آخر 10 مشاركات
أيام البحر الأزرق - آن ويـــل -عبير الجديدة -(عدد ممتاز ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          [تحميل]مذكرات مقاتلة شرسة// للكاتبة إيمان حسن، فصحى (على مركز الميديافاير pdf) (الكاتـب : Just Faith - )           »          307 – الحب والخوف - آن هامبسون -روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          عمل غير منتهي (85) للكاتبة : Amy J. Fetzer .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          خريف الحب / للكاتبة خياله،،والخيل عشقي (مميزة) (الكاتـب : لامارا - )           »          عن الحكيم إذا هوى (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة في الغرام قصاصا (الكاتـب : blue me - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          إشاعة حب (122) للكاتبة: Michelle Reid (كاملة) (الكاتـب : بحر الندى - )           »          حنين الدم ... للدم *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : رؤى صباح مهدي - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree508Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-07-21, 06:09 PM   #1061

k_meri

? العضوٌ??? » 341004
?  التسِجيلٌ » Apr 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,235
?  نُقآطِيْ » k_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond repute
افتراضي


سلام الفصل متى ينزل

k_meri غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-21, 02:03 AM   #1062

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9

كل سنة وحضراتكم طيبين وبخير



الفصل المائة واحد وأربعون



بين الحقول المتفاوتة في مساحاتها ومزروعاتها، تنقل بغير حماس في معظم الأوقات، مع من جاء بصحبتهم، لاكتساب خبرات جديدة خلال اتفاقات التجار الأولية مع أصحابها. كانت الكلمة عقد، والعقد في عرفهم يعني التزامًا كاملاً لا يفضه إلا الموت. صعد "تميم" إلى عربة النصف نقل، وجلس إلى جوار السائق نافخًا بزفيرٍ مرهق، فاليوم هو العاشر له منذ أن طلب منه جده تنفيذ خطته في الابتعاد الاضطراري، والاختفاء غير المبرر عن محيط مهجة قلبه.

كان ينكوي بألم الحب وهو يدعي كذبًا خلال تواجدها بالمطبخ، أنه لن يضغط عليها للموافقة على طلبه بناءً على ما أخبره به جده. لم يكن ليمانع مُطلقًا باتخاذ كافة السبل، بفعل المستحيل، فقط لينال محبتها؛ لكن على ما يبدو السبيل إلى قلبها كان محفوفًا كالعادة بالمشاق. عاد "تميم" من شروده على صوت الحاج "لطفي" القائل من مسافة قريبة منه:

-تعبناك معانا.

استدار برأسه ناحيته، وهمَّ بالترجل من العربة لولا أن أشار الأخير له ليبقى، ثم علق بابتسامةٍ باهتة:

-لا متقولش كده يا حاج.

ابتسم له "لطفي" وهو يتابع ملوحًا بذراعه في الهواء:

-جدك موصيني تاخد خبرة، ما هو ياما كان بيطلع معانا الطلعات دي.

حك "تميم" مقدمة جبينه معلقًا في تعجبٍ:

-الصراحة أنا شوفت فروقات في السعر كبيرة عما بنشتري من سوق الجملة.

أومأ برأسه مكملاً في تفاخرٍ:

-أيوه، في ناس حبايبنا، من زمن الزمن بيبوعلنا، وطبيعي يكرمونا في السعر، وإن شاء الله الزرعة كلها لينا لما ربك يطرح فيها البركة.

هتف في استحسانٍ:

-الله يكرمنا جميعًا.

خاطبه "لطفي" وهو يسير متجهًا للعربة الأخرى:

-احنا هنريح في الطريق حبة، وبعد كده نكمل مشوارنا.

هز رأسه معقبًا:

-ماشي يا حاج.

ثم طرق بيده على باب العربة مُحدثًا السائق:

-بينا ياسطا.

بدأت العربات في التحرك واحدة تلو الأخرى على الطريق الفرعي غير المُعبد، ليتجهوا جميعًا منه إلى الطريق الرئيسي.

...............................................

بعد نصف ساعة من القيادة في قيظ النهار الحار، والمرور على بضعة مزارعين ممن اتفقوا على الاجتماع بهم، توقفت كافة العربات بالقرب من إحدى الاستراحات المقامة على الطريق. ترجل "تميم" من عربته، ليلقي نظرة شاملة على المكان، وقعت أنظاره على إحدى الشاحنات التي بدت مألوفة له، سرعان ما تشكل على وجهه المتعب ابتسامة مشرقة، ليلتفت بعدها ناظرًا إلى من خاطبه بودٍ وحميمية:

-سبحان من جمعنا من غير ميعاد.

امتلأت نظرات "تميم" بالفرحة لرؤية رفيقه المقرب "منذر" يفتح ذراعيه لاستقباله، أقبل عليه يحتضنه قائلاً:

-حبيبي.

بادله التحية الحارة، وتراجع عنه متسائلاً في اهتمامٍ:

-عامل إيه يا سيد المعلمين؟ جاي النواحي دي ليه؟

أجابه وهو يحاول حجب أشعة الشمس عن عينيه:

-شغل بخلصه مع رجالة السوق ...

ثم سأله:

-بس إنت بتعمل إيه بعيد عن الوكالة؟

وضع "منذر" نظارته على عينيه، وأجابه:

-نقلة بوردها لوكيل لينا ماسك الناحية دي.

أشــار "تميم" بيده نحو الأمام متابعًا:

-خلينا نقعد جوا.

رد مشترطًا عليه:

-ماشي، بس المشاريب على حسابي، إنت وكل اللي معاك تعتبروا في منطقتي.

ضحك قائلاً في سرور:

-مش هردك

تحركا معًا نحو إحدى الطاولات الفارغة، وأشار "تميم" للعامل ليأتي للمتواجدين معه بما يريدون، ثم يحضر له كوبًا من الشاي. تساءل "منذر" وهو يتطلع إلى رفيقه بنظرة مستفهمة:

-إيه جديدك؟

تقلصت المسافة ما بين حاجبيه متسائلاً:

-جديدي في إيه؟

ابتسم "منذر" موضحًا له:

-مش ناوي تكمل نص دينك.

تنهد على مهلٍ قبل أن يجيبه:

-ربنا يسهل.

مازحه في تسلية وهو يلكزه في ساعده:

-ولا خايف تتجوز تاني.

قال نافيًا على الفور:

-لا مش كده، بس لسه ربنا مأذنش.

أعطى "منذر" بقشيشًا للعامل الذي أحضر له زجاجة مياه معدنية، وواصل الحديث معه:

-لعلمك أنا وإنت فينا حاجات كتير شبه بعض، اتجوزنا قبل كده، حريمنا اتاخدوا غدر.

رد عليه "تميم" بتعابيرٍ فاترة:

-الله يرحم الجميع يا رب.

أمن بعد في تعجلٍ:

-يا رب.

ما لبث أن بدت نبرته مليئة بالفرحة وهو يكمل:

-بس عايز أقولك عوض ربنا كان حلو، وجميل.

تقوست شفتا "تميم" عن ابتسامة صغيرة، بينما استمر "منذر" في كلامه مسترسلاً:

-الواحد صبر، واستحمل، رغم إن كان نفسي أحط على ابن "أبو النجا" بعد اللي عمله.

عادت ملامح "تميم" للتجهم وهو يقول:

-سمعته كانت سبقاه في اللومان.

ضاقت عينا "منذر" معقبًا بحذر:

-بلغني إنك اتعاركت معاه جوا.

بنوع من العنجهية أوضح له وقد لاحت بسمة ساخرة على زاوية فمه:

-كتير، في الرايحة والجاية، مكوناش سايبين بعض لحد ما اتنقل .. فضنا منه، المهم كله عندك تمام؟

بدا "منذر" كما لو كان على وشك تقبيل راحة وظهر كفه وهو يردد:

-الحمدلله .. رضا، مافيش بعد كده.

ربت رفيقه على كتفه قائلاً في حبور:

-ربنا يزيدك من كرمه.

ارتشف "منذر" ما تبقى في كوبه، ليخبره، وهذا الوهج الغريب يطل من حدقتيه:

-تعرف، اتقابلت أول مرة أنا ومراتي في مكان زي كده، لو أقولك على الفصل البايخ اللي اتحطينا فيه، بس الحمدلله عدت على خير.

حافظ "تميم" على جمود تعابيره وهو يخاطبه:

-ما محبة إلا بعد عداوة.

ضحك عاليًا بعض الشيء قبل أن يقول وسط ضحكاته في سعادة لا يمكن إنكارها:

-مافيش أحلى من كده محبة.

ساد الصمت للحظاتٍ قبل أن يقطعه "تميم" قائلاً في غموض:

-صحيح عارف الحاج "إسماعيل"، صاحب الحاج "فتحي".

اكتست تعابير "منذر" بالجدية وهو يسأله:

-أيوه، ماله؟

هتف يخبره في سخطٍ:

-لو أقولك على ابنه، الصراحة يخليك تجيب من الأرض وتحط عليه.

وافقه الرأي وهو يقول:

-عارفه اللطخ اللي اتقابلنا معاه يوم عزا جماعتك، ده بني آدم (...).

دمدم "تميم" مضيفًا:

-كويس إنك فاكره، حد أعوذ بالله منه.

لم يفهم "منذر" سبب انتقال الحوار للحديث عنه؛ لكنه بادر بإخباره بعزمٍ شديد:

-وربنا كنت هاجيب رقبته، لولا الظروف اللي كنا فيها، مضايقك في حاجة، قولي وأنا رقبتي.

أشعل "تميم" سيجارة أخرجها من العلبة التي كانت في جيب بنطاله، ليضعها بين شفتيها مرددًا:

-أنا ظبطته، إياكش يتهد.

تفرس "منذر" في وجهه متسائلاً بنوعٍ من الشك، وقد شاركه التدخين:

-بس إنت مقولتليش الدغوف ده مضايقك في إيه؟

لاذ بالصمت مُطبقًا على شفتيه، وقد ظهر التردد على محياه. وضع "منذر" يده على كتفه مؤكدًا عليه:

-سرك في بير.

كاد "تميم" يجن من كبته لمشاعره، ناهيك عن بُعده عنها، لهذا لفظ دفعة من الدخان الحارق عن رئتيه، وتشجع مغمغمًا في حذرٍ:

-كان في كلام على قريبته، وهو شكله حاطط عينه عليها.

تجاهل رفيقه الجزء الأخير من كلامه ليسأله في تسليةٍ وهو يغمز بطرف عينه:

-أوبا، هي الصنارة غمزت ولا إيه؟

انقلبت تعابيره وهو ينطق:

-ولا الهوا حتى، بس سايبها على الله.

فرك "منذر" راحتيه معًا قائلاً بابتسامة عريضة:

-إن شاءالله خير، عايزين نقوم معاك بالواجب.

ردد في رجاءٍ:

-يتم المراد الأول.

قال وهو يجمع أشيائه عن الطاولة:

-هه، يا مسهل.

ألقى "تميم" نظرة من خلف كتف رفيقه ليجد أيضًا من معه يستعدون للرحيل، لملم متعلقاته هو الآخر مودعًا إياه:

-شكل الرجالة ماشيين، كانت صدفة حلوة يا "أبو زين".

صافحه الأخير أولاً قبل أن يجذبه إلى حضنه هاتفًا في ودٍ شديد:

-ربنا يكتر من الصدف الحلوة، وهستنى تليفون منك تبشرني فيه.

عفويًا احتل ثغره بسمة عذبة وهو يقول:

-يا رب يا كريم.

افترق الصديقان على وعدٍ بلقاءٍ قريب، وبقي القلب مشغولاً بوليفه البعيد.

.................................................. .......

لم تعد تحسب عدد المرات التي أطلت فيها برأسها من بلكون غرفة الأطفال في منزل توأمتها، لتنظر إلى سيارته المصفوفة عند الناصية بنظراتٍ جمعت بين الحزن والقلق، فقد حُرمت من رؤيته منذ عقد قران شقيقته، ظنت أنه سيظهر لاحقًا؛ لكن مضت الأيام قاسية، جافة، وطويلة بدونه، حقًا صدق الجد في تنفيذ وعده لها، ويا ليته ما فعل!

استندت "فيروزة" بمرفقيها على حافة السور، واشرأبت بعنقها للأسفل محاولة اختلاس النظرات إلى شرفة غرفته القابعة أسفلها، لسوء حظها كان المكان معتمًا، وخاليًا من أدنى أثر لوجوده. تملكها الإحباط، واستقامت واقفة لتتساءل مع نفسها في خيبةِ أمل:

-هو راح فين؟

فركت طرف ذقنها، وظل عقلها يتساءل في لوعةٍ:

-طب هو غاب عني ليه؟ للدرجادي مكانش عايزني.

انتشرت في رأسها الهواجس المزعجة، وكلما حاولت مغالبتها فشلت فشلاً ذريعًا، ليظل هو الحاضر الغائب في ذهنها. اليوم العاشر على وشك الانتهاء، وهي تواظب على الحضور يوميًا لشقيقتها دون أن تلتقي به حرفيًا، استغلت حُجة توضيب متاعها في صناديق كرتونية لنقلها للمنزل الآخر، كوسيلتها المتاحة للمجيء دون إثارة الريبة، ومع هذا زادها هجره من شعور الوَحشة بداخلها. تركت الشرفة، وعادت إلى الغرفة فاقدة للرغبة في فعل شيء، تحركت نحو الصالة، إلى حيث تجلس توأمتها، رأتها وهي تغلف الكؤوس بأوراق الجرائد لحفظها. جلست على الأريكة المقابلة لها، وسألتها بفتورٍ:

-فاضيلك أد إيه في النيش؟

أجابتها "همسة" دون أن ترفع رأسها عن الصندوق الذي ترص فيه المقتنيات الزجاجية:

-نصه تقريبًا.

تطلعت "فيروزة" إلى (النيش) بنظرات فاحصة، قبل أن تخبرها:

-يوم ولا اتنين وهايكون خلصان.

امتدت يد "همسة" لتمسك بمفكرةٍ صغيرة إلى جانبها، أعطتها إلى شقيقتها موضحة:

-بصي أنا عاملة نوتة بترقيم كل كرتونة، وكاتبة إيه اللي جواها، بحيث يسهل علينا فيما بعد لما نرصص الحاجة.

استحسنت حُسن تفكيرها، فقالت مادحة:

-كويس أوي، شطورة يا "هموسة".

خيم الصمت بينهما من جديد إلا من صوت التلفاز الصادح، لم تكن "فيروزة" منتبهة لما يعرض عليه، تفكيرها منصب عليه وحده، أوشك عقلها على الانفجار من كثرة الحيرة والقلق. حانت منها نظرة جانبية نحو "همسة"، كانت بحاجة لإشباع فضولها، علَّها تنشد السلام، ترددت في سؤالها، وقبل أن تتراجع عن تلك الفكرة الطائشة، سبقها لسانها في الكلام:

-بأقولك صحيح، أنا بقالي فترة مابشوفش المعلم "تميم" ..

حاولت أن تجعل جملها سريعة، مرتبة، وعلى نغمة واحدة حتى لا ترتاب في أمرها، وأكملت الناقص بنفس الثبات:

-ولا حتى في الدكان، هو عيان ولا حاجة؟

جاءها الرد تلقائيًا:

-لأ، مسافر.

انعقد حاجباها بشدة وهي تردد مصدومة:

-مسافر؟

أومأت "همسة" برأسها عندما جاوبتها:

-أيوه، "هيثم" كان قالي كده.

تلقائيًا اندفع السؤال التالي من جوفها:

-وسافر ليه؟ متعرفيش؟!

رفعت شقيقتها رأسها إليها، وأجابتها بنظراتٍ مرتابة:

-تقريبًا كلفوه بشغل جديد، هو إنتي عاوزاه في حاجة؟

حمحمت وهي تدعي بحجة غير حقيقية:

-ده المحامي كان عايز يديله ورق يخصه.

لم تشك في أمرها، واستطردت تخبرها:

-بصي هو معظم الوقت "هيثم" بيغطي مكانه، حتى تلاقيه معدتش بيرجع البيت زي الأول، يعني مقسم وقته عندهم، وشوية عند محله، ويطلع بعد كده على الشقة.

بتعابيرٍ غلفتها التعاسة علقت عليها "فيروزة":

-ربنا معاه.

قبل أن تفقد الباقي من شجاعتها تساءلت مرة أخرى:

-ومتعرفيش هيرجع إمتى؟

تداركت لهفتها الظاهرة بشكلٍ غريب في نبرتها لتوضح بتمهلٍ، وبطريقة ملتوية؛ وكأن الأمر لا يعنيها، بعد أن ركزت عينيها على التلفاز لئلا تفضحها نظراتها التواقة:

-آ.. عشان يعني.. يخفف الحمل عن جوزك، وأديله ورقه.

هزت كتفيها قائلة:

-معنديش خبر.

تصنعت الابتسام وهي تقول:

-ربنا معاهم.

طاف الحزن على وجه "فيروزة"، وزحف إلى عينيها، لم تكن هكذا من قبل، لم يشغلها أحدهم بتلك الصورة، للحظةٍ تذكرت تفكيرها في أمره وقت غربتها، شعور اللوعة الذي استبد بها آنذاك كان في تلك اللحظات أضعاف ما عانته. أراحت صدغها على كفها وهي تسند كوعها على مسند الأريكة، ثم حملقت بعينين تائهتين في التلفاز، كأنما تتابع ما به. لم تبعد نظراتها عنه و"همسة" تسألها:

-أخبار محلك إيه؟

أجابت في فتورٍ كبير:

-شغال.

ردت عليها متسائلة في نبرة مهتمة:

-لسه مصممة تعملي الافتتاح الرسمي؟ مش المحل الناس عرفت إنه شغال وخلاص؟

نظرت إليها قائلة بعد أن أخفضت ذراعها:

-الحاج "بدير" مصمم، وأنا مش عايزة أزعله.

ابتسمت "همسة" وهي تمتدحه:

-بصراحة راجل ذوق، وكريم جدًا، حقيقي عمل معانا كتير.

أكدت عليها توأمتها بما يشبه الابتسامة الباهتة:

-ولسه بيعمل والله.

تنهدت "همسة" مضيفة بنبرة راجية:

-ربنا يخليه لينا، عوضنا كتير عن اللي ناقصنا.

أحست "فيروزة" بالكآبة تتسلل إليها، ولم تحبذ أن تظهر علامتها على ملامحها، مما يجعل شقيقتها تحاصرها بأسئلتها الفضولية، لهذا كان الخيار الأنسب حاليًا الرحيل. نهضت من مقعدها قائلة:

-طيب يا "هموسة"، أنا يدوب هاقوم، هحاول بكرة أجيلك بعد ما أخلص.

قامت "همسة" ببطءٍ ملحوظ، واعترضت عليها:

-مالوش لازمة، كفاية ماما بتيجي الصبح، كده تعب عليكي زيادة.

أقبلت عليها تحتضنها وهي تصر عليها:

-لأ يا حبيبتي، أنا مبسوطة لما بأجي عندك.

حافظت على بسمتها الرقية وهي تتم جملتها بنوع من التشديد:

-خدي بالك من نفسك، وسلامي للبيبي اللي جوا.

عفويًا وضعت "همسة" كلتا يديها على بطنها المنتفخ تتلمسه في حنوٍ وهي ترد:

-حاضر يا "فيرو".

.................................................. ......

بغير همةٍ هبطت الدرجات وهي تجرجر قدميها، وحين أصبحت على بُعد بضعة خطواتٍ من بسطة منزله، ذهبت عيناها إلى الباب المغلق، تجمدت لوهلةٍ على الكتلة الخشبية، كأنما تفتش عنه بين طياته، توقفت "فيروزة" عن الحركة، وباتت جامدة لبعض الوقت، يدها قابضة على الدرابزين، تتأمل الفراغ بشرودٍ واجم، وهذا الصوت المُلح يتساءل في رأسها:

-بعدت ليه؟

شهقةٌ شبه مسموعة تحررت من بين شفتيها عندما التفتت كليًا لتكمل سيرها وقد رأته واقفًا عند بداية البسّطة قبالتها، لم يعد ما تراه من وحي الخيال، بل كان حقيقيًا، ملموسًا، يمكن الشعور به، فـ "تميم" بشحمه ولحمه حاضرًا بعد غيابه الطويل. خفق قلبه بشدة، حتى كاد من صوت ارتفاع خفقاته أن يصم أذنيها، تحشرج صوتها وهي تسأله بنبرةٍ بدت معاتبة عنها مستفهمة:

-إنت كنت فين؟

بصعوبةٍ طاف ببصره عنها ليرد في لهجةٍ رسمية:

-الناس بتقول سلام عليكم الأول.

أحرجها بجموده المريب، فقالت في تلعثم وخجل انعكست آثاره على بشرتها المشتعلة:

-سلام عليكم، أنا كنت..

وكأن الكلمات طارت من رأسها فلم تعرف كيف تبرر له سؤالها النزق، تنفست بعمقٍ، وأخفضت رأسها معللة بغير صدق:

-يعني عشان تحضر افتتاح المحل .. مع العيلة.

إن كنت كذوبًا، فكن ثابتًا، لم ينطبق هذا معها، اللجلجة بدت واضحة للغاية في نبرتها. استنشقت الهواء بعمقٍ، وتجرأت لتنظر إلى وجهه الذي اشتاقت لرؤيته، فوجدته لا ينظر ناحيتها، بل كان يعاملها بجفاءٍ معذبٍ لها، حاولت التركيز معه حين نطق موجزًا:

-مبروك.

أمام هذا البرود شعرت بالضيق والحنق، سرعان ما تكونت غصة مؤلمة في حلقها، جرحتها بقوة وهي تراه يتجاهلها بهذا الشكل الفج، تجاوزته بالمرور من جواره وهي تعلق باقتضابٍ حفظًا لماء وجهها:

-شكرًا.

منع "تميم" نفسه من النظر ناحيتها، واستمر في تعاليه المستفز حتى هبطت عن الدرجات بخطواتٍ سريعة كانت مسموعة إليه. حينها فقط سقط القناع عن وجهه، واندفع ينظر من الدرابزين إليها بقلبٍ يدق في ألمٍ وغيظ، عنف نفسه لوقاحته، كيف له أن يعاملها بهذه الخشونة؟ أبعد كل هذا الانتظار يُقابل طاووسه ببرودٍ زائف وكأن نيران الشوق لم تحرقه؟ كور قبضته، وضرب بها الحاجز بغلظةٍ وهو يلوم نفسه من بين أسنانه:

-يا غبي!

آهٍ لو كان يملك الحق في استرضائها، لما تركها أبدًا تذهب هكذا! لكن جده أوصــاه ألا يبدو متلهفًا في وجودها، عليه بالتحلي بفضيلة الصبر، مع القليل من الجفاء حتى تكتشف بنفسها مشاعرها نحوه، عندئذ ستهون كل الصِعاب.

.................................................

ارتعدت تحت دفقات الماء المنهمر على جسدها وهي تستحم، كانت وسيلتها لإخفاء نوبة بكائها غير الطبيعية، كتمت بيدها لأكثر من مرة صوت نهنهاتها الغادر، أطالت في مدة اغتسالها حتى تستكين، ووضعت يدها على صدرها تتحس قلبها المتألم، أزاحت الماء عن وجهها، وتساءلت:

-إنتي زعلانة ليه؟

جففت جسدها، ولفته بالمنشفة، ثم تطلعت إلى ملامحها المشوشة في انعكاس المرآة، مسحت البخار عنها لتحدق في وجهها بنظراتٍ مهمومة، ثم أكملت تبريرها:

-المفروض الموضوع منتهي.

احتدت نظراتها، وبرز الغضب في عينيها بو ضوحٍ وهي تواصل الحديث مع نفسها:

-بس أنا مقولتش لأ، ده جدي "سلطان" هو اللي قال كده.

تهدل كتفاها في إحباطٍ، وأردفت عن يأس:

-مش كان صبر شوية.

أدارت جسدها للجانب لتنظر إلى التشوه في كتفها، رفعت يدها لتتحسسه، وهي تؤكد لنفسها:

-واستحالة يكون ده السبب عشان ما يرضاش بيا.

تردد صدى كلمات طبيبتها في رأسها لتذكرها بأنها ليست المُلامة في إفشال زيجتها، بل كان الطرف الآخر فاقدًا لمقومات إنجاح العلاقة الزوجية، واستغل إصابتها لمواراة علته الخطيرة. كررت على مسامعها بصوتٍ خفيض حتى لا تستبد بها هواجسها:

-دكتورة "ريم" معاها حق، العلاج موجود جوايا، مش لازم أسمح لحد يقلل من ثقتي بنفسي.

عاد طيف "تميم" يستحوذ على عقلها، وجفائه الأخير ما زال تأثيره منعكسًا عليها، انقلبت تعابيرها قائلة بنبرتها الهامسة:

-بس هو المفروض يبقى عنده ذوق ويكلمني كويس.

جمعت خصلات شعرها النافرة، وسوتها بيديها وهي ما زالت تخاطب نفسها:

-يمكن جده منبه عليه، هو آخر مرة قالي كده.

مطت شفتيها للحظةٍ، وتابعت كأنما استغرقت في أفكارها التحليلية:

-ما جايز كان مستني يسمع الرد مني، هو صحيح فاجئني، وأنا وقتها مقولتش رأيي، بس هو مصبرش، والنهاردة مادنيش فرصة أكلمه.

لكزت مقدمة رأسها بيدها في توبيخٍ شبه حاد:

-أنا معنديش مخ ولا إيه؟ ما هو لسه راجع من سفره الغريب ده، المفروض يكون عندي تمييز، هيلحق يكلمني إزاي يعني؟

عبست مرددة مع نفسها:

-على الأقل كان يسأل عني.

نفخت في سأمٍ، واستدارت مبتعدة عن المرآة وهي تكلم نفسها:

-أنا زهقت، ليه العذاب ده؟ عملت فيا إيه عشان أبقى كده؟

انتفضت مفزوعة على صوت والدتها المنادي من الخارج:

-يالا يا "فيروزة"، كل ده يا بنتي؟ بتعملي إيه عندك؟

ردت عليها بصوتها المرتفع:

-حاضر يا ماما خارجة أهوو.

أمسكت بالممسحة، وأزاحت بها الماء المتجمع بالأرضية نحو البالوعة، لتردد بهسيسٍ:

-مسيري اتقابل معاه تاني.

.................................................. ...

امتلأ قلبه بأطنانٍ لا حصر لها من الحنين والشوق إليها، هذا النوع من الهروب السخيف غير مجدي معه، أصبح على شفا الجنون من الانتظار الطويل، أنى له أن ينتهي؟ دار "تميم" في غرفة جده يذرعها جيئة وذهابًا وهو يشكو صبره غير النهائي:

-دخلنا في أسبوعين يا جدي، وأنا عامل فيها هندي، بس خلاص أعصابي تعبت ...

تطلع إليه "سلطان" بتمعنٍ، وفي صمت، وهو ما زال مستمرًا على شكواه:

-حتى الافتتاح بتاعها مش عارف أحضره، وأبويا نفسه مستغرب.

توقف عن الالتفاف حول نفسه ليجلس على طرف الفراش قائلاً بتبرمٍ:

-ده تلاقيه شاكك إني بحبها أصلاً.

بدا الجد هادئًا للغاية وهو يسأله بحاجبٍ مرفوع للأعلى قليلاً:

-طب وقاعد كده ليه؟

ظن أنه يهزأ منه، فأجابه في سخريةٍ مريرة:

-هنزل أروح فين؟ ما إنت عارف اللي فيها يا جدي.

أشار "سلطان" بعكازه نحو الدولاب يأمره:

-طلعلي القفطان الجديد من جوا.

نهض واقفًا، وسأله في حيرة:

-هتنزل ولا إيه؟

ابتسم الجد في سرورٍ وهو يجيبه:

-أيوه .. هاحضر الافتتاح.

ظهر الغيظ على ملامحه، وهمهم في خفوت:

-يا بختك يا جدي.

سرعان ما قفز قلبه يرقص في فرحةٍ عارمة، وجده يضيف:

-وإنت جاي معايا.

برقت عيناه، وأشرقت تعابير وجهه وهو يسأله ليتأكد مما سمعه:

-بجد؟

بنفس الهدوء الوقور أخبره:

-أيوه يا واد، ويالا عشان منتأخرش.

اندفع نحو ضلفة الدولاب لإحضار ثياب جده مهللاً في حماسٍ رهيب:

-على طول يا جدي.

...............................................

بعض الصفقات الرابحة مع عشرات الزبائن نالتها خلال الأيام الماضية؛ لكنها لم تشعرها بالسعادة، ظلت تفتقد لهذا الإحساس، للغرابة إن كان نجاحها في سوق العمل قبل بضعة أشهر لاختلف شعورها الآن! تنهدت "فيروزة" بعمقٍ، ونظرت إلى الحشد المتجمهر بداخل دكانها وخارجه، حمدت الله أنها استعانت بفتاتين من المنطقة لمساعدتها في إنجاز الأعمال، وإلا لأرهقها ما كُلفت به بالإضافة مع تفكيرها غير المتوقف عنه.

كان الافتتاح كبيرًا إلى حدٍ ما، حيث ازدانت الطرقات المؤدية إليه بالمصابيح الملونة، وأيضًا بالبالونات الضخمة المدون عليها عبارات التهنئة، والتي كانت غالبيتها من عائلة "سلطان"، فيما عدا قلة متناثرة من الجيران في المنطقة، أمام عند مدخل دكانها، فقد تم وضع بضعة أعمدة جرانيتية على الجانبين، ويملأ الفراغ بينهما سجادة طويلة من اللون الأحمر، لصنع ممر صغير إلى الداخل، كذلك صدح صوت الموسيقى من مشغل الأسطوانات بشكلٍ أزعج الجميع، إلا أنها طلبت من المسئول عنه إخفاض الصوت.

تراصت المقاعد الخشبية على طول الرصيف، وفي الشارع أيضًا، جلس "خليل" وإلى جواره "همسة"، ووالدتها، والصغيرة "رقية"، وهناك مقعد محجوز لـ "هيثم" حين يأتي للجلوس في وقتٍ لاحق. بدأ الزوار في القدوم للتهنئة، تارة تجد بعضهم بالداخل، وهناك من يجلس بالخارج؛ لكن استمتع الجميع بما تم تقديمه من حلوى ومشروبات غازية باردة، كتفصيلة أساسية وهامة خلال الافتتاح كما أمر الحاج "بدير".

بعد مُضي ما يزيد عن الساعة، وقفت "فيروزة" خلف الطاولة الموضوعة في الواجهة بنهاية مساحة دكانها، تراقب الوافدين بعينين تتقدان في لهفةٍ حين تسمع صوت الترحيب بأحدهم متوقعة أن يكون ضمن القادمين؛ لكن ما لبث أن يختفي هذا الوهج مع اكتشاف عدم حضوره، أطلقت زفرة ثقيلة من صدرها وهي تتساءل بين طيات نفسها:

-مش معقول كل المدة دي ومظهرش فيها؟ للدرجادي ندمان إنه آ..

توقفت عن تفكيرها التشاؤمي حين سألتها إحدى السيدات:

-بكام دي؟

أدارت رأسها للخلف، وتطلعت إلى البلورة التي تشير إليها، ثم أجابتها وهي تعاود النظر إليها:

-بـ 25 جنية.

رأت السيدة تناقش واحدة واقفة إلى جوارها

-سعرها حلو، احنا ممكن نجيب منها ....

أبعدت أنظارها عنها لتهمس بصوتٍ بالكاد فارق شفتيها:

-حتى الافتتاح مجاش فيه.

ناداتها إحدى الفتاتين بصوتٍ شبه مرتفع لتتغلب على الصخب المنتشر:

-يا أبلة "فيروزة"!

ندائه الحصري الذي بات محببًا إليها كان مختلفًا عن كل مرة، غيره يناديها به، فكان فاترًا، غير مستساغٍ على أذنها، التفتت ناظرة إلى البائعة الأخرى وهي تسألها بعينيها دون كلام، فأخبرتها البائعة:

-بكام اللفة دي؟

أجابت بعد نظرة فاحصة لما تشير إليه:

-بـ 30 جنية.

تحركت عينا "فيروزة" نحو الباب مجددًا، تتطلع إليه في وجومٍ، شعرت بلمسة رقيقة على ذراعها، فاستدارت للجانب لتجد والدتها تكلمها في توجسٍ:

-إنتي مش مركزة خالص النهاردة، في حاجة يا بنتي؟

ابتسمت وهي ترد:

-لأ يا ماما، أنا كويسة.

تفرست "آمنة" في ملامحها وهي تقول:

-بس وشك مش باين عليه، على طول شاردة.

اتسعت حدقتاها في توترٍ، خشيت من اكتشاف أمرها، فتنحنحت قبل أن تختلق كذبة سريعة:

-ده بس عشان الواحد هبطان طول اليوم، من الوقفة الطويلة وكده.

ربتت على ظهرها في حنوٍ وهي تدعو لها:

-ربنا يقويكي يا حبيبتي، أدها وأدود.

اتجهت أنظارها مع والدتها التي خاطبت ابنة شقيقها:

-خدي بالك يا "كوكي" مش عايزين حاجة تتكسر.

توقفت الصغيرة "رقية" عن التحرك بفوضاوية، وقالت في عبوسٍ طفولي:

-متخافيش يا عمتو.

تشتت كل أنظارها عنها عندما سمعت والدتها تهتف مرحبة بحرارة:

-حاج "سلطان" اتفضل.

وكأن ترف الحياة ومتعها قد مُنح لها في اللحظة التي تحول بصرها نحو الباب لتجده واقفًا خلف جده في عِزة وشموخ، لم تستطع إبعاد عينيها عنه، كأنما تعوض ما فاتها بغيابه المريب، ولدهشتها كان يبادلها النظرات الدافئة المليئة بشيء نفذ قبل دهرٍ إلى داخلها! تلك النظرات التي اعتادت عليها منه، ولم تكن ممانعة من تحديقه، بالكاد باعدت عينيها عنه والجد يخاطبها:

-أنا جايب العيلة كلها معايا يا "فيروزة".

سرعان ما شملت من جاءوا بصحبته بنظرة جمعت بين الحرج والتوتر، كيف لم تنتبه إلى مجيء أفراد عائلته؟ ألتلك الدرجة حجب عنها "تميم" بحضوره الطاغي من سواه؟ اكتسبت بشرتها حمرة خجلة، وقالت في صوتٍ شبه مهتز:

-يا أهلاً وسهلاً، نورتم.

بادرت "ونيسة" بتهنئتها أولاً، ثم لحقت بها "هاجر"، ومن بعدهما "سراج"، ليمد "بدير" يده لمصافحتها قائلاً في فرحةٍ:

-مبروك يا بنتي، يجعله فاتحة خير عليكي يا رب.

قالت وهي تبادله المصافحة:

-الله يبارك في حضرتك.

تكلم الجد بصيغة من يقرر، وهو يدفع بذراعه المتأبط حفيده للأمام، ليبدو قريبًا منها:

-بصي بقى، احنا من عوايدنا لما يبقى حد عزيز أوي علينا، وربنا كرمه ندبحله حاجة كده، ونطلعها لله.

انفرجت شفتاها في دهشةٍ، وهتفت معترضة:

-ده كتير يا جدي.

أشار بيده للخلف حاسمًا جدالها قبل أن يبدأ:

-ولا كتير ولا حاجة، الرجالة هتنزل العجلين جمب الدكان وتفرق على الغلابة، خلي الكل يفرح معانا.

فردت "آمنة" ذراعها لتشير إلى ضيوفها بالجلوس:

-اتفضلوا يا جماعة.

انسحبوا واحدًا تلو الآخر ليظل "تميم" باقيًا معها، ظهر التردد عليها، خاصة مع نظراته الشغوفة ناحيتها، بلعت ريقها وسألته وهي تتجنب النظر إليه عن هذا القرب الخطير:

-إزيك؟

أجاب وهو يستقيم في وقفته ليبدو أكثر طولاً:

-الحمدلله، مبروك عليكي الافتتاح، وربنا يوفقك.

ردت ببسمة صغيرة وهي ترمش بعينيها:

-الله يبارك فيك.

توقعت أن يتجاذب أطراف الحديث معها؛ لكنه ظل صامتًا، نظرت إليه من طرف عينها، لمحته وهو يتطلع إليها بإشراقة تجبرها على الاستدارة والنظر إليه ملء عينيها، مثلما تحب أن تراه دومًا، ضغطت على إبهامها بسبابتها، بدت متحيرة في اتخاذ قرارها الآن، قاومت ترددها باستبسالٍ غريب، فربما لن تواتيها الفرصة لإخباره برأيها النهائي. لفظت كتلة من الهواء سريعًا، واستطردت قائلة في تعجلٍ لا يخلو من التلعثم:

-آ.. كنت عايزة آ..

شجعها على الكلام قائلاً في هدوء:

-اتفضلي، سامعك.

لم تمتلك من الجراءة ما يحثها على النظر إليه في هذه اللحظة وهي تخبره:

-إنت كنت سألتني عن حاجة من فترة، وأنا مردتش عليك.

سمعت صوت تنهيدته وهو يرد:

-أيوه، وآ...

قاطعته قبل أن يتم جملته قائلة في دفعة واحدة، ودون أن تنظر ناحيته:

-أنا موافقة، شوف هتكلم خالي إمتى.

استحثها فضولها على رؤية تعابير وجهه، لذا اختطفت نظرة سريعة إلى ملامحه، فرأت في قسماته سعادة الدنيا بأسرها، هربت من حصار نظراته الناطقة بصنوف الحب، لتقول وهي تبتعد:

-عن إذنك.

ردد "تميم" مذهولاً في عدم تصديقٍ، وعيناه تشعان بالهيام:

-دي قالت موافقة.

استدار باحثًا عن جده ليجده خلفه، فارتمى في أحضانه يضمه بشدة، وهو يصيح بابتهاجٍ متعاظم:

-وافقت يا جدي.

اشتهى حفيده تذوق السعادة بعد مشقةٍ، وجَلْد، وطول انتظار، وها هو يحظى في نهاية المطاف بجائزته الكبرى، لما لا يفرح وقد استحق ذلك؟ ربت الجد على ظهره ضاحكًا حتى برزت نواجذه، قبل أن يتراجع عنه ليمازحه:

-طبعًا الحضن ده كان لحد تاني مش ليا .............................................. !!!

.................................................. .....


منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 25-07-21, 08:34 AM   #1063

تغريد&

? العضوٌ??? » 458904
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 245
?  نُقآطِيْ » تغريد& is on a distinguished road
افتراضي

❤❤❤❤❤❤
😍


تغريد& غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-21, 09:00 AM   #1064

k_meri

? العضوٌ??? » 341004
?  التسِجيلٌ » Apr 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,235
?  نُقآطِيْ » k_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond repute
افتراضي

فصل رائع شكرا ⚘⚘⚘⚘⚘⚘⚘⚘⚘

k_meri غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-21, 02:56 PM   #1065

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 14 ( الأعضاء 6 والزوار 8)

‏موضى و راكان, ‏باااااااارعه, ‏زهرورة, ‏يوسف طنجة, ‏امينه علي, ‏samam1


ياه مشاعر الحب حلوة و اللهفة على المحبوب أحلى

تسلمى فصل جميل و حنين


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-21, 08:05 PM   #1066

Om noor2
 
الصورة الرمزية Om noor2

? العضوٌ??? » 445147
?  التسِجيلٌ » May 2019
? مشَارَ?اتْي » 267
?  نُقآطِيْ » Om noor2 is on a distinguished road
افتراضي

ياااااااه واخيرا زست 😁😁😁

Om noor2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-07-21, 12:45 AM   #1067

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





الفصل المائة واثنان وأربعون





بدت وكأن فراشات الحب تحلق فوق رأسها، فتوارت سريعًا عن الأنظار التي تلاحقها، خشية اكتشاف أمر قبولها غير المتوقع. اختبأت "فيروزة" وراء مكتبها، فجلست على المقعد، وتركت مهمة متابعة الزبائن وتلبية رغباتهم للفتاتين العاملتين معها. الزاوية الجالسة عندها لم تمكنها من رؤية "تميم" ومن معه، أمالت رقبتها لأكثر من مرة محاولة مراقبة ما يحدث؛ لنكها لم تتمكن رغم الفضول المستثار بها لتأمل تعابيره المبتهجة.

طردت الهواء من صدرها، وابتسامة نضرة تتراقص على ثغرها، يا ليت ذلك الشعور العارم بالفرحة يدوم للأبد! تحفزت في جلستها حين أقبلت عليها "همسة" تسألها بتطفلٍ:

-هو إنتي عملتي إيه يا "فيرو"؟

ادعت السذاجة، وردت متسائلة بنظراتٍ ثابتة:

-عملت إيه في إيه؟

سحبت المقعد من الجانب وألصقته بها خلف المكتب، وأجابتها على عجلٍ:

-عاملين على خالك رباطية كبيرة، والموضوع شكله يخصك.

استمرت "فيروزة" على ادعائها، وتساءلت:

-موضوع إيه؟ ويخصني إزاي؟

هزت كتفيها قائلة بتجهمٍ بسيط:

-ما أنا مش عارفة بالظبط، وعشان كده جاية أسألك.

ابتسمت في مكرٍ، ثم أجابتها بنظرة غامضة؛ لكنها مثيرة:

-شوية وهتعرفي.

زمت "همسة" شفتيها للحظةٍ، ثم دمدمت في حيرة:

-يا خبر بفلوس.

حافظت "فيروزة" على هدوئها الزائف، رغم الضجيج الثائر بداخلها، فالإقدام على مِثل تلك الخطوة الهامة في حياتها احتاجت لجهدٍ جهيد لاتخاذها، وها قد فعلتها!

...............................................

ساعد وجود بضعة مقاعد شاغرة إلى جواره على استقرار الجد "سلطان"، و"بدير"، ثم "تميم"، بعد اتفاقٍ سريع بين الثلاثة أولاً على مفاتحة خال العروس في مسألة خطبتها، ليكون طلبه وفقًا للتقاليد والأعراف المتبعة في مثل تلك المواقف الأسرية. جال "خليل" ببصره على وجوههم متسائلاً في تحيرٍ:

-خـ..ير؟

أجابه "تميم" ابتسامة أذابت ما اعتمر قلبه من لوعة سابقة:

-كل خير يا عم "خليل".

هتف "سلطان" قائلاً في حماسٍ:

-سمعونا الأول صلاة النبي.

ردد الجميع رغم تفاوت نبراتهم:

-عليه الصلاة والسلام.

أجلى "سلطان" أحبال صوته بنحنحة مسموعة، قبل أن يستأنف كلامه مخاطبًا "خليل" على مهلٍ وهو يشير بعينيه نحوه:

-شوف يا سيدي، حفيدي اللي قدامك ده، استخار ربنا، واتوكل عليه قبل ما يكلفني أفاتحك في موضوعه.

تحولت أنظاره نحوه قبل أن يرد بلعثمةٍ ملحوظة في نبرته:

-إنتو .. تـ..ؤمروا.

ابتسم الجد وهو يرد:

-الأمر لله وحده ...

ثم خاطب ابنه بلهجةٍ شبه آمرة؛ لكنها مازحة:

-ما تكمل إنت يا "بدير"، مش ابنك ده؟

أطلق "بدير" ضحكة قصيرة قبل أن يرد مبتسمًا:

-وده يصح يا حاج في وجودك، البركة فيك، ده إنت كبرنا.

كاد "تميم" أن يفقد صبره من المماطلة والمراوغة التي يقوما بها لإتلاف أعصابه، وقد انعكس هذا في نظراته العابسة نحوهما. عاد الجد ليتكلم في تريثٍ:

-ماشي .. احنا ملقناش أغلى ولا أعز من بنت أختك عشان حفيدي يتقدملها ويطلبها للجواز.

بديهيًا خمن عقله من المقصودة، ونطق لسانه باسمها، كأنما يفكر بصوتٍ مسموع:

-"فـ..فيروزة"؟

أومأ "سلطان" برأسه مؤكدًا:

-أيوه، هي اللي عليها العين والطلب.

في حين أضــاف "بدير" وهو يشير بيده:

-النهاردة بس مجرد فتح كلام، ونحدد معاك ميعاد مناسب نطلبها فيه رسمي حسب الأصول.

علق عليه والده مؤيدًا إياه:

-مظبوط، ما هو الأصول ماتزعلش حد.

ظهرت أمارات السعادة على وجه "خليل"، وأردف يخبرهم وهو يدور بنظراته على ثلاثتهم:

-احـ..نا نتشــ..رف بيكم.

رد عليه "تميم" في الحال، وقلبه يدق في لهفةٍ:

-الشرف لينا يا عم "خليل".

نظر إليه الأخير معقبًا بحذرٍ:

-بــ..س مش نـ..اخد رأيها الأول؟

هنا رد عليه "سلطان" مؤكدًا من جديد بتعابيره الجادة:

-طبعًا، ده لازم، هو في حاجة هتم من غير رضا العروسة؟ احنا نستأذن الحاجة والدتها تاخد رأيها، ولو ربنا رايد هنيجي نزوركم ونبل الشربات.

أراح صدره أجواء التفاهم السائدة، فالتفت برأسه للجانب لينادي على شقيقته:

-يا "آمـ..نة"!

جاءته الأخيرة سائرة بخطواتٍ شبه سريعة، نظرت إليه في استرابةٍ، قبل أن تسأله، وعيناها تتحركان على وجوه عائلة "سلطان" المحاوطة له:

-أيوه يا خويا.

تكلم ببطءٍ ليوضح لها:

-الحـ..اج "ســ..لطان"، والحـ..اج "بــ..دير" عاوزين يـ..خطبوا "فيروزة".

بمجرد أن سمعت نهاية جملته تبددت كافة مخاوفها السابقة بشأن احتمالية إلغاء "تميم" لعرضه، بدت قسماتها في تلك اللحظة تشع بالسرور، كما لو أنها حظت بالجائزة الأولى في اليانصيب، فهللت تلقائيًا في فرحةٍ كبيرة:

-يا نهار أبيض!

بالكاد منعت نفسها من إطلاقا الزغاريد ابتهاجًا بالنبأ السار، وحاولت السيطرة على انفعالاتها السعيدة وضبطها قدر المستطاع. استدارت "آمنة" برأسها نحو "بدير" عندما خاطبها:

-معلش يا حاجة هنتعبك معانا، تشوفي رأي العروسة إن كانت مرحبة عشان نمشي تبع الأصول.

هزت رأسها بالإيجاب قائلة:

-أيوه يا حاج "بدير"، هاروح أسألها.

شدد "سلطان" رافعًا سبابته نحو وجهها:

-على جمب كده، عشان ماتتحرجش.

قالت في طاعة:

-حاضر.

أدار "سلطان" وجهه نحو حفيده هامسًا له:

-ربنا يجعلها من نصيبك.

رد "تميم" بنفس الخفوت، وبابتسامة متسعة على الأخير:

-يــــا رب.

استمر أربعتهم في الحديث عن بعض التفاصيل الخاصة بالعمل في العموم، إلى أن أقبلت عليهم "هاجر" تاركة جانب النسوة، لتتساءل في فضولٍ وهي تميل نحو والدها:

-في إيه؟

بوجه بشوش وصوتٍ منخفض جاوبها "بدير":

-أخوكي نوى والنية لله إنه يتجوز.

برقت عينا "هاجر" في دهشة لا تخلو من فرحة، وسلطت كامل نظراتها على شقيقها متسائلة في مكرٍ عابث:

-مين يا ترى؟

ضيق "بدير" عينيه معقبًا بصوته الخفيض:

-يعني مش عارفة؟

ضحكت في تسلية قبل أن تعلق:

-لأ، بس حابة اتأكد.

هنا تكلم "تميم" في غيظٍ طفيف ظاهر على ملامحه:

-هي يا أم العريف.

حالة من الانتشاء والرضا غمرتها، لذا لم تمنع نفسها من تحرير زغرودة سعيدة لأجله، مما جعل الأنظار الفضولية تتجه نحوهم لمعرفة سببها. عاتبها "تميم" في نظرة صارمة وهو يكز على أسنانه:

-يا بنتي لسه، مافيش حاجة رسمي.

مازحته في استمتاعٍ وهي ترمقه بتلك النظرة المتسلية:

-ده أنا بزغرط لافتتاح المحل.

انضمت إليهم "ونيسة" بعد أن رأت ما فعلته ابنتها في العلن، مررت عينيها على أسرتها متسائلة في استغرابٍ:

-في إيه يا جماعة؟

اقتربت "هاجر" من والدتها، وأخبرتها في أذنها بعبارات موجزة بهذا الخبر السعيد، سرعان ما انعكست آثاره السعيدة على كامل وجهها، حينئذ التفتت ناظرة إلى ابنها بكل محبةٍ، وهتفت تسأله لتتأكد من صحة الأمر:

-بجد؟ خلاص يا ضنايا نويت؟

رد بهزة سريعة من رأسه:

-أيوه يامه ...

وقبل أن تستمر "هاجر" في استفزازه بأسلوبها العابث، هتف محذرًا وهو يقصدها تحديدًا بكلامه:

-نهدى بقى يا جماعة، ونستعين على قضاء حوائجنا بالكتمان، عشان الناس بدأت تبص علينا.

ردت وهي تبتسم ملء شدقيها:

-خلونا نفرح ونفرح الحبايب.

رمقها بتلك النظرة الجادة وهو يخبرها:

-هيحصل بس ننول الرضا الأول.

..................................................

تحركت حدقتاها مع إشارة الإصبع المرفوع أمام وجهها، والمصحوب بصوت تحذيرها الصارم بعدم الهبوط عن الرصيف، والاستمرار في اللهو بجانب مدخل الدكان، أومأت "رقية" برأسها في انصياع واضح لعمتها قبل أن تستأنف لعبها المرح مع مثيلاتها من بنات الجيران، في حين هرولت "آمنة" للداخل متجهة إلى ابنتها الجالسة وراء مكتبها هاتفة في حماسة متزايدة:

-يا "فيروزة"!

توقعت الأخيرة سبب لهفتها الواضحة، وحافظت على ثبات ردة فعلها، نظرت إليها متسائلة ببرودٍ؛ كأنها لا تعلم عن الأمر شيئًا:

-خير يا ماما؟

بينما تابعت "همسة" الحوار بينهما في بدايته بفتورٍ وغير اهتمام. واصلت "آمنة" التقدم حتى أصبحت مجاورة لها لتميل ناحيتها مرددة بلهاثٍ بائن في صوتها:

-عرفتي يا حبيبتي إن ابن الحاج "بدير" طالبك للجواز.

هنا شهقت "همسة" ذاهلة، وسلطت أنظارها المصدومة على توأمتها متمتمة في عدم تصديق:

-مش معقول؟ "تميم"!

استدارت ناظرة إليها بغموضٍ، وهذا السؤال الغريب ينطلق في عقلها، لماذا ينطق الناس بأسماء غيرهم دون ألقابٍ في حين يتعذر عليها هذا؟ أم أن للمسألة علاقة بالحب؟ حينها مجرد ترديد حروف الاسم على اللسان يعد كجهاز كشف لدرجات العشق في العاشق نفسه! انتبهت "فيروزة" لصوت والدتها المُلح عليها:

-ها يا بنتي رأيك إيه؟ الجماعة عاوزين يتقدموا رسمي، بس مستنين رأيك وموافقتك.

لم تعطها الجواب المباشر، وردت متسائلة ببرود أحرق أعصاب والدتها المتلهفة شوقًا لإتمام هذه الزيجة العظيمة:

-وخالي رأيه إيه؟

أخبرتها بتعابير احتوت على علامات القلق والترقب:

-هو اللي قال مش هيرد غير لما يسمع موافقتك الأول.

صمتت للحظاتٍ تتطلع إليها في هدوءٍ، أراحها قرار خالها الذي حافظ على حرية اختيارها، وفي نفس الوقت عزز من مكانتها، تنهدت مليًا قبل أن يأتيها ردها مصحوبًا ببسمة صغيرة ناعمة:

-قولي لخالي يتفضلوا في أي وقت.

لم تتمالك "آمنة" نفسها، ومالت على ابنتها تضمها إلى صدرها وهي تهتف في فرحةٍ شديدة:

-حبيبتي يا بنتي، ربنا يتمم على خير، صبرتي ونولتي.

ابتعدت عنها لتسرع في خطاها نحو الخارج حتى تُعلمه بقرارها السار، بينما حاوطت "همسة" شقيقتها بذراعها مرددة في حبورٍ كبير:

-الله! أنا فرحانة أوي عشانك يا "فيرو"، إنتي تستاهلي كل حاجة حلوة.

ثم تفرست في وجهها ورأت فيها لمحة من الغرور والثقة، فرفعت حاجبها للأعلى تسألها بنظرة متشككة:

-بس قوليلي، إنتي كنتي عارفة قبلها؟

هزت رأسها تجاوبها في ابتسامة ماكرة:

-يعني، حاجة زي كده.

قهقهت ضاحكة في سعادةٍ، لتردد بعدها بما يشبه الإعجاب:

-طول عمرك مش ساهلة يا "فيرو"!

أصوات أبواق السيارات الصادحة خارج الدكان، جعلت الأنظار كلها تتجه إلى حيث مصدر هذه الضوضاء الصاخبة. وضعت "فيروزة" يدها على ذراع شقيقتها تستحثها على النهوض بقولها، وعيناها تنظران نحو الحشد الذي زاد في تجمهره:

-تعالي نشوف في إيه.

.................................................

التعليمات كانت بسيطة ومحددة، تكليفه بابتياع اثنين من أجود أنواع المواشي وبمواصفات معينة من أجل ذبحها، وتوزيع لحمها على الفقراء، بعد الاتفاق مع أمهر الجزارين ومساعدين للقيام بهذه المهمة. نفذ "هيثم" المطلوب منه، وعاد إلى الزقاق في عربة ربع نقل تتبع المزرعة التي اشتراهما منها، وما إن بلغ وجهته حتى ارتفع صوت بوق السيارة ليعلن عن وصوله.

كان "سراج" في طريقه أيضًا لحضور الافتتاح، بعد أن أبلغته "هاجر" بمكانها، أراد إشباع عينيه من رؤيتها، والاطمئنان على صغيرها. استقبلته الأخيرة ببسمة مشرقة، وخفضت من رأسها في خجلٍ، خاصة حينما غازلها بالقرب من أذنها:

-وحشاني يا حتة من قلبي.

تصنعت الضيق، وقالت في عتابٍ، وهي تنظر إليه من الجانب:

-حتة بس؟

وضع يده على رضيعها يمسح على وجهه بحنوٍ ورفق وهو يخبرها:

-ما الباقي للصغنن اللي إيديكي الحلوة شايلاه.

توردت خجلاً من معسول كلماته الذي قلما سمعته، وحذرته بتوترٍ انعكس عليها:

-طب بس بقى لرجالة العيلة يعلقوك.

سرعان ما تطلع أمامه ليلقي نظرة خاطفة عليهم، ولحسن حظه كانوا منهمكين في تفقد البهائم، استقام واقفًا، وخاطبها بتلك النظرات العبثية المترقبة:

-هانت، كلها كام يوم ويتقفل علينا باب، وأقولك أحلى كلام.

ابتعدت عنه "هاجر" لتأنى بنفسها من هذا الحرج الذي يزيدها تلبكًا ويرضي مشاعرها كأنثى.

.................................................. ....

أثناء لهوها الطفولي، لم تصغِ "رقية" للتعليمات على أكمل وجه، لعبت الغميضة مع بقية الفتيات والأولاد، وهبطت عن الرصيف لتختبئ خلف واحدٍ من الأكشاك المغلقة، كررت الأمر لبضعة مرات بعد أن اعتادت على الذهاب والمجيء بمفردها وبغير خوفٍ مثلهم؛ لكنها توقفت مع البقية عن ممارسة ألعابهم الطفولية لينظروا إلى ما يوجد أعلى عربة النقل. تركزت أنظارها مع "تميم" الذي أقبل على أحد الأشخاص يأمره:

-بالراحة وإنت بتنزل العجل، وخليه واحد ورا التاني.

جاءه رد الرجل بنبرته الجافة:

-ماشي يا ريسنا.

حانت منها التفافة جانبية تلقائية نحو صراخ أحد الأطفال المرتفع، لتعاود التحديق بعدها في عربة الربع نقل وما فيها وهي ما زالت واقفة في مكانها، تراقب ما يحدث في اهتمامٍ وفضولٍ غريزي.

أثناء محاولة إنزال مساعدي الجزار للثور الضخم، كان الواقف خلفه يدفعه بخشونة وهو يلوي ذيله على كف يده ليؤذيه بلا رحمة فيحثه على التجاوب معه، والهبوط عن العربة؛ لكن الألم الصارخ في مؤخرة جسد الثور جعله يتخذ موقفًا دفاعيًا، فركل مُعذبه في صدره بقدميه في عنفٍ واضح، ليندفع هابطًا عن العربة بما يشبه الهجوم مما جعل الحاضرين يصرخون متفرقين في فزعٍ.

جحظت عينا "رقية" في ارتعابٍ شديد، وقد رأت هذا الثور الحانق ينحرف عن مساره ليتجه إليها، تجمدت كالصنم في مكانها، غير قادرة على الحركة، لتطبق بعدها على جفنيها بقوةٍ متوقعة أن يصدمها في أي لحظة.

..............................................

مثلها مثل غيرها، تحركت نحو المدخل الخاص بدكانها، لترى ما الذي يتسبب في تهليل الناس وصياحهم .. تمكنت "فيروزة" من اختراق الصفوف المتزاحمة، والوقوف عند المقدمة، لتتابع إنزال رأسي الماشية من العربة، استرعى انتباهها سؤال والدتها التلقائي:

-البت "كوكي" فين؟

حينها توقفت عن المتابعة وأخذت تفتش عنها بعينين متوجستين وسط الواقفين. البقاء ساكنة والنظر فقط لن يكون كافيًا، تحركت "فيروزة" بغزيرتها المنطلقة بداخلها للبحث عنها، وجدتها تقف عند بقعةٍ شبه خاوية لترى كالآخرين هذا الحدث المشوق. تنفست الصعداء، والتفتت تخبر والدتها:

-لاقيتها يا ماما.

وضعت "آمنة" يدها على صدرها ولسانها يلهج بالشكر:

-الحمدلله يا رب، خوفت تكون تاهت ولا حاجة.

أسرعت "فيروزة" في خطواتها متجهة إليها، شعرت بالرضا عن حالها، لكونها قد انتقت في تلك المناسبة كنزة بيضاء فضفاضة، لترتديها على بنطالٍ أسود من القماش، حتى يمنحها حرية وخفة في الحركة؛ لكنها خلال سيرها المتعجل التفتت تنظر بنظراتٍ ضيقة مليئة بالترقب والخوف إلى الثور الغاضب الذي ثار على محتجزيه بثورة عارمة.

قصف قلبها في رهبةٍ من المشهد الخاطف للأنظار، وركضت نحو ابنة خالها ترفعها من خصرها بعيدًا عن مرمى هذا الحيوان الثائر، لتختبئ بها عند هذا الكشك الجانبي. تفرق الحشد الفرح في كل اتجاه، وتحول المتجمهرون إلى أفراد يركضون في عشوائية، ومرتاعين من اهتياج الثور. في تلك اللحظة، بدا وكأن الثور قد اشتم رائحة خوفهما ليتجه إلى حيث تقفان، فارتفع صراخهما المذعور.

وسط حالة الهرج والمرج، اندفع رجال عائلة "سلطان" نحوهما، الأسبق في الوصول كان "تميم"، حيث توقف أمامهما، يزود بجسده عنهما، ثم فرد ذراعيه صائحًا بما يشبه الزئير، لطمه في جانبه بصفعة قاسية، مما أجبر الثور على تغيير اتجاهه، وهنا حاوطه كلاً من "هيثم"، و"سراج"، من الناحية الأخرى ليتمكن الجزار المخضرم من التقاط الحبل الذي يطوق عنقه، ويشده منه، ليتجمع حوله مساعديه وينجحوا في طرحه أرضًا، وتكبيل قدميه الخلفيتين لئلا يتمكن من النهوض وتكرار هذا الهجوم الغاشم.

صاح الجزار بعد أن تم استعادة السيطرة على الموقف، وضبط مجريات الأمور:

-عاش يا رجالة.

نهره "هيثم" في غلظة وتشنج:

-كنت هترتاح لما تقلب بكارثة؟

أجابه بسماجةٍ وهو يربت على ظهر الثور بقوةٍ:

-ده دايمًا بيحصل معانا في المدبح.

وبخه "تميم" من مكانه بصوتٍ غاضبٍ للغاية:

-ده عندك في المدبح مش في قلب الشارع!

من زاويتها الضيقة، ورغم الذعر الذي ما زال منتشرًا بأوصالها، إلا أن "فيروزة" لم تمنع نفسها من النظر إلى "تميم" بهيئته الشامخة، وإبداء إعجابها بشجاعته المغلفة برجولة تدعو للفخر، أحست في تلك اللحظات المفعمة بالأدرينالين أنها كانت تُعايش موقفًا خطرًا، ربما قد تراه معروضًا على شاشة التلفاز، أو مكتوبًا في إحدى الروايات؛ لكنها استبعدت أن تكون بطلته، على ما يبدو منحها القدر ذكرى جديدة تثبت لها أنه جديرٌ بها!

تأملت عن هذا القرب ما ارتداه من تيشرت يميل للون الأزرق الفاتح، سرعان ما التصق بعضلات جسده ليبرزها أكثر، جراء المجهود العنيف الذي بذله في أقل من دقائق، كان اختياره متماشيًا مع بنطالٍ جديد من الجينز، لوهلةٍ اكتشفت أنه بسماته تلك يبدو وسيمًا بشكلٍ خطير، له طريقته الغامضة في جذبها إليه. رمشت بعينيها في تلبكٍ عندما استدار ناحيتهما ليتساءل في لهفةٍ وخوف، ويداه موضوعتان أعلى منتصف خصره:

-إنتو كويسين؟

أومأت برأسها قبل أن تجيبه:

-أيوه.

انسلت "رقية" من حضنها، لتركض ناحيتها وهي تخبره بعفوية من بكائها الطفولي:

-كان هيموتنا.

رفعها بذراعه إليه، وأعطاها قبلة صغيرة على وجنتها وهو يمسد بيده الأخرى على شعرها المتناثر، ليؤكد بعدها كنوعٍ من بث الطمأنينة في نفسها الجزعة:

-متخافيش طول ما أنا موجود.

مع نهاية جملته، كانت كامل عينيه مرتكزة على وجه "فيروزة"، منحها ابتسامة عذبة وهو يرى تلك النظرة المليئة بالانبهار تتلألأ في قطعتي الفيروز، لعقت الأخيرة شفتيها متسائلة في لعثمةٍ خفيفة:

-مش كان ممكن يهجم عليك ويموتك؟

تأكد من إبقاء نظراته الثابتة على وجهها، وهو يخبرها بلا ترددٍ، وعن صدق مستبد التشكيك فيه:

-وارد، بس مايهمش طالما إنتي هاتكوني في أمان وبخير.

نفذت كلماته المحملة بأعمق مشاعره إلى داخل قلبها، وانتشرت فيه كما ينتشر اللون الزيتي في إناء من الماء ليحتله، هكذا اقتحم كيانها، وأوجد لنفسه مكانًا في روحها، بأفعاله قبل أقواله! لم تشعر "فيروزة" بشفتيها وهما تلتويان لتشكلا ابتسامة امتلأت ببهجة مُغرية بعثت النشوة في جوارحه، وأكدت له أن اجتماعهما تحت سقف واحد بات وشيكًا .. للغاية .............................................. !!

.................................................. ..............


منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 27-07-21, 04:11 AM   #1068

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 14 ( الأعضاء 10 والزوار 4)


‏موضى و راكان, ‏noga2009, ‏سنيورا سارون, ‏م ممم ممم, ‏Reem salama, ‏Misou, ‏رشا عبد الصمد, ‏يوسف طنجة, ‏Fatmaahmed, ‏رياح النصر


موفقة بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-07-21, 04:48 AM   #1069

SORAYA M

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية SORAYA M

? العضوٌ??? » 296989
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,340
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » SORAYA M has a reputation beyond reputeSORAYA M has a reputation beyond reputeSORAYA M has a reputation beyond reputeSORAYA M has a reputation beyond reputeSORAYA M has a reputation beyond reputeSORAYA M has a reputation beyond reputeSORAYA M has a reputation beyond reputeSORAYA M has a reputation beyond reputeSORAYA M has a reputation beyond reputeSORAYA M has a reputation beyond reputeSORAYA M has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

سلمت يمناك على الفصل الرائع ❤❤❤❤❤❤

SORAYA M غير متواجد حالياً  
التوقيع












رد مع اقتباس
قديم 28-07-21, 02:11 AM   #1070

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل المائة وثلاثة وأربعون





في أقل من دقيقتين، عاد الوضع إلى ما كان عليه، وبدأ أهالي المنطقة في الاحتشاد من جديد، بعد أن تم إحكام السيطرة على الثور الهائج، وتأمين الآخر بشكلٍ يضمن عدم تكرار الأمر معه. لم يدم حوار "تميم" مع "فيروزة" كثيرًا، حيث جاءت "آمنة"، ومن ورائها "همسة" للاطمئنان على الاثنتين، استطردت الأولى قائلة في لوعةٍ، وعيناها تنذران بوعيد للصغيرة "رقية":

-لطفك يا رب، مش أنا منبهة عليكي ماتنزليش من على الرصيف يا بت؟

تدخل "تميم" قائلاً بهدوء، بعد أن اشتدت قبضتي الصغيرة حول رقبته؛ كأنما تنشد حمايته:

-جت سليمة الحمد لله.

كزت "آمنة" على أسنانها هاتفة بتجهمٍ شديد:

-طبعًا، الحمدلله وكل حاجة، بس آ...

قاطعها رافعًا يده في الهواء أمام وجهها، وبنبرة صارمة، لا تقبل بالنقاش:

-خلاص يا حاجة، مش هنزعلها.

تراجعت عن تأنيبها قائلة بابتسامة بدت مصطنعة للغاية:

-اللي تقوله يا معلم.

صــاح صوت أحدهم من الخلف مرددًا:

-يالا يا جماعة، جاهزين عشان ندبح.

اتجهت كل الأنظار نحو الثور المقيد على بُعد عدة أمتار، وحوله عدد لا بأس به من الرجال وأهالي المنطقة. رأى "تميم" ابن خالته يلوح له مناديًا:

-تعالى يا "تميم"، مستنينك.

بادله الإشارة بذراعه الطليق وهو يرد:

-جاي.

أنزل الصغيرة على قدميها، استعدادًا لذهابه، ليتفاجأ بـ "فيروزة" تسأله في غرابةٍ:

-إنت هتدبحه بنفسك؟

نظر إليها بثقةٍ يشوبها التفاخر، قبل أن يجيبها مبتسمًا:

-أيوه.

سألته في تشككٍ دون أن تبعد عينيها عنه:

-هو إنت بتعرف أصلاً؟

رمقها بتلك النظرة الغامضة المليئة بشيء من الاعتداد بالنفس، قبل أن يغادر بغير جوابٍ، عبست "فيروزة" بملامحها، وهمهمت في تبرمٍ –وبنبرة شبه خافتة- وهي تضبط حجاب رأسها، لتلقي بطرفه المتدلي خلف كتفها:

-مردش عليا ليه؟

شتت نظراتها عنه لتدير رأسها نحو الجانب عندما تكلمت "همسة" قائلة بخوفٍ ظاهر عليها:

-تعالوا على جمبك بدل ما يفك منهم تاني ويهرب.

علقت "فيروزة" في استخفافٍ ساخر:

-هيفك إزاي وهما مرقدينه على الأرض؟

دققت النظر في الثور المقيد، وردت مؤيدة إياها:

-صح، بس الحرص واجب.

.................................................. ...

على مسافةٍ معقولة، وبعد أن تم تجهيز الثور لنحر عنقه، كان "تميم" يقف عند رأسه، منتظرًا الإشارة للبدء، اتجهت أنظاره نحو جده الذي رفع عكازه له، فأخفض الأول يده القابضة على السكين، ليبدأ في ذبحه بخفةٍ وسرعة، وسط تهليل المتجمهرين. انزعجت الصغيرة "رقية" من المشهد، وخبأت رأسها في حضن "فيروزة"، التي كانت مرتكزة بحواسها قبل عينيها عليه، ابتسمت ابتسامة صغيرة وقد وجدت الرد عمليًا على سؤالها، كان خبيرًا في ذبح الأضاحي، كأنما اعتاد ممارسة تلك المهنة منذ فترة طويلة، أو ربما لأنها حديثة العهد بالاهتمام بشئونه، أصبح العادي من تصرفاته مبهرًا لها!

رفرفت بجفنيها في حرجٍ حين أمسك بها تنظر إليه، ومع ذلك لم ترغب في الظهور بمظهر الشابة الخجول، حافظت على ثبات نظراتها نحوه، ولدهشتها لم يحد بعينيه عنها، بل كان يمنحها نفس النظرة الهائمة الساهمة، مما أجبرها في النهاية على إخفاض عينيها، والنظر إلى "رقية"، رأتها متشبثة بها، فمسحت على ظهرها بحنوٍ، وطمأنتها قائلة:

-خلاص يا "كوكي".

نظرت "رقية" بنصف عين إلى الثور الغارق في دمائه، وهتفت في خوفٍ غريزي:

-عايزة أمشي.

تفهمت عزوفها عن المتابعة، وحملتها من خصرها على ذراعها قائلة بلطفٍ:

-ماشي يا حبيبتي، تعالي نقعد في المحل.

استوقفتها "همسة" متسائلة في استغرابٍ:

-مش هتتفرجي ولا إيه؟

أجابتها بإيماءة من رأسها نحو الصغيرة:

-لأ، عشان كوكي.

هزت رأسها متابعة بعد تنهيدة سريعة:

-طيب أنا جاية معاكو، مش قادرة أقف.

عقبت عليها بنوعٍ من النصح:

-المفروض ترتاحي.

تأبطت "همسة" ذراع توأمتها الآخر، وراحت تخبرها في مرحٍ، بما يشبه التحذير:

-أيوه، بس عريسك طلع مش سهل، خدي بالك لتزعليه!

ردت عليها "فيروزة" باستنكارٍ مازح:

-أومال عملتيه عريسي؟

قالت في حماسٍ:

-طبعًا يا بنتي، ده أنا مستنية اليوم اللي أفرح فيه بيكي.

تحولت تعابير "فيروزة" للجدية، وهي تؤكد عليها:

-ماشي، بس أنا قادرة أزعله لو زعلني، أنا مش هينة!

برقت عينا "همسة" في قلقٍ، وهي تتطلعت إلى شقيقتها لتردف بعدها:

-ربنا يستر، شكلها كده هتحصل بينكم معارك لو اتخانقتوا.

ضحكت عاليًا في تلقائية وقد تخيلت المشهد، حين يتجادلان معًا على أمر ما، وهي بطبيعة الحال ليست من ضعاف الشخصية لترضى بالأمر الواقع وتصمت، وهو مثلها، لن يمرر الأمر على خير، حتمًا سينشأ الصدام بينهما، وسيكون البقاء فيه للأقوى! توقفت عن القهقهة لتنطق بعدها بصوت شبه لاهث، وعيناها تدمعان من الفرحة:

-طب يالا بينا.

مكث ثلاثتهن في داخل الدكان غالبية الوقت، وطارت النظرات المداعبة بين الحين والآخر في الهواء بين عصفوري الحب، فتشعل الرغبة في نفس المعذب بطاووسه الأبيض، وتثير التوق في كيان الحائرة بفارس أحلامها المنتظر.

مضى حفل الافتتاح على خير، وعاد الجميع إلى منازلهم، بعد اتفاقٍ مسبق على القدوم لبيت العروس في غضون أسبوع.

.................................................. ...

أيام ما قبل مجيء أهل العريس إلى المنزل، للتقدم لها رسميًا وخطبتها، جلبت عليها المزيد من الضغوطات، والصدامات الشفهية مع والدتها، فالأخيرة كانت تصر على بقائها في المنزل، والاستعداد كأي فتاة تخوض نفس الظرف السار، من شراء ثوبٍ جديد، زيارة مصففة الشعر، والعناية ببشرتها في أحد مراكز التجميل، بالإضافة إلى تنظيف كامل غرف المنزل وإعداد الصالون لاستقبالهم بالشكل الذي يليق بالحدث.

لكن رغبات أمها لم تتوافق مع شغفها لإنجاح عملها، فكان النقاش بينهما ينتهي بغير خير، ويزيد من المشاحنات وتوتر الأجواء. اقتربت "آمنة" من ابنتها تنهرها في ضيقٍ كبير:

-حتى النهاردة نازلة كمان؟

ربطت "فيروزة" طرفي حجابها الأخضر بمشبكٍ معدني وهي تجيبها:

-أيوه.

استندت والدتها على إطار باب غرفتها تسألها بتعابيرٍ حانقة:

-وهتروحي إمتي للكوافيرة؟

قبل أن تبادر بالرد، كانت "آمنة" الأسبق في التهكم:

-والعريس وأهله هنا في البيت؟

ابتسمت "فيروزة" في برودٍ وهي تعلق عليها:

-ما أنا مش هروح.

شهقت والدتها صائحة في صدمةٍ، وسبابتها تتحرك صعودًا وهبوطًا في الهواء وهي تشير إليها:

-أومال هتقابليه بالمنظر ده؟

بنفس الهدوء المستفز قالت "فيروزة" وهي تغلق زرار ياقة بلوزتها المائلة للاصفرار:

-ما هو عارف شكلي.

هتفت والدتها تنهرها في ضجرٍ بعد أن تقدمت نحوها:

-يا بنتي اهتمي بمظهرك، الناس هتقول إيه؟

ردت غير مبالية وهي تتفقد ما بداخل حقيبة يدها بعد أن انتهت ارتداء كامل ثيابها:

-اطمني، ولا يفرقوا معايا الناس.

استنشقت "آمنة" الهواء بعمقٍ، لتثبط به من نوبة انفعالٍ وشيكة، لتسألها بعدها بترقبٍ:

-طيب جبتي فستان جديد؟

اتجهت عينا "فيروزة" نحو خزانة ثيابها عندما أجابتها باسترسالٍ هادئ:

-لأ، هلبس واحد كان عندي في الدولاب، شكله مناسب.

هنا خرجت عن طور سكونها لتصرخ فيها بتزمتٍ:

-كمان! اعمل فيكي إيه بس يا "فيروزة"؟ إنتي هتجننيني معاكي؟ مش عايزة تسمعي كلامي نهائي.

تجهمت تعبيرات ابنتها، ورمقتها بنظرة مزعوجة وهي ترد:

-في إيه يا ماما؟ إنتي مكبرة الموضوع ليه؟

بحنقٍ متزايد أخبرتها في بساطة:

-ده جواز.

صححت لها بابتسامة صغيرة كادت تضاعف من جنونها:

-لسه خطوبة.

ردت عليها في غيظٍ، والشرر الغاضب ينتفض في حدقتيها:

-ما هو أخرتها جواز، والعريس ده لقطة، مليون واحدة تتمناه، إيه هتضيعيه من إيدك؟

مطت شفتيها معلقة في ثقةٍ، وهي تتجه نحو باب الغرفة:

-لو مش عجباه وأنا كده يشوف غيري، احنا فيها لسه!

ضربت "آمنة" بيديها على فخذيها، كتعبيرٍ عن نقمها من تصرفتها غير المبالية، وصاحت فيها باستياءٍ:

-أنا غلبت معاكي.

تغاضت "فيروزة" عن نوبة حنقها اليومية لتتطلع إلى ابنة خالها التي أمسكت بطرفي ثوبها الذهبي تسألها:

-شكلي حلو؟

رمقتها بنظرة مدققة شملتها من رأسها لأخمص قدميها، فرأته يبرز غالبية ساقيها، وينحصر عند ردفيها بشكلٍ غير مستحب، كما أن تناسق أكتافه لم يكن متماشيًا مع عُرضها، ومع هذا حافظت "فيروزة" على بسمتها وهي ترد:

-عسل أوي يا "كوكي"، يالا غيريه عشان مايتبهدلش.

ركضت الصغيرة إلى الغرفة الأخرى، حينها التفتت إلى والدتها تكلمها في جدية:

-الفستان مش قصير شوية يا ماما؟

ردت عليها "آمنة" بوجهٍ شبه مهموم:

-هي ماشاءالله طولت، ومكونتش واخدة بالي إنه مش هايكون مناسب ليها، في الليلة الكبيرة هاشتريلها واحد جديد، المهم خلينا فيكي إنتي.

عادت "رقية" لتقول في براءة:

-عمتو، مش عارفة أقلع الفستان.

أدارت "آمنة" الصغيرة للناحية الأخرى، لتتمكن من حل أشرطة الثوب المعقودة، بينما خاطبت الطفلة ابنة عمتها:

-أنا هالبس زيك يا "فيرو".

جثت "فيروزة" على ركبتها أمامها، وطبعت قبلة رقيقة على وجنتها، ثم قرصت بيدها خدها الآخر وهي تؤكد لها:

-ما إنتي أحلى عروسة عندنا.

حدجت "آمنة" ابنتها بنظرة صارمة وهي تؤكد عليها:

-متتأخريش.

نظرت إليها "فيروزة" من فوق كتف الصغيرة قائلة بامتعاضٍ:

-طيب.

ثم ودعت الصغيرة قبل أن تنهض واقفة وتخرج من الغرفة، متجهة إلى باب المنزل، بمجرد أن فتحته وجدت توأمتها تصعد الدرجات الأخيرة لتبلغ البسّطة. اتسعت عينا "همسة" في دهشةٍ، وهتفت متسائلة بنبرة ذاهلة:

-إيه ده؟ معقولة إنتي نازلة النهاردة؟

تدلى فكها السفلي في تعجبٍ من استخدامها لنفس أسلوب والدتها، وردت بتذمرٍ:

-في إيه جماعة؟ إنتو مستغربين ليه؟ ده لسه ربط كلام، واتفاقات، مش حاجة يعني مهمة.

جاءها ردها المبرر لاستنكارها:

-أصل اليوم ده بالذات، الواحدة بتبقى مشغولة فيه من صباحية ربنا.

كبتت "فيروزة" ضيقها من تضخيم الأمر، وردت في سخافة:

-الكلام ده لو أنا فاضية للتفاهات دي.

على ما يبدو سمعت والدتها تنمرها الواضح على الأمر، واستهزائها بالمعتاد من تصرفات في مثل هذا اليوم، فصاحت من خلفها في حدةٍ:

-تعالي يا "همسة" لأحسن أختك هترفع ضغطي بعمايلها.

ولجت الأخيرة لداخل المنزل، وقالت مُلطفة:

-سبيها على راحتها يا ماما.

رمقت "فيروزة" والدتها بنظرة غير راضية، لم تتخلَ عن هدوئها وهي ترد بابتسامة متسعة:

-مش أول مرة أتخطب فيها يا ماما، مش لازم نكبر الموضوع.

كادت أن ترد عليها "آمنة"؛ لكنها أسرعت بالخروج وإغلاق الباب خلفها، لتهبط السلم وهي تدمدم بامتعاضٍ، وبصوتٍ مرتفع نسبيًا:

-ما هي جوازة زي أي جوازة والسلام.

لم تتوقع مُطلقًا أن يسمع "تميم" تذمرها الواضح وهو يصعد أول الدرج المؤدي إلى بيتها، حاملاً في يديه علبة حلوى مغلفة، ليقول لها بنبرة أقرب للعتاب، وهو ينظر إليها بعينين تحويان لمحة من الحزن:

-لأ مش زي أي جوازة.

حلت الصدمة على كامل قسماتها، فاندفعت كتلة من الدماء إلى بشرتها، لتلهبها بحمرةٍ حرجة للغاية، تمنت لو كانت قد أطبقت على شفتيها، واحتفظت لنفسها برأيها، فلا تفصح عنه هكذا علنًا، وتتعرض لمثل هذا الموقف المخجل. حمحمت مبررة بما يشبه الاعتذار:

-أنا .. مقصدش، دي زلة لسان، عادي يعني.

أراد أن يكون القادم في نقاشهما إن اختلفا في الرأي قائمًا على الاحترام والتقدير، لا الإجبار والترهيب، لذا سعي تلك المرة أن يكون صارمًا معها لا غاضبًا، حتى تدرك خطئها غير المتعمد في حقه، انقلبت تعابيره الصافية لأخرى منزعجة وهو يرد:

-حصل خير.

ظلت أنظارها عليه وهو يكمل صعوده إلى أن توقف قبل درجتين منها، تفرست في وجهه متسائلة بترددٍ:

-إنت زعلان؟

أكثر ما كان يؤرقه في هذا الموقف، أن يكون قبولها به، مبنيًا على العقل لا المشاعر؛ فحبه العميق لها يستحق أن يحظى بفرصته كاملة، وتدركه بكل جوارحها. تنهد "تميم" بعمقٍ قبل أن يجاوب على سؤالها بآخرٍ موجز؛ لكنه عني الكثير:

-هتفرق؟

ضغطت على شفتيها في ندمٍ، واشتدت قبضتها على يد حقيبتها المعلقة على كتفها، لتنطق بعد هنيهة في تلعثمٍ خفيف:

-صدقني معرفش إنك طالع على السلم.

أسبل عينيه قائلاً في وجومٍ:

-عشان مكتوبلي أعرف رأيك ناحيتي، وإني مش مهم عندك.

هتفت مدافعة على الفور وهي تشير بسبابتها:

-أنا مقولتش كده على الفكرة، الحكاية إن ماما ضاغطة عليا بحاجات كتير، وأنا مش حابة كده، عايزة الأمور تمشي بسلاسة، ده بس والله اللي مخليني متوترة، وبأقول أي كلام من زهقي؛ بس أكيد إنت مهم عندي، وإلا مكونتش وافقت.

جاءت جملتها الأخيرة مُرضية له بشدة، وأبعدت عنه أي هواجس مقلقة، ورغم هذا قرر ألا يبدو لينًا متساهلاً معها، لهذا بدا أسلوبه رسميًا للغاية وهو يعقب عليها:

-خلاص يا أبلة.

رمشت بعينيها تسأله في شكٍ:

-شكلي عكيت الدنيا جامد، صح؟!

صمت ولم يجبها، فبادرت معتذرة بروتينية:

-متزعلش، خلاص.

اغتاظ من أسلوبها الجامد الخالي من اللطف، واستمر في تعامله الجاف معها، بقوله الجاد وهو يمد يديه بالعلبة:

-أنا كنت جايب دول، اتفضلي.

ناولها العلبة كما لو كان يعطي أحدهم قفصًا من الفاكهة، بالكاد نجحت في الإمساك بها قبل أن تسقط من يديها بسبب ثقلها، انزوى ما بين حاجبيها في إنكارٍ مزعوجٍ، كما انفرجت شفتاها عن صدمةٍ غريبة لطريقته شبه الوقحة. هتفت تناديه بتعابيرٍ ضائقة:

-يا معلم "تميم" آ..

تجاهل الإصغاء لها عن عمدٍ، وأولاها ظهره ليهبط الدرج وهو يقول:

-نتقابل بالليل، سلام عليكم.

شيعته بنظراتٍ مليئة بالذهول حتى غاب عن أنظارها، لا تصدق ما حدث للتو، جلست على الدرج موبخة نفسها في حدةٍ:

-أوف، إيه اللي هببته ده؟

انخفضت نظراتها على العلبة المغلقة، كانت الماركة التجارية المحفورة عليها تشير لأشهر محال صنع قوالب الحلوى شهية المذاق، نفخت مجددًا في ضيقٍ أكبر؛ لكن ما لبث أن تحول الزفير إلى شهقة خافتة مصدومة عندما ظهر "تميم" على الدرج من جديد ليخاطبها بملامحه الجامدة:

-معلش، في كلمة محشورة في زوري وعاوز أقولها.

رمقته بنظرة متسائلة، فأجاب بعنجهية ملموسة في نبرته، وهو يصعد السلم ببطءٍ:

-بكرة لما أتجوزك هتعرفي مين هو "تميم سلطان"، وإني مش زي أي حد.

حين بات قريبًا منها، أحنى جذعه للأمام، ليبدو وجهه على بُعد مسافة شبرين من وجهها، اتسعت حدقتاها ذهولاً من قربه الموتر لها، نظر مباشرة في لؤلؤتيها، لتشعر بنظراته تخترقها، أراد مناوشتها، اللعب بأعصابها، لئلا تظن أن العبث معه يسهل تمريره.

رأت "فيروزة" في نظراته التي احتوتها -مع هذا التقارب الجسدي الموتر- شيئًا من العبثية، ضمت شفتيها، وازدرت ريقها، وهي ما تزال تحملق فيه بنفس التعابير المصدومة من جرأته غير المتوقعة. استطرد "تميم" يخاطبها في همس ومعترفًا بقصدٍ، وبنفس النبرة الواثقة، حتى شعرت أنها توقفت عن التنفس في وجوده:

-وبقولك أتجوزك مش نتجوز، عشان أنا عايزك ليا أكتر ما إنتي عاوزاني بمراحل.

منحها قبلة سريعة في الهواء بشفتيه، شعرت على الفور بتأثيرها على بشرتها التي اصطبغت بحمرة ساخنة للغاية، وبالطبع لن تكون غير ملحوظة له! ارتخت تعابيره الجادة، ولانت نظراته نحوها قبل أن يستقيم واقفًا ويهبط الدرج مغادرًا مثلما جاء في خفةٍ. استغرقها الأمر لحظة لتستعيد انتظام أنفاسها المقطوعة، أحست بدقات قلبها تتلاحق في توترٍ أكبر، بلعت ريقًا غير موجودٍ في جوفها وهي تتساءل في غرابة ممتزجة بالدهشة:

-مغرور ده ولا إيه؟

هزت رأسها للجانبين، وهي ما تزال على وضعيتها المدهوشة، لتكمل متسائلة:

-مين يعني "تميم سلطان"؟

أتاها صوته محذرًا من الأسفل:

-أنا سامعك على فكرة، فبلاش نغلط بدل ما أطلعلك!

انتفضت قافزة من مكانها في حرجٍ مضاعف، كادت فيه أن تفقد اتزان علبة الحلوى، متوقعة أن يقوم بشيء متهور، تجمدت للحظات وهي تنظر من فرجة الدرابزين، إلى أن تأكدت من ذهابه، حينئذ استقرت جالسة في مكانها، لتضع يدها على فمها تكتمه، وصوت بعقلها يردد في حيرة لا تخلو من شعورٍ بالمرح:

-هو إيه اللي عمله ده، أنا مالي اتكسفت كده ليه ....................................... ؟!!!

.................................................. ...........


منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:59 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.