عليّ على الطريق أمامه ليرى تجمع بعض الناس بجوار الترعة .. فأبطأ من سرعة السيارة وقد ازداد قلقه وهو يحاول تخمين ما يحدث .. ليخرج أمامهما فجأة من أحد الشوارع الجانبية عددا من النسوة يصرخن ويولولن .. فاتسعت عيني مليكة بتوتر تحاول فهم ما يحدث قبل أن تميز وسطهن شابة تهرول حافية القدمين مكشوفة الرأس تصرخ وتولول ..
أوقف علي السيارة وسأل من النافذة أحد المارين "ماذا يحدث؟ "
فأجابه الرجل " ابن زهير انتشلوه من الترعة"
قبل دقائق :
في رحلة البحث الحثيثة والقلقة من أهل البلدة المستنفرين عن ذلك الطفل الذي اختفى لمح أحدهم شيئا في الترعة تحت شمس الغروب قبل أن يتبين بأنه دراجة طفل صغيرة فنادى على البقية الذين استنفروا على الفور للبحث عن الطفل بعد أن تجمع عدد كبير من الأهالي فورا .
خلال وقت قصير كانوا قد حددوا مكانه ليقفز في الترعة فورا عدد من الرجال وينتشلوا الطفل الذي كان ساكنا بين أيديهم بوجه شاحب لا يعرفون إن كان حيا أم ميتا .. ثم وصل بعدها مفرح ومصطفى وبعض الرجال قبل أن يصرخ الأخير في أحد أولاده لينادي أخيه حمزة .
خلال دقائق كان حمزة جاثيا بجوار الطفل الصغير يحاول إسعافه .. حتى وقفت سيارة أكرم الصوالحة وترجل منها الأخير مسرعا فصاح مفرح هادرا في المتجمعين "افسحوا الطريق الدكتور أكرم وصل"
اخترق أكرم الجموع فتنفس حمزة الصعداء أن أتى من هو أكثر منه خبرة للتصرف في الموقف وتحمل المسئولية عنه .. فجلس منهكا لاهثا بجوار الطفل الممدد على الأرض .. بينما جثى الأول بجواره وبدأ بفصحه بحرص وهو يسأل حمزة بعض الأسئلة الطبية عن الحالة قبل أن يكمل ما كان يقوم به الأخر قبل مجيئه وهو التنفس الصناعي وتدليك عضلة القلب ..
سقطت زوجة زهير التي يمنعونها من الاقتراب على الأرض وملأت الدنيا صراخا وعويلا يقبض القلوب ويبكي العيون .. ففتحت مليكة باب السيارة وترجلت منها ببطء .. ليسألها علي بقلق "إلى أين يا مليكة؟! .. لا داعي للنزول هيا سأعود بالسيارة للخلف وأعيدك للبيت"
لم ترد ..وربما لم تسمعه..
صوت الصراخ كان هو الوحيد المسموع في أذنيها ..
صوت عويل أُم توشك على فقد قطعة منها..
كانت قدميّ مليكة ثقيلتين تتحركان بصعوبة وهي تتطلع في المرأة المنهارة بعينين متسعتين وكفين يمسكان ببعضهما بقوة وكأنها تمنع شيء ما أن يتمزق.
ترجل عليّ من السيارة بقلق ينادي عليها باسم (مِفْرح ) فانتبه الأخير لما يحدث وشحب وجهه حينما وجدها تقف من بعيد تحدق في المرأة التي تولول في الأرض بعينين متألمتين تطبق كفيها ببعضهما بقوة ..
سكت كل شيء حول مفرح ..
العالم من حوله صمت فجأة ..وكأنه قد أصيب بالصمم .. وبدون حتى أن يعي كان يتحرك نحوها ويخترق المتجمعين ليصل إليها.
هذا ما كان يخشاه حين طلب من عليّ ألا يمر على ما قد يوترها .. يعرف أعصابها الهشة التي لا تحتمل الأذى لأي كائن حي ..لكنه لم يكن أبدا متوقعا أن يكون مصير الطفل مروعا بهذا الشكل وأن يحدث ذلك أمام مليكة.
صراخ وعويل المرأة أمامها يمزق قلبها ..
يفتته ..
لكنها تحاول ألا تنفجر معه إلى أشلاء .. تضغط كفيها ببعضهما بقوة..
تسحق عظام أصابعها بشدة .
الصراخ والعويل .. مرعب .. مقبض .. مؤذي بشدة ..
تخبر نفسها بأنها قوية وبأن البشر مبتلون وعليهم التحمل ..
لكن أعصابها لم تتحمل ..
فسقطت ..
سقطت مليكة مغشيا عليها بين ذراعي أخيها الذي أدركها بسرعة ..
بينما سعل الطفل أخيرا بين يدي أكرم صوالحة مخرجا المياه من رئتيه..
فتعالت صيحات الفرح من الواقفين .. وصيحات الجزع من مفرح وعليّ صوالحة .


××××




يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 11:24 PM   #597

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

سيطر الصمت والشرود على سيارة التوأمين منذ أن غادرا القرية .. كل من هما غارقا في أفكاره الخاصة .. وفي حالة نادرة كحالتهما من التلاصق والمشاركة في كل شيء .. فهو أمر نادر الحدوث .. لكنه هذه المرة يخص المشاعر .. شيء كبصمة الهوية .. مهما تشابها وتداخلا وتشاركا حتى أيام المرض .. تظل أمور القلب والمشاعر والانجذاب لأنثى معينة أمرا مستحيلا .. أو بمعنى أدق أمرا مستحيل قبول المشاركة فيه .



قد يحسدهما البعض على هذا التطابق فمن الممتع أن يكون لك شبيها في كل شيء .. شريكا من نفس النوع في كل شيء .. لكن الأمر أحيانا يكون مزعجا ومربكا ..وأحيانا أخرى مؤلما .. خاصة مع ذلك الخوف الدفين من الوقوع في حب امرأة واحدة ..



و شامل وكامل لم يبرآ من هذا الخوف خلال حياتهما السابقة .. خاصة حينما انجذبا لأول مرة في سنوات المراهقة لنفس الفتاة ودق قلباهما الأخضران في نفس اللحظة .. صحيح تواجها .. وأدركا حجم المشكلة التي وقعا فيها .. وقررا أن يتركا الأمر برمته ويتجاهلا الفتاة.. لكن ذلك الخوف الدفين من الوقوع جديا في حب امرأة واحدة هو من أعظم مخاوفهما وربما كان ذلك سببا من أسباب رفضهما للتورط عاطفياً مع أي أنثى ..



لكن الحالة المسيطرة عليهما الآن تختلف .. فشامل كان غارقا في التفكير في تلك الفتاة التي يراها ويستشعرها مختلفة .. يرى فيها شيئا مميزا .. لا تبدو نمطية ..لا تشبه فتيات الريف ولا تشبه أيضا فتيات المدن ..وما يشغله أيضا تلك الحالة المختلطة بين السعادة والألم بعد تلك اللحظات التي جمعت بينهما قبل ساعتين.



أما كامل فكان بين شقي رحى .. يشعر بالندم الشديد لأن قد أطاع فضوله وأتى ليراها ..



كان قد وارى طيفها خلف جدران التجاهل والنسيان منذ مدة .. حتى حين كانت تزوره بين فترة وأخرى في منامه كان يتعمد تجاهل ذلك حين يستيقظ .. ويخبر نفسه دوما بأنه حديث نفس .. اضغاث أحلام ذكورية لمغامرة لم تكتمل لا أكثر .. حتى شامل لم يكن يخبره بأن تلك العينين الجميلتين الحزينتين كانتا تزورانه أحيانا في منامه ليس فقط لأن شامل كان حازما معه بشأنها ..وإنما لاستنكاره هو نفسه من نفسه أن يظل متعلقا بها كل هذا الوقت وهو كامل نخلة بكل عنجهيته واعتداده بنفسه .



من أمام عجلة القيادة أفاق شامل من أفكاره وانتبه لصخب الأفكار في رأس توأمه الجالس بجواره .. لكنه ظل صامتا .. إنه لا يزال يشعر بالغيظ منه ويرفض ما قام به بتسرع .. فآثر الصمت لعدم رغبته في الشجار .. فشجارهما في بعض الأحيان يكون عنيفا .. وضغط على مشغل الموسيقى ليبدد هذا الصمت الكئيب بينهما واختار قائمة أغاني عبد الحليم الذي يعشقانه ..فانبعث الصوت الجميل يملأ السيارة بالنغمات و...

بالذكريات.



كان يوم حبك أجمل صدفة

لما قابلتك مرة صدفة

يالي جمالك أجمل صدفة

كان يوم حبك صدفة



سحب كامل نفسا عميقا وأخرج ذراعه يسنده على النافذة وضم قبضته بقوة شاعرا بلمسة برودة على جلده أرسلت رعدة في أعصابه أو ربما فسر سببها بذلك ..

حدق في الظلام الذي يلون جانبي الطريق .. كتلك الحيرة التي تعصف به منذ أن رآها مجددا .. منذ أن اقترب منها هذه المرة وحدثها ورأى عينيها وحُسنها عن قرب ..فأخذ يزفر بقلق شاعرا بأنه قد أوقع نفسه في فخ ذهب إليه بقدميه ..



أم إنه واقع فيه بالفعل من أول لحظة رآها فيها؟!







قبل ثلاث سنوات ونصف

ركن سيارته وترجل منها ينعطف يمينا إلى ذلك الشارع الذي يقع فيه محل الحلاقة الذي بات يتعامل معه مؤخرا .. في الوقت الذي كانت بسمة في شرفة غرفة نومها في شقتها في العاصمة تقول في الهاتف بحرقة وهي تضع كوبا من النيسكافيه على السور "لكن يا مليكة هذا القرار ليس هينا .. فبعيدا عن رفض أبي للفكرة ماذا سيقول أهل البلدة إذا عدت مطلقة.. (وصمتت قليلا ثم قالت بانفعال) أعلم .. قلت لك الأمر بيننا انتهى .. صحيح أنه يتعامل معي بمثالية مغيظة لكن ما كُسِر بيننا ليس له جبرا يا مليكة ولو بعد مائة عام .. ( حكت جبينها صامتة بتوتر تستمع للطرف الأخر ثم بدلت من وضع الهاتف على أذنها بحركة عصبية تقول بانفعال ) لا أعرف يا مليكة .. لا أعرف ماذا أريد أنا ..."

بدون أن تدري ضربت الكوب بكوعها فسقط من فوق السور فشهقت ومدت رأسها تنظر من الشرفة بسرعة لترى مصيره خوفا من أن يسقط فوق رأس أحد المارة.. لكنها تفاجأت بأن الكوب سقط فوق مقدمة سيارة ترابط تحت الشرفة وبسبب إحدى الأشجار تحت شرفتها لم تعرف مصير الكوب بعد ذلك .



في نفس اللحظة أسفل البناية سمع كامل صوت الارتطام وهو يسير بخيلائه على الرصيف المواجه لشرفة بسمة فاجفل ونظر للسيارة التي سقط فوقها كوبا به سائل أغرقها ..وحمد ربه أنه قد ركن سيارته خارج الشارع وسار هذه الامتار على قدميه ..



تطلع في ملابسه ليجد أن بضع قطرات قليلة من السائل قد طالت ذراعه .. فرفع انظاره بغيظ نحو البناية يشتم في سره ذلك المسطول الذي أوقع الكوب ليجد فتاة في الدور الأول تحدق برعب في المشهد .. ثم أسرعت بالاختفاء بالداخل فجز على أسنانه بغيظ.



اقترب من محل الحلاقة المواجه لبوابة البناية وهو يتابع بطرف عينه رد فعل بوابها على ما حدث ..في الوقت الذي خرج صاحب المحل يستقبل كامل مرحبا ما أن لمحه ثم توقف أمام الباب يشاهد ما يحدث .



خرجت بسمة من بوابة البناية مسرعة تقول للبواب بذعر وهي تضع يدها على قلبها "هل أصيب أحد يا عم برعي؟"

قال البواب بهدوء "لا شيء يا ست بسمة جاءت سليمة في الأرواح والحمد لله "



هم كامل بدخول المحل حينما سمع غمغمة الشاب المراهق الذي يعمل في محل الحلاقة في وقفته على باب المحل "اللهم صل على النبي .. اليوم يوم سعدي اقسم بالله أن تنزل إلينا جميلة الجميلات وتقف في الشارع"



بوقفة جانبيه يديه في جيبي بنطاله بجوار الحلاق الواقف على الباب أخذ كامل يتابع المشهد .. فنظر بامتعاض نحو تلك الفتاة صاحبة الكوب المسكوب وهي تغمض عينيها في راحة وتميل للأمام قليلا تدفن رأسها بين كفيها بارتياح لما قاله البواب.. ليقول الأخير بحرج "لكن السيارة يا ست بسمة "

اعتدلت بسمة وتحركت تلملم طرفي عباءة مفتوحة من عند الركبة حتى الأرض ارتدتها على عجل فوق ملابس البيت واقتربت تعاين حجم التلف بالسيارة بينما أسرع البواب بفحص واجهتها الزجاجية التي أصيبت بنقرة بسيطة ..



أما كامل فبعد أن قرر تجاهل الأمر ودخول المحل تسمر في مكانه رغم ذلك الوجه المتعالي اللا مبالي الذي كان يقف به .. وأخذ يتطلع فيها مشدوها دون أن يظهر على وجهه أي ملامح اهتمام ..



عيناها زرقاوان كحجرين من الفيروز ..كسماء صافية في يوم مشمس رائق .. وشعرها أسود حالك ترفعه بدبوس لأعلى وبعض الخصلات تتدلى على رقبتها بإهمال..



راقب قسمات وجهها القمحي المائل للبياض الذي يبدو رغم المسافة بهي الحسن .. ثم راقب حركتها وهي توليه ظهرها لتفحص السيارة بنظراتها ثم تسأل البواب "سيارة من هذه؟"

رد البواب سيارة "مادام روزيت في البناية المجاورة "

حركت بسمة كتفيها وعادت تقف أمام بوابة البناية تقول بهدوء" اعتذر لها بالنيابة عني وأخبرها أن أية مصاريف أنا مستعدة لها (ووضعت يدها على قلبها تتنهد قائلة) الحمد لله أنها لم تقع على أحد الأطفال ..والله شعرت بأني أوشك على الموت في طريقي من الشقة حتى هنا "



فجأة اقتربت امرأة عجوز تضع الكثير من مساحيق الزينة على وجهها وتصبغ شعرها بالأصفر الفاتح وصاحت مصعوقة وهي ترى السيارة المغرقة بالنيسكافيه " ما هذا ..يا الهي .. سيارتي .. سيارتي الحبيبة"



شعرت بسمة بالحرج فقالت للمرأة بلهجة معتذرة " أنا آسفة جدا يا مدام اعتذر بشدة"

نظرت المرأة لبسمة بنظرة متعالية من رأسها حتى أخمص قدميها ثم صرخت في وجهها قائلة "وماذا سأفعل أنا باعتذارك يا أنت!"



تجاهلت بسمة لهجتها الحادة وقالت بهدوء "يا مدام أنا على استعداد لدفع ثمن التصليح والضربة بسيطة لا تقلقي مجرد نقرة في الزجاج"

قالت المرأة صارخة "بالطبع ستدفعي ثمن التلفيات أكنت تحسبين نفسك ستفلتين بفعلتك؟ "

رفع كامل حاجبه يشعر بالغيظ وقد بدأت العجوز المتصابية تستفزه وفي الوقت نفسه أخذ يراقب كل حركات وسكنات تلك الفاتنة أمامه بينما ضربت بسمة كفيها ببعضهما وغمغمت" لا حول ولا قوة إلا بالله.. هل أنت مصرة على الشجار؟!.. اعتذرت لك وقلت سأتحمل قيمة التلفيات "



تحرك الحلاق يترك مكانه ويقترب من الواقفين وقال وقد بدأ عدد المتابعين في التزايد " صلوا على النبي يا جماعة .. الأخت أخبرتك يا روزيت هانم بأنها على استعداد لدفع كل شيء"



لمحت عيني كامل أن غالبية من وقفوا كانوا يحدقون في تلك الفاتنة أكثر من متابعتهم للحدث .. واعترف بينه وبين نفسه وهو يعود ليتطلع فيها بطرف عينه أنها تستحق كل هذا التحديق .



خرج من البناية المجاورة شاب في أواخر العشرين من عمره واقترب بملامح متسائلة .. فأسرعت العجوز تقول بدلال " تعال يا (بيبي) انظر ماذا حدث لسيارتنا"



صاح الشاب في غضب وهو ينظر في الواقفين "اخبريني من ابن ****الذي فعل ذلك "



تقبضت يدي كامل بجوار جسده بتحفز دون أن يدري لكنه ظل يتابع ما يحدث بهدوئ ظاهري ليري كيف سينتهي الأمر.. بينما انقلب وجه بسمة بانزعاج.



ردت روزيت بميوعة لا تتماشى مع سنها "هذه البنت يا (بيبي ) بنزقها وعدم مسئوليتها أوقعت الكوب فوق سيارتنا"



تسمرت عيني الشاب أمام بسمة وبلع ريقه بانبهار واضح بينما كشرت الأخيرة عن أنيابها وقالت وهي تشيح بيدها في وجه العجوز"احترمي نفسك يا حاجة .. لقد اعتذرت لك واخبرتك بأني على استعداد لدفع كافة مصاريف التلفيات .. كلمة اضافية لن أسمح "

رفع كامل حاجبه متعجبا من انقلاب هذه الفاتنة التي بدت وديعة ولطيفة منذ دقائق لهذا الوجه العصبي الشرس .. بينما شهقت روزيت وقالت باستنكار " حاجة !! .. ما هذه الألقاب الوضيعة!!"



قالت بسمة بعصبية وهي تقترب منها فانكمشت المرأة للخلف وامسكت في ذراع الشاب برعب " قلت لا تزيدي في الكلام أكثر من ذلك وإياك والتطاول عليّ أنتِ أو ابنك "



امتقع وجه المرأة و تحرج الواقفون وصدرت منهم ضحكات مكتومة في الوقت الذي لاح شبه ابتسامة على زاوية فم كامل وغمغم في سره مستمتعا "ليست وديعة وشرسة فقط بل ساذجة أيضا "



تدخل البواب متنحنحا واقترب من بسمة يقول مصححا " روزيت هانم وزوجها السيد شهاب بالتأكيد يقدرونك يا ست بسمة"



ظل شبه الابتسامة يتراقص على شفتي كامل وهو يراقب اتساع عيناها الزرقاوان وكيف رمشت عدة مرات بصدمة في محاولة للاستيعاب وهي تحرك ناظريها بين الزوجين حتى تدخل شهاب قائلا بلهجة هادئة وهو يأكلها بعينيه "حاشا لله أن نتطاول عليك يا .... بسمة .. هانم "

تدخل الحلاق يقول "بسيطة إن شاء الله الأخت أبدت استعدادها لدفع التلفيات وانتهى الأمر (ونظر حوله يقول ) هيا يا جماعة ليس هناك داع لهذا التجمع"



تدخل شهاب قائلا بنظرات مغازلة" ومن قال بأننا سنقبل العوض .. فداكِ يا هانم "



عبست روزيت بينما رفعت بسمة ذقنها وقالت بكبرياء" أنا مصرة على الدفع من فضلك "

قال شهاب بلهجة ذات مغزى" إذن ما دمتِ تصرين اخبرينا بطريقة التواصل لإخبارك بتكلفة التصليح"

عوج كامل شفتيه في الوقت الذي ناظرته بسمة ببرود ثم تكتفت وردت وهي تستدير لتدخل البناية" اخبر عم برعي البواب بالتكلفة وسيصلك المبلغ "



عاد الحلاق يقول للمتجمعين "هيا يا جماعة كل يذهب في حال سبيله انتهي الأمر "



واسرع يهرول نحو كامل يقول باعتذار "آسف جدا يا باشا "

تحرك كامل يدخل .. فاسرع الحلاق يسبقه ويسحب له الكرسي أمام المرآه وهو يقول مُرحبا" أنرتنا والله (ونظر في المرآه أمامه يسأله) شعر أم ذقن؟"

رد كامل " قص شعري ولا تقصر كثيرا"



في الشارع لكزت روزيت زوجها تقول بغيظ "فيمن تحدق ؟"

خرج شهاب من شروده في بسمة التي اغلق المصعد ابوابه على صورتها وغمغم" لا شيء (ثم توجه للبواب يسأله ) في أي طابق تسكن؟"



سألته روزيت بانزعاج" لماذا تريد أن تعرف؟!!"



أسرع بالقول " حتى نطمئن بأننا سنأخذ مستحقاتنا يا روحي "

جزت العجوز على أسنانها وهي تطالع نظرات الاعجاب على وجه زوجها الشاب بينما رد البواب بلهجة ذات مغزى وقد فطن لما يحدث "الست بسمة تسكن في الدور الأول ..مع زوجها سيد صبرة الملحن المشهور"



امتقع وجه شهاب وأشار للبواب يشكل بيديه هيئة شخص ضخم قائلا" سيد صبرة!.. ذلك الطويل صاحب السيارة ماركة ( ....) السوداء"



بنظرة لئيمة متشفية أومأ البواب برأسه ..فلف شهاب ذراعه حول جسد زوجته العجوز وقال بإحباط "هيا يا روحي لنلحق بموعدنا "



تحركا نحو السيارة التي مسحتها زوجة البواب فركب شهاب .. بينما اسرعت روزيت إلى البواب حتى تغلق أي باب قد يتحجج به زوجها للتواصل مع بسمة فقالت "أخبر هذه الفتاة بأننا لا نريد منها شيء .. ولا نقبل العوض وأن الأمر منتهي"

واسرعت تلحق بزوجها وهي تعدل من شعرها المصبوغ بينما لاحت ابتسامة على وجه البواب وضرب كفا بكف مغمغما بعد تحرك السيارة "عالم يخاف ولا يختشي"



في محل الحلاقة قال الحلاق لكامل " لا تؤاخذنا أخذنا من وقت الباشا "

لم يرد كامل ولكن هز له رأسه متفهما .. في الوقت الذي دخل الفتى المراهق الذي يعمل في المحل يضع يده على صدره ويقول بهيام "اليوم يوم سعدي.. أرأيت عينيها .. يا الهي كأنك أمام سماء صافية"



حدجه الحلاق بنظرة موبخة ..لكن الفتى استمر يقول بابتسامة ثملة على وجهه "اتركني يا عم عاطف اتركني .. إنها المرة الأولى التي أتأملها كل هذه الدقائق .. يا الهي ما هذه المخلوقة !"

قال الحلاق بلهجة موبخة من بين أسنانه "اذهب واحضر المناشف .. هيا تحرك قليل الحياء ! "

هرش الفتى في رأسه وتحرك مبتعدا في حرج بينما ابتسم الحلاق وقال لكامل الذي يتابع ما يحدث في المرآة بنظرات جامدة " أرأيت شقاوة الشباب الصغير .. الولد لم يتجاوز السادسة عشر ويعيش في دور العاشق"



تحركت مقلتي كامل بحركة لا إرادية نحو باب المحل بينما أضاف الحلاق بلهجة ذات مغزى "والحقيقة هي تستحق ... ما شاء الله فاتنة"



سحب كامل نظراته يستنكر في نفسه رغبة غريبة لرؤيتها مرة أخرى ..في الوقت الذي مال عليه الحلاق يكمل ثرثرته "انظر يا أستاذ.. هذه المنطقة بل هذه المدينة كلها كما تعلم تضم مستويات عالية اجتماعياً ومادياً ..وتضم جنسيات مختلفة أيضا حالها كحال المدن الجديدة التي تستقطب نوعاً خاصاً من السكان الباحثين عن مكان بمستوى خدمي واجتماعي معين وفي الوقت نفسه ملاصق للعاصمة .. لكني على مدى حياتي الطويلة أقول بمنتهى الصدق لن تجد أجمل من بنات الريف وبالذات من قرية (*** ).. (وأضاف بفخر ) إياك أن تعتقد بأن الريف هو ما يظهر في المسلسلات والأفلام .. لا أبدا .. فهم حاليا مثل أي مجتمع .. به الفقراء ومتوسطي الدخل والأثرياء .. وفيه الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة وأغلبهم من كبار السن وفيهم المهندسين والأطباء أساتذة الجامعات .. وبلا فخر إن عائلات كبيرة جدا ترجع أصولها للريف تعيش بالعاصمة وعلى مستوى عالي جدا من الثراء ما شاء الله .. مثلا هذه المدينة بها عائلات معروفة بالاسم من أصول ريفية وهذه البناية مثلا ( وأشار على البناية التي تسكن فيها بسمة) فيها عائلات من أصول ريفية على مستوى عالي جدا اجتماعياً ومادياً ولا يزالون على تواصل مع أصولهم في الأعياد والمناسبات ( وأكمل بفخر ) أنا مثلا من أصول ريفية (وتنحنح بحرج يضيف) لكني لست من قرية ( *** ) لهذا عيناي ليست ملونة"



قالها وضحك ..فابتسم كامل وهو ينصت بهدوء رغم أنه لا يكره في حياته أكثر من ثرثرة الحلاقين .. لكن هذ المرة كان بداخله فضولا ليستمع أكثر.



مال عاطف على كامل يسأله بفضول "هل الباشا متزوج؟"

رفع كامل إليه عينيه يناظره في المرآة وهز رأسه بلا .. فقال الحلاق "إن أردت أن تتزوج من أهل البلد هنا وتستقر فأنصحك بفتيات محافظة (***** ) وخاصة قرية ( *** ) ما شاء الله جمال رباني من صنع الخالق لم يعرف الشفط ولا النفخ ولا المساحيق ولا العدسات .. صدقني إن ذهبت هناك أو قابلت احداهن هنا ستذهل ( وأشار ناحية باب المحل ) وهذه هي العينة كما رأيت"



ابتسم كامل ابتسامة مجاملة وتمنى أن يسأل عما إذا كانت تلك الفتاة آنسة أم متزوجة لكنه شعر بسخافته وأنكر على نفسه أن يكون مهتما بهذا الشكل بفتاة ..



بعد قليل انهى الحلاق مهمته فشكره كامل وغادر المحل .. لتتحرك عيناه لا إراديا إلى تلك البناية وبالذات إلى الطابق الأول ولمحها هناك تمسح ببعض العصبية آثار النيسكافيه على ما يبدو من فوق السور بقماشة .. ورغم المسافة إلا أن عيناها كانتا واضحتان .. لتزيد هيئتها أمام عينيه إبهارا .. انزلاق ذلك الدبوس الذي ترفع به شعرها مع حركتها العصبية.. فانسدل شعرها الأسود كالليل البهيم يتحرك مع حركتها وهي تمسح السور .. ليسرع كامل بإنزال نظراته في غيظ من نفسه لهذا الانجذاب الغريب عليه وتحرك نحو سيارته وهو لا يعرف لمَ التصق اسمها واسم القرية في رأسه !!.





صدفة قابلتك ولا على بالي ..

شفت ساعتها جمال الدنيا

صدفة لقيتني إتغير حالي ..

واتبدلت لوحدي فى ثانية



عاد كامل من شروده على صوت باب السيارة يغلق فانتبه لأنهما يقفان في إحدى محطات الاستراحة وشامل قد غادر متجها نحو أحد الاستراحات .. لكن كامل لم يكن في مزاج لترك السيارة .. ولا لترك ذكرياته التي سحبته بعيدا مجددا وهو يتذكر كيف وجد نفسه في الاسبوع الذي تلى ذلك اليوم يعود للحلاق بحجة تشذيب لحيته .. وعيناه تتعلقان بشرفتها .. لكنها لم تكن هناك

..وكيف تحمل في صمت ثرثرة الحلاق طوال الجلسة عن هذه وتلك وهو يشعر بإحباط غريب.. لكنه منع نفسه من إلحاحها لسؤاله عمن تكون هذه الفاتنة وابنة من .. تدرس أم تعمل ..

كان ذهنه منصبا على كونها تعيش مع عائلتها ذات الاصول الريفية في هذه البناية كما فهم بالخطأ من ثرثرة الحلاق في الجلسة السابقة عندما أخبره بوجود أكثر من عائلة في المبنى من أصول ريفية ..



حين انتهى وخرج من المحل لمحها في الشرفة .. كانت تستند بمرفقها على السور وذقنها على يدها كتمثال من الشمع ..

تمثال شارد مستغرق في التفكير ..



لا يعرف لحظتها سببا لذلك التوتر الذي اعتراه .. ولا لتلك الرغبة في أن يراها عن قرب.. لكنه أسرع بإنزال نظراته حين لمح البواب يخرج من البناية وتحرك سريعا إلى سيارته وهو يشتم نفسه في سره مغمغما "ماذا حدث لك يا كامل!! .. ألم ترى فتاة جميلة من قبل"



وتذكر كيف سحب شامل معه بعد ذلك بأيام مصرا عليه لأن يقص شعره عند ذلك الحلاق بالذات لكن شامل الذي كان يعلم السبب أخذ يشاكسه بالرفض والمعاندة حتى اضطر لسحبه رغما عنه .. لكنها يومها لم تظهر في الشرفة ولم يستطع شامل أن يرى شكلها ..



وهكذا تكررت زياراته بحجة أو بدون بعد أن كان يتعمد ترك لحيته الخفيفة بدون تشذيب ليجد حجة كل بضعة أيام لزيارة ذلك الحلاق رغم أنه يقوم بحلاقة أو تشذيب لحيته بنفسه دوما .. وخلال هذه المرات المتكررة كان كبريائه وتعاليه يمنعانه من أن يسأل الحلاق عنها .. فكان يغادر من عنده مقررا بأنها المرة الاخيرة ولكنه يعود مرة أخرى.



وفي كل مرة كان يتمنى لو تتاح له الفرصة لأن يتحدث معها أو يراها عن قرب .. وتعجب كيف أنها لم تلمحه ولو مرة واحدة من جلستها الطويلة الشاردة في الشرفة .. وقتله الفضول ليعرف فيم تفكر .. ولم هذا الحزن البادي عليها .. حتى جاء ذلك اليوم الذي لمحها أسفل البناية.







قبل ثلاث سنوات ونصف تقريبا



بلهفة جديدة غلبته يعد نفسه بأنها الأخيرة اغلق باب سيارته وتحرك لينعطف إلى ذلك الشارع الذي يقع فيه ذلك الحلاق الثرثار اللعين الذي أصبح الذهاب إليه إدمانا .. وهذه المرة كان ينوي أن يسأله عنها لربما انتهى فضوله الغريب نحوها..

بمجرد دخوله للشارع تفاجأ بها تخرج من البناية .. فتجمد مكانه يتطلع فيها وهي تقترب.



كالعادة كانت شاردة .. ترتدي هذه المرة بنطالا من الجينز الأزرق وبلوزة رمادية طويلة من التريكو .. وشعرها كذيل حصان خلف رأسها.. تحركت بمحاذاة البناية بينما وقف هو يتطلع فيها من الناحية المقابلة للشارع حتى خرجت منه.. فتحرك خلفها يديه في جيبي بنطاله شاعر بالحرج من نفسه أن يقوم بهذه التصرفات وهو في الثلاثين من عمره .. لكنه منجذب بشكل غير مسبوقحتى لو أنكر ذلك أمام نفسه أو أمام شامل الذي لو علم بأن الأمر قد وصل معه لأن يسير خلفها في الشارع كالمراهقين لسخر منه وصنع منه مادة للتفكه والتهكم ..

ليفاجئه شامل بالاتصال لحظتها..



حدق كامل في الهاتف بعينين متسعتين ثم رد .. فبادره توأمه بالقول "ماذا يحدث معك؟"

سأله كامل مستهبلا "ماذا تعني؟"



قال شامل موضحا " أعني بأني شعرت فجأة بحاجتي للاتصال بك"

ابتسم كامل وعيناه لا تزالان مسلطتان عليها تراقبان خطواتها الهادئة وكأنها شاردة وليست في طريقها لانجاز شيء ما ..ورد على توأمه "أنا.. (وتنحنح يكمل بحرج ) أنا رأيتها في الشارع و… أمشي الآن خلفها"



هتف شامل باستهجان " نعم .. ماذا تفعل يا فلذة كبدي ؟!!"

ازداد حرج كامل بينما أكمل شامل بوعيد "أتعرف يا كامل.. أنا فضولي ازداد بشدة لرؤية هذه الفتاة .. ليس فقط من أجل جمالها الذي تصفه ولكن لأرى من هذه التي أنزلت كامل نخلة من برجه العاجي ليهتم بها ويذهب كل يوم وآخر من أجل رؤيتها .. ويتحول به الوضع لأن يمشي خلفها كالمراهقين .. أخبرني أين أنت"

كانت ابتسامة كامل تتسع وشعور بمغامرة صبيانية لم يحدث له من قبل يسيطر عليه فرد على أخيه" أنا في شارع( … ) بالقرب من ذلك الحلاق .. وسأوافيك تباعا بالموقف لأني لا أعرف إلى أين ستذهب تلك الفاتنة .. ولكني لا أعتقدها ستذهب بعيدا كونها تسير على قدميها"



غمغم شامل بامتعاض" وأنا آت لأرى فاتنتك يا عم كامل "



بعد دقائق دخلت بسمة المركز التجاري الكبير الذي يقع على بعد عدة شوارع من شقتها ..

كانت في حاجة ماسة للخروج وحدها .. حتى أنها تهربت من رحمة التي أرادت أن تذهب معها..

إن ذهنها فارغ .. ولا يوجد شيء محدد تريد أن تشتريه لكنها شعرت برغبة في الخروج وحدها وهو أمر لم تعتد عليه .. فتحركاتها إما مع زوجها أو أخوها عادة .



دخلت المركز التجاري .. وتوجهت مباشرة لأحد محلات السوبر ماركت الكبيرة .. واستمر كامل خلفها على بعد خطوات يراقبها عن قرب وهي تلمس الأشياء على الأرفف بشرود واضح .. فتساءل في نفسه.. عن سبب شرودها.. ولمَ تقضي أوقاتا كبيرة وحدها في الشرفة .. وفيم تفكر .. استشعرها مهمومة وكأنها تتخذ قرارا في موضوع مصيري ..

وتساءل أيضا عن سبب ذلك الحزن الذي يغطي ملامحها..

حاول أن يدقق في أصابعها .. لكنها كانت ترتدي أكثر من خاتم في الاصبع الواحد فلم يستطع معرفة إن كانت مرتبطة أم لا..



عند ركن أنواع البن ومنتجات القهوة السريعة توقفت بسمة بحيرة أمام ماركات كثيرة وأنواع أكثر ولم تدري أيهما تختار .. إنها تحب البن وتعشق القهوة ومنذ مدة أدمنت النيسكافيهلكن الأنواع سريعة التحضير محيرة.



اقترب كامل ليقف بالقرب منها .. لكن ذهنه لم يسعفه بأي شيء مناسب وهو يشعر بسخافته أن يختلق معها أي فرصة للحديث ..فضحك على نفسه ساخرا من تلك الحالة التي تعتريه.. فلم يسع أبدا طيلة حياته على التعرف على فتاة معينة .. إن لم تتدخل الصدفة في تعارفهما فهو لم يكن أبدا من النوع المبادر .. لكن الأمر مع هذه الفاتنة يسير بخطى غريبة عنه تماما.



مدت بسمة يدها لتسحب إحدى العلب من أحد الرفوف ولم تدري ماذا حدث بعدها.. فقد إنهار جزءاً من العلب الكرتونية المصطفة فوق بعضها ووقع عددا منها على الأرض..فارتبكت شاعرة بالحرج الشديد .. بينما أسرع كامل إليها وانحنيا في نفس الوقت للملمة العلب من الأرض ..

كان وجهها يشع حرارة وارتباك وهي ترى يدي شخص ما يساعدها في لملمة العلب .. ولم تعرف بأن عيناه كانتا مسلطتان على رأسها المنكس يتطلع في لمعة شعرها الأسود.



غمغمت بارتباك دون أن ترفع رأسها " لا أعرف ماذا حدث!"

رد بحشرجة متمنيا أن ترفع وجهها لينظر في عينيها "لا بأس تحدث أحيانا"



رفعت وجهها إليه أخيرا ..

رفعت عينيها الفيروزيتين لثوان قالت فيها "أشكرك جدا"

ثوان..

لم يعرف كامل ساعتها معنى ذلك الشعور الذي اعتراه لكن ما أدركه .. أنها آية من الجمال .. وأن عيناها من أجمل العيون التي رآها في حياته.. وأنه يشعر بأن قلبه يدق!.

ثوان ..

استقامت بعدها واقفة .. فاستقام هو الآخر معتدلا .. لتستدير ناحية الرف وتحاول وضع العلب .. في الوقت الذي تدخل أحد العمال يقول بلباقة" لا بأس يا فندم سأعيدهم أنا"



ناولت بسمة العلب للعامل بحرج وتحركت مغادرة .. بينما وقف كامل يتابع ابتعادها بإحباط أنه لم يستطع انتهاز الفرصة لتبادل بضع كلمات معها على الأقل .. فأعطى للعامل العلب التي يمسك بها بغيظ وأسرع باللحاق بها عند ماكينة الكاشير تدفع حساب بعض المشتريات الخفيفة ثم خرجت ..

اكملت بسمة طريقها في المركز التجاري بدون هدى تمسك بالكيس الصغير في يدها .



لقد وصلت لقرار الانفصال بعد أن كانت تخشى من اتخاذه خوفا من العودة لقريتها مطلقة .. اتخذته لأن كرامتها تئن .. وجبل الجليد بينها وبينه يزداد .. رغم أنه يعاملها بمثالية مغيظة واشترى بيتا في بلدتها وعرض عليها السفر معه ..

حاولت هي من جهتها تجميد الوضع معه وابقائه على ما هو عليه لكنها لا تستطيع الاستمرار في حياة كهذه لتتجنب ما تخشى أن تتعرض له بعد عودتها مطلقة .. فما كُسر لا يمكن إعادة اصلاحه ولو بعد مائة عام .. وما دام قدرها أن تعيش ميتة في كل الأحوال فلتمت بكرامة.



لمحت مقهى صغير يحمل اسما عالميا شهيرا في أحد أركان المركز التجاري وجذبتها صورة فنجان ضخم على بابه فاشتهت القهوة وقررت أن تدخله ..



إنها المرة الأولى التي تدخل فيها مقهى وحدها .. دوما كانت تذهب إلى تلك الأماكن مع زوجها .. لكنها قررت أن تستقل بنفسها وأن تتغير ..

أن تتوقف عن السلبية وعن الاعتماد عليه أو على أخيها في التحرك خارج البيت …



أن تكون شخصا أخر غير الذي هي عليه ..



أن تتخلى عن عباءة والدتها التي تتوسلها حاليا ألا تتخذ أي قرار بالانفصال وبأن الأيام كفيلة برأب الصدوع ومداواة الجراح وبأنه مادام زوجها يعاملها بما يرضي الله فلا بأس حتى لو تزوج ثانية فهذا حق يكفله له الشرع.



دخلت المقهى .. فشعر كامل بالسعادة أن اختارت هذا المقهى بالذات .. فمديره من بلده ويعرفه جيدا ..



دلف إلى المكان خلفها ووجدها تقف أمام طاولة الطلبات تمسك بأحد قوائم المشروبات والحيرة تتراقص في مقلتيها .. فتحرك يدخل إحدى الغرف الخاصة بالعاملين .. ليقابله صاحبه وابن بلده مهللا وهو يتحدث في الهاتف .. فحيّاه كامل بصمت ووقف على باب الغرفة مشغولا بمراقبتها .

وقفت بسمة ترفع رأسها للشاشة المضيئة في حيرة وارتباك..

نيسكافيه – لاتيه – اسبرسو – امريكانو-موكا – كابتشينو ..

إلى جانب أنواع أخرى لا تفهم منها شيئا بالإضافة للأنواع التقليدية التي تعرفها من قبل.



رائحة البن المعبأ بها المكان تستفز أعصابها وتجذبها بشكل كبير .. لكنها لا تعرف أيهم الأفضل بالنسبة لها .. ثلاث أو أربع أنواع هي ما جربتها من قبل .. أحبتهم لكن تشعر بأنه هناك نوعا آخر أفضل بكثيرسيشبع عشقها للقهوة .



تحرك النادل أمام الطاولة المستطيلة مجبرا نفسه على عدم التحديق في تلك الفاتنة التي ترفع مقلتيها الفيروزيتين إليه في صمت ثم تعود للتطلع في القائمة الملونة فقال بأدب "تفضلي يا فندم"

دارت بسمة ارتباكها تحت وجه بارد الملامح ورفعت ذقنها بثقة مزيفة ثم طلبت ما تعرفه مسبقا .. وما أكثر ما اختارته في حياتها تحت هذا الشعور بحتمية الاختيار مما تعرفه خوفا وجهلا بما لا تعرفه.. وهي تعترف بأنها تجهل الكثير فقالت " نيسكافيه بلاك من فضلك "



ابتسم النادل وسألها "هنا أم take away؟"



لم تكن تنوي أن تجلس لكنها نظرت للطاولات الخالية تماما في هذا الوقت المبكر قبيل الظهيرة وقررت الجلوس فردت "هنا"



راقبها كامل وهي تتطلع في المكان حولها بتدقيق .. وبخبرته بالزبائن شعر بأنها متوترة.. وعاد للتطلع في اصابعها لربما تأكد من حالتها الاجتماعية .. فلم يستطع من هذه المسافة رؤية أي خاتم زواج ولم يعرف بأنها لم تعد ترتديه منذ مدة .. لكنه لاحظ أن كفها تقبض على يد حقيبتها بقوة وهي تتجه لأحد الطاولات وتجلس.. فعبس وجهه لصعوبة رؤيتها من موقعه .. واضطر للخروج إلى ساحة المقهى والمرور من أمامها لكنها كانت شاردة من جديد.



عند اقترابه من طاولتها تعمد الارتطام بأحد المقاعد حول الطاولة التي تجلس عليها فرفعت إليه عينين شاردتين وهو يغمغم باعتذار .. لتومئ برأسها بهدوء وتعود للتطلع في فنجانها.



تحرك وجلس على إحدى الطاولات أمامها فأصبحت خلفه إلى اليمين قليلا وأخذ يقدح زناد فكره ليبحث عن طريقة لفتح حديث معها.. وهو ينظر للهاتف ويشتم من بين أسنانه شامل الذي تأخر .. ثم فتح كاميرا الهاتف الأمامية وحرك يده بزاوية ليبدو وكأنه يتصفحه لكنه كان يسلطه عليها واسرع بالتقاط عدة صور متتالية لها .



خلال دقائق معدودة كانت قد انتهت من قهوتها ووضعت مبلغا كإكرامية بجوار الفنجان ثم استقامت مغادرة .. في الوقت الذي رن هاتف كامل فأسرع بالرد من بين أسنانه" أين أنت يا ( *** )ألم أرسل لك بأن تلحق بي في المركز التجاري"

رد شامل" أنا هنا .. في أي طابق أنت؟"



بعد قليل كانت بسمة تعبر من إحدى بوابات السوق التجاري وكامل خلفها يتحدث في الهاتف مع شامل الذي يقف أمام نفس البوابة كما اتفق مع أخيه .. وبمجرد أن لمحها آتية من بعيد أسرع بالتدقيق فيها بعد أن أشار له كامل عليها بحركة خفية.



لاح الاعجاب على وجه شامل وراقبها حتى ابتعدت ..ثم أسرع نحو كامل الذي بادره بالقول "أرأيت كم هي جميلة يا شامو؟"

قال شامل بإعجاب " أفلت من حفلة التهكم التي كنت سأقيمها على شرفك يا كيمو .. إنها فاتنة بالفعل"

سأله كامل "أرأيت عينيها الزرقاوين؟"



أجاب شامل يرفع كتفيه" لم استطع التدقيق لكنها بالفعل جميلة الملامح"



فتح كامل هاتفه وتطلع في الصور التي أخذها وقال لأخيه "أنظر هذا ما استطعت أن أحصل عليه"

ناظره شامل بصدمة لعدة ثوان ثم قال باستنكار وعدم تصديق "صوّرتها يا كامل!!"



هرش الأخير في رأسه بحرج وغمغم مبررا "ظننت بأنك لن تلحق بي في الوقت المناسب فأردت أن أريها لك (وناوله الهاتف يقول ) انظر لعينيها .. على الطبيعة أحلى مئات المرات صدقني يا شامو الصورة هنا تظلمها كثيرا"



كان واضحا لأخيه بأنه يكذب وهذا ما أدهش شامل الذي أسرع بالنظر في صورتها يقول "هي بالفعل جميلة جدا .. لكننا رأينا أجمل منها من قبل يا كيمو"



رد كامل مدافعا" بالطبع بالطبع .. آآآآ ..مممم .. أردت أن أريك جمالها لا أكثر "

عقد شامل حاجبيه يتطلع في أخيه بحيرة وخاصة حينما فشل في اختراق عقله ليعرف فيم يفكر .. فعاد ينظر لصورتها من جديد مدققا هذه المرة لاكتشاف سر هذا الانجذاب الغريب الذي يجعل أخاه يتصرف بهذا السلوك الصبياني لأول مرة .. فتفاجأ بكامل يخطف منه الهاتف قائلا بعبوس "كف عن التحديق فيها بهذا الشكل .. ستأكلها بعينيك (وغمغم بلهجة ذات مغزى وابتسامة تزين زاوية شفتيه) ألم ترى فتاة جميلة من قبل "

فرفع شامل حاجبه وتطلع فيه باندهاش.



دخول شامل السيارة مجددا أعاد كامل من شروده ليجده يضع له كوبا من النيسكافيه البلاك ويمسك بالأخرى مشروب اللاتيه الذي يخصه ثم حرك السيارة يقودها في صمت يكمل طريقه إلى البيت .

××××


يتبع







Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 11:26 PM   #598

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

أصوات المحيطين تختلط بأصوات صراخ ونحيب امرأة .. ميزت منهم صوت أكرم أكبر إخوانها .. يليه مفرح الذي ينادي عليها ..
لكنها لم تستطيع أن تعي ماذا يقولان .. فصراخ تلك المرأة ونحيبها كان عاليا في أذنيها.
خاطرة ما قفزت إلى رأسها هي ما جعلتها تحاول الاستيقاظ متمتمة بصوت ضعيف "أولادي .. أين أولادي؟"
اقترب مفرح من السرير الذي ترقد عليه في غرفة حماه عبد الغني صوالحة وقال بلهفة "مليكة ردي عليّ هل أنت بخير؟"
حاولت فتح عينيها بصعوبة وصوت الصراخ في أذنيها يبتعد بينما مال عليها أكرم يقول بحنو "أأنت بخير يا ست البنات؟"
نجحت في فتح عينيها أخيرا وقالت " أين أولادي؟"
اجابها مفرح مطمئنا " إنهم بخير يا مليكة أدهم وإياد بخير"
بدأت تعي ما حولها فقالت بضعف وهي تحاول النهوض "أين هما يا مفرح .. ماذا لو تاها منا ولم نجدهم أو حدث لهما أي مكروه؟!"
نظر مفرح لأكرم ثم قال " صدقيني هما بخير .. اتصلت بالبيت وتأكدت بنفسي بأنهما هناك ولا تقلقي سأشدد على الجميع ألا يخرجا منه حتى نعود"
اقترب عَليّ يجلس على السرير بجوارها ويساعدها على الاعتدال.. ثم أخذ رأسها في صدره يقول بدفء "أرعبتنا عليك يا مليكة"
سألته بضعف يخنقها البكاء" هل مات الولد؟"
رد عمار الواقف عند باب الغرفة مع زوجات أخوتها "الطفل بخير والحمد لله يا مليكة بفضل الله استطاع أكرم انقاذه"
أدارت مليكة وجهها ترفع نظراتها لأخيها أكرم تقول بترجي" لا تكذبوا عليّ"
رد أكرم بلهجة رزينة" الولد بخير لا تقلقي قمنا بإسعافه وهو الآن في المستشفى أتوقع بأن ساقه قد تضررت كثيرا وسأقوم بالمرور عليه بعد الاطمئنان عليك إن شاء الله"
اسندت مليكة جبهتها على صدر عليّ براحة بينما وقف مفرح شاعرا بالضيق ..فهو مكبل ويسيطر عليه الحرج في إظهار لهفته عليها وسط أخوانها ووالدها الذي يجلس في أحد أركان الغرفة مبتئسا ..
دوما هو مكبل في علاقته مع مليكة .. الأضواء مسلطة عليهما في مجتمع صغير له خصوصيته ومساحة الخصوصية لهما ضيقة ..
جاء صوت الحاج عبد الغني يقول بتأثر "الحمد لله أنكِ بخير .. الحمد لله "
تنبهت مليكة لوجود والدها ولأنها في غرفته في الدور الأرضي فقالت" أنا في غرفة أبي؟!"
قال أكرم متنهدا "ماذا نفعل للحاج الذي أصر ألا نضعك إلا في غرفته"
نظرت مليكة لعيني والدها الذي يجلس يتوكأ على عصاه في أحد الأركان ولاحظت أن عينيه دامعتان .. فتحاملت على نفسها وقالت وهي تحاول مغادرة السرير" أنا بخير يا أبي .. يبدو أن ضغطي قد انخفض أليس كذلك يا أكرم؟"
رد أكرم مطمئنا" قلت هذا للحاج ..مجرد نوبة ضغط منخفض .."
تحرك مفرح يمسك بيدها ليساعدها على الوقوف فتعانقت عيناهما وتمنى لو يسحبها إلى حضنه ويضمها بقوة ..لكنه اكتفى بالضغط على كفها برفق متحرجا من الواقفين .. وساعدها لأن تتحرك نحو الرجل العجوز الجالس في ركن الغرفة.
حاولت مليكة بكل قوتها نفض الحالة التي تسيطر عليها ودفن أي شعور مؤلم تشعر به وقالت بابتسامة واسعة وهي تميل على والدها "ما بك يا حاج عبد الغني .. أنا بخير انخفض ضغطي والمشهد كان مؤلما للجميع وأنت تعلم أن أعصابي لا تتحمل "
رفع إليها العجوز عينين دامعتين فامتلأ قلبها بالشفقة وانحنت تقبل رأسه وتقول بمناغشة "لكن هذا لا يمنع أن أجلس على حجرك اليوم وتدللني يا حجوجي"
قالتها وهي تتحرك لتجلس على حجره بينما دخلت ابتسام زوجه أكرم تقول لزوجها "أرى أن نؤجل السفر إلى صباح الغد فأنا لا أحب السفر في الليل كما تعرف"
أومأ أكرم برأسه موافقا ثم نظر لأخيه عمار الذي وافقه الرأي لتقول ابتسام بصوت عال للجميع "لقد طلبت من الخدم تجهيز العشاء"
غمغم مفرح معتذرا "أنا لن استطيع البقاء على العشاء للأسف لدى الكثير من الأمور التي تنتظرني"
ناظرته مليكة بقلق بينما قالت ابتسام معترضة "لماذا يا باشمهندس؟ "
أجاب مفرح وهو يستعد للمغادرة "سامحيني يا دكتورة ابتسام "
قال أكرم معترضا "على الأقل ابق حتى العشاء"
رد مفرح بحرج "عامر دائما يا دكتور أكرم (واستدار يقول لمليكة ) ابق كما تشائين وابلغيني لآتي واقلك للبيت"
قال بشر" لا تشغل بالك أحدنا سيوصلها بالتأكيد"
هز مفرح رأسه موافقا ثم استدار نحو حماه يقول" أتريد مني شيئا يا حاج عبد الغني؟"
غمغم الأخير قائلا "أريد سلامتك بني ..وفقك الله "
تحركت مليكة تترك حجر والدها وخرجت إلى بهو سرايا صوالحة بما تحتويه من أثاث ذو طراز خاص ومميز لتلحق بمفرح الذي سلم على الموجودين وغادر الغرفة فنادت عليه ..
استدار إليها بلهفة لتقترب منه ببطء .. ويلتقط كفها ويضغط عليه وعيناه تتطلعان في وجهها بقلق.
سألته بخفوت" أنا بخير لا تقلق .. هل أنت بخير؟"
تطلع مفرح في أحفاد الصوالحة مختلفي الأعمار الذين يملؤون بهو السرايا خلفها لعبا وصخبا وعاوده التمني أن يكونا بمفردهما لكنه قال بصوته ذو البحة بعد أن مال عليها وطبع قبلة سريعة خاطفة على رأسها " أنا بخير ما دمتِ بخير يا مليكة"
كان يبدو أمامها مرهقا فقالت" لا تجهد نفسك كثيرا اليوم وأجّل ما يمكن تأجيله"
أومأ برأسه فسألته بارتباك" كنت أتمنى أن أبيت معهم اليوم بدلا من يوم الثلاثاء مادام أخوتي وأولادهم متجمعين"
اسرع مفرح بالقول متفهما" لا بأس ابق هنا الليلة"
غمغمت بقلق " لكني في الوقت نفسه أشعر بالقلق الشديد على الولدين اليوم بالذات .. هل من الممكن أن ترسلهما ليبقيا معي "
بدا مترددا لكن ذلك الترجي في عينيها جعله يهز رأسه موافقا .. ثم قال " سأغادر أنا (ورفع كفه يحضن خدها بحركة سريعة وأضاف) سأرسلهم مع أحد الغفراء وسأطمئن عليك أخر الليل"
ابتسمت له بحنان وراقبته وهو يغادر بكتفين متشنجين .. فشعرت بالذنب لكنها لم تكن قادرة الضغط على نفسها للعودة لدار العمدة هذه الليلة بالذات ..
قطع شرودها عَليّ الذي اقترب منها يقول "هاتفك يا مليكة يرن بإلحاح منذ أن فقدتِ الوعي"
بابتسامة واهنة التقطته تنظر فيه وهي تعرف هوية المتصل .. وقد كان تخمينها صحيحا حين وجدت عشرات الاتصالات الفائتة من بسمة وأم هاشم قبل أن يرن الهاتف من جديد وترد " نعم بسمة .. اطمئني أنا بخير "
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 11:30 PM   #599

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

قطع كامل شروده ليقول لشامل " علينا ألا ننسى إصلاح إطار السيارة الإضافي فلا نعرف أي مختل ..أو مختلة قد يبلينا بهم الله لتخريب السيارة كتلك التي رسمت عليها بالطباشير .. (واستدار في مقعده نحو أخيه يقول ) بالمناسبة أنا أكيد بأن تلك الفتاة التي رأيتها ذلك اليوم هي من قطعت الإطار وهي أيضا من رسمت بالطباشير أنت بنفسك حينما رأيت الرسوم قلت هذا رسم بلمسة أنثوية .. لكنك تنكر وتداري على الفتاة لا أعلم لماذا"
غمغم شامل بهدوء ساخرا "هل أدركت ذلك وحدك لكنك لم تدرك بأنها نفس البنت التي كدت أن توقعها في الترعة ذلك اليوم!"
رفع كامل حاجبا متعجرفا وزم شفتيه يقول بامتعاض" وهل تصدق بأني كنت سأفعلها؟!"
رد شامل ببرود وهو يركز على الطريق "لكنها تعتقد ذلك "
هتف كامل باستنكار" كان من الممكن أن تشتكيني بدلا من التخريب .. (وأضاف بإغاظة ليستفزه ) ما رأيك بأني سأتصل بمفرح واشكو له ليأخذ لي حقي منها .. ها أنت اعترفت بنفسك بأنها نفس الفتاة التي رسمت على السيارة .. سأخبره ليبحث عنها"
أدار إليه شامل وجهه يقول بانفعال " أترك البنت وشأنها يا كامل وارحمها من سخافاتك"
ضيق كامل عينيه وسأله بغتة" أهي جميلة؟"
تجمد شامل لثانية وأحمر وجهه ثم أداره لينظر في الطريق قائلا" بدأنا في التخريف"
لاحت ابتسامة وقحة على شفتي كامل وقد استشعر ارتباكه فقال بلهجة متسلية "أخبرني يا شمشم عن شكلها .. يبدو أنها تعجبك .. ما لون عينيها ؟ خضراء أم زرقاء.."
نظر له شامل يقول بغيظ " لا شأن لك بها ولا تتحدث عنها قلت "
قال كامل بلهجة ناعمة قاصدا إغاظته" لماذا يا شامو؟.. قل لي إنها جميلة وأنا سأصمت وأتركها لك حلال عليك "
قال شامل بانفعال " البنت خرساء يا كامل"
عبس الأخير وسأله "أتقول الصدق .. خرساء بالفعل ؟!"
أومأ شامل برأسه وعاد ينظر للطريق واجما فغمغم كامل بشفقة " لا حول ولا قوة إلا بالله! .. هل تعرف لماذا .. أعني ما مشكلتها؟ ..أهي صماء أيضا؟"
عقد شامل حاجبيه وهز رأسه قائلا" لا أعرف" ثم عاد ينظر للطريق يتساءل …ألديها ضعفا بالسمع وتستعمل سماعات أيضا؟!..
تلك الخاطرة ضاعفت بداخله ذلك الشعور المؤلم تجاهها ..
أما كامل فشعر بأن توأمه يهتم بتلك الفتاة أكثر من مجرد شفقته العادية على الضعفاء فصمت ولم يعقب.. بل عاد لشروده …
عاد ليتذكر كيف كانت نهاية قصة اعجابه القصيرة ببسمة.
منذ ثلاث سنوات ونصف
بلعت بسمة ريقها وهي تقف على بوابة فيلا غنيم تشعر بالرعب من منظر الثلاثة المتحفزين أمامها أحمد سماحة وزوجها سيد يتعاركان مع شاب ضخم غاضب .. ولم تجلس في السيارة تنتظر سيد كما طلب منها منذ قليل بعد أن تلقى مكالمة من الحاج سماحة .
كان منظر الثلاثة مخيفا وبدى أن هناك معركة طاحنة قادمة ..
لكن قطع ذهولها رجل عجوز يدخل الفيلا على عجل يتبعه شخص ضخم آخر نسخة طبق الأصل من الشخص الذي يتعارك مع سيد وأحمد سماحة.. فاتسعت عيناها تتابع باهتمام.
هدر العم غنيم في الشباب بقوة رغم صوته الضعيف .. لكن لم ينتبه أحد منهم لأول وهلة .. فاندفع شامل بحمائية يقف أمام كامل ويقول " نهدأ من فضلكم يا شباب وكل شيء يحل "..
انتبه الجميع للعم غنيم الذي أمرهم مرة أخرى بعدم الاشتباك .. ثم توجه لأحمد وسيد يقول "ما الأمر ؟.. أجئتما لتتهجمان على ممتلكاتي؟ .. أستطيع أن أقدم بلاغا للشرطة حالا "
رد أحمد بغضب "افعل ما تريد .. لكن انتظر لتحدد صيغة التهمة هل ستكون اقتحام منزلا والتسبب في عاهة لأبنك أم قتله"
رفع غنيم عصاه التي يتوكأ عليها وأشار بها نحو أحمد يقول " اخرس يا ولد .. وأفهمني ماذا حدث"
رد أحمد بغضب " ابنك المحترم سمح لنفسه بالتواصل مع زوجتي دون علمي .. ويقابلها دون علمي .. ويتناقش معها ويخطط كيف ستصل لأهلها دون علمي "
رد كامل بصوت جهوري" لم أتعمد ذلك .. لكنها صاحبة الشأن كان عليّ إخبارها وهي من تقرر "
صاح غنيم في ابنه " هل أخبرتها ؟؟ ألم انهك عن إخبارها حتى نحصل على معلومات تفصيلية؟!!"
قال أحمد موجها الكلام للعم غنيم " أكنت تعرف بشأن الأخبار عن عائلتها يا عمي ولم تخبرني كما اتفقنا من قبل؟!"
حاول غنيم السيطرة على غضبه واشاح بوجهه عن ابنه يقول لأحمد بهدوء " أردت أن أحصل على مزيد من التفاصيل أولا .. فما عندنا معلومة واحدة فقط .. ولم أحب أن أربك حياتكما دون فائدة"
رد أحمد ساخرا "ابنك قام بالواجب وتواصل مع زوجتي دون علمي .. وجعلها تعيش شهرا كاملا في جحيم ترتعب من إخباري .. بل ويضغط عليها بكل وقاحة أن تسرع في القرار"
زمجر كامل وهم بالهجوم عليه وهو يردد "أنا لست وقحاً"
فامسك به شامل يمنعه بينما استعرض سيد الصامت يراقب المشهد صدره أمام كامل بتهديد .
ليهدر العم غنيم " كفى "
ثم رفع عصاه ووكز بها ابنه بعنف في صدره وهو يقول " أنت تخرس ولا تجادل في الخطأ .. ما فعلته عيبا على رجولتك .. ولن أمرر لك كسر كلمتي"
شعر كامل بالحرج لكن اعتداده بنفسه منعه من الاعتراف بأنه قد أخطأ .. ورد فعل والده وتوبيخه له أمام الرجال صغّره وجرح كرامته فنفض توأمه بعيدا عنه .. وتحرك مندفعا إلى خارج الفيلا يكبح جماح غضبه احتراما لكلمة والده قبل أن يطيح بهذين الرجلين أيا كانت النتائج .. الحالة التي كان عليها جعلت بسمة التي تشاهدهم بقلب مرتجف تنكمش في رعب بجانب البوابة ..
مر من البوابة وشياطين الغضب تسابقه ..
مر بجوارها دون أن يعي..
مر بجوارها وابتعد لعدة خطوات .. فراقبته بسمة بفضول لتتأكد من أنه لن يحاول العودة مجددا لاستئناف العراك قبل أن تستدير لتتأمل شامل متعجبة من تطابق الاثنين.
أما كامل فبمجرد أن وصل لسيارته تشنج جسده فجأة وتجمدت أطرافه ..ليس من الغضب هذه المرة ولكن بإدراك متأخر لما التقطته عيناه واستوعبه عقله للتو .. فاستدار بحدة غير مصدقا بأنها هي ..
هي من تقف أمام بوابة بيته تنظر للواقفين بداخل حديقة الفيلا ..
لقد تمنى أن يلقاها مرة أخرى صدفة في الشارع ..خاصة وهما يعيشان في نفس المدينة الصغيرة التي تقع على أطراف العاصمة لكن أن يراها أمام بيته في موقف كهذا معناه أنها تقرب لأحد الرجلين ..
اتسعت عيناه في حيرة وهو يتطلع في السيارتين المرابطتين في الشارع وتساءل .. ترى مع من منهما قد جاءت؟!.
أهي حقا أم أنه يهلوس؟!..
هي بالتأكيد ..
وكيف يتوه عن تلك العينين وتلك الملامح التي يحفظها عن ظهر قلب.. وهو يحدق فيها كل يوم في الهاتف.. ويوصي نفسه بالتعقل وألا يتصرف بصبيانية لمحاولة التعرف عليها .
وكأنها شعرت بتحديقه فيها .. أدارت بسمة وجهها له من جديد لتتفاجأ بتطلع ذلك الشاب الغاضب فيها ..وتوارى احساسها الغريب بأنها قد شاهدته من قبل خلف شعورها بالفزع من تحديقه الغريب فيها ..
كل ما تبادر لذهنها ساعتها أنه قد يفكر في الانتقام من أحمد وسيد بأذيتها.
بلعت ريقها في رعب ورمشت عينيها الفيروزيتين عدة مرات ثم نظرت باتجاه سيارة سيد تفكر في اللجوء إليها .. بينما تقبض كامل يناظرها بعينين متسعتين في صدمة وتحرك لا شعوريا خطوتين باتجاهها .. فانكمشت بسمة وتراجعت خطوتين غير مستوعبة لمعنى تلك النظرات التي تستقبلها منه .. لتجد نفسها لا شعوريا قد أصبحت في داخل حديقة الفيلا..
في نفس اللحظة انتاب شامل شعور مقبض خانق فهم بالبحث عن توأمه لكنه قبل أن يتحرك تسمرت عيناه على بسمة التي تقف في حديقة الفيلا بجوار البوابة تحدق في شيء ما خارجها
..
أما كامل .. فتلك النظرة وذلك الرعب الذي يطل من عينيها وصدمته من كونها تقرب لأحدهما .. ويدها التي تقبض على حقيبتها بقوة جعلوه يجمع شتات نفسه ويقرر الانسحاب قبل أن يزيد موقفه حرجا .. فتراجع الخطوتين ذاتهما ثم استدار ليركب سيارته يضغط على البنزين بقوة وينطلق مبتعدا .. بينما ظل شامل على حالته وهو لا يزال يحاول استيعاب سبب وجود هذه الفتاة هنا على باب الفيلا .. ووقف بعدها يراقب مغادرة سيد وأحمد حتى وجدها تركب السيارة مع سيد فازدادت حيرته لتضاف لصدمته ولقلقه على كامل الذي لم يعرف أين ذهب لكنه يستشعر توتره وحيرته جليا..
بعد ساعة رد كامل على اتصالات توأمه المتكررة والذي بادره بالقول "أين أنت يا كامل؟"
سأله كامل بوجوم "هل أبي بخير؟"
رد شامل " إنه غاضب منك "
صاح كامل بانفعال" أنا أسأل عن حالته الصحية"
غمغم الآخر "بخير لا تقلق"
تكلم كامل بإحباط شديد "هل رأيت ما رأيته على بوابة الفيلا.. أم أنني كنت أخرف؟"
رد شامل مؤيدا "بل رأيتها"
قال كامل مصدوما "إنها بالتأكيد تقرب لسيد فليس من المعقول أن تكون قريبة أحمد"
غمغم شامل بحذر "ربما زوجته يا كامل"
أسرع كامل بالقول رغبة منه في عدم التصديق "وربما أخته .. تذكرت منذ قليل الحكاية التي قصتها بانة لأمي عن ظهور أخت لسيد هذا ربيب عائلة زوجها .. أتذكر حينما سمعناها ذلك اليوم الذي كانت فيه بانة تزورنا وطلبت أنت مني أن أغادر البيت لأن زوجها على وشك الوصول لإعادتها .. ووقتها أخبرتك بأن موضوع بانة قد أغلق وبأنني كنت معجبا بها لا أكثر"
رد شامل بتقريع مبطن" لكنك أردت الانتصار على أحمد بتسريب المعلومة التي وصلتنا عن الخوازن لبانة وعرضت عليها مساعدتها في السفر نكاية فيه يا كامل"
رغم شعوره بالندم على تهوره بالتواصل مع بانة لكنه جادل توأمه قائلا" صدقني كانت نيتي صادقة جدا في مساعدتها .. لربما لم تكن ترغب في الاستمرار معه ..لربما ندمت على زواجها منه .. لربما أجبرها هو على البقاء في هذا البلد ومنعها من السفر بحكم زواجه منها فهو بالتأكيد لن يسمح لزوجته بالسفر لبلدها وسط ما تتناقله الأخبار من أحداث متوترة رغم السيطرة على الأوضاع هناك .. ولا أظن بأنه سيغامر بالسفر معها .. أردت أن أخبرها وحدها بالمعلومة وأقدم لها يد المساعدة إن أرادت اتخاذ قرارا يخالف ما يرغب فيه زوجها.. بل وألحيت لمعرفة إن كانت ترغب في العودة أم لا لأن عائلة داوود الرحمي قرروا العودة كما تعلم فكنت أرغب في أن تنضم إليهم فبالطبع لن أشجعها على السفر وحدها"
أصر شامل على رأيه قائلا "ومع هذا كان تصرفا خاطئا وقد حذرتك من القيام بذلك يا كامل .. ولا تنكر أن جزءا من الأمر كان رغبة منك في الانتقام من ابن سماحة لشعورك بأنها قد فضلته عليك"
صاح كامل بغضب "قلت لك بانة كانت مجرد فتاة من بلدي أعجبت بها وتعاطفت مع حالتها وأردت سترها .. كان مجرد اعجابا انتهى برفضها لي .. ألست أدرى الناس بي يا أخي ! .. ألا تشعر بما أشعر به ! .. هل تشعر بأني أكذب في هذا الأمر؟!"
قال شامل بهدوء " أعرف بأن بانة كانت لك مجرد فتاة من بلدنا اعجبت بها وبجمالها وأردت سترها تعاطفا معها لكن رفضها لك واختيارها لشاب من غير بلدك لم تنساه يا كامل ..اعترف"
صاح كامل بانفعال" أبي أحرجني أمامهما ووبخني وانتهى الأمر.. هلا وفرت محاضرتك هذه بالله عليك "
مط شامل شفتيه ثم قال" وتلك المصيبة القادمة على رؤوسنا بعد الاكتشاف الذي اكتشفناه اليوم"
انفعل كامل وهدر في توأمه يقول " أية مصيبة؟!!! .. وهل أنا على تواصل مع بسمة أو تعرضت لها بأي طريقة لتحدث مصيبة!!! .. اغلق يا شامل .. اغلق الخط قبل أن أذهب إليك وأدق عنقك.. أصبحت خانقاومستفزا"
أغلق الخط بانفعال ووقف حائرا فوق ذلك الكوبري يتطلع في مياه النهر بشرود .. يمني نفسه بأنها تلك الأخت التي ظهرت لسيد منذ فترة كما سمع صدفة من حكاية بانة لأمه.
لم يستطع الصبر .. لابد أن يعرف الآن وفورا من تكون بالضبط لسيد هذا..
بعد ساعات
بخطوات ثقيلة دخل كامل الشارع الذي يقع فيه محل الحلاق وتوجه إلى بواب البناية التي تسكن فيها بسمة .
لقد جاءه مدعيا بأنه يبحث عن شقة في البناية فاصطحبه البواب ليريه شقتين شاغرتين فيها .. واستدرجه كامل في الحديث يسأله عن سكان الxxxx متعللا بأنه يرغب في الاطمئنان على مستوى جيرانه الاجتماعي .. فانطلق البواب يخبره عن سكان البناية واحدا واحدا ويمدح فيهم حتى يحثه على شراء إحدى الشقتين .. حتى جاء الحديث عن قاطني إحدى شقق الدور الأول ليخبره بفخر بأن من يسكن فيها ملحن مشهور مع زوجته واخته .. وقبل أن يحاول كامل في استدراجه أكثر رن هاتف البواب فأسرع بالإجابة قائلا "نعم سيد باشا .. حاضر.. حاضر أنا في الطابق الرابع سأرسل لك أم محمد"
أغلق المكالمة وغمغم لكامل بحرج" لا تؤاخذني يا باشا هذا سيد صبرة الذي كنت أحدثك عنه منذ لحظات"
قالها وهو يرفع السماعة على أذنه وينتحي جانبا ثم قال في الهاتف" أم محمد سيد باشا وزوجته بالأسفل ومعهما أكياس كثيرة ولا يوجد أحد من الأولاد بالأسفل ليساعدهم على حملها (وصمت قليلا يستمع ثم اكفهر وجهه وصاح بانفعال هامس ) وهل سنترك الرجل بالشارع حتى تنتهين مما تفعلين !!"
بعد ثواني من الصمت يستمع للطرف الأخر أغلق الهاتف بغيظ يجز على أسنانه.. ثم استدار لكامل يرسم ابتسامة ويقول بحرج "هل اعجبتك الشقة أم تريد أن أريك شقة أخرىيا باشا؟"
كان كامل يشعر بالتوتر رغم ذلك الوجه الخالي من التعبير الذي يظهره دوماً.. وفكرة أن يقابل سيد للمرة الثانية في نفس اليوم كانت ستقضي على ما تبقى له من كبرياء .. كما أنه لا يعرف كيف من الممكن أن يتطور الأمر بينهما لو تقابلا .. لذا قال للبواب الذي استشعره متوترا ويرغب في الاسراع للنزول لسيد "أريد أن اتجول في هذه الشقة قليلا حتى أقرر"
اسرع البواب بالقول " طبعا طبعا .. لهذا سأترك سيادتك خمس دقائق فقط وأعود إليك .. وهذا سيعطيك فرصة للتجول براحة في الشقة "
بمجرد خروج البواب أسرع كامل إلى الشرفة واستطاع تمييزها وهي تقف على الرصيف المقابل للبناية تمسك ببضع أكياس ويبدو عليها أنها في انتظار سيد ليخرج البقية من السيارة..
كانت هي ..
بنفس الملابس ونفس الهيئة التي رآها فيها منذ ساعات..
كانت هي ..
بسمة..
زوجة سيد صبرة !.
فاسرع بالابتعاد عن الشرفة والتخفي مصدوما .
بعد قليل انقد البواب اكرامية كبيرة يخبره بأنه سيفكر ويعاود الاتصال به .. وأسرع بالخروج من الشارع متخفيا يشعر وكأنه لص قد أوشك على سرقة مالا يخصه ..
حين ركب سيارته رفع الهاتف على أذنه يقول لشامل بإحباط " إنها .. زوجته يا شامل .. أنا كنت أراقب امرأة متزوجة الأيام الماضية .. أرأيت رجلا أكثر منيخزيا ونذالة!"
سارع شامل بالقول مشفقا " لكنك لم تكن تعرف يا كامل .. (وصمت لثانية ثم قال بلهجة ذات مغزى) أما الآن..."
لم يعطه كامل الفرصة بل غمغم مقاطعا "أعرف ما ستقوله "
أغلق الهاتف .. وتجمدت يده تقبض عليه للحظات وكأنه يرغب بسحقه في قبضته ..قبل أن يفتح معرض الصور .. ويضغط على أمر (حذف ) ليحذف صورها من هاتفه فورا .. صورها كلها محاها .. ثم ضغط على بنزين سيارته بقوة مقررا ألا يعود مجددا لذلك الحي وداعيا ألا يقابلها أبدا بأي صدفة بعد ذلك .
بعدها أغلق الأمر ونسيه تماما .. وألهى نفسه مع شلة الأصحاب من الجنسين التي يتسامر معهم ويسافر معهم في رحلات هو وشامل إلى المدن الساحلية والسياحية نهاية كل اسبوع أو في سفرات طويلة خارج البلاد كل فترة .. ومرت عليه علاقات نسائية عابرة وقصيرة دون التزامات من الطرفين ..
حتى علم بعدها بعدة شهور بأنها انفصلت عن سيد .. علم ذلك بالصدفة البحتة حينما وجد أمه تستعد لحضور حفل زفاف سيد ربيب عائلة سماحة .. لحظتها تشنج جسده وسألها محاولا عدم اظهار توتره بأن سيد متزوج بالفعل .. ففاجأته والدته بالرد أنه انفصل عن زوجته منذ عدة شهور وسيتزوج من أخت أحمد الصغرى .
لحظتها تحكم في ملامح المفاجأة التي علت وجهه وتحرك مغادرا دون تعقيب..
ورغم أن معلومة انفصالها لم تغير شيئا من الأمر فهو يعرف بأن الأمر منتهي قبل أن يبدأ وبأنه في وضع (الاستحالة) إلا أنه عاد بعد ذلك بعام يتعامل مع ذلك الحلاق .
قبل عامين
استقبله الحلاق مهللا "باشا ..اشرقت الأنوار ..ظننتك نسيتنا أو عدت لبلدك .. أرأيت كيف تعرفت عليك بسهولة يا كامل باشا .. فأنت دوما كنت تأتيني بمفردك .. أما توأمك لا يأتي إلا في صحبتك"
ابتسم كامل ابتسامة مجاملة ضعيفة وهو يجلس على الكرسي أمام المرآة وغمغم في سره بغيظ يمنع نفسه من لكمه في فمه الثرثار هذا " أنت تحمد ربك أني لم آتيك مباشرة بعد أن علمت بأنك حكيت لي عن كل ساكن من سكان الشارع لكنك لم تذكر ولو مرة واحد أنها تكون زوجة الملحن سيد صبرة .. "
قال الحلاق قبل أن يتكلم كامل" أذكر طلبك جيدا قص الشعر دون تقصيره"
اعتدل كامل على الكرسي يومئ برأسه فأكمل الحلاق بلهجة معجبة وهو يمشط شعر كامل "بسم الله ما شاء الله شعر سيادتك خسارة أن يقصر بشدة (ومال عليه يقول ) الحقيقة بأن سيادتك وتوأمك تصلحان لتكونا نجمي سينما"
ابتسم له كامل مجددا وانتهز فرصة استدارة الحلاق يطلب من مساعده شيئا فحانت منه نظرة مختلسة نحو باب المحل.. أو بالتحديد نحو بوابة البناية المقابلة .. قبل أن يعود الحلاق ليمسك بخصلات شعره ويقوم بقص أطرافه.
لمح كامل مساعده فسأله بفضول "أين الفتى الآخر الذي كان يعمل معك؟"
ضيق الحلاق عينيه لثوان ثم انفرجت ابتسامته قائلا" آه ..تقصد الفتى العاشق"
ابتسم كامل وغمغم ساخرا" أجل ذلك العاشق"
رد الحلاق بسخرية " يا عمنا لم اطلق عليه هذا الاسم اعتباطا صدقني .. ها هو قد ترك العمل عندي عندما تركت هي الشارع ورحلت "
رغم فهمه عمن يقصد بـ ( هي ) لكنه ضيق عينيه يحاول استيعاب ما يقوله الحلاق.. فأوضح الأخير "صدقني هذا ما حدث بالفعل"
سأله كامل مدعيا عدم الفهم" تقصد من؟"
قال الحلاق موضحا " تلك الفاتنة أتذكرها؟.. التي أخبرتك بأنها من قرية (***) وكان هذا المراهق يتابعها "
هز كامل رأسه فأكمل الحلاق ساخرا " عُمّال أخر زمن ! .. سيادته ترك العمل حينما انفصلت عن زوجها ورحلت ..(ومال مجددا يقول وكأنه يسرب إليه معلومة خطيرة).. زوجها كان الملحن الشهير سيد صبرة .. هل أخبرتك بذلك من قبل؟"
ناظره كامل بعينين مقلوبتين عبر المرآه يقبض على قبضته بقوة بينما أكمل الحلاق ثرثرته " المهم أن ذلك الشاب ترك العمل عندي حزنا على فراقها ..هل رأيت جنونا أكثر من ذلك!"
لم يعقب كامل .. رغم ذلك الفضول الذي أثير بداخله يرغب في المزيد من المعلومات عنها .. لكن الحلاق أكمل بلهجة آسفة "الحقيقة كلنا حزنا على طلاقها رغم أننا لم نكن نعرفها حق المعرفة .. لكن يبدو أن عدم انجابها هو السبب في طلاقها"
رفع كامل حاجبيه متفاجئا بالمعلومة ليميل عليه الحلاق قائلا" لم ترى رجال بلدتها وهم يملؤون الشارع يوم أن حضروا لينقلوا أثاث البيت وحاجياتها .. يبدو أن والدها من أثرياء القرية … لكن الأسف والحزن كان يخيم على الجميع (وبلع ريقه واسهب في الثرثرة ) كنت واقفا على باب المحل بل ودعوت بعضهم للجلوس وأخرجت الكراسي في الشارع لضيافتهم (وأضاف بفخر) تعرف نحن أهل الريف نتمتع بكرم الضيافة .. المهم أني سمعت الاحاديث الجانبية والهمهمات .. وعلمت بأن سبب طلاقها هو أنها عقيم .. (وأضاف بلهجة آسفة) مسكينة .. جمالها هذا سيكون نقمة عليها "
رفع كامل عينيه يناظره في المرآة متسائلا فأضاف الحلاق مفسرا " بالطبع سيكون نقمة عليها .. أنت لا تعرف كيف هو حال المطلقة في مجتمع صغير .. ستكون مطمعا للقلوب المريضة .. وستُعد عليها خطواتها .. وستخشاها النساء المتزوجات من أن تسرق منهن أزواجهن .. ولا أستبعد أن ينتهي بها الأمر بالزواج من أرمل أو مطلق لتربي له أولاده هذا في أحسن الظروف وإلا ستضطر لأن تكون زوجة ثانية أو ثالثة لرجل لديه أكثر من زوجة .. خاصة وأنها جميلة ولا تنجب أي أن من سيتزوجها سيكون من أجل .......( صمت لحظة ثم أضاف بحرج) أنت تعرف ماذا أقصد بالطبع "
عقد كامل حاجبيه شاعرا بالاختناق فأضاف الحلاق " وحتى لو كانت تنجب .. لا تؤاخذني لن يقبل شاب لم يتزوج من قبل أن يرتبط بامرأة سبق لها الزواج من غيره .. وحتى وإن كان قد سبق له الزواج وليس له أولادا .. ما الذي سيجبره لأن يتزوج من امرأة سبق لها الزواج حتى لو كانت باهرة الجمال مثلها وهو يستطيع الزواج من عذراء لم تتزوج من قبل (ومال عليه يسأله بلهجة ذات مغزى ) أنت رجل مثلي وتفهم ماذا أقصد أليس كذلك؟"
أومأ كامل برأسه معترفا بما يقوله الحلاق .. ومؤيدا بشدة .. فبعيدا عن استحالة الأمر كونها كانت متزوجة من رجل يعرفه فالمبدأ نفسه عنده كـ كامل مرفوض .. لن يقبل بأن يرتبط بامرأة قد سبق لها الزواجمن غيره .
هكذا أغلق كامل الأمر مجددا أو ربما أعاد تجديد القفل عليه .. لكن عيناها كانتا تزورانه كل فترة في منامه منذ أن علم بطلاقها .. كانتا حزينتين جدا .. لكنه كان يتجاهل تلك الاحلام مفسرا لنفسه بأن ما يعتريه هو مجرد فضول لا أكثر لمعرفة ماذا حل بها ..
في نفس التوقيت تعرف على مفرح في إحدى صالات الألعاب الرياضية في المدينة .. بعد أن نقل الأخير مكتبه من العاصمة إلى هذه المدينة التي تقع على اطراف العاصمة حتى تكون الأقرب لرحلاته الأسبوعية من وإلى قريته متحاشيا زحام العاصمة واختناقاتها المرورية التي تضيع الكثير من وقته .. وبمجرد التحاقه بالصالة الرياضية تعرف على التوأمين .. ونشأت بينهما صداقة سريعة تبادلا فيها الزيارات .. هو زار مطعمهما وفيلا غنيم أكثر من مرة .. وهما زاراه في شقته التي تقع هي ومكتبه في نفس المدينة والتي يبيت فيها حينما يعقد الصفقات أو يتابع أعمال مكتب تصدير الخضر والفاكهة الذي يديره ..
وبالرغم من معرفته بأن مفرح من أكبر عائلات الريف وأكثرهم ثراء .. وبأنه ابن عمدة قريتهم والعمدة القادم لها .. لكنه لم يكن يعلم أبدا باسم قريته أو في أي محافظة تقع .. كل ما كان يعلمه أنها إحدى محافظات (وجه بحري) .. حتى حينما دعاهما مفرح أكثر من مرة قبل زواج أخته لزيارة القرية لم تتح الفرصة لتنفيذ ذلك و عندما قرر هو وتوأمه توسيع المطعم بحيث يستقبل عددا أكبر من الزبائن يوميا وتخصيص جزءا منه لتوصيل الطلبات كان لابد من التعاقد مع مورد كبير للخضر والفاكهة وبالطبع لم يكن هناك أقرب من مفرح .. وتم الاتفاق على أن يزورا القرية مدعوان لحفل زفاف أخته لكنه كان متكاسلا في الذهاب خاصة بعد حصوله على تأشيرة السفر للعمل في أمريكا واعداد نفسه لسفر طويل .. فترك الأمر لشامل كما ترك له أمر مباشرة أعمال تجديد المطعم .. ليتفاجأ قبل يوم واحد من سفر شامل لقرية مفرح بالأخير وهو يُمليه عنوان القرية بالتفصيل ..
تفاجأ كامل بالاسم الذي لا يعرف لماذا ظلت ذاكرته محتفظة به بعد أن مر أكثر من ثلاث سنوات على معرفته.. ليجد ذلك الفضول اللعين يسيطر عليه بقوة ويقرر الذهاب مع شامل ..
لكنه الآن يشعر بالندم على ذهابه ..
يشعر بأنه قد أوقع نفسه في فخ كبير .
××××


يتبع






Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-04-20, 11:32 PM   #600

Shammosah

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Shammosah

? العضوٌ??? » 413617
?  التسِجيلٌ » Dec 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,909
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Shammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond reputeShammosah has a reputation beyond repute
افتراضي

تحرك جابر يودع بعض رجال البلدة الذين لا يزالون يقفون أمام المستشفى العام بمركز المحافظة بعد أن اطمأن على حالة الطفل الصغير الذي نقل إلى هناك بمجرد أن استعاد وعيه .. واسرع باللحاق بهلال قبل أن يرحل هو الأخر بعد أن أدى الواجب بالاطمئنان على الطفل .
صاح جابر مناديا "انتظر يا هلال"
تخشب ظهر الأخير لثوان قبل أن يستدير إليه متحفزا .. ليقول جابر وهو يقترب منه "أريد أن أتحدث معك"
وضع هلال يديه في جيبي جلبابه البسيط ورفع ذقنه بكبرياء زائف يسأله" عم تريد التحدث فيه معي ؟"
قال جابر وهو يمسك بذراعه ويقوده نحو سيارته" سنتحدث قليلا.. ألم تشتاق لجلساتنا (وأضاف يقول ) تعال لنجلس في ذلك المقهى الذي تحب أن تجلس فيه دوما"
رفع هلال حاجبيه مندهشا ثم قال بلهجة متهكمة "ترى ما هو هذا الشيء الهام الذي تريد أن تتحدث فيه معي لدرجة أن تتنازل وتجلس على مقهى الهلاسين والتافهين!"
ناظره جابر بحزن وحيرة وغمغم قائلا " تعال لنتحدث يا هلال وكفاك تهكما"
تطلع هلال في سيارة جابر بنظرة حاقدة لم يستطع أن يتحكم فيها .. قبل أن يخلص ذراعه من يد صاحبه ويقول" قل ما تريده الآن وهنا وبعدها دعني أذهب لحال سبيلي"
حك جابر جبينه بيده ثم قال مستسلما "أنا أعرض عليك العمل معي للمرة التي لم أعد أعرف عددها..( وأضاف بلهجة صادقة ) أنا بالفعل أحتاج لمن يباشر أعمال أحد المحلات"
بنفس وقفته لوى هلال عنقه وقال بلهجة متهكمة" وهل أنت معتادا على الالحاح على من تريدهم أن يعملوا عندك؟"
تماسك جابر يمنع نفسه من الاستسلام لاستفزازه وأجاب بهدوء" أفعل ذلك مع من أعزهم يا هلال .. مع أصدقائي"
عبرت جملته ذلك الجدار الغير مرئي الذي علا بينهما على مر السنين وانغرزت في قلب هلال ..لكنها كانت مؤلمة وليست مبهجة .. فهو يشعر بأنه لم يعد لائقا لمصاحبة جابر دبور .. كانا صديقين .. (كانا ) .. فعل ماضي مضى وانتهى بعد أن صعد جابر على قمة الطبقات الاجتماعية وسقط هو في القاع.
غمغم هلال ساخرا رغم الحزن الذي سيطر على صوته " وأنا قلت لك من قبل لا أفهم في تلك الأمور .. ولا اقبل بالصدقة .. شكر الله سعيكم يا ...معلم جابر"
قالها وتحرك مغادرا .
وقف جابر مشلولا يتطلع في صورته التي تبعد كحال صداقتهما منذ أن عاد من الخليج وقرر الاستقرار .. ثم أطرق برأسه متحيرا يشعر بضيق شديد ..
لمَ باتت الأيام لا معنى لها؟
لماذا لم يعد يفهم الأخرين ؟..
لا يفهم زوجته ولا صاحبه؟..
فتحرك نحو سيارته يركبها مقررا أن يذهب للمسجد ليصلي العشاء ويقرأ قليلا من القرآن .. لربما هداه الله لما لا يفهم سببه .
××××
دخلت السيارة فيلا غنيم نخلة فاستقبلهما (شهبندر) بحالة من الهياج شوقا إليهما كعادته كلما غابا عن البيت .. ووقف حائرا لأي منهما يتجه .. ناحية شامل أم كامل .. لكنه حسم أمره حينما كان شامل الأسرع في فتح بابه ليقفز عليه شهبندر بترحيب .
استقبل شامل الكلب وأخذ يفرك وجهه قائلا بدفء " اشتقت إليك يا وحش .."
حاول الكلب مناكفة شامل بخشونة لكن الأخير غمغم " أنا مرهق جدا يا عم شهبندر فلنلعب في وقت أخر .. ( وصفر من بين شفتيه وأضاف) اذهب لكامل هيا "
تحرك الكلب يدور حول مقدمة السيارة في الوقت الذي خرج كامل منها ونزل على عقبيه يرحب بالكلب في صمت .
صاحت سوسو وهي تقف على باب الفيلا "هل ستتركان السيارة في الحديقة دون أن تدخلاها المرآب !"
اقترب شامل من أمه مبتسما ومال على قامتها القصيرة يحضنها قائلا بلهجة حانية "ألن تقولي ( حمدا لله على سلامتكما ) أولا يا سوسو"
قالت متنهدة " حمدا لله على سلامتكما يا حبيبي .. لكن أبوكما كالعادة متعب وذو رأس عنيد "
اتسعت ابتسامة شامل وهو يعرف بأنها ستقوم كالعادة بالشكوى من والده بينما أكملت هي " لا يريد تناول أدويته ( وأمسكت بجبينها تقول بشفقة على نفسها ) تعبت والله تعبت "
غمغم كامل بلهجة لئيمة متعمدة ليخرجها من تلك الحالة " ما هذه الأناقة يا سوسو! "
تغيرت ملامحها كما توقع وأسرعت تقول بكبرياء " تقصد تلك البلوزة؟ ..حمدا لله أن أحدا قد لاحظ .. فوالدك لا يلاحظ تلك الأشياء حتى لو نطقت أمامه .. "
ضيق شامل عينيه يدقق في البلوزة وهو لا يعرف إن كانت جديدة أم لا .. بينما أكملت سوسو " لقد اشتريتها منذ فترة .. إنها من ماركة.... "
قطعت ثرثرتها حينما مر كامل بجوارها واجما بعد أن طبع قبلة على رأسها بصمت وأكمل طريقه للداخل .. فسألت شامل " ما به أخوك؟"
زفر شامل ورد ممتعضا " ليس به شيء لا تشغلي بالك "
غمغمت سوسو بضيق " هل تشاجرتما ؟!"
احاط شامل ذراعه حول كتفيها يدخل معها إلى داخل الفيلا مغمغما " دعك من كامل وأخبريني عن البنطال الجديد .. أقصد ... البلوزة الجديدة التي تبدو عليك رائعة "
××××
صباح اليوم التالي :
فتحت بسمة بوابة بيت الجد صالح وتطلعت في البيت والمخزن الذي بجواره بحماس ..
لقد آن الأوان لأن تنطلق وتبدأ مشروعها ..
ستستقبل الفتيات الراغبات في العمل معها اليوم لكنها حضرت في هذا الوقت المبكر من الصباح لترتب أمورها على الطبيعة بعد أن انتهت من زيارتها الصباحية لمزرعة العمدة .. والحقيقة أن الحماس قد تملك منها من الليلة الماضية حينما علمت من مفرح بأن بيت الجد صالح قد أصبح خاليا بعد مغادرة صاحبيه .
على سيرة صاحبيه نظرت بسمة نحو بيت الجد صالح وتحركت نحوه تقول " ترى ماذا أفسدا في بيت جدي الحبيب ؟"
فتحت باب البيت ودخلت تتلمس فيه الذكريات .. لكنها استشعرت بتغير رائحة المكان وكأن أمرا جديدا قد طرأ عليه .. سكان جدد .. طبعوا عليه بصمتهما ..
الأمر كان غريبا خاصة مع قِصَر المدة التي سكن فيها الضيفان .. أو ربما هي تهذي ..
تذكرت ما قالته مليكة من أنها تبالغ في رد فعلها تجاه هذا المتعجرف كامل .. لكنها لا تزال عند رأيها فيه ..
أزاحت الوشاح عن رأسها تلقي به على أحد المقاعد .. ولفت نظرها كيس على المنضدة فأسرعت إليه تنظر لما فيه لتجد كتب ..
أخرجت بسمة أحد الكتب من الكيس لتجده رواية بالإنجليزية..فرفعت حاجبا وغمغمت " هل نسياه؟ .. تُرى من منهما يهوى القراءة ؟!.. لا أتوقع بأنه ذلك المتعجرف .. فهو لا يفقه إلا في التعالي والسخرية من الناس"
واهتزت تتمايل بجذعها تُرَقِّص كتفيها ساخرة وهي تقلده بصوت متهكم " هل تظنيننا قساة القلوب !.. يبدو أن بعضكم لديه هواية إلقاء التهم على الناس جزافا"
جاءها صوت رخيم من خلفها يقول "وقلت أيضا بأنكم تحبون اقتحام الأماكن على الناس ومفاجأتهم"
انتفضت بسمة في رعب واستدارت بسرعة قبل أن تشهق بقوة ويسقط منها الكتاب أرضا .
نهاية الفصل السادس
مع حبي
شموسة


Shammosah غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:51 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.