آخر 10 مشاركات
غزة والاستعداد للحرب القادمة (الكاتـب : الحكم لله - )           »          253- لعبة الحب - بيني جوردن - دار الكتاب العربي- (كتابة/كاملة)** (الكاتـب : Just Faith - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          1199 - مرارة الغيرة - روايات عبير دار النحاس ( كتابة /كاملة)** (الكاتـب : samahss - )           »          أيام البحر الأزرق - آن ويـــل -عبير الجديدة -(عدد ممتاز ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          [تحميل]مذكرات مقاتلة شرسة// للكاتبة إيمان حسن، فصحى (على مركز الميديافاير pdf) (الكاتـب : Just Faith - )           »          307 – الحب والخوف - آن هامبسون -روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          عمل غير منتهي (85) للكاتبة : Amy J. Fetzer .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          خريف الحب / للكاتبة خياله،،والخيل عشقي (مميزة) (الكاتـب : لامارا - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree508Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-06-20, 12:19 AM   #181

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل الثاني والأربعون




الفصل الثاني والأربعون


يبدو أن رفيقتها استغلت الفرصة لتحصل على عطلة طويلة الأجل امتدت لأيامٍ متعاقبة دون أن تكبد نفسها مشقة المجيء لتفقد مالها، ووحدها من باتت مسئولة عن كل ما يتعلق بالعمل، لم تمانع "فيروزة" بالقيام بمسئولياتها على أكمل وجه، ربما أكسبها ذلك المزيد من الخبرة حين تدير عملها الخاص في المستقبل، انتهت من توضيب صندوق آخر مليء بالمطلوب لأحد الزبائن، راجعت محتوياته لمرة أخرى حتى تتأكد من عدم إغفالها لما يخص العميل، اتجهت بعدها لمكتب "علا" لتخرج دفتر الفواتير منه، انتبهت للفاتورة التي لم تحصل بعد، رفعتها لتقرأ الاسم، كانت مسجلة باسم "تميم سلطان"، تبدلت تعبيراتها للضيق، حكت مقدمة رأسها وهي تتساءل في حيرة:

-مش معقول، ده فاتورته لسه هنا؟

اعتصرت ذهنها لتستعيد سبب غفلتها عنها، بدت وكأنها تتناقش مع نفسها بصوت مسموع حين تابعت:

-أيوه.. من ساعة حادثة "آسر"، معنى كده إن الفلوس مادفعتش.

ضربت جبينها وهي تتابع بنبرة لائمة:

-ده الموضوع راح من بالي خالص، العمل إيه دلوقتي؟

أسندت الفاتورة على سطح المكتب، ونقرت بأصابعها عليه في لزمة متكررة لتفكر مليًا في حلٍ ملائم لتلك المعضلة، خاصة بعد أن مر على انقضاء حفل السبوع ما يقرب من ثلاثة أيام، رددت مع نفسها في ضيقٍ حرج:

-ما هي لو كانت فلوسي كنت عديت الموضوع، ودفعت الفرق حتى من جيبي، بس الفلوس اللي معايا ماتكفيش ربع المبلغ ده .. المفروض اتصرف إزاي؟

أراحت ظهرها للخلف وقد ظهرت عليها أمارات الحيرة أكثر، نفخت في استياءٍ قبل أن تقول لنفسها:

-بيتهيألي مافيهاش حاجة لما أفكره بده، أكيد هو زيي ناسي..

ثم ابتسمت لنفسها وهي تعلق بتهكمٍ:

-ما هو كان معايا أصلاً!

طوت "فيروزة" الفاتورة ووضعتها في حقيبتها وقد باتت شبه حاسمة لأمرها بعد تفكيرٍ عميق، ستذهب إليه خلال فترة استراحتها عند دكانه في زيارة ودية، قصيرة وسريعة تطالبه فيها بسداد ثمن البضائع دون حرجٍ .. هكذا أقنعت نفسها ببساطة!

.................................................. ..

قدمت خطوة وأخرت الثانية وهي تسير في اتجاهها نحو الدكان، نظرة مدققة ألقتها على من يمرون أمامه علها تجده بينهم، لم تتمكن من إيجاده فتابعت تقدمها نحو المكان وهي تعيد ترتيب أفكارها، كانت متحرجة من الموقف برمته، فليس من المفترض أن تطالبه بسداد شيء ما وهي في الأصل تدين له بمال المشفى، وإن كان ينكر ذلك، لكنها متيقنة من كونه الوحيد الذي راوغها خلسة وخدعها بطريقة ما لا تعلمها ليعيد بها المال المال، أفاقت "فيروزة" من سرحانها السريع في أفكارها على صوت أحد العمال المنادي لزميله، تنبهت لوجودها أمام المدخل، استعادت زمام أمرها، والتفتت برأسها للجانب لتجد الحاج "بدير" يتطلع إليها بوجهه البشوش، هتف الأخير مرحبًا بها:

-صباح الخير يا بنتي.

بادلته ابتسامة ودودة وهي ترد:

-صباح الخير يا حاج..

ثم ألقت نظرة عابرة على من بالداخل وهي تواصل القول:

-هو المعلم "تميم" موجود؟

أجابها نافيًا:

-لأ .. في مشوار.. خير في حاجة؟.

مطت شفتيها في حيرةٍ، فأصر عليها "بدير" بنظراته الجادة المسلطة عليها:

-قولي ماتتكسفيش.

تشجعت لتقول بحذرٍ:

-أصل الحكاية ومافيها إنه كان اشترى حاجات من المحل اللي أنا شغالة فيه عشان سبوع حفيدك، والفاتورة.. لسه مادفعتش.

سألها مباشرةٍ:

-هي فين؟

أخرجتها من حقيبتها لتعطيه إياها، نظر لها بإمعانٍ بعد أن تناولها منها، شعرت "فيروزة" بمزيدٍ من الحرج مع تدقيقه الواضح فيها، وقالت:

-أنا مكسوفة من حضرتك أوي.

رد عليه بابتسامةٍ عادية:

-حقك يا بنتي، أنا بس بأراجع الحسبة عشان لو في غلطة ولا حاجة، متأخذنيش اتعودت على كده.

علقت عليه بتوترٍ طفيف مستخدمة يدها في الإشارة:

-المشكلة دي فلوس ناس، ومش بتاعتي، وأنا المفروض كنت أخد بالي.

قال ببساطةٍ:

-الاتفاق اتفاق.. هو كلام عيال ولا إيه؟

نهض من جلسته مستندًا على عكازه، ثم دعاها بترحابه الودي:

-اشربي حاجة عقبال ما أجيبلك الفلوس.

ردت بتهذيبٍ وهي تجاهد لتحافظ على بسمتها العملية قبالته:

-مالوش لازمة.

ألح عليها بجديةٍ:

-لأ إزاي.. مايصحش، تبقي عندي وتتعاملي زي الغريب..

هزت رأسها بإيماءة موافقة، فأضاف في حماسٍ:

-وبعدين أكون وصيتهم يجهزوا كام حاجة يبعتوها على البيت.

شعرت بحرجٍ أكبر من كرمه الزائد، واعتذرت منه بلباقةٍ:

-خيرك سابق يا حاج، مافيش داعي و...

قاطعها "بدير" بإصرارٍ مشيرًا لها بنظراته:

-ده واجب عليا، ده إنتو من العيلة..

ثم رفع من نبرته ليأمر أحد عماله:

-كرسي بسرعة يا وله.

أحضر لها العامل مقعدًا خشبيًا بعد تلميعه لتجلس عليه، ابتسمت وهي ترد:

-شكرًا يا حاج "بدير".

غاب في الداخل لبضعة دقائق، وانتظرت "فيروزة" بترقبٍ تتابع في فتور حركة المارة العابرين من أمامها، استرعى انتباهها أصوات الشاحنات التي تنقل البضائع من وإلى الدكان، وكأن العمل لا يتوقف للحظة، عاد إليها "بدير" يمد يده ناحيتها أولاً بمفتاحٍ معلق به ميدالية فضية موضحًا:

-دي نسخة من مفتاح الشقة عشان أما تروحوها في أي وقت.

ضاقت عيناها مرددة في استغرابٍ:

-شقة؟!

تعجب من الحيرة الظاهرة عليها، وقال بمزيدٍ من الإيضاح:

-بتاعة أختك.

الآن تفقه ذهنها للأمر، ووضعته في حقيبتها لتقول متصنعة الابتسام:

-أيوه.. تمام.

استرسل في الحديث ليضيف من تلقاء نفسه:

-كانت الحاجة قالتلي إنكم عاوزين نسخة تبقى معاكو، وأنا كنت مستني قرب ما العمال تخلص شغل فيها عشان اخلي النجار يغير طبلة الباب وتبقوا معاكو النسخ الجديدة.

ورغم دهشتها من ذلك الطلب إلا أنها ردت مادحة إياه، فإذ ربما دار الحوار بينهما في عدم وجودها:

-مش مشكلة، كفاية اللي حضرتك عامله عشانا.

.................................................. .......

على الجانب الآخر، هبطت كلتاهما الدرجات الرخامية من تلك البناية –حديثة الطراز في تصميمها- بعد انتهائها من الكشف النسائي بعيادة الطبيب الذي قررت المتابعة معه، تأكدت "خلود" من سير حملها في مراحله الأولى بشكلٍ طبيعي من خلال نتائج التحاليل الرقمية التي أجرتها، حينها فقط قررت الإفصــاح عما تحمله أحشائها، اتجهت مع والدتها التي لازمتها إلى الطريق الرئيسي حيث ستنحرف منه عند الناصية للزقاق الجانبي لتصل منه إلى الدكان، بدا الوجوم بائنًا على ملامح "بثينة" التي عاتبتها بضيقٍ:

-بردك مصممة تعملي اللي في دماغك يا "خلود"؟ خلينا نرجع البيت، وابقي قوليله هناك.

أصرت عليها بحماسٍ، والسعادة تتراقص في حدقتيها:

-فرصة يامه واحنا خلاص بقينا قريبين من الدكان، عاوزة أطل عليه، وبالمرة أفرح حمايا، ويعرف إن حفيده الحقيقي جاي.

ضاقت نظرات والدتها بشكٍ نحوها، وكأنها تنفذ إليها لتكشف عن أغوارها، تنهدت تسألها في مكرٍ:

-حماكي بردك؟ ولا عاوزة تفتشي ورا جوزك؟

ثم مصمصت شفتيها لتدافع عنه بصدقٍ:

-مع إنه مالوش في اللف ولا الدوران.

تطلعت إليها ابنتها بنظرة غامضة، فوالدتها الوحيدة التي تقرأها بوضوح وتعرف نواياها، حاولت التهرب من إجابتها بصراحةٍ، وقالت.

-أنا عارفة، بس هوديني وخلاص، مش هنخسر حاجة.

زفرت ترد على مضضٍ:

-أما نشوف أخرتها إيه، بس عاوزين نجيب الفيتامينات والمثبتتات اللي قال عليها الضاكتور ده

ابتسمت قائلة لها:

-هنعدي على الصيدلية في طريقنا..

وقبل أن تنحرف الاثنتان عند الناصية لمحت كلتاهما "بدير" وهو يمد كفه بمظروف به نقودٍ ليعطيه لـ "فيروزة"، على ما يبدو كان يحصيهم قبل غلقه للتأكد من العدد، شخصت أبصارهما في ذهولٍ، وفي لحظة اختفت علامات الفرحة لتظهر مكانها القتامة والكراهية .. كزت "خلود" على أسنانها في غيظٍ كبير، وهتفت بأنفاسٍ شبه منفعلة تشكو والدتها:

-شوفتي، أهوو أنا قلبي كان حاسس، بنت الأبلسة واقفة هناك أهي!!

تساءلت "بثينة" في فضولٍ متزايد، وعيناها تلمعان بشكلٍ مقلق:

-ودي جاية ليه؟

أجابت نافية وشعورها بالغيرة قد تعاظم بداخلها:

-مش عارفة، بس أكيد عاوزة تشغل جوزي، أنا إحساسي ما بيكدبش.

أضافت عليها والدتها في امتعاضٍ حاقد:

-لأ وشوفي حماكي بيطلع بواكي فلوس ويديها، وهي ما هتصدق تغرف طبعًا، ما هو مال سايب وأتة محلولة

ردت عليها "خلود" بنبرة عبرت عن غِلها:

-أكيد جاية تبلفه بكلمتين وتضحك عليه بوش الxxxxب ده.

أيدتها الرأي، وأضافت عليها في حنقٍ:

-أومال إيه؟ لزوم تكاليف توضيب الشقة، ويبقى ما صرفوش حاجة، وابني عمال يدفع ويصرف على البت دي.

شحذت "خلود" قواها الغاضبة لداخلها، ونطقت من بين شفتيها تتوعدها:

-أنا رايحلها أعرفها مقامها.

حذرتها والدتها بجديةٍ وقد شدت على رسغها لتوقفها:

-اوعي تعملي حاجة مجنونة يا بت، ماتبوظيش الطبخة على شوية ملح.

استلت يدها من أصابعها، وقالت بكل غيظها المتجمع بداخلها:

-سيبيني يامه، لازم أوقفها عند حدها.

اعترضت طريقها بجسدها، وحذرتها من جديد بلهجة صارمة وهي تشير لها بعينيها الخبيثتين:

-ماتخليش واحدة زي دي تعلي عليكي وتكسب الراجل ده.

صاحت بها في عصبيةٍ:

-حاسبي يامه، كله إلا جوزي.

دفعتها لتواصل تقدمها وشرارات الغضب تنطلق من حدقتيها المشتعلتين، دمدمت والدتها من ورائها:

-استر يا رب.

نفخت كتل الهواء من جوفها طوال سيرها المتعصب نحو الدكان، ثم استنشقت دفعة أخيرة بعمق لتحجم بها انفعالاتها الثائرة، للحظة تداركت نفسها ومنعتها من التهور برعونة، حاولت أن تبدو لطيفة، طيعة، ودودة حين قالت بابتسامة لطيفة:

-سلامو عليكم، إزيك يا عمي؟

استدار نحوها "بدير" ليتفاجأ بوجودها، تساءل بعفويةٍ:

-"خلود"، خير يا بنتي؟ جاية هنا ليه؟

ضغطت على كل كلمة تتلفظ بها وهي ترد، وعيناها تنظران إلى "فيروزة" بحقدٍ رغم وداعتها المصطنعة:

-جاية أبشرك بأخبار حلوة، بس "تميم" جوزي فين؟ عاوزاه يسمع معاك يا عمي.

أجابها "بدير" بتمهلٍ:

-وراه مصالح بيخلصها.. عاوزة تقوليلي إيه؟

احتدت نظرات "بثينة" التي أتت ركضًا من خلفها، همست لنفسها برجاءٍ آملة في نفسها ألا تفسد ابنتها ما تخطط له:

-اوعي يا بنت المجنونة! كده هتبوظي كل حاجة!

ماطلت "خلود" في حديثها قائلة:

-أصل أنا كنت تعبانة اليومين اللي فاتوا دول أوي يا عمي، مكونتش قادرة أقف على حيلي أبدًا، والحمدلله اطمنت وعرفت السبب.

انتبه لجملها الغامضة، وتساءل والفضول مرسوم على ملامحه:

-خير يا بنتي؟ إن شاءالله مافيش حاجة خطيرة.

ابتسامة ماكرة احتلت شفتاها وهي توضح:

-يا عمي كلها كام شهر وتبقى جد لحفيد من صلبك، أنا قولت أبشرك قبل أي حد..

هلل "بدير" بفرحة حقيقية:

-اللهم لك الحمد والشكر، إنتي متأكدة يا بنتي؟

ردت بابتسامة أكثر اتساعًا:

-أيوه، حتى جوزي الغالي لسه مايعرفش.

رددت "فيروزة" مع نفسها بنبرة متهكمة ساخرة منها وهي تصغي لكم الزيف في حديثها الأجوف:

-أه طبعًا جوزي حبيبي قرة عيني.

تابعت "خلود" حديثها قائلة بتملقٍ مليء باللؤم:

-البشارة يا عمي لازم تكون عندك الأول، ده إنت الغالي عندي.

وكأن سعادة الدنيا قد تجمعت في نظراته نحوها بعد أخبارها المشوقة تلك، امتداد اسم عائلته سيكون من خلال الحفيد المنتظر، عبر "بدير" عن فرحته العارمة قائلاً:

-اللهم صلي على النبي.. هي دي الأخبار اللي تفرح، يا خير ما عملتي.. ربنا يكملك على خير..

ربتت "بثينة" بيدها في قوةٍ ملحوظة على كتف "فيروزة" تستحثها بنبرة ذات مغزى:

-مش تباركلي لـ"خلود" يا حلوة.

نظرت لها الأخيرة شزرًا من طرف عينها قبل أن توجه نظراتها نحو ابنتها السمجة، وقالت باقتضابٍ:

-مبروك.

ردت عليها "خلود" بترفعٍ، كأنها تجبر نفسها على الحديث معها:

-متشكرة.

تنحنح "بدير" مقترحًا:

-ما تمشوش، أنا هابعت معاكو حد يوصلكم البيت عشان بهدلة المواصلات، وأول ما "تميم" يرجع هبعته عندك تفرحيه.

ردت "خلود" تشكره بتعبيراتٍ مبتسمة:

-كتر خيرك يا عمي.

ابتعد "بدير" للحظاتٍ لتفرغ الساحة لثلاثتهن حيث تتكشف الأقنعة وتظهر الأوجه الحقيقية، ألقت "خلود" نظرة احتقارية شملت "فيروزة" من رأسها لأخمص قدميها قبل أن تنطق بوقاحةٍ:

-عقبالك إنتي وأختك... ولو إن مافيش حاجة مضمونة اليومين دول، صح يامه؟

دعمتها "بثينة" في حديثها السمج، وقالت:

-أيوه.. كله مغشوش يا بت، وياما كتير اتغفلوا أونطة

تحفزت "فيروزة" في وقفتها لتنظر لكلتيهما باستخفافٍ، دلت كلماتهما على حقدها الدفين، بدت أكثر ثباتًا وغرورًا عن زي قبل وهي تعمق من نظراتها نحوهما، ثم علقت حقيبتها على كتفها لترد ببرود استفزهما:

-معاكو حق.. حتى الحامل نفسها، مش مضمون يكمل حملها ولا لأ.. وخصوصًا لو كانت منفسنة وبتغِل في نفسها كتير.

استشاطت "خلود" غضبًا، وردت عليها بحدةٍ، وكأن الدماء تكاد تنفجر في عروقها:

-إنتي بتقولي إيه؟

تابعت "فيروزة" القول بنفس البرود الهادئ دون أن تتبدل تعابيرها:

-خافي على صحتك يا .. مدام وبلاش هري كتير، مش كويس عليكي.. إنتي لسه في الأول!

أتبعت جملتها بضحكة مستهزأة بها، فاغتاظت "خلود" أكثر من نبرتها الهازئة، وهمَّت بلعنها بصوتٍ محتد:

-يا بنت الـ .....

منعتها والدتها من التفوه بحماقة لتهمس في أذنها:

-اهدي يا "خلود"، ليها يومها

ردت عليها بنظراتها المشتعلة:

-إنتي مش شيفاها يامه؟

توعدتها بكلمة حاسمة كانت واثقة أنها ستنفذ ما تنتويه:

-اصبري، ماتبوظيش الدنيا.

ضغطت "خلود" على أسنانها هامسة بسخطٍ:

-عقبال ما نعزي فيها قريب.

خطت "فيروزة" مبتعدة عن الاثنتين قبل أن تتورط معهما في مشكلة حتمًا ستنتهي في القسم الشرطي بعد ضربهما بشراسة، اتجهت إلى داخل الدكان لتقول لـ "بدير" الذي كان مشغولاً بالحديث في هاتفه:

-هامشي أنا يا حاج عشان لسه ورايا شغل.

أبعد الهاتف عن أذنه ليرد:

-استني ده أنا جاي أقعد معاكي.

اعتذرت بلطفٍ:

-تتعوض وقت تاني، ومبروك ..

قال في ابتهاجٍ:

-الله يبارك فيكي.

تعمدت "فيروزة" أن تخرج من الباب الآخر للدكان لتتجنب رؤية تلك الوقحة وأمها، اتجهت صوب الشارع الفرعي لتختصر المسافات لتعود إلى عملها، في حين انتظرت "خلود" بالخارج وحقدها متفشي فيها، تساءلت في مكرٍ محاولة إخفاء غضبها حين عاد إليها حماها:

-أومال أخت عروسة أخويا جاية ليه؟

رد "بدير" متهربًا من الإجابة لكون الأمر لا يعنيها:

-كانت جاية في مصلحة كده وانتهت.

ابتلع ريقها على مضضٍ، وقالت ونيران غيظها تكاد تنفث من أذنيها:

-أنا هاقوم يا عمي، هارجع بيتي بقى، لأحسن تعبانة.

رد في تفهمٍ:

-ماتعمليش حاجة، وأنا أول ما "تميم" يرجع هابعته عندك.

ابتسمت بودٍ زائف وهي تقول:

-بإذن الله.

استندت على ذراع والدتها لتسير معها وقد تبددت اللطافة الظاهرة عليها، وبختها "بثينة" بوجهها العابس:

-اتسحبتي من لسانك وقولتي قصادها ليه؟ دي ممكن تحسدك!

نفخت قائلة في سأمٍ:

-أهوو اللي حصل..

ما لبث أن تحولت نبرتها للحقد عندما تابعت:

-وبعدين كان لازم أوقف البت دي عند حدها يامه، عشان لو بترسم على جوزي.

زجرتها أمها قائلة:

-وأنا مليون مرة أفهمك جوزك مالوش في الملاوعة، وشغل الحريم الصيع.

ردت بإصرارٍ وقد امتلأ صدرها بأضعافٍ مضاعفة من الغل والكراهية غير المبررة ناحيتها:

-لأ يامه إنتي مش فاهمة البت دي...

غامت عيناها أكثر وعكست حدقتاها ظلامًا واضحًا عندما أكملت:

-زي الحرباية، بتتمسكن لحد ما تتمكن!

...........................................

ألقت بنفسها في أحضانه بمجرد أن عاد إلى المنزل -بعد يوم مرهق كالعادة- مغلقًا الباب من خلفه، مرغت "خلود" رأسها في صدر زوجها، وضغطت على جسده بذراعيها لتُشعر نفسها بأنه يحتويها ويضمها إليها رغم كونه لا يزال جامدًا في مكانه، رفعت رأسها لتنظر إليه بعينين يملأوهما الشغف، ابتسمت قبل أن تتنهد بعمقٍ لتقول له باشتياقٍ:

-حبيبي، وحشتني أوي.

هز "تميم" رأسه مبتسمًا، وكأن الكلمات تأبى الخروج من جوفه لتنطق كذبًا معبرة عن مشاعر لا يشعر بها نحوها، ما زال عالقًا في منطقة الحياد فيما يخص أمرها .. خللت أناملها في أصابعه لتسحبه خلفها وهي تتابع بحماسٍ:

-تعالى عشان هافرحك.

تساءل في اهتمامٍ قليل وهو يتبعها:

-خير، أبويا قالي إنك عاوزة تقوليلي حاجة مهمة.

أجلسته على الأريكة القريبة وجلست في حجره، مسحت بيدها على ذقنه النابتة وعيناها المسبلتان تتجولان على تفاصيل وجهه، بادلها نظرة حائرة مستغربًا مما تفعله، فاستطردت تقول بابتسامة عريضة أظهرت نواجذها:

-أنا .. حامل.

تأهب في جلسته وردد مصدومًا:

-حامل؟!

أومأت برأسها مُسهبة في الحديث معه:

-أيوه، روحت للدكتور واتأكدت، والحمدلله ربنا كرمنا، وهتبقى أب يا حبيبي.

للحظة ظل على حالةٍ من الذهول الصادم، مزيح من المشاعر العجيبة اقتحمته فجأة، حلمًا لم يكن تحقيقه في الحسبان بعد، لم يعرف كيف يعبر عما انتابه في تلك اللحظة، أو حتى يوصف حالته في مثل ذلك الموقف.. راقبت "خلود" ردة فعله الفاترة، وسألته بتوجسٍ وقد خبت سعادتها نسبيًا من صمته المستريب:

-هو إنت مش فرحان ولا إيه؟

أخفض "تميم" يده ليتلمس بطنها ومسح عليها برفقٍ، ثم نظر إليها مبررًا ربكته:

-فرحان طبعًا، أنا بس مش مصدق، يعني مش عارف أقولك على اللي جوايا، بس أنا مبسوط يا حبيبتي.

رغم انزعاجها من رده العادي الذي خالف ما تخيلته في عقلها من حماسٍ مفرط فور تلقيه ذاك الخبر السار، أو حتى قيامه بالرقص ابتهاجًا وتعبيرًا عن فرحته، وربما تقبيلها بعشرات القبل الحميمية إلا أنها أخفت ضيقها منه، ابتسمت مستأنفة حديثها معه:

-ولسه لما تشيله بين إيديك، مش هتصدق نفسك، هيبقى حتة منك.

لجأت كذلك للحيلة لتطلب منه:

-مش عاوزاك تزعلني بقى، الزعل مش حلو على اللي زيي، وإلا هاشتكيك لعمي "بدير".

سألها في اهتمامٍ:

-أبويا عرف؟

ردت مؤكدة وذلك البريق الغريب يكسو نظراتها:

-أيوه، وطاير من الفرحة، ده الحفيد اللي بجد يا حبيبي.

هز رأسه في حبورٍ قبل أن تكمل بمكرها الخبيث المغلف بمعسول الكلام:

-طبعًا، ده حفيده اللي هيشيل اسم العيلة من بعد عمر طويل، ولسه لما جدي "سلطان" يعرف.

مسح على وجنتها قائلاً:

-ربنا يباركلنا في عمرهم.

أسبلت "خلود" عينيها نحوه لتقول بغير احترازٍ:

-إنت مش عارف أنا كنت مستنية اللحظة دي إزاي، زي ما يكون حلم واتحقق، ده أنا كنت مستعدة أعمل أي حاجة عشان أخلف منك.

بدت جملتها الأخيرة نزقة بعض الشيء، فسألها مستوضحًا:

-مش فاهم؟ تعملي إيه بالظبط؟

أدركت زلة لسانها، وقالت مراوغة لتغطي على غبائها:

-ده أنا حاسة إني بأحلم، عاوزة أملى البيت ده كله عيال، يكونوا شبهك في كل حاجة.

تغاضى عن ردها الغريب ليمازحها:

-هيتهد حيلك معاهم.

هتفت غير مبالية وقد بدت أكثر حماسة عن ذي قبل:

-مش مهم، كفاية إنهم منك، وهيشيلوا اسم العيلة.

أزاحها "تميم" برفقٍ عنها ليتمكن من الوقوف، نظر لها بتفاؤلٍ وهو يعقب عليها:

-قومي من الحمل ده على خير الأول، وبعد كده ربك يسهل.

احتضنته من جديد لتقول بتنهيدة عميقة، ورأسها مستند على كتفه:

-يا رب.

عند تلك اللحظة الفاصلة قرر "تميم" أن يُغالب تلك المشاعر غير الاعتيادية التي غزت وجدانه، أن يُوأدها في مهدها، أن يقتلع جذروها قبل أن تتغلل أكثر فيه، فزوجته لا تستحق منه ذلك، وإن كانت أحاسيسه لا تتخطى حاجز خيالاته، لكنه ملتزم بالإخلاص لها، بالتفكير فيها وحدها، سيسعى جاهدًا لمنحها الاهتمام، سيعطيها الحب الذي لا يستطيع الشعور به نحوها، سيوجد من العدم مشاعرًا جديدة تشملهما، وربما سينجح في ذلك من أجل أسرته.

.................................................. .......................

اصطفت سيارة النقل الصغيرة أمام مدخل البناية لتنقل المنقولات التي تخص العروس، تعاونت "فيروزة" مع توأمتها في حمل الصناديق واحدة تلو الآخر، وتولت والدتهما مهمة إفراغ ما بهم لرصهم على الفور في أماكنهم، بالطبع كانت الأسبق في الحضور "حمدية" لتقف على رؤوس الأشهاد في تلك المناسبة، توقفت الأختان لالتقاط أنفاسهما للحظاتٍ، وتساءلت "همسة" في تعبٍ بعد ذلك المجهود الشاق الذي بذلته في فترة وجيزة:

-فاضل كام كرتونة؟

أجابتها "فيروزة" وهي تنظر لورقة صغيرة في يدها:

-احنا طلعنا 15 واحدة، ناقص 10.

علقت عليها توأمتها بما يشبه المدح:

-كويس إنك مرقماهم، عشان مانتلخبطش.

أضافت موضحة أيضًا وقد أبرزت مفكرة صغيرها احتفظت بها في جيب بنطالها:

-وكل كرتونة مكتوب فيها ايه، ده هيسهل علينا كتير.

اقترحت عليها "همسة" بنوعٍ من التذمرٍ:

-مش كنا قولنا لـ "هيثم" كان جه وساعدنا

رمقتها بنظرة حادة قبل أن ترد:

-"همسة" إنتي عارفاني، عاوزين نكون على راحتنا، مش ناقصين دوشة ومُحن من خطيبك ده، وجايز يبقى جايب أمه معاه، صدقيني مش هنخلص، ده غير حرقة الدم.

قالت على مضضٍ، وقد بدت شبه عابسة:

-طيب.

التفتت كلتاهما للخلف معًا حين سمعا الصوت المتسائل:

-إنتو هنا من بدري؟

ملأ السرور تعابير "همسة"، فخطيبها قد جاء –ليس بمحض الصدفة- لرؤيتها، نظرت له بخجلٍ، وردت مبتسمة ابتسامة صغيرة:

-يعني.. مش أوي.

سددت "فيروزة" لتوأمتها نظرة حادة متشككة، وأخفضت صوتها لتقول بتبرمٍ:

-ده بيجي على السيرة ولا إيه؟

ألقى "هيثم" نظرة متفحصة للصناديق التي احتلت ركنًا من الصالة، وتساءل:

-طلعتوا دول لواحدكم؟

أجابته "همسة" على الفور مستخدمة يدها في التلويح:

-أيوه، ولسه في شوية تحت وهانروح نجيب شنط الهدوم وآ...

قاطعها بحزمٍ:

-طيب كفاية عليكو كده، ارتاحوا، وأنا و"تميم" هنطلع الباقي.

اعترضت عليه "فيروزة" بلهجة أظهرت انزعاجها:

-لأ كتر خيرك، مالوش لازمة تعرفه، احنا هنعرف نظبط أمورنا.

استغرب "هيثم" من عزوفها عن مساعدته، وقال بإصرارٍ:

-ما هو شايف العربية اللي سادة المدخل، وبعت جاب عمال من عندنا كمان عشان ننجز وننقل حاجتي بالمرة.

احتجت بمزيدٍ من العناد المعارض لقدومه:

-وليه يتعب نفسه من الأساس؟

مالت "همسة" على شقيقتها لتهمس لها في أذنها:

-إنتي ناسية إن ده بيت عيلته؟ أكيد هيبقى عارف.

ردت عليها بصوتها الخافت:

-ماشي، بس مش مبرر يعني.

نظرت لها برجاءٍ قبل أن تُصر عليها:

-معلش بقى، وبعدين كده هنلحق نخلص بدري عشان نطلع على الأتيليه ونشوف الفستان يا "فيروزة".

كانت محقة في الجزئية الأخيرة، الوقت محدود للغاية لإنجاز الكثير فيه، تنهدت قائلة في استسلامٍ:

-إن شاء الله.

تدخل "هيثم" في حوارهما مشددًا:

-زي ما اتفقنا يا "همسة"، مش بأحب الحاجات العريانة ولا المكشوفة.

توردت بشرتها وهي تعلق عليه:

-اطمن، أنا أصلاً مش كده.

اضطرت "فيروزة" أن تتراجع خطوة للخلف وتتنحى للجانب حين لمحت "تميم" صاعدًا على الدرج، لم تحبذ رؤيته، خاصة بعد الصدامات غير اللطيفة مع زوجته، والتي لا تتوانى عن مضايقتها إما بحديثٍ أرعن أو تلميحاتٍ سخيفة، انسحبت نحو الردهة مدعية انشغالها بتفحص الصناديق .. وبهدوءٍ يناقض طبيعة دقات قلبه المتحفزة بشكلٍ عجيب استطرد "تميم" ملقيًا التحية:

-سلامو عليكم.

أفسح له "هيثم" المجال ليمرق وهو يدعوه للدخول:

-اتفضل يا "تميم".

تساءل الأخير في حيرة:

-أحط الكرتونة دي فين؟

أجابته "همسة" ببساطةٍ:

-اسندها في أي حتة، احنا لسه هنشوف هنرص الحاجة إزاي.

وكأن بالقلب بوصلة تقوده إلى حيث المرفأ والوطن الحقيقي، اتجه عفويًا إلى المكان الذي تقف به "فيروزة" وتلك الابتسامة المرحة تزين شفتيه، وكأنها تتحداه، لم يدرك أنه يبتسم لها، لكن قُوبل وجوده بنفورٍ صريح على تعبيرات وجهها مما أجبره على العبوس والتزام الصمت، لم يكن ليفرض نفسه أبدًا عليها، انحنى ليضع الصندوق دون أن ينبس بكلمة، كان جلَّ ما يكفيه منها ابتسامة عادية تسعد روحه المعذبة مؤخرًا، ابتسامة ساخطة ظهرت على جانب شفتيه وهو يشعل تلك السيجارة ليدخنها بالقرب من النافذة، وكأن الحياة تعانده بخلق الفرص بينهما، فكلما قاوم حضورها كلما ظهرت وطغت بقوةٍ عليه لتستحوذ على فراغ عقله، ووحدها فقط من تغدو المسيطرة عليه.

هتفت "آمنة" من الداخل بنبرة عالية:

-تعالوا يا بنات شوفوا الرصة اللي في الدولاب دي كويسة.

استدارت "همسة" برأسها لترد بصوتٍ شبه مرتفع:

-حاضر يا ماما.

انتبهت "حمدية" للأصوات الذكورية التي تصدح في الصالة، حثها فضولها على الخروج من غرفة النوم لتفقد المتواجدين وهي تتساءل مع نفسها:

-هما بيرغوا مع مين برا؟

تجمدت نظراتها على "هيثم"، وقالت بشفاه مقلوبة:

-الله، ده العريس هنا.

تبعته بنظراتها الماكرة وهو يمد يده ليصافح "آمنة" قائلاً لها بودٍ:

-إزيك يا حماتي؟

ردت عليه بإيماءة صغيرة من رأسها:

-بخير يا ابني.

تقدمت "حمدية" في خطواتها لتصبح على مرأى ومسمع مما يحدث، ثم بادرت تشكو بتنمرٍ مفتعل:

-احنا طالع عينا من بدري، وريقنا ناشف، ومافيش حتى لقمة ترم عضمنا.

التفتت نحوها "فيروزة" لترد بضيقٍ وقد تحرجت كثيرًا من طريقتها السخيفة في التسول:

-في إيه يا مرات خالي؟ ما احنا اتغدينا قبل ما ننزل، ولا هي طفاسة؟

ردت ببرودٍ:

-الله، إنتو كلتوا، أنا ملحقتش احط لقمة في بؤي، ولا أخرت خدمة الغز علقة؟

لاحظ "هيثم" التوتر السائد بين الاثنتين، واقترح بلطفٍ:

-طب ارتاحوا شوية وأنا هابعت أجيب أكل

مدحته "حمدية" بابتسامةٍ متكلفة:

-يدوم العز.

في حين حدجتها "فيروزة" بنظرة نارية من عينيها وهي تردد بتبرمٍ:

-واحدة جعانة فعلاً، بطنها مابتشبعش!

تلقائيًا تحركت نظراتها مع "هيثم" الذي صاح:

-بصي يا "همسة" أنا حطيت صورة أبويا هنا في الصالون، لو مضيقاكي نغير مكانها.

ردت باستحسانٍ:

-لأ تمام.

تابع "هيثم" مكملاً وهو يشير لها لتتحرك نحو زاوية أخرى:

-وأما نتجوز نبقى نحط صورة فرحنا في الحتة دي.

-ماشي.

ظلت أنظار "فيروزة" مثبتة على الصورة الفوتوغرافية الكبيرة التي احتلت مساحة لا بأس بها من الحائط، دنت أكثر منها لتمعن النظر في تفاصيلها غير الغريبة عليها، لم تحد ببصرها عنها وهي تتساءل في حيرة:

-الشكل ده مش غريب عليا.

اعتصرت عقلها بجهدٍ كبير محاولة تذكر أين رأت ذاك الرجل، برقت عيناها فجأة في ذهولٍ ملبك لبدنها، للحظة توقف الزمن عن الدوران لتعود xxxxب الزمن بها للوراء لسنوات مضت، عند تلك اللحظة الشنيعة التي عاشتها بكيانها، وجوارحها، بل وظلت مخلدة في وجدانها .. لا تفارقها أبدًا .. تراودها في صورة ومضات تقتحم عقلها بين الحين والآخر .. انخفضت أنظار الصغيرة "فيروزة" نحو السبرتاية التي نشرت شرارات لهبها المتطاير حولها لتصل إلى ما يحاوطها، رأت كيف اندلعت النيران بغتةً في دلوٍ مليء بزيت الطلاء، ذعرت وتراجعت للوراء وقلبها يخفق بقوة، كانت صغيرة بالقدر الذي يمنعها من إدراك الموقف والاستغاثة فورًا، راقبتها متوقعة أن تخبو، لكن حدث العكس، في أقل من دقيقة انتشرت النار بشكلٍ مخيف، ضاقت نظراتها مع احتدام ألسنة النيران وازدياد قوتها، وبعفوية هتفت وهي تقاوم السعال الجارح لحلقها مستخدمة يدها في الإشارة نحو الحريق:

-عمو، في نار كتير هنا.

انتفض "غريب" خوفًا مع رؤيته لذلك المنظر المرعب، هب ركضًا للداخل محاولاً إنقاذ ما يمكن إنقاذه وهو يردد:

-يا ساتر يا رب، وده حصل إزاس؟

التفت الفتى الذي بدت ملامحه مألوفة لها، ولكن في عمرٍ أصغر مما عليه الآن، حين صرخ بها:

-ابعدي عن النار..

قبض على رسغها ليجذبها بعيدًا عن كتلة اللهب الحارقة، دفعها في عنفٍ طفيف نحو الخارج ونظرته الصارمة ناحيتها ما زالت تَذكرها، أحضر "غريب" ملاءة قديمة حاول بها إخماد اللهب الذي وجد ضالته الثمينة في الانتشار بسرعةٍ أكبر وهو يصيح بصوتٍ بدا مختنقًا من كثافة الدخان الخانق:

-نادي على أبوك بسرعة يا "تميم"، قوله المحل بيولع.

رد عليه الفتى يحذره بأنفاسٍ لاهجة:

-خد بالك يا عم "غريب".

تحولت نبرته لصراخٍ قوي حتى يلفت انتباه الجميع:

-انجدونا يا جدعــــان، النار هبت في المحل.

لحظة واحدة مميتة طالت فيها ألسنة اللهب جسد "غريب" الذي اشتعل بالكامل وسط صرخات الصغيرة وهلع الفتى، هرع إليه الأخير لينقذه وقد التقط دلوًا مليئًا بالماء ليطفئ ما استعر في جلده المتآكل من نار حامية، لكن سقطت تلك الكتلة الخشبية عليه فطرحته أرضًا، انتفضت "فيروزة" في مكانها جزعًا، لكنها هرولت بشجاعة متهورة تناقض سنوات عمرها الصغيرة نحوه لتهب لنجدته بعد أن سكن جسده كليًا، وكأن غريزة البقاء كانت ما تستحثها، جثت على ركبتيها تهزه بعنفٍ.. لا استجابة على الإطلاق! تلفتت حولها باحثة عمن يساعدها، الكل مشغولٌ بإخماد الحريق الهائل، نهضت مستندة على كفيها لتقف عند قدميه، انحنت عليه بجسدها الهزيل لتمسك به من عقبيه، حاولت جره بعيدًا عن النيران لكنها لم تستطع، فقد كان وزنه ثقيلاً بالنسبة لها. لهثت وتعرقت وتسارعت أنفاسها، ومع ذلك لم تيأس، استمرت في المحاولة مستنزفة كل قواها، بدأت في السعال المتألم بعد أن ازدادت كثافة سحب الدخان الذي عبأ المكان وملأه. توقفت عن سحبه لتضع يدها على أنفها مانعة نفسها من استنشاق المزيد من الأدخنة الخانقة، جابت بنظراتها المرتاعة المكان الذي تحول لكتلة من الضباب وهي معتقدة أنها النهاية، لا مخرج.. لا نجاة، تهاوت جاثية على ركبتيها وقلبها يكاد ينخلع من عنف دقاته، وضعت يديها المرتعشتين حول عنقها المتيبس تتحسسه في عجزٍ، وكأنها تستجدي بذلك آخر نفسٍ لها في الحياة.

ظلت عالقة لبرهة في تلك الذكرى المؤسفة، بل بدت كما لو كانت تعايشها الآن بكامل حواسها، انتبهت "همسة" لشرودها الغريب، تقدمت نحوها ونادتها بخفوت علها تستفيق مما هي فيه، لكنها بقيت على جمودها المريب، تُطالع الصورة بوجه شاحب أرعبها، أدركت على الفور أن توأمتها تعاني من نفس حالة الصدمة التي لازمتها لوقت طويل، صرخت بها وقد لاحظت تلك التشنجات التي أصابت جسدها:

-"فيـــــــــروزة" ................................. !!

.................................................. ..........








منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 17-06-20, 12:53 AM   #182

ع عبد الجبار

? العضوٌ??? » 460460
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 260
?  نُقآطِيْ » ع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond repute
افتراضي

روعة روعة الاحداث اممممم فيروزة وخلود مواجهتهم لبعض نار ههههههههههه بانتظار الفصل القادم على نار لاتطيلي الغياب دمت بخير وود 🌺🌺🌺

ع عبد الجبار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-20, 12:48 PM   #183

ovis

? العضوٌ??? » 269063
?  التسِجيلٌ » Oct 2012
? مشَارَ?اتْي » 370
?  نُقآطِيْ » ovis is on a distinguished road
افتراضي

شكرًا على الروايه

ovis غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-20, 09:15 PM   #184

Saro7272

? العضوٌ??? » 381828
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 140
?  نُقآطِيْ » Saro7272 is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمه الله
روايه جميله
متابعه


Saro7272 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-06-20, 11:28 PM   #185

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 4 والزوار 0)
‏موضى و راكان, ‏kozmo, ‏ايثو كردم, ‏Saro7272

رواية ممتعة للغاية 🌹 يا كاتبتنا العزيزة


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-06-20, 12:31 AM   #186

zahra Mino

? العضوٌ??? » 436138
?  التسِجيلٌ » Dec 2018
? مشَارَ?اتْي » 70
?  نُقآطِيْ » zahra Mino is on a distinguished road
افتراضي

الرواية حلوة كما العادة تسلمي حبيبتي

zahra Mino غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-06-20, 06:59 PM   #187

أماني محمود عبد الواحد

? العضوٌ??? » 473254
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 58
?  نُقآطِيْ » أماني محمود عبد الواحد is on a distinguished road
افتراضي

رواية جميلة جدا

أماني محمود عبد الواحد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-06-20, 12:02 AM   #188

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9 الفصل الثالث والأربعون

الفصل الثالث والأربعون


دفعة من الدخان الحارق تحررت من رئتيه ليتبعها بأخرى تلفظها عله بذلك يذهب غيظ قلبه قبل أن يلقي بعقب سيجارته أسفل قدمه ليدعسه وهو يقف خارج المنزل مترقبًا وصول عامل توصيل الطلبات، لم يحبذ التواجد بالداخل ونفورها منه واضحًا، نأى بنفسه بعيدًا عنها وبقي مستندًا بظهره على الدرابزين .. شكره "هيثم" على كرمه الزائد مع عائلة خطيبته وتحمله تكاليف تلك العزومة الطارئة، لم يكترث "تميم" للأمر كثيرًا، لكونه من طباع أسرته إكرام الضيف وحسن ضيافته، استغل تلك الفرصة الجيدة لينصح ابن خالته بما يفيده ولا يضره، فاستطرد يقول له:

-عاوزك تخف البرشام إياه.

نظر له "هيثم" في حيرة قبل أن يسأله:

-برشام إيه؟

أجابه مباشرةً وقد أشعل سيجارة أخرى لينفث دخانها:

-الحباية الزرقا.

امتعضت تعبيرات "هيثم" بشكل منزعج، وعلق بما يشبه التهكم:

-مش للدرجادي أنا واقع وخرع!

ازداد عصبيًا وهو يضيف:

-كمان هاخد حباية منيلة زي دي، على أساس إني مش راجل؟

استغرب من حدته في تلك المسألة التي تعتبر عادية بالنسبة له بناءً على الادعاءات السابقة من زوجته عليه؛ بأنه يتعاطى المنشطات الجنسية بصورة شبه مستمرة، قرر استدراجه في الحديث ليكشف الحقيقة الغائبة عنه، وتابع بأسلوبٍ مراوغ:

-أومال أنا سامع كلام إنك على طول بتاخده.

انفجر فيه محتجًا بحدة أكبر:

-ده مين ابن الـ ..... اللي قال كده؟ هاتهولي أخزقله عينيه.

ورغم الضيق البادي على ملامح "تميم" لتأكده من كذب زوجته عليه إلا أنه حافظ على جمود ملامحه، وعلق عليه:

-يا عم دي نصيحة لله.

رد عليه ابن خالته بنفس النبرة الغاضبة:

-حد الله بيني وبين الهباب ده، صحيح عملت حاجات كتير غلط، بس البرشام أزرق ولا أخضر ماليش فيه...

تجهمت ملامح "تميم" بشكلٍ يدعو للريبة، بينما أكمل "هيثم" حديثه قائلاً:

-هما يدوب نفسين كده بأخدهم في ساعة رواقة، وكمان بطلتهم من ساعة ما ربنا هداني.

هز رأسه معقبًا عليه وقد غامت نظراته:

-كده الكلام بقى حلو أوي.

سأله في عدم فهمٍ:

-كلامه إيه يا عم؟ بأقولك مابخدش برشام.

ربت على كتفه ليقول متصنعًا الابتسام:

-مصدقك يا سيدي.

لكن نظراته أوحت بغيظٍ متعاظم بداخله لكونه قد صدق كالأحمق كذبة زوجته التي نشطت ذهنه بمشاعرٍ حسية كانت تنتابه بشكلٍ شبه منتظم تستنزف قواه الذكورية رغم عدم رغبته في ممارسة مثل تلك الأمور الغرائزية.

.................................................. ..........

وكأنها قد رأت شبحًا قادمًا من عالم الموتى متجسدًا أمامها بألسنة اللهب التي تأكل جلده حيًا، انحبس صوتها في حلقها رغم محاولاتها المستميتة للصراخ ونجدته قبل أن يتفحم، فشلت مجددًا والدموع الحارقة تنساب بغزارة من مقلتيها، كانت "فيروزة" عالقة بين اليقظة والهذيان، انخرطت في نفس الذكرى بتأثيرها المؤلم بشكل يكاد يكون حسيًا عنه معنويًا، انفصلت عمن حولها وعاشت أسوأ أيامها إلى أن انتشلها صوت "همسة" المذعور من تلك الدوامة القاتلة لتغرق في ظلام آخر ربما يكون الأمن لها حاليًا .. ترنح جسدها ومال بثقله على توأمتها التي تلقفتها بذراعيها وهي تصرخ خوفًا عليها:

-"فــــيروزة"!

وبحذرٍ تام تمددت بها على الأرضية وهي تحاوطتها، استغاثت منادية والدتها بنبرة آثارت فزع البقية:

-يا ماما الحقيني بسرعة!

تنبه كلاً من "تميم" و"هيثم" لصوت صراخها فتوقفا عن التدخين، هرول الاثنان للداخل ليجدا "فيروزة" مستلقية على الأرضية وشقيقتها تحاول إفاقتها، حالة من الخوف الممزوجة بالقلق الشديد سيطرت على "تميم" لمجرد رؤيتها هكذا، وكأنه تناسى كليًا الوعود التي قطعها على نفسه بعدم الاقتراب منها، أو التواجد في محيطها، اندفع جاثيًا على ركبته بعد أن أبعد توأمتها عنها ليرفع جسدها إليه بعد أن مرر ذراعيه من أسفل ذراعيها ليسحبها نحوه، وللمرة الأولى ترتطم رأسها بصدره ليشعر بتلك الخفقة المؤلمة التي وخزت قلبه هلعًا عليها، أمعن النظر في ملامحها الباهتة التي غلفها الإعياء، تدخل " هيثم" هو الآخر ليعاونه في رفعها، حيث أمسك بها من ساقيها، رغم كونها خفيفة الوزن حملها الاثنان واتجها بها نحو الأريكة الجديدة الموضوعة بردهة المنزل المتسعة، لم يكن ليتركها "تميم" أبدًا لولا ما قد يُقال بالباطل عنها إن ظل ملتصقًا بها، وخوفه الزائد عليها بائن على ملامحه، تراجع للخلف مفسحًا المجال لوالدتها لتمر، جلست قبالتها على مقعدٍ أحضره لها "هيثم"، وأسرعت "همسة" بإخراج زجاجة عطرها من حقيبتها لتستخدمه في إفاقتها من تلك الإغماءة التي قلما تتكرر.

كانت الفرصة مناسبة لـ "تميم" للتحري بدقة عن حالتها، لعل وعسى يخرج بمعلومة مفيدة من خلال "حمدية" التي أظهرت امتعاضها، دنا منها متسائلاً باهتمام:

-هي الحكاية دي بتجيلها كتير؟

أجابته بعد زفيرٍ بطيء:

-ساعات كده، مش دايمًا...

ثم أخفضت نبرتها لتضيف بخبثٍ:

-بعيد عنك وعن السامعين الظاهر لابسها جن من ساعة الحادثة إياها.

لم يكترث للهراء الفارغ الذي تفوهت به، استرعى انتباهه كلمة واحدة بدت بالنسبة له محور كل شيء، ضاقت نظراته وهو يعاود سؤالها بفضولٍ:

-حادثة إيه دي؟

هزت كتفيها وهي تجيبه مسهبة في الحديث معه:

-مش فاكرة بالظبط، بس أبوها الله يرحمه هو اللي كان معاها وقتها.. أصلها كانت عيلة صغيرة بضفاير ساعتها، بس اللي افتكره إننا غُلبنا معاها عشان تطلع من الهم ده، ولف بيها من دكتور للتاني عشان تتعالج، وفين وفين لما بقت كويسة، بس الظاهر إن الحالة رجعتلها من تاني.

لم يتبين من حديثها ما يشبع فضوله، ولم تكن "حمدية" من ذاك النوع الواضح في الإجابات، مجرد ردود عادية لا تسمن ولا تغني من جوع، حرك رأسه متسائلاً:

-هي بتاخد الدوا ده لسه؟

لوت ثغرها قائلة بتأفف:

-مش عارفة، اسأل أمها.

تأكد "تميم" أنه لن يحصل منها على ما يرضيه، مجرد ثرثرة فارغة تحشو بها أذنيه، تركها واتجه بعيدًا عنها باحثًا عن زاوية جيدة تمكنه من رؤية وجه "فيروزة" الذي بات محجوبًا عنه، عل قلبه الملتاع يهدأ قليلاً.

.................................................. ..........

بدت وكأنها تغرق في سباتٍ عميق، وديعة، هادئة، لا تعاني من شيء، دومًا كان ينتهي ذلك الكابوس المؤلم بنوبة من السكينة العجيبة، شعرت "همسة" بالارتياح بمجرد خبوت تلك التشنجات واستغراق توأمتها في النوم، أحضرت لها غطاءً وضعته على جسدها ومسدت برفق على رأسها، بينما ظلت والدتها باقية إلى جوارها تقرأ لها من المصحف الصغير الذي تحتفظ به دائمًا في حقيبتها.. أشــار "هيثم" بيده لخطيبته لتأتي إليه، سألها بنوعٍ من المزاح:

-أول مرة أعرف إن أختك بهفة!

رمقته بنظرة حادة وهي تعاتبه:

-"هيثم" لو سمحت مافيش داعي للكلام ده، إنت مش عارف حاجة.

قال معبرًا عن اندهاشه مما رأه:

-أصل اللي يشوفها وهي طايحة في خلق الله ما يشوفهاش وهي كده.

قالت على مضضٍ وهي تضغط على شفتيها:

-حكمة ربنا هنعمل إيه بقى.

ابتسم معقبًا عليها:

-ولا حاجة،

حاول أن يصلح زلة لسانه التي بدت سمجة ليقول ملطفًا:

-متقلقيش، دلوقتي هتبقى كويسة.

تنهدت قائلة في رجاءٍ:

-يا رب

مصمصت "حمدية" شفتيها قبل أن تنطق بفظاظة، وقد ضجرت من جلوسها هكذا لا تفعل شيئًا، ناهيك عن تقلصات معدتها التي أشارت لجوعها:

-هي عادتها ولا هتشرتيها، لازم الشويتين دول يتعملوا عشان الصعبنيات.

ردت عليها "همسة" ترجوها بنبرة منزعجة:

-الله يكرمك يا مرات خالي، الحكاية مش ناقصة.

لوحت لها بيدها متابعة قولها:

-طب تعالي كده اشربيلك حاجة بدل ما شكل الدم هربان من وشك.

نفخت مرددة في سأم:

-شكرًا، ماليش نفس.

علقت عليها بتذمرٍ:

-يعني وقفتك جمبها هتفوقها؟ يا بت خلينا ناكل حاجة بدل ما الأكل يبرد، الناس صارفة ومكلفة.

نظر لها "هيثم" بغرابةٍ، بينما تحرجت "همسة" من أسلوبها غير اللطيف في التعبير عن شراهتها للطعام، وبضيقٍ ملموس في صوتها ردت:

-روحي إنتي يا مرات خالي..

تطلع "حمدية" إلى "هيثم" تسأله، وتلك الابتسامة السخيفة مرسومة على ثغرها:

-أومال إنت حاطط الأكل فين يا عريس؟

أجابها مستخدمًا يده في الإشارة:

-هناك يا حاجة.

ربتت على كتفه تشكره في امتنانٍ، وقد سال لعابها:

-تسلم وتعيش.

ظلت أنظاره تتابعها وهي تتفحص أكياس الطعام لتنتقي الأفضل وهو يقول لخطيبته بما يشبه السخرية:

-عسل أوي قريبتكم!

سألته في استخفافٍ:

-ده بجد ولا تريقة؟

أجابها بصراحةٍ غير قابلة للتشكيك:

-تريقة طبعًا، هو حد طايقها أصلاً.

........................................

انعزل عن البقية ليفكر بتروٍ فيما عرفه مصادفةً عن تلك الحالة المرضية الغريبة التي تصيبها، وكأن الأمر ينقصه ليفكر فيها وحدها دونًا عن بقية النساء، كانت كاللغز المشوق بالنسبة له، لا يمل منها أبدًا، كلما اكتشف جزءًا فيها ظهر في طريقه آخر استحثه على اكتشاف المزيد، تابع "تميم" والدتها التعيسة التي لم تتركها للحظة، أحضر لها علبة عصير لتتناول محتوياته بعد أن انخفضت مستويات السكر لديها تأثرًا بحال ابنتها المقلق، آه لو تعلم ما الذي يعتريه حاليًا رغم ادعائه بالصلابة والتماسك! أصر عليها "تميم" لتكمل شربه، وسألها باهتمامٍ اعتبرته كرمًا فائضًا من ناحيته:

-لو عاوزاني أبعت أجيب دكتور أنا جاهز.

ردت تشكره بتنهيدة متعبة:

-كتر خيرك يا ابني، شوية وهتفوق وهتبقى عادي..

استطاع أن يرى لمحة الحزن في نظراتها وتعبيراتها وهي تكمل بحسرةٍ:

-احنا مصدقنا عدينا الحكاية دي، أنا مش عارفة إيه اللي رجعهلها تاني.

بدا كل ما يسمعه يسثير جنونه ويدعوه لمعرفة المزيد، ومع ذلك تساءل باحترازٍ:

-هي حادثة كبيرة؟

حركت "آمنة" رأسها بالإيجاب وهي توضح له:

-تقريبًا، وقتها وقبل ما نستقر هنا، كنت بأجي من وقت للتاني عند بيت أبويا، نقعد أسبوع كده ولا 10 أيام قبل ما نسافر بلدنا.

حافظ على جمود تعبيراته متسائلاً:

-وبعدين؟

تابعت بزفيرٍ مهموم:

-زي ما إنت عارف، احنا كنا جيران الحاجة "ونيسة" زمان، في البيت اللي قصادها، وفي اليوم المشؤوم ده الحتة كلها اتقلبت عشان حريقة كبيرة حصلت.

هتف مدهوشًا:

-حريقة؟

تأهبت حواسه وتنشطت خلايا عقله بعد تلك الكلمة الخطيرة، فالحريق الوحيد الذي أفزع الجميع كان له صلة به، وظل الحديث عنه ممتدًا لسنوات، ما زال يتذكر صورة مبهمة غير واضحة المعالم لطفلة صغيرة التقاها فيه مصادفة لمرة واحدة لم تتكرر، آنذاك حاول إخراجها قبل أن تحرقها النيران الجائعة، خفق قلبه بقوة، وشعر بوجود رابط خفي ربما يجمعه بها، لكنه لم يكتشفه بعد .. المشهد لا يزال ناقصًا، أضافت "آمنة" بحزنٍ، وكأنها تعافر لنسيان الماضي وآلامه المفطرة للقلوب:

-أيوه، معرفش إيه اللي فكرنا بالماضي ده، الله يرحم عبيده..

كان على وشك سؤالها لولا رنين هاتفه الذي منعه من ذلك، اعتذر منها وهو يخرجه من جيبه لينظر إلى شاشته:

-هستأذنك أشوف التليفون اللي معايا.

ردت بتفهمٍ:

-اتفضل يا ابني.

وضع الهاتف على أذنه ليجيب بجدية بحتة:

-ألو، أيوه يا حاج "عوف".

.................................................. .........

كانت كمن تُلاعب أحدهم في لعبة أحجية غامضة دامت لسنوات استهلكت فيها تفكيرها ولا وعيها إلى أن ظنت أنها تغلبت عليه وانتصرت، لكن الحقيقة الصادمة أزاحت الغطاء عن كل شيء، اكتمل الناقص الآن، وباتت الأوجه معروفة لها، الفتى الغاضب الذي تسبب في إحراق المحل هو "هيثم" حين سرق والده في غفلة منه، وأسقط السربتاية أرضًا لتشتعل النيران وتحرق كل ما طالته حتى أبيه "غريب" صاحب الصورة الفوتوغرافية، والفتى الآخر الذي سعت لإنقاذه بعد أن فقد وعيه هو من تُشاجره حاليًا؛ "تميم" .. لم يعد هناك أي مفرٍ من الإنكار، أصبحت تدرك الحقيقة بملابساتها المؤلمة، بدأت تستفيق ببطءٍ وهي تحرك رأسها للجانبين، استغرقت بضعة لحظاتٍ لتستعيد كامل وعيها، اعتدلت في رفقدتها وأنزلت قدميها على الأرض، تأوهت "فيروزة" بصوتٍ خفيض مقاومة ذلك الصداع الهائل الذي يدور في رأسها، رفعت أنظارها نحو توأمتها التي ابتسمت لرؤيتها بخير، سألتها الأولى في حيرة:

-هو إيه اللي حصل؟

تلمست براحتيها وجهها وهي ترد متسائلة:

-إنتي كويسة يا حبيبتي؟ حاسة بحاجة؟

أجابت نافية، وكأنها تستغرب خوفها عليها:

-لأ أنا تمام.. مافيش حاجة فيا.

ألحت "همسة" في إصرارٍ:

-طمنيني عليكي؟

أكدت عليها بهدوءٍ:

-أنا بقيت أحسن، متقلقيش..

لم يخبُ الخوف من نظرات توأمتها، فحاولت طمأنتها وقالت ساخرة من الأمر برمته:

-ما إنتي عارفة اللي فيها، دايمًا كل فترة كده يحصلي حاجة غريبة، شكل مرات خالك حسدتني.

تنفست بعمقٍ لتعبر عن ارتياحها بعد سماعها لتلك العبارات، بينما ألقت "فيروزة" نظرة مدققة تجوب على المكان وما فيه، وكأنها تفتش عن شخص بعينه قبل أن تنطق فجأة بنبرة عازمة وهي تهم بالنهوض:

بصي أنا هنزل وكملوا إنتو شغل.

وقفت "همسة" على قدميها، وقالت بتلهفٍ:

-طيب استني هاجي معاكي، مش هاسيبك لوحدك.

اعترضت بابتسامة فاترة:

-لأ أنا بخير.. وكمان عشان تلحقوا تخلصوا، ده لسه في الفستان، ويدوب تلحقوا ميعاد الأتيليه.

ردت عليها بجدية وهي تومئ بعينيها:

-طيب، هنادي ماما، هي دخلت مع مرات خالي جوا يكملوا توضيب حاجة الدولاب، هما تلاقيهم خلصوا و...

قاطعتها بحسمٍ:

-لأ خليها .. وقوليلها أنا بقيت كويسة لو سألت عليا، وشوية وهاتصل بيها.. كفاية الخضة اللي عملتها

ردت بنوعٍ من التعاطف:

-متقوليش كده، هو احنا عندنا حد أغلى منك

احتضنت "فيروزة" توأمتها في حبٍ قبل أن تنسل من أحضانها لتوصيها:

-خدوا بالكم من نفسكم، وربنا يعينكم

ابتسمت قائلة برقة:

-حاضر.

.................................................. ..............

أرادت الهروب من ذاك الجو الخانق الذي يطبق على أنفاسها، بل ويضغط عليها للبوح بما لا تستطيع قوله حتى بينها وبين نفسها، شبهت حالتها المضطربة بالفأر المذعور الذي وُضع في متاهة لا خروج منها، تدور في نفس الدوائر المغلقة من معاناتها الصامتة حتى تخور قواها على أمل أن ينتهي ذلك العذاب، ومع ذلك تمنت في نفسها أن يظل الماضي حبيس أعماقها فقط، لا يعاني سواها من تبعاته المدمرة، التفتت كالملسوعة برأسها للجانب حين سمعت صوت "تميم" الرخيم يسألها:

-يا أبلة! إنتي كويسة؟

تفاجأت "فيروزة" بوجوده خارج المنزل -على الدرج تحديدًا- في مواجهتها، تحاشت النظر إليه وأجابته بصوتٍ فشلت أن يكون ثابتًا:

-آ.. أيوه.

صعد إليها ليبدو قريبًا منها معترضًا طريقها بجسده فلا تتمكن من المرور إلا بدفعه، ورغم هذا لم تكن بالجسورة التي تناطحه الند بالند، كانت مختلفة كليًا، تعبيراتها واجمة، شاردة، ربما متعبة، إن صح التعبير مرتاعة قليلاً .. تعجب من نظراتها المتوترة التي تتجنبه، لم تكن أبدًا بالنافرة منه إن تم مقارنتها بالمعتاد منها، بدت وكأنها تخشاه، تحاول المناص منه بكافة السبل، كذلك لاحظ تلك الربكة الخفيفة في طريقة إمساكها بالدرابزين وضغطها عليه بأصابعها بعصبيةٍ طفيفة، وزاد هذا من فضوله، سلط كامل عيناه عليها مستطردًا:

-هو كان في حاجة عاوز أسأل عنها وآ...

قطعت جملته قبل أن يتمها لتقول متهربة منه عن عمدٍ:

-معلش.. ورايا شغل، عن إذنك.

حتى أنها لم تنظر إليه ليتحرك، بل تنحى للجانب من تلقاء نفسه ونظراته تصاحبها خلال ابتعادها المريب، تخبط كل ما يدور في رأسه حاليًا بشأنها، لكن رحيلها بتلك الصورة ترك أثرًا عميقًا في نفسه، انتبه "تميم" لصوت والدته التي خرجت من منزلها لترفع رأسها نحوه تسأله:

-خلصتوا يا "تميم"؟

ابتسم وهو يجيبها ليخفي حيرته:

-فاضل حاجة بسيطة.

ردت في تفهمٍ:

-ربنا يعينكم، ولو الجماعة فوق عايزين حاجة قولي، أنا جاهزة أطلع أساعدهم.

قال بفتور:

-كله تمام يامه.

للحظة طرأ بباله أن يتحرى عما يشغله ممن عاصروه، لذا بادر متسائلاً باهتمامٍ:

-بأقولك هو جدي صاحي؟

أجابت والدته بكلمة واحدة:

-أيوه.

هبط الدرجات متابعًا بعزمٍ:

-طيب أنا داخله.

رحبت به أمه قائلة بوجهها البشوش:

-تعالى يا ابني، إنت بتستأذن في بيتك؟

.................................................. ...........

-خير يا "تميم"، جيتك السعادي مش لله، ولا أنا غلطان؟

تساءل "سلطان" بتلك العبارة بعد أن استأذن حفيده في المكوث معه لبعض الوقت دون أن يبدي أسبابًا واضحة لذلك خاصة في هذا التوقيت المتأخر غير الاعتيادي، ولكون جده على دراية بما ينتابه من حالات تخبط يلجأ فيها إليه، استهل "تميم" حديثه معه قائلاً بأريحية:

-إنت صح يا جدي، أصل في حاجة كده شاغلة بالي، وكنت عاوز أتأكد منها منك.

رد عليه بنبرته الخشنة:

-قول عاوز تعرف إيه.

دون مراوغة أو مماطلة سأله على الفور:

-هو في حريقة حصلت زمان غير بتاعة محل عم "غريب"؟

شرد مليًا للحظة ليفكر في الجواب المناسب قبل أن يدمدم موضحًا له:

-على حسب علمي، مافيش إلا هي.

ضاقت حدقتاه بشدة وهو يلاحقه بسؤاله التالي:

-ماتفتكرش حصل إيه بالظبط؟

استراح في رقدته على الفراش بعد أن وضع الوسادة خلف ظهره ليقول بعدها بتنهيدة بطيئة:

-عمك "غريب" الله يرحمه كان طماع، عاوز يتغنى بسرعة، معندوش صبر على حاجة، وخالتك زي ما إنت شايف ماتوصتش، مش تقوله بلاش ولا كفاية، لأ كانت بتشجعه يعمل أي حاجة إن شاءالله بالغش، المهم يبقى معاه فلوس كتير.

تحدث من زاوية فمه قائلاً:

-ما كل ده أنا عارفه.

تطلع "سلطان" إليه في حيرة، وسأله:

-أومال بتسأل عن إيه؟

تشجع ليبوح له بما يدور في رأسه من أمور تشغله بشأنها:

-يوم الحادثة يا جدي، كان معايا بت صغيرة، مظبوط؟

ظهرت علامات التفكير العميق على وجهه وهو يرد:

-تقريبًا، كانوا لاقوها جمبك، ماسكة فيك.

تضاعفت خفقات قلبه القلقة وهو يسأله بنبرة بدت إلى حد ما متلهفة:

-وكانت عايشة ولا ميتة؟

أجاب منهيًا حيرته:

-إنتو الاتنين بس اللي ربنا نجاكم من الحريقة.

أخرج "تميم" نفسًا عميقًا من صدره أزاح به كل التوترات التي أرهقته، ثم عاد ليسأل باهتمامٍ وقد أضاءت عيناه بوهجٍ غريب:

-ماتعرفش هي مين؟

هز رأسه نافيًا:

-مش فاكرها يا ابني .. السِن بقى وأحكامه، ودي حاجة عدت عليها سنين.

تقدم "تميم" نحو جده ليحني رأسه عليه، قبله من جبينه وهو يدعو له بتضرعٍ:

-ربنا يديك طولة العمر يا جدي.

ربت الأخير على كتفه بودٍ قبل أن يكمل مستفيضًا بتلقائية:

-بس على ما أظن أبوها كان راجل في حاله، طيب مش بتاع مشاكل، كان شغال صياد، مراكبي، حاجة زي كده، واسأل أبوك هو فاكر عني...

اكتفى حفيده بالابتسام، لكن تفرس " سلطان" في ملامحه وهو يسأله بدهشة مبررة:

-بس إنت إيه اللي فكرك بالحكاية دي دلوقتي؟

تعلل كاذيًا ليخفي ما لا يريد الإفصاح عنه له:

-يعني كنت بأدردش أنا و"هيثم"، وافتكرنا حكاية موت أبوه.

بدت إجابته مقنعة، فلم يشك بأمره، وقال:

-ربنا يرحمه، ويحسن ختامنا جميعًا.

-يا رب.

أضــاف "سلطان" بنبرة عادية:

-الواد ده نبتته كويسة، بس مالوش كبير يحاسبه، ده غير أمه، كتلة شر.

ابتسم لصراحته مؤيدًا إياه:

-صدقت يا جدي.

عمق "سلطان" من نظراته نحوه وهو يقول:

-وبنتها عاملة إيه معاك؟ كويسة ولا شبه أمها؟

أجاب بعبوسٍ كسا وجهه:

-يعني .. ربنا يهديها.

رد عليه في سخرية:

-هما كل الحريم كده، مافيش من وراهم راحة.

وكأنه أظهر المزيد من انزعاجه على تعابيره عندما قال بزفيرٍ طويل:

-على رأيك يا جدي.

مازحه الأول مبتسمًا ليبدد الوحشة التي ملأت محياه:

-ولسه لما تخلف كمان، هاتشوف العجب منهم، هتطفش يا واد يا "تميم" وتيجي عندي..

ضحك على طرفته، فأكمل "سلطان" بنوعٍ من التمني:

-ربنا يمد في عمري وأشوف عيالك.

رد عليه برجاءٍ كبير:

-إن شاء الله يا جدي، ويتربوا تحت طوعك

صدرت إيماءة خفيفة من رأسه حين قال معقبًا:

-يا رب.

.................................................. ........

انزوى بالشرفة جالسًا في كرسيه الخشبي يشعل سيجارة تلو الأخرى دون أن يحصي عدد ما دخنه، كان عقله مشحونًا، ومشغولاً بالكثير، من ناحية رغبته في معرفة هوية الطفلة الصغيرة التي تواجدت معه خلال الحريق المروع، وهواجسه نحو واحدة بعينها، ومن الناحية الأخرى شكوكه في زوجته، كيف يخبر الأخيرة ببساطة أن كذبتها التي برعت في إحكامها عليه قد انكشفت؟ خدعته لتخفي أمرًا لئيمًا حاكته من ورائه، إن كان الدواء المنشط لا يخص أخيها فإذًا هو لمن؟ إجابة السؤال كانت واضحة كالشمس في كبد السماء، بالطبع ليس لها! في البداية تحير كثيرًا ورفض تصديق الأمر إلى أن تجلت الحقائق في عقله كمشاهد متعاقبة ترشده إلى نهاية لا مناص منها؛ كان هو المغفل الذي يتجرعه ليلة بعد أخرى لتتحرك شهواته باهتياج تعجب منه شخصيًا، قوته الذكورية كانت مفرطة معها رغم فتور مشاعره نحوها، يندفع غرائزيًا لا وجدانيًا، يمنحها ما تريد ويخبو لهيب الرغبة فجأة كما اندلع فجأة .. ظل السؤال الذي يراوده كيف يتم الأمر؟ ومن أين واتتها الجراءة لتفعل ذلك به؟ لكن عاد عقله لينذره بهاجس مريب لم يستسغه؛ ألا يتسرع في إصدار الحكم عليها لمجرد إنكار "هيثم" لذلك، أليس من المحتمل أن يكون هو الطرف الكاذب؟ ربما أراد تحسين صورته أمامه وهو مقبلٌ على الزواج، انتشلته من حيرته المتعبة على صوتها المتدلل:

-مش هتاكل يا "تميم"؟

نظر لها مليًا بنظرات غريبة، مطولة، مليئة بالشك، وكأنه يريد النفاذ إلى داخل رأسها الداهية ليكشف عن خباياه، تعجبت "خلود" من تحديقه المطول بها وأعادت تكرار السؤال عليه ليرد بوجومٍ:

-لأ.. ماليش نفس.

دققت النظر في ملامحه المكفهرة وهي تتساءل:

-هو إنت كلت برا؟

أجاب باقتضابٍ:

-لأ..

ألحت عليه بشدةٍ:

-أومال إيه؟ ده أنا محضرالك الأكل اللي بتحبه، يالا عشان تاكل ونقعد سوا تحكيلي عملت إيه.

استاء من ضغطها المستمر عليه، خاصة وهو مهموم بشأن كذبتها، لذا صاح بها بعصبيةٍ

-مش عاوز يا "خلود".

استغربت من صياحه المنفعل، وقالت بتبرمٍ:

-براحتك.

لم يعلق عليها وظل يرمقها بتلك النظرات الغامضة التي لم تسترح لها، جلست "خلود" على الكرسي المقابل له تسأله بفضولٍ، وكأنها تشك في أمر ما:

-"هيثم" كان قال لأمي إنك كنت معاه لما نقلتوا حاجته النهاردة.

انحنى للأمام ليطفئ سيجارة أخرى وهو يرد موجزًا في الحديث:

-أيوه.

برقت نظراتها حين سألته في خبث:

-على كده خطيبته وأمها كانوا هناك؟

قال بهدوءٍ:

-أيوه

احتدت نظراتها حين انتقلت للسؤال التالي:

-والبت "فيروزة"؟

تحفز في جلسته وبادلها بنظرة شبه مزعوجة وهو يرد:

-مالها؟

أجابت متسائلة وقد بدت متأهبة لسماع رده:

-كانت معاهم؟

لم يمنحها ما تريد، وراوغها بالقول:

-بتسألي ليه؟

حاولت الابتسام وهي ترد:

-عادي يعني، عاوزة أعرف.

وكأنه يُعيد اكتشاف طباع زوجته الحقيقة لأول مرة دون زيف أو تجميل، لم تكن نظراتها مريحة، ولم تكن تعبيراتها مسترخية، قناع الغيرة الذي ترتديه لم يستلذه مطلقًا، نفخ في الهواء قبل أن يجيبها بسأم واضح عليه:

-أكيد.. طالما أختها هناك هتبقى معاهم.

ركزت عينيها عليه عندما سألته مباشرة:

-وإنت شوفتها؟ أعدت معاها؟

ضاقت نظراته هاتفًا في استنكار:

-"خلود" هو ده تحقيق وأنا مش عارف؟

تصنعت الضحك وهي تبرر أسئلتها المتعاقبة:

-لا يا حبيبي، أنا بس بأدردش معاك، وبعدين مافيهاش حاجة لما أطمن على جوزي حبيبي.

هب واقفًا ليجمع علبه سجائره وولاعته قبل أن ينطق بتزمتٍ:

-وأنا مش شايف أي دردشة، ولو عاوزة تعرفي حاجة كلميني دوغري، بلاش شغل التلت ورقات ده.

نهضت هي الأخرى لتقول بتأففٍ:

-أصل أنا مابستريحش للبت دي، سهونة كده وخبث الدنيا فيها، وجواها إسود كده، ربنا يحفظنا من اللي زيها.

وكأنها تحرضه على وغر مشاعره ضدها أكثر، نظرة استحقارٍ استطاعت أن تراها في عينيه وهو يحدق بها ليعقب بعدها:

-أنا رايح أنام، تصبحي على خير.

لاحقته بنظراتها الفضولية المتعجبة قبل أن تسأل نفسها في حيرةٍ:

-هو ماله ده ..........................................؟!

.................................................. ...............






منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 20-06-20, 01:48 AM   #189

ليالي البندقية

? العضوٌ??? » 437682
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 113
?  نُقآطِيْ » ليالي البندقية is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

ليالي البندقية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-06-20, 05:34 AM   #190

تغريد&

? العضوٌ??? » 458904
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 245
?  نُقآطِيْ » تغريد& is on a distinguished road
افتراضي

بدأت تبان الحقيقة ان خلود ست حربايه
وفيروزه معرفة قديمة والوحيدة اللي شافت الحريقة
ازاي ولعت


تغريد& غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:17 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.