آخر 10 مشاركات
همس الشفاه (150) للكاتبة: Chantelle Shaw *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          فرسان على جمر الغضى *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : وديمه العطا - )           »          110 قل..متى ستحبني - اليكس ستيفال ع.ج (كتابة /كاملة )** (الكاتـب : Just Faith - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          قيود العشق * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : pretty dede - )           »          كُنّ ملاذي...! (92) للكاتبة: ميشيل ريد *كــــاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          زَخّات الحُب والحَصى * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Shammosah - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree508Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-04-20, 09:46 AM   #81

ام يونس1

? العضوٌ??? » 418937
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » ام يونس1 is on a distinguished road
افتراضي


حلوة تسلمى
هو ممكن هيثم يتعدل
صعب عليه بصراحة
شكرا لكى


ام يونس1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-04-20, 10:19 AM   #82

شرق?

? العضوٌ??? » 361630
?  التسِجيلٌ » Jan 2016
? مشَارَ?اتْي » 391
?  نُقآطِيْ » شرق? is on a distinguished road
افتراضي

جميييييله جدااا...

شرق? غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-20, 12:24 AM   #83

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل التاسع والعشرون



الفصل التاسع والعشرون



فُرض عليها دون تكليف أن تكون الراعي -الذكوري- لأسرتها في غياب الأب المنوط بتلك المسئوليات الشاقة، تولت خلفًا للراحل هذا الثقل القاسم للأظهر دون شكوى أو كلل، كانت كدرع الحماية لأمها وتوأمتها، فكلتاهما تتشاركان في سمة ترفض أن تتصف هي بها؛ الخوف من المواجهة، تنفست "فيروزة" بعمقٍ وأعادت ترتيب أفكارها في رأسها لعشرات المرات حتى لا تنسى ما اتفقت عليه مع أختها قبل بضعة أيام، أرادت أن تكون الأمور واضحة منذ البداية حتى لا يُساء فهمها، أو يظن الطرف الآخر أنها تنازلت عن حقها وفرطت في كرامتها، جابت بنظراتٍ متفحصة الواقفين عند الدكان، لم تجد بينهم الحاج "بدير"، وقفت حائرة تفكر فيما ستفعله، رغبت في الحديث معه هو فقط أولاً ليكون شاهدًا على ما سيحدث لاحقًا، تشجعت وقررت السؤال عنه، وبخطى ثابتة تقدمت نحو مدخل الدكان متسائلة بصوتٍ تعمدت أن يكون قويًا:

-سلامو عليكم.

تصلب جسده، وإن كان لا ينظر نحوها، بمجرد أن رنت نبرتها المميزة في أذنيه، لا يعرف ما الذي ينتاب كيانه حين تطل عليه بغتةً، وكأن تيارًا كهربيًا قوي الشحنة يسري في أوصاله، تشبث "تميم" بكلتا يديه بالقفص الذي يحمله رافضًا الاستدارة ناحيتها، بينما دنت هي منه لتناديه:

-يا معلم.. "تميم" .. صح؟

لعبت على أعصابه بتلفظ اسمه لا إراديًا، شعر بتلك الرعشة تجتاحه، أليس من الغريب أن يكون لوقع صوتها فقط كل هذا التأثير المهلك عليه؟ وبمجهودٍ ذهنيٍ خــارق التفت برأسه نحوها مقاومًا رغبة عينيه في تأمل وجهها، بلع ريقه وتساءل بصوتٍ مال للخشونة:

-خير.. في حاجة؟

سألته بوجهٍ شبه عابس، ونظرات ضيقة:

-الحاج "بدير" فين؟

أجابها وهو ينظر في أي شيء إلا عينيها:

-في مشوار وجاي.

ضغطت على شفتيها وكأنها تبتسم بصعوبة لتضيف بعدها:

-طب أنا هستناه.

أحس بخفقة موترة تداعب قلبه وتغازل مشاعره غير المفهومة نحوها، حبس أنفاسه وقد خانته عيناه وتركزتا مع ملامحها الحادة، تنفس الصعداء حين استدارت وبحثت عن مقعد شاغر لتجلس عليه حتى لا ترى تلك الربكة الظاهرة على محياه، اتجه إلى الخلف وهو لا يزال حاملاً القفص بيديه، ثم نادى على أحد عماله ليأمره بصوت خفيض لكنه صارم:

-هات حاجة ساقعة للأبلة، دي مستنية الحاج "بدير"، وخليك قريب منها عشان لو عازت حاجة.

رد وهو يومئ برأسه:

-حاضر يا معلم.

نظرة أخيرة من الخلف ألقاها "تميم" عليها، عاد هاجسه المعاتب ليؤنب ضميره من جديد، كيف يولي الاهتمام لغير زوجته؟ لم يطقه مطلقًا، ولهذا ترك عمله هاربًا من الدكان حتى لا يظل محاصرًا في ذلك التخبط المُربك والذي على ما يبدو بات غير محتملٍ بالنسبة له.

.................................................. .................

معاملة جيدة تلقتها "فيروزة" من قبل الحاج "بدير" الذي لم يدخر وسعه لإرضائها بغض النظر عن سبب زيارتها له بمجرد أن عاد إلى الدكان ووجدها به، أصــر على تناولها للحلوى الطازجة المخبوزة في الفرن القريب مع كوبٍ من الشاي الساخن قبل أن يتطرقا إلى أي موضوع، شكرته على حسن ضيافته، واسترسلت قائلة بجدية:

-شوف يا حاج "بدير"، أنا جيتلك بعيد عن خالي عشان نتكلم بصراحة.

حرك براحته عكازه دون أن يزيحه من مكانه، ثم رد مبتسمًا وقد استقام في جلسته على كرسيه الخشبي:

-وأنا جاهز أسمعك يا بنتي.

تشجعت وقالت بتمهلٍ حتى لا تنسى ما تدربت عليه جيدًا:

-دلوقتي أختي معندهاش مانع تسمع لقريبك، هي مش هترجعله، بس هتديله فرصة تشوف إن كان اتغير فعلاً ولا لأ، وبعدها هتقرر إن كانت تكمل أوتسيبه.

هز رأسه في استحسانٍ معقبًا عليها:

-عين العقل.

تابعت بنفس اللهجة المتشجعة:

-كل المطلوب منك يا حاج إنك تكون أمين معانا وتراقبه، اعتبر "همسة" زي بنتك و...

قاطعها "بدير" مشيرًا بيده:

-من غير ما توصيني، لو الكلب ده ماتظبطش أنا مش هاقولك هاعمل فيه إيه، كفاية كسفة المرة اللي فاتت

ابتسمت تقول له في امتنانٍ:

-ده العشم برضوه.

واصل القول مؤكدًا:

-متقلقيش من حاجة، طالما أنا محشور في الموضوع فاطمني.

شعرت بالارتياح يغمرها من دعمه وتحفزت للمضي قدمًا في حديثها، لم تفتر ابتسامتها الرقيقة وهي تستطرد بتهذيبٍ:

-وهستأذنك تبلغه إننا هنتقابل بكرة في مطعم "......" هو عارفه!

رد ببساطة:

-حاضر، وأنا هاكون معاه عشان يعرف إن ليكم سند من طرفنا بردك ويعملي مليون حساب

زاد إحساسها بالطمأنينة، وشكرته بتنهيدة حملت في خباياها آلمًا عميقًا:

-شكرًا على ذوقك يا حاج، يا ريت كان في حياتنا ناس زيك، كان هيفرق كتير معانا.

وكأنه استشعر ما يختلج صدرها من أحزان فتقوست شفتاه ببسمة ودودة وهو يخبرها بصدقٍ:

-دي إنتي بنتي، سواء بنسب أو من غيره.

اكتفت بتبادل الابتسام معه، ونهضت من على مقعدها مستأذنة، لم يُصر عليها وودعها بنفس الأسلوب المرحب المليء بالألفة .. لمحتها "خلود" وهي تنحرف عند الناصية فاتسعت حدقتاها في ارتعابٍ، تسمرت في مكانها للحظاتٍ لتتأكد أنها هي، شعرت بالحرقة تضرب أحشائها، كزت على أسنانها بقوة وهي تحاول السيطرة على التشوش الذي أصابها، كانت قد قررت الذهاب إلى الدكان لتفاجئ زوجها بعد خبزت له فطائر شهية لم تنسَ أن تدس له فيها مسحة ضئيلة من مسحوق الدواء لتشعل به الرغبة، لكن صدمتها لرؤيتها أفسدت نهارها وأصابتها بالكدر، اُضطرمت الغيرة الحاقدة في قلبها فأعمت بصيرتها، واندفعت بغضبٍ محمومٍ تصاعد في رأسها إلى مدخله، ثم تساءلت بأنفاس شبه لاهثة تعبر عن انفعالٍ واضح وهي تشير بيدها نحو الناصية التي اختفت عندها "فيروزة":

-البت أخت "همسة" كانت بتعمل إيه هنا يا عمي؟ هي متعودة تيجي على طول ولا إيه؟

ثم اشرأبت بعنقها للأعلى لتجول كالمذعورة بين أوجه المتواجدين داخل الدكان وهي تتابع في عجالةٍ:

-و"تميم" فين؟ كان معاها ولا آ.... ؟!

قاطعها "بدير" بانزعاجٍ مستخدمًا يده الممسكة بالعكاز في التلويح لها:

-ابلعي ريقك يا "خلود"، مالك داخلة على الحامي كده ليه؟!

تنفست بعمقٍ لتحجم من أعصابها التي اهتزت وثارت وتوشك على فقدان السيطرة عليها، ضغطت على شفتيها قائلة له بصوتٍ بدا مضطربًا:

-مقصدش، بس غريبة إنها تيجي هنا؟ وبعدين فين "تميم"؟ أنا مش شيفاه!!!

أجابها بزفيرٍ مطول:

-عنده شغل بيخلصه من بدري برا الدكان.

وضعت "خلود" يدها على صدرها الناهج لتتحسس نبضات قلبها المتلاحقة قبل أن تنطق بتضرعٍ:

-الحمدلله.

حاولت أن تستعيد هدوئها، لكن ظل وسواسها الهوسي ينخر في عقلها ويزرع الشكوك في قلبها نحو "فيروزة"، لذا رسمت تلك الابتسامة الزائفة على وجهها وهي تتساءل بخبثٍ ونظراتها يغلفها ذلك الوميض الغامض علها تستدرجه فيخبرها بما يؤكد أو ينفي ما يدور بداخلها:

-على كده يا عمي البت دي كانت جاية في إيه؟

ودون وعيٍ منها أجابت مباشرة وعيناها تحتدان بشكلٍ مريب:

-لـ "تميم"؟ مظبوط؟

رد "بدير" في استنكارٍ، وتلك النظرة المستهجنة تكسو وجهه:

-وهي مالها وماله؟! دي كانت جيالي أنا عشان موضوع أختها وأخوكي المفضوح.

عادت لتتنفس بأريحية بعد أن بددت هواجسها المزعومة، وقالت بتبرمٍ:

-مكانتش غلطة يا عمي، هو اتعلم خلاص الدرس من اللي حصل، مافيش داعي نكبره!

نظر لها بضيقٍ، وكأن ما فعله "هيثم" من تجاوزات لا أخلاقية يرضيها، لم يتوقع ردة الفعل الباردة منها، وأضاف على مضضٍ وبتعابيرٍ بدت منزعجة:

-طيب.. قوليله يعمل حسابه يـ ... آ..

بتر عبارته عن قصدٍ لينهي الحوار معها مرددًا:

-ولا أقولك أنا اللي هاكلمه بنفسي، مالهاش لازمة نحشر الحريم!

نظرت له باستغرابٍ مستشعرة تبدل معاملته قليلاً، أدركت أنها أخطأت في التصرف بتبلدٍ أمامه، وحاولت تلطيف الأجواء معه، وقالت برقةٍ:

-ماشي يا عمي، الصح اعمله، ده إنت كبيرنا.

لم يكترث بتملقها الزائف، وتركها ليلج إلى الدكان، وقبل أن يلتهي بالأعمال سألها بعينين تنفذان إليها:

-إنتي كنتي جاية ليه؟

ارتبكت وأجابته وهي تشير للعلبة البلاستيكية التي تحملها في يدها:

-كنت.. جايبة لـ "تميم" فطير أنا عملاه بإيدي و...

عــاد إليها ليأخذ العلبة منها قائلاً بابتسامة متحمسة:

-رزق الرجالة اللي شقيانين من الصبح

انقبض قلبها بتوترٍ رهيب، وحاولت منعه مرددة باعتراضٍ:

-استنى يا عمي، ده أنا عملاه مخصوص لـ "تميم" وآ....

هتف مقاطعًا بإصرارٍ:

-مالوش نصيب المرادي، ابقي اعملي غيره، اتوكلي على الله ولما جوزك يرجع هبلغك

فغرت ثغرها في ذهولٍ وذاك القلق الكبير يعتريها، حتمًا ستحدث كارثة غير أخلاقية بين صفوف الرجال إن تناولوه، تابعته "خلود" بنظراتٍ مترقبة آملة ألا ينادي عليهم، لحسن حظها رن هاتفه المحمول فترك العلبة على مكتبه، استغلت فرصة انشغاله بالمكالمة وابتعاده عن المكتب الخشبي لتدلف للمكان خلسةً وعن عمدٍ أسقطت العلبة بعد أن نزعت غطائها ليتبعثر ما فيها ويتمخض بالتراب والأوساخ، انسحبت متسللة كما جاءت وهي تبتسم لنفسها في انتشاءٍ بعد أن أنقذت الجميع من تأثير ذلك الدواء المنشط، كتمت ضحكاتها الهيسترية بصعوبة إلى أن ســارت في اتجاه الناصية، حينئذ اقتحمت صورة "فيروزة" رأسها ومعها عشرات الأسئلة المتواترة، ماذا لو كان زوجها يلتقي بها في غفلة منها؟ أليس من المحتمل أنها تحاول استمالته لتوقعه في شباكها فيغرم بها؟ غامت نظراتها وغطى تعبيراتها وجومًا ممتعضًا، ثم قالت لنفسها بنبرة لا تبشر بخير:

-شكل رِجلك خدت على المكان وأنا نايمة على وداني في البيت! من هنا ورايح هحطك في دماغي، ما هو اللي يقرب من جوزي أنا أكله بسناني!

استغرقت في أفكارها السوداوية وقررت ألا تسأل زوجها عنها حتى لا يستريب في أمرها إلى أن تتأكد مما يدور في رأسها، لن تدعها لشأنها أبدًا، ستزيحها عن طريقه مهما كلفها الأمر، وإن تطلب ذلك استغلال ظروف أخيها لصالحها غير عابئة بتبعات تهورها، فليحترق مَنْ دونها من يحترق، وليمت كمدًا من يمس عشقها الأول والأخير.

.................................................. ...................

تناولت القرص المسكن ليقتل تلك الآلام التي بدأت في مهاجمتها منذ ليلة أمس، ظنت أنها تعاني من مغصٍ ما، لكن حدة الوخزات لم تكن مُحتملة، ومع هذا تحاملت على نفسها لتخرج إلى تلك المقابلة الهامة التي سيتحدد عليها مصير علاقتها القادمة بـ "هيثم"، لم تتكلف "همسة" في ثيابها، وارتدت ثوبًا مزركشًا أغلب ألوانه داكنة، ووضعت عليه سترة من خامة الجينز الثقيلة لتمنحها الدفء، حتى أنها وضعت القليل من مساحيق التجميل لتعطيها لمحة هادئة .. اقتربت منها "فيروزة" وسألتها:

-ها جهزتي يا "هموس"؟

أجابتها وهي تخفي إحساسها بالألم:

-مش ناقص غير أتسرح، وأعمل شعري ديل حصان وأبقى تمام.

حركت رأسها تثني على جمالها الطبيعي:

-من غير حاجة إنتي زي القمر.

اكتفت بالابتسام لها، وتحسست جانبها الأيمن وهي بالكاد تفتح عينيها، تأملتها "فيروزة" في اندهاشٍ وسألتها:

-إنت كويسة؟

فتحت جفنيها، وأجابت مدعية الابتسام:

-يعني جمبي واجعني شوية، بس دلوقتي يروق

بادرت توأمتها مقترحة عليها:

-لو حاسة إنك تعبانة مش مهم نروح، هاكلم الحاج "بدير" وأعتذرله وآ....

ردت مقاطعة بعنادٍ:

-لأ أنا تمام، احنا أصلاً مش هنطول، هاقول الكلمتين اللي عندي وأمشي

نفخت معقبة عليها على مضضٍ:

-اللي يريحك

أبعدت "همسة" يدها عن جانبها وبحثت عن العطر لتنثر القليل منه على ثيابها، جاهدت لتبدو طبيعية حتى لا تُشعر أسرتها بالقلق، خاصة "فيروزة" التي تبحث عن أي حجة لإلغاء اللقاء.

.................................................. .............

بوَجْدٍ وشغفٍ لا يستطيع وصفهما كان "هيثم" جالسًا في المقعد المقابل لها على المائدة الثنائية التي جمعتهما، لم يبعد أنظاره عن تأمل وجهها المتقلص قليلاً أو عن عينيها الخجلتان، غمرته حماسة عظيمة أعادت له بسمته المفقودة، كما أنها انتشلته من قاع بؤسه لترفعه إلى عنان السماء حين أُخبر بموافقتها على الالتقاء به، كان كمن بُعث من الموت .. تلبك، واضطرب، وضلت الكلمات الطريق على شفتيه، استجمع نفسه وبادر يقول بربكة عظيمة:

-أنا مش عارف أقولك إيه، أنا أصلاً مش على بعضي، ومش مصدق إنك قصادي.

عضت "همسة" على شفتها السفلى محاولة كتم تأويهة متألمة تريد الخروج لتصرخ بألمها الذي تضاعف، سحبت نفسًا عميقًا وقالت:

-يا ريت تكون اتغيرت فعلاً.

هتف يوعدها دون ترددٍ:

-اقسم بالله ما هيحصل تاني، المدعوق ده أنا توبت عنه، وربك شاهد عليا!

قالت في رضا وهي تومئ برأسها:

-تمام، عشان صحتك مش عشاني

نظر في عينيها مباشرة، وسألها بابتسامة متسعة:

-إنتي خايفة عليا؟

تورد وجهها من جملته الصريحة، وأجابت بحيادية وهي تتحاشى النظر نحوه:

-احم.. يعني طبيعي الواحد يحافظ على نفسه.

قال عن اقتناعٍ مزج فيه بين الجدية والدعابة:

-معاكي حق، وخصوصًا لما نكون داخلين على جواز.

شعرت بالحرج من تلميحاته المتوارية، وصححت له:

-على فكرة أنا موافقتش أرجعلك لسه، كل الحكاية إني هاديك فرصة تانية!

رفع كفيه معلقًا عليها بحبورٍ:

-وماله، أي حاجة منك ترضيني.

ثم دس يده في جيبه ليخرج ميدالية صغيرة مطلية باللون الفضي، قدمها إليها قائلاً بتهذيبٍ:

-اتفضلي

قطبت جبينها متسائلة دون أن تلمسها:

-ايه ده؟

أجاب ببساطةٍ:

-ميدالية بحرف الـ H

التوت زاوية فمها بابتسامة متعجبة، وأضافت:

-ما أنا عارفة، ودي بمناسبة إليه؟

وضعها على الطاولة أمامها ثم دفعها برفقٍ للأمام لتغدو قريبة من يدها المسنودة على الطرف الآخر، وتابع من تلقاء نفسه:

-أصل أنا خدت بالي إننا عندنا نفس الحرف، فقولت أجيب حاجة ليكي تنفعك، وفي نفس الوقت تفكرك بيا.

نظرت له في اندهاشٍ، لم يأتِ ببالها أنه سيدرك تشابه الحرف الأول لاسميهما، بدا الأمر مستبعدًا عن تفكيرها لسبب وجيه، معظم الشباب واقعي غير حالم كالفتيات .. لاحظ "هيثم" ترددها، فقال برجاءٍ يحمل قدرًا من المزاح حتى لا ترفض هديته المتواضعة:

-بالله ما ترفضيها، دي مش غالية، بـ 10 جنية بس!

علقت ساخرة:

-أدفعهوملك يعني؟

اتسعت ابتسامته الطريفة حتى ظهرت نواجذه، وقال في حبورٍ:

-لأ.. اعتبريني محوشهم معاكي.

.................................................. .............

على الجانب الآخر من المطعم، ضمت طاولة كبيرة أفراد العائلتين .. لم يكن ليحدث ذلك اللقاء دون حضور قطبيه "بدير"، و"خليل"، وبالطبع جاءت "حمدية" مع زوجها لتشبع فضولها الجائع وتقف على رؤوس الأشهاد، وكذلك آتت "بثينة" مع ابنتها "خلود" ليكونا في قلب تطورات الأحداث، وإن كانت الأخيرة تحتفظ لنفسها بمخططاتٍ أخرى شريرة لم تفصح عنها بعد، حتمًا إن نفذتها ستنهي خطبة أخيها قبل أن تبدأ، لكنها ستضمن سطوتها المطلقة على من أسلمت له قلبها، أما عن "تميم" فلم يحبذ التواجد بأي حال في مكانٍ يجمعه مع "فيروزة" حتى لا يخلق المشاكل من العدم بناءً على ما اختبره من وساوس زوجته في تلك الليلة العصيبة، اختفى عن الساحة نأيًا بنفسه عن أي التزامات قد تضعه في مواجهة غير محمودة مع كلتيهما إن حدث ما يخشاه، وأخيرًا وليس آخرًا استقرت في مقعدٍ شبه منزوٍ "آمنة" وإلى جوارها ابنتها الأخرى.

لم تتوقف "خلود" عن التطلع إلى من نصبتها عدوتها، ارتكزت عيناها عليها منذ أن وطأت المطعم، رمقتها بنظراتٍ حانقة كارهة لها، كذلك نمت لديها مشاعر الحقد نحوها بشكل مبالغ فيه، فكرت في احتقارها لتروي رغبتها الانتقامية التي تتعطش للفتك بها، وفي نفس التوقيت تحصل على ما يلزمها من معلومات تخص طبيعة علاقتها بزوجها، لذا قالت كتمهيدٍ مدروسٍ بما يشبه فحيح الأفعى بعد أن انتقلت من مقعدها لتجلس إلى جوارها:

-أقولك على حاجة وما تزعليش مني.

ردت "فيروزة" ببرودٍ وقد انتبهت لها:

-إنتي بتكلميني؟

علقت بنوعٍ من الاحتقار، وتلك النظرة الدونية تعلو عينيها:

-محدش عمره هيبصلك وإنتي كده!

رفعت "فيروزة" حاجبها للأعلى بعد أن اعتدلت في جلستها، وقالت بتحفزٍ ظاهر عليها:

-مش فهماكي؟!

تصنعت الدلال، وقالت بغنجٍ هامس:

-الرجالة بتحب البنات المدلعين، اللي زيي كده، أو حتى أختك، لكن المسترجلة اللي عاملة فيها دكر لأ!

اعتبرتها "فيروزة" إهانة مباشرة موجهة لشخصها، خاصة وضحكات "خلود" الكتومة توحي بأنها المنشودة، لذا بكرامةٍ واستعلاء ردت تهاجمها:

-أفندم؟ الكلام ده ليا؟

هزت رأسها مؤكدة:

-أيوه.

هتفت "فيروزة" في تهكمٍ:

-ده باعتبار إنك شايفة الشنب طاير على وشي مثلاً؟

وبتأفف منفر منعكس عليها، أضافت "خلود":

-أنا عن نفسي بأحاول أبلعك بس بصراحة إنتي مش نزلالي من زور

ردت ساخرة منها:

-ابقي اشربي بيبسي جايز أهضم معاكي!

عمدت إلى اللعب بالنيران لتستفزها، فاستطردت مجددًا بقسوةٍ:

-أنا بأقولك الحقيقة ومن غير زعل، يمكن أنا حاولت أتقبلك.

احتقنت دمائها من تطاولها الصريح، وردت بوقاحةٍ:

-وأنا المفروض أضايق وكده؟

أرادت "خلود" استيضاح نواياها المخبأة، فلجأت للتلميح الكاذب على لسان زوجها علها تكشف أمرها، لذا مالت نحوها لتقول بهمسٍ وقلبها يدق في توترٍ:

-أصل جوزي كمان من الآخر مابيطقكيش خالص، ومرضاش يجي النهاردة بسببك مع إني استرجيته وعمي الحاج غلب يضغط عليه، بس هو كان مصمم، يعني ما تأخذنيش في صراحتي معاكي، بس عشان ما تضايقيش لما يشوفك ومايعبركيش!

ثم تراجعت برأسها للخلف لتنظر بتمعنٍ مترقب لردة فعلها، شعرت بنشوة كبيرة تنتابها وقد رأت علامات الغيظ جلية على قسماتها، أصبحت شبه متأكدة من نجاحها في إيجاد ذلك العداء الوهمي بينهما، ابتسمت بانتشاءٍ لتزيد من استفزازها لها، وبكل حقدٍ علقت "فيروزة عليها:

-ده الحال من بعضه يا مرات المعلم الكبير!

ردت جملتها الأخيرة وقد انتفضت واقفة، رأت تلك النظرة المتغطرسة تتراقص في حدقتيها، شعرت بالغل وقررت أن تناطحها في الرد لاستحقاقها ذلك، لذا رمقتها بنظرات احتقارية تليق بها قبل أن تقول بوجهٍ ممتقع وبما يشبه التهكم المحتقر قاصدة التلكؤ في كل كلمة تتلفظ بها لتشعرها بمدى دونيها ووضاعتها بالمقارنة بها:

-تعرفي! يــا زين ما .. فتوة الحتة نقى واختار عشان يتجوز! ده مش حسد على فكرة!

تطلعت إليها "خلود" بفمٍ مفتوح والبلاهة تظهر على تعبيراتها وهي تحاول فهم مغزى كلماتها، فتابعت "فيروزة" بابتسامة مزهوة وهي تشير بسبابتها إليها، وكأنها بذلك تحتفل مقدمًا بانتصارها عليها في تلك الجولة الكلامية:

-بس فعلاً إنتو Couple (ثنائي) غريب، ورغم كده لايقين على بعض! بصراحة صعب حد يجمع التوليفة دي سوا؛ زوجة غلاوية دمها سخيف ويلطش، وزوج منفسن من واحدة مايعرفهاش، بس إنتو أبهرتونا! وده مستواكم ........................................... !!

.................................................. ......................................






منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 18-04-20, 12:27 AM   #84

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل الثلاثون



الفصل الثلاثون



استطاع أن يلمح من زاوية الرؤية الخاصة به ذلك التوتر الدائر من خلفها، انقبض قلبه خيفةً وارتعد من احتمالية نشوبِ عراك قريب، خاصة أن شقيقته لم تكن في حالتها الطبيعية، بدت مغايرة لتلك المستكينة المسالمة التي عاهدها أثناء خطبته، وكأنها قد جاءت متحفزة للتشاجر مع "فيروزة"، لذا اعتصــر "هيثم" عقله باحثًا عن المهرب المناسب قبل أن تنتبه هي الأخرى لما يدور من حولها، وببسمة مرتبكة ونظرات تائهة استطرد مقترحًا:

-ما تيجي نبص على البحر من هناك، المياه تحفة الصراحة.

تنهدت قائلة بتعبٍ ملحوظٍ في صوتها بذلت أقصى طاقاتها لإخفائه:

-أنا حابة أفضل هنا.

رد مستنكرًا:

-وتضيعي عليكي فرصة زي دي؟

عللت "همسة" رفضها بحرجٍ:

-بس أصل آ....

قاطعها بإصرارٍ علها توافق على طلبه:

-ده احنا بالنهار، والمنظر بيفرق، صدقيني، تعالي معايا مش هتخسري حاجة، ..

التقط أنفاسه وواصل القول بأسلوبٍ دعابيٍ بحت وهو يشير بيده لظهره:

-ده أنا حاسس إنه هيطلعلي أتب من كتر القعدة، مش واخدة بالك ولا إيه

كتمت تلك الضحكة المرحة على طرفته، وظلت شفتاها تتقوسان ببسمة مهذبة، ثم ردت مستسلمة:

-طيب.

حافظت على ابتسامته المرسومة وهو ينسحب بـ "همسة" نحو الشرفة المطلة على البحر في تلك البقعة المعزولة نسبيًا عن الصخب الدائر بالمكان، لكن ظل قلبه قلقًا من توابع الأزمة التي على ما يبدو لن تمضي على خير، ردد لنفسه في رجاءٍ:

-هاتها معايا جمايل يا رب.

.................................................. .......

اعتقدت بتفكيرها الأرعن والخاطئ أنها تحمي زوجها من صائدة الرجال بتلك الطريقة المتهكمة المسيئة، فزيفت الحقائق وادعت الأقاويل الباطلة مستمتعة برؤيتها تزداد كمدًا، لكنها في المقابل استهانت بمن منحتها لقب عدوتها، وتلقت إهانة وقحة نالت منها بأسلوب لا يمكن السكوت عنه، استشاطت عينا "خلود" وتطايرت شرارات الغضب منهما، ثم انتفضت واقفة لتصيح فجــأة بصوت مرتفع يحمل الحقد قاصدة إهانتها:

-إنتي واحدة قليلة الأدب ومش متربية.

ردت عليها "فيروزة" بنبرة جليدية دون أن تتأثر ملامحها الجامدة:

-مع أمثالك ببقى كده!

التفت الجميع نحو الاثنتين اللاتين وقفتا في مواجهة بعضهما البعض، ظهرت علامات الكراهية بينهما جلية، وإن كانت الأسباب غير معلومة للبقية، تساءلت "بثينة" في استغرابٍ:

-في إيه يا "خلود"؟ إيه اللي حصل؟!

صرخت وهي تجاوب والدتها مستخدمة سبابتها في الإشارة نحو "فيروزة":

-البني آدمة دي غلطت فيا وفي جوزي، وأنا مش هاسكتلها!

تعقدت ملامح والدتها، وسألتها بنفس الوجه المدهوش:

-نعم؟ ليه إن شاء الله؟!

تطلعت إليهما "فيروزة" بنظرات مستهجنة، ثم ردت عليهما متسائلة بابتسامةٍ ساخطة وهي ترى تلك الحرباء تتلون أمامها لتظهر بمظهر البراءة:

-لوحدي كده؟ يعني هفت على دماغي فجأة إني أهزأك، وأجيب من الأرض وأحط على دماغك؟! مش معقولة بصراحة، للدرجادي أنا مش خبيثة زيك!

وقفت "آمنة" إلى جوار ابنتها ترجوها:

-بالراحة يا "فيروزة" مش كده!

احتقنت نظرات "خلود" أكثر من تطاولها المتواري، وهتفت مستشهدة بزوج خالتها:

-شايف يا عمي طولة لسانها معايا؟

هتفت "فيروزة" مدافعة عن نفسها قبل أن تدور الدائرة عليها، وينساق الجميع وراء أكاذيبها البغيضة:

-أنا مطولتش لساني على فكرة، أنا حطيتك في مكانك الصح، وقبل ما حد يقولي كلمة، أنا كنت قاعدة في حالي، وهي اللي جت لحد عندي تتمسخر وتتمنظر، فمتجيش تزعل لما أرد عليها بنفس أسلوبها.

هتف "خليل" قائلاً بنبرة مضطربة، وقد توتر من بوادر الجدال المحتدم بينهما:

-اسكتي شوية يا "فيروزة"، خلينا نفهم في إيه!

التفتت ناظرة نحوه بعينين ناريتين، في حين نظرت لها "خلود" بحقدٍ، وعلقت بنبرة تميل للاختناق:

-ابلفيهم بالشويتين دول، أل وأنا اللي مفكرة إننا هنناسب ناس محترمين وولاد أصول، لكن آ...

بترت جملتها الأخيرة عن عمدٍ لتجز على أسنانها قائلة:

-طلعتي بنت آ....

وقبل أن تكمل عبارتها قاطعتها "فيروزة" محذرة بلهجةٍ شديدة ألجمت لسانها، وقد تقدمت نحوها خطوة لتنذرها بهجوم بدني وشيك:

-لأ عندك، لو هتغلطي فأنا لوحدى كفيلة أخرسك إنتي واللي يتشددلك!

كان "خليل" مدركًا أن ابنة أخته لن تصمت إن دعس أحدهم على طرفها، لذا اقترب منها وأمسك بها من ذراعها يشدها للخلف وهو يحذرها:

-احترمي وجود كبار العيلة يا "فيروزة".

تدخلت "بثينة" معلقة عليه بكلماتٍ ذات دلالات قوية:

-هي أصلاً فارق معاها حد، ده مافيش احترام خالص، والعينة بينة!!

ردت عليها "آمنة" ونظراتها تحمل العتاب نحوها:

-مايصحش الكلام ده يا حاجة! احنا قبل ما نكون نسايب بينا جيرة وعِشرة!

بينما صــاح "بدير" بنبرته الخشنة ليُلزم الجميع عند حده:

-احنا جايين نتفق على جواز ولا خناق، الكل يسكت خالص.

تحركت "حمدية" من مكانها لتستل ذراع "فيروزة" من زوجها، وقالت بصوت مرتبك وهي تغمز له بطرف عينها حتى لا يمنعها من سحبها إليها:

-ما تصلوا على النبي ياجماعة، في إيه بس؟ ده شيطان ودخل بينا.

صاحت "خلود" قائلة بعنادٍ ووجهها يكسوه تعابيرًا منزعجة:

-الجوازة دي ما تلزمناش و...

هدر بها "بدير" بنبرته الصارمة وقد قست نظراته على الأخير:

-"خلود" اقطمي، مش إنتي اللي هتحددي إيه اللي يلزم وما يلزمش.

تحرجت من أسلوبه الجارح، واضطربت نبرتها معترضة بتلعثمٍ:

-يا عمي آ..

قبضت "بثينة" على ذراعها وشدتها إليها، ثم همست لها بنبرة ذات مغزى:

-اهدي، لينا بيت نتكلم فيه، احنا جايين عشان أخوكي.

علقت عليها بوقاحة وبنبرة أسمعت المتواجدين:

-والله لو أختها آخر واحدة في الدنيا و"هيثم" هيموت عليها، دي تتساب عشان أختها، اللي زي دي استحالة تتعاشر!

ردت "فيروزة" بقوةٍ وقد اشتعلت نظراتها بغضبها:

-تقولش احنا ماسكين فيكو، اتفضلوا بالسلامة.

صاح "بدير" عاليًا من جديد بصوتٍ أظهر انزعاجًا شديدًا:

-أنا قولت إيه؟ الكل يحط لسانه في بؤه ويسكت نهائي!

مالت "بثينة" على ابنتها تهمس لها بمكرٍ:

-اهدي دلوقتي يا "خلود"، جوز خالتك متضايق

بينما قال خليل معتذرًا:

-عندي دي يا جماعة، امسحوها فيا، أكيد مش مقصودة..

ثم التفت إلى ابنة أخته يوبخها:

-بلاش أمور الجنان إياها يا "فيروزة"، خلي اليوم يعدي، احنا بنقول شكل للبيع؟

نظرت له شزرًا قبل أن ترد بغيظٍ مدافعة عن نفسها:

-يا خالي هو إنت فهمت في إيه؟ ولا المدام دي عملت إيه؟!

هتف غير مكترثٍ:

-مش عاوز أعرف، طالما الحاج "بدير" قال كلمة، كلنا نسمعله!

اضطرت مرغمة أن تبتلع لسانها في جوفها احترامًا لذلك الرجل الوقور الذي تقدر مواقفه الجيدة، لكن ظلت نظراتها الحانقة ترتكز على وجه "خلود"، في حين حذر "بدير" زوجة ابنه بصرامةٍ ودون أن تطرف عيناه:

-وإنتي يا "خلود" يا تلزمي أدبك مع ضيوفنا، يا إما هيبقالي صرفة مع جوزك، ولا الأفضل اتصل بيه يجي يلمك؟!

ارتجفت أوصــالها من كلماته الأخيرة، ونظرت في قلقٍ إلى "فيروزة"، كانت تسعى لخلق العدواة بين الاثنين من لا شيء على أمل قطع السبل بينهما، ولكن بطيشها غير المدروس كانت تمهد الطريق لمقابلة جديدة، لذا بما يعتريها من ذعرٍ ردت عليه بنزقٍ:

-خلاص يا عمي، مالوش لازمة تكلمه، عشان خاطرك بس عندي، أنا هتأسفلها كمان

ادعت الابتسام وهتفت بلطفٍ غريب للغاية:

-متزعليش مني يا "فيروزة"، احنا هنبقى عيلة!

تطلعت إليها الأخيرة باندهاشٍ وفكها شبه منفرج، ثم قالت على مضض:

-كويس إنك عرفتي غلطتك.

سألتها "خلود" بنظراتٍ ماكرة:

-مش هتتأسفيلي إنتي كمان؟

قالت بنبرة مستخفة:

-أنا مغلطتش فيكي أصلاً!

وقبل أن تأخذ جملتها على محمل شخصي جاد تخلق به مشكلة أخرى جديدة تنحنح "خليل" مقترحًا:

-خدي بنتك يا "آمنة" واقعدوا على تربيذة تانية، خلوا اليوم يعدي

احتدت نظرات "فيروزة" نحو خالها الذي يضعها دومًا قالب الجانية، وغمغمت في يائسٍ:

-إن شاءالله ما عدى، هنخسر إيه يعني

تحركت "آمنة" من مكانها، وتأبطت ذراع ابنتها لتجبرها على التحرك بعيدًا عن الطاولة الكبيرة، انتقلت كلتاهما للجلوس على طاولة أخرى ثنائية، نفخت "فيروزة" من الضيق الشديد، وسألت والدتها:

-طب ده ينفع؟ احنا متمسكين بالناس دي على إيه؟

ردت عليها والدتها بحيادية:

-القرار في إيد أختك دلوقتي، اللي هاتقوله هانعمله!

ضغطت على شفتيها في عدم رضا، وعلقت:

-ماشي.. أتمنى إنها ترفضـــه!

.................................................. ..........

أشاحت بوجهها المتقلص بعيدًا عن تلك النظرات الناقمة المراقبة لها، تعمق بداخلها إحساسًا قويًا بأن تلك المرأة لا تضمر لها سوى الشر، وإن تمت تلك الزيجة غير المتكافئة ستعاني توأمتها من مشاكل جمة بسببها، وضعت "آمنة" يدها على ذراع ابنتها الشاردة، ابتسمت لها قائلة بنبرتها العطوفة:

-متزعليش يا "فيرو" من اللي حصل، كلها شوية ونخلص من الأعدة دي ونرجع بيتنا.

ردت بقليلٍ من الحنق:

-يا ماما إنتي عارفة إن مافيش حاجة تأثر فيا، بس فعلاً أنا بقيت خايفة على "همسة" من العيلة دي، لا هما ينفعونا، ولا طريقتهم مناسبة لينا

علقت عليها بنبرة متوسمة خيرًا:

-ربنا يهدي أختك.

وبحركة تلقائية درات بأنظارها في أرجاء المطعم تتأمل دون هدف معين من متواجد فيه، ارتفع حاجب "فيروزة" للأعلى قليلاً حين رأت صاحب الوجه المألوف يدنو منها وعلى وجهه ابتسامة لطيفة، تحفزت في جلستها وانعكست بوادر الارتباك على محياها، خاصة أنها رأت عزمه على القدوم إليها تحديدًا، نظرة متوترة حانت منها إلى والدتها التي كانت تنظر إلى داخل حقيبة يدها، ازدردت ريقها وتطلعت إلى "آسر" الذي هتف مرحبًا بألفةٍ زائدة:

-يا محاسن الصدف، قلبي كان حاسس إني هاشوفك تاني.

ثم مــد يده لمصافحتها، تحرجت للغاية من جراءته، ثم نهضت لترحب به دون أن تبادله المصافحة، وقالت بلهجة تميل للرسمية:

-"آسر" بيه، أهلاً بحضرتك.

صدفةٌ أم مشيئة القدر، لم يقرر تحديدًا لكن تلك الغبطة التي اكتسحته لرؤيتها كانت تستحق ذلك، لذا هتف بمزيد من المرح الممتزج بضحكاته الحماسية:

-لأ وكمان فاكرة اسمي، ده أنا كده ممكن أتغر.

نظرت "فيروزة" مجددًا إلى والدتها العابسة، حتمًا لم تكن الأخيرة راضية عما يحدث أمام أنظارها، أبعدت عينيها عنها، وتساءلت بنفس اللهجة الرسمية وبتعابيرها الجادة:

-احم.. هو حضرتك هنا مع "ماهر" بيه وباقي العيلة وكده؟

أجابها نافيًا:

-لأ أنا جاي في شغل بأخلصه..

ثم توقف عن الكلام للحظة ليحوز على كامل انتباهها قبل أن يستأنف سؤاله:

-إنتي بقى بتعملي إيه هنا؟

التفتت إلى "آمنة" تجيبه بربكة طفيفة:

-أنا مع والدتي وآ......

قاطعها "آســر" ممررًا يده إلى أمها وهو يرحب بالأخيرة بتهذيبٍ:

-إزي حضرتك يا فندم؟

صافحته متسائلة بفضولٍ واستغراب:

-أهلاً بيك يا ابني، إنت مين؟

تولت ابنتها الإجابة عنه، فقدمته ببسمةٍ متكلفة:

-ده يا ماما "آســر" بيه، ظابط صاحب "ماهر" بيه أخو "علا" صاحبتي

وقبل أن تستشف منها المزيد من المعلومات كان "خليل" يقف على رأس الطاولة متسائلاً بصوتٍ أجش وعيناه محتدتان:

-في حاجة يا حضرت؟

وكالعادة لحقت به زوجته لتشبع فضولها النهم، وتساءلت بابتسامةٍ خبيثة:

-إنتي تعرفي الأستاذ ده يا "فيروزة"؟

استطرد "آســر" موضحًا، ونظراته تدور على جميع الأوجه المحدقة به:

-سوري يا جماعة إن كنت اقتحمت عليكم الأعدة، بس حابب أعرفكم بنفسي، وبالمرة أوضح سوء الفهم اللي حاصل.

.................................................. ...................

-مين ده يامه؟ اللي واقف مع المزغودة دي؟

قبل لحظات، تساءلت "خلود" في اهتمامٍ مبالغ وعيناها مثبتتان على وجه عدوتها، نظرت "بثينة" إلى حيث أشارت ابنتها ودققت النظر إلى ذلك الشخص الذي يرتدي بدلة أنيقة ويتبادل الحديث الحميمي نسبيًا مع "فيروزة"، مالت عليها وقالت بحيرة:

-ولا أعرف، أنا مشفتوش قبل كده

كزت "خلود" على أسنانها هامسة، وتلك النظرة المشمئزة تكسو حدقتيها:

-بت صايعة بتاعة رجالة، مش ملاحقة تشاغل مين ولا مين! مرة جوزي، ومرة واحد تاني!

للحظة طرأ في بالها فكرة وضيعة كتفكيرها الذي تحول مؤخرًا ليصبح كارثيًا على من حولها، تصنعت البراءة، وقالت بنبرة مرتفعة قدر الإمكان لتضمن سماع الجميع لما تنطق عنه:

-وعلى فكرة يامه دي مش أول مرة أشوف "فيروزة" بتكلم رجالة غُرب، كويس إن ده بيحصل قصادنا، عشان محدش يقول إننا بنظلمها.

استثيرت حمية "خليل" وهتف محتجًا:

-مايصحش الكلام ده يا بنتي، احنا بناتنا متربين! مافيش حد غريب عننا!

هزت كتفيها بحركة مستهزأة، ولوت ثغرها قائلة:

-ما هو واضح إنك مش عارف هما مين، وإلا لكان اللي واقف معاها جه وسلم عليك.

أوغرت ببساطة صدره ناحيتها فانقلبت ملامحه ونهض بأمارات غيظه المتراقصة على صفحة وجهه نحو ابنة أخته قاصدًا إحراجها علنًا، شعرت "خلود" بالنشوة تغمرها من جديد، الآن نالت انتقامها الجزئي منها، وما زال في جعبتها الكثير لأجلها.

.................................................. ..........................

ظلت ملامحه هادئة رغم تباين ردات الفعل المنعكسة على الأوجه الناظرة إليه، كان الأمر بديهيًا أحدهم يقتحم جلسة عائلية ليرحب بابنة العائلة دون إظهار احترامه لمن معها، تحتم عليه إصلاح خطأه، وإن تطلب الأمر أكثر من اعتذار، لذا حافظ "آســر" على ابتسامته العملية، وأشــار بيده للجميع مُعرفًا بنفسه:

-أنا أسف يا جماعة إني معرفتكوش بيا، دي غلطتي، بس مش مقصودة، أنا "آسر وهبة" مدير فرع الشئون القانونية للمجموعة العربية للملاحة الدولية في دول الخليج

ومــد يده لمصافحة "خليل" الذي بقي حائرًا لثانية قبل أن يصافحه، في حين نظرت له "فيروزة" باندهاشٍ، وتساءلت وكأنها تفكر بصوتٍ مسموع:

-هو إنت مش ظابط؟!

هز رأسه نافيًا قبل أن يجيبها وهو يدير رأسه لينظر ناحيتها:

-لأ يا آنسة "فيروزة".

لعقت شفتيها وعلقت عليه في حيرةٍ:

-بس إنت كنت مع "ماهر" بيه، والظابط "وجدي"!

أوضح لها ببساطة:

-هما أصحابي فعلاً، ومن زمان من أيام ابتدائي، لكن هما دخلوا شرطة، وأنا دخلت حقوق.

ادعت الابتسام لتخفي حرجها من الموقف برمته، وقالت:

-تمام.. كده فهمت.

حاوطت "حمدية" بذراعها كتفي "فيروزة" لتبدو وكأنها تُكن لها مشاعرًا دافئة، ثم تساءلت بفضولٍ ماكر:

-وعلى كده إنت متجوز يا أستاذ؟

انزعجت "فيروزة" من وقاحة سؤالها ونظرت لها بحدة، في حين ابتسم "آسـر" حين جاوبها بنبرة ذات مغزى:

-لأ لسه.. ومش خاطب كمان!

اتسعت بسمتها اللئيمة وغمزت لـ "فيروزة" بطرف عينها قبل أن تدمدم:

-ربنا يرزقك ببنت الحلال.

سددت لها الأخيرة نظرة نارية مشتعلة، وتنحنحت قائلة بوجهٍ شبه عابس:

-دي فرصة كويسة إننا شوفناك، بس مش حابين نعطلك!

ظلت ملامحه مرتخية وهو يعلق عليها بنوعٍ من الاهتمام البائن عليه:

-مافيش أي عطلة، بالعكس أنا قلبي كان حاسس إني هاشوفك. قصدي إني محظوظ إني اتقابلت مع العيلة الكريمة.

هتفت "حمدية" معبرة بشكلٍ مبالغ فيه وبحنكة ماكرة لتستدرجه:

-ده احنا الأسعد يا أستاذ آ... متأخذنيش أنا ذاكرتي ضعيفة في الأسماء شوية.

نظر نحوها قائلاً بلباقةٍ ليعرف بشخصه مجددًا حتى يتسنى للجميع تذكره:

-اسمي "آسر" يا هانم، "آسر وهبة".

.................................................. .......................

حملقت في زرقة المياه المغرية بنظرات مطولة شبه ساهمة، كانت تهرب من إحساسها المتزايد بالألم بإمعان النظر في تلك الأمواج المتلاحقة، وامتزج صوته الأجش مع أصوات حركة المياه الثائرة ليحفر ذلك لمشهد بجميع مؤثراته في مخيلتها، باتت "همسة" على وشك الصراخ طلبًا للنجدة، لكنها قاومت قدر استطاعتها معتقدة في نفسها أنها ستتغلب عليه. دنا "هيثم" منها، وبقلبٍ يقفز طربًا سألها، وكأنه لا يجد ما يحاورها فيه:

-مبسوطة؟

التفتت ناحيته تطالعه بغرابةٍ، وردت متسائلة:

-من إيه بالظبط؟

ازدرد ريقه وتابع بارتباكٍ أبله مستخدمًا يده في التلويح:

-من المكان، من الجو.. أي حاجة يعني.

هزت رأسها قائلة وذلك الوخز المميت ينخر في جانبها:

-كله تمام.

لاحظ "هيثم" تلك التقلصات الظاهرة على تعبيرات وجهها، دقق النظر فيها وسألها مهتمًا:

-إنتي كويسة؟

ضغطت على شفتيها معترفة له بصوتٍ بطيء مكتوم يعبر عن مدى تألمها، وقد انحنت قليلاً للأسفل وواضعة ليدها على جانبها الأيمن:

-لأ.. حاسة إني.. بأموت.

تبدلت تعابيره المبتهجة للخوف، وسألها وهو يفحصها عن كثب:

-مالك يا "همسة"؟ في إيه؟

أطلقت صــرخة عميقة من جوفها قبل أن تتكوم على نفسها على الشرفة وهي تبكي بحرقة من شدة الألم الذي يفتك بجانبها. جثا "هيثم" على ركبته أمامها، تفقدها بنظراته، والتفت برأسه مناديًا في لوعةٍ:

-يا جماعة حد يلحقنا بســـرعة!

وعلى إثر صراخها المرعب تجمع المتواجدين بالمطعم، ومن ضمنهم أفراد العائلتين حولها، كانت "فيروزة" الأسبق في الوصول لتوأمتها بعد أن دفعت من يسد الطريق عليها لتبلغها، وضعت يدها على ظهرها وجثت على ركبتيها تسألها في جزعٍ:

-حصلك إيه يا "همسة"؟

رفعت الأخيرة نظراتها الباكية إليها، وأجابتها بصعوبةٍ:

-مش قادرة، بأموت.

اخترقت "آمنة" صفوف المحاوطين لصغيرتها، وهتفت بقلب أم خائف للغاية:

-بنتي، جرالك إيه؟ إنتي كنتي كويسة و..

هتف "هيثم" فجــأة وقد حسم أمره:

-أنا هوديها لأقرب مستشفى، مش هاسيبها كده.

لم ينتظر الرد من أحدهم، حيث أزاح "فيروزة" من طريقه بالرغم من تذمرها، وأحنى نفسه عليها ليمرر ذراعيه أسفل ركبتيها وحول جسدها ليتمكن من حملها، ألقت "همسة" برأسها على صدره وجفناها مطبوقان من شدة الألم، لم تتوقف عن البكاء وقالت له بصوتٍ بالكاد سمعه:

-الحقني.

نظر لها بعينين مرتاعتين، وهتف يعدها بصوتٍ لاهث من فرط خوفه عليها:

-أنا معاكي، مش هايحصلك حاجة!

.................................................. .....

لحظات عصيبة مليئة بالخوف والترقب مرت على كلتاهما وهما ينتظران في ردهة المشفى ما سيخبرهما به الطبيب بعد الكشف الأولي على حالتها، احتضنت "فيروزة" والدتها، وحاولت تهدئتها بكلماتٍ متفائلة بالرغم من الخوف الذي يسري في أوصالها، لكن عليها أن تبدو قوية الشكيمة أمامها، ألا تنهار مع مصائب الدهر، لتكن هي الحائط المتين الذي تستند عليه، تنهدت قائلة لتشد من أزرها:

-إن شاءالله الدكتور هيطلع ويطمنا عليها، "همسة" هتبقى كويسة ومافيهاش حاجة.

ردت بحزنٍ وهي تمسح دمعاتها المنسابة على وجنتيها:

-يا رب

بالطبع لم يتخلَ "بدير" عن دوره الشهم في مد يد العون لتلك الأسرة، وتواجد بنفسه مع "خليل" و"حمدية" ليطمئن بنفسه على الفتاة المريضة، عرض عليهما بجديةٍ:

-متشلوش هم أي حاجة، المهم نطمن عليها

رد "خليل" مجاملاً:

-كتر خيرك يا حاج "بدير"، والله ما عارف أقولك إيه، أنا حاسس إني إيدي متكتفة، ومش عارف أعمل حاجة

ربت على كتفه مهونًا عليه:

-متخافش، كلنا أهل وجيران

أخفت "حمدية" ابتسامة مستمتعة بالعرض الهزلي الذي يقدمه زوجها، وكأنه يستجدي بذلك عطفه، وإحسانه، والأهم بالطبع نقوده الطائلة، فلا يضطر لإنفاق أي شيء من جيبه بسبب تلك القرابة، تنحنحت تشكره هي الأخرى بوجومٍ زائف:

-احنا غلابة أوي يا حاج، ربنا بعتك لينا في الوقت المناسب

بينما وقف "هيثم" بجوار الباب المعلق أعلاه لافتة (طوارئ) ونظراته مرتكزة عليها، ظل يغمغم بكلمات غير مفهومة، حانت منه نظرة تائهة إلى والدته التي جلست على المقعد المعدني والتصقت بأخته، كلتاهما لم تتوقفان عن الهمس الغامض، استطردت "بثينة" تقول بتذمرٍ:

-مش عارفة لازمتها إيه أعدتنا دي

ردت عليها "خلود" على مضضٍ:

-البركة في "هيثم"، هو اللي مجرجرنا ورا الهانم بتاعته لحد هنا

أخفضت والدتها نبرتها وهي تضيف:

-أنا اتشائمت من الجوازة دي، مش جاي من وراها إلا المصايب

همست تؤيدها، وقد شردت تفكر في مخاوفها غير الحقيقية من "فيروزة":

-ومين سمعك!

أوحت ملامح الاثنتان بأنهما غير راضيتان عن تصرف "هيثم" المليء بالمروءة، تجاهلهما الأخير مرغمًا ليبقى في مكانه منتظرًا من يخرج إليه ليطمئنه، انتصب واقفًا حين لمح إحدى الممرضات تسير عائدة من الداخل، أسرع نحوها ليسألها متلهفًا:

-أخبار "همسة" إيه؟

أجابته بنظرة جامدة وهي تتفحص وجهه:

-مين دي؟

صاح منفعلاً:

-البنت اللي لسه جايبها من شوية، ودخلناها عندكم.

هزت رأسها وقد تذكرت شأنها، ثم سألته بسماجةٍ:

-إنت قريبها؟

أجاب بنفاذ صبر وهو يشير بيده:

-أيوه، أنا خطيبها، وأهلها كلهم هنا.

ألقت نظرة عابرة على الأشخاص الذين انتفضوا في أماكنهم، وتحركوا نحوها ليبدو قريبين منها، وعلقت بنبرة روتينية بحتة:

-دلوقتي الدكتور هيخرج من عندها ويطمنكم.

كان "هيثم" على وشك سبها لبرودها الذي لا يُطاق، لكنه أمسك أعصابه وكظم غيظه داخله، فمن المعروف عن تلك الفئة التي تصادف يوميًا عشرات الأنواع من أنماط البشر الثبات الانفعالي والهدوء التام لاعتيادهم الواضح على ردات فعلهم المختلفة ..

لاحقًا خرج طبيب ما من ذلك الرواق الممتد متسائلاً بصوتٍ مرتفع:

-فين قرايب المريضة "همسة"؟

صاحت "فيروزة" عاليًا لتلفت انتباهه وهي تركض نحوه:

-أنا أختها.

بينما تدخل "هيثم" فارضًا ومعرفًا بنفسه:

-وأنا خطيبها.

رمقته "فيروزة" بنظرة حادة قبل أن توجه سؤالها المباشر للطبيب:

-أختي مالها؟

أجابها بلهجة عملية وبجملٍ مرتبة موضحًا طبيعة حالتها:

-عندها اشتباه في الزايدة، واحنا دلوقتي بنعمل معاها الفحوصات اللازمة قبل ما نجهزها للعمليات.

تفاجأت مما أصابها، وردت في صدمةٍ:

-إيه؟ أنا أختي مكانتش بتشتكي من حاجة!

-عيني عليكي يا بنتي، كان مستخبيلك الهم ده فين؟!!

صرخت "آمنة" بتلك العبارة وهي تلطم على صدغيها في ارتعادٍ وحسرة، رمقها الطبيب بنظرة عادية قبل أن يكمل بهدوء اعتاد التعامل به مع عائلة المريض:

-الأعراض واضحة عليها، وزي ما فهمتك احنا بنعمل الفحوصات اللازمة..

ثم وزع نظراته بين "فيروزة" و"هيثم"، وتابع بلهجته الرسمية:

-من فضلكم حد يعدي على الحسابات ويكمل باقي الإجراءات هناك قبل ما نوديها للعمليات.

ردت عليه "فيروزة" دون تفكيرٍ:

-الفلوس مش فارقة معانا، المهم هي تبقى كويسة.

قال مبتسمًا:

-تمام.. متقلقيش، دي حاجة بسيطة، وكل يوم بنعملها، والمرضى بيقوموا منها بخير.

أحست بالارتياح لعباراته المطمئنة، وقبل أن تفكر في خطوتها التالية هتف "هيثم" بجديةٍ:

-خليكي هنا مع أختك وأنا هاتصرف وأشوف عاوزين كام في الحسابات، ماتشليش هم حاجة.

نظرت له بحدةٍ قبل أن تعترض طريقه لتستوقفه بالإجبار، ورغم صفاء نيته إلا أنها شعرت أنه يمس كرامة عائلتها ويخص شأنهم، لذا رفضت عرضه السخي قائلة بكبرياء:

-شكرًا، الحمدلله مستورة معانا، أختي مُلزمة مني، مش من الغريب!

نطق مستنكرًا تزمتها الفارغ:

-حتى لو أنا غريب دلوقتي، فاحنا جيران ومن حتة واحدة، وماتربناش على كده.

أصرت على موقفها الرافض:

-برضوه متشكرين، وكفاية تعبكم لحد كده..

ثم نظرت إلى والدته وأخته المحدقتين بها، وتابعت بما يشبه التهكم:

-ويا ريت تشكرلنا العيلة الكريمة، قاموا بالواجب وزيادة!

رد عليها معاندًا:

-أنا بأعمل بالأصول.

ابتعدت عنه "فيروزة" وهي عاقدة العزم على ألا تقبل المساعدة المادية منه أو من غيره، ستتكفل بمصاريف المشفى وإن كان ذلك يعني الاستغناء عن الأموال المدخرة لشراء ما قد يلزم لتجهيزها مستقبلاً، الأهم نجاتها من ذاك الألم المميت، لذا طلبت من والدتها الانتظار بجوار أختها ريثما تحضر المبلغ المطلوب .. في حين أرهفت "بثينة" السمع للكلمات الأخيرة التي تلفظ بها ابنها، ثم التفتت إلى "خلود" تشكوها في غيظٍ:

-شايفة أخوكي واللي بيعمله؟

علقت عليها ساخرة منه ونظراتها الحقودة مثبتة على "فيروزة":

-أه يامه، الحبيب بيتكلم! عاوز يكسب بونط معاهم!

تقدم "هيثم" مندفعًا ناحية والدته، ودفعها برفقٍ من ظهرها للجانب، ثم سألها بصوتٍ خفيض:

-يامه معاكي قرشين كده سلف أحطهم تحت حساب المستشفى للبت "همسة"، و آ....

قاطعته معتذرة ومدعية الفقر:

-منين يا ابني؟ أنا على الحميد المجيد، يدوب اللي معايا يكفي مصروف البيت لآخر الشهر، لو كان معايا بزيادة كنت اديتك.

غامت عيناه في ضيقٍ، وردد حائرًا، وكأنه يستشيرها وهو يفتش عن الأنسب بين خياراته المتاحة:

-طب أجيب فلوس منين دلوقتي؟!

قالت ببرودٍ يعكس تهكمها:

-دي مش مسئوليتنا، هي معاها أهلها، هما أكيد عاملين حسابهم ومدكنين قرشين تحت البلاطة لزوم الظروف اللي زيي دي، اسمع مني!

نظر لها في عتابٍ والتزم الصمت غير محبذٍ للتعليق عليها، خاب رجائها فيها، وشرد مستغرقًا في أفكاره باحثًا عن حل سريع، اقترحت عليه والدته ببسمة ماكرة:

-طب أقولك روح خد من جوز خالتك، هو مش هايقولك حاجة، ده ياما بيعمل خير وآ...

ودَّ "هيثم" لو تمكن من مساعدتها دون اللجوء لزوج خالته ليثبت لها أنه قادر على تحمل المسئولية في أشد الأزمات، شعر بالعجز وبقلة الحيلة وهو لا يملك في جيبه ما يكفي لإظهار شهامته، ومرة أخرى يندم بشدة لإنفاقه أمواله هباءً .. ضاقت نظراته بشكلٍ منفر، ولم يتحمل كلام والدته غير المقبول، وقاطعها بتبرمٍ:

-خلاص يامه أنا هاتصرف.

نظرت له بغرابةٍ قبل أن تهتف متسائلة:

-هتعمل إيه؟

تجاهل الرد عليها ليهرع في خطواته متجهًا نحو مخرج المشفى، اضطربت أنفاسه وغص صدره بالبكاء، لكن عاد الأمل ليرفرف فوق رأسه وقد تذكره، ودون ترددٍ أخرج من جيبه هاتفه المحمول، وضع الهاتف على أذنه وقد تطرق إلى ذهنه ذلك الحل الذي وجده مناسبًا له، دار حول نفسه في توترٍ وهو يحاول جاهدًا ترتيب أفكاره قبل أن يبوح بها إليه، ثم هتف دون مقدماتٍ حين أجاب عليه الطرف الآخر:

-"تميم"، أنا عاوزك في خدمة مش هنسهالك طول العمر ............................................ !!

.................................................. ..................






منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 18-04-20, 02:15 AM   #85

zezo1423

? العضوٌ??? » 406322
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 209
?  نُقآطِيْ » zezo1423 is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايدك يا منال.. فصل حلو بس قصير 😢
يا ترى همسة هترجع لهيثم ولا هتفلت من امه واخته
خلود أعووووووذ بالله من الغباء.. يعني غباء ف الحب وغباء ف الغيرة.
فيروزة ❤❤
في انتظار القادم بشوق
كل عام وانتم بخير .. رمضان كريم 🌜🌜


zezo1423 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-20, 10:18 AM   #86

جنه كريم

? العضوٌ??? » 448826
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 66
?  نُقآطِيْ » جنه كريم is on a distinguished road
افتراضي

😀😁😉😯😢😈😢😬😡😡😢😢😢😢😡😬😆😡😡😉😬😬😡😡😡😬😬

جنه كريم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-20, 03:05 PM   #87

ريما دودو حياتي

? العضوٌ??? » 462060
?  التسِجيلٌ » Feb 2020
? مشَارَ?اتْي » 78
?  نُقآطِيْ » ريما دودو حياتي is on a distinguished road
افتراضي

الفصل ممتع الثنائي اللي عاجبني بجد همسه وهيثم مع أن هيثم كان سىء قبل كده بس همسه هتغيره يارب ترجع ليه تاني وفيروزه لسانها متبري منها ايه دا بتقول كلام يا مررتي وأم خلود دي المفروض اللي زيها في المجتمع بنفس التفكير الجشع للمال دا ينقرضوا 😅😅بالتوفيق ليكي دايما أستاذه منال ❤

ريما دودو حياتي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-20, 06:39 PM   #88

Naseeme

? العضوٌ??? » 441413
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 94
?  نُقآطِيْ » Naseeme is on a distinguished road
افتراضي

👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍👍

Naseeme غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-04-20, 09:41 PM   #89

سوووما العسولة
 
الصورة الرمزية سوووما العسولة

? العضوٌ??? » 313266
?  التسِجيلٌ » Feb 2014
? مشَارَ?اتْي » 928
?  نُقآطِيْ » سوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond reputeسوووما العسولة has a reputation beyond repute
افتراضي

انا عندي امنية وحدة لو كان اشخاص الرواية حقيقين ادخل وامد يدي واشيل حمدية من رقبتها واطعنها وااقطع شرايينها 😙😂😂جاتني افكار قتل كتيرة وابغا اطبقها كلها عليهل فاقعة مررارتي بجدد.. ميمي ياحلوتي تسلللم يدك وانا متابعاكي من اول رواية لكي لكن بصمت لاني مااعرف اعلق حقيقة سامحيني عالتقصيير وشكرا عالفصلين الحلوة دي.. 💋❤️

سوووما العسولة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-04-20, 12:46 AM   #90

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل الحادي والثلاثون - الجزء الأول



الفصل الحادي والثلاثون (الجزء الأول)



حزمة من المشاعر اليائسة غزت وجدانه بعد أن أحصى عقليًا وبحسبة سريعة ما يدخره من مال، لم يملك من كده اليومي حين التزم طريق الحلال سوى القليل الضئيل الذي لا يذكر أو حتى يصلح لشراء باقة من الورد لمعايدتها بعد تماثلها للشفاء، فماذا عن دفع تكاليف العلاج بالمشفى؟ لعن "هيثم" استهتاره الدائم الذي أوصله لتلك الحالة من العوز والاحتياج، عبث بشعر رأسه، وتابع مكالمته مع "تميم" قائلاً له على عجالةٍ:

-أنا محتاج منك قرشين ضروري، وهردهوملك أما ربنا يفرجها معايا

بدا على صوت "تميم" الضيق حين سأله مستفهمًا:

-خير يا "هيثم"؟ عملت مصيبة إيه المرادي؟

أجابه بأنفاسٍ غير منتظمة وهو يتحرك في حركة شبه دائرية خارج المشفى:

-دول مش ليا.

استطاع أن يسمع صوت أنفاسه البطيئة عندما تساءل مجددًا بما يشبه الاستنكار:

-قول إنك رجعت تاني للسكة الشمال، والحكاية فيها عوأ (مشكلة) مع حد؟!

هتف نافيًا بصوتٍ مختنق:

-اقسم بالله أبدًا، أنا وعدتك ووعدتها.. ولحد النهاردة ملتزم بكلمتي...

انقطع صوته للحظة قبل أن يتابع بتوسلٍ:

-بس البت هتموت لو ملحقتهاش

على الفور سأله "تميم" وقد تبدلت نبرته:

-بت مين؟

أجابه بتلعثمٍ وتلك النهنهة تختلط بصوته:

-"همسة".. خطيبتي!

رد عليه "تميم" يستحثه على تمالك نفسه:

-اهدى كده، وفهمني في إيه، ومستشفى إيه اللي بتحكي عنها، ومتقلقش هاجيبلك كل اللي إنت عاوزه، وبزيادة.

تنفس "هيثم" الصعداء لدعمه الذي هبط عليه كنجدةٍ من السماء، ومسح بيده الدمعات التي فرت من طرفيه، ثم قال وهو يسحب نفسًا عميقًا:

-حاضر، بس بالله عليك ما تتأخر.

اخترقت نبرته أذنيه وهو يرد عليه:

-أنا جايلك في الطريق.

تنهيدة ثقيلة خرجت من جوف "هيثم" أزاحت معها همًا قابضًا للأرواح جثم على أنفاسه طوال تلك الدقائق الماضية، بدأ يستعيد انضباطه، وســرد له تفاصيل ما حدث في المطعم منذ لحظة انهيار "همسة" وذهابه بها إلى المشفى بصحبة أفراد العائلتين.

.................................................. .............

لم تمهل نفسها الفرصة لالتقاط الأنفاس، بمجرد أن دست المفتاح في قفل الباب ووطأت داخل منزلها، ركضت "فيروزة" نحو غرفة نوم والدتها، اتجهت إلى دولاب الملابس حيث تحتفظ والدتها في الرف الأوسط بصندوقٍ صغير تضع فيه مدخرات الفتاتين من أجل تجهيزهما حين تحين لحظة زواجهما، كانت تعرف هدفها جيدًا، فلم تضع الوقت في البحث والتفتيش، أزاحت الثياب التي يختبئ الصندوق أسفلها، وفتح الصندوق بالمفتاح الصغير المعلق به، أخرجت جميع النقود الموجودة به، وطوتهم بإحكامٍ قبل أن تحشرهم في جيب حقيبتها، كانت على وشك غلق الدولاب حين لمحت علبة القطيفة الحمراء، رددت لنفسها:

-إيه دي؟

مدت يدها للرف العلوي لتسحبها نحوها، ثم فتحتها لتعلو الدهشة المستنكرة كامل ملامحها، كزت على أسنانها متسائلة في ضيقٍ:

-الدهب ده بيعمل هنا إيه؟ المفروض يكون رجع لأصحابه!

أعادت العلبة في مكانها بالرف العلوي، وتابعت حديث نفسها:

-عمومًا ده مش وقته، هتكلم مع ماما في حكايته بعدين، المهم دلوقتي "همسة" وبس.

أوصدت الدولاب وتحركت بخطوات متعجلة إلى خــارج الغرفة، أغلقت الباب خلفها، ومنه تابعت سيرها السريع نحو باب المنزل، وهي تأمل في نفسها ألا تكون قد تأخرت على توأمتها.

.................................................. ................

كل ما شغل حيز تفكيره في تلك الأثناء هو كيفية إحضــار النقود المطلوبة دون إضاعة المزيد من الوقت، فالدقائق تكلف كثيرًا في حالة مريض تتوقف حياته على الثمن الذي يدفعه لتلقي العلاج الفعال، كان "تميم" متواجدًا بالدكان أثناء تلقيه للمكالمة الهاتفية، لهذا اتجه إلى الخزانة القديمة الضخمة الموضوعة عند الزاوية ليسحب منها ما يريده من أموال، ركض نحو سيارته، وقــادها بتعجلٍ نحو المشفى الذي لم يكن ببعيدٍ عنه، وظل على تواصلٍ مع "هيثم" ليعرف منه آخر المستجدات، وعندما بات أمام مدخل المشفى قال له بصيغة آمرة:

-اطلع استناني عند الحسابات، أنا هاركن العربية في الجراج وجاي

رد بتعجلٍ:

-ماشي.

وفي المكان المخصص لركن السيارات، صف "تميم" خاصته به، ثم ترجل منها وهرول نحو الدرجات يصعدها دفعات، التقط أنفاسه عند الاستقبال وهو يجوب بعينيه القلقتين على الأوجه المتواجدة، أوقف إحدى الممرضات يسألها:

-الحسابات هنا فين؟

أرشدته وهي تشير بيدها:

-هتطلع من السلم اللي هناك ده، الدور الأول، آخر الطرقة يمين.

-متشكر

قالها وقد شرع يهرول في اتجاه السلم ليكمل صعوده الراكض عليه، وقبل أن يصل إلى الغرفة المنشودة كان "هيثم" ينتظره في الردهة، هلل الأخير فور أن رأه:

-"تميم"! أنا أهوو..

ثم ركض نحوه متسائلاً بتوترٍ:

-جبت الفلوس؟

أجابه وهو يخرج من جيبه مظروفًا أبيض اللون وضع به النقود:

-أيوه، شوف دول يكفوا ولا محتاج بزيادة

تناول منه المظروف وألقى نظرة خاطفة على المبلغ الكبير قبل أن يغلقه لينظر إليه قائلاً بامتنانٍ:

-كده تمام أوي، الله يكرمك يا "تميم"، مش عــارف أقولك إيه، إنت أنقذتني وآ....

لم يكمل جملته الشاكرة له بسبب صوت "فيروزة" المقاطع بحسمٍ:

-محدش يتدخل!

التفت كلاهما نحوها لينظرا باندهاشٍ لتلك التي تركض وعرقها الغزير ينساب على جبينها، حتى خصلاتها تنافرت وتبعثرت بشكلٍ فوضوي، بالطبع ظهر تأثير رؤيتها المفاجئ على "تميم"، إنها نفس الخفقة العجيبة التي تضرب فؤاده وتصيبه بربكة موترة، حَجم من مشاعره التي تضاربت في حضرتها ليسألها بلهجته الصارمة وهو ينظر إلى عينيها المنزعجتين:

-مندخلش في إيه بالظبط؟ الموضوع عندنا!

رمقته بنظرة حادة، ثم انخفضت نظراتها نحو المظروف، خمنت دون سؤال عما يحتويه، وردت بشموخٍ وهي تتطلع إليهما رافضة إقحام أيًا منهما في شئون عائلتها سواء المادية أو المعنوية:

-لأ معلش دي أختي أنا، مالهاش لازمة تتحشروا في أي حاجة تخصنا

هدر بها "هيثم" وقد استفذت طاقته على الاحتمال:

-بأقولك إيه أنا آ......

قاطعه "تميم" بصوته القوي، ومشيرًا بيده دون أن تبتعد نظراته المتأملة عن وجه "فيروزة":

-خلاص، اهدى يا "هيثم"!

رد عليه بنرفزةٍ واضحة:

-إنت مش شايفها يا "تميم"؟ كلامها يفور الدم!

أدار رأسه نحوه يأمره بصوته الآمر دون أن تخبو صرامته:

-روح يا "هيثم" اعمل المطلوب وخلص الإجراءات!

هز رأسه ممتثلاً له، فصرخت به "فيروزة" محتجة:

-استنى عندك!

وكأنها تُحادث الفراغ حيث تابع "تميم" إلقاء أوامره عليه:

-نفذ الكلام، ماتقفش!

تراقصت في عينيه نظرة انتصار وهو يرد:

-حاضر.

أوشكت "فيروزة" على اللحاق به وإيقافه، لكن اعترض "تميم" طريقها بجسده، توقفت عنوة حتى لا ترطم بصدره بسبب اندفاعها المتعجل، نظرت له شزرًا ثم تحركت في الاتجاه الآخر لتتجاوزه، لكنه سده عليها وقد فــرد ذراعيه في الهواء، منحته نظرة نارية من عينيها قبل أن تصرخ به بعصبيةٍ:

-ممكن أفهم إنت بتتحشر ليه؟

رد مبتسمًا، وكأنه يستفزها بهدوئه:

-مش في رجالة موجودين؟ هما اللي بيخلصوا الحاجات دي، فماتتعبيش نفسك.

غمغمت مع نفسها في حنقٍ، وقد شردت تفكر في جملته الأخيرة ذات الدلالة الواضحة:

-الله يسامحك يا خالي، إنت السبب، المفروض تكون بتجري مكاني!

تأمل "تميم" سكونها اللحظي بنظرات متفحصة، كانت كشعلة من النار الملتهبة ألسنتها، والتي يزداد أوجها بشكلٍ مثير حين تغضب، ورغم هذا كانت تجعل كامل حواسه في حالة استنفارٍ عجيبة، وكأنها تحثه بكل ما تملكه من وسائل هجومية على عدم الاستسلام والخوض معها في معركة طويلة الأجل، طالعته بنظرة غريبة حين رأت نظراته الساهمة نحوها، ثم هتفت بتنهيدة محبطة وذلك التقوس المستنكر يعلو زواية شفتيها:

-يعني مش معقول، كده كتير بجد.

حافظ على ثبات نبرته وهو يرد:

-معلش استحمليني.

ابتسمت في سخرية وقد عاد إلى ذهنها مشهدًا ليس ببعيدٍ عنها، حين أخبرتها زوجته بأنه لا يتقبلها مطلقًا، ويكن لها كراهية مفهومة، لم تتحمل سخافة الموقف، وسألته بما يشبه الإهانة:

-للدرجادي إنت منافق كمان؟!

صدمه وصفها الأخير له والمرفوض كليًا، وقال محذرًا وقد اشتدت تعابيره عبوسًا:

-منافق! حاسبي على كلامك.

استرسلت موضحة بكبرياءٍ وقد تصلبت عروقها:

-ما هو مالوش تفسير اللي بتعمله غير كده، أكيد واحد مش طايق يبص في خلقتي، ولا أنا أصلاً بأقبلهن فجأة بقدرة قادر جاي يعمل معروف معايا، لأ شكرًا مش عاوزين حاجة من حد، الحمدلله ربنا ساترها معانا، وموصلش الأمر إننا نشحت على أختي، لأ ومنك!

تطلع إليها في اندهاشٍ متعجب من الأقاويل التي تملي بها أذنيه، وسيطر على غضبه الذي اندلع كردة فعل طبيعية بداخله، سحب شهيقًا عميقًا لفظه دفعة واحدة، ثم قال بتمهلٍ:

-طيب .. أنا مش هسألك على اللي قولتيه ده دلوقتي، أنا مقدر الظروف!

صاحت بنفس النبرة المنفعلة وهي تشيح بيدها أمام وجهه:

-وتسألني ليه أصلاً؟ بصفتك مين؟ ما كفاية مراتك قايمة بالواجب وزيادة

تساءل مندهشًا:

-مراتي؟ وهي مالها بيكي؟!!

نظرت له باحتقارٍ وهي معتقدة أنه يتلاعب بها، ثم قالت بما يشبه السخرية:

-إنت بتهزر صح؟ قالولك عني غبية وبرمي بلايا، إنتو الكلام معاكو خسارة

حاولت تخطيه لكنه احتل الطريق بجسده ومنعها من المرور فلم تجد إلا صدره العريض أمامها، وكأنه بذلك يتحداها، رفعت عينيها إليه فوجدت نظراته المحتقنة مسلطة عليها، وبصوتٍ بدا مشدودًا سألها:

-أنا مش فاهم منك حاجة، قصدك إيه بكلامك ده؟

ضجرت من لغوه الفارغ معها، ومن تلاعبه المستهلك بعقلها، وكأنه بذلك يضيع الوقت عليها، إذًا لتوقفه عند حده إن كان لا يفهم إلا بلغة العنف، ودون أن يتوقع ردة فعلها شحذت "فيروزة" قواها المنفعلة ودفعته من صدره بكلتا قبضتيها لتتمكن من تحريكه من مكانه خطوة للخلف وهي تصرخ به:

-ابعدوا عننا بقى، شيلونا من دماغكم!

تفاجأ من قساوتها العنيفة التي حفزته، أصبحت تعابيره متقلصة للغاية، كانت على وشك تكرار نفس الفعلة الجنونية، لكن امتدت يداه لتمسك برسغيها، ثبتهما للأسفل مستخدمًا قوته الذكورية الكامنة فيه، وشدَّ بأصابعه وعيناه تنظران مباشرة في حدقتيها المحتدتين، استجمع هدوئه، وضبط غضبه، ثم قال لها بصوته الخفيض:

-لو قصدك على خطوبة "هيثم" بأختك، فده اختيارهم، أنا ماليش فيه.

حاولت تحرير يديها من قبضتيه الجامدتين، وهتفت بحنقها:

-واحنا مش عايزين نرتبط بيكم، افهموا بقى!

أرخى أصابعه عنها فسحبت على الفور يديها للخلف، وبدأت تفركهما، تنهد من جديد ثم رفع كفيه أمام وجهها متابعًا كلامه:

-ده مش موضوعنا، المهم دلوقتي نطمن على أختك، مشاكلك مع "هيثم" أو غيره تحليها بعدين.

فتحت "فيروزة" شفتيها لترد عليه بلهجة قاسية شديدة لتلزمه بحدوده معها فلا يتجاوز مطلقًا تحت أي مسمى، لكن الصوت المألوف المنادي باسمها جعلها تدير رأسها للخلف في اتجاه مصدره غير متوقعة ما أبصرته عيناها ........................................ !!

.................................................. .....................












منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:14 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.