آخر 10 مشاركات
مهجورة في الجنة(162) للكاتبة:Susan Stephens (كاملة+الرابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          594- فراشة الليل -روايات عبير دار ميوزيك (الكاتـب : Just Faith - )           »          قـيد الفـــيروز (106)-رواية غربية -للكاتبة الواعدة:sandynor *مميزة*كاملة مع الروابط* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          319 - زواج غير تقليدي - راشيل ليندساى - احلامي (اعادة تنزيل ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          307 – الحب والخوف - آن هامبسون -روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          غزة والاستعداد للحرب القادمة (الكاتـب : الحكم لله - )           »          253- لعبة الحب - بيني جوردن - دار الكتاب العربي- (كتابة/كاملة)** (الكاتـب : Just Faith - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree508Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-10-21, 04:01 PM   #1181

حمزة**محمد

? العضوٌ??? » 481498
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 156
?  نُقآطِيْ » حمزة**محمد is on a distinguished road
افتراضي


تسلم ايدك ربنا يهدي فيروزه وتكمل الجواز بسرعه ويهد فضل الي مبيتهدش ده

حمزة**محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-10-21, 11:21 PM   #1182

ساسية

? العضوٌ??? » 478312
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 65
?  نُقآطِيْ » ساسية is on a distinguished road
افتراضي

الحاج فتحي ورا عمايل فضل مع ابوه باينه حيخلي فضل على الحديدة

ساسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-21, 07:15 AM   #1183

Fanshawe

? العضوٌ??? » 458118
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 336
?  نُقآطِيْ » Fanshawe is on a distinguished road
افتراضي

💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘💘

Fanshawe غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-10-21, 12:39 AM   #1184

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





الفصل المائة وسبعة وستون





في نفس البلدة، ومع نفس الشخصية الحقيرة، وأمام ذلك الحشد المتجمهر، انطلق من بين شفتيها، اعترافًا خطيرًا، جعل قلبه يرفرف في الأفق البعيد، ومشاعره تهتاج في عاصفة عشقٍ لا حدود لها. جمعهما مكانٍ بعينه، واجتمعا في توقيتٍ معين، لتفيض بنفس الكلمات التي قيلت من قبل، آنذاك وأدت حبه في مهده؛ لكن اليوم غدت سبب ابتهاجه وسعده.

بثباتٍ عجيب، وعينان لا ترمشان، أضافت "فيروزة" على مسامع الحاضرين:

-ولولا ظروف وفاة عمي كنا بلغناه بالخبر عشان يحضر ويكون شاهد على العقد.

كأنما اشعلت فتيل غضبه، انفجر فيها "فضل" ينعتها بوقاحةٍ منقطعة النظير، غير عابئ بتبعات لسانه الأرعن:

-يا بجاحتك، عاوزة تتجوزي وعمك لسه مادفنش؟

ضاقت عيناها في غيظٍ من فظاظته؛ لكن سرعان ما تحولت تعابيرها إلى ذهولٍ مصدوم، حيث تأهب "تميم" للانقضاض على خصمه اللدود، فلم يمهد له وهو يكور قبضته، ليسدد أول لكمة في فكه، جعلته يرتد، ويترنح بشدة، من أثر المفاجأة المؤلمة، قبل أن يتوعده علنًا:

-إنت ناوي على موتك النهاردة.

بالكاد منعه الرجال المتواجدين من المساس به، وإلا لدك عظامه، وطحنها. تدخل "فتحي" قائلاً في رجاءٍ ليحتوي الموقف المتأزم:

-صلوا على النبي يا رجالة، بس ده لا وقته، ولا مكانه، الميت ليه حُرمة.

رد عليه "تميم" في حمئةٍ:

-كان رعاها البغل اللي واقف.

احتمى "فضل" بأجساد الرجال، ليصيح بعدها مدعيًا البراءة، وحفظًا لماء الوجه:

-شايفين الغلط؟ يرضيكوا البهدلة دي؟

علق عليه "فتحي" بنظراتٍ غير راضية عن تصرفاته الوقحة:

-ما إنت بردك يا "فضل" مش عامل اعتبار لا لكبير ولا صغير.

نظر إليه شزرًا قبل أن يدمدم في حرقة:

-دلوقتي بقيت أنا اللي غلطان؟

حدجه "فتحي" بنظرة صارمة وهو يخاطبه:

-ماهي دي مش أصول، وأنا غلبت أفهمك.

هز رأسه معقبًا في ازدراءٍ ناقم:

-ماشي يا حاج "فتحي"، أني الغلط راكبني، وأستاهل ضرب البُلغ ...

لم يكد ينهي جملته الساخطة تلك إلا وأشار بإصبع الاتهام نحو "فيروزة"، فقال علنًا:

-بس الرك على اللي مارعتش الأصول، وجاية فرحانة بمرقعتها.

فارت دماء "تميم"، وكاد يطيح به مجددًا، لولا أن تدخل "خليل" ليعنفه بخشونةٍ رغم اللعثمة الظاهرة في نبرته:

-بتسمــ..ي الجواز على سُنة الله ورسـ..وله مرقعة؟ إخص على كده.

ثم بصق عليه في نفور صريح.

ربت أحد الشيوخ الأجلاء على كتفه، ممن مشهود عنهم بسيرتهم الطيبة، وحنكتهم الخبيرة في حل المعضلات، ورجاه في ودٍ:

-اهدى يا عم "خليل".

استمر "فضل" في تجاوزاته المسيئة، فتابع بافتراءٍ:

-ما هو مش منطقي إنها تتسربع على الجواز كده إلا إن آ...

لم يدعه الشيخ يكمل أكاذيبه، لهذا قاطعه محذرًا بغلظةٍ:

-عيب يا "فضل" الكلام ده، إياك وقذف المحصنات!

كز على أسنانه مغتاظًا، والشيخ ما زال يخاطبه في تشددٍ:

-أنا بحذرك، كلمة زيادة وأهل البلد هيسيبوك ويمشوا.

اعترض عليه في غير رضا:

-يا شيخنا آ...

مرة أخرى قاطعه آمرًا الجميع:

-بينا على صلاة الجنازة.

لم يرُّده أحد، استجابوا له في طاعةٍ، وتركوا "فضل" في موضعه، يعض على شفته السفلى غيظًا، وكمدًا، لينصرفوا في اتجاه مسجد البلدة، بعد أن تولى حفنة منهم حمل النعش للصلاة عليه.

.................................................. ..

في تلك الأثناء، نأى "تميم" بـ "فيروزته" بعيدًا عن تلك الأجواء المحملة بالغضب، والكراهية، والعداوة الصريحة، أشــار لها لتتبعه سائرة بخطواتٍ شبه متعصبة نحو السيارة، خاطبها في لينٍ محاولاً امتصاص الحنق المكبوت بداخلها جراء هذا الوضيع:

-مالوش لازمة تعكري دمك مع الأشكال دي، هو عامل الشويتين دول عشان يلم الناس حواليه.

نظرت إليه صامتة، فأكمل في هدوءٍ:

-واللي زي ده لما تعبريه وتديله قيمة أكبر من حجمه بيسوق فيها.

تنهدت مليًا قبل أن تتكلم بقليلٍ من الأسى المعكوس على ملامحها:

-معاك حق.

لم يستطع كبح نفسه وهو يعترف لها:

-زعلك عندي بالدنيا.

مرة أخرى نظرت في عينيه لتجده مشاعر الحب تنتفض فيهما، قوست شفتيها قليلاً لتظهر ابتسامة باهتة عليهما قبل أن تهمس:

-ما هو واضح.

ودَّ لو استمر في تجاذب أطراف الحديث معها إلى ما لا نهاية؛ لكن ليس كل ما يتمناه المرء يُدركه، ظهر "هيثم" على الساحة بعد اختفاءٍ مريب لبعض الوقت، علم منه أن زوجته كانت مشغولة بإرضاع طفلهما، فتفهم حاجتها للبقاء في مكانٍ شبه معزول لتتمكن من إطعامه، تساءل الأول بفضولٍ وهو ينظر للوجوه المتحفزة:

-في إيه يا ابن خالتي؟

جاوبه في غموضٍ:

-نمرة فكسانة كانت بتتعمل واتفضت.

جاءه تعقيبه في صيغة تساؤلية:

-من البغل طبعًا؟

قال وهو يومئ برأسه، وبتعابيرٍ شبه متجهمة:

-هايكون مين غيره.

أضاف "هيثم" باستهجانٍ:

-عمل حركاته الناقصة زي تملي.

دون أن تتبدل تعابيره المزعوجة أكد صحة تخمينه:

-بالظبط.

انسحبت "فيروزة" في هدوءٍ لتنضم إلى توأمتها، وراحت تثرثر معها عما حدث قبل برهةٍ بعباراتٍ موجزة، ليظهر الاستياء على وجه الأخيرة مستنكرة سلوكياته المشينة. زمت "همسة" شفتيها، واستطردت معلقة وهي تهز ذراعيها في حركة متكررة ومتناغمة ليخفو رضيعها:

-بصراحة واحد زيه المفروض يحس بالقهرة وكسرة القلب بعد وفاة أبوه، بس هو بني آدم فظيع، معندوش إحساس ولا دم.

بتأفف متزايد أخبرتها "فيروزة" وهي تدير رأسها في اتجاه "تميم" لتطمئن عليه من مكانها:

-ربنا يخلصنا منه.

عادت لتنظر إلى وجه شقيقتها عندما سألتها:

-إنتي هتعملي إيه؟

مسدت بيدها على حجابها لتتأكد من انضباطه على رأسها، ثم أجابتها مع زفيرٍ سريع:

-هشوف هيتفقوا على إيه.

لوت "همسة" ثغرها معقبة بجديةٍ:

-أنا رأيي نخلينا بعيد عن المشاكل، احنا مش ناقصين.

بعد دقيقة تقريبًا، جاء "تميم" ومن خلفه "هيثم" ليقول الأول في لهجة آمرة، لا تخلو من بعض الصرامة، وعيناه تتطلعان إلى "فيروزة":

-إنتو هتفضلوا هنا.

أضــاف عليه ابن خالته في صوتٍ يماثله في الجدية:

-بس مش هتستنوا في المكان ده، هنسيبكم عند حتة أمان عن هنا.

وافقته "همسة" الرأي، وأبدت استحسانها قائلة:

-كده أحسن.

في حين تساءلت "فيروزة" في اهتمامٍ جاد:

-فين يعني؟

تبادل "تميم" مع ابن خالته نظرة سريعة قبل أن يأتيها رده:

-بيت العمدة.

سكتت لتفكر في اقتراحه المناسب للوضع الراهن، ثم التفتت ناظرة إلى "همسة" التي أيدت رأيه بقولها:

-وأنا لسه كنت بقول لـ "فيروزة" الكلام ده، مافيش داعي نكون سبب في أي مشاكل.

لم تطل الكلام أكثر من هذا، فقد سرت همهمات شبه مرتفعة جعلت الأنظار تتجه نحو باحة البيت؛ حيث بدأ الحضور في التجمهر إيذانًا بخروج جثمان الفقيد، أشــار "هيثم" بيده لزوجته، وللبقية قائلاً:

-طب بينا، النعش اتحرك.

تحركوًا تباعًا؛ لكن "تميم" تعمد التباطؤ في خطواته ليغدو سائرًا بجوار "فيروزة"، لم يستطع منع نفسه من سؤالها:

-أنا عارف إنه مش وقته، بس ممكن أعرف حاجة؟

احتفظت بملامح وديعة رقيقة وهي ترد:

-اتفضل.

تنحنح في خفوت ليجلي أحبال صوته، قبل أن يتشجع قائلاً بترددٍ طفيف:

-اللي قولتيه قصاد الناس من شوية، كان بجد، ولا ده آ...

فهمت ما يرمي إليه، كان يظنها تمزح، مجرد بضعة جمل تُخرس بها الألسن قبل أن تنهش في سيرتها، لهذا قاطعته قائلة بثقةٍ، وتلك اللمعة تضيء في عينيها:

-أنا مابقولش حاجة وأرجع فيها يا معلم.

حملق فيها مدهوشًا، فأسرعت الخُطى لتهرب من هذه النظرات الوالهة، الناطقة بأسمى معاني الحب، رغمًا عنه تشكلت ابتسامة ضاحكة مستبشرة على وجهه، وهو يردد لنفسه في سرورٍ سرعان ما أخفى أماراته من على تقاسيمه:

-ربنا يرحمك يا حاج "إسماعيل"، موتك جه بفايدة.

.................................................. ..........

على الدرجة الرخامية الأولى للسلم الداخلي للبناية، جلس كلاهما معًا استعدادًا لتناول الوجبة الشعبية (الكُشري) بشراهةٍ، بعد أن تم تكليفهما بحراسة المكان ومراقبته طوال فترة غياب قاطنيه. نزع "حمص" الورق المفضض المغلف لعلبته، لضمان حفظ الحرارة به، ثم أفرغ كيسًا صغيرًا كان قد جاء مع الطعام بعد أن أزاح الغطاء البلاستيكي. تساءل "شيكاغو" وهو يفعل مثله:

-حط دقة زيادة ولا لأ؟

أجابه وهو يقلب محتويات علبته معًا:

-أه، أنا قولتله.

عقب "شيكاغو" بوجهٍ شبه منقلب وهو يدس ملعقته في الخليط الساخن:

-المرة اللي فاتت الصلصة كانت صايصة.

تقوست زاوية فم "حمص" الممتلئ بابتسامةٍ ماكرة وهو يرد:

-هو احنا سكتناله يعني؟ ما خدنا حقنا وزيادة.

هز رفيقه رأسه بإيماءة راضية بعد أن تذوق أول ملعقة، لم يكترث بتناثر بقايا الطعام من جوفه وهو يخاطبه في لهجةٍ جادة:

-بقولك صحيح، الواد "الأص" اتمسك بتُربة حشيش.

اكتست تعابير "حمص" بالضيق، وتساءل مصدومًا:

-إنت عرفت منين؟

بلع "شيكاغو" قدرًا من طعامه، وتابع الكلام وهو يمسح السائل المنساب من على طرف فمه بظهر كفه:

-حد من المقاطيع اللي معاه حب يعلم عليه، وحبايبي بلغوني.

غرَّز "حمص" ملعقته من جديد في علبته، ليضمن امتزاج المكونات معًا بعد إضافة الصلصة الحريفة إليها، ثم قال:

-ده لبسه في الحيط.

وضع "شيكاغو" بين أسنانه زجاجة المشروب الغازي، لينتزع غطاها ويفتحها، تجرع ثلثها في رشفة واحدة، ليطفئ اللهيب المندلع في جوفه، ثم تجشأ قائلاً:

-الكلام الداير إنها تصفية حسابات قديمة.

غامت ملامح وجه "حمص" وهو يكلمه:

-عاوزين نشوفلنا حد تاني نستقضى منه حاجتنا.

اقترح عليه بهدوءٍ:

-في "العُوكشة"، إيه رأيك؟

التوت تعابيره اشمئزازًا وهو يردد في غير رضا:

-ده واد فقري، وجِلدة.

.................................................. ....

(اطرق على الحديد وهو ساخن) عَمِل بتلك المقولة الشهيرة، فقضى ما تبقى من ليله يفكر، ويدبر، ويرتب أفكاره الشيطانية، ليبدو أكثر تسلطًا، وتطلّبًا وهو يفرض شروطه عليهم، ليخرج رابحًا من هذه القضية الخاسرة. قطع "حُسني" الطريق أشواطًا، استنشق آخر دفعة دخان من سيجارته، قبل أن ينهيها بإلقائها عند قدميه ليدعسها وهو يقترب من مدخل البناية. بدا في وضعية تحفز، وعيناه تبرقان بوميضٍ غاضب؛ لكن ما لبث أن تبدلت قسماته المشدودة إلى لمحات من الذهول والاستغراب عندما رأى الاثنين المرابطين عند السلم، خاصة مع الندوب وعلامات الشجار العنيفة المحفورة على وجهيهما.

تردد لحظيًا، واستجمع نفسه قبل أن يظهر عليه ارتباكه من المفاجأة؛ حيث أنه لم يتوقع وجود أحدهم في هذا المكان، وتحديدًا هذه الأوجه الإجرامية. قرر تجاهلهما، والمرور بجوارهما في هدوءٍ لتجاوزهما؛ لكن "شيكاغو" استوقفه متسائلاً في صلابة:

-رايح فين يا أخ؟

حدجه "حُسني" بنظرة باردة، قبل أن يأتيه رده مثل نظرته:

-وإنت مالك؟

نهض من جلسته منتفضًا، وصاح بغضبٍ متصاعد في صدره، ونظرة حانقة تطل كذلك من عينيه:

-لأ مالي ونص وتلاتربع.

انضم إليه "حمص" وترك ما في يده، ليقوم واقفًا، ويسأله بلهجةٍ محققة:

-جاي لمين؟

التفت ناحيته، ورد عليه بنفس الأسلوب الفظ:

-يخصك في إيه منك ليه؟

أجاب عليه "شيكاغو" بغلظةٍ:

-كل اللي في الناحية دي يخصوني ...

سدد إليه "حُسني" نظرة نارية، أتبعها ببسمة هازئة مرسومة على ثغره، فما كان من "شيكاغو" إلا أن تابع بهديرٍ مهدد:

-هاتنطق ولا أعمل معاك السليمة؟

ضحك "حُسني" ساخرًا منه، قبل أن يتكلم بصعوبة وسط ضحكاته المصطنعة ليزيد من استفزازه:

-الله! هو إنت منهم؟

ارتفعت نبرة "حمص"، ولكزه في صدره متسائلاً:

-ماتلوكش في الكلام، جاي لمين؟

لم يجبه، ونظر إليه بتعالٍ، كأنما يتحداه أن يتجرأ عليه، في حين استطرد "شيكاغو" صائحًا:

-إنت لسه هتسأله، قلبه وشوف بطاقته.

لم يأخذهما على محمل الجد، ووكز أحدهما في ذراعه وهو يحتقرهما بكلماته المزدرية:

-إيدك إنت وهو ياض، معدتش إلا إنتو يا كُناسة الشوارع، ده أنا أسويكم بالأرض.

تحرك "شيكاغو" ليقف قبالته متحديًا إياه بجراءةٍ لا تخلو من نزعة التهديد:

-كان غيرك أشطر ...

نظرة غامضة منحها لرفيقه، فهمها الأخير، وأومأ برأسه بخفة، قبل أن يأمره صراحةً:

-رقده

تحولت أنظار "حُسني" على "حمص"؛ لكن في لمح البصر كان كلاهما قد تكالبا عليه، وأسقطاه أرضًا، رغم المفاجأة المباغتة إلا أنه قاوم محاولتهما لتقييده، وظل ينازعهما إلى أن خارت قواه أمام عنفهما المتزايد، لهث وتقطعت أنفاسه وهو يسألهما في عصبيةٍ:

-إنتو مين؟

لم يبخلا عليه بقدرٍ من اللكمات، وبعض الوكزات واللكزات المؤلمة في صدره، وعنقه، ووجهه، حتى أجهزا تقريبًا على طاقته المشحوذة ضدهما، تمكن بعدها "حمص" من انتشـال محفظته، ليخرج منها بطاقة هويته الشخصية، ولكونهما على علمٍ مسبق باسم الشخص المُراد الحيطة منه، كان من اليسير عليهما التعرف عليه، لوح بها إلى "شيكاغو" وهو يخبره بابتسامةٍ لم يفهم مغزاها سواه:

-هو اللي عليه العين.

خلت تعابير وجه "شيكاغو" من أدنى أمارات التعاطف وهو يهتف متوعدًا إياه:

-نهارك ماطلعلوش شمس.

أدرك "حُسني" أنه وقع في قبضة شرذمة من معتادي الإجرام، الندوب أصبحت أكثر وضوحًا، الشراسة باتت غير قابلة للإنكار، ازدرد ريقه غير الموجود في جوفه، وتساءل بصوتٍ جاهد لجعله غير مهتزٍ:

-إنتو مين؟

انطلقت شرارات عدوانية ممتزجة بانتشاء غريب من عيني "شيكاغو" وهو يخبره:

-احنا اللي هنسويك على الجانبين، لحد ما يبانلك صاحبك .. بس قَبلَة نشحنك على الشونة!

ارتجف قلبه رهبةٍ، وقاوم هذا الشعور بالخوف ليقول في عداءٍ، وهو يتلوى بجسده ليتحرر من قيدهما المحكم كرمقٍ أخير للنجاة ببدنه:

-حاسب يا (...) إنت وهو.

تبادل "حمص" نظرة سريعة مع رفيقه قبل أن ينطق بلهجة لم تحمل سوى نية صريحة بإيذاء موجع .. موجع للغاية:

-ده بيغلط، نهارك كوبيا!

.................................................. ........

الحنين إلى الماضي بكافة ما يحتويه من ذكريات، أمنيات، آمال، وقدر من الأحلام كان مطلوبًا في تلك الزيارة الاستثنائية، لتجاوز مرحلة الضغوطات المؤذية للنفس والمتلفة للأعصاب. أحست "فيروزة" بالدفء يتسلل إلى روحها بعد أن وطأت بيتها في البلدة، المكوث فيه لبعض الوقت كان مفيدًا إلى حدٍ ما، انتبهت إلى توأمتها القائلة بسعادةٍ ظاهرة عليها تناقض الظروف الحادثة:

-زي ما نكون سيبنا البيت إمبارح، كل حاجة في مكانها، وزي ما هي.

لاذت بالصمت وهي تصغي إليها عندما أكملت بحماسٍ:

-شوية تنضيف ويبقى زي الفل.

اكتفت بهز رأسها، واتجهت سائرة نحو الباب لتساعد خالها على الولوج، ثم أزاحت الغطاء الأبيض عن إحدى الأرائك وهي تدعوه للجلوس:

-تعالى يا خالي ارتاح هنا شوية.

أطلق زفرة متعبة وهو يلقي بثقل جسده على الأريكة، أراح رأسه للخلف، وأغمض عينيه في إرهاقٍ واضحٍ عليه، ابتعدت عنه، وتحركت في اتجاه "رقية" التي أخذت تتجول في المنزل وهي تتساءل في فضول طفولي:

-ده بيتنا يا "فيرو"؟

أجابتها بابتسامةٍ صغيرة لطيفة:

-أيوه يا "كوكي".

زمت الصغيرة شفتيها، ووضعت يدها على بطنها لتقول ببراءةٍ:

-أنا جعانة.

فتحت "فيروزة" سحاب حقيبتها لتخرج من داخلها ورقة مغلفة، قدمتها إلى ابنة خالها قائلة:

-معايا سندوتش جبنة، تاكليه؟

هزت رأسها موافقة:

-طيب

ناولته إياه بعد أن فضت الورقة عنه، ومسحت على جانب وجهها بحنوٍ قبل أن تمرق في الردهة المؤدية إلى غرفتهما القديمة، حيث استقرت شقيقتها مع رضيعها. وقفت "فيروزة" عند عتبة باب الحجرة تسألها:

-أومال فين جوزك؟

جاوبتها بإشارة من رأسها:

-واقف مع "تميم" برا، هيشوفوا هنعمل إيه بعد كده.

تلقائيًا استدارت رأسها نحو الشباك الموصود الذي يفصل غرفتهما عن الخارج، كأنها تطمح أن تنفذ نظراتها عبرته لتصل إليه، فتشعر بقربه، ويشعر بوجودها حوله، توقفت عن التماوج في فضاءات خيالها الحالم مؤقتًا لتردد في تبرمٍ:

-وطبعًا ماما مش هترجع دلوقتي من بيت عمي.

اتخذت "همسة" حذرها وهي توضح لها على مهلٍ:

-ما إنتي عارفة إن دي الأصول والعوايد، والمفروض على الأقل نكون كلنا هناك التلات أيام، بس عشان آ...

لمحة من التردد انعكست في نبرتها قبل أن تستأنف كلامها بمزيد من الحيطة:

-المشاكل وكده، فاحنا هنفضل هنا.

كانت في غنى عن الغوص في المزيد من التعقيدات، والاستفزازات المستهلكة لطاقة الفرد على التحمل .. تنهدت بعمقٍ قبل أن تعقب عليها في ملامح واجمة:

-أيوه .. عارفة، وربنا يهون.

.................................................. .

لو لم يكن قد تلقى ذلك الاتصال الذي أثلج صدره، وشَرَحه قليلاً، لربما بقي على حالته المستثارة، وذهب مرة أخرى إلى هذا الوغد الحقير لإشباعه بالضرب المبرح جراء زلات لسانه الوقحة، تلك التي لم يتوقف عنها حتى بعد دفن أبيه. لاحظ "هيثم" تبدل تعابير ابن خالته، فنظر إليه مستفهمًا، فأخبره في صوتٍ جاد:

-الواد اتجاب.

تساءل في تحيرٍ:

-واد مين؟

استخدم يده في الشَرحِ وهو يجيبه:

-اللي اسمه "حُسني"، قريب مراتك.

هز رأسه كمن تذكر الأمر، وعلق متسائلاً:

-أه، افتكرته، طب كويس، وإنت ناوي معاه على إيه؟

فرك "تميم" طرف ذقنه بيده؛ كأنما استغرق للحظةٍ في أفكاره الخاصة، لينطق بعدها بغموضٍ:

-نخلص من الحوار اللي هنا، وأفوقله.

.................................................. ...

-شكر الله سعيك.

ردد تلك الكلمات وهو يمد يده لمصافحة أحد الأشخاص ممن جاءوا لتعزيته في وفاة والده، ثم عاد للجلوس مجددًا على مقعده الخشبي الموجود في المقدمة، ليدير رأسه إلى الحاج "فتحى" الذي استمر في توبيخه بصوتٍ خفيض:

-يا غبي! أنا قولتلك تعمل كده؟ عاوز تلفت العين عليك؟

صر على أسنانه مدمدمًا بنبرة خافتة، ووجهه مغطى بأمارات الضيق والغيظ:

-يعني أسكت لما أشوف الطِحش ده قصادي؟ وأعمل فيها خروف؟!!

نظر له "فتحي" شزرًا، فاستمر يقول بنبرة مالت للارتفاع:

-ده كان حقي أكله بسناني.

حذره بإشارة صارمة من عينيه ليلتزم الصمت، ثم خاطبه في هسيسٍ كالأفعى:

-أخد الحق صنعة، مش جهجهوني كده.

رد بتبرمٍ وهو ينهض لمصافحة آخر:

-أهوو اللي حصل بقى.

عاود الجلوس، وحدق في وجه "فتحي" حين أكد عليه بخبثٍ:

-لو سمعت كلامي هتكسب.

ظل على تعابيره المكفهرة وهو يُحادثه بغير نفسٍ:

-ما أنا سمعته سابق، وشوف جرى إيه لأبويا.

كأن ما حدث لرفيق العمر لم يهز شعرة من رأسه، بل اعتبر أنه نال جزاء ما يستحق لفعلته السابقة مع "أسيف"، حين اتخذ صفها، وعارضه بشكلٍ جعله رغبته الانتقامية تتأجج فيه. استعاد إدراكه لما حوله، وقال بصوتٍ جاف تعمد تطعيمه ببعض الوعظ الديني، للتغطية على ذنبه:

-لكل أجلٍ كتاب، عمره كان لحد كده، هنعترض على قضاء ربنا.

رمقه "فضل" بنظرة حادة، في عمقها يظهر الاحتجاج؛ لكن سرعان ما قضى عليه "فتحي" في مهده بتبرير أسبابه:

-ولا كان عاجبك تبقى مرمي في الشارع رمية الكلاب، وخير أبوك يروح لغيرك؟

أطال النظر إليه متذكرًا حياة التشرد التي عاشها لأيامٍ بعد أن قام والده الراحل بطرده من المنزل، حيث ذاق فيها القسوة، والمُر، والإهانة، والمعاملة الدُونية، ربما استمر هذا الوضع البائس لفترة أطول لولا أن انتشله "فتحي" من القاع باقتراحه اللئيم، وقتئذ حثته دوافع الكراهية، ونوازع الانتقام، للفُجر في الخصومة، والاقتصاص منه بدهاءٍ، فكان بإقامة دعوة قضائية تمنعه من التصرف في أمواله قانونيًا، وحدث ما صبا إليه، ونال القهر من "إسماعيل"، ومات كمدًا وألمًا.

كالشيطان الذي يوسوس لضعاف النفوس، فيغريهم ويغويهم، إلى أن يسقطوا في الهاوية، سرى صوت "فتحي" على مسامع الجالس إلى جواره بقوله المليء بوعودٍ طامعة:

-اصبر .. ده أنا غرضي مصلحتك، ومعايا كل اللي نفسك فيه هيتعمل.

نظر في عينه، وقال بإذعانٍ واضح:

-ماشي يا عم "فتحي"، أديني وراك لحد ما أشوف أخرتها إيه.

في نفسه الخبيثة لم يكن يريد طاعته إلا ليصل إلى غاياته في الظفر بكل شيءٍ كان على وشك الحرمان منه قسرًا: المال، الجاه، الحَسب، السُلطة، القُدرة، وقبل هذا .. هي، لا لمحبةٍ خالصة فيها، وإنما لنزعة مريضة فيه ....................................... !!

.................................................. ..........


منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 06-10-21, 01:28 AM   #1185

Om noor2
 
الصورة الرمزية Om noor2

? العضوٌ??? » 445147
?  التسِجيلٌ » May 2019
? مشَارَ?اتْي » 267
?  نُقآطِيْ » Om noor2 is on a distinguished road
افتراضي

هي مين بالضبط...؟؟!!
انت يتخاف منك اليومين دول ناوية علي ايه تاني


Om noor2 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-10-21, 11:32 AM   #1186

zohorat

? العضوٌ??? » 459093
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 63
?  نُقآطِيْ » zohorat is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

zohorat غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-21, 11:53 PM   #1187

Anareem

? العضوٌ??? » 379425
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 205
?  نُقآطِيْ » Anareem is on a distinguished road
افتراضي

ششششششكككككراااااا

Anareem غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-10-21, 01:47 AM   #1188

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 33 ( الأعضاء 14 والزوار 19)


‏موضى و راكان, ‏Fanshawe, ‏زهرورة, ‏فاتن مصيلحى, ‏عاشقة الحرف, ‏باااااااارعه, ‏شموخي ثمن صمتي, ‏امينه علي, ‏يوسف طنجة, ‏أميرةالدموع, ‏zohorat, ‏حبيبيه, ‏جزيرة, ‏Iraqi1989


تسلمى يا نولا مبدعة


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-21, 01:09 AM   #1189

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل المائة وثمانية وستون





نهنهات البكاء وآناته، كانت سائدة في كل بقعة محيطة بالمنزل، ليس للتضامن مع الوغد الجالس بالخارج على رأس المعزيين، وإنما تقديرًا للفقيد الذي كان لا يدخر وسعه لمساعدة الكثيرين في البلدة. كفكفت "آمنة" دموعها المنسابة، بعد أن عصفت بها ذكريات الماضي الموجعة لرحيل شريك العمر، حاولت مواساة "سعاد" في مُصابها؛ لكنها تفاجأت بها تخاطبها في لهجة آمرة، وجامدة تدعو للاسترابة:

-خدي بناتك، وإمشي.

توقفت عن البكاء لتنظر إليها مدهوشة، رأت في وجهها جمودًا أعجب، صمتت لوهلةٍ كأنما تستوعب الأمر، ثم هتفت مستنكرة:

-إيه اللي بتقوليه ده يا "سعاد"؟

بنفس الطريقة الجافة أحرجتها أمام النساء المجتمعات في بهو المنزل:

-زي ما سمعتي، إمشي...

تدرج وجه "آمنة" بحمرة خجلة للغاية، ونظرت إليها متحيرة؛ لكنها استمرت في لهجتها الآمرة:

-خدي بعضك وامشي مع بناتك قبل ما الليل يجي، إنتي عملتي الواجب، وسعيكم مشكور.

تحولت ملامحها للتجهم الشديد، وقامت من مكانها معلقة باستهجانٍ:

-إنتي كده بتطرديني؟

لم تحد "سعاد" بنظراتها المتجهمة عنها، وأخبرتها في صوتٍ لم يصدر منها مُطلقًا:

-بعد كده هتشكريني.

أمام سكوتها القاسي، ونظرات الدهشة الممتلئة بها الأوجه، انسحبت "آمنة" من عزاء السيدات، وهي تحني رأسها في أسفٍ، ليتبع ذلك ترديدها الحزين عند عتبة باب المنزل:

-لا حول ولا قوة إلا بالله، بقى دي أخرتها؟!

كادت تصطدم خلال سيرها المتعجل بـ "فضل" الذي اعترض طريقها، تماسكت، وحافظت على اتزانها، لتنظر إليه في حسرةٍ، بادلها نظرات تحمل الإنكار لذهابها مبكرًا، وصاح متسائلاً:

-رايحة فين يا مرات عمي؟

رمقته بنظرة حادة، وتحركت إلى الجانب لتتجاوزه وهي ترد في نبرة شبه غاضبة:

-اسأل أمك.

تدلى فكه السفلي مندهشًا للحظةٍ، وتبعها بنظراته الفضولية متسائلاً في استغرابٍ حائر:

-اسأل أمي على إيه؟!!

.................................................. ....

فرك بيده –في حركة سريعة متكررة- شعره عدة مرات وهو يتحدث هاتفيًا إلى أبيه ليطلعه على آخر المستجدات الخاصة بالعزاء، لم يكن ليخطو خطوة دون الرجوع إليه، خاصة هذا الأمر تحديدًا، اتقاءً لشرور النفوس الخبيثة. أطلق "تميم" زفرة طويلة، أضاف بعدها في جديةٍ:

-تمام، هشوف الوضع إيه يا حاج، وأعرفك.

بدت ملامحه إلى حدٍ كبير عابسة، وانعكس الضيق على نبرته أيضًا عندما تكلم إليه:

-أكيد طبعًا، أنا عامل حسابي.

استدار محدقًا في وجه ابن خالته، وقال موجزًا:

-مسافة الطريق.

ودعه دون أن تسترخي قسماته المشدودة:

-حاضر يابا، في رعاية الله.

بمجرد أن ضغط على زر إنهاء المكالمة، عاجله "هيثم" بسؤاله المتطفل:

-هتمشي؟

طرد الهواء من صدره في دفعة واحدة قبل أن يجاوبه:

-لو كان ينفع كنت فضلت معاك، بس عشان الأصول وكلام الناس.

أيده في رأيه متمتمًا وهو يُريح ذراعه على سقف السيارة:

-معاك حق، الحكاية مش ناقصة عك، وهنا ما بيصدقوا.

عقب عليه "تميم" في امتعاضٍ مستنكر:

-الناس في أي حتة ما بتصدق تعمل من الحبة قبة، واحنا عندنا واحد عامل زي نافخ الكير.

ابتسم في سخرية وهو يرد مخفضًا رأسه:

-على رأيك ...

سكت لهنيهة، ثم رفع رأسه استعدادًا لإكمال جملته؛ لكنه لمح أحدهم يقترب منهما في خطى شبه مهرولة، وسط الفراغ الممتد من حولهما، استرعى الأمر كامل انتباهه، وقال بتلقائية:

-بص هناك كده، في حد جاي علينا.

تحولت عينا "تميم" إلى حيث ينظر ابن خالته وهو يسأله في اهتمامٍ:

-فين؟

صحح له مسار نظره قائلاً:

-يمينك ..

أمعنا النظر في الكتلة البشرية المقتربة منهما، تلك التي بدأت تتضح معالمها، فنطق "هيثم" من جديد عاليًا:

-مش دي حماتي اللي جاية من بعيد؟

تفرس في هيئتها، وقال موافقًا:

-أه هي ...

لكن ما لبث أن تساءل مُتعجبًا:

-هي راجعة قبل ميعادها ولا إيه؟

زم "هيثم" شفتيه للحظةٍ قبل أن يُحادثه وقد استدار بجسده كليًا ليغدو في مواجهتها:

-باين كده.

أطال "تميم" التحديق بها وهو يضيف:

-دي كانت قايلة هتفضل لحد بعد العشاء هناك في بيت الحاج "إسماعيل".

اتفق معه في كلامه، فردد بتحيرٍ:

-أيوه، أومال حصل إيه؟

نظرة جانبية سريعة منحها له قبل أن يعاود النظر إليها قائلاً:

-دلوقتي نسألها ونعرف.

غمغم "هيثم" في توجسٍ:

-ربنا يستر ومايكونش قل بأصله.

أومأ بحاجبه هاتفًا:

-هيبان.

انتظرا قدومها إليهما، وبادر "هيثم" بسؤالها أولاً في نبرة مهتمة:

-السلام عليكم، إيه الأخبار يا حماتي؟

لم تتطلع إليه وهي ترد في وجومٍ مريب:

-جهز العربية يا ابني، احنا ماشيين.

لاحقها "تميم" بأسئلته متوقعًا حدوث الأسوأ معها:

-ماشيين ليه؟ حصل إيه؟ حد اتعرضلك ولا ضايقك؟

توقفت عن المشي لتستدير ناحيته، ثم أخبرته بما أصابه بالمزيد من الحيرة:

-لأ، بس قُعدنا مالوش لازمة ...

أبعدت نظراتها عنه، وأكملت كلامها في جديةٍ منزعجة:

-أنا هاخش أنادي على أخويا والبنات خلينا نلحق نمسك الطريق قبل ما الدنيا تضلم علينا.

لم يعقب أحدهما عليها، ظلا صامتين إلى أن غادرت، فاستطرد "تميم" مخاطبًا ابن خالته:

-شكل الموضوع كبير.

ربت "هيثم" على كتفه قائلاً بهزة واضحة من رأسه:

-الظاهر كده.

.................................................. ............

الكدمات والتورمات التي افترشت أنحاء جسده، جعلته عاجزًا عن إيقاف شعوره بالألم، خاصة مع حركته العنيفة والمقاومة للقيد الإجباري المفروض عليه، حاول "حُسني" تحرير معصميه؛ لكنهما كانا مثبتان بحبلٍ غليظ في مسندي الكرسي الخشبي المربوط فيه، انتفض بصدره في قوةٍ، علَّ بمحاولته اليائسة يزحزح الأربطة عنه، ورغم ذلك المجهود الكبير إلا أنه فشل أيضًا. جال بنظراتٍ جمعت بين الخوف والترقب المكان من حوله، فلم يتبين سوى تفاصيلٍ قليلة منه، حيث كانت الإضاءة باهتة، الجدران مطلية بلونٍ داكن، لم يستطع تحديد ماهيته، القش، الأقفاص، الألواح الخشبية، وبعض الكراكيب القديمة متناثرة هنا وهناك. تخشب في جلسته غير المريحة على الإطلاق وقد سمع صوت همهمات خارجية، أدار رأسه في اتجاه مصدر الصوت، وتجمدت عيناه على بابٍ معدنيٍ يُسحب للأعلى، برزت حدقتاه على اتساعهما عندما رأى الاثنين اللذين تصارعا معه عند منزل "خليل"، رغم انحباس نبرته في البداية وتحشرجها إلا أنه صرخ فيهما بتشنجٍ:

-أنا فين؟ وإنتو مين؟

ضحك "حمص" هازئًا منه، فواصل صياحه الهادر:

-خاطفيني ليه؟ بيني وبينكم إيه؟

تبادل "شيكاغو" الضحك مع رفيقه مما استفز مشاعره، وأغاظه، لهذا هدر مهددًا:

-ده أنا هوديكم في داهية!

مسح "حمص" على صدره في حركة دائرية، وأخبره بانتشاء مستمتع بإذاقته صنوف العذاب:

-احنا الداهية يا (...).

تحقيره، والتقليل من شأنه استثار أعصابه بسهولة، لذا رد عليه بنبرة هجومية:

-فكني وأنا هوريك مقامك يا (...).

دنا منه "شيكاغو"، وربت على صدغه بما بدا أشبه بالصفعات القاسية وهو يحذره:

-ما تخدش الموضوع على صدرك أوي بدل ما تندم.

التهبت بشرته، وظهرت أثار أصابعه على خده، فصرخ فيه بغلٍ:

-إبعد إيدك، ده أنا هقتلك.

كركر ضاحكًا قبل أن يبتر الضحكات المصطنعة ليقول بنوعٍ من الاحتقار:

-مش هتعرف.

استمر "حُسني" على صياحه الحانق لاعنًا الاثنين بكلمات نابية:

-فكوني يا شوية (...)، ده أنا هطلع (....).

كتف "حمص" ساعديه أمام صدره، ورفع كفه ليمسح به على طرف ذقنه سائلاً رفيقه بنظرة ميتة:

-هنسيبه يغلط فينا كده؟

توحشت عينا "شيكاغو" بشكلٍ مرعب حين تكلم بابتسامةٍ أبرزت نزعته المبيتة للإيذاء:

-لأ طبعًا، المعلم قال إيه، اللي يغلط يتأدب، وبالأصول.

علق عليه "حمص" بتأيدٍ مبطن:

-يبقى واجب نعرفه أصول منطقتنا.

النظرات الوحشية التي قرأها في وجهيهما أوحت بشرٍ مستطر، هوى قلبه بين قدميه، وهلل متسائلاً بفزعٍ:

-هتعملوا إيه؟!

زادت بسمة "شيكاغو" اتساعًا قبل أن يميل ناحيته، ليدنو من أذنه، ثم هسهس له بفحيح كالأفعى:

-إنت ضيفنا، وإكرام الضيف ....

برودة قارصة حلت ببدن "حُسني"، خاصة حين أتم جملته بنفس الصوت الخافت المفعم بالشراسة:

-واجب علينا.

.................................................. ..........

استطالت فترة الصمت، وما تردد من بضعة عبارات طوال مسافة الطريق كان موجزًا، مُحايدًا، لا يشير إلى موضوعٍ بعينه، حتى نظراته إليها كانت إلى حدٍ ما متباعدة؛ وكأن هناك ما يسعى لإخفائه عنها بتجنبها. تنامى هذا الشعور بداخلها وهو يميل على خالها عند مفترق كل إشارة ليكلمه بصوتٍ خفيض، عجزت عن تفسير ما يتردد خلاله.

أما عن والدتها فكانت أبعد ما يكون عنها، نظراتها تائهة، ملامحها واجمة، بالكاد تمنع نفسها من البكاء العميق، فقط تخونها الدموع بين الفنية والأخرى، فتمسحها بمنديلها الورقي المهترئ دون أن تنبس بكلمة. لم تستطع مقاومة الفضول المستعر بداخلها، فتساءلت عاليًا، لتبوح بما يعتمر رأسها من أسئلة متصارعة، لا تجد لها أي أجوبة:

-في إيه يا جماعة؟ هو حصل حاجة؟

التفت "خليل" برأسه ناحيتها لينظر إليها، وقال نافيًا بلا ابتسامٍ:

-لأ .. كله تمـ..ام.

دققت النظر في وجهه، فرأت التردد ظاهرًا عليه، بل إنه تحاشى إطالة النظر، وهرب بعينيه منها، فتساءلت بغير اقتناعٍ:

-متأكدين؟ أصل حاسة إن في حاجة غلط، أو إنتو مخبيين عنا حاجة؟

الكذب عليها لم يكن متاحًا لديه، لهذا كان الحل الأسلم له التزام السكوت، وادعاء انشغاله بالقيادة، وذلك ما لم ينطلِ عليها! أولت وجهها نحو والدتها تسألها في إلحاحٍ:

-وبعدين يا ماما إنتي مشيتي بدري ليه؟

جمدت "آمنة" نظراتها على الطريق، ولم تعقب، فاستمرت ابنتها تسألها:

-مش المفروض بنقعد الـ 3 أيام؟

محاصرتها بالأسئلة لن يأتي بفائدة، هربت من هذه الضغوطات بصياحها المزعوج:

-خلاص بقى يا "فيروزة" هو تحقيق؟ أنا دماغي مش فايقة!

تعجبت من ردة فعلها المبالغ فيها، المناقضة لما كانت عليه باكر، خاصة أنها من كانت توصيها طوال طريق الذهاب بالصبر، وعدم افتعال المشاكل، إن مكثوا لمدة أطول في البلدة. هزت رأسها دون أن تشبع فضولها، ورددت:

-طيب يا ماما.

ألصقت "فيروزة" حقيبتها بصدرها، وراحت تتأمل الطريق من جانبها، وهي تخبر نفسها في نبرة عازمة:

-عمومًا .. لو في حاجة، فأنا مسيري أعرفها.

..................................................

تهادت سرعة السيارة، وتباطأت حين انعطفت من الشارع الرئيسي، لتتجه إلى الطريق الجانبي المؤدي إلى البناية. أوقفها "تميم" بمحاذاة الرصيف، ثم ترجل أولاً، دون أن يُبطل محركها، ومسح المكان بنظراتٍ فاحصة، متأملة قبل أن ينطق في صوتٍ هادئ:

-حمدلله على السلامة، اتفضلوا.

عندئذ ترجلت والدتها دون أن تنطق بشيء كعادتها الغريبة في الساعات الأخيرة، ولحقت بها الصغيرة "رقية"، في حين استعدت "فيروزة" للنزول بعدهما؛ لكنها لمحت بطرف عينها يد "تميم" وهي تمتد لتضغط على جانب ذراع خالها، كأنها إشارة خفية لأمر ما، فمكث الأخير في مكانه دون حراكٍ، ضاقت عيناها باسترابة، ولم تمرر ذلك على خير، تعمدت التلكؤ وهي تترجل من جانبها، وحانت منها التفاتة جادة ناحيته؛ لكنه لم يكن ناظرًا في اتجاهها، وهذا شيء غريب، غير مستساغٍ عليها! انتبهت إلى صوته يقول بعد نحنحة سريعة:

-أنا عاوزك في مشوار كده يا عم "خليل".

تركز بصرها على خالها، ورأته وهو يومئ برأسه قائلاً دون جدالٍ:

-طيب.

استُثير شعورها بالريبة، وتضاعفت أماراته بداخلها، مررت نظراتها المتفرسة على وجهي كليهما، وباتت شبه متأكدة أنهما يخفيان عنها أمر ما. لفت حول مقدمة السيارة، ومنعت "تميم" من ركوبها، بوضع يدها على بابها المجاور له، حملق فيها مندهشًا، وحاول الفرار من نظراتها المتشككة عندما سألته مباشرة:

-إنت واخده ورايح على فين؟

حك طرف ذقنه قائلاً بصوتٍ هادئ، وعيناه تحاولان ألا تنظر إليها:

-مشوار على السريع.

انعقد حاجباها بشكلٍ واضح، مما زادها بأسًا على بأس، خاصة وهي تلاحقه بسؤالها التالي:

-أيوه فين يعني؟

أعطاها ردًا شبه مراوغ وهو يشير بيده:

-حتة مش بعيدة، جمبنا هنا.

ضاقت عينها بمزيدٍ من الشك، وسألته:

-ليه؟

قبل أن يفكر في منحها الجواب المناسب، حذرته مشيرة بسبابته:

-ويا ريت تكون واضح معايا.

التحايل عليها، وحياكة الأكاذيب لم يكن خيارًا مطروحًا، لهذا لم يجد بدًا من الاعتراف لها على مضضٍ:

-هنقابل قريبه.

كل لبيب بالإشارة يفهم، خمنت دون الحاجة للتفكير هوية الشخص المقصود، وأفصحت عنه علنًا في صيغة متسائلة:

-خال "رقية"؟

قال متجهمًا:

-أيوه.

منحته نظرة غامضة، تحوي غضبًا واضحًا، قد أخذ في التجمع في حدقتيها اللامعتين، قبل أن تتراجع من مكانها، لتعود إلى مقعدها بالسيارة وهي تردد في حسمٍ حازم:

-أنا جاية معاكو.

احتج على قرارها غير الصائب هاتفًا في صدمةٍ:

-استني بس، مافيش داعي لوجودك، ده الموضوع هننهيه في السريع.

أغلقت الباب من خلفها بقوةٍ، ونظرت إليه من نافذتها صائحة بعنادٍ أحمق:

-حتى لو هتخلصه في دقيقة، برضوه هاروح معاكو، فمتحاولش تمنعني.

استند بقبضتيه على إطار نافذتها، ورمقها بنظرة معترضة معلقًا في انزعاجٍ:

-إنتي عنادية أوي، وده ماينفعش، احنا مش رايحين نهزر.

بادلته نظرة أكثر عِندًا وهي ترد:

-ومين قالك إني رايحة ألعب؟ أنا رجلي على رجلكم.

أطبق على شفتيه مانعًا نفسه من الكلام المنفعل لحظتها، فنظرت إليه في تحدٍ وهي تأمره:

-ويالا عشان مانتأخرش.

تحلى مضطرًا بفضيلة الصبر، وسحب قبضتيه من على الإطار، ليردد في جديةٍ اكتسبتها نبرته وملامحها:

-ماشي يا أبلة.

كانت تعلم في قرارة نفسها أنه لم يكن راضيًا عن تصرفها المعاند له، وذلك لحرصه الواضح على عدم تعرضها للأذى، ومع هذا أصرت على الحضور، لتكون على رؤوس الأشهاد فيما سيحدث لاحقًا.

.................................................. .....

ما قيل عنه بأنه مكان قريب بداية الكذب، والخداع، وربما كشف خطورة الأمر المخبئ عنها. غامت تعابير وجه "فيروزة" وهي ترى السيارة تبتعد عن العمران، لتخرج نحو الطرق السريعة، قبل أن تنحرف في طريق جانبي، بالكاد لمحته، لتنطلق لما يقرب من عشرة دقائق وسط ما يعرف باسم طريق الملاحات. تباطأت السرعة بالتدريج حينما اقتربت من مكانٍ شبه مهجور، في قلب الأحواض المائية، دارت بعينيها في المحيط الغريب الذي كانت تراه للمرة الأولى في حياتها، شعرت بالخوف يتسرب إليها، برعدةٍ خفيفة تضرب بدنها، قاومت هذا الشعور، ونظرت إلى "تميم" الذي استطرد مخاطبًا الاثنين:

-احنا وصلنا.

ترجل أولاً ليلف حول مقدمة السيارة، حتى يساعد خالها على النزول، بينما تمهلت "فيروزة" في حركتها خشية ألا تزل قدماها على تلك الأرضية الطينية، وتتعرقل في سيرها. تساءلت في فضولٍ يشوبه التوجس:

-هو احنا جايين هنا ليه؟

ساد في نظرته إليها الأسف والضيق معًا، الأسف لكونها سترى جانبًا شبه إجرامي فيه لا يجيد السيطرة عليه حين تمس المخاطر أحبائه، والضيق لأنها ستعرف ما حرص على إخفائه عنها، لتحسين صورة خالها. تنفس "تميم" بعمقٍ، وأنذرها –كنوعٍ من التمهيد- قبل أن يتقدم في خطواته نحو الباب المعدني الموصود:

-بصي يا أبلة، الشخصية اللي هتشوفيها مش ملاك، ولا حد يستاهل المعروف، فخدي بالك.

توقعت حدوث الأسوأ، وقالت بعفويةٍ:

-شكل في مصيبة حاصلة جوا.

لم يعطها الرد الشافي، وترك لها حرية تحديد مدى السوء بناءً على ما ستراه. كور قبضته، ودق على الباب المعدني بقوةٍ رن صداها في الفراغ الممتد وهو يهدر بصوتٍ أجش:

-افتحوا يا رجالة.

ما هي إلا لحظاتٍ، وسمع ثلاثتهم صوت الأقفال وهي تفتح من الداخل، ليظهر بعدها "ناجي" مرحبًا:

-منور يا سيد المعلمين.

تفاجأ بوجود "فيروزة" معه، ونظر إلى رفيقه نظرة متعجبة مستنكرة الإتيان بها إلى هنا، فما كان منه إلا أن قَلِب ملامح وجهه وهو يغمغم بصوتٍ شبه خافت:

-متسألش.

رائحة عطنة، مع روائح أخرى غير مستحبة عبقت الهواء فجأة، وتفشت فيه، لذا وضعت "فيروزة" يدها على أنفها لتسده، وتمنع تلك الرائحة المنفرة من النفاذ إلى رئتيها، والتأثير على معدتها التي تقلصت، وانقلبت. واصلت السير خلف الرجال، وهي تجاهد لمنع شعورها بالغثيان، تغلبت مرة واحدة على هذه الأحاسيس المنفرة عندما رأت –من على بعدٍ- وجه "حُسني" مكدومًا، وغارقًا في دمائه، اتسعت عيناها ذهولاً، وتسمرت في مكانها لهنيهة حتى تستوعب ما يدور، ثم صاحت بعدها في استهجانٍ شديد:

-إيه اللي بيحصل هنا؟

انخفضت عيناها لتتأمله وهو مقيدٌ كالبهائم في مقعده، تراجع "تميم" في خطواته، بعد أن رأى ما اعتلى قسماتها من غضبٍ صريح، واتجه إليها، ليكون في مواجهتها، وقبل أن يفكر في تفسير أي شيء، تابعت استنكارها الصارخ موجهة أصابع الاتهام إليه تحديدًا:

-عشان كده مكونتش عاوزني أجي؟ ده اللي هتحل بيه الموضوع بشكل ودي؟

قبل أن يبرر أي شيء استأنفت هجومها المنفعل:

-لأ طبعًا، ده بالبلطجة، وشغل الفتونة، ولوي الدراع!!

رغم اختناق الجو بهذه الرائحة المقرفة، إلا أنه تنفس بعمقٍ ليثبط أي انفعالات تستثار حاليًا بداخله، خاصة أنها تعنفه أمام رجاله، وقال بهدوءٍ ممتزج بقدرٍ من التشنج:

-في أشكال ماينفعش معاها إلا العين الحمرة.

هاجمته بنفس الأسلوب المتعصب:

-أه وبعدين، هتنتهي على إيه؟

نظر لها بعينين محتدتان، فواصلت لومه وتقريعه بغلظةٍ:

-ترجع السجن تاني، وتكمل اللي باقي من عمرك محبوس، وتبقى الحكاية خلصت على كده.

حذرها بصوتٍ هادئ لكنه حازم:

-خلي الخناق بعدين، مش وقته.

رفعت إصبعها أمام وجهه تنذره في تشددٍ، وملامحه قد اشتعلت على الأخير من طريقتها:

-إنت لو هتستمر على الأسلوب ده في أي مشكلة تقابلك، يبقى أنا محتاجة أعيد تفكير في حاجات كتير.

سحب نفسًا آخرًا عميقًا، قبل أن يلفظه دفعة واحدة، ليقول برجاءٍ مهذبٍ:

-يا أبلة متكبريش الموضوع.

صاحت في سخطٍ ساخر:

-أكبره؟ ده على أساس إن خطف الناس حاجة عادية؟

بالكاد ضبط أعصابه لئلا تنفلت، ورد مبررًا الإمساك به:

-هو اللي جه لحد عندي برجليه، أنا مقربتش منه.

أمرته في غير مزاحٍ، وبنظرة صارمة تملأ وجهها:

-خلي رجالتك تفكه.

حدجها بنظرة غريبة، توقعت فيها أن يرفض ما قالته؛ لكنه خالف توقعاتها، ونطق في عبوسٍ بائن:

-ماشي كلامك.

اندهشت من تصرفه رغم حالة الاستياء المسيطرة عليها، وتتبعته بنظراتٍ محتقنة، وهو يأمر رجاله بتحرير "حُسني"، انتفض الأخير ناهضًا من على المقعد وهو يشعر بخوار ساقيه، بالكاد وقف على قدميه، وانطلق مهددًا في عدائية صريحة:

-ده أنا هوديكم في داهية، هسجنكم كلكم ....

تجمدت نظراته على خالها، وهو يكمل تهديده بإهانةٍ قاسية:

-وأولكم "خليل" الكلب.

شهقت "فيروزة" في استنكارٍ، بينما هاجت الدماء في عروق "تميم" وهو يحذره بغلظةٍ:

-ماتغلطش فيه بدل ما أقص لسانك.

تصنع "حُسني" الضحك، وهدر هازئًا منه:

-الفتوة الدكر ظهر يا جدعان ....

اشتاطت نظرات "تميم"، واكتست بحمرة أكثر غضبًا وحقدًا عندما تطاول متجرئًا على امرأته:

-لأ وجايب السنيورة تتفرج عليا، نِمرة حلوة تكسب بيها بونط .. حلو أوي، عشان تتحطوا في الكلبش لوكشة واحدة.

ردّه عن الانقضاض عليه كان صعبًا، خاصة مع تحفزه الواضح للفتك به، اندفعت "فيروزة" للأمام، وتجاوزت الرجال لتخاطبه في صوتٍ مرتفع، حتى ينتبه لها:

-اتكلم معايا أنا.

تحولت نظرات "حُسني" ناحيتها، وأخذ يُطالعها بغموضٍ، أحست بنظراته غير المريحة عليها، والأصعب من ذلك إحساسها بالغليان المندلع حاليًا في "تميم" جراء ما تفعله، تغاضت عن هذا التفكير الموتر لتسأله بثباتٍ:

-عاوز إيه؟

أخذها على محمل الجد، وجاوبها بنظرات قوية مسلطة عليها كالصقر:

-حقي كله.

حاولت تهديده لردعه، فقالت متحدية، كمن تناظره في القوة:

-إنت لو مفكر إنك بكده هتاخد "رقية" مننا تبقى غلطان، أولاً لأن القانون آ....

قاطعها بتلميحٍ شبه فج جعل وجهها يحمر حرجًا من جراءته:

-القانون ده لا مؤاخذة تبليه، وآ....

قبل أن يتم جملته الوقحة نسبيًا، هدر "تميم" مانعًا إياه من التفوه بأي إساءات نابية وهو يندفع قبالته:

-لسانك لو طول معاها هاقطعه.

تنفست "فيروزة" الصعداء لوجوده بقربها، فكيف سيكون التصرف إن وجه إليها ما لا يُسر من القول؟ سعت إلى لملمة الأمور قبل أن تتفاقم، وأعادت لغة الحوار إلى مسارها بنقاشه:

-إيه طلباتك؟

اتجهت عينا "حُسني" إلى "خليل"، وجاوبها مباشرة:

-وصولات الأمانة اللي مع خالك ...

صمت للحظة قبل أن يكمل في ابتسامةٍ لئيمة:

-بفوايدها.

هنا صاح "خليل" محتجًا في حقدٍ:

-إيـه الكـ..لام ده، أنا سـ..ددت نص القيمة.

اخشوشنت نبرة "حُسني" وهو يهب معترضًا على احتجاجه:

-وحق غربتي؟ والنصباية اللي اتعملت عليا منك؟

اِربد وجه "خليل" بالغيظ، وشعر بالضآلة وسره يُكشف على العلن، لم ترغب "فيروزة" في رؤية خالها في موقف العاجز الذليل، وتكلمت مرة أخرى تسأله:

-كام يعني؟

كأن الحظ ابتسم له بعد فترةٍ من الفقر المدقع، كانت تلك فرصته الذهبية للظفر بما يؤمن به مستقبله لسنواتٍ قادمة، فلا يمد يده، أو يُصاب بالعوز، عاد شعوره بالزهو يغمر جسده المتألم، حتى أنه تناسى أوجاعه مع الأحلام الطامعة التي اجتاحت عقله، أدار رأسه ناحيتها، كما التمع في عينيه الحقودتين وهجًا خبيثًا وهو يقوس ثغره قائلاً بجديةٍ:

-نص مليون جنية يا قُطة ......................................... !!

.................................................. ........


منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
قديم 09-10-21, 01:16 AM   #1190

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


شكرًا على التفاعل الطيب من حضراتكم وعلى تعليقاتكم الداعمة ♥


منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:13 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.