شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء) (https://www.rewity.com/forum/f394/)
-   -   وفي القلب أمنية (1) .. سلسلة ثلاثية الجسر *مكتملة * (https://www.rewity.com/forum/t468993.html)

أمل بركات 28-04-20 09:09 PM

اللهم بارك لنا في رمضان وبلغنا ليلة القدر

أمل بركات 29-04-20 09:57 PM

الفصل الثاني عشر
( لحظة السقوط)
.....................................
حزن يتخلل آهاتي
ينفذ من قلبي كالنيران
يلتهم جدران الشوق
كالحمم من بين البركان
يأسرني في بحر التيه
والموج حولي كالقضبان
الماء كأشباح الظلمة
لا يابس فيه أو شطآن
لا صوت يحلق بسماءه
غير نعيق الغربان
عيناي زاغت بالأرجاء
فتشتت جسدي كالحيران
انتفضت كل أوصاله
نثرتني كبقايا إنسان
حاولت ألملم أشلائي
لكن صارت طي النسيان
جربت البحث عن مكاني
فوجدت أني بلا عنوان
.....................................
عندما يأسرنا الهمّ لن تتمكن المناسبات السعيدة من تغيير الحال , لأن القلب هو من أُسر , فكيف له بمتعة هو بمنأى عن رؤيتها ؟
التف الجميع حول الكعكة التي طُبعت صورة صاحبتها عليها , انطفأت المصابيح , لترك الفرصة للشموع وهتف الجميع بأغاني أعياد الميلاد , ثم قرّب الوالدان صغيرتهما من الكعكة لتطفىء الشمعات الخمس بنفسها , وتستأنف استقبال الهدايا التي انهالت عليها من جميع أقاربها ، كان بيتهما الفاره يعج بعائلتيهما , لحضور تلك المناسبة الجميلة , ونظرًا لبعد بيتهما عن القاهرة كان لابد من مكوث عائلة دينا لليوم التالي ، قامت دينا بتقطيع الكعكة لرص قطعها في أطباق التقديم مع أنواع أخرى من الحلوى والمخبوزات فيما قام زوجها وكذا حماتها بتوزيع الأطباق على الحضور .
ــ أم ريم ... يا أم ريم ... هتف دكتور كامل و هو يقدم طبق الحلوى لأمنية .
التفتت له أمنية و التقطت طبقها ثم شكرته قائلة :
ــ شكرًا لك , كل عام وهي بخير ... عادت لشرودها من جديد , فقد كانت تجلس قرب الباب الزجاجي للشرفة , تركت الضجيج و نظرت من خلال الزجاج لتلك السجادة المعتمة التي ازدانت بوجود القمر والنجوم ، لم تكن بخير أبدًا , كادت الأفكار تفتك بها , لم تستفق إلا على سقوط طبق الحلوى منها و تحطمه على الأرض , وشى ذلك الصوت عنها للجميع فالتفتوا لها مما زاد إحراجها , اتجهت نحوها دينا و ربتت على كتفها قائلة :
ــ لا عليكِ يا حبيبتى .. تفحصتها بنظراتها ثم قالت : هل أصابكِ أذى ؟
أومأت أمنية بلا وقالت معتذرة :
ــ أنا آسفة ؛ لم أقصد ... همّت بالتقاط القطع المتناثرة لكن دينا منعتها وجذبتها من ذراعها قائلة : سأنادي على معاونة المنزل لتقوم بتلك المهمة ...ثم نادت , جائتها على الفور و قامت بالمطلوب كما ينبغى .
أتى آدم ليطمئن على أمنية , تفحص قسماتها التي وشت بالكثير , نظر لعينيها قائلًا : ــ هل أنتِ بخير ؟ تذكر حالتها منذ يومين عندما تعبت بدون مقدمات وحتى قبل أن تعلم كنه هدية جنى , حدث نفسه قائلًا :
ــ إذن الموضوع أكبر من العلبة الحمراء التي وجدتها .
ــ أومأت بنعم , فقال : لا أعلم ما الذي قلب كيانك ؛ منذ يومين وأنتِ بهذه الحالة . .. أشاحت أمنية بوجهها بعيدًا عنه , فاقترب منها وقال :
ــ إن أردتِ الراحة , اذهبي إلى غرفة النوم ... ردت بصوت خفيض :
ــ سأفعل , لا تقلق بشأني ... تركها وعاد أدراجه .
جائت نور لتشاهد ماحدث , رمقت أمنية بنظرات شامتة ثم ضحكت وقالت ساخرة : ــ لقد أنهى ولداي طبقيهما دون أن يشعر أحد , لم أكن أعلم أنكِ من هواة لفت النظر و .... قاطعتها دينا قائلة : يكفى هذا ..
جذبت أختها من ذراعها بعيدًا عن تلك التي اندست داخل الكرسي و كأنها تسأله ابتلاعها كي لا ترى عينيها مجددًا وعقلها مشتّت لم يمكّنها من الرد عليها .
أخذتها لإحدى الغرف ثم أغلقت الباب وقالت ممتعضة :
ــ لقد أحرجتها ، ردت نور وهي عاقدة ذراعيها فوق صدرها :
ــ تستحق الضرب وليس الإحراج فقط , أشارت لدينا بيدها سائلة :
ــ كيف تأخذينني بهذا الشكل أمام الموجودين ؟
وضعت دينا أحد كفيها على رأسها في محاولة لتصديق ما حدث , قالت :
ــ يا إلهي , لم تتغيري يا نور .
رفعت نور أحد حاجبيها وقالت :
ــ هه , هل أخذتيني معك لتعلمينني الأدب ؟
لم تكد تصدق ما تسمعه من أختها , فسألتها :
ــ ماذا فعلت أمنية لكِ ؟
صاحت نور قائلة : إنها مخادعة و لئيمة , صمتت نور قليلاً ثم تابعت :
ــ سيتم فضح أمرها قريبًا , وسأتولى أنا إزالة قناعها أمام الجميع .
ــ ماذا ؟ ... قالتها دينا وقد ضيّقت عينيها لمحاولة تخمين قصد أختها , أشاحت نور بوجهها بعيدًا ولم ترد فسألتها دينا :
ــ لِما لا تعدينها أختنا ؟ منذ انضمامها للعائلة لم نرى منها سوى الطيبة .
ــ هه , طيبة ... ردت نور ثم تابعت ساخرة :
ــ أيتها المسكينة , ابتلعتِ طُعمها كما فعل الجميع ، مسحت دينا جبهتها بكفها قائلة : ــ لا أعلم كيف سمحت لكِ أمي بالتمادي معها هكذا ؟
صاحت نور قائلة :
ــ لأنني ابنتها البارة التي لا تتوانى عن زيارتها ورعايتها ... تابعت وهي ترمق دينا بنظراتها : لم ابتعد كما فعلتِ أنتِ وتركتينا .
هزّت دينا رأسها نافية , ابتسمت لتحاول السيطرة على غضبها لا سيّما أنها تقف أمام أختها الكبرى :
ــ لم ابتعد , أهاتف أمى يوميًا وأزورها حين تتسنى لي الفرصة , فأنتِ تعلمين انشغالي .... زفرت متابعة : تواصلي معهم لا يعني اقتحامي لعالمهم , لابد أن أضع للود مكان في علاقتي بزوجة أخي .
امتقع وجه نور لسماعها ذلك فصاحت بدينا :
ــ إلام ترمي ؟ أنسيتِ أنني أختك الكبرى ؟
لا ؛ لم أنسى ... تابعت وهي تشير بكفيها : لكل منا منهجه في الحياة ..... اتجهت نحو الباب ثم قالت : هيا بنا حتى لا تقلق أمي .
.................................................. ...
الأمومة أسمى معنى للحب اللا مشروط , ومع ذلك هناك من تود كبح طموحات ولدها , أخرى تتفنن في قمع آراء ابنتها , هذه تملي على ابنها كيف يتحرك ويتحدث , أما تلك فقد وضعت ركنه السري داخل مساحتها الخاصة لتعلم أسراره بين الفينة و الأخرى مبررة أنه لا أسرار بين الأم وابنها ... لكن مهلًا , هلا سألنا هؤلاء الأبناء عمّا يودون فعله بعيدًا عن أمهاتهم ؟
انتهت من إعداد قهوته ثم دلفت لغرفة المكتب حيث كان مشغول مع أوراقه , وضعت الفنجان وعلى وجهها العبوس , نظر لها يتفحص قسماتها وقبل أن ترحل نادى عليها :
ــ رغدة ، استدرات له وهي قاطبة جبينها , فعدّل عويناته وقال :
ــ تفضلي بالجلوس و احكِ لي ما يزعجك .
رفعت أحد حاجبيها قائلة :
ــ من منّا عليه أن يحكي للآخر ؟
ترك ما بيده من أوراق و ضيّق عينيه قائلًا :
ــ لم أفهمك .
ــ كيف تفهمني ؟ وقد باتت لك أسرار بمنأى عنّي .... زفرت بضيق ثم قالت : ألهذه الدرجة صرت بعيدة عنك يا جمال ؟
ــ بعيدة ؟! قالها وهو يقلّب ذاكرته عن سبب قولها ذلك، أشار بيده على الكرسي قائلاّ : اجلسي حبيبتي , ولتهدأي أرجوكِ .
تناول فنجان قهوته وظل يرشف منه وينظر لعينيها علّه يخمن سبب غضبها , طاف بعقله حوار مازن معها ثم انفراده به دون معرفتها بما آل إليه الحديث ... هزّ رأسه موافقاً تخمينه ثم قال :
ــ هل رأيتِ مازن اليوم ؟
مطت شفتيها قائلة :
ــ أراه كل يوم وكل ليلة ... أشارت بيدها قائلة : ماهذا السؤال ؟
ضحك قائلًا :
ــ قصدت ؛ هل تحدثتِ معه ؟
ــ ولِما أتحدث معه .... رفعت كتفيها متابعة : لن أكلمه حتى يتعلم الأدب .
ــ اممم , ألم يحاول مصالحتك ؟ سألها بهدوء .
بلى ؛ فعل .... تنحنحت متابعة : لكنني لن أقبل أي اعتذار بعد قلة أدبه معي بالحوار ... أشارت بسبابتها نحو جمال قائلة :
ــ حتى أنت لم توبخه على ذلك بل أخذته هنا تتحاور معه ولا أعلم حتى الآن ما دار بينكما
ــ أردت أن أعلم مايحتاجه , أوليس له علينا حق ؟ تابع وهو يمسح بكفه سطح المكتب : هو قطعة منّا بالنهاية .
ــ إن كان يفعل ذلك قبل الزواج , ماذا سيفعل بعد زواجه وسنكون بنفس البيت ؟ قالتها منزعجة .
ــ لا ؛ لن يحدث ! قالها جمال وصمت .
ضيّقت عينيها مستفهمة :
ــ ما الذي لن يحدث ؟
ــ مكوثه معنا بنفس البيت .. ما إن نطقها جمال حتى شهقت رغدة قائلة :
ــ ماذا قلت ؟ تنحنح جمال قائلًا :
ــ سيعيش بالمكان الذي سيختاره بعيدًا عنّا .
ــ وماذا عن الأرض ؟ سألته وقد اتسعت حدقتاها .
نظر جمال للأوراق الموجودة على المكتب ثم قال :
ــ سنقوم بعمل مشروع ضخم بمشاركة عدد من رجال الأعمال .
صاحت رغدة :
ــ يا ويحي , سمعت لذاك السفيه وحرمتني من أن أصبح حماة و جدة وخططت معه لكل شيء دون الرجوع إلي ، تأفّف جمال قائلًا : ستكونين بالفعل ولن يفرق معكِ مكان سكنه ... تابع ممتعضًا : لا أعلم سبب إصرارك على معاملته بهذه الطريقة ؟
أشارت بسبابتها نحوه قائلة :
ــ أنت تفسد كل ما أفعله بتدليله ، هزّ رأسه نافيًا ثم قال :
ــ بل أصلح ما تحاولين إفساده .
ــ هل أصبحت مصدر الإفساد في هذا البيت ؟ استكملت وقد ترقرقت العبرات عينيها : لقد دمرتما كل ما كنت أحلم به , ألا يحق لي أن أكون حماة وأنعم بوجود أحفادي حولي مثل إخوانِ و بنات خالاتي ؟
ران عليهما بعض الصمت , قطعه جمال قائلًا :
ــ لقد تغيرت دفة الحديث و حاد مساره عما نرجوه .
لم ترد رغدة , فتابع جمال : لقد كبر مازن ولم يعد ذاك الطفل الذي تنتظرين طاعته لأوامرك دون جدال .
ــ لكنّني أمه .... تابعت وهي تبكي : أم أنكما نسيتما ذلك .... ... قام و اتجه نحوها ثم قبّل رأسها قائلًا :
ــ أنتِ أهم شخص , لا حرمنا الله منك , أهدأي أرجوكِ .
ــ أمنية هي ابنتي البارة التي تسمع كلامي ولا تعصيه أبدًا ... قالتها وسط نهنهاتها.
شرد جمال فيما قالته وتذكر أمنية محدثًا نفسه :أرجو أن تكوني على مايرام يا ابنتي.
.................................................. ........
ينادي القدر لصاحبه كي يؤكد له أنه لا يملك الاختيار , على عكس الشبهات التي لطالما عهدناها اختيار طائش ناجم عن سوء التصرف , لكن ماذا سيحدث إن نادتنا الشبهات رغمًا عنّا لتعلن إذعاننا لرغبتها بأن نرتدي ثوبها مقسمة على أن تختمنا بختم الخطيئة ؟ ....
لم تسمع شيء رغم وجود الضجيج , الأغاني , هتاف الأطفال ولعبهم وأحاديث الكبار, ظلّت مكانها تنظر للا شيء عبر الباب الزجاجي , تتواثب الأفكار بعقلها وتعصف به والألغاز تدور أمام عينيها , بداية من العلبة المخملية التي لم تراها في حفل جنى , وعندما سألت آدم أنكر وجودها من الأساس , بل ووصفها بأنها تتوهم , شعرت بالخزي عندما أثار شكّها , تقع بين خيارين أحلاهما مر , أن تشك بنفسها , أو تشك بآدم ..أيهما تختار و كلاهما صعب ؟ ... وانتهى الأمر بالرسالة , عندما تذكرت أمرها التقطت هاتفها وفتحته لتقرأها , قرأت سطورها وهي تبتسم بمرارة .
كانت نور تتابع حركاتها وتتفحص سكناتها , وكذا زوجها الذي كان يطالع جواله وهو يبتسم وعيناه تلمعان .... حدثها عقلها محفذًا إياها : ألا يبدو منظرهما مثيرًا للإهتمام ؟ يمسكان هاتفيهما ويبتسمان في نفس اللحظة ! ... اتخذت مكانًا قصيًّا لتتمكن من متابعتهما دون أن يشعرا .
أغلقت الجوال وعادت لصمتها الذي لم يلبث طويلًا فقد قطعه ذلك الواقف أمامها بطبق الحلوى وعلى ثغره ابتسامته , توترت لدى رؤيته , التقت عيناهما لكن مالبثت أن أشاحت ببصرها بعيدًا عنه .. تذكرت نور فنظرت له مستفهمة عن وقفته تلك .
قرّب إليها الطبق وهو يبتسم ثم قال :
ــ تفضلي يا أم ريم , أظنّك لم تأكلي شيئًا .
أخذت الطبق منه , حدثت نفسها قائلة : بربك ! ماذا تريد منّي ؟! .. ردت باقتضاب: ــ شكرًا أستاذ محمود , لقد أخذت حصتي بالفعل لكنه انكسر للأسف .
جلس على الكرسي المواجه لها ثم حاول تبرير ما حدث معها قائلًا :
ــ لا عليكِ , هذا شائع الحدوث ... ضحك و كأنه تذكر شيء ثم قال : لقد حدث معي نفس الشيء في حفلة أحد أصدقائي , انكسر الطبق منّي و لومتهم على إحضار أطباق قابلة للكسر في مثل تلك المناسبات , بل وطلبت تعويضًا أيضًا .
اتسعت حدقتا أمنية و سألت باهتمام :
ــ تعويض ؟! قهقه محمود حتى سعل ثم قال :
ــ لا تتعجبي ، فقد قلت لهم يقوموا بلف كل ما لذ و طاب من على المائدة لآخذها معي لنور و الولدين .
وضعت أمنية كفها على فمها فى حركة طفولية لا إرادية منها و تتابعت ضحكاتها مما جعل قلب محمود يرقص لأن حكايته أعجبتها .
أشار إلى الطبق قائلًا وهو يضحك :
ــ هيا , تناوليه بسرعة قبل أن يفكر في التحطم .
أمسكت الشوكة وهي تهزّ رأسها بنعم ثم التقطت قطعة حلوى و قربتها إلى فمها لكنها لم تشعر بالراحة لتحديقه فيها بهذا الشكل فسألته :
ــ ألن تحضر لك طبق ؟ أشار بسبابته لا ثم ضحك قائلًا :
ــ لقد التهمت طبقين إلى الآن , استمتعي أنتِ , بالهناء والعافية .
فجأة وقفت نور قبالتهما وهي تنظر لزوجها وقد رفعت حاجبيها قائلة :
ــ ماذا تفعل هنا ؟!
تبادلا محمود وأمنية النظرات ثم نظرا لتلك السمينة و ازدرد كلاهما ريقه , ثم رد محمود : ل ل ل لم أجد كراسي شاغرة , فجلست هنا .
ــ هيا بنا إلى الحديقة ... قالتها و أولتهما ظهرها لتتجه إلى الحديقة وقلبها يغلي من الغيرة وعقلها يخطط لها كيف يمكنها الإمساك بالدليل القاطع , فلحق بها محمود و سار مسرعًا .
على الجانب الآخر كانت تجلس زينب و آدم رفقة والدي كامل وأخته سمر , ظلّت تمدح جمالها و تتمنى لو عندها ابن آخر لخطبتها له على الفور , بينما كانت والدة كامل تحكي القصائد عن أخلاق دينا و أدبها الجم , فبالرغم من مكوث كل منهما ببيت منفصل إلا أن المودة لم تنقطع بل توطدت أواصرها .
لاقى حوارهما استحسان الجميع باستثناء آدم الذي لم يشعر بالراحة منذ الصباح , كلما تذكر سؤال أمنية عن العلبة الصغيرة التي أهداها لشمس و إنكاره للأمر, انقبض قلبه ... لم يود إفساد علاقتهما لا سيّما أنها لن تصدق أن الهدية مجرد رد لوليمة سابقة , ظلّ ينظر لها بين الفينة والأخرى , يتفحص شرودها , تتسارع دقات قلبه كلما رأى نظراتها الواهنة , ود لو ذهب وعانقها لكن كيف ذلك في وجود ذلك الجمع الغفير ، حدّث نفسه قائلًا :
ــ ستنسى , الأيام كفيلة بمسح تلك الذكرى من عقلها ... يود طمئنة نفسه و إسكات ضميره لعله يرتاح , لكن أنّى له وصورتها لا تفارقه , و كأنها صنعت تعويذه تلاحقه أينما ذهب .
التفت له والد كامل موجهًا له حديثه قائلًا :
ــ كيف حال عملك بالشركة ؟
ابتسم له آدم ورد :
ــ بخير الحمد لله .
ــ ولكن ألم يحن الوقت لصنع عملك الخاص ؟ سأله والد كامل ثم التقط كوب العصير ، عقد آدم جبينه ثم ابتسم قائلًا :
ــ ما زال الوقت مبكرًا على ذلك .
أشار والد كامل بسبابته لا ثم قال :
ــ عمل مكتب هندسي صغير لا يحتاج رأس مال .
رفع آدم حاجبيه قائلًا :
ــ كيف ذلك ؟ أجابه الرجل :
ــ تؤجر شقة صغيرة بغرفة واحدة بأحد الأماكن الراقية , تضع بالغرفة مكتبك و في صالتها مكتب آخر صغير لموظف الاستقبال .... و تضع لافتة كبيرة على حائط البناية من الخارج عليها رقمك و رقم المكتب و ... قاطعه آدم قائلًا :
ــ لكنه يبقى عملا حرًا , أي ... صمت ولم يكمل .
فهم الرجل مقصده فقال :
ــ تقصد ليس له معاش ثابت بعد بلوغ الستين من العمر .
أومأ آدم بنعم , فتابع الرجل :
ــ كم سيكون ذلك المعاش ؟ مهما عظم لن يجدى ...العمل الحكومى يقيدك و يأسر قدراتك , و يحيل بينك و بين إدخار الملايين .
حكّ آدم رأسه و كأنه يقلب كلام الرجل في رأسه , لا سيّما أنه مرّ بنفس التجربة منذ زمن بعيد عندما كان يعمل مهندسًا بإحدى الشركات ثم تركها وصنع مشروعه الخاص الذي نقله لعالم الأثرياء .
ضحك أبو كامل وهويطالع آدم الذي كان شارداً في كلامه , فقال :
ــ هل الأمر يستحق كل ذلك التفكير ؟
هزّ آدم رأسه وقد بدا عليه الحيرة , قال :
ــ لا أعلم ، لكنني أراها مجازفة كبيرة ، غمز له الرجل و قال :
ــ ومن يتحلى بروح المجازفة غير الشجعان ؟ صمت آدم , فتابع الرجل :
ــ فكّر فى الأمر , وإن قررت دخول عالمنا اتصل بى , لأننى أود عمل فرع لشركتنا بالقاهرة , ولن أجد من هو أفضل منك لتولي أمره .
قضب آدم جبينه وضيّق عينيه ثم قال :
ــ لكن سيكون هذا مشروعك , أين أنا ؟ و مشروعي ؟
قهقه الرجل :
ـــ سيكون مناصفًة يارجل حتى تبني عالمك الخاص .
مسّد آدم شعره ثم تنفس بعمق وقال : سأفكر بالأمر .
.........................................
إذا أيقنا أننا حين نحب نمتلك الأحبة , سنظل نقاوم أي جفاء يداهمنا عن طريقهم , مقتنعين بأننا مازلنا سويّا في درب الهوى , مقسمين على أنفسنا الحفاظ على ذاك الحب المزعوم بكل ما أوتينا من حيل ...
دلفت لغرفة أختها التي حبست نفسها داخلها منذ يومين بعد انقضاء عيد ميلادها , اقتربت منها ثم جلست على طرف السرير , ثم نظرت للمنضدة المحملة بالهدايا التي تم فتحها باستثناء واحدة رغم أنها أولى الهدايا التي حصلت عليها لكن تركتها مجهولة المحتوى حتى الآن .
ــ ألن تفتحيها ؟ سألت رنا شمس التي كانت جالسة على سريرها تعبث بهاتفها .
قالت شمس وهي ممتعضة :
ــ لا ! لن أفتحها و لا أريدها .
ابتسمت رنا لسماع ذلك و ركضت نحو المنضدة المحملة بالهدايا ثم التقطت العلبة وقالت :
ــ إذن سآخذها أنا , لقد حصلتِ على الكثير .
تركت شمس الجوال , رفعت رأسها لرنا ثم قالت :
ــ هاتيها ، لوت رنا شفتيها قائلة :
ــ ألم تفرطي فيها منذ قليل .
مدت شمس يدها قائلة :
ــ عدت في كلامي , ولتأخذي غيرها , هناك الكثير و الثمين أيضاً .
عقدت رنا جبينها وقالت :
ــ لكنني أريد هذه , فهي الوحيدة التي لم تُفتح .
ــ هاتيها ... صرخت شمس , فأعطتها إياها اختها .
فتحتها لترى خاتمًا فضيًا عليه قطعة زرقاء وكأنها زمرد , انبهرت الفتاتان من روعة الخاتم الذي بدا و كأنه ماسي , قالت رنا :
ـــ يا لجماله ..
ارتدته شمس في إصبعها و قالت وقد بدا عليها الهُيام :
ــ صاحبه أجمل , لو رأيته لما تعجبتِ ذوقه .
زفرت رنا بضيق قائلة :
ــ سيرزقك الله الأفضل لكن دعيه وشأنه .
التفتت شمس لأختها ترمقها بنظراتها من رأسها لأخمص قدميها , ولم يعجبها كلامها , فاستكملت رنا بصوت عال :
ــ ماذا تريدين من رجل متزوج ؟
وضعت شمس يدها على فم اختها التي كادت تشي بأمرها للتو , ثم قالت :
ــ هل جننتِ ؟
ــ بل أنتِ من فعل .. أشاحت رنا بيديها وتابعت : عندما تخطفين رجلًا من بيته وزوجه و تظنين أنكِ على حق ... إذن أنتِ المجنونة .
رفعت شمس أحد حاجبيها وقالت بسخرية :
ــوهل لمثلي أخذ النصيحة من مراهقة حمقاء مثلك ؟
ــ أرجوكِ , لا تفعلي ... قالتها رنا فأشاحت شمس بوجهها عنها ولم ترد , فأمسكت رنا بكفها وقالت :
ــ حتى و إن سارت الأمور على ما يرام ستتعبين , لأنك ستكونين الزوجة الثانية .
تأففت شمس قائلة :
ــ وما شأنكِ أنتِ , بالنهاية هي حياتي وأنا حرة بطريقة الاستمتاع بها .
قامت رنا من السرير وقالت وهي تتنحنح :
ــ أختي ! أنتِ بحاجة إلى ... صمتت ، رفعت شمس أحد حاجبيها قائلة :
ــ ألا أحكِ لكِ شيئاً آخر...
أشارت رنا بإصبعها لا ثم قالت :
ــ بل بحاجة إلى طبيب نفسي ، التقطت شمس وسادة ثم قذفت بها اختها وهي تصيح : اخرجي من هنا يا غبية .
خرجت رنا من الغرفة وهي تفكر بحل لتلحق أختها قبل فوات الأوان , أما شمس , ظلت تنظر للعلبة والخاتم , وتفكر كيف تستفيد منهما , لمعت في عقلها فكرة , فأمسكت الجوال لتسرع بتنفيذها .
.................................................. ......
مكان استراحة العقل هو القلب , فكل مايسمعه العقل طيلة النهار هو قرع الأجراس و الضجيج و الجدل وكل مايحتاج إليه هو السكون , والمكان الوحيد الذي يجد فيه العقل السلام هو داخل هدوء القلب , ذاك هو المكان الذي تحتاجين إليه ......طعام.. صلاة.. حب... إليزابيث جيلبرت
وضعت يدها على قلبها , تنهدت وهي تقرأ ثم تمتمت قائلة :
ــ من أين يحصل قلبي على هدوء ؟ آه لكم أحتاجه !
لم يطرق النوم باب أمنية , فاستكملت قراءة الرواية , فقد راقت لها , تشعر وكأنها تقرأ مذكرات كما تفعل هي مع دفترها ، أزعجه ضوء المصباح الصغير التي تجلس أمنية بقربه , فحاول الجلوس وهو يفرك عينيه من أثر النعاس , سألها : ــ ماذا تفعلين ؟ التفتت له أمنية و قالت :
ــ أقرأ رواية ، تثائب ثم نظر في الجوال ليعلم الوقت , ثم عاد لها قائلًا :
ــ تقرأين رواية في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ؟
عادت أمنية ببصرها للرواية وقالت :
ــ لم أشعر بالنعاس , كما أنني لم أزعجك .
أشاح بيده قائلًا :
ــ ستتعبين هكذا ... تابع وهو يتثائب : أنسيتِ أننا سنسافر في الصباح ؟
زفرت أمنية بضيق وقالت :
ــ لم يبقى على الفجر الكثير , أخفضت صوتها وتابعت : هلّا سمحت لي بالقراءة حتى يؤذن للفجر ؟
ــ لا ... قالها و تسطح على السرير و قد أولاها ظهره .
أخذت الرواية وخرجت لتقرأها في الحديقة , جلست وعادت للقراءة لكن قاطعها خطوات أحدهم , التفتت نحو مصدر الصوت , فتنحنح قائلًا :
ــ أنتِ أيضاً جافاكِ النوم مثلي ؟ .
ازدردت ريقها عندما رأته , انتفض قلبها , أغلقت الرواية واحتضنتها بذراعيها علّها تبثها بعض الطمئنينة التي افتقدتها بعد رؤيته... وقفت تنظر له بعدم استيعاب لتصرفاته ...نظر للرواية ثم ابتسم قائلًا :
ــ تعجبني ثقافتك كثيرًا ... بلعت غصتها ثم همّت بالانصراف لكنه استوقفها قائلاً : ــ لم آت لتغادري , لقد كنت بالحديقة منذ انتهاء الحفل , كنت أجلس في الجانب الآخر خلف الأشجار وما إن رأيتك سعدت كثيرًا وقلت لا ضير إن تسامرنا سويًا ...
ــ تسامرنا ؟ قالتها و زاغ بصرها هنا وهناك خوفًا من أن يراهما أحد ما ... لم تكن تعلم أن هناك من تقف خلف ستائر النافذة , تبكي بحرقة , مقسمة على أن تتخذ دليل الإيقاع بها .

أمل بركات 29-04-20 10:02 PM

الفصل الثالث عشر
( رسالة)
...........................................
إلى من علمتني الحب
إلى روحي ...
إلى عمري ....
نسجت سطورًا إلى أمي
نموت كقطعة منها ..
أشاطرها الروح والأنفاس
أرى الكون بعينيها
فأحيا بكل أمان
وأشكر خالقي قلبًا
أسكن داخله بوئام
وأدعوه بكل صلاة
يخفف عنّي آلام
ترعرعت بمرضها
لتزيد عذابي ...
عبر الأيام ...
فكل داء له دواء
يشفي جسدًا أعياه السقام
لكن دائي يختلف ..
فقد سكن جسد أغلى الناس
...............................................
يختلف ألم المرض حسب نوعه , هذا إن كان ساكنًا بجسد المريض .. لكن ماذا إن كان ساكنًا بالروح ؟ ماذا إن تألم إنسان لداء سكن أغلى مايملك أو بمعنى آخر أمّه ؟ هل هناك من مسكن يجدي نفعًا لتخفيف ذاك العذاب الذي يشعر به مع كل آه تنفرج عنها شفتيها ؟
انتهت من تحضير الحساء , ثم أخذته متجهة نحو غرفة والدتها حيث كانت جالسة على السرير تتلو القرآن وبجوارها كان محمد نائمًا, وضعت الطبق على المنضدة ثم جلست بجوارها وانتظرت حتى تنتهي من وردها .
أمسكت سحر جوالها ثم قالت :
ــ سأتصل بأختي لأرى إن كانت ستأتي ، أغلقت والدتها المصحف ثم قالت :
ــ لن تأتي , يكفيها رعاية أبنائها الخمس , أعانها الله ... هزّت سحر لموافقتها على كلام أمها ثم نحّت هاتفها جانبًا .
أعددت لكِ حساء الخضر اللذيذ ... قالتها سحر وهي تشير نحو الطبق . ــ
ابتسمت لها والدتها قائلة :
ــ شكرًا لكِ ياحبيبتي , لكنّي لست جائعة ، قطبت سحر جبينها قائلة :
ــ لكنك لم تأكلي شيئًا منذ الفطور , نظرت لساعة يدها متابعة : الساعة تشير إلى الرابعة ، تحسست أمها الجانب الأيمن من بطنها و أخذت تمسح عليه علّها تخفف من تنميله ثم قالت :
ــ من أين لي برغبة في الطعام ؟ أشعر وكأن معدتي منتفخة .
ــ ستُشفين بإذن الله يا أمي ... قالتها سحر وهي تحاول جاهدة منع الدموع من التسرب عبر مآقيها , تابعت: سنذهب غدًا لاستكمال باقي الفحوصات من أجل المضي قدمًا في العلاج .
ــ لا أود الذهاب يا سحر ... أشارت بسبابتها إلى الأعلى متابعة : الشافي هو الله , أما الأطباء ليس أمامهم سوى تضخيم الأمور للمرضى من أجل جني المال .
ابتسمت سحر بمرارة قائلة :
ــ ونعم بالله , لكن الرسول ــ صلّ الله عليه وسلم ــ أمرنا بالتداوي فلكل داء دواء يا أمي .
ــ وبعد الذهاب للطبيب , هل سيزيد عمري ؟ تابعت وهي تبتسم : لقد تجاوزت السبعين وأنهيت رسالتي بسلام معكما أنتِ و أختك و ... قاطعتها سحر قائلة :
ــ حفظك الله و أطال عمرك أمي ... اقتربت منها وطوقتها بذراعيها مستكملة :
ــ ماذا عن رسالتك مع الأحفاد ؟ أم أنكِ نسيتهم ؟
ضحكت والدتها قائلة :
ــ طمع مني أن أطلب ذلك , يكفي أنني اطمئننت عليكما ..... تنحنحت متابعة : كما أنني اشتقت للقاء أبيكما .
بكت سحر وهي متشبثة بعنق أمها , قالت وسط نشيجها :
ــ أرجوكِ لا تقولي ذلك ... لن أتحمل فراقك .
قربتها أمها منها ثم احتضنتها قائلة :
ــ الفراق سنّة كونية يا حبيبتي ولابد من الإيمان بوجودها و توقع حدوثها .
اندست سحر في أحضانها منهارة ببكاءها الحار وكأنها تطلب من الزمن التوقف عند تلك اللحظة وفي هذا الحضن الذي لا ينضب دفئه , فجأة تحسستها أنامل دقيقة تربت على كتفيها وتقول :
ــ أمي ، فقد استيقظ محمد لتوه .
التفتت له الجدة وعلى ثغرها البسمة , أخذته بجوار أمه ثم قالت :
ــ أمك منهارة يا محمد , فقلبها أرق من اللازم .
ظلت سحر منكمشة داخل حضن والدتها , حتى هدأت ... فمازحتها قائلة :
ــ يبدو أن رفيقتك أثرت عليكِ ، رفعت سحر رأسها تسألها :
ــ تقصدين أمنية ؟
أومأت أمها بنعم قائلة :
ــ لم أرَّ أحدًا تأثر بمرضي مثلك كحالها عندما جائتنا منذ يومين , جميلة و رقيقة لكنها نحفت كثيرًا عن ذي قبل ... عقدت جبينها مستكملة : لقد أحزنتني نحافتها تلك يا ابنتي .
تنهدت سحر قائلة :
ــ لقد تخطينا أنا و أمنية حدود الصداقة و اندمجت روحينا لتصبح واحدة , لذا رأيتيها متأثرة مثلي ... صمتت لبرهة تتذكر حال رفيقتها ومعانتها مع عائلة زوجها ثم ابتسمت بمرارة قائلة :
ــ هي تحب الرشاقة وتلوم علي امتلائي مؤخرًا .
ــ رشاقة ؟؟ ... تابعت أمها مستنكرة : لقد تخطت حدود الرشاقة , رفعت سبابتها محذرة سحر :
ــ إياكِ أن تفعلي كما فعلت .
عقدت سحر مابين حاجبيها قائلة :
ــ على العكس , أنا أرى أنها ازدادت جمالًا برشاقتها , بصراحة شجعتني لاتباع حمية مناسبة من أجل إنقاص وزني ... انتفضت أمها لسماع ذلك ثم قالت :
ــ سأغضب منكِ إن فعلتها .
ــ القليل فقط , لن يضر ... قالتها وهي تغمز لأمها التي طرقت على كتفها وهي تضحك من عند ابنتها .
.................................................. .......
قلب الإنسان دائما دليله وهو مصدر الحدس الذي عادةً لا يخطئ , لا يتعلق بالأمور الجيدة , بل أيضاً المصائب والفجعات لها نصيباً من همهمات القلب , ويبقى هنا السؤال الأهم , هل يمكننا حينها منع ما نتوقعه أو حتى تجنبه ؟؟....
كلما تذكرت نظرات نور وعينيها المتورمتين صباح اليوم وكأنها كانت تبكي جوار قبر أبيها طوال الليل , شعرت أن هناك أمرًا جلل سيحدث قريبًا , اتجهت إلى المكتب ثم قامت بكتابة باقي القصيدة التي شرعت في كتابتها ومن ثم قامت بنقلها في أوراق صغيرة ، وأخذت تتجول في غرفة المكتب , تلصق كل ورقة على جدار , ساعدها في ذلك نوم ريم ، عادت لغرفة النوم , لتأخذ الرواية التي كانت رفقتها طوال الليل من الحقيبة , مررت أصابعها بين الصفحات لتصل حيثما وقفت .
توأم الروح الحقيقي ليس سوى مرآة , إنه الشخص الذي يريك كل مايعيقك ...
الشخص الذي يلفت انتباهك إلى نفسك , لكي تغيري حياتك...
توأم الروح هو أهم شخص تلتقين به على الأرجح , لأنه يمزق جدرانك ويهزك بقوة لكي تستفيقي ...
توقفت عن القراءة , وزفرت بمرارة عندما تذكرت سحر وانشغالها بمرض والدتها , حدثت نفسها قائلة :
ــ هذا تمامًا ما حدث يا توأم روحي , لقد مزقتي جدراني لأستفيق لكنني استفقت على كابوس حقيقي أرجو أن أتمكن من التصدي له وحدي .
فجأة رن هاتفها , اتجهت نحوه , وما إن رأت الاسم حتى احتضنت الهاتف كما لو أنها وجدت ضالتها باسم المتصل و كأن مجرد الاسم بعث بعض الطمئنينة التي تحلم بها .
ــ كيف حالك يا جميلتي ؟ ... قالتها سحر , فازدردت أمنية ريقها وحاولت التماسك و التصنع بأن كل شيء على ما يرام , لا سيما أنها تعلم جيدًا حالتها بعد مرض والدتها , ردت عليها :
ــ بخير , الحمد لله ... كنت سأتصل بكِ لأطمئن على خالتي , كيف حالها ؟
ــ بخير , ترسل لكِ سلامها الحار وتشكركِ على الحلوى والأزهار ... قالتها سحر وهي تنظر لوالدتها التي ابتسمت لها وهي تهدهد الصغير .
تنهدت أمنية قائلة :
ــ لا شكر على واجب , فهي أمي .
ــ قلت لها ذلك , صدقيني ... قالتها سحر وخرجت من غرفة والدتها لتنعم ببعض الخصوصية , تابعت مخمنة : أمنية ، هل أنتِ بخير ؟
صمتت أمنية لبرهة حتى تواصل تصنعها , ثم قالت :
ــ نعم , اطمئني ، تنحنحت سحر قائلة :
ــ أنتِ لا تكذبين عليّ ، أليس كذلك ؟ لم ترد أمنية فتابعت سحر : أنا انتقلت من غرفة أمي , فلا تقلقي لن تعرف أي شيء .
أطلقت أمنية تنهيدة , وصلت حرارتها عبر الهاتف لسحر , فتأكدت سحر من صدق حدسها فاستطردت :
ــ أنتِ لست بخير أبدًا يا حبيبتي , أخرجي ما يطبق على صدرك , دعيني أشاركك هذا الألم ، لم ترد أمنية , فتابعت سحر :
ــ يا إلهي ، أنتِ تقلقينني عليكِ هكذا ! لابد أن هناك أمر عظيم قد حدث .
ردت أمنية وسط تقطع أنفاسها قائلة :
ــ ما الذي يعجبك في شخصيتي يا سحر ؟
ــ ماذا ؟! ... قالتها سحر في عدم استيعاب ... فأعادت أمنية عليها السؤال , مما زاد حيرتها فسألتها : ما الذي يحدث يا حبيبتي ؟
ــ أرجوكِ سحر أجيبيني ... تابعت أمنية وقد تساقطت منها بعض العبرات :
ــ أود أن استمد من إشادتك القوة والإيجابية .
ــ وستحكِ لي مايحدث عندك ؟ ... قالت سحر
ــ لكن ليس الآن ... قالتها أمنية , لم تود إخبارها في الوقت الراهن كي لا تؤثر على ردة فعلها أو قرارها , فهي تتوق لمعرفة كيف سيجري الأمر لو لجأت لأمنية عوضًا عن اللجوء لسحر , رغم أنهما توأم روح لكنها لم تجد في نفسها الرغبة للفضفضة وكأن قلبها قبض على مكنوناته و طوقهم بسياجه الحامي ولن تسمح أمنية بإفلات أي منهم إلا بعد موافقته علّه يفتح ذلك السياج فتتحرر الأسرة المطبقة
عليه , فردت سحر وهي تفرك جبهتها فهي غير مقتنعة بما تسمعه من رفيقتها لكن بالنهاية تود راحتها :
ــ إذن اذهبي واحضري ورقة وقلم لتكتبي كيف أراكِ بعينيّ ؟
اتجهت أمنية لغرفة المكتب وأخرجت دفتر مذكراتها , أمسكت القلم واستأنفت كتابة ماتمليه عليها سحر , تتواثب دقات قلبها مع كل سطر , تضحك تارة وتبكي أخرى لكن في النهاية أعجبها الأمر ومدها بما تحتاجه , وكأن ذلك الاتصال أتاها في الوقت المناسب ليربت على قلبها ويسكن ألم نفسها التي تنزف في صمت ولا أحد يعلم بما أصابها سوى خالقها .
.................................................. .........
عندما تضع المرأة أمرًا ما في رأسها , لن تتركه مهما فعل , لأنه صار هدفها المنتظر , ستحارب لأجله مهما كلفها الأمر , وستجابه كل من يعترضون طريقها بكل ضراوة .
قامت بتحميل الصورتين وأرفقتهما ضمن منشور مميز على صفحتها الفيسبوكية ثم أشارت باسمه ليظهر المنشور على صفحته , وما إن فعلت أطلقت ضحكة عالية وصل صداها للموجودين بالصالة , فأتت على إثرها رنا تسألها :
ــ ماذا حدث ؟ رمقتها بطرف عينها ثم عادت لهاتفها , فاقتربت رنا منها ثم مدت رأسها نحو الهاتف علّها ترى ماتراه أختها , لكنها خبأت الهاتف وصاحت :
ــ ماذا تريدين الآن ؟ عادت رنا للوراء ثم سألتها :
ــ ماذا تفعلين ؟
ــ وما شأنك ؟ .... قالتها شمس وهي رافعة أحد حاجبيها , فتحركت رنا خلفها ثم اتنزعت منها الهاتف بسرعة وركضت نحو الشرفة , فركضت خلفها شمس وهي تصرخ :
ــ هاتيه , أيتها المتطفلة .
تمكنت رنا من رؤية ماأرادت قبل أن تستعيده شمس , امتقع وجهها وطالعت أختها بنظرات مستنكرة ثم هتفت بها :
ــ لِماذا ؟
أولتها شمس ظهرها ولم ترد , فتابعت رنا بصوت عالٍ :
ــ متى ستستفيقي من تلك الغفلة ؟ لم أرى أحد يصر على فساده وتدميره لنفسه كما تفعلين .
جائت سعاد على صوت رنا , نظرت للفتاتين قائلة :
ــ ما الذي يحدث هنا ؟
اتسعت حدقتا شمس و احمر وجهها لأنها لا تود سماع المزيد من النصائح , فقالت : ــ لا شيء ، ضيّقت سعاد عينيها قائلة :
ــ إذن لماذا تصرخان ؟ ... تابعت ساخرة : لقد غلبتما الشباب بصراخكما , أين الهدوء الذي لابد أن يتسم به الفتيات ؟... تأففت شمس وأشاحت ببصرها , بينما نظرت رنا للأرض من فرط إحراجها .
ــ أنا آسفة , أمي ... تابعت رنا وهي تفرك يديها :
ــ ولكن ... قاطعتها شمس قائلة :
ــ هي من استفزني بتطفلها , تقتحم حياتي العملية وعلاقتي بزملائي .
قطبت رنا جبينها قائلة : زملائك ؟ّ! أيتها الكاذبة .
صاحت شمس وهي تشير بسبابتها :
ــ بل أنتِ من يكذب هنا , ولست أنا .. استكملت بصوتها الذي بلغ مداه :
ــ ماذا تريدين منّي ؟ دعيني وشأني ...
ــ أود أن أعلم من إحداكما ما الأمر , والآن .... قالتها سعاد وهي تطالع الفتاتان ... فقالت شمس بنفس ذات النبرة العالية وهي تشير بيديها :
ــ دعاني وشأني , لن تهدآ حتى أترك لكما البيت و أذهب لأبي .
ما إن انتهت من جملتها حتى غادرت المكان وهي تشعر بنشوة انتصارها في الحوار وعدم البوح بما فعلت , تاركة سعاد تسمرت مكانها وامتقع وجهها وتبادلت النظرات الواجمة مع رنا ثم قالت بصوتٍ أقرب للهمس :
ــ لأبيكِ ! ... لأول مرة تنطقها ابنتها , شعرت وكأن الأرض اهتزت من تحتها , ظل عقلها يسأل : هل ممكن تفعلها حقًا ؟ ألهذه الدرجة تكرهك ياسعاد ؟ كل ما فعلته وتحملته لأجلهما ذهب سدى ؟؟؟ طافت الأسئلة حول عقلها وهي واقفة لم تحرك سوى عينيها التي تنظر عبرهما للصغرى التي تخشى أن تكرر ماقالته أختها للتو .
اقتربت رنا منها , طوقتها بذراعيها قائلة :
ــ لا تخشي يا أمي , لست مثلها ... نظرت لها سعاد بعينيها الدامعة ثم استأنفت بكائها الحار, يشتعل قلبها كلما تذكرت ماضيها القاتم رفقة زوجها وتحملها شتى ألوان الذل تحت حجة أن لديها طفلتان تحتاجان لوجود أم وأب تحت سقف واحد , ومع ذلك ركض خلف أخرى ليترك ذلك السقف فوقها فقط , لم تطلب الطلاق ليكون هناك أمل في عودته من أجل ابنتيها لكن أنّى ذلك في زواجه من صاحبة النسب التي رفعته لعالمها المحاط بكل الطموحات فينقطع آخر أمل له في العودة وتصبح علاقته بابنتيه مجرد مصرف لاغير ، ظلّت تفكر وتحدث نفسها وسط نشيجها :
ــ هل حقًا ضاع تعبي سدى ؟ هل حرصي على إبقاء آخر خيط بيننا للعودة , كان محض وهم ؟؟ لم تتذكر ابنتي أي تضحيات قمت بها لأجلها , هل كنت عمياء عن إبصار الحقيقة ؟؟
...............................................
لن تظهر حقيقة الشخص إلا عند الغضب , حينها سيتكلم بلسان حال نفسه التي لطالما اختبئت خلف جدار التجمل , حتى وإن عز , لكنه سيبقى أفضل من الحقيقة .
كان جالسًاً بجوار والدته التي اندمجت مع ذلك الفيلم القديم , يطالع هاتفه لكنه تسمر فجأة و ازدرد ريقه بصعوبة ثم تمتم قائلًا وهو يجذ على أسنانه :
ــ أيتها الحمقاء السافلة ! ماذا تريدين منّي ؟؟
انتبهت له والدته , فنظرت له قائلة :
ــ ماذا هناك ؟
ــ لا شيء ... قالها ثم هبّ واقفًا وانطلق إلى الحديقة , أخذ يقلب هاتفه على اسمها ثم ضغط اتصال .
ــ أهلًا , آدم .... قالتها وهي تضحك ملىء فيها ، صكّ أسنانه قائلًا :
ــ ما الذي فعلته للتو .
تصنعت البلادة قائلة :
ــ أنا !
ــ امحي المنشور الآن .... صاح بها وقد احمر وجهه من الغضب
ــ أي منشور ؟ّ! تابعت وهي تطرق بكفها على ساقها كاتمة ضحكاتها :
ــ لا أفهمك ! هتف بها قائلًا :
ــ لم أرَّ في حياتي امرأة أحقر منك .
امتقع وجهها وتجهمت مما سمعته فصمتت , تابع والغضب الهادر يتخلل كلماته :
ــ ماذا تريدين من رجل متزوج ؟ أين كرامتك من رفضي لملاحقتك لي ؟ ما الذي ينبغي عليّ فعله لتبتعدي عني ؟
لم تتمكن شمس من كبح دموعها , قالت وسط نشيجها :
ــ ألهذه الدرجة تكرهني ؟
ــ أنتِ من تصرعلى مقتك وليس كرهك ... قالها باشمئزاز .
ظلّت تبكي ولم ترد , شعرت بوخز في قلبها , لم تظن أن ردة فعله ستكون بهذه القسوة , منّت نفسها بقربه وتخيلت أن كل ماتفعله سيساعدها في ذلك .... بتر صمتها قائلًا بصوتٍ أجش :
ــ امسحيه الآن .
ــ وإن لم أفعل ؟ .... قالتها وهي تكفكف دمعها .
تنفس بعمق , قبل أن يطلق خياره الأخير في وجهها , قال بصوت أقرب لفحيح الأفعى :
ــ سأتوجه للسيد رجب القاضي لأحدثه في الأمر , و لنرى معًا ردة فعله .
ابتلعت غصتها بصعوبة , ثم قالت بصوتها الباكي :
ــ تهددني يا آدم ؟
ــ نعم أهددك. تابع بنبرته الحادة : احفظي ماء وجهك وافعلي ما أمرتك به ، والآن .
ــ حسنًا , سأفعل ... قالتها وسط نشيجها , ولم تجد منه سوى غلق الهاتف في وجهها مما زاد بكائها , احتضنت وسادتها , دسّت وجهها فيها علّها تتشرب حزنها مع الدموع .
..........................................
مهما حاولنا طمس الأدلة المودية للشبهات , ستبقى هناك خيوط رفيعة تقود إلى صاحب الشبهة , وما أصعب من أن يكون أقرب المتضررين هو الشاهد على ذلك .
داخل غرفة المكتب , كان منهمك بأوراق المناقصة الأخيرة , تذكر شيئًا فأمسك هاتفه ليتحدث إلى أيمن , بينما كان مازن يجلس على الكرسي المواجه للمكتب .
ــ أود منك البحث عن أكبر محامي في مصر .... قالها جمال وهو يتفحص الأوراق المصفوفة أمامه .
ــ وماذا عن أستاذ سيد ؟ ... رد عليه أيمن
ــ لن يكون خيارنا الأمثل الفترة القادمة ... تابع جمال وهو ينظر لمازن الذي كان مشغول بهاتفه : بعد أن انشغل بمكتبه الخاص صارت شئون شركتي على هوامش أهدافه , لذا أود من هو أمهر و أكبر منه .
ــ حسنًا , يا خالي . هل تود شيئاً آخر ؟
ــ أن تسرع في الأمر وتذهب إليه حالما تجده .... قالها جمال و أنهى المكالمة ليجد مازن قاطبًا جبينه , يطالع هاتفه بعينيه التي كادتا تتركا محجريهما , تمتم قائلًا :
ــ أيها الوغد ، عقد جمال مابين حاجبيه قائلًا :
ــ ماذا تتابع ؟
لم يسمعه مازن , ظلّ يتلمس الهاتف بأصابعه وكأنه يفعل شيء ما , فأعاد جمال عليه السؤال , التفتت له بنظراته الواجمة ولم يرد .
ــ بُني ! هل أنت بخير ؟ ... قالها جمال وهو ينظر لمازن وهاتفه .
ــ بخير .. بخير , لا تقلق ... تنحنح متابعًا : استأذنك للخروج للشرفة من أجل عمل اتصال كي لا أزعجك ثم أعود لاستكمال الحديث عن المناقصة .
أشار جمال ناحية الشرفة قائلًا :
ــ تفضل يا مازن , سأنتظرك .
داخل الشرفة , انتظر حتى أتاه صوتها الممتزج بالحنين والحزن :
ــ أهلًا ، مازن .
ــ أوحشتني يا أمنية لذا هاتفتك ، تنهدت قائلة :
ــ وأنت كذلك يا أخي , لا حرمني الله سماع صوتك .
تنحنح قائلاً :
ــ ماذا تفعلين الآن ؟
ــ ماهذا السؤال الغريب ؟! ... تابعت ضاحكة : أقرأ رواية .
ــ جيد .... تابع وهو ينظر للمارة : لا أعلم سبب ابتعادك عن عالم الفيس بوك ؟
ــ لأنه مهما عظم سيبقى عالم افتراضي ... تابعت متحمسة : و أنا أحب العالم الحقيقي لأنه يكشف لي كل الحقائق .
ــ وكذلك الافتراضي يفعلها أحيانًا , صدقيني .
ــ اممم , لا أظن ذلك يا مازن , ولم أجد نفسي فيه لذا أغلقت حسابي منذ شهور.
ــ أخطأتِ يا أمنية بابتعادك .
ــ أخطأت ؟! سألته بعدم استيعاب لما قاله .. ازدرد ريقه ثم حاول تغيير مسار الموضوع قائلًا :
ــ كيف كانت روايتك ؟
ــ جميلة جدًا يا مازن , استمتع برفقتها ... وماذا عنك ؟
زفر بارتياح ثم قال :
ــ أنا كنت مع أبي في المكتب لمناقشة كل مايخص المناقصة الجديدة .
ــ وفقكما الله يا حبيبي , بلغ أبي و أمي سلامي الحار ومدى اشتياقي لرؤيتهما .
.................................................. ..........
أقرب طريق لحافة الهاوية هو ضياع الثقة بالنفس , لأنها ستمحو هوية صاحبها وتجعل منه أضحوكة لنفسه و ذوية ... وبالنهاية ليس له مفر من السقوط ...
رتب هندامه أمام المرآة , ونثر عطره وهو يغني بإحدى الأغاني الرومانسية , كانت تطالعه بغيظ و الشرر يتطاير من عينيها , نظر لها عبر المرآة قائلًا :
ــ ما بالك يانور تنظرين لي هكذا ؟!
لم ترد , فتابع : ألن تقومي بإعداد الفطور ؟
ــ لا , سأستأنف حمية غذائية لإنقاص الوزن .
ــ حقًا ؟ ... قالها ثم استدار لها والبسمة على فيه .
سألته بخبث :
ــ هل يعجبك ذلك ؟
ــ يعجبني ؟ ... تابع وهو يشير بيديه : بل يجعلني أهيم عشقًا .
ــ ماذا ؟
ــ ألم أقل لكِ مسبقًا أنني أحب الرشاقة ؟ هزّت رأسها نافية ثم قالت :
ــ لا أتذكر ؛ لكنني قلت بالفعل ... قالها وهو يتفحص قسماتها الغاضبة .
لم ترد , فقال ضاحكًا :
نور ، أظنك تتعذبين لمثل ذلك القرار ....
رمقته بعينيها وظلّت صامتة , فباغتها قائلًا :
ــ توقعت ردة الفعل تلك إن فكرتِ بحميةٍ ما ... أشار لها بيده مستكملًا : هيا يا نور ! قومي و أعدي ما لذ وطاب وأنسِ أمر الرشاقة الآن , فوجهك ينذر بالخطر المحدق إن تابعت أي حمية .
كانت تسمعه , وتطالع قسماته , ضحكاته , ذلك البريق المطل من عينيه , كل شيء يشي بما أخبرها به حدسها , تدفقت الأفكار لعقلها لتمتزج بمخيلتها فتصنع مشاهد لن تطيق رؤيتها أبدًا , شعرت بالصداع فعادت لسريرها و دثرت نفسها بالغطاء علّها تنسى ما رأته ، اقترب منها ثم هزّ دهون ذراعها قائلًا : نور ! ألم تستيقظي منذ دقائق ؟
لم تجبه , فتابع : لقد توقعت فشل خطة الرشاقة تلك ... ليتك لم تفكري بها , سنواجه على إثرها أيامًا سوداء الفترة القادمة .
انتظرت حتى خرج من أجل دروسه الخاصة , نثرت عنها الغطاء ثم قامت تفتش في الغرفة يمنة ويسرة , ظلّت هكذا حتى قلبتها رأسًا على عقب , تفعل كل ذلك بلا هدف , تود إيجاد أي شيء يثقل ميزان شكوكها , وقفت بمنتصف الغرفة تمشط المكان بعينيها الواسعتين , واضعة كفيها على رأسها , تلتقط أنفاسها بعد ذلك المجهود الشاق , نظرت أمامها لتجد انعكاس صورتها في المرآة ، اقتربت أكثر , تمسح جسدها بعينيها , طوقت نفسها بذراعيها قائلة :
ــ تحب الرشيقات أيها الحقير ، سأفضحكما عن قريب .
عندما تذكرت منظرهما بالحديقة , بكت , ثم طرقت على الإطار الخشبي للمرآة بقوة مما جعله يهتز فظهرت من خلفه طرف ورقة لم تلحظها ... قالت :
ــ كيف تجرؤ ؟ سأجعلك تتمنى الموت ألف مرة .
مسحت عينيها بيديها , ثم عادت للمرآة , فلمحت طرف الورقة , عقدت جبينها سائلة :
ــ ما هذه ؟ .. تلمستها بأصابعها وحاولت شدها لكن بدت أنها ملتصقة , سحبت المرآة ناحيتها فوجدتها مثبتة بشريط لاصق , تمكنت من نزعها , فتحتها واِلتَهمت سطورها لتشعر برجفة قوية في أوصالها وكأن هدفها قد تحقق بظهور تلك الورقة , وها قد صار استقرار العائلة على المحك بسببها , صرخت بأعلى صوت :
ــ لااااااااااااااااااا ... علّها تستفيق من ذاك الكابوس .

أمل بركات 30-04-20 08:24 PM

...................................

أمل بركات 30-04-20 08:25 PM

سبحان الله وبحمده

أمل بركات 30-04-20 08:25 PM

اللهم بلغنا ليلة القدر

أمل بركات 01-05-20 08:52 PM

لا إلهَ إلاّ الله ♥

أمل بركات 01-05-20 08:53 PM

ربنا عليك توكلنا

أمل بركات 01-05-20 08:54 PM

اللهم لك الحمد 🌹🌹🌹

أمل بركات 01-05-20 08:55 PM

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 🌺


الساعة الآن 07:42 AM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.