آخر 10 مشاركات
وخُلقتِ مِن ضِلعي الأعوجُا=خذني بقايا جروح ارجوك داويني * مميزة * (الكاتـب : قال الزهر آآآه - )           »          62 - قل كلمة واحدة - آن ميثر - ع.ق ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          62 - قل كلمة واحدة - آن ميثر - ع.ق ( مكتبة زهران ) (الكاتـب : pink moon - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          متزوجات و لكن ...(مميزة و مكتمله) (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          [تحميل] لمحت سهيل في عرض الجنوب للكاتبه : ؛¤ّ,¸مــشـآعلـ¸,ّ¤؛ (جميع الصيغ ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          411 - سارقة القلوب - جاكلين بيرد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          8 - نداء الدم - آن ميثر (تم تجديد الرابط ) (الكاتـب : pink moon - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          75 - كن صديقي (الكاتـب : فرح - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree508Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-08-21, 06:13 PM   #1101

فتاة طيبة

? العضوٌ??? » 306211
?  التسِجيلٌ » Oct 2013
? مشَارَ?اتْي » 566
?  نُقآطِيْ » فتاة طيبة is on a distinguished road
افتراضي


لااله الا الله هو تميم كيف صابر على فيروزة ونفسيتها الخايسة بهذا الشكل اصلا وحدة زي كذا نهائي ماتنفع حتى للزواج فعلا الله يقلع الحب يذل صاحبه ويهين كرامته .

فتاة طيبة متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-21, 11:03 PM   #1102

k_meri

? العضوٌ??? » 341004
?  التسِجيلٌ » Apr 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,235
?  نُقآطِيْ » k_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond reputek_meri has a reputation beyond repute
افتراضي

سلام هو في فصل ?

k_meri غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-21, 11:19 PM   #1103

جزيرة

? العضوٌ??? » 307068
?  التسِجيلٌ » Nov 2013
? مشَارَ?اتْي » 398
?  نُقآطِيْ » جزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond reputeجزيرة has a reputation beyond repute
افتراضي

ليتنا نرى انقلاب الادوار بين تميم و فيروزة
..
فيروزة عندها ارث نفسي مقلق لكن للاسف ظهر على تعاملها مع تميم
فقط تميم .


جزيرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-21, 11:27 PM   #1104

تغريد&

? العضوٌ??? » 458904
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 245
?  نُقآطِيْ » تغريد& is on a distinguished road
افتراضي

فيروزة كتله من العقد النفسية الله يعين تميم على حلها

تغريد& غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-21, 12:37 AM   #1105

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل المائة وخمسون





اكتساب الثقة لا يأتي من فراغ، ولا يحدث بين عيشة وضحاها، بل إنه يحتاج لبذل الجهد ومواقف عدة لإثبات أن هذا الشخص جدير بها. اضطرت "فيروزة" أن تتباطئ في خطواتها لتنتظر استباق "تميم" لها لتعود إلى المكان الذي كانت متواجدة فيه قبل أن يستبد بها غضبها، نظرًا لتشابه معظم المحال في هذه المنطقة. أشار لها الأخير بيده نحو أحد محال الصاغة قائلاً:

-ده المكان.

رفعت رأسها للأعلى لتلقي نظرة فاحصة على وجهته واسمه قبل أن ترد في إيجازٍ:

-تمام.

ما إن رأتهما "ونيسة" حتى نهضت من مكانها، ودنت من الباب لتتساءل بملامح تسودها الحيرة:

-إيه يا ولاد؟ حصل إيه؟

أجاب "تميم" مبتسمًا وبدبلوماسية واضحة:

-مافيش حاجة يامه، كله تمام.

وجهت "ونيسة" سؤالها لمن تقف خلفه، وكامل عينيها عليها:

-هو زعلك في حاجة؟

هزت رأسها بالنفي، بينما تدخلت "آمنة" في الحوار، وتساءلت بتعابيرٍ مالت للفزع:

-"فيروزة"! إنتي عملتي إيه؟

تجهمت قسمات وجهها في انزعاجٍ واضح من رنة الاتهام المستترة في صوتها، وقبل أن تهم بالإجابة عليها، تولى "تميم" الرد بلطافةٍ:

-متقلقيش يا حاجة، الدنيا زي الفل، وربنا ما يجيب زعل إن شاء الله.

تنفست "آمنة" الصعداء، ونهج صدرها في ارتياحٍ، لتعلق بعدها في رضا:

-ألف حمد وشكر ليك يا رب.

التفتت "ونيسة" بجسدها قائلة في بهجةٍ أمومية:

-طب يالا يا ولاد عشان تنقوا الشبكة.

تحفزت "فيروزة" في وقفتها، ومالت على أذن "تميم" تهمس له:

-زي ما اتفقنا.

أدار رأسه ناحيتها، وابتسم معقبًا في ثقة:

-أومــال ..

تلك النظرة الغامضة في عينيه جعلت الشكوك تساورها، فسألته في لهجةٍ غير مريحة:

-أوعى تكون بتضحك عليا؟

وضع يده على صدره معاتبًا إياها بصوتٍ خافت:

-عيب عليكي، ده أنا هكلم حتى الصايغ أفهمه على جمب أهوو قصادك.

أومأت له بعينيه كأنما تشجعه:

-ماشي .. اتفضل.

سبقها في خطواته متجهًا نحو صاحب محل الصاغة الذي نهض واقفًا ليقوم باستقباله بترحابٍ شديد، ووديةٍ واضحة، في حين تلكأت في سيرها مدعية إلقائها نظرة على ما تعرضه الواجهات الداخلية.

............................................

وزع "تميم" نظراته السريعة ما بين الصائغ وبين "فيروزة" التي كانت تراقبهما عن كثبٍ، وبالتالي مراوغتها لإنهاء هذه المسألة العالقة لن يكون سهلاً. رسم تعابيرًا جادة على وجهه، واستمع إلى مُحدثه حين خاطبه:

-تحت أمرك يا معلم "تميم"، المحل كله بتاعك.

شكره أولاً في اقتضابٍ قبل أن يخفض صوته ليطلب منه:

-بقولك إيه، عاوزك تهز دماغك كده كأن مش عاجبك الكلام.

عقد ما بين حاجبيه متسائلاً في دهشة:

-ليه؟

علق عليه بحزمٍ، ودون توضيحٍ كافٍ:

-من غير ليه، تعمل اللي بقولك عليه.

هز رأسه بالإيجاب وهو يرد:

-حاضر اللي تؤمر بيه.

حين وجده يفعل العكس بتلقائية وبخه في غير عصبية:

-يا سيدي هز راسك بلأ، إيه الصعب في كده؟

قام الرجل بتنفيذ طلبه وهو يقول:

-طيب.

عندئذ استدار "تميم" برأسه نحو "فيروزة" التي كانت تتابعهما، أوحى لها بتعابير وجهه أنه يواجه القليل من الصعوبة في إقناع الرجل؛ لكنه لن يتوقف، وعاود الحديث إليه بنفس النبرة الخفيضة:

-افضل هز راسك وكشر كأن في حاجة مش عجباك.

قال الصائغ في تحيرٍ شديد:

-ولو إني مش فاهم حاجة بس ماشي.

واصل تذمره الزائف على أمر يجهله كليًا حتى أتاه قول "تميم" الأخير وهو يربت على كتفه:

-الله ينور، كده زي الفل.

من الناحية الأخرى تحركت "آمنة" نحو الركن الذي تقف في ابنتها، معتقدة أنها حائرة في انتقاء المناسب من المشغولات، وقفت إلى جوارها، وسألتها بعينين تعكسان بريق الذهب فيهما:

-عاوزة مساعدة يا حبيبتي؟

نظرت لها "فيروزة" من طرف عينها في تحفزٍ، وردت نافية:

-لأ.

كأنها لم تنبس بشيء، بل أشارت بيدها نحو قلادة كبيرة الحجم، وأخبرتها في حماسٍ:

-ما تشوفي كده دي عليكي، شكلها فخم وآ...

قاطعتها في صوتٍ حازم رغم خفوته:

-لأ، هختار المناسب ليا.

لاحظت "ونيسة" التوتر السائد بين الأم وابنتها، وخمنت بطبيعة الحال سببه، لهذا اقترحت قائلة بما ينم عن سخاءٍ كبير:

-سبيها على راحتها يا "آمنة"، اللي يعجبها تاخده مافيش مشكلة.

استدارت "آمنة" برأسها ناحيتها، وشكرتها:

-كتر خيرك يا حاجة، طول عمركم أهل كرم.

إظهارها بهذا الشكل الطامع استفزها بدرجةٍ كبيرة، وجعل تقاسيم وجهها تشتد وتعكس حنقها، بالكاد قاومت انفلات أعصابها لتسأل "تميم" الذي انضم إليهما:

-ها كلمته؟ عرفته هنعمل إيه؟

أجابها مبتسمًا ابتسامة عريضة وهو يلوح بيده:

-طبعًا .. كله تحت السيطرة!!

.................................................. .

إقناعها بشراء تلك الحلي، فاق في صعوبته الجمة، الحصول على توكيل توريد الأطعمة الطازجة لواحدة من السفن السياحية الهامة، لم يصدق "تميم" أنه نجح في استمالة رأسها، ومضى الأمر على خير. رفضت "فيروزة" حمل علبة الشبكة، وأعطتها لوالدة "تميم" عنادًا في والدتها التي كانت تعيش في حالة من السرور العظيم، استطردت الأخيرة تقول في امتنانٍ كأنها ظفرت بكنزٍ لا يقدر بثمن:

-تسلم إيدكي ورجليكي يا حاجة، ماشاءالله الشبكة تحفة، ده مافيش بعد كده.

ردت عليها "ونيسة" في وديةٍ:

-على إيه بس؟ هي تستاهل الحلو كله، وعقبال ما نتعبلهم في الفرح دايمًا.

أمنت عليها في نبرة متلهفة:

-يا رب أمين.

على النقيض مع ما كان عليه في بداية اليوم، أصبح "تميم" يراقب "فيروزة" أثناء قيادته للسيارة، كأنما يخشى ارتكابها لحماقةٍ ما تضع كليهما في موقفٍ حرج، أمسكت به وهو ينظر إليها، وسألته بنظرة حادة:

-في حاجة؟

أجابها نافيًا، وشفتاه تتقوسان عن بسمةٍ صغيرة:

-لأ، مافيش.

كانت على وشك إضافة شيء ما لولا أن قالت والدته مقترحة من الخلف:

-خلوا الحاجة معاكو.

هبطت عليها الصدمة المستنكرة، وهتفت محتجة:

-مالهاش لازمة، احنا مش آ...

قاطعتها في لطفٍ، وهذه التعابير الدافئة تغطي وجهها:

-هتزعليني منك يا بنتي؟

تحرجت من رفض طلبها، واشتدت قبضتها على حقيبة يدها وهي تبرر لها رفضها:

-لأ، بس لسه بدري على كتب الكتاب، وأنا مش هلبسهم أصلاً.

تلون وجه "آمنة" بكافة الألوان المذهولة، لوهلةٍ ترددت في التدخل لئلا تظهر بمظهر الطامعة التي سال لعابها لمجرد رؤية الذهب، حاولت الحفاظ على القليل من ماء الوجه، وأردفت كذبًا؛ كأنما تؤيد ابنتها:

-الحاجة تزيد معاكو يا حاجة، وفي الأصل دي بتاعتكم.

نظرت لها "ونيسة" في عتابٍ، ثم خاطبت ابنها في تذمرٍ:

-يرضيك الكلام ده يا "تميم"؟ ما تقول حاجة!

حملق في والدته لهنيهةٍ قبل أن تدور عيناه على وجه "فيروزة" كأنما يرجوها برجاءٍ خفي:

-معلش يا أبلة اسمعي الكلام.

قرأ الاحتجاج جليًا في نظراتها إليه، وبادلها تلك النظرة الحانية المليئة بالرجاء وهو يصر عليها:

-عشان منكسرش بفرحة حد.

اضطرت للرضوخ على مضضٍ، وغمغمت:

-ماشي.

دقيقة أخرى مضت وكانت السيارة تقف أمام مدخل البيت، ترجلت "آمنة" أولاً وهي تودع الاثنين في محبةٍ وسرور، لتتبعها "فيروزة" في تلكعٍ، بينما أمرت "ونيسة" ابنها في حبورٍ:

-انزل وصلهم كده للحوش وتعالى، خلي خطيبتك تفرح بقربك.

كأنما منحته التصريح لختام لقائه بها بوداعٍ لطيف، قفز قلبه بين ضلوعه، وردد مبتسمًا:

-حاضر يامه.

أوقف المحرك، وترجل من مكانه، لينظر أمامه باحثًا عنها، سارع الخطا، ووجدها عند المدخل تقدم قدمًا، وتؤخر الأخرى، فخمن أنها كانت تتوقع قدومه، وها قد صدق توقعها! هتف من ورائها يودعها في لهجةٍ جمعت بين اللهفة والجدية:

-طيب يا أبلة، خلي بالك من نفسك.

ما إن سمعت صوته حتى استدارت لتواجهه وهي تعنفه في كدرٍ:

-هو إنت مش قولت إنها تمثيلية؟ ممكن تفهمي إيه اللي حصل ده؟

بلع ريقه، وأخبرها بابتسامةٍ مهتزة:

-أيوه، بس هعمل إيه، ما هو كله على يدك، ده غير إني ...

توقف عن الكلام ليجدها تسدد له نظرة مهددة، فتابع بحذرٍ:

-يعني مقدرش أكسف أمي وأزعلها، ست كبيرة برضوه.

تذمرت عليه في نقمٍ:

-وأنا مقدرش أقبل أسيبهم معايا، ده غير إننا أجلنا كتب الكتاب، هاتقولهم إمتي بده كمان؟

فرك مؤخرة عنقه معلقًا في وجومٍ طفيف:

-إديني فرصة أمهدلهم في البيت، مش هديهم الخبر خبط لزق كده في وشهم.

سألته في تجهمٍ، وهي تشير بيدها للأعلى، إلى حيث صعدت والدتها بعلبة الشبكة:

-طيب، وأنا المفروض أعمل إيه بدول؟

حك طرف ذقنه مقترحًا بتلقائية:

-اعتبريهم أمانة عندك لحد ما نرجعهم.

أتاه تعليقها فيه لمحة من السخرية:

-أمانة؟ إزاي يعني؟ دي تهمة!

تجاوز عن وصفها غير المناسب، وعلق في هدوءٍ:

-زي أي حاجة يا أبلة.

نفخت في ضيقٍ، وأضافت:

-بس دي شيلة تقيلة أوي.

ابتسم يخبرها في صدقٍ:

-وإنتي أدها.

نظرت إلى عينيه في تلك اللحظة فرأت فيهما ثقة كبيرة لم تعتدها، حينئذ ارتخت ملامحها المتشنجة قليلاً، ورددت في قلقٍ:

-ربنا يستر.

حافظ على عذوبة ابتسامته وهو يؤكد لها بغزلٍ متواري:

-هايستر إن شاءالله، ده إنتي اللي زيك اليومين دول مافيش.

لم تنكر إعجابها بطريقته الغريبة في تحوير المواقف الأكثر تأزمًا إلى شيءٍ لطيف، يمس جزءًا من قلبها بشكلٍ ما تتلذذه في كثيرٍ من الأحيان، شردت في تأملها له، ولم يبعد "تميم" عينيه عنها؛ كأنما يغتنم فرصته الذهبية على أكمل وجه، أشاحت بوجهها للجانب حين نادت والدتها من الداخل:

-يالا يا "فيروزة"، إيه اللي مأخرك كده.

هتفت ترد في نبرة مرتفعة:

-جاية يا ماما أهوو.

تنهدت مجددًا، وهزت رأسها تودعه بقسماتٍ اكتسبت جدية غريبة:

-ماشي يا معلم، شكرًا.

قابل تحيتها الجافة بشفاه مبتسمة وهو يرد ملوحًا بيده في الهواء:

-صباحك تفاح يا أبلة.

على إثر ذكر تلك الكلمة تحديدًا ابتسمت في عفوية، وتلك اللمعة تظهر في حدقتيها، استدار معاودًا أدراجه ووجهه يشع ببهجةٍ راضية، الآن شعر بأنه فاز بتعويضٍ ملائم ينسيه مشاحنات اليوم الغريبة، ومع هذا لم يكتفِ بذلك، بل أخرج هاتفه المحمول، واتصل برقمٍ يحتفظ به في القائمة، لينطق بعدها في جديةٍ تامة:

-أيوه يا دكتورة، محتاج أتقابل معاكي ضروري.

هز رأسه مصغيًا إليها، وهو يقول:

-ماشي يا دكتورة، أه مناسب، هاكون هناك.

استغرقها الأمر ما يقرب من دقيقة لتكمل "فيروزة" صعودها المتكاسل على درجات السلم وهي تكرر على لسانها:

-اشمعنى التفاح بالذات اللي ماسكهولي؟

انخفضت نظراتها نحو حقيبتها الممتلئة بألوف الجنيهات في شكل حليٍ ذهبية، عاد الصراع يسود في رأسها، ما بين إنكار لأطماع والدتها، وبين ثقة عمياء لخطيبٍ يسعى لنيل ثقتها، سئمت من هذا التخبط المتلف للبقايا المتماسكة من أعصابها، فقررت اللجوء للمساعدة من طبيبتها المختصة، كانت بحاجة ماسة لذلك، لهذا لم تتردد في الاتصال بها، وهاتفتها وهي تلج إلى داخل منزلها:

-دكتورة "ريم"، أخبار حضرتك إيه؟ عاوزة أتكلم معاكي في حاجة مهمة وتعباني.

..............................................

قبل ميعاده معها ببضعة دقائق، كان "تميم" متواجدًا في الاستقبال التابع للمركز العلاجي الذي تعمل به "ريم"، أصر على اللقاء بها لمناقشتها في وضعه المتأرجح مع "فيروزة"، لهذا أرجأ كافة أعماله، وتفرغ بالكامل لمقابلتها. جال ببصره في المكان مترقبًا قدومها، ورأسه يزدحم بعشرات الأفكار القلقة، وعندما انضمت إليه الطبيبة النفسية، أخذ يقص عليها تصرفاتها المليئة بالتهور، والرعونة، ثم راح يشكو إليها تهديدها بإنهاء الخطبة في أي وقت، ومحاولاته المضنية للتحايل على اضطرابها المبرر.

استحسنت "ريم" حسن تصرفه، وبدأت تسترسل في التوضيح ليعي جيدًا تبعات أزمة انتكاستها الأخيرة:

-عين العقل اللي إنت عملته ده، وأنا قايلالك إن علاقتك بـ "فيروزة" محتاجة تتبني على الثقة قبل ما أي حاجة، الخذلان اللي شافته في حياتها صعب أي حد طبيعي يتحمله، وهي رغم كل ده قاومت وحاولت تقف على رجليها.

أكد عليها دون تفكيرٍ:

-أنا معاكي يا دكتورة في أي حاجة، بس تديني الفرصة أعمل كده...

تحولت نبرته للضيق حين استكمل:

-ده أنا ساعات بحس إنها مخلية موضوع خطوبتنا على تكة، كأنها مستنية تنهيه في أي لحظة، وده مزعلني شوية.

أخبرته بنبرة عملية:

-مقدرش ألومها، طبيعي يكون ده ردة فعلها.

تطلع إليها في صمتٍ، فاستمرت في المتابعة:

-هي بتحسب كل شيء بالعقل، وبتحدد مدى الضرر اللي هيقع عليها، حتى لو كان من علاقة عادية، أي تهديد بسيط يدخلها الدوامة اللي كانت فيها هتلجأ للدفاع عن نفسها غريزيًا.

اِربد وجهه بالمزيد من الضيق، فبارقة الأمل التي لاحت في الأفق أصبحت قاب قوسين أو أدنى من التلاشي. حاولت "ريم" بث التفاؤل في روحه:

-أنا مش عاوزاك تستعجل يا أستاذ "تميم"، كل حاجة مع الوقت هتتحسن وتبقى أفضل، إنت تعتبر في تحدي كبير معاها، ومحتاج كل جهد لحد ما تفوز بيها.

قال بعد زفيرٍ ثقيل:

-أنا صابر، وربنا يكرم.

تابعت الثناء على مجهوده بتشجيعه:

-حقيقي أنا ممتنة لدورك المهم في علاجها، وأتوقع في النهاية إن النتيجة تكون إيجابية.

لم يعرف "تميم" إن كان يبتسم، أم يرسم الحزن على محياه وهو يعلق ساخرًا، وقد تهدل كتفاه:

-يا رب يا دكتورة، بدل ما تلاقيني بتعالج عندك .................................................. ... !!

.................................................. ..










منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 13-08-21, 02:50 AM   #1106

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





الفصل المائة وواحد وخمسون





يومًا بعد يوم، كانت تتأكد من وجود علبة الشبكة -المستأمنة عليها- في الصندوق المعدني ذي القفل النحاسي، قبل أن تلفه بإحدى الملاءات النظيفة، وتعيده إلى مكانه بالرف السفلي في دولاب ملابسها. تركت "فيروزة" لوالدتها العلبة الأخرى الصغيرة لتحتفظ بها منذ أن أخذتها منها في محل المصوغات، تلك التي تضم خاتم الخطبة، وآخر عريض قليلاً يشبه القرط الذي أهدته لها "ونيسة"، بالإضافة لسلسلة خفيفة الوزن، لتكتمل المجموعة، أما العلبة الأخرى فرفضت التفريط بها، وحملت أمانتها على عاتقها إلى أن تعيدها إلى الصائغ مثلما اتفق معها "تميم"، ذاك الأخير الذي اختفى عن المشهد لما يقرب من أسبوع لسبب لا تعلمه.

أغلقت الضلفة بخرقة قماشية صغيرة حتى لا تنفلت كعادتها من مكانها، ثم خرجت من غرفتها متجهة إلى والدتها المتواجدة بالمطبخ .. سألتها الأخيرة في جديةٍ، وهي تدير مفتاح الموقد لإشعاله، قبل أن تضع إبريق الشاي عليه:

-هتخلصي إمتى النهاردة؟

جاوبتها وهي تتجه نحو الثلاجة لتسحب زجاجة مياه قامت بتبريدها بداخلها منذ ليلة الأمس:

-يعني على حسب ما دكتورة "ريم" تقول.

احتجت "آمنة" على ذهابها، فقالت:

-مش فاهمة إنتي لسه بتروحيلها ليه؟ مش الحمدلله إنتي بقيتي أحسن، وزي الفل.

كبت ضيقها من اعتراضها غير المقبول، وأخبرتها بتريثٍ، محاولة ألا تنفعل في الحديث معها:

-أنا برتاح معاها، ومحتاجة استشارتها دايمًا في اللي يخصني، بيتهيألي ده مش مضايق حد في حاجة.

بررت والدتها سبب رفضها للمتابعة في تلك الجلسات غير المجدية من وجهة نظرها:

-أنا عايزاكي تركزي في الجواز، والعريس اللقطة اللي معاكي.

عندئذ خرجت عن هدوئها، ودافعت عن رغبتها العنيدة في نيل العلاج المناسب لها بوجهٍ متجهم بشدة:

-ماما، بلاش الله يكرمك أي كلام من النوع ده، أنا على فكرة كويسة من جوا ومن برا، وأستحق حد كويس يعرف قيمتي ويقدرني، ولو مكانتش شايفة ده صدقيني كان رأيي هيختلف تمامًا.

راحت تعلق في سخافةٍ غير مستساغةٍ لها:

-يا بنتي أنا خايفة على مصلحتك، بنات اليومين دول بيعرفوا يوقعوا أجدعها راجل بحركتين مُحن، وشوية دلع.

النقاش معها لن يجدي بأي حالٍ، لهذا غيرت من الموضوع، وسألتها:

-هي "كوكي" هتفضل عند "همسة" كتير؟

أجابت نافية وهي تأتي بصينية لترص فيها الأكواب الزجاجية:

-لأ.. آخر النهار عدي هاتيها وإنتي راجعة.

اعترضت "فيروزة" على إطالة مدة بقائها هناك:

-طيب، بس مكانش في داعي تسبيها اليومين دول يا ماما عندها، هي "همسة" ناقصة وجع دماغ؟

رمقتها بنظرة غامضة قبل أن تعلل أسبابها:

-أهي تسليها شوية، بدل ما هي قاعدة لواحدها، وبعدين لولا إن جوزها مسافر أنا مكونتش تخليها تبات.

لوت "فيروزة" ثغرها في غير رضا، فأكملت والدتها مشددة في حزمٍ:

-المهم ماتغيريش الموضوع، واهتمي بخطيبك، خليه ملهوف عليكي.

تجاهل كلامها كليًا، وقالت في نبرة متعجلة:

-أنا اتأخرت على المحل، لو ناقصك حاجة كلميني.

أتاها صوتها من خلفها وهي تخرج من المطبخ موبخًا إياها:

-اهربي زي تملي.

حاولت ألا تلتفت لها، وتتجنب الاشتباك معها لئلا تفسد صفو مزاجها اليوم، رأت خالها جالسًا في الشرفة، اتجهت إليه، وألقت عليه التحية في ودٍ:

-صباح الخير يا خالي، عامل إيه النهاردة؟

قال بلعثمةٍ طفيفة وهو يبتسم:

-الحـ..مد لله.

سألته في اهتمامٍ، ويدها تمسح على كتفه في حنوٍ:

-دايمًا يا رب، مش عايز حاجة أجيبهالك من تحت وأنا راجعة؟

رد مبتسمًا في امتنانٍ:

-تسـ..لمي يا رب.

همَّت بالتحرك؛ لكنه استوقفها قبل أن تتابع سيرها مُناديًا:

-"فيــ..روزة"!

استدارت عائدة إليه وهي تردد:

-أيوه يا خالي.

ران إليها بنظرة عطوفة مليئة بالندم، قبل أن يتمتم قائلاً:

-ربـ..نا يخلـ..يكي ليا.

لم تعرف بماذا ترد، فاكتفت بمنحه ابتسامة لطيفة، لتواصل السير بعدها حتى باب المنزل، أغلقته خلفها بمجرد أن خرجت، لتهبط درجات السلم وهي تفتش في حقيبتها عن هاتفها المحمول، نظرت إلى شاشته المظلمة، وغمغمت في امتعاضٍ متذمر:

-مافيش مرة كده يغلط ويتصل بيا؟!!

ثم صححت لنفسها ساخرة:

-هو أصلاً معاه رقمي! هعاتبه على إيه؟

خرجت من مدخل البيت، لتمشي على الرصيف بخطواتٍ شبه متعجلة، وتابعت حديث نفسها المنزعج:

-بس المفروض كان ياخده مني، مش يفضل المدة دي كلها من غير سؤال.

راودتها الهواجس، فتكلمت بغير صوتٍ:

-ولا يكون عامل الحركات دي عشان مانرجعش بقية الشبكة، لأ يبقى مايعرفنيش كويس!

تصلب كتفاها وهي تعبر للجهة الأخرى من الطريق لتواصل قائلة بعزمٍ:

-عمومًا هو هيروح مني فين، مسيرنا نشوف بعض، مش هيفضل مستخبي كتير.

رن هاتفها في يدها، فرفعته نصب عينيها، لتقرأ اسم طبيبتها النفسية عليه، أجابت على اتصالها بحماسٍ:

-أيوه يا دكتورة "ريم"، أخبارك إيه؟

انتظرت لوهلة حتى تصغي لما تقوله، ثم استأنفت:

-تمام، أنا فاكرة كويس، هاجي على الميعاد.

أنصتت لتعقيبها، وعلقت:

-شكرًا على وقتك وذوقك.

أنهت معها المكالمة، واستمرت في سيرها وهي تشعر برغبةٍ ملحة تنبعث من ثنايا نفسها، تستحثها على الذهاب من الطريق الآخر، لتعرج على دكان عائلة "سلطان"، وتتفقد "تميم" هناك، علَّه عند رؤيتها يمنحها هذا الاهتمام المُرضي لها، قاومت رغبتها قدر المستطاع، لتقول في عبوسٍ يشوبه العتاب:

-هو المفروض اللي يدور عليا مش العكس!

عدلت عن تنفيذ رغبتها بصعوبة، وسارت من الشارع المغاير لتنأى بنفسها عن محيط العائلة، وذلك الشوق العجيب إليه يحز في قلبها.

..................................................

انصرفت مبكرًا من عملها، لتلتقي بطبيبتها في الحديقة التابعة للمركز العلاجي الذي تقوم الأخيرة بالإشراف فيه على كبار السن من المرضى، كان المكان مريحًا بشكلٍ كبير لها، اعتادت على التنفيس عن أكثر همومها ثقلاً بتواجدها فيه. جلست "فيروزة" على المقعد المريح، وسحبت الوسادة لتضعها خلف ظهرها، ثم واصلت الكلام بشكلٍ يعبر عن ضيقها:

-أنا بأحس إني مطمنة معاه، بس في نفس الوقت مش عايزة أأقرب منه.

كانت "ريم" جالسة في الجهة المقابلة لها، تراقبها بعينين دارستين لكل ما يصدر عنها، دونت شيئًا ما في مفكرتها الصغيرة، وسألتها بهدوءٍ:

-ليه مش عايزة تقربي؟

تهدل كتفاها في خوارٍ وهي تجيب:

-خايفة.

نظرت إليها بثباتٍ، لتوجه سؤالها التالي لها بنفس النبرة الهادئة:

-خايفة من إيه؟

سحبت نفسًا عميقًا، طردته على مهلٍ، قبل أن تخبرها بترددٍ:

-خايفة أحط ثقتي الكاملة في حد ويخذلني.

لحظة من السكون عمت في المكان، إلى أن تكلمت "ريم" في النهاية لتسألها:

-طب هو خذلك قبل كده؟

لم تفكر وهي تجيبها نافية مصحوبة بهزة من رأسها:

-لحد دلوقتي لأ.

ابتسمت "ريم" ابتسامة عملية، وتابعت متسائلة بتريثٍ:

-وإيه اللي يخليكي ماتجازفيش معاه وتديله الأمان؟

خنقت غصة جارحة لحلقها حين أخبرتها في ألمٍ:

-لأن "آسر" كان كده، زي ما بيقولوا عملي البحر طحينة، لسانه حلو، بيعرف ينقي الكلام، واستحالة لو بتسمعيه تُشكي فيه.

قبل أن تعقب عليها، صمتت "ريم" لما يقرب من دقيقة حتى تهدأ، فقد رأت تأثير الذكرى على ملامحها المتشنجة، ثم عارضت تفكيرها غير الموفق في حذرٍ:

-بس "تميم" غيره نهائي، المقارنة بينهم ظالمة!

لمعت عينا "فيروزة" إلى حدٍ كبير بعبراتٍ خائنة، وهذا الشعور الغريب يؤلمها، ازدردت ريقها بصعوبةٍ، وتنهدت ببطءٍ حتى تثبط من نوبة بكاءٍ وشيكة، لتقول بعدها:

-أيوه، وده محسسني بالذنب، وخصوصًا إني شيفاه بيحاول يرضيني ويريحني، ده تقريبًا ما بيجبرنيش على حاجة.

هونت عليها الأمر بتأكيدها:

-خدي الموضوع ببساطة يا "فيروزة"، مافيش داعي إنك تشيلي نفسك فوق طاقتها.

ردت في ألمٍ:

-غصب عني.

لجأت "ريم" لأسلوبٍ آخر في الحوار معها، فخاطبتها بابتسامةٍ متفائلة:

-يعني نقدر نقول إنه شيء كويس في "تميم"، إنك تقدري تتفاهمي معاه، وتخلقي لغة حوار شيقة بينكم.

هزت رأسها موافقة حين ردت:

-أيوه.

تأملتها "ريم" وهي تخرج من حقيبتها منديلاً ورقيًا لتمسح العالق في أهدابها من دموعها، لتسألها مباشرة:

-"فيروزة"، إنتي لسه مش قادرة تبني الثقة بينك وبينه، صح؟

ساد في نبرتها ندمًا واضحًا وهي تعترف لها:

-أنا بحاول والله، بس غصب عني، هو كمان ساعات بيديني إحساس إني مجرد واحدة عادية، وأوقات تانية بحس إني كل حاجة مهمة عنده.

اللقاءات المنتظمة معه جعلتها تفهم الكثير عن طباعه ومبادئه المتأصلة فيه، لهذا كان من اليسير عليها أن تخبر مريضتها بغير تحيزٍ:

-مافكرتيش للحظة إن دي ممكن تكون طبيعة شخصيته؟ أو البيئة المحيطة بيه بتفرض عليه إنه يتصرف برسمية شوية؟!!

أصغت لها "فيروزة" بانتباهٍ تام، وكأنما تعاود تقييم الأمور من منظورٍ آخرٍ قد غفلت عنه منذ أن اتخذت علاقته بها منحنًا رسميًا، في حين تابعت "ريم" إيضاحها المستفيض قائلة:

-خاصة إن بعض العلاقات في المجتمع الشرقي مرفوض فيها إن الراجل يبين بعض اللطف، أو نقدر نقول نوع من الحميمية البدائية المتبادلة مع الطرف التاني، وده طبعًا قبل ما تاخد الشكل الرسمي ليها.

جاء تعقبيها بسيطًا ومنطقيًا:

-ما احنا مخطوبين.

تركت "ريم" مفكرتها جانبًا، وضمت كفيها معًا وهي تخبرها:

-طيب أنا هفهمك قصدي بطريقة تانية، بس يا ريت تجاوبي بصراحة.

رحبت بهذا الاقتراح، فقالت:

-اتفضلي، أنا جاهزة.

استقامت "ريم" في جلستها، وسألتها في ثباتٍ دون أن تطرف عيناها:

-هل تقبلي إن خطيبك يتجاوز معاكي في تصرفاته سواء في الكلام أو التلميح، وفي بعض الأحيان اللمس؟!!

على الفور تحفزت "فيروزة" في جلستها المسترخية، وغابت عنها ملامح الندم، لتحل علامات النفور والغضب على محياها وهي ترد:

-لأ طبعًا، استحالة أسمح بكده.

ابتسمت وهي تشير بيدها:

-شوفتي، إنتي رافضة النوع ده من استباحة التصرفات في العلاقة ...

هزت رأسها تؤيدها، فأكملت "ريم" تسألها بنفس الثبات:

-طب ليه التناقض ده موجود جواكي؟

عاد التردد يسيطر عليها وهي تقول:

-مش عارفة، حقيقي مش لاقية سبب للي بعمله.

ظلت "ريم" محافظة على ابتسامتها الودودة وهي تسألها:

-ولا ممكن نفسر الموضوع بإنك حابة تحسي باهتمامه أكتر بيكي؟

على ما يبدو أن وجه "فيروزة" قد أصبح أكثر دفئًا مع استحضارها لمشاهدٍ خاطفة من لحظات لقائه بها على مدار الأشهر السابقة، أراحت ظهرها للخلف، وقالت بشرودٍ:

-أيوه، يمكن ده مفتقداه ...

راقبتها "ريم" عن كثب وهي تستفيض في التوضيح:

-أنا بشوف في نظراته ليا كلام كتير عايز يقوله، بس فعليًا ما بينطقش بحاجة، تقريبًا آ...

توقفت عن إتمام جملتها وهي تشعر بنوعٍ من الحرج؛ لكن "ريم" استمرت في الضغط عليها برفقٍ، لتستخرج منها ما تريد معرفته:

-تقريبًا إيه؟

تحاشت النظر إليها وهي تقول:

-يعني بيعاكسني كده بكلام مداري.

ضحكت الأخيرة في وداعةٍ، وأثنت عليه قائلة:

-دي محاولة لطيفة منه.

ردت في اقتضابٍ خجل:

-شوية.

لم تحبذ طبيبتها أن تكون لحوحة في سبر أغوارها، أرادت ألا تستثير دفاعاتها لتلجأ للصمت أو كبت مشاعرها عنها، فأرجأت الحديث عن هذا الموضوع لتنتقل إلى آخرٍ على نفس القدر من الأهمية، فاستطردت تخاطبها في نفس اللهجة المهتمة:

-طيب نتكلم عن الشق التاني في مقابلتنا النهاردة، والدتك.

وكأن الحزن قد وجد طريقه إليها، فرزت علاماته في عينيها، وانعكست في نبرتها حين أردفت قائلة:

-ماما .. تقريبًا واخدة سكة مرات خالي، رغم إني بحاول أكدب إحساسي ده، بس حبها للفلوس بقى مكشوف، دلوقتي بتدور على المادة أكتر من اهتمامها بيا، يمكن في الأول كنتي تحسي بخوفها عليا أنا وأختي، بس معرفش إيه اللي حصل وخلاها تفكر بالشكل ده، وللأسف بيأثر عليا بشكل بشع.

مطت "ريم" فمها للحظةٍ، ثم أمسكت بمفكرتها، وبدأت في التحاور معها بتريثٍ مدروس:

-خلينا نحكي أكتر بالتفاصيل عن المواقف اللي عززت الشعور ده جواكي.

...............................................

يومها الطويل، المزدحم بعشرات الأشياء، انتهى أخيرًا بعد زيارتها القصيرة لتوأمتها، مكثت لما يقرب من الساعة معها، ثرثرت في عدة مواضيع مختلفة، كانت غالبيتها تدور حول "تميم" بشكلٍ مبطنٍ أحيانًا، وبشكلٍ مباشر في الأغلب. ظهر الإرهاق على وجه "فيروزة"، وبدأ يزحف على باقي جسدها، فنهضت واقفة، واتجهت إلى الباب ويدها تسحب "رقية" خلفها، تبعتهما "همسة" قائلة بتعابيرٍ حزينة:

-ما تخليكوا قاعدين شوية، ده أنا ملحقتش أشبع منك يا "فيرو".

وعدتها بلطافةٍ:

-مرة تانية هبقى عاملة حسابي أقضي النهار كله معاكي، مش هيبقى ورايا إلا إنتي ...

ثم ما لبث أن تحولت نبرتها للجدية وهي توصيها:

-المهم خدي بالك من صحتك، ومن البيبي.

ردت بعد زفيرٍ متمهل:

-ربنا المعين.

وكأنها تجد بعض السلوى والتسلية في الحديث مرارًا وتكرارًا عنه، فخفق قلبها وشقيقتها تسألها:

-مقولتيش "تميم" بيكلمك؟

كسا العبوس وجهها وهي ترد نافية:

-لأ.

برقت عينا "همسة" مصدومة، ولسانها يردد في ذهولٍ:

-معقولة!!!!

أوجدت له "فيروزة" العذر:

-هو مش معاه رقمي.

لاحقتها مباشرة بسؤالها التالي، بما يتضمن الاتهام بالتقصير في أمرٍ خطير:

-إيه ده، هو إنتي ماخدتيهوش من يوم ما خرجتوا تجيبوا الشبكة؟

قالت نافية:

-لأ، اتلبخنا في كام حاجة بعدها.

ضربت "همسة" راحتها بالإطار الخشبي للباب، ودمدمت في استياءٍ:

-يادي الحظ الفقر، وهو أصلاً مسافر مع "هيثم"، مشغولين في توريدة كبيرة، يعني مش هيسأل عنك خالص لحد ما يرجعوا.

يا للمصادفة! الآن علمت سبب اختفائه المريب عن الساحة، وهي التي ظنت أنه يتجاهلها عن عمدٍ، ليثير في نفسها مشاعر الغيظ، وربما الغيرة، ندمت لتسرعها المعتاد في استباق الأحكام عليه، وكذلك الظن السيء به. تعقد ما بين حاجبيها، وراحت تخبر توأمتها:

-عشان كده مش بشوفوا نواحي الدكان خالص مع إني بعدي كل شوية من هناك.

رمقتها "همسة" بنظرة عابثة وهي تقول مبتسمة في لؤمٍ:

-أيوه بقى، ابتدينا الحركات والتكات.

تحرجت من اعترافها النزق، وأخذت تبرر لها ببعض الحجج التي لم تكن مقنعة بالقدر الكافي:

-يا بنتي ده عشان بس الشارع مكسر، فبضطر أعدي من قصادهم.

غمزت لها "همسة" من طرف عينها، وقالت في عبثيةٍ:

-وماله، ده خطيبك، وكلها كام يوم ويبقى جوزك رسمي، يعني ادلعي براحتك عليه.

صححت لها "فيروزة" الشق الخاص بعقد القران، فأخبرتها بتعابيرٍ تحولت للجدية في لحظةٍ:

-مش أنا معرفاكي إننا هنأجل شوية.

استمرت في عبثيتها وهي تعلق عليها:

-أيوه، بس جايز تغيروا رأيكم، وخير البر عاجله.

رمقتها بنظرة محذرة قبل أن تشير بإصبعها قائلة:

-إنتي هتعملي زي ماما ولا إيه؟

ارتفعت رنة الضحك في صوتها قبل أن تمتدحه في فخرٍ:

-أه طبعًا، ده المعلم "تميم" على سِن ورمح، مين زيه في المنطقة!

لئلا يظهر شعورها بالغبطة لمجيء الحديث على ذكره، وتنعكس آثاره غير القابلة للشك على تعابيرها، عَمدت "فيروزة" لوضع قناع التجهم على وجهها، وقالت في جديةٍ:

-بقولك إيه، أنا همشي أحسن.

أنهت جملتها وهي تسير على البسّطة متجهة إلى الدرج، وبصحبتها ابنة خالها، ليتبعها صوت "همسة" المودع لهما:

-ماشي يا "فيرو"، باي يا "كوكي".

استدارت "رقية" برأسها ناحيتها، ولوحت لها بيدها قائلة:

-باي باي يا "هموسة".

جاء صوت "همسة" عاليًا بعض الشيء وهي تهتف:

-هستناكي تقوليلي خدتي رقمه ولا لأ.

هبطت "فيروزة" الدرجات بتعجلٍ، إلى أن وصلت عند طابقه، وقفت أمام باب منزله، تجمدت نظراتها لثوانٍ على الكتلة الخشبية، كأنما تريد لعينيها أن تنفذا للداخل، فتشبع النهم الغريب المتفشي في وجدانها، والمُطالب بملء الفراغ الذي أحدثه بغيابه القاسي، أخذت تسير بتباطؤ، كأنما تستصعب الابتعاد عنه حتى أصبحت على السلم من جديد، وهذا الصوت المستنكر يصرخ في طيات عقلها:

-مش لما أشوفه الأول، للدرجادي قادر يغيب عني ....................................... !!!

.................................................. .......










منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 13-08-21, 06:13 PM   #1107

نيروز الشرق

? العضوٌ??? » 341698
?  التسِجيلٌ » Apr 2015
? مشَارَ?اتْي » 220
?  نُقآطِيْ » نيروز الشرق is on a distinguished road
افتراضي

روايه حلوه كثير ...اللي جاي من الفيس يحط لايك

نيروز الشرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-21, 08:27 PM   #1108

Om noor2
 
الصورة الرمزية Om noor2

? العضوٌ??? » 445147
?  التسِجيلٌ » May 2019
? مشَارَ?اتْي » 267
?  نُقآطِيْ » Om noor2 is on a distinguished road
افتراضي

فيروزة دي بتفكرنى بالمثل اللي بيقول" عيني فيه واقول اخيه "
تسلم الايادى... في انتظار القادم


Om noor2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-21, 11:05 PM   #1109

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 6 والزوار 7)

‏موضى و راكان, ‏سلام لعيونك, ‏فتاة طيبة, ‏شموخي ثمن صمتي, ‏k_meri, ‏Om noor2


تسلمى يا نولا فصل ممتع


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-08-21, 02:07 AM   #1110

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


بأمر الله هايكون في توقف اضطراري لمدة أسبوع نظرًا لانشغالي في العمل، وعدم تفرغي الفترة دي للكتابة، وهعاود النشر يوم السبت القادم إن شاءالله ..




الفصل المائة والثاني والخمسون





جعل العوز، مع ضيق ذات اليد، تفكيرها مغايرًا لما كان عليه، فأصبحت أشد حرصًا على ما يُدر عليها المال؛ وإن كان مخالفًا للمعهود. طوت "آمنة" الإيصــال الذي قامت بتسديده في الصباح، وناولته إلى شقيقها قائلة بزفيرٍ مهموم:

-كده أنا دفعت القسط التالت يا "خليل"، ويومين وهاخد حُجة الأرض من البايع.

رد في استحسانٍ وهو يدسه في جيب قميصه العلوي ببطء:

-كـ..ويس.

عاتبته في تبرمٍ صريح:

-مكانش ليها لازمة تعمل كده، إنت عارف إننا محتاجين كل قرش دلوقتي، أنا لوحدي مش هقدر أتصرف.

طالعها "خليل" بنظرة طويلة غير نادمة على إقدامه على تلك الخطوة، فتجميد ما كان معه من أموال سائلة، ووضعها في مساحة من الأرض، قد يتضاعف ثمنها أضعاف ما دفعه فيها في المستقبل، بدا القرار المناسب. كما أنه أصر على أن يتم تسجيلها باسم وحيدته، ليضمن توفير حياة كريمة لها بعد رحيله، فلا تضطر للجوء للغرباء أو طلب الإحسان من الغير. كان وجهه كلوحٍ من الجليد وهو يخبرها:

-بأمــ..ن مسـ..تقبل بنتي بـ..فلـ..وسها.

اعترضت عليه بنفس التجهم:

-وأنا مكونتش هقصر معاها، بس إنت فاهم وضعنا بقى عامل إزاي، المصاريف يدوب على الأد، واللي رايح أكتر من اللي جاي بكتير ...

نظر إليها في عجزٍ، فقد كان المقصود بتلميحها المتواري عن زيادة أعباء علاجه غير المنتهي، لم تهتم "آمنة" بنظراته المليئة باللوم، واستمرت في شكواها المريرة، فقالت:

-ده غير إن "فيروزة" عمرها ما هتفكر زيك ولا هتكون زيي، هي ماشية بدماغها.

وبخها في حدةٍ:

-بنتـ..ك شافت كتير، مش هنبقى احـ..نا والـ..زمن عليها ...

قست نظراتها ناحيته، فواصل كلامه بنفس النبرة الحادة رغم تلعثمه:

-زمـ..ان لمـا كنت.. بصحتي أنا أذيتها جــ..امد، ودلوقتي أنـ..ا ندمـ..ان على كـ..ل حاجة عملـ..تها فيها.

علقت عليه في يأسٍ:

-أنا نفسي تعمل زيك وتأمن مستقبلها، محدش ضامن بكرة هيحصل فيه.

لوى ثغره معقبًا في استهجانٍ:

-يـ..اريت ماتبقـ..اش زيي.

نهضت من جواره، وتحركت مبتعدة عنه وهي تخاطبه في غيظٍ:

-إنت يا "خليل" دماغك بقت أنشف من الحجر الصوان، من ساعة اللي جرالك وإنت اتغيرت.

رفع من نبرته قائلاً، ورنة الندم تظهر فيها:

-أنا خسـ..رت مكسبتش حاجة، خليني أحــ..افظ على اللي فــ..اضل.

تغاضت عن الرد عليه، لتخاطب نفسها بنبرة متنمرة، والضيق يملأ صدرها:

-الظاهر الشقا اتكتب عليا لوحدي وأنا في السن ده.

.................................................

الاشتياق، شعورٌ لم تتفقه أبعاده الكاملة بعد؛ لكنها كانت في أول مراحله، أصابها السأم لبعده، ونال منها الضجر لعدم رؤياه. حالة من الفوضى والتخبط انتشرت في رأسها، حتى كادت تصيبها بالإحباط، لحرمانها من مناوشاته اللطيفة معها، تلك التي ينجح في نهايتها في رسم الابتسامة على شفتيها، كأنما يعرف جيدًا كيف يجعلها تضحك بذكائه. خرجت "فيروزة" من مدخل البناية وهي تسحب "رقية" خلفها، أشارت بيدها للأمام قبل أن تشرع في عبور الطريق:

-تعالي عشان نعدي من هناك.

تثاقلت خطوات ابنة خالها، بل بدا وكأنها تجذبها للخلف مستصعبة السير معها، فالتفتت الأولى لتنظر إليها في استغرابٍ، وقبل أن تسألها بادرت "رقية" قائلة بجسدٍ يتلوى قليلاً:

-"فيرو"، أنا عاوزة أروح التويلت.

توقفت عن المشي، وضاقت عيناها قائلة في استنكارٍ:

-وده وقته؟

كررت عليها الصغيرة وهي تضم ساقيها معًا:

-"فيرو"، مزنوقة.

تلفتت "فيروزة" حولها في حيرةٍ وهي تتساءل؛ كأنما تفكر بصوت مرتفع:

-طب والعمل إيه؟

انخفضت نظراتها نحو الصغيرة، وسألتها رغم تيقنها بأنها لن تتحمل:

-مش هتقدري تمسكي نفسك؟

هزت رأسها نافية وهي ترد:

-لأ.

استدارت عائدة من حيث أتت، وهي تشد "رقية" معها، لتغمغم بصوتٍ لم يكن عاليًا:

-طيب تعالي نرجع لـ "همسة"، مقدمناش إلا كده.

على غير المتوقع، وعند المدخل تحديدًا، تقابلت "فيروزة" مع الحاج "بدير"، ما إن رأهما الأخير حتى ألقى عليهما التحية مرحبًا بحرارةٍ واضحة:

-يا أهلاً بالغاليين، نورتوا المكان.

ردت "فيرزوة" في تهذيبٍ:

-إزي حضرتك يا عمي؟

أجابها مبتسمًا في وقارٍ:

-الحمدلله في نعمة ..

ثم ثبت نظراته على الصغيرة التي تهتز في توترٍ، وتساءل مستفهمًا:

-كنتو عند الحاجة "ونيسة" ولا إيه؟

ضمت شفتيها لثانية، قبل أن تجاوبه نافية في حرجٍ:

-لأ، ده احنا كنا عند "همسة" شوية، بس "كوكي" عاوزة تروح الحمام، فطالعين عندها تاني.

عاتبها عتابًا راقيًا:

-يعني تبقوا موجودين هنا، وماتعدوش علينا؟ يعني لولا زنقة البنت مكوناش نشكوفكم؟!

بررت له في تحرجٍ واضح على محياها:

-احنا مش عايزين نزعج حضرتك.

أشار لها بيده الممسكة بعكازه لتتبعه في السير وهو يكلمها بمحبةٍ:

-إزعاج إيه بس، ده اسمه كلام برضوه، ده بيتك.. تنوريه في أي وقت .. تعالي يا بنتي.

همَّت بالاعتراض عليه، فقالت بترددٍ لا يخلو من الحرج:

-بس آ..

قاطعها في إصرارٍ غير قابل للنقاش وهو يتجه صعودًا في همةٍ:

-والله أنا اللي هزعل، ده غير إن الحاجة بتسأل عليكي، وجدك "سلطان" هايفرح أوي لما يشوفك.

أمام دعوته السخية، عجزت "فيروزة" عن رفض طلبه، وقالت وهي تسرع في صعودها على الدرج:

-حاضر.

................................................

ظلت جالسة في بهو الصالة، غارقة في الصمت الخجل، حين ولجت لداخل المنزل، تاركة الصغيرة تنسل من يدها، لتتجه إلى الحمام، حتى تقضي حاجتها، بدا السكوت اختيارها الأمثل في زيارتها الاستثنائية لعائلته، خاصة في عدم حضوره، حقًا ترك غيابه القليل من الأثر الممتزج باللهفة في نفسها، أحست كم أن يومها فارغًا بدونه! يكاد يمر ببطء؛ وكأن الدقائق لا تمضي بيسر.

استغرقت "فيروزة" في تفكيرها عنه حتى انتبهت لصوت "ونيسة" المرحب بها:

-يادي النور، يادي الهنا، عروسة ابني القمر عندنا.

نهضت واقفة لتبادلها التحية الحارة، المصحوبة بالقبلات والأحضان القوية، قبل أن ترد بوجهٍ تورد بشكلٍ خفيف:

-شكرًا يا طنط على ذوقك.

ابتسمت وهي تدعوها للجلوس:

-نورتي يا بنتي، ده أنا بفرح لما بشوفك عندنا.

حمدت الله أن الأفكار المنتشرة في رأسها عن ابنها لا تُقرأ، وإلا لكُشف أمرها وأصابها الحرج الشديد، زينت ابتسامة لطيفة صفحة وجهها وهي تكرر شكرها:

-ربنا يخليكي يا طنط ...

ثم أضافت وهي ترمش بعينيها في استحياءٍ مبرر:

-أنا أسفة على الدوشة اللي حاصلة من "كوكي".

أخبرتها في عفويةٍ، وصوت ضحكتها يسبق كلامها:

-متقوليش كده، دي في معزة "سلطان" الصغير، والعيال ياما بيعملوا، وبعدين "هاجر" مصدقت تمسك فيها.

علقت في امتنانٍ:

-حقيقي هي حنينة أوي وطيبة.

برزت ابتسامة عريضة على وجه "ونيسة" وهي تؤكد لها عن ثقة بائنة كذلك في عينيها:

-ماتتخيرش عن أخوها، الاتنين مافيش أحن منهم على غيرهم.

مجرد استحضار مشاهد تعامله الحاني مع الصغيرة، وحتى معها، جعل الدفء يتسلل إليها، سرعان ما تلاشت الصور الوهمية لتصبح كالسراب، عندما انضم إليهما "بدير" قائلاً وهو يتخذ مكانه للجلوس بعد أن بدل ثياب العمل بأخرى مريحة:

-معلش يا "ونيسة" هتعبك شوية، اعمليلنا بإيدك الحلوة ليمون بالنعناع.

استقامت واقفة، واحتجت في لطفٍ أظهر إصرارها:

-ليمون إيه يا حاج؟ ده أنا هحضر السفرة، خلينا نتجمع وناكل سوا.

هنا نطقت "فيروزة" بوضوحٍ رغم تحرجها من رفضها السخيف:

-مش هينفع خالص، أنا مقولتش لماما، وكمان لازم أرجع بدري عشان خالي مايضايقش من تأخيرنا.

تفهم "بدير" أسباب رفضها المقنعة، وجدد دعوته قائلاً بوجهٍ مبتسم:

-طيب اعملي حسابك بقى كلكم معزومين عندنا، ظبطي مع الحاجة والدتك، وبلغينا بالميعاد المناسب ليكم.

أومأت برأسها معقبة:

-حاضر ربنا يسهل.

استطردت "ونيسة" تخبرها بملامحها الضاحكة البشوشة:

-إن شاءالله الزيارات ماتتقطعش بينا، والله أنا المفروض كنت أعدي واسأل عليكي، بس "تميم" مسافر، ومحلفني ما أروح إلا ورجله على رجلي.

الإتيان على ذكره عفويًا أصابها بالتلبك، وجعل نبضات قلبها تتسارع، يا لدهشتها المتعجبة! أترديد اسمه فقط ينقلها بقوة إلى تلك الحالة من اللهفة؟ أجلت صوتها، وقالت في ابتسامة صغيرة:

-ربنا معاه.

هتف "بدير" في زوجته يأمرها:

-اللمون يا "أم تميم"، ولا هنقضيها رغي؟

ضحكت قبل أن تخاطبه في ودية:

-أعدتها مايتشبعش منها، على طول يا حاج هاعمل أحلى لمون يطري على القلب ...

بدأت "ونيسة" في التحرك، ووجهت إليها كلامها:

-شوية ورجعالك يا بنتي.

هزت رأسها في تفهمٍ، واستدارت ناظرة إلى "بدير" بعد أن اختفت عن مرمى بصرها، لتصغي إليه وهو يكلمها في جديةٍ:

-أنا مشيتها عشان أقولك كلمتين على جمب كده.

تحفزت في جلستها، وقالت:

-اتفضلي يا عمي.

استخدم سبابته في الإشارة وهو يردد:

-شوفي أنا طبعي ناشف حبتين، شديد على عيالي، ماحبش العوج، ولا الدلع اللي في غير محله.

أحست في قرارة نفسها أن الأمر على قدرٍ من الخطورة، فأوجزت في تعقيبها لئلا تشتت أفكاره:

-تمام.

دق قلبها في قوةٍ، وشعرت بضجيج نبضاته يتردد في أذنيها، استعدت للقادم من حديثه، وافترش على وجهها علامات القلق حين تابع:

-فعشان كده تلاقيني مشدد على "تميم" إنه يلزم حدود الأدب معاكي لحد ما ربنا ييسر ويتقفل عليكم باب واحد.

بدأت الآن تستوعب كل ذلك الجمود في علاقة ابنه بها، كأن هناك طوْدًا فاصلاً بينهما، ارتخت تعبيراتها المشدودة بالتدريج وهو يمنحها المزيد من التوضيح:

-جايز ده يخليكي تفتكري إني محبكها شوية معاكو، بس أنا بعمل لمصلحته قبل مصلحتك، فتلاقيني موصيه يحسن الأدب معاكي، ولسانه مايفلتش بكلمة كده ولا كده، يتقي ربنا فيكي، لأن اللي مرضاش بيه لـ "هاجر" أنا مقبلش بيه عليكي.

التقدير، والشعور بالاعتزاز ازدادا عمقًا بداخلها بعد أن علمت ما غاب عن تفكيرها من تفسيرٍ ملائم لذلك الحذر في المعاملة، وما أشارت إليه أيضًا "ريم" خلال جلستها الأخيرة معها. عادت إلى رشدها بعد شرودٍ لحظي لتصغي إليه وهو يؤكد لها:

-بس مسيرك تعرفي وتشوفي غلاوتك عنده، وساعتها هتقولي عمك كان معاه حق يقرص عليه ومايسبلوش الحبل على الغارب.

المزيد من الاعترافات المتخمة بالحقائق المنقوصة جعلها تشعر بالانتشاء والسعادة، إذًا لم يكن كما كانت تظن أنه مجبرٌ على الزواج منها، بل هناك فيضٌ من المشاعر الجياشة المحجوزة وراء سدٍ من الجمود والجدية، قاومت سرحانها في التفكير فيه قدر المستطاع، وحمحمت قائلة بجديةٍ غير حقيقية:

-الصح والأصول ماتزعلش حد.

رفعت "فيروزة" وجهها الدافئ نسبيًا من الدماء المتصاعدة إليه، لتنظر ناحية الجد "سلطان" الذي أطل عليهما قائلاً في ترحابٍ يشوبه العتاب:

-يعني أبقى آخر من يعمل إن الغالية عندنا هنا؟!

رد "بدير" ناهضًا من مكانه:

-لأ يابا، احنا كنا هنقولك، دي يدوب لسه جاية ...

ثم أفسح له المجال ليجلس مكانه، وانتقل إلى الأريكة الأخرى قائلاً:

-اتفضل يابا، ارتاح هنا.

وقفت "فيروزة" احترامًا وتبجيلاً له، ثم قالت في تهذيبٍ:

-أنا جيت من شوية يا جدي.

رد "سلطان" مبتسمًا:

-نورتي يا بنتي.

ثم خاطب ابنه في غلظةٍ زائفة:

-فين المحمر والمشمر؟ إنتو عايزين تجوعوها ولا إيه؟

هنا انتفضت معترضة في تحرجٍ خجل:

-أبدًا والله، ده هما قايمين بالواجب وزيادة، بس أنا اللي مش عاوزة.

قال في نبرة موحية:

-أيوه، مش موجود اللي يفتح نفسك.

برقت عيناها في صدمة لتلميحه المفهوم، وازدردت ريقها وهي تجلس في تباطؤ في مكانها، ثرثر الجد قليلاً في بضعة مواضيعٍ متفرقة، قبل أن يخاطب ابنه بلهجة متسائلة:

-إنت مش خلصت كلام معاها يا "بدير"؟

حرك رأسه بالإيجاب عندما جاوبه:

-أيوه يابا.

استند الجد على مسندي الأريكة بقبضتيه ليدعما جسده وهو ينهض، ثم قال بعد زفرة سريعة:

-يبقى ده دوري تقعد معايا حبة، تعالي يا حبيبة الغالي.

نهض "بدير" بدروه تقديرًا لوالده، ووجه الأمر لـ "فيروزة":

-روحي يا بنتي ورا جدك.

اعترضت في ترددٍ:

-بس "كوكي" آ...

رفع "بدير" يده أمام وجهها، مقاطعًا إياها قبل أن تتم جملتها، ليطمئنها:

-متقلقيش عليها، هي مع "هاجر"، وبعدين دي ليها هنا زي ما ليكي.

تنحنحت قائلة في لطفٍ:

-ربنا يخليك يا عمي.

استأذن بالذهاب خلف الجد "سلطان"، وتباطأت خطواتها نسبيًا حين سبقها في الدخول أولاً، ليأتيها أمره بعد ذلك واضحًا:

-واربي الباب وراكي.

ولجت للداخل، وتركت فرجة صغيرة من الباب وهي تقول في طاعة:

-حاضر.

راقبته بانتباه واضح وهو يجلس في مقعده المجاور لفراشه، أشار لها لتتقدم نحوه، فامتثلت لأمره غير المنطوق، وسألته في اهتمامٍ:

-خير يا جدي؟

وجه أنظاره نحو تلك البقعة من طرف الفراش، حيث اعتاد حفيده الجلوس في مواجهته، وأمرها في حزمٍ:

-اقعدي هنا.

أومأت برأسها قائلة:

-طيب.

لم تكن "فيروزة" قد رأت الصندوق الخزفي الموضوع إلى جوارها، انتبهت إليه فقط حين أشار إليه "سلطان" بيده:

-افتحي الشتمجية دي.

انحنت قليلاً لتلتقطه بيديها، كان ثقيلاً بعض الشيء، أسندته في حجرها، وسألته في غرابةٍ:

-فيها إيه؟

قال بغموضٍ مُلح:

-افتحي بس.

لم تجادله، وأوجزت في انصياعٍ:

-حاضر.

تنفست بعمقٍ، وتحسست براحتيها حوافه البارزة، قبل أن ترفع الغطاء المطعم بالفضة للأعلى، لتنظر إلى المشغولات الذهبية التي تحتويه، تدلى فكها السفلي في دهشةٍ عظيمة، وأخذت تردد وعيناها تطوف على مقتنياته باهظة الثمن:

-ماشاءالله.

خاطبها الجد بنفس النبرة الهادئة:

-في إسورة عريضة محطوطة على الوش.

لم تكن بحاجة للبحث عنها، فقد كانت الأبرز في لفت الأنظار، امتدت يدها لتسحبها من وسط باقي الحُلي، ورفعتها إليه متسائلة:

-دي يا جدي؟

لمحة من الحزن العميق انتشرت في عيني "سلطان" وهو يؤكد لها:

-أيوه هي.

مدت يدها الممسكة بحذرٍ بالسوار العريض والمقسم إلى تضليعات مربعة ناحيته، قبل أن تقول في نبرة مهذبة:

-اتفضل يا جدي.

رفع راحته معترضًا على أخذها وهو يأمرها بنبرة لا تُرد:

-خليها معاكي.

حملقت فيه مذهولة، وسألته في ربكةٍ متوترة:

-أعمل بيها إيه؟

سحب "سلطان" نفسًا عميقًا يثبط به نوبة الحزن التي اجتاحته، ثم حرك يده ليرفعها نحو وجهه في تمهلٍ، ليمسح الدمعة النافرة من طرفه، وقال بنبرة شبه مختنقة:

-دي هدية ليكي، حافظي عليها لأنها غالية عندي.

خفق قلبها في تأثرٍ، وتطلعت إليه في غير تصديقٍ وهي تسأله:

-ليا أنا؟

باعد أنظاره الحزينة عنها، ليقول في هدوءٍ، كأنما يستحضر طيف محبوبته الغالية في فضاءات عقله:

-أنا كنت شاريها للمرحومة "فُتنة" مراتي في أول جوازنا، مقلعتهاش من إيدها، كانت بتعزها أوي، زي ما تكون حتة منها .. فضلت لبساها لحد ما راحت لدار الحق.

زاد تأثرها لاعترافه، وأحست بالقيمة المعنوية لهديته عن قيمتها المادية، انخفضت نظراتها لتتأملها في إمعانٍ، وعيناها تحتجز عبراتٍ رقراقة بداخلهما. واصل "سلطان" استرساله في شوقٍ ما زال نابضًا به:

-كان صعب أفرط فيها، وأديها للي مايعرفش قيمتها عندي، دي حتة مني، ماتطلعش غير للغالي زيها.

شعرت بدفءٍ يجتاح بشرتها جراء الدموع المنسابة على وجهها، خاصة عندما قال:

-بس دلوقتي أنا مطمن، لأنك هتحافظي عليها كويس.

لم تخفِ دمعاتها المتأثرة وهي تقول بتحيرٍ حقيقي، يسود فيه الامتنان الشديد:

-أنا مش عارفة أقولك إيه يا جدي.

منحها الجد نظرة عطوفة وهو يخبرها:

-لما بشوفك بفتكرها، فيكي حاجات كتير منها ..

لامس قلبها بكلماته العذبة عن زوجته، رأت في عينيه، كما سمعت في نبرته حبًا حقيقيًا لم تضعفه الأيام، أو ينسيه الفراق المُر. تقوس فمه عن بسمة بسيطة وهو يحادثها:

-تتهني بيها يا بنتي.

بالرغم من نبذها الشديد لمثل تلك النوعية من المغريات المخادعة، إلا أن امتلاكها لهذا السوار تحديدًا كان ذي قيمة معنوية غالية، فاقت ما دونه بكثير. وجدت "فيروزة" نفسها تضمه إلى صدرها، وتشدد من قبضتها عليه، قبل أن تهتف مؤكدة بغصةٍ عالقة في حلقها:

-دي من أغلى الحاجات اللي جاتلي، أوعدك يا جدي إني مفرطش فيها أبدًا مهما حصل.

قال، وبين شفتيه نفس البسمة اللطيفة:

-وأنا متأكد من ده.

ظلت "فيروزة" تنظر إلى السوار في تركيزٍ، كأنها ترى فيه ماضيًا ممتلئًا بالمشاعر العزيزة، أطالت النظر إليه حتى قاطع تأملها الشارد صوت الجد القائل:

-مش هعطلك، سلمي على اللي عندك كلهم.

أغلقت الصندوق، وتركته إلى جوارها على الفراش، ثم نهضت من مكانها تودعه بابتسامةٍ باهتة:

-الله يسلمك يا جدي.

................................................

وضعت "فيروزة" السوار بداخل حقيبتها بحرصٍ واضح، قبل أن تخرج من الغرفة، وتغلق الباب خلفها، انفلتت منها شهقة مباغتة وهي تستدير بغير احترازٍ لتجد "تميم" أمامها، وعلى وجهه إشراقة بددت أي ضيق استبد بها تجاهه. رمقته بنظرة غاضبة كتعبيرٍ عن اعتراضها على ظهورها المفاجئ هكذا بعد غيابٍ دام لعدة أيام. وجدته يبتسم لها في بهجةٍ لا يمكن إنكارها وهو يستطرد قائلاً:

-أنا مصدقتش لما أمي قالتلي إنك موجودة هنا.

نجحت في إخفاء توقها لرؤيته، وعاملته برسمية واضحة:

-إزيك يا معلم؟

زادت بسمته اتساعًا حتى ظهرت النغزات في صدغيه وهو يعترف لها ببطءٍ ضاغطًا على كل كلمة يتفوه بها:

-بقيت أحسن بكتــير لما شوفتك ..

لن تنكر أن السعادة تسللت أيضًا إلى قلبها المُعذب في ابتعاده، وبدأت آثار هذه الفرحة تظهر على وجهها في صورة ابتسامةٍ رقيقة، لم تقاومها، تركتها تتشكل مع نظراته الهائمة إليها، لتجد الكثير من التوق يطفر من عينيه وهو يبادلها النظرات. قطعت التواصل البصري بينهما لتسير في الردهة، وهو من خلفها يسألها:

-هو إنتي كنتي عند جدي؟

أجابت دون أن تنظر إليه، مستشعرة تدافع دقات قلبها، كأنما ترقص في ابتهاجٍ لحضوره:

-أيوه.

هتف يسألها في توجس مرح:

-أوعي تكوني بتشتكيني عنده؟ ده مكانش كيس زبالة اتحدف بالغلط علينا، وربنا ما أنا اللي رميته!

لم تكبت ضحكتها القصيرة الغادرة تعقيبًا على كلامه، وردت في غموضٍ:

-لأ متقلقش.

تنفس عاليًا في ارتياحٍ، وخاطبها بنفس الأسلوب الودي:

-كده أنا أطمن.

تحولت أنظارهما نحو الجانب حين نادى "بدير" بصوته الصارم:

-يا "تميم"!

غمغم في خفوتٍ وهو يشير بإصبعه:

-أبويا.

هزت رأسها في تفهمٍ وهي تكتم ضحكة متسلية لرؤيته يتصرف بتأدبٍ زائدٍ عن الحد، كأنما يخشى العقاب الشديد إن تم لمحه يسيء التصرف، بالكاد نطقت في ثباتٍ وهي تشاور بيدها نحو الأمام:

-اتفضل روحله.

ضم "تميم" إصبعيه معًا وهو يرفعهما نصب عينيها، ثم أخبرها هامسًا:

-ثواني وراجعلك..

ليهرول مبتعدًا عنها وهو يرفع من نبرته هاتفًا:

-أيوه يابا.

شيعته بنظراتها إلى أن اتجه إلى والده الواقف عند أعتاب غرفة نومه، سمعته يخاطبه بلهجته الآمرة موصيًا إياه:

-تنزل توصل خطيبتك للبيت، ماتسيبهاش تمشي لواحدها.

اعترضت "فيروزة" من مكانها:

-مالوش لزوم يا عمي، مافيش داعي أتعب حد معايا.

وجه "بدير" نظراته إليها، وقال في نبرة لا تُخير:

-لا ما يصحش.

استدار "تميم" برأسه هو الآخر ناحية "فيروزة"، ورمقها بتلك النظرة الساهمة المصحوبة بابتسامة بلهاء، ما لبث أن تبددت وتحولت قسماته للوجوم عندما لكزه والده في كتفه يحذره في صوتٍ حازم:

-ومتتأخرش، مفهوم!

تنحنح في خفوتٍ قبل أن يبدى طاعته له:

-حاضر يا حاج، مسافة الطريق.

كانت البدايات بينهما جافة، خالية من أدنى مشاعر الألفة، والقبول، أما في تلك اللحظات، فهناك نوع من الاهتمام المطعم باللهفة والشوق، خاصة من جانبها، وذاك ما كانت تصبو إليه بغير ممانعة!

.......................................

جمعت كل القوة المتبقية بداخلها بعد مجهود اليوم الشاق، لتبدو جامدة، صلبة، غير متأثرة بوجوده؛ لكن على ما يبدو خانتها قواها، وتأزرت مع حواسها لتظهر مدى سرورها بعودته، وكانت عيناها أول من فضحها، لهذا قاومت النظر إليه طوال سيرهما معًا، أثناء حمله للصغيرة "رقية" التي استرخت ونامت على كتفه. بعد لحظات متكررة من التردد تكلمت "فيروزة" أخيرًا، فيما يشبه المعاتبة:

-على فكرة أنا مش معايا رقمك.

رد مبررًا، ونظرة شوق تطل من عينيه إليها:

-أنا ملحقتش أديهولك، اتلخمنا في كام حاجة، بس ملحوئة ...

توقف عن السير، وطلب منها في نبرة مهذبة:

-ممكن الموبايل؟

توقفت هي الأخرى، ولم تتلكأ وهي تعطي له خاصتها، لتقول بابتسامةٍ صغيرة، كأنما كانت تتحين الفرصة لهذا:

-اتفضل.

التقطه من راحتها، وأخذ يعبث به موضحًا ما يفعل:

-أنا بتصل عليا عشان أسجلك عندي، ولو عوزتيني في أي وقت كلميني.

عزوفه عن محاولة التودد إليها أصابها بالغيظ، لهذا وجدت نفسها تسأله فيما يشبه التحفز:

-ليه هو إنت مش هتكلمني؟

آه لو تعلم أنه يضع كل العراقيل ليحجم من مشاعره الثائرة المُطالبة بكل ذرة فيها، بان في عينيه كل الشغف وهو يكلمها بغير صوتٍ كابتًا اعترافه:

-إن كان عليا عاوز أكلمك ليل نهار، مفارقيكش لثانية واحدة.

طال صمته الهائم، فتدارك نفسه ليقول في تريثٍ:

-لو حابة أعمل كده فهتلاقيني بكلمك من وقت للتاني اطمن عليكي.

شعرت بالفتور في رده، فقالت بعبوسٍ بعد أن استعادت هاتفها منه:

-عادي، براحتك.

واصلت السير مجددًا، فسمعته يقول وهو يلحق خطواتها:

-"كوكي" نامت من التعب.

لم تنظر إليه عندما علقت على جملته:

-أه بتلعب طول اليوم بقى.

نظرة متفرسة لوجهها جعلته يدرك مدى انزعاجها من ردوده الجافة؛ لكن ما باليد حيلة، أطلق زفيرًا سريعًا، ثم سألها في هدوءٍ:

-مش ناوية تشوفي الشقة؟

نظرت إليه متسائلة في غرابةٍ طفيفة:

-أنهو شقة؟

أجابها بنزقٍ:

-اللي هنسكن فيها فيما بعد ...

ضمت ما بين حاجبيها في استنكار، فعدَّل من جملته موضحًا بحذرٍ:

-يعني عشان لو معجبتكيش أدور على حاجة تانية مناسبة، عقبال ما ربنا ييسر ونكتب الكتاب حتى لو بعد سنة.

مطت فمها قليلاً، كأنما تفكر فيما ستخبره به، لتقول:

-لما أروح مع "همسة" شقتها هابقى أعرفك.

هز رأسه قائلاً في تفهمٍ:

-ماشي.

ضميره اليقظ يمنعه من التجاوز معها في أي تصرفٍ، كان "تميم" يسير إلى جوارها، حاملاً الصغيرة النائمة على كتفه؛ لكنه غير ملتصقٍ بها، لا تتشابك الأيدي، ولا تتعانق الأذرع، أوجد مسافة نصف متر بينهما؛ ومع هذ ثار القلب الجائع لحبٍ لطالما رجا التمتع به، فحرك كيانه، واستحث لسانه، لينطق معترفًا بلا احترازٍ:

-وحشتيني ............................................ !!

.................................................. .....














منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:33 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.