آخر 10 مشاركات
هفهفت دِردارة الجوى (الكاتـب : إسراء يسري - )           »          هذه دُنيايْ ┃ * مميزة *مكتمله* (الكاتـب : Aurora - )           »          وقيدي إذا اكتوى (2) سلسلة في الغرام قصاصا * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : blue me - )           »          سيجوفيا موطن أحلامي وأشجاني-للكاتبة المبدعة 49 jawhara-"رواية زائرة" كاملة (الكاتـب : Jάωђάrά49 - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          29 - لن نلتقي - جاسمين كريسول (الكاتـب : عنووود - )           »          2 -عصفورة النار - مارغريت بارغيتر -كنوز أحلام قديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          بين أزهار الكرز (167) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          [تحميل] باب الريح للكاتب/ طارق اللبيب ، سودانية ((جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree508Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-07-20, 02:32 AM   #351

ام حاتم الطائي

? العضوٌ??? » 464229
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 345
?  نُقآطِيْ » ام حاتم الطائي is on a distinguished road
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

ام حاتم الطائي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-07-20, 02:09 PM   #352

user0001n

? العضوٌ??? » 456056
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 166
?  نُقآطِيْ » user0001n is on a distinguished road
افتراضي

انا من اشد المحبين لحضرتك ولاسلوب كتابتك وخفة دمك انا متابعة حضرتك من البداية ورواية دعني احطم غرورك من مفضلاتي علي الاطلاق وفي انتظار القادم من حضرتك بمنتهي الشوق

user0001n غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-07-20, 06:35 PM   #353

Kemojad

? العضوٌ??? » 462629
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 242
?  نُقآطِيْ » Kemojad is on a distinguished road
افتراضي

Thank you so much

Kemojad غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-07-20, 12:38 AM   #354

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل الحادي والخمسون (الجزء الثاني)



الفصل الحادي والخمسون (الجزء الثاني)



عُرف عن الألم الجسدي بزوال آثاره مع مرور الوقت، أما ألم الروح؛ فقلما يتم التعافي منه! بصعوبة بالغة استهلكت بقايا ثباته الزائف، كافح "تميم" في حضور "حمدية" السقيم ليخفي ما عصف بصدره من حزنٍ أمات قلبه النابض، آه لو أطلع أحدهم على روحه المتآكلة، لأدرك مدى العذاب الذي يعانيه الآن! غلف ملامحه بقساوة خارجية، ونظراته بجمودٍ مصطنع، حتى لا يُرى ما بهم من قهر يفتك بجوارحه. ومع ثرثرتها الزائدة عن ترتيبات الخطبة المزعومة من قبل زوجها، انفرطت آخر حبات عقد أمله الميؤوس منه، وتأكد عن ظهر قلب بأنها لم ولن تكون له يومًا. أوصلته "حمدية" عند منزل الحاج "اسماعيل"، ترجلت من السيارة قبل مسافة لا بأس بها، وتولى مهمة صفها عند بقعة خاوية، على مقربة من ذلك السرادق المقام على مرمى العين. استطاع أن يتبين رفيقه وسط الضيوف المتزاحمين، دنا من "منذر" الذي تزين في أبهى ثيابه، لتليق بهذه المناسبة السارة، وهنأه على عقد قرانه. سأله الأخير باهتمامٍ، ونظراته تتجول على ملامحه الواجمة:

-ها عرفت توصل بسرعة، ولا قابلت مشاكل في السكة؟

ابتسامة مرسومة بالإجبار على محياه، كانت وسيلته المؤقتة، لدفن أحزانه في الأعماق، حافظ عليها "تميم"، وأجابه بهدوءٍ:

-الطريق تمام يا "منذر"، بس فجأة كده قررت تتجوز؟

جاوبه "منذر" بصوتٍ انخفض قليلاً:

-شوية حاجات حصلت كده عجلت بالموضوع.

هتف مجاملاً، ودون أن تظهر رغبة واضحة عليه في معرفة التفاصيل:

-ربنا يتمم بخير..

تفرس أكثر في تعابيره المهمومة، وسأله:

-شكلك مش فرحان؟

تعلل كاذبًا:

-لأ إزاي .. ده بس إرهاق السفر.

-تمام.

قالها "منذر" وهو يصطحبه للداخل ليجلس وسط المدعوين من أهل البلدة، وأقرباء العريس ومعارفه. كان ممتنًا لبقائه في معزل عن البقية بالرغم من الصخب المحيط به؛ لكن لا شيء يُقارن بالصراخ المكتوم المتألم المنطلق بين جنبات نفسه. عــاد إليه "منذر" ليقف إلى جواره متسائلاً:

-الحاج "بدير"، والحاج "سلطان"، وباقي العيلة بخير؟

قال وهو يومئ برأسه:

-كلنا في نعمة .. تسلم على سؤالك.

جالت نظرات "تميم" على الوجوه المألوفة التي التقاها من قبل في حفل زفاف ابن خالته، دفعه ذلك للسؤال بجديةٍ:

-بأقولك يا "منذر"، هو إنت تعرف نسايب "هيثم" منين؟

أحنى الأخير جزعه عليه، وأشــار له بعينيه قائلاً:

-شايف اللي قاعد ناحية الشمال ده.

تساءل في حيرة وهو يركز نظره على كلٍ من "اسماعيل" و"فتحي":

-أنهو واحد، اللي قالب سحنته ولا التاني اللي بيتكلم مع آ....

قاطعه بصوت أجش رغم خفوته:

-لأ الأول، اللي اسمه "فتحي".

رفع "تميم" أنظاره نحوه، وسأله:

-ماله بقى؟

على مضض أجابه:

-ده قريب الجماعة، ابن خالة أمها، وبعيد عنك شخصية ما يعلم بيها إلا ربنا، سواد من برا وجوا، مايتوصاش في الغل والحقد.. عمل أفلام وحركات عشان ياكل حق الغلبانة قريبته.

كان وصفه دقيقًا عنه، حتى أن قسماته عكست بُغضه الظاهري بوضوح، فتساءل في غرابة:

-طب وعملت معاه إيه؟

غمز له رفيقه في ثقة قبل أن يرد:

-عيب عليك، ده أنا "منذر طه حرب"، وإنت عارفني في الحق زي السيف، معرفش أبويا.

ربت على كتفه قائلاً بزهوٍ لا يقل عنه:

-أبو الرجولة كلها يا عمنا.

خفف حضور "منذر"، ومرحه الذي مزج بين الجدية والهزل من وطــأة الأحزان الجاثمة على قلبه، هكذا خدع نفسه ليلتهي مؤقتًا عما أهلك روحه .. وظل بالقلب نبضة أخيرة، تتلهف بتوقٍ رهيب لرؤيتها –ولو للحظة- قبل أن تصبح مستحيلة للأبد.

.................................................. ......

تلفت حوله بتوترٍ، وهو يدقق النظر في الطريق الذي امتد على مرمى البصر، متفحصًا عن كثبٍ، كل مَركبة تعبر من جواره. أراد الالتقاء به أولاً قبل أن ينتقل لمنزل "اسماعيل"، لوضع النقاط على الحروف، والتأكد من اتباعه للنهج الذي رسمه للظفر بابنة أخته كعروس. حرك "خليل" الهاتف المحمول على أذنه، ليتلقى إشارة إرســال قوية، واستدار برأسه للجانب وهو يقول بتلهفٍ:

-أنا واقفلك على أول الطريق أهوو ..

أتاه صوت "آسر" معلقًا عليه:

-خلاص شوفتك يا أستاذ "خليل".

أنهى المكالمة الهاتفية معه ليجد إحدى السيارات تقترب منه، لمح يد "آسر" وهو يخرجها له من النافذة ليلوح له بها، تنحى للجانب مفسحًا المجال لإيقاف السيارة على جانب الطريق، صفها على مهلٍ، وترجل منها ليلتقي بمُضيفه الذي هتف مرحبًا به:

-حمدلله على السلامة يا أستاذ "آسر".

قال وهو يحتضنه في ودٍ:

-الله يسلمك، ومافيش داعي للألقاب، احنا خلاص قربنا نبقى نسايب

رد في استحسانٍ:

-فعلاً..

ثم سأله مبديًا اهتمامًا مبالغًا فيه:

-ها، قولي البلد مش بعيدة عليك، مظبوط؟

أجاب بدبلوماسيةٍ استساغها الأخير:

-الطريق حلو، مسألتش كتير، وعرفت أوصل على طول.

غمغم "خليل" في حبورٍ:

-كويس.. تعتبر ماخدتش وقت من آخر مرة كلمتني.

ضاقت نظرات "آسر" بشكٍ وهو يسأله:

-وإيه الأخبار يا أستاذ "خليل"؟ في مشكلة لو فاتحت عمها وخطبتها النهاردة؟ هو مش عارفني وآ...

قاطعه مؤكدًا بما لا يدع أي مجال لإثارة الريبة:

-لأ.. اطمن، أنا مظبطلك الدنيا كلها، كلمت الحاج "اسماعيل" عنك من يومين، وهو بعت ناس تسأل عليك زي ما قولتي أروح فين، وعند مين، وطبعًا جيتك عنده عشان تتكلم معاه شخصيًا دي حاجة كبيرة، وهايقدرها.

التوى ثغره بابتسامة ممتنة وهو يعقب:

-شكرًا يا أستاذ "خليل"، حضرتك سهلتلي حاجات كتير.

هتف الأخير في خبثٍ، وتلك النظرة الماكرة تتراقص في حدقتيه:

-ما أنا يهمني مصلحة بنت أختي.

تنحنح مرددًا بنبرة ذات دلالة غامضة:

-مفهوم، وبالنسبة لموضوع التأشيرة لقريبك ده اللي كلمتني عنه أنا خلاص تقريبًا خلصتها، كلها كام يوم وهتبقى عندك.

انفرجت أساريره عن ابتسامة غريبة وهو يهلل:

-أيوه بقى، بشرني بالأخبار الحلوة..

مسح على كتفه مؤكدًا من جديد:

-اطمن، أنا عند وعدي.

تساءل "خليل" بجدية:

-والحساب هيبقى أد إيه؟

بسمة منمقة تشكلت على جانبي شفتيه حين أجابه:

-الحساب وصل .. عيب نتكلم في الحاجات البسيطة دي، احنا بقينا تقريبًا نسايب.

تحدث "خليل" في صوتٍ متحمس، جعل "آسر" أكثر ثقة عن ذي قبل:

-طبعًا، هو في زيك يا ابني، وأنا مش عايزك تقلق، موضوع "فيروزة" هيخلص على خير بأمر الله، وأنا عند وعدي.

.................................................. ..........

في كل غضب الدنيا استدارت بثوبها البراق لتواجه والدتها، بعد أن أخبرتها بمجيء "آسر" لخطبتها دون علم مسبق منها. رمقتها "فيروزة" بنظرة نارية محتقنة، عبرت عن قدر محدود من الثورة المندلعة بداخلها، احتجاجًا على تقرير مصيرها بهذا التجاهل المستفز. هدرت مستنكرة فرض الأمر عليها، وهي تلوح بيدها:

-وإزاي محدش يقولي؟ أنا آخر من يعلم يا ماما؟!

بررت "آمنة" موقفها بتوترٍ ملحوظ في صوتها:

-يا بنتي أنا زيي زيك.. خالك مقاليش حاجة غير على آخر وقت.

صاحت بصوتها المتشنج تلوم خذلانها، حتى في أهم القرارات الحياتية:

-ده جواز يا ماما، مش فستان ولا جزمة جديدة عاجبته فجبهالي..

صمتت والدتها، ونظرت لها بأسفٍ مما زاد من غيظها، تصلبت عروقها، وتابعت صياحها الغاضب:

-والمفروض أوافق على اختياره.

قالت محاولة تهوين المسألة عليها:

-دي أعدة رجالة، هيتكلموا ويشوفوه .. ومافيش حاجة رسمي.

احتد صوتها وهي ترد:

-أنا مش "همسة"، مافيش حد يقدر يجبرني على حاجة مش عايزاها.

وضعت "آمنة" يدها على ذراعها، وقالت بترددٍ:

-طيب خلاص، أنا هاكلم عمك وآ....

وقبل أن تكمل عبارتها اقتحمت "حمدية" الغرفة لتقاطعها قائلة ببرودها السمج:

-يعني عاوزة تحرجي خالك قصاد الخلايق دي كلها؟ وتقللي منه؟ ما تبطلي أمور الجنان دي!

استدارت "فيروزة" لتصبح في مواجهتها، كانت الأخيرة تقف عند باب الغرفة الذي أغلقته من خلفها، تستند بظهرها عليه، وعلى وجهها تلك الابتسامة الباردة المليئة بالحقد. قست نظراتها نحوها، واشتعلت بحمرتها الملتهبة، ثم تقدمت ناحيتها لتصبح على بعد خطوتين منها، وهتفت فيها بعصبيةٍ:

-وهو خالي كان عملي حساب؟ ده ما يرضيش ربنا إنه يجوزني غصب عني!

ردت "حمدية" ببرود، وهي تتغنج بجسدها:

-ده مجرد تعارف.. مش حاجة يعني.

صاحت توبخها في غيظٍ:

-يا سلام، بأمارة ما جايبينه لحد هنا؟ بلاش الكلام الأهبل ده!

اعتدلت زوجة خالها في وقفتها، وحدجتها بنظرة جافية غير مبالية، ثم نطقت بسخافةٍ قاصدة إخراجها عن شعورها:

-وإنتي إيه اللي مزعلك؟ هو أنا اللي جيباه؟ ما هو من طرف صاحبتك إياها..

كزت "فيروزة" على أسنانها في حنقٍ ووالدتها ترجوها:

-خلاص يا "حمدية"، هي مش عايزاه، بناقص منه.

توحشت نظراتها، وردت:

-احنا جايين نهزر يا "آمنة"؟ ده جواز، وكلام رجالة.

استغربت شقيقة زوجها من حميتها الزائدة، وتحفزها لأمر تلك الخطبة بتلك الحدية؛ وكأنها مسألة مصيرية .. ومع ذلك لم يظهر انفعالها، وقالت لها:

-أيوه، بس بالاتفاق، مش بالغصب.

تقوست شفتا "حمدية" عن بسمة خبيثة، وعمدت إلى تزييف تفسير الأمور لتربك والدتها، وبالتالي لا تتخذ صفها، فقالت تتهمها بنفس الأسلوب المستفز:

-ما جايز يا "آمنة" قايلين لبعض من قبلها، عاملة الشويتين دول علينا، أل يعني بنتك المصونة في الحركات دي..

ثم غمزت لـ "فيروزة" بعينها خاتمة حديثها:

-يا بت اطلعي من دول، أنا فهماكي كويس.

جاء النفي من أعماق "فيروزة" مصحوبًا بصراخٍ رافض، لتدافع به عن نفسها:

-أنا مش كده يا مرات خالي، طول عمري واضحة ودوغري، ماليش في اللف ولا حركات البنات إياها، و"علا" صاحبتي ليا لي كلام معاها بسبب ده.. أنا مش هاسكت.

مدت "حمدية" يدها لتضرب كتفها عدة مرات، وقالت بجمود:

-وماله، اتعاتبوا، اتحاسبوا، اصطفلوا مع بعض، بس ده اللي حصل يا حلوة ...

ثم تعمدت التباطؤ في نبرتها وهي تستكمل:

-ولعلمك الموضوع دلوقتي بقى في إيدين عمك، يعني خالك مالوش دعوة، عمك "اسماعيل" صاحب الكلمة الأخيرة فيه.

وكأنها منحتها الحل السحري لكافة مشكلاتها، تسلحت "فيروزة" بشجاعتها النابعة من قوة شخصيتها، وتحدتها قائلة:

-سهلة! أنا هاطلع أتكلم مع عمي، وأقوله إني مش موافقة على العريس ده.

همّت بالتحرك، لكن أمسكت بها "حمدية" قبل أن تخطو للأمام خطوة أخرى، شدت على معصمها، وجذبتها بقوة للوراء، لتقول لها بعينين يملأوهما الحقد:

-اخربيها زي تملي، ده اللي بيريحك، ما هو إنتي غيتك تولعي الدنيا، لا ليكي كبير، ولا بتعملي اعتبار لحد.

استلت بعنفٍ يدها من قبضتها، وردت عليها بنظرات غلفها الكره:

-أنا حرة في حياتي.

نظرت لها بازدراءٍ وهي تنعتها:

-بدل ما تبقي عانس يا عين أمك، بايرة، لا تنفعي في جواز، ولا تنولي خلفة، الحق علينا بنعمل اللي فيه مصلحتك؟

انفجرت صارخة بها:

-ملكيش دعوة بيا، أنا مش زيك!

هنا ولج "خليل" للغرفة متسائلاً بوجهٍ متجهم وهو يدور بنظراته على ثلاثتهن:

-صوتكم عالي ليه؟

على الفور قلبت "حمدية" الطاولة على رأس الجميع، واتهمت ابنة أخته علنًا لتوغر الصدور:

-البت دي عاوزة تفضحك يا "خليل"..

استشاطت نظراته غضبًا، وتساءل بملامح نافرة:

-نعم تفضحني؟

ردت "فيروزة" نافية على الفور:

-لأ يا خالي الحكاية مش كده، ماتصدقش كدبها ده!

هتفت "حمدية" تعنفها بحدةٍ:

-أنا كدابة؟ سامع يا "خليل"؟ دي جزاتي عشان بأنصحك؟ وبأقولك بلاش تتبتري على النعمة اللي جيالك لحد عندك؟

تجاهلتها "فيروزة"، ووقفت قبالة "خليل"، لتقول له بأنفاسٍ هادرة:

-اسمعني يا خالي.. أنا مش هاتجوز أي حد بالطريقة دي، حتى لو كان العريس ملاك نازل من السما، صحيح اتضايقت إنك عملت كده من ورايا واتكلمت مع اللي اسمه "آسر" ده، بس أنا بأقولك أنا مش عايزاه، وهاروح لعمي أعرفه ده، وهو يتصرف معاه.

مجرد تلميحها الصريح بنيتها للجوئها لعمها لدعمها ونصرتها عليه، أصابه بالمزيد من الغضب نحوها، ليس لتجاوز سطوته التي أكد عليها لـ "آسر"، بل لإفسادها للمصالح السرية بينه وبين زوج المستقبل، أطبق على عنقها يخنقها منه، انحشرت أنفاسها في حلقها، وبرزت عينيها في ذهول صادم.. ضغط "خليل" بأصابعه أكثر على عروقها ليقطع الهواء أكثر عنها، وهو يهتف بغلٍ:

-إنتي إيه؟ جبروت! عاوزة تجبيلنا الفضايح حتى هنا كمان؟

تدخلت "آمنة" لنجدة ابنتها من بين براثنه، وبكت في حرقةٍ ترجوه، محاولة إبعاد قبضته عنها:

-سيبها يا "خليل"، هتموت في إيدك.

زاد من ضغطه الخانق على عنقها، وهو يتابع بتهديد عدائي:

-أنا مش هاعجز إني أموتك.. هادفنك حية ولا إنك تفضحيني قصاد أهل البلد.

قاومت "فيروزة" انقطاع أنفاسها بتشنجٍ، نجحت في تحرير نفسها، لكن بقيت آثار أصابعه القاسية على جلدها، لم تضعف أو تهتز، غالبت ألمها، ووقفت تواجهه باستبسالٍ جريء، رافضة خشونته وعنفه المفرط:

-فضيحة إيه بالظبط؟ هو أنا عملت حاجة حرام؟ خلي عمي يعرف، ويحكم بنفسه، وبأقولهالك يا خالي، أنا مش موافقة على البني آدم ده، هتدفني بالحيا عشان قولتلك لأ؟!

أطلقت جراءتها غير المرتاعة نوبة غضبه عليها، تلقت صفعة موجعة على صدغها، لم تكن قد استفاقت منها بعد، لتحصل على أخرى عنيفة جعلتها ترتد بترنحٍ نحو والدتها التي احتضنتها لتحميها من بطش شقيقها الغاضب، بالكاد نجت من عنفه الأعمى، نظرت له بكراهيةٍ، وهي تحاول الوقوف ثابتة أمام قسوته، وقبل أن تنطق مدافعة عن حقها، ونابذة كل محاولاته لردعها، وضعت "آمنة" يدها على شفتيها تكتم صوتها، توسلتها بانكسارٍ:

-خلاص يا "فيروزة"، عشان خاطري يا بنتي، ماتكلميش وهو في الحالة دي.

آلمها ضعف والدتها ورضوخها الدائم، استعطفتها الأخيرة بنظراتها الذليلة، فصمتت لأجلها مرغمة، ومع هذا رفعت عينيها نحو خالها تتحداه بصمودها. نظرات الشماتة الظاهرة في عيني "حمدية" كانت مستفزة لأبعد الحدود، وبكل برودٍ هتفت -من تلقاء نفسها- تستثير أعصاب زوجها عن قصدٍ:

-يا ساتر على نشوفية دماغها، عمالة اتحايل عليها من صباحية ربنا، وهي ولا عايزة تسمع لحد، أعوذو بالله من كُهن البنات، إيش حال ما كان العريس من طرفها؟

أشــار "خليل" بسبابته آمرًا:

-البت دي تفضل هنا ماشوفش خلقتها برا، تحبسوها في الأوضة دي لحد ما الليلة دي تعدي على خير.

ردت زوجته على الفور تؤيده:

-وماله يا خويا، اللي تشوفه، احنا مش ناقصين فضايح.

تابع ملقيًا أوامره على زوجته وشقيقته بصوته الأجش:

-متخرجش منها إلا في وجودي، سامعيني إنتو الجوز.. الخطوبة هتم قصاد الكل، بيكي من غيرك، هتحصل يا بنت "آمنة"!

ضربت "حمدية" على صدره مدعية خوفها عليه:

-اهدى بس يا "خليل"، كل اللي إنت عايزه هايحصل.

لم تكلف نفسها عناء إخفاء تشفيها فيها، ونظرت لها باستمتاعٍ حاقد قبل أن تتبع خطوات زوجها لتغلق الباب بالمفتاح. نفرت الدمعات المختنقة من عيني "فيروزة" التي دمدمت شاكية لأمها بصوتها المجروح:

-والله العظيم اللي بيحصل فيا ده حرام، ومايرضيش ربنا، هو بالعافية؟!

.................................................. .............

ذوى قلبه بألم لا يطاق في ضلوعه، وكأن أحدهم يقتلعه بشراسة غير آدمية، حين أبصر تعانق الأيدي بحرارةٍ، لمباركة الخطبة الجديدة، عقب قراءة الفاتحة، خلال مراسم عقد القران الخاص برفيقه "منذر". كان حاضرًا بجسده، مغيبًا عمن حوله، لم يظهر حتى طيفها بين الحضور ولو لمرة واحدة. رأى "تميم" والدتها بابتسامتها المنقوصة، زوجة خالها بنظراتها النهمة الطامعة؛ لكن طاووسه الأبيض أبى أن يمنحه نظرة أخيرة، غابت عن خطبتها، وتركته وحيدًا يعايش الآن حزنًا محتومًا، ومن نوع مختلف؛ ينهش في بقايا الروح، ويحيل القلوب الحية لحجارة صماء. دمعة أخرى غادرة فرت من عينه، أزاحها على الفور قبل أن تلحقها أخرى. انسحب من السرادق باحثًا عن بقعة خاوية من البشر، اختلى بنفسه لبعض الوقت، لم يحتسب كم مضى؛ لكنه كان مفصولاً عمن حوله، بكى في صمتٍ يدمي القلوب، بعد أن فشلت كل محاولاته لكبح ذلك الضعف المخزي.

شعر باحتراقٍ يلتهم أحشائه، ازدادت قسوته مع اختناق أنفاسه، وقد أدرك الحقيقة المفطرة لقلبه، بأنه تذوق عذاب الحب الحقيقي قبل حلاوته. الآن بعد فوات الأوان، اعترف بينه وبين نفسه بأن ما ضمره في وجدانه من مشاعر مرهفة، شغلت عقله كثيرًا، وألهبت عواطفه بالرغبة، كان فقط لأجلها، نعم لقد امتلأ قلبه شغفًا بها، ودبيب الحب الموجع الذي اشتعل في صدره لم يكن إلا لها وحدها؛ وإن كانت لا تعلم هذا .. وحدها من حركت الماء الراكد من أسفله، لتطلق العنان لأحاسيسه الكامنة، ووحدها من اغتالت أحلامه، وأعادته للحضيض.

أخرج من جيبه علبة سجائره، التقط واحدة منها، ودسها بين شفتيه، ثم حاول إشعال ولاعته؛ لكنها عاندته، لم تنبعث الشرارة منها، فكف عن المحاولة. انتصب في وقفته بتأهبٍ حذر، عندما رأى تلك الذراع الممتدة نحوه، بشرارة لهبٍ صغيرة تريد إشعال عقب سيجارته. استدار للجانب ليجد "آسر" بتعبيراته الباردة، تنعكس في عينيه المحتقنتين بوضوح، رغم العتمة المتواجد بها. استهل الأخير حديثه ناطقًا بصوتٍ رتيب؛ لكنه ساخر:

-صحيح الدنيا صغيرة، مكونتش أتوقع أشوفك هنا.

لفظ "تميم" السيجارة من فمه ليرمقه بنظرة احتقارية بائنة، ثم هدر به بخشونة:

-هات آخرك معايا.

استقام "آسر" في وقفته، ليرد بغموضٍ أصابه بالحيرة والارتباك:

-أنا أخري معروف، الدور والباقي عليك إنت!

اخشوشنت نبرته مرددًا بما يشبه الزئير:

-ماتحورش، وهات اللي في بطنك.

غامت عينا "آسر" بشكلٍ غير أليف، بات شخصًا آخرًا وهو يوضح له:

-يا عم ما تتحمأش أوي، بس أنا فاهمك، ما احنا رجالة زي بعض!

اعترض عليه بغلظةٍ، وبوجه مشدودٍ على الأخير:

-لأ مش زي بعض!

اختفت الابتسامات المنمقة من على تعابيره، تحول "آسر" لما يشبه المسخ وقد سقط القناع المهذب الذي دومًا يغلف به تقاسيمه، من المؤكد أن نظرة "تميم" له كانت في محلها، خاصة حين سأله بفحيح بعث على نفسه الرهبة؛ ليس خوفًا منه، وإنما خوفًا عليها:

-بيني وبينك كده .. المُزة عجباك؟ صح ........................................... ؟!!!

.................................................. ...............






منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 22-07-20, 12:41 AM   #355

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل الثاني والخمسون



الفصل الثاني والخمسون



طفرت الدموع من عينيها بغزارة وهي تنوح نادبة حظ ابنتها التعس، وكأن الحياة تأبى منحها السعادة التي تستحقها، لم تعلق "همسة" بشيء على زيارة حماتها المفاجأة، فقد فرضت الأخيرة حضورها عليها بأسلوب متطفل، غير عابئة برغبة العروسين في التمتع بقدر من الخصوصية، ومع هذا استقبلتها بودٍ وترحيب. رفعت "بثينة" أنظارها نحوها، وأمرتها بنوع من الازدراء:

-قومي هاتلي مياه، هاتفضلي أعدة كده بوزك في بوزي؟

صدمت "همسة" من وقاحتها الفجة، وردت بغصةٍ شعرت بها في حلقها:

-حضرتك قدامك المياه، تقدري تشربي براحتك.

وأشــارت بيدها نحو زجاجة المياه الموضوعة على الطاولة الدائرية الصغيرة التي تنتصف غرفة الصالون، ورغم ذلك علقت "بثينة" بسخطٍ:

-طعمها ماسخ، مش عاجبني، هاتي غيرها، ولا مستخسرة فيا شوية مياه عدلين..

ثم التفتت نحو ابنها تشكو له:

-شايف مراتك، بتعامل أمك إزاي؟ ده بدل ما تاخد بخاطري وتطبطب عليا.

كان "هيثم" يعلم جيدًا –وفي أعماق نفسه- أنها ستسعى لإفساد صفو حياته الهانئة مع عروسه قبل أن ينعم بها، كعادتها اللئيمة. استرخى في مقعده، وببرود قال لها جعلها تستثار غيظًا:

-وهي "هموس" عملت إيه؟ ما المياه قدامك يامه.

انفجرت صارخة فيه بأسلوب وقح، شبه مهين:

-إنت هتاخد صفها من دلوقتي؟ طرأها يا واد، عاوزة أقولك كلمتين على انفراد، ياباي!

لم تتحمل "همسة" تجريحها بهذا الشكل، وردت بكبرياءٍ محاولة لملمة كرامتها المبعثرة، وهي تنهض من أريكتها:

-على فكرة حضرتك ممكن تطلبي ده ببساطة، مش لازم تغلطي فيا؟

نهض "هيثم" هو الآخر ليعاتب والدته بضيقٍ لم يخفه:

-عيب كده يامه، دي مراتي، ومحبش حد يجي عليها ولا يضايقها

لوت "بثينة" شفتيها في استهجانٍ صريح، ورمقت كلاهما بنظرات احتقارية، خاصة حينما أحنى ابنها رأسه على جبين زوجته ليعتذر منها بابتسامة صغيرة:

-حق عليا يا "هموسة"، متزعليش.. تمشي بس وأنا هصالحك.

غمغمت "بثينة" معلقة بتهكمٍ صارخ:

-رجالة شُرابة خُرج بصحيح!

التفت برأسه مانحًا والدته نظرة محتجة، لكنه أبعد نظراته عنها ليتطلع إلى زوجته التي قالت بخفوت:

-خليك مع مامتك، وأنا جوا، ناديني لو عوزت حاجة

هز رأسه هامسًا:

-ماشي يا حبيبتي

تتبعها بعينين ملهوفتين وهي تختفي بالداخل، وتلك التنهيدة البطيئة تتسرب من جوفه، ليعاود بعدها التحديق في وجه والدته الغائم، اختفت ابتسامته البلهاء، وسألها بعبوسٍ:

-عاوزاني في إيه يامه؟

أجابته متسائلة بملامحها المتجهمة، ونظراتها اللئيمة:

-هاتسكت عن اللي حصل لأختك؟

رد ببساطة:

-مش إنتي كنتي عاوزاها تطلق؟ وأهو "تميم" عمل ده، زعلانين ليه بقى؟

وكزته في ذراعه بغيظٍ وهي تخبره:

-إنت جايب البرود ده منين؟ ياخي حس على دمك، أختك مقهورة، وإنت نايم في العسل جوا مع اللي تتشك في قلبها مراتك.

فرك ذراعه المتألم، وعلق بامتعاضٍ:

-يامه ماتغلطيش فيها، ده بيزعلني!

وبخته بحدةٍ:

-اِتلهي، أل يعني غلطت في البخاري

-لا حول ولا قوة إلا بالله

نظرت له بعينين حانقتين، فنفخ قائلاً في حيرة:

-والله إنتو غلبتوني معاكو، يرجعلها مش عاجب، ويطلقها برضوه مش عاجب، حددوا عاوزين إيه بالظبط؟

ردت بعصبية:

-إنت أخوها، وراجل البيت، اتصرف..

نظر لها مليًا بضيقٍ، ثم استنشق الهواء المكتوم بعمقٍ، ولفظه على مهلٍ، ليهمهم بعدها لنفسه بخفوت، والتعاسة تزحف على وجهه:

-شكلي مش هخلص من ليلة "تميم" و"خلود".

.................................................. ....

استرابت من غيابها العجيب، والذي لا يتوافق مع تلك المناسبة السارة التي تخصها تحديدًا، فمن المعهود أن تنضم العروس لعائلتها؛ وإن كانت تجلس مع النساء، خلال تقدم أحدهم لخطبتها، لسماع رأيها في حضور رجــال الأسرة من أعمامها وأخوالها، ومن له صلة بها .. انسحبت "سعاد" بهدوءٍ من الأجواء الصاخبة لتبحث عنها في أرجــاء المنزل، توقعت وجودها في الغرفة الخاصة بـ "أسيف"؛ حيث تم استضافة الأخيرة فيها، أرهفت السمع لصوت النحيب القادم من الداخل، تضاعفت ريبتها، ووضعت يدها على المقبض لتديره؛ ولكن الغريب في الأمر أنها وجدته موصودًا، دقت عليه منادية:

-يا "فيروزة"! إنتي جوا يا بنتي

أتاها صوتها الباكي مستغيثًا بها:

-أنا محبوسة يا مرات عمي هنا.

رددت متسائلة في دهشة عظيمة:

-محبوسة؟ ومين عمل كده؟ وعشان إيه؟

صاحت متجاوزة عن إجابة تساؤلاتها:

-طلعيني يا مرات عمي لو سمحتي.

على الفور نطقت موضحة لها:

-حاضر يا بنتي، المفاتيح الأوض زي بعض، بتفتح بنفس المفتاح، هاروح أجيب واحد وأرجعلك.

استمعت لها وهي تعقب عليها:

-بسرعة الله يخليكي.

طمأنتها قائلة بنبرتها المتلهفة:

-متخافيش يا بنتي، أنا جيالك تاني ..

ثم ابتعدت عن الباب، لتتجه إلى غرفة نومها الرئيسية، وهي تغمغم مع نفسها بتبرمٍ منزعج:

-على آخر الزمن بناتنا يتحبسوا في بيوتنا!!

..................................................

يُقال أن لكل شخص نقطة ضعف، إن ولجت له منها لتستغله لخدمة مصالحك الشخصية، فهناك خياران متاحان لك؛ إما أن يلين ويرضخ، وإما أن يحدث العكس، ومعه تحول من الطبيعة المستكينة للوحش الهوجائي الكامن بداخله، هاجت دمائه المشبعة بحنقه وغزت كل شرايينه لتجبره على الانتفاض ثائرًا فيه. جحظت عينا "تميم" الملتهبتان بشكلٍ موتر، وهدر بذاك الوضيع يسأله؛ وكأنه يمنحه الفرصة الأخيرة للتراجع عن حماقته، قبل أن ينفذ فيه حكم الموت:

-مين دي اللي بتقول عليها كده؟

نظر له "آسر" باستخفافٍ وهو يجاوبه:

-اهدى عليا يا معلم...

ثم بتر عبارته ليراقب حمئته الثائرة بنظرات مليئة بالحقد والغيرة؛ فإن كان يملك مقومات الذكورة مثله، لما فكر مطلقًا في اصطياد ضحاياه من الفتيات السذج، معدومات الخبرة، للارتباط بهن، بعد أن أدرك عجزه الجسدي؛ لن يستطيع مطلقًا أن يمنح أي امرأة الشعور بالكمال والرضــا، خلال ممارسته الحميمية معها. اكتشف ذلك مبكرًا، ومن وقتها أصبح ناقمًا على الجميع، ولهذا حول شعوره بالنقص إلى نوع من الاستفادة المادية، ليخرج رابحًا في النهاية، ولهذا لجأ لوسائل أخرى غير شرعية للإتجار بما لا يملكه، وقد وقع الاختيار على "فيروزة"؛ الضحية المناسبة، ليتمتع معها لبعض الوقت قبل أن يقايضها على حريتها، أو يمنحها لمن يدفع الثمن، ومن خبرته المحنكة في قراءة لغة الجسد، استطاع أن يلاحظ الاهتمام الكبير من قبل "تميم" نحوها؛ وإن كان الأخير ينكر ذلك .. عاد من شروده المؤقت ليتابع حديثه قائلاً بوقاحة:

-إنت فاهمني كويس، العروسة .. "فيروزة"..

تلفظ اسمها مجردًا؛ وكأنه مشاعٌ للعامة، ناهيك عن إيحائه المهين لكينونتها المقدسة بالنسبة له، جعل غضبه المتدافع بداخله ينفجر على الفور، انقض عليه "تميم" قابضًا عليه من عنقه، وهزه بعنف ناهرًا إياه بصوته المتشنج:

-إنت إزاي يجي في مخك تكلم عليها معايا؟

أصاب هدفه، وتيقن من دقة اختياره، وهو يرى كيف شقلب كيانه ببضعة عبارات موحية ليستثير تلك النزعة الرجولية فيه. تحول جسد "آسر" المتراخي لكتلة من العضلات المشدودة، وقاومه مرددًا بنفس النبرة المستفزة:

-يا سيدي، اعتبرني باخد رأيك في بضاعة حلوة.

أشهر "تميم" مديته بعد أن أخرجها من جيبه، رفعها للأعلى، وغرز نصلها المدبب في جلد عنقه، حدجه بنظرة خالية من الحياة، وهو يهدده بلهجة تحولت للقتامة، ويخيم عليها الموت المحتوم:

-كلمة زيادة عنها ومحدش هيبص في خلقتك نهائي، هاشرَّحك! ومش فارق معايا أخش فيك اللومان تاني!

شعر "آسر" بوخز جارح يخترقه، وقال متراجعًا بحذرٍ، دون أن تخلو نبرته من السخرية:

-بالراحة على عضلاتك يا "تايسون"، احنا بناخد وندي مع بعض!

زجره "تميم" بزمجرة هادرة:

-إلا في عرض الحريم! ده مافيش فيه تفاهم معايا!

.................................................. ....

في تلك الأثناء، وفي مكانٍ ليس ببعيد .. شهقت مصدومة من اندفاعها المباغت نحوه، واستندت بكفيها على صدره، محدقة فيه بنظرات مشدوهة ممزوجة بالخجل، تحول لون بشرة "بسمة" إلى حمرة صريحة، بادلها "دياب" نظرة شغوفة متلهفة لاقترابها الساحر. نجحت خطته، وباتت معه، قريبة منه حد الهلاك، وإن كان الأمر مفتعلاً، لكنه حاز على مراده في الأخير. عمق نظراته المتقدة حبًا نحوها، استشعرت بأصابعها المسترخية على صدره دقات قلبه العنيفة، أحست بتأثيره عليها، وبارتباكٍ موتر يسيطر عليها لتغلغل ذلك الشعور اللطيف فيها. لم يتحرك من مكانه، وبقي كالصنم يتمعن فيها، ومسلطًا فقط كل عينيه عليها. بحذرٍ ملبك لها، انسلت متراجعة للخلف، ومتحررة من قيده الاختياري، لتبدي انزعاجها من تصرفات الصغيرين الطفولية التي وضعتها في موقف محرج كهذا.. أرخى الطفلان أذرعيهما عنها بإشارة صريحة من "دياب" لتحرر "بسمة" كليًا، تنحنحت معتذرة له بتلعثم:

-أنا.. أسفة، مقصدش!

ثم أخفضت عينيها بحرج أكبر، لتتجنب نظراته، شاعرة بتلك السخونة المربكة المنبعثة من وجهها، لم ترغب في حدوث ذلك؛ ولكنه القدر. رد عليها "دياب" بهدوء، واضعًا يده على مؤخرة رأسه ليفركها:

-ولا يهمك، حصل خير!

انسحبت من أمامه دون إضافة المزيد، وقد سارعت في خطواتها، رغم عرجها الملحوظ .. ظلت أنظاره تتبعها ومتعلقة بها حتى اختفت من أمامه، فأخرج تنهيدة ملتهبة من صدره الملتاع بحبها الكبير، استدار للخلف ليحدق في الصغيرين بنظرات ممتنة، ثم فتح ذراعيه لهما ليندفعا في أحضانه، ضمهما قائلاً بثناءٍ عظيم:

-حبايب قلبي!

سأله "يحيى" ببراءة:

-أنا شاطر يا بابي؟

أجابه "دياب"، وهو ينحني نحوه ليقبله من وجنته:

-إنت أستاذ زي أبوك!

ثم ربت على كتفه ليأمره شقيقته الصغرى:

-خدي "يحيى" يا "أروى"، واسبقوني على جوا.. أنا هحصلكم كمان شوية.

ردت بانصياعٍ تام:

-حاضر يا أبيه ..

تسلطت نظرات "دياب" عليهما وهما يتسابقان في الركض للداخل، ليشرع بعدها في التجول في المكان لبعض الوقت، غير راغب في لفت الأنظار لتواجده بصحبتها قبل قليل. كان وجهه ما زال محتفظًا بابتسامته المتحمسة؛ ما لبث أن تلاشت حين رأى التلاحم البدني بين "تميم" وأحدهم، دقق النظر في اتجاههما ليتبين بالضبط ما يحدث، كان رفيقه ممسكًا بتلابيب الآخر، ويضع طرف مديته على عنقه، يريد نحره. دون أن يفكر، اندفع بهوجاء نحو ذلك الغريب ليضربه بخشونةٍ في جانب ظهره، ثم استخدم ذراعه في طرحه من صدره أرضًا، وسط أنينه المتألم من عنف الضربات الموجعة عليه. تدحرج "آسر" على جانبيه ليتفاداه، لكن أصر الأول على تقييد حركته، وإذلاله. تفاجأت "تميم" من حضور صديقه المباغت، وقبل أن ينطق كان "دياب" يجثو فوقه ينكزه في صدغه متسائلاً بنبرة جافة:

-الواد ده قل أدبه عليك يا "تميم"؟ قولي بس، وأنا وربنا ما هيطلع عليه صبح!

حاول "آسر" إزاحة ثقل جسده عنه، وهو يسأله في اندهاشٍ قلق:

-في إيه يا كابتن؟ هو حد داسلك على طرف؟

لكمه "دياب" في فكه بلكمة خشنة نوعًا ما، لكنها ليست قوية، وهو يحذره:

-اخشع ياض!

وقف "تميم" خلف رفيقه محاولاً جذبه من على ذلك الدنيء، قائلاً له بنبرة غير هادئة:

-سيبه دلوقتي يا "دياب"!

رد عليه صديقه بجراءة متهورة:

-متخافش يا صاحبي، هي ديته علقة محترمة، ونرميه في الترعة، ويدور على اللي مايته تسخن.

تفاجأ "آسر" من وحشية الأخير، ونيته المبيتة للتخلص منه، دون إبداء ذرة ندم واحدة، فهتف محتجًا، ومدافعًا عن حياته المهددة:

-أنا تتكلم معايا كده؟ إنت مين أصلاً؟

تشدق "دياب" مرددًا على مسامعه بنزقٍ:

-وأشقك ياله! في إيه!

ثم منحه وكزة مؤلمة أسفل ذقنه قبل أن يرغمه "تميم" على النهوض، ويزيحه بعيدًا عنه. اعتدل "آسر" في رقدته، وبدأ في النهوض نافضًا الأغبرة والأوسـاخ التي علقت بثيابه، ثم توعد كليهما هاتفًا بعصبيةٍ، لحفظ ماء وجهه فقط:

-أنا هوريكم يا غوغاء!

ضحك "دياب" على لفظه الأخير، وتنمر عليه بمزيدٍ من الاستهزاء:

-غوغاء! إيه الكلام ده؟ يبقى إنت كده غلطت فيا، يعني الليلة بقت عندي رسمي فهمي نظمي.

تشبث "تميم" بذراعه، وشده منه ليستوقفه قائلاً له من بين أسنانه المضغوطة:

-اركز يا صاحبي.

.................................................. .......

-الحقيني يا مرات عمي!

قالتها "فيروزة" وهي ترتمي في أحضــان "سعاد" التي فتحت باب الغرفة لها، لتنصدم الأخيرة برؤيتها على تلك الحالة الفوضوية، تطلعت إليها في خوفٍ حقيقي معكوس في نظراتها نحوها، ثم حاوطت وجهها الباكي بكفيها، وسألتها في جزعٍ:

-في إيه بنتي؟ إيه اللي حصل؟ ومين حبسك هنا؟

أجابتها بأنفاسٍ متقطعة:

-خالي عايزني أتخطب بالعافية، وأنا مش عاوزة ده!

انعقد حاجباها متسائلة في دهشة مستنكرة:

-"خليل"! طب ويعمل كده ليه؟!

احتشد في ذهنها كل المشاهد العنيفة التي جمعتها بخالها؛ حيث يقوم دومًا بإجبارها على ما لا تريد مستخدمًا القسوة، والإيذاء البدني، بغض النظر عن رأيها، لم يتناقش معها يومًا، ولم يحاورها ليعرف رغباتها، ربما لو حدث الأمر بشكلٍ آخر لتقبلته؛ لكنه يلجأ لاستخدام نفس الأسلوب الشرس لتذعن له، ووالدتها تقف على الحياد، لا تقوى على معارضته، تاركة له زمام الأمور ليتحكم في مصير ابنتيها، رفضت أن تستسلم كتوأمتها، وتخضع لجبروته، لهذا تمسكت برفضها؛ وإن بدا غير منطقي للبعض. تنفست "فيروزة" بعمقٍ لتضبط انفلات أعصابها، وتستعيد هدوئها المفقود، في حين تابعت زوجة عمها موضحة:

-ده بالعكس قالنا إنه شاب كويس، ومحترم، وعمك بعت يسأل عليه، وكلامه طلع مظبوط.

ردت مبررة لها سبب عزوفها:

-أنا مقولتش حاجة وحشة عنه، بس مش عايزة أتخطب بالشكل ده لحد ما أعرفوش.

سألتها لتتأكد منها:

-يعني إنتي مش موافقة عليه؟

أجابت بما لا يدع مجالاً للشك:

-أيوه، ولازم عمي يعرف بده.

هزت رأسها في تفهم وهي تعقب عليها:

-كله إلا كده، حاضر يا بنتي .. أنا هابعت حد يناديه، وقوليله على كل اللي إنتي عاوزاه، مافيش حد هيجبرك على حاجة مش حباها.

احتضنتها مجددًا، وهي تهتف في امتنانٍ:

-ربنا يخليكي ليا

استخدمت "سعاد" كم عباءتها لتزيح دمعاتها المرطبة لوجهها، ثم أوصتها بلهفة أمومية غير مصطنعة، أو حتى مكتسبة:

-اهدي كده، وأنا هاعملك كوباية ليمون تروقي بيها دمك لحد ما عمك يجي.

رفضت طلبها مرددة:

-مش عايزة حاجة.

حينما رفعت عنقها قليلاً ظهرت آثار الالتهابات على جلد عنقها، اتسعت حدقتا "سعاد" في صدمةٍ، وسألتها وهي تتفحصها بنظراتها، ولمسة حنون حذرة من أناملها:

-إيه ده كمان؟

ضغطت على شفتيها لترد بأسفٍ حزين:

-من خالي يا مرات عمي.

تبدلت نظراتها للقتامة، وعلقت بلومٍ:

-إخص عليه، حد يعمل كده في بنات أخته؟ أومال لو مكانش في مقام أبوكي الله يرحمه.

لفظت "فيروزة" الهواء الخانق من صدرها دفعة واحدة، ودمدمت باستياءٍ مُحبط:

-مافيش زي بابا، عمره ما هيتعوض.

تأثرت "سعاد" بجملتها الموجعة تلك، وعفويًا ضمتها إلى صدرها، ثم ربتت على ظهرها، وهي تقول لها بلطفٍ، على أمل أن تهون عليها الأمر:

-متزعليش يا بنتي، أنا جمبك، وعمك مش هايقبل أبدًا بإن حد يتعرضلك طول ما هو على وش الدنيا.

.................................................. ....................

خرج يتفقده بالخارج بعد أن طـــال غيابه عنه، كان مشغول البال به، فعلى الأغلب قد يتوه في تلك الأرجاء غير المألوفة عليه، وخاصة مع حلول الظلام. انتبه "خليل" للأصوات الرجولية الصاعدة من مسافة تبعد عن المنزل نسبيًا، اتجه إلى هناك، ورأى تهديدات ضيف الحاج "اسماعيل" العلنية لـ "آسر"، انقبض قلبه في فزعٍ، وتشكلت أمارات الخوف على ملامحه، ســار بخطواتٍ أقرب للركض متسائلاً بصوتٍ شبه لاهث:

-في إيه اللي بيحصل هنا؟

وكأن نجدة من السماء قد هبطت إليه لإنقاذه، على الفور تحول "آسر" للشخصية الوديعة المسالمة، واستدار بجسده ليواجهه مرددًا بانكسارٍ حرج:

-الحقني يا أستاذ "خليل"، معارفك مبهدلني هنا، وأنا مش عارف أتعامل معاهم.

اعتذر منه بشدةٍ، دون أن يسأله حتى عن الأسباب التي دفعتهما للتشاجر معه:

-أستاذ "آسر"، أنا أسف جدًا عن اللي حصل.. حق عليا.

ثم التفت ناحية "تميم" الذي ظهرت تعابيره الواجمة بوضوحٍ، وسأله:

-هو فيه بالظبط يا معلم "تميم"؟ ومين ده كمان؟

كانت جملته الأخيرة موجهة نحو "دياب"، وبادر الأخير معرفًا بنفسه بنوعٍ من الغرور، وتلك الابتسامة الواثقة تلوح على زاوية فمه:

-أنا "دياب حرب"، أخو العريس اللي جوا يا حضرت ... إنت مين بقى؟

كانت لدى "خليل" بعض المعلومات المتناثرة على الألسن عن مدى قوة ونفوذ تلك العائلة، عرفه أغلبها من الحاج "اسماعيل"، وبالتالي كان من غير المحمود أن يتطرق معه لمعركة جانبية غير متكافئة مطلقًا، ومع هذا تمالك نفسه، وأظهر انزعاجه، حين سأله بصوته الغاضب:

-تشرفنا.. بس بتتخانق مع نسيبي ليه؟

أجابه "تميم" بنظراتٍ نارية مسلطة على "آسر":

-اسأله..

تلقائيًا تحركت رأس "خليل" نحو "آسر" الذي ادعى انشغاله بتنظيف بدلته المتسخة، متعمدًا تجاهل الرد عليه؛ وكأن الحديث غير موجه له على الإطلاق، بينما أردف "دياب" مهاجمًا، ونظراته لا تنتوي أي خير:

-إنت شكلك مش مريحني...

ردد "خليل" مذهولاً، وقد برزت حدقتاه في غيظٍ، معتقدًا أنه قد أساء إليه:

-أنا؟ عيب كده! إنت بتغلط فيا؟

نفى "دياب" بنبرة صارمة:

-لأ يا حاج..

صمت لهنيهة ليضيف بعدها بما يشبه الاستحقار:

-أنا كلامي مع البأف ده!

تركزت عيناه بالكامل على "آسر"، والذي تحولت تعابير وجهه للاحتقان من إهانته بهذا الشكل السافر. التوى ثغر "دياب" بابتسامة باردة مستفزة، وقال مواصــلاً استهزائه به:

-الهلومة اللي إنت فيها دي أونطة.

غضبًا عظيمًا زائفًا استبد بـ "آسر" وهو يرد:

-أنا كلامي مش معاك يا كابتن..

استشاطت نظرات "دياب"، واتخذ وضعية الانقضاض عليه، لهذا عدل عن مناطحته، فلا جدوى من إثارة المتاعب معه، والتفت يخبر "خليل" بقليلٍ من الشهامة المقنعة، متخيلاً بذلك أنه يستدعي رجولة حقيقية لا يمتلك منها أدنى ذرة،

-ولولا إني عامل خاطر ليك يا أستاذ "خليل" كنت رديت جامد، وقلبت الدنيا، بس أنا بأفهم في الأصول.

شعر مُحدثه بوجود خطب ما، حتى احترامه لم يكن مقنعًا، هناك شيء مريب يلوح في الأفق؛ تحيُز "تميم" -ومن معه- ضد نسيبه الجديد لم يأتِ من فراغ، هناك حلقة مفقودة في الأمر، لذا تساءل "خليل" بجديةٍ؛ عله يحصل على رد منطقي:

-أنا مش فاهم حاجة.. هو إنتو اشتبكتوا مع بعض ليه أصلاً؟

لم يمتلك "دياب" الرد المبرر، فقد تصــرف بناءً على ما رأه من التحام جسدي، وليس بناءً على حكمة وروية، في حين أجابه "آسر" متهربًا بزفيرٍ منزعج، ونظراته مثبتة على وجه "تميم" المخضب بحمرته الغاضبة:

-خلاص يا أستاذ "خليل"، بعدين نبقى نتكلم...

ثم سحبه بعيدًا عن كليهما، وأكمل حديثه بغموضٍ:

-أنا مضطر أمشي دلوقتي.

سأله "خليل" باستغرابٍ شديد:

-طب والجماعة اللي مستنين جوا.. هاقولهم إيه؟

بلباقة معهودة فيه -والتي يجيد إظهارها بالرغم من إذلاله قبل قليل- أجابه:

-اعتذرلهم بالنيابة عني، أصلاً في ظرف طارئ خاص بالشغل عندي، ومحتاجين وجودي ضروري.. ومش هاينفع اتأخر.

سأله "خليل" بتوترٍ:

-مشاكل يعني؟

مال على جانب رأسه ليهمس له في أذنه:

-حاجة ليها علاقة بالتأشيرات .. ولازم أكون متواجد بنفسي عشان تتحل.

شحب وجه "خليل" قليلاً، ولعق شفتيه مهمهمًا:

-ربنا يستر .. أنا مش عارف أقولك إيه؟

هز رأسه في تفهم، وقد انطلت عليه خدعته، ليعقب بعدها:

-أكيد إنت فاهم الوضع.

زم شفتيه متابعًا قوله:

-أنا عارف ومقدر، بس المفروض كنت هتقابل باقي عيلتنا وآ...

قاطعه "آسر" بهدوءٍ مظهرًا حزنًا غير صادق في نظراته:

-حظي وحش للأسف..

لكن ما لبث أن تحولت ملامحه لابتسامة مبتورة وهو يكمل:

-وعمومًا اللي حصل النهاردة ربط كلام، تعارف مبدأي زي ما بتقولوا، ولسه قدامنا وقت عشان نتمم الخطوبة، ومن بعدها كتب الكتاب.

حرك "خليل" رأسه في استحسان ليرد بعدها عليه:

-أكيد إن شاء الله

مــد "آسر" يده لمصافحته، وقال بتهذيبٍ لطيف:

-هستأذنك .. وفرصة سعيدة يا أستاذ "خليل".

بادله المصافحة، بحرارة شديدة، وبابتسامة متسعة ودعه:

-مع السلامة يا ابني، هنتقابل على خير إن شاء الله

-أكيد

اصطحبه إلى سيارته التي لم تكن بعيدة عن ذلك المكان المعتم، وظل باقيًا إلى جواره حتى أدار المحرك، وانصــرف متجهًا إلى مخرج البلدة. استدار "خليل" بعدها بجسده ليتفاجأ بوجود "تميم" خلفه، كان الأخير بحاجة إلى أجوبة حاسمة لما يدور في رأسه، خاصة بعد النوايا الخبيثة التي طفت على السطح تجاه الوضيع "آسر". تحفز في وقفته، ورمقه بنظرة عميقة، غريبة، تبعث على الخوف. حاول "تميم" أن يكبت نفسه؛ لكنه لم يستطع، تأهبت حواسه، واستنفرت بطريقة مريبة؛ وكأنه يريد قتله للتفريط فيها بتلك السذاجة المهلكة، تنفس بعمقٍ، مانحًا جوارحه لحظاتٍ من ضبط النفس قبل أن يسأله مباشرة، ودون مقدمات تمهيدية:

-إنت هتجوز قريبتك للبني آدم ده؟

ورغم غرابة السؤال على مسامع "خليل"، بالإضافة إلى علامات الاندهاش المرسومة على قسماته، إلا أنه أجاب بوضوحٍ:

-أيوه يا معلم .. في اعتراض ولا حاجة؟

دنا منه خطوة أخرى حتى باتت نظراته القاتمة تستحوذ كليًا عليه، أرهبته تقريبًا من التهابها البائن، ثم لاحقه مستفسرًا، وأسوأ الأفكار عن شخص "آسر" المقيت تهاجمه الآن:

-سألت عليه كويس؟

بلع ريقه، وأجاب:

-طبعًا.. إنت مفكرني هارمي بنت أختي في الشارع يا معلم؟!

لا يعرف كيف لم يحكم السيطرة على لسانه الذي لم يطاوعه وسأله بنزقٍ؛ وكأنه يفتش عن أمل أخير في أطلال حبه البائس:

-وهي موافقة عليه؟

لحظة استغرقها "خليل" في التفكير لينطق بعدها بما آلم الفؤاد ومزقه:

-أيوه، أومال عاملين الأعدة دي النهاردة ليه؟

وخزة قاتلة أخيرة اخترقت قلبه المتألم، لتقضي نهائيًا على حلم لم يتجاوز طيات الخيال، لذا لم يكن أمامه إلا أن يحذره بوجومٍ، أخفى خلفه ما يسري في بدنه من قهر عظيم:

-طب خد بالك منه!

سأله في حيرةٍ:

-ليه؟

لم يمنحه ما يشبع توق فضوله، وكرر عليه بلهجة الصارمة:

-من غير ما تسأل .. اسمع الكلام!

تدخل "دياب" في الحوار معلقًا:

-طالما المعلم "تميم" قالك كده يا حاج، يبقى ما تناقش!

وزع "خليل" نظراته بين الاثنين، فرأى استعدادًا جليًا لإشعال فتيل معركة شرسة، حتمًا لن تنتهي على خير، تنحنح في توترٍ أكبر، واستطرد مُلطفًا:

-واضح كده إن في سوء تفاهم مع نسيبي الجديد، ده محامي محترم وآ...

اشمئز "تميم" من الإصغاء لما يخص سيرته، وهتف مقاطعًا بلهجة مماثلة لتلك الخشنة التي يتعامل بها مع الأوغاد:

-مش هارغي كتير.. حافظ على أهل بيتك! سامعني؟

ما كان منه إلا أن رد بخنوعٍ:

-تمام يا معلم.

في تلك اللحظة يمكن أن تتبين مدى الألم الذي يطل من عيني "تميم" كمدًا على خسارته المحتومة، فلم يعد الأمر مجرد زيجة جيدة تليق بها؛ لكن بات مصيرًا مؤسفًا يحيق بحياتها، ووحده من يدرك ذلك ................................................ !!

.................................................. .....................


منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 22-07-20, 04:00 AM   #356

تغريد&

? العضوٌ??? » 458904
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 245
?  نُقآطِيْ » تغريد& is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايديك👏🏻👏🏻🌷

تغريد& غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-07-20, 04:45 AM   #357

اقاثا

? العضوٌ??? » 408679
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 301
?  نُقآطِيْ » اقاثا is on a distinguished road
افتراضي

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

اقاثا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-07-20, 05:00 AM   #358

Oha ni

? العضوٌ??? » 424693
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 212
?  نُقآطِيْ » Oha ni is on a distinguished road
افتراضي

اللهم صلي وسلم على نبينا محمد

Oha ni غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-07-20, 06:39 AM   #359

نور علي عبد
 
الصورة الرمزية نور علي عبد

? العضوٌ??? » 392540
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 944
?  نُقآطِيْ » نور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond reputeنور علي عبد has a reputation beyond repute
افتراضي

يعطيك العافية حبيبه🌼
آسر طلع داهيه ودون المستوى الانساني
بس فيروزه طول ما سعاد معاها حيكون الوضع مختلف وتحكم خالها سيتغير خلص الفصل ونص بسرعه يا جميله تسلم الانامل في انتظار القادم بشوق بالتوفيق 🌺🌺


نور علي عبد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-07-20, 01:04 AM   #360

راجي الجنه

? العضوٌ??? » 441699
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 23
?  نُقآطِيْ » راجي الجنه is on a distinguished road
افتراضي رانعه جميله جدا..... متابعه

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سالم مشاهدة المشاركة
المحتوى المخفي لايقتبس
روايه رائعه جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا


راجي الجنه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:58 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.