28-11-20, 10:14 PM | #1162 | ||||
| البارت الخامس و التسعون أنا أكره الحب 💔 " لا عجب أن المكان بدا مألوفا " تمتمت ملك لنفسها و لم تصدق عينيها , لأنها كانت تقف داخل بيت الشاطيء , الذي بقيت فيه ليومين حينما وصلت الى هنا , و قبل الانتقال للعيش في بيت علي . هي لا يمكنها أبدا أن تنسى مكانا بهذا السحر , خاصة أنه شهد أسوء لحظات حياتها و انهيارها , حينما كانت ترزح تحت وطأة , التهديد بالسجن من جهة , و فقدانها اتصالها بوالديها و سندها الوحيد , من جهة أخرى بعدما سرق هاتفها . " لكن علياء قالت أن لا أحد يعرف بوجوده ؟ هل يعقل أنه بيت مشابه له في نفس المنطقة ؟ " تساءلت ملك بحيرة , و هي تحاول تذكر تفاصيل المكان , متجولة بعينيها تتفحص الديكور في الغرفة المقابلة , أخذت ملك نفسا عميقا بارتجاف , فهي شبه متأكدة بأن هذه الغرفة نفسها , التي أقامت فيها سابقا و ليس مكانا يشبهها , و الغرفة التي نامت فيها البارحة , هي نفسها التي كانت مغلقة سابقا , و اعتقدت أنها تحوي أمورا خاصة بالسفارة , نفس التصميم و نفس الديكور بكل تفاصيله , و قد بدا الأمر غير قابل للتصديق . بعد مرور دقائق من التأمل , قررت ملك تحري الأمر بنفسها , خطت ببطء ناحية الدرج , تحاول تحمل الألم العضلي الذي لازال يلازمها , و نزلت الى الطابق الأرضي , حيث لم يكن هناك أثر لعلياء , جالت ملك مجددا بنظرها في الأرجاء , و قد أصبحت أكثر شكا , في أن المكانين هما بيت واحد . حدقت ملك الى الطاولة الموضوع عليها الهاتف , كانت آخر شيء لمسته راكضة من هنا , قبل أن تغادر دون رجعة , ارتجف قلبها و ضاق صدرها , و قد تذكرت فجأة كل تلك اللحظات العصيبة , التي كادت تفقدها عقلها هنا , شعرت ملك ببعض الاستياء و المرارة , و قد استعادت مجددا نظرة الازدراء و الحقد , في عيني علي في المشفى قبل القدوم الى هنا , تذكرت بقوة داهمة كل الاهانات , و التهديدات التي ألقاها في وجهها , و هو يتهمها بشيء لا فكرة لديها عنه , و تذكرت آخر مكالمة عادية لها مع والدتها , و التي بدأت بعدها رحلة أكاذيبها , التي لم تنته الى الآن . باسترداد كل تلك الذكريات المنهكة , تذكرت ملك أيضا أنها وضعت بطاقة عبد الحفيظ , التي دون عليها أرقامه الخاصة تحت الهاتف , اتجهت مباشرة الى هناك بأمل ضعيف , أن تجدها للتأكد من الأمر أو نفيه , و لكن كانت دهشتها عظيمة حينما وجدت البطاقة , تماما كما تركتها قبل أشهر . " هل يعقل أنني كنت في مجال علي منذ ذلك الوقت ؟ يا الهي كان بامكانه قتلي أو ايذائي بسهولة , هل كان يفعل ذلك لمراقبتي ؟ أو أنه كان ينوي السيطرة على حياتي ؟ لا يعقل أنه فعل ذلك لحمايتي " حدقت ملك الى البطاقة بذهول مطولا , قبل أن تحمل السماعة , و تتصل على الرقم المدون هناك , بعد الرنة الرابعة فتح الخط , و كما توقعت سمعت صوت عبد الحفيظ من الطرف الآخر , لا يمكنها يوما أن تنسى هذا الصوت , الذي كان سندها الوحيد في أسوء أيام حياتها " مرحبا " همست ملك بصوت خافت , و هي تحاول السيطرة على ارتباكها , الذي راودها باكتشافها الغريب " مرحبا من معي ؟ " رد الرجل بنبرة متحفظة , فلم يتعرف على الرقم . " السيد عبد الحفيظ ؟ " " أجل سيدتي من معي ؟ " صمتت ملك قليلا تحاول تمالك نفسها , لم تتوقع سابقا أن هذا البيت هو فعلا لعلي , محاولة ايجاد رد مناسب , قبل أن تتحدث مجددا " أنا دكتورة ملك , صاحبة حادثة المطار هل تتذكرني ؟ " صمت الرجل قليلا و كأنه يفكر بجدية , ثم انطلق صوته بابتهاج " آه دكتورة ملك , كيف حالك ابنتي ؟ " " بخير سيدي , شكرا " ابتسمت ملك و قد تذكرها الرجل , الذي كان بمثابة أب لها حينها , و كان الشخص الوحيد الذي صدق كل ما قالته له دون نقاش . تبادل الطرفان بعدها حديثا سريعا , قبل أن تسأل ملك بفضول واضح " سيدي هل يمكن أن تخبرني , لمن البيت الذي أقمت فيه سابقا ؟ " كان واضحا أنها اكتشفت الحقيقة , و ما كان من الرجل الا تأكيدها " أوه دكتورة اذا أخبرك زوجك أخيرا , حسنا ذلك البيت ملكه , و هو أصر على اقامتك فيه , قال بأنه لا يريد أن تعاني أكثر , و لكنه طلب ألا نقول شيئا بسبب الخلاف بينكما , لكن الحقيقة كان اهتمامه بك واضحا جدا , لذلك وافقت على الأمر , و لأن المكان كان أكثر أمانا من أي مكان آخر " بلعت ملك ريقها و لم ترد أن تحبطه , يبدو أنه صدق القصة كلها التي لفقها علي آنذاك " حسنا أجل أنا أعرف هذا الآن , أنا ممتنة لتقديرك للظروف التي مررت بها , شكرا لك سيدي على كل , ما فعلته من أجلي سابقا , ذلك اليوم غادرت مباشرة , و لم يتسن لي شكرك بطريقة لائقة " و سارع الرجل لرد شكرها بلطافته المعهودة " لا تقولي ذلك ابنتي كان واجبي , و لولا أن زوجك أبدى الكثير من الاهتمام و تحمل المسؤولية حينها , ما كنت قبلت بالبيت أبدا , أنا أؤكد لك ابنتي , ذلك الرجل يحبك كثيرا , و كان خائفا من أن يفقدك " ابتسمت ملك بمرارة , واضح أنه ما زال يصدق أنهما متزوجان فعلا , ليضيف هو شيئا آخر فاجأها " بالمناسبة كيف حال الرضيع , هل وضعت ؟ " " أي رضيع ؟ " سألت ملك باستغراب " آسف سيدتي , ألم تكوني حاملا حينها ؟ " ذكرها الرجل بكذبة أخرى من الكذبات الكثيرة , التي أقحمها علي في حياتها , لدرجة صارت أقرب الى الحقيقة منها الى الخيال , هي حتى بدأت في وقت ما , تشك في قدراتها العقلية كما قال عنها , لتترنح بين ما تعتقده يقينا , و ما يحاول علي اثباته بكل قوة , عن أنها مريضة نفسيا و حامل و أنهما متزوجان , و لا يمكنها الا أن تكون ممتنة جدا , للصدامات الثنائية بينهما بعيدا عن الآخرين , و التي كان يسقط فيها قناع خداعه , و يعيد تذكيرها بكل تبجح , بالشرك الذي أوقعها فيه دون أن يرف له جفن , " يا الهي كانت أياما مجنونة , و لا يمكن لقلبها الا أن يستعيد شعوره بالكره و النفور , من ذلك الرجل الذي لم يعد له أثر الآن " شردت ملك تفكر بينها و بين نفسها . " دكتورة هل أنت معي ؟ " أخرجها صوت عبد الحفيظ , من دوامة الماضي القريب , صمتت ملك قليلا و قررت اكمال التمثيلية , فلا جدوى من الانكار الآن , و أجابت بصوت خافت " لا لقد فقدته قبل الأوان " تأثر الرجل لسماع الخبر لكنه سارع لمواساتها " أنا آسف ابنتي , عسى الله أن يعوض عليكما , أنتما لا تزالان شابين و الحياة أمامكما طويلة " " شكرا سيد عبد الحفيظ , لن أطيل عليك أكثر , نهارك سعيد " " نهارك سعيد ابنتي , أوصلي سلامي للسيد علي " أنهت ملك المكالمة بذهول تام , بسبب كل ما اكتشفته أيمكن أنها لم تعرف ذلك الرجل على حقيقته فعلا ؟ هل يعقل أنه كان اهتماما حقيقيا في أسوء أوقاتهما ؟ أو أنه كان يحاول حماية رأسه فقط ؟ لكن كان بامكانه تركها في رعاية السفارة , و كان سيصل الى أخبارها بطريقة ما , فواضح أن عبد الحفيظ كان يصدقه فيما قاله , و ان كان يريد منحها اقامة , لم يجب أن يكون هذا المكان الساحر ؟ أما كان يمكن ارسالها الى أية شقة أو فندق و ينتهي الأمر ؟ تساءلت ملك مرارا دون اجابة شافية , كيف لا و ذلك الرجل , هو أكثر انسان غموضا قابلته في حياتها , من المستحيل تخمين فيما يفكر مهما اجتهدت , قد يصرخ في وجهك الآن , و يحتضنك بعد خمس ثوان , تماما كما حصل في المسبح ذلك اليوم . بالعودة الى ذلك الوقت , علي نفسه لم يعرف ما الذي دهاه , حتى يرسلها الى هنا ؟ هو برر الأمر بأنه أكثر مكان مناسب لمراقبتها , حتى أنه أقنع كريم أن الترتيب جزء من التمثيلية , التي حبكها كزوج محب , يريد صالح زوجته الحبيبة , خصوصا أمام عبد الحفيظ . و لكنه في قرارة نفسه كان لدرجة ما , يشفق على الحال المزرية التي وصلت اليها ملك , بعد أن هددته في المستشفى بالانتحار , و قد شوشت فكره و هزت يقينه بأنها مسؤولة عما حدث , لذلك اتخذ القرار في آخر لحظة , أثناء مغادرته غرفتها في المشفى بعد صدامه معها , و انفرد بعبد الحفيظ في الرواق , حينما كان في طريقه للاطمئنان عليها , و طلب منه ارسالها الى هناك . و كما خمنت ملك هو كان بامكانه ارسالها , الى فندق من فنادقه دون معرفتها , أو احدى الشقق بعيدا عن الأعين , لكنه فضل هذا البيت الشاطئي . أرادها لسبب غريب أن تنعم ببعض الراحة , و في نفس الوقت لم يكن يريد , أن يظهر ضعفا و تراجعا أمامها , حتى لا تستغل الوضع لصالحها , ربما لأنه كان متأكدا أنها , لم تكن لتعلم بالأمر على كل حال , و لم يكن يعرف أنه قد يحضرها , يوما بنفسه الى هنا لانقاذ حياتها , لذلك تصرف علي بالنبل الذي هو عليه حينها , و لم يسمح لنفسه بالتمادي أكثر مما فعل , هي انسان في النهاية و تستحق بعض الرأفة , تاركا بينهما بابا مواربا لتصحيح الأمور , لم يدرك يوما أنه يحتاجه الا مؤخرا . شردت ملك في أفكارها حتى قاطعتها علياء " ملك هل أنت بخير ؟ " قالت و هي تدخل الردهة , بعدما أنهت جولتها في الجوار . استفاقت ملك من شرودها , و أجابتها بطريقة حاولت أن تكون طبيعية " أجل بخير , أين كنت ؟ " " أتجول على الشاطيء , المكان هنا جميل جدا , بعدما تتحسنين لاحقا , بامكاننا السباحة المياه رائعة , و لا تقلقي المكان هنا خاص لا أحد يدخله " قالت علياء بحماسها المعهود , و ردت عليها ملك بنبرة فاترة " حسنا لا بأس سنرى لاحقا " هل أنت جائعة هل نأكل ؟ " اقترحت علياء معتقدة أن وهنها الجسدي , ما يجعلها خائرة القوى هكذا , و لم ترد ملك أن ترد كرمها و اهتمامها " أجل يا ليت , أشعر بجوع شديد " " حسنا استريحي أنت هنا على الأريكة , و أنا سأحضر لازانيا سريعا , لكن أحذرك منذ الآن أنت من سيطبخ غدا , أريد أن أتذوق طعامك , أخي يقول فيه شعرا " "....." ضحكت علياء ببهجة متجاهلة رد ملك المصدوم , و اتجهت الى المطبخ لتحضير الطعام . بعد ساعة جلست المرأتان تأكلان في صمت تام , و كانت ملك لا تزال شاردة الذهن " ملك ما الذي يشغل بالك ؟ " " ها ؟ لا لا شيء " " هيا ملك لا تحزني و لا تفكري في شيء , علي تسلم الأمر , و لن يسمح للفاعل بالافلات أبدا , لا تشغلي بالك " هزت ملك رأسها و ابتسمت , و لكن لم يكن هذا ما يشغلها فعلا " علياء هل يمكن أن أسألك ؟ " جذبت ملك انتباه مرافقتها مجددا " أكيد تفضلي " " اذا عاملك شخص تعتقدين أنه يكرهك , يحقد عليك و يتمنى موتك باحسان , في رأيك ماذا يمكن أن يكون السبب ؟ " همست ملك لها و قد بدت مترددة في طرح السؤال عليها . توقفت علياء عن الأكل و حدقت ناحيتها متسائلة ( هل يمكن أنها تقصد علي ؟ ) كان هذا أول ما بدر على بالها , و لكنها أجابت بصدق كعادتها " حسنا قد يكون شخصا , صاحب أخلاق عالية و مبادئ , يتعامل بعدل حتى مع أعدائه أو .." توقفت لبرهة تحاول انتقاء كلماتها , و تراقب رد فعل ملك , التي سارعت للاستفسار بملامح مشوشة " أو ماذا ؟ " " أو أنه لا يكرهك من الأساس " بالنظر الى ما حصل بين ملك و علي , حللت علياء الموقف مطولا , لتكتشف أنه في البداية كان للسبب الأول , و لكنه تحول مع الوقت الى السبب الثاني , و هذا ما أرادت من ملك أن تراه . في المقابل الاجابة صدمت ملك , و ظهر ذلك على محياها , و هي تهرب بعينيها من مراقبة علياء الحثيثة لها , ربما هي فكرت في الاحتمال الأول مطولا , لكن لم يخطر على بالها يوما , التفكير في الاحتمال الثاني , بالنسبة لها مسألة كره علي لها , محسومة منذ أول لقاء بينهما و لا نقاش فيها , ( يا الهي كل ذرة من كيانه حينها , كانت تقول أنه يبغضني و يرغب بقتلي , لا غير معقول , هو أكيد يكرهني , هو قال بنفسه ذلك أكثر من مرة , أجل مؤكد هو السبب الأول ) حاولت ملك تشتيت ذهنها , و التهرب من النقاش مع المرأة الفضولية أمامها " لا عليك كان مجرد سؤال " و عادت لتناول طعامها بصمت , مع ابتسامة مصطنعة لاخفاء ارتباكها . و لكن علياء التقطت الأمر , هي الآن متأكدة ألا فكرة لملك عن مشاعر أخيها , و هي لن تصدق أنه يحبها , الا اذا سمعته يقول ذلك بلسانه , و لكنه لا يمتلك الشجاعة , الى حد الساعة للبوح بما يشعر به , و يبدو أنه في موقف لا يحسد عليه فعلا , فملك لا تبدي أي استعداد , لأية مشاعر من ناحيته , بالعكس واضح فرارها من كل ما يوحي الى ذلك , و هي التي كانت تلومه , لأنه لا يقول ما يشعر به صراحة , و تشجعه لأخذ خطوة جريئة بالاعتراف , لم تعد واثقة تماما من نجاحها . برؤية ملامح البؤس التي علت وجه ملك , بادرتها علياء علها تستطيع اذابة , بعض الجليد بين هذين العنيدين " ملك أعرف أن علي , يظهر وجها قاسيا معظم الوقت , لكنه رجل حساس خصوصا مع المقربين منه " رفعت ملك رأسها مجددا ناحيتها , و قد أدركت محاولتها تبرئة ذمة شقيقها , فعلياء ذكية و أكيد تعرفت على سبب سؤالها , رغم أنها لم تتفوه بكلمة عن قصة البيت , و هاهي تكرر ما قالته صباحا , عن قلقه الشديد بشأنها , و كأنها تفعل ما في وسعها ليكونا معا , هي ليست غبية حتى لا تدرك مساعيها , الحثيثة و المكشوفة من أجل تحقيق ذلك . ابتسمت لها ملك بشبه سخرية , و أجابتها بهدوء تام " ها قد قلتها المقربين منه , و لا أعتقد أنني واحدة من هؤلاء " ردت بمعارضة مبطنة استنتاجاتها , التي تصب في صالح جمعها مع علي طوال الوقت , و عادت لتحريك طعامها دون التهامه , و كأنها فقدت شهيتها بفتح الموضوع . لكن علياء قررت أن تكون جدية لأول مرة " بلى أنت كذلك " تفاجأت ملك لاصرارها , و حدقت ناحيتها بجبين مقطب , قبل أن تعود للضحك مجددا , و هذه المرة بصوت مرتفع , و كأنها ألقت عليها نكتة مضحكة , قبل أن تتمالك نفسها مجددا , و ترد عليها بنبرة محبطة , و هي تخفض نظرها بحرج واضح " أنت تتحدثين عني و عن أخيك كزوجين حقيقيين , أو ربما كصديقين مقربين , أنت لا تعرفين حقيقة الأمر علياء , لا أحد يفعل " لكن علياء صدمتها للمرة المائة اليوم " بلى أنا أعرف كل التفاصيل , منذ اليوم الذي دخلت فيه حياة أخي , هو لا يخفي عني شيئا " اتسعت عينا ملك بذهول , انعقد لسانها و شحب وجهها , هي لم تتوقع أن علي قد يتجرأ , و يخبر أي انسان بما حدث بينهما , ليس علياء على الأقل . برؤية ردة فعلها المتوقعة , ابتسمت لها علياء بدفء , و وضعت يدها على كتفها قبل أن تواسيها " ليس عليك أن تشعري بالخجل مما حصل ملك , علي من عليه أن يفعل , ذلك أمر مخز له و ليس لك " بسماع كلمات المؤازرة , ترقرقت عينا ملك بدموع هادرة , و هزت رأسها بالنفي و قد غص حلقها " أنا أشعر بالاحباط من غبائي , الذي أوقعني في كل هذه المشكلة " لكن علياء سارعت و نهضت من مكانها لتحتضنها بحنان , و قد أدركت أنها لمست وترا حساسا , فامرأة مثل ملك أكيد ستشعر بالخزي , لأنها خضعت لابتزاز كالذي وضعت فيه , و سيؤثر الأمر على نفسيتها , و ثقتها بنفسها مهما مر من وقت . " لم يكن بامكانك تفادي كل ذلك , توقفي عن لوم نفسك حبيبتي , و لولا أنني متأكدة من أن علي نادم و يحاول التعويض , لقاطعته ما تبقى من حياتي بسبب تهوره , لطالما كان أخي رمز الرجولة و الشهامة في نظري , لم أستسغ يوما أن يبقي امرأة معه تحت التهديد , و لحد الساعة لا أستطيع ابتلاع حقيقة , أنه زور عقد زواج لابتزازك , لكن كما أقول دائما كلنا خطاؤون , و الأفضل من يسارع لتصحيح أخطائه " بسماع كل الكلام المؤثر , و المواسي الذي قالته علياء , لم تعد ملك تملك السيطرة على دموعها , بتحريض من تأثير ذلك المخذر الملعون , و قد فتحت أرجاء هذا البيت نافورة ذكرياتها المشؤومة , مهيجة آلامها التي تحاول جاهدة تناسيها , حتى تنسى معها خيبة أملها في نفسها , لتدخل في نوبة بكاء صامتة رثاءا لوضعها . برؤية حال ملك اكتفت علياء بما قالته , و قد أدركت أنها ضغطت على جرح لا يزال ينزف , و بدأ اليأس يتسلل الى قلبها , بخصوص نهاية سعيدة لعلي مع ملك , بمراقبة انهيارها الآن و قد ذكرت الموضوع مجرد ذكر , هي لا يمكنها توقع ما ستفعله ان لمح شقيقها , مجرد تلميح لمشاعره و ما يريده منها , فيما يبدو أنه أفضل تقديرا لما يحصل منها . ساد بعدها الوجوم المكان , قبل أن يقطعه رنين هاتف علياء , أطلقت ملك من حضنها , و سحبته من جيبها قبل أن تهلل " انها مريم " و فتحت الخط ليأتي صوتها القلق من الجهة الأخرى " علياء أين أنتما ؟ هل ملك بخير ؟ " كانت مريم قد شعرت بقلق شديد , بعدما استيقظت و اكتشفت أن لا أحد , من الثلاثة عاد منذ ليلة أمس , و هاجمت هاتف علي لتعرف ما الذي يحصل , و لحسن الحظ وجد كذبة مناسبة سريعا , و أرسل بها رسالة الى هاتف علياء حتى يتوافق كلامهما . " مرحبا مريم كيف حالك ؟ نحن في بيت شاطئ قريب , ملك مريضة قليلا لديها زكام سيء , فاقترحت أن تنال قسطا من الراحة بعيدا عن البيت , و حتى لا تعديك أنت أيضا " رمشت علياء ناحية ملك , حتى تؤكد عليها حفظ ما عليها قوله , هم لن يجنوا شيئا من اثارة قلق مريم . و هزت ملك رأسها بالموافقة فورا , آخر شيء تريده أن يرتفع ضغط مريم , بسبب أمر مر و انتهى , رغم أنها كانت ترغب في وجودها هنا معهما , لكن الأمر مستحيل في هذا الوضع , ابتسمت ملك و مسحت دموعها التي علقت على رموشها , ثم مدت يدها ناحية علياء لتكلم المرأة القلقة " ألو مريم كيف حالك ؟ " " مرحبا ملك أنا بخير , كيف حالك أنت ؟ " " بخير الحمد لله , لدي بعض الزكام منذ يوم السباحة ذاك " قالت الكذبة بسلاسة , و سارعت مريم لزجرها " ما كان عليك مجاراة رنا و شغبها , و النزول للسباحة يومها , هاقد أصبت بالزكام و أنا بقيت وحدي " ضحكت ملك من تذمرها , كطفل حانق و حاولت مراضاتها " حسنا لا بأس ستبلين حسنا , على كل حال لم أكن لأتمكن , من الصعود اليك حتى لو بقيت هناك , لكنني سأعود في أقرب وقت أعدك " بعد بعض السلامات و التعليمات , بضرورة تناول الطعام و أخذ الدواء من الجهتين , أغلقت مريم الخط أخيرا , و تنهدت ملك بارتياح , قبل أن تشاهد الابتسامة المستمتعة , على وجه علياء التي كانت تراقب ما يحدث " ماذا ؟ " سألتها ملك باستغراب , لكنها هزت كتفيها و أجابت " من يراكما يعتقدكما أما و ابنتها , أو ربما شقيقتين مقربتين و ليس ضرتين " عبست ملك من الكلمة التي تمقتها , لكن علياء سارعت للفرار من أمامها " سأغسل الأواني و سنلعب بعض الشطرنج , جهزي نفسك سأهزمك شر هزيمة " ضحكت ملك على شغبها , الذي يشبه شغب رنا كثيرا , و عادت الى هدوئها محاولة تجاهل تعليقاتها الأخيرة , عن ندم شقيقها و محاولته التعويض , فهي لا تريد الآن أن تفكر في أي شيء , ينغص عليها هذا السلام الذي تعيشه حاليا . . . . في الشركة كان علي يجلس بانهاك على كرسيه , يجري مكالمة مع دكتور جلال , حينما أشار لكريم الذي دخل مكتبه , بالجلوس ريثما ينهي كلامه " نعم جلال , أريد ممرضة موثوقة , لثلاثة أيام على الأقل , ريثما تعود ملك للاهتمام بها " " هل السيدة ملك بخير ؟ " سأل جلال بقلق ليجيبه علي بهدوء " أجل مجرد رشح بسيط , لذلك أريد الممرضة اليوم في البيت , و اذا كانت مناسبة سأجعلها تعتني بها مطولا " " و سارة ؟ " سأل جلال مجددا بفضول عن تغيبها , و تنهد علي من أعماق قلبه قبل أن يجيبه " في اجازة مفتوحة بطلب منها , و قد لا تعود الى بيتي مطلقا , اعمل حسابك على هذا الاحتمال " " حسنا لا بأس علي , سأرسل شخصا موثوقا في أقرب فرصة , و الى أن يحصل ذلك أنا في الخدمة , اتصل بي في حالة أي طارئ " " أكيد جلال شكرا لك " بعد أن أغلق علي الخط , ضغط بين عينيه لتخفيف الصداع السيء , الذي يعانيه منذ ليلة البارحة , و رغم الحاح كريم عليه ليذهب و يستريح قليلا , الا أنه قدم مباشرة الى مكتبه " ها كريم ماذا لديك ؟ " بسماع سؤال علي شرع كريم , في تقديم تقرير عن التحقيق الذي فتحه " النتائج ستخرج بعد يومين و سنعرف من فعلها " أومأ علي برأسه برضا " فقط لتظهر النتيجة , و حسابه سيكون عسيرا " صمت قليلا ثم أضاف " و مسألة الحكم ؟ " " لا تقلق رتبت الأمر , غير متر عطية لا علم لأحد بصدور البراءة , و هناك أناس موثوقون سيبقون الأمر سرا , الى أن نصدر أوامر مخالفة " " و محامي جدها ؟ " علي يعرف أن الرجل لحوح جدا , و اذا وصلته أخبار تبرئة حفيدته , سيخرجها من هنا في اللحظة الموالية , لكن كريم اتخذ احتياطاته بالفعل " محامي جدها و محامي السفارة , يعملان بالتنسيق مع متر عطية , و يعتمدان عليه في استقاء المعلومات , صراحة هما يثقان فيه , و هو يعرف ما يقول , اضافة الى أنه لا يسأل كثيرا , و كما أخبرتني تريد ابقاء الخبر سريا لوقت قصير , و ذلك ممكن حاليا " انصرف بعدها كريم باشارة من علي الذي التزم الصمت , فهو يعرف أنه يتعدى حدوده مجددا , و يغرق نفسه في الخطأ أكثر , فيما يخص سيطرته على حياة ملك . لكن بامكانه تحمل وزر خيانة مؤقتة , لثقتها و ثقة جدها فيه , أفضل من أن يفقدها دون أمل في بقائها , هو لا يريد الا شهرا واحدا , قد لا يبدو كافيا لفعل شيء , لكنه مصر على التصرف بأنانية حاليا , و لأول مرة في حياته , يريد خطف سعادة اكتشفها مؤخرا , و من يدري ربما يرأف القدر بحاله , و تتجاوب ملك مع مشاعره , فيما لا يزال حائرا في كيفية , الاعتذار لها و التعويض عليها , لكنه سيجد أمرا نافعا هو لن يعدم الوسيلة . ما يرضيه و يبث الأمل في قلبه و لو قليلا , هو فتات الثقة الذي ألقته في وجهه صباحا , حينما امتنعت عن اتهامه بأي شيء تجهم وجه علي مجددا بتذكر ما حصل البارحة , و هو نفسه لا يفهم لم كانت ردة فعله بتلك الحدة ؟ فلأول مرة يشعر بالرعب في حياته , خوفا على شخص مريض , حتى أنه مصدوم من كل تلك الحالة العاطفية , التي تعامل بها مع الموضوع . صباحا حينما غادر لم يكن ما قاله لعلياء , عن أنه لا يريد التسبب في التوتر لملك , التي تحتاج راحة نفسية و جسدية , هو السبب الوحيد لرحيله فجأة و لكن لأنه وجد أخيرا جواب السؤال , الذي طرحته علياء قبل ساعات " أخي هل تحبها ؟ " قبل ذلك كان مشوش التفكير , و لكنه طوال الليلة الماضية , و هو يجلس يحدق الى ملك , لم يكن عقله يفكر الا في نتيجة واحدة " هو يحب هذه المرأة كما لم يحصل في حياته " لم يكن تعودا أو امتنانا أو مجرد انجذاب , كان حبا و منذ مدة طويلة , لا يمكنه حتى تخمينها , و لسبب بسيط توصل عقله الى هذا الاكتشاف , فقد شعر أن روحه ستغادر جسده , ان حصل لها أي مكروه . الفكرة أشعرته بالذعر و جعلته يغادر , و كأنه يفر من مكان يحترق , فهو لم يصدق يوما ما يصفه الآخرون بالحب الحقيقي , كان يسخر من البلهاء الذين يعتقدون , بأنهم وجدوا توائم روحهم , و الذين يقولون أنهم لن يستطيعوا العيش , دون وجود هؤلاء في حياتهم , لطالما اعتقد أنها فكرة غبية , أن تعتقد أن قلبك ملك لشخص آخر , و أنها مجرد تبريرات خرقاء لأحاسيس شهوانية , فها هو يحب مريم و يعتني بها منذ سنوات , و لكنه لا يشعر بأنه سيفقد روحه ان فقدها مثلا , أكيد سيحزن و سيؤلمه قلبه لكن الحياة تستمر , ليكتشف الآن أنه انظم الى زمرة الأغبياء , الذين كان يسخر منهم , و أن ملك استثناء من كل ما آمن به بالوصول الى هذه النتيجة , ظهرت ابتسامة سخرية على طرف فمه , مع طوفان من الأسئلة يراود عقله " ماذا لو قالت لا و نبذته مع مشاعره , ماذا لو مازالت تكرهه كما أخبرته في البداية ؟ ماذا لو أنها لا تزال متعلقة بذلك الرجل , و ستقوم بصده بطريقة مؤلمة لتعود اليه ؟ .... " كان هذا أكثر ما يخيف علي الآن , هو لم يتوقع في حياته أن يحب امرأة , لا تعرف شيئا عن مشاعره ، لم يتكهن في أسوء تشاؤماته , أن يقع في فخ حب من طرف واحد , و قد سمع الكثير من قصص العذاب عنه . يا لسخرية القدر فالمرأة الوحيدة التي تحرك لها قلبه , كانت الانسان الوحيد الذي أذاه و بشدة , و الذي أنهى رصيده لديه , قبل حتى أن يبدأ معه , لذلك هو يريد بعض الوقت , و البعد عن تأثير ملك عليه , حتى يفكر بترو و يتخذ قرارات حاسمة فلربما ما يحدث معه , فقط لأنها أمامه طوال الوقت ؟ ربما ستصبح شخصا عاديا في حياته ان ابتعد قليلا ؟ أجل لكن ليس أبعد من رحلة دقائق بالسيارة , و الا سيفقد ما تبقى من ذرات عقله . حاول علي مطولا خداع نفسه , لكنه بدأ يفكر بجدية في التراجع عن هذه الخطة , فقد بدأ يشتاق لها منذ الآن . . . . عاد كريم الى مكتبه , و انشغل هو الآخر بعمله , قبل أن يرن هاتفه مظهرا رقم أسيل , ليسارع بالرد بنبرة قلقة " أسيل هل أنت بخير ؟ " كان هذا أول ما يطرأ على باله , في كل مرة يلمح فيها اسمها , لا يمكنه السيطرة على خوفه , من أن مكروها أصابها أو أنها في ورطة ابتسمت هي في الطرف الآخر لارتباك الرجل " أجل بخير , و الشكر لك والدي غارق في عمله , لدرجة أنه نسي الاستمرار في احتجازي " تنهد كريم براحة و صمت الاثنان مليا , و كأنهما لا يعرفان ما يقولان , حتى بادرت أسيل التي شعرت بالاحراج , بسبب تهورها البارحة و اتصالها به " أردت أن أعتذر عن حماقتي البارحة , كنت متوترة جدا و أفسدت مزاجك , أنا آسفة " همست آخر كلمتين و ضمت شفتاها , منتظرة تأنيبه لها كما حصل أمس . لكن كريم أرخى جسده على كرسيه , و أجابها بنبرة مستمتعة " لا أمانع أن تتصلي بي , في كل مرة تشعرين فيها بالاستياء , في الحقيقة الأمر يروقني كثيرا " تفاجأت أسيل برده , فهي اعتقدت أنه سايرها البارحة فقط بسبب انزعاجها , لكن هاهو يجلس بكل هدوء , و يكرر ما قاله على مسامعها . رن هاتف كريم الذي في مكتبه , و كان قسم الحسابات يحتاجه في أمر هام , لذلك سارعت أسيل لانهاء تطفلها " حسنا أنا آسفة لأنني أشغلك عن عملك , أتمنى أن تتاح لي الفرصة لرد جميلك قريبا , طاب يومك " لكن قبل أن تغلق مباشرة استوقفها كريم , لا يريد أن يضيع الفرصة من يده " هل أنت متفرغة الآن ؟ " " ها ؟ أجل لماذا ؟ " صمت كريم لدقائق قبل أن يجيب , و التردد باد على صوته " لم أتناول شيئا منذ الافطار , أريد تناول غداء متأخر , هل يمكن أن توفي بوعدك السابق و ترافقيني ؟ " ابتسمت أسيل من الطرف الثاني لارتباكه , و تذكرت دعوتها له حينما التقته في المرآب " أكيد أرغب في ذلك , و لكن كما اشترطت أنا من سيدفع هذه المرة , أنا مصرة اعتبرها هدية شكر " لم يقل كريم شيئا لمعارضتها , لأنه يعلم أنها لن تدفع ما دامت معه , المهم أن تأتي لرؤيته . بعد ساعة كانت أسيل تقف , حيث اتفقت مع كريم في انتظاره , مر عليها بسيارته و غادرا ناحية أحد المطاعم الراقية , جلس الاثنان في صمت تام , كريم يحدق في وجه أسيل دون أن يرمش , و هي تحدق في الأرجاء محاولة تفادي نظراته , و كأن كل تلك الجرأة التي واتتها البارحة , للاتصال به تبخرت فجأة , و لم يلبث أن قاطعهما النادل بقائمة الطعام . بعد تدوين الطلب قررت أسيل فتح موضوع للكلام , لا تريد البقاء في هذا الصمت المريب لآخر اللقاء " أشكرك مجددا عما فعلته من أجل والدي , في الحقيقة حينما قلت أنك ستحل الموضوع , اعتقدت بأنك تقول ذلك فقط لارضائي , لم أعرف أنك كنت جادا " " لا داعي للشكر سأقول ذلك لآخر مرة , ثم أنا فعلتها من أجلك , و ليس من أجل والدك " رد كريم بنبرة جادة و ملامح متجمدة , فهو لا يجيد التعامل مع الاطراء و الشكر . "...." تفاجأت أسيل لصراحته , لم تتوقع أن يبوح بالأمر بشكل مباشر هكذا , و حاولت تشتيت الموضوع مجددا " احم هل يمكن أن أسألك شيئا ؟ " " أجل " " تلك الكعكة في برادك , لم تحتفظ بها اذا كنت لا تحبها ؟ " لمعت عينا كريم باستغراب , فهو لم يعتقد أنها رأتها من الأساس , و قرر قول الصدق كعادته " لأنها تشبهك , أنا لا أحب طعمها لكنني أحب شكلها " "...." احتقن وجه أسيل لتصريحه الثاني الجريء , فيما لا يبدو بأن أي موضوع ستفتحه , سيكون عاديا بالنسبة له , و في الأخير سيصدمها في كل مرة , تنحنحت بعدها أسيل , و نقلت الحوار الى مكان آخر تماما , كانت متأكدة أنه أكثر أمانا , على الأقل لن يحدق المارد ناحيتها , بكل هذا الشغف و هو يجاوب عليه " ألست فضوليا بشأن ما فعلته بخصوص مشروعي ؟ " سألته بحماسها المتقد و بعينين لامعتين , ليحدق اليها كريم قليلا ثم يجيب " ستحصلين على تقدير جيد , مع امكانية تنفيذ المشروع , من طرف احدى الشركات الكبرى " رمشت أسيل مرتين من الاجابة الروبوتية , ثم ابتسمت و علقت دون ان تفقد حماسها " أوه لم أعرف أنك تثق في شطارتي الى هذا الحد " قالت ساخرة فهي لم تخبره يوم أتت الى الشركة , الا أنها ستقدم مسودة مشروع تخرجها , الى البروفيسور المسؤول عنه . لكن كريم هز رأسه بالنفي قبل أن يصعقها " لا لكن هذا ما قاله البروفيسور " " أي بروفيسور ؟ " سألت أسيل باستغراب و أجاب هو ببساطة " البروفيسور المسؤول عن مشروع تخرجك " "...." صدمت أسيل للاجابة و سارعت للاستفسار " هل اتصلت بالبروفيسور المشرف على مشروعي ؟ " هز كريم كتفيه و أجاب بايجاز " أممم " حسنا صدمة أخرى و ستفتح رأس هذا الرجل , لترى من أين يستمد بروده , لكن كريم لا يبالي , لم يكذب يوما و لن يبدأ الآن خاصة مع أسيل . " لماذا ؟ " أرادت معرفة السبب بشدة " أردت أن أتأكد أن دراستك لم تتأثر , بكل المشاكل التي حصلت مؤخرا " و حك رقبته و قد شعر الآن فقط بأنه مترصد , لكنه كان يفعل ذلك من باب الاهتمام . ابتسمت أسيل و قد شعرت بدفء في صدرها , فهي لم تره يوما كمترصد , بالعكس هي تحب كم أن كريم مراع و عطوف , و لكنه يحاول اخفاء ذلك بمظهره اللامبال , و هو شهم كفاية حتى لا يتجول , في كل مكان متباه بأفعاله . " شكرا " قالت أسيل مجددا بهمس " على الرحب " رد كريم بارتياح لأنها لم تسيء الظن به . صمت الاثنان بعدها لدقائق , قبل أن تتحدث أسيل مجددا , و قد قررت سبر أغوار هذا الرجل , مادامت كل المواضيع محرجة معه فبقدر ما كريم كتوم و قليل الكلام , بقدر ما هي ثرثارة و لا تطيق البقاء , أكثر من خمس دقائق دون كلام , و لسبب غريب كريم لا يزعجه الأمر , فهو يحب الاستماع لحديثها مهما بدا تافها . " لم تحب التظاهر بالبرود و القسوة دائما ؟ " كان أكثر سؤال تبادر الى ذهنها منذ تعرفت عليه حدق اليها كريم قليلا ثم أجاب " لأنها الحقيقة " سارعت أسيل للاعتراض " لا غير صحيح , أنت أطيب و أروع انسان قابلته في حياتي " لم تدرك أسيل ما قالته , الا بعد أن تلفظت به , و ظل كريم ينظر اليها دون أن يعلق , مستمتعا بارتباكها و احمرار وجنتيها , و قد انتبهت للتو أنها ألقت اطراءا على الرجل دون تحفظ . حاولت أسيل تدارك الاحراج سريعا , بأن أضافت و هي تحرك يدها أمامها " أقصد أنك حنون و مراع جدا " اطراء آخر أفلته لسانها , رغم أنها حاولت ترقيع الأمر , الا أنها زادته سوءا بتهورها . ابتسم كريم فجأة بطرف فمه , لأول مرة منذ التقته , هي رأته يضحك لثوان البارحة في الكاميرا , لكن ليست هاته الابتسامة الهادئة الساحرة , مباشرة على الطبيعة مرسلة رجفة في أوصالها اتسعت عيناها عن آخرها و صرخت في وجهه " يا الهي أنت تستطيع الابتسام " كانت كطفلة تشاهد قوس قزح لأول مرة في حياتها . اتسعت ابتسامة كريم النادرة , و لم يحاول اخفاءها كما تعود , و حرك رأسه يمينا و شمالا , في اشارة منه الى قلة حيلته , في التعامل مع هذه المشاغبة , التي تلون حياته المظلمة بعفويتها التي يعشقها . صمت كريم بعدها لعشر دقائق , حتى اعتقدت أسيل أنه لا يريد التحدث , فالتزمت الصمت هي الأخرى , في انتظار تناول الطعام للانصراف , في النهاية هو قال أنه يريد أن يأكل معها , و ليس أن يثرثرا سويا . و لكن كريم قرر الكلام فجأة بنبرة حزينة " لأنني لا أريد أن يحبني أحد , و لا أن أحب أحدا " عبست أسيل و قد أدركت أنه أجاب سؤالها السابق , عن شخصيته الغليظة المصطنعة " لماذا ؟ " كان الفضول يتآكلها و لم ترد التراجع , هز كريم كتفيه بلا مبالاة " لأنني أكره الحب , لأن الحب أناني يقتل صاحبه حيا , و لا يجلب الا الخراب و التعاسة " تفاجأت أسيل بتعليقه الذي أحزنها " هل يمكن أنه أحب احداهن , و هي غدرت به و عذبته ؟ " سألت نفسها و قد شعرت بالغيرة . هو رجل في الثلاثينات من عمره , لا يعقل أنه بقي دون تجارب الى الآن , هي تتفهم ذلك و لكنها لا يمكنها الا الشعور بالاستياء للتفكير في الأمر . لاحظ كريم تغير ملامحها الى التجهم , و هي تخفض رأسها تعض على شفتها , و تحدق الى أصابعها بتوتر , فقرر قول ما لم يفكر في قوله أمام أحد حتى علي " والدي في السابق أحبا بعضهما كثيرا , كانا متعلقين ببعضهما بشدة منذ مراهقتهما , رغم أن عائلتيهما كانتا تحملان الضغائن لبعضهما بسبب ثأر قديم " تنهد كريم بعمق ثم أضاف , بعدما رفعت أسيل عينيها لتحدق اليه باهتمام " لكنهما لم يباليا برأي أي شخص , قررا أن يعيشا حياتهما كما يريدان , لذلك فرا بعيدا عن البيت للزواج , مما أجج غضب الأجداد و حقدهما , كان والدي أستاذا و والدتي مربية في روضة , كنا نعيش بسعادة لستة سنوات , بعيدا عن الكره و الانتقام , حملت والدتي بعدها مجددا , و كانت سعادتنا عظيمة لأنها كانت فتاة , كنت أنتظر بفارغ الصبر قدوم أخت لي , لدرجة أنني لم أكن أنام ليلا , و أنا أطمئن على والدتي , كان حلمي أن تكون لي أخت أحبها أحميها و أدللها , لكن كان للقدر مشيئة أخرى , و كل ذلك تبخر في ليلة مشؤومة واحدة " عبست أسيل و هي تحاول استيعاب , ما الذي يبوح به كريم , و المفاجأة بادية على وجهها و قد بدا أمرا فضيعا , بسبب الألم الذي ظهر فجأة في عينيه . " ماذا ؟ " سألت بصوت هامس و أجاب هو بتأثر " لا شيء , حينما دخلت والدتي المخاض , اصطحبها والدي و أنا معهما الى المشفى , و نحن نحضر أنفسنا لنصبح أكثر سعادة , و لكن بوم انقلبت بنا السيارة , بعد أن ارتطمنا بشاحنة كبيرة , بسبب توتره الشديد , توفيت والدتي و شقيقتي في مكان الحادث , و بقي والدي في الانعاش ليومين , قبل أن يلحق بهما , أما أنا فلم أعان الا من رضوض بسيطة , لأنني قذفت خارج السيارة , من النافذة التي كانت مفتوحة , بمجرد أن تلامست المركبتان " أغمض كريم عينيه , و كأنه يستذكر ما حصل منذ زمن بعيد , و كأنه يعيشه الآن بكل آلامه و أخذ نفسا عميقا , لم تجد أسيل غير أن تمد يدها و تتمسك بقبضته , التي كان يضمها بشدة فوق الطاولة , و كأنه يفرغ فيها كل غضبه و أحزانه حين استشعر لمستها الرقيقة , فتح كريم عينيه مجددا , قلب كفه و تمسك بيدها الصغيرة , لأول مرة في حياته , يدرك بأنه بامكانه الشعور بالراحة , أثناء امساك يد أحدهم و استرسل بعدها " بقيت لأسبوعين في بيت أحد الجيران , الذين تكفلوا مشكورين باقامة جنازة لائقة لهم , لكن الشرطة مصحوبة بالخدمات الاجتماعية , قصدتهم و طلبت تسليمي , لأنهم ليسوا من عائلتي , و بالتالي لا يحق لهم قانونا الاحتفاظ بي , سمعت أثناء حديثهم أنهم اتصلوا بجداي لتسلمي , و لكنهما رفضا و قالا أنني بذرة سيئة , و أن والدي توفيا لأن اللعنة طاردتهما , و أنني لن أنعم بالسعادة ما حييت , لم أفهم يومها ما الذي قصدوه , و لكن بعدما كبرت أدركت معنى كل حرف , و حفر عميقا داخل روحي . تم بعدها وضعي في دار لرعاية الأيتام , و أدركت بمجرد دخولها أن حياتي , لن تعود أبدا الى ما كانت عليه , في لحظة واحدة شعرت أنني , صرت وحيدا على هذه الأرض , بين ليلة و ضحاها , فقدت البيت الدافي الى سجن كبير , الفراش الدافيء تحول الى سرير قاس , فقدت الأكل و اللباس المريح , و الأسوء فقدت حنان الشخصين الوحيدين , اللذين امتلكتهما طوال حياتي القصيرة , أتعرفين ما كانت أمنيتي لسنوات ؟ " هزت أسيل رأسها بالنفي , و هي تحاول منع نفسها من البكاء " تمنيت لو أنني مت معهم , أو بدل أحد منهم , كان القبر آنذاك سيكون أرحم بكثير , من الحياة التي حظيت بها , حينها كرهت ما يسمى الحب و كل ما يتعلق به , بسبب الحب برر والدي عيش حياتهما بحرية , دون أن يفكرا فيما يمكن أن يحصل معي بعدهما , بعد أن تحديا الجميع ليجدا سعادتهما , كنت أنا من دفعت الثمن , بالنسبة لي لم تكن أكثر من مجرد أنانية من طرفهما , ألقت بي في الجحيم " توقف كريم لبرهة يحاول ضبط أعصابه , و هو يحدق الى الطاولة أمامه , متفاديا النظر الى وجه أسيل , ثم استمر يريد أن يدخلها الى أكثر أسرار حياته بؤسا " كنت مهذبا أكثر من اللازم , هذا ما قاله أحد المربين لي , لأنني كنت أتعرض للتنمر باستمرار , دون أن أدافع عن نفسي , كانت والدتي المرحومة , تخبرني دوما أن قوتي في أخلاقي , و أن لا داعي لاستخدام قبضتي لأجعل الآخرين يحترمونني , و لكنني اكتشفت بأسوء طريقة , بأن الأمر غير صحيح " ابتسم كريم بسخرية قبل أن يكمل " كانوا يأخذون طعامي , يبللون فراشي و يمزقون ملابسي , و يتسببون في تعرضي للعقاب , كانوا يضربونني حتى أفقد الوعي , و لكنني لم أكن أرد , لأنني كنت أريدهم أن يحترموني لا أن يخافوا مني , الى أن صرت في العاشرة من عمري , لم أدر بنفسي الا و أنا أمسك بصينية الطعام , و أضرب أحد المعتدين علي على رأسه , الى أن سال دمه و فقد وعيه و كاد يفقد حياته , تعرضت بعدها للعقوبة بالاحتجاز الانفرادي , و لكنني اكتشفت يومها , أنني لا أشعر بأي ندم أو ذنب , بالعكس شعرت بالراحة لأنني بعد اطلاقي , لم يجرؤ أحدهم على الدنو مني مجددا , عرفت حينها أن قوتي , من يفرض على الآخرين احترامي , أو ربما الخوف مني لا فرق , ما دمت سأنعم بالراحة , لا يهم ما الذي يحققها , أنت قلت البارحة أنك بذلت , جهدا مضاعفا لنيل رضا من حولك , أنا عكسك اختصرت العناء على نفسي , و نبذت اهتمام الجميع , لأنني لم أكن أحتاج تقديرهم و شفقتهم , التحقت بعدها بالحصص الرياضية كلها تقريبا , ملاكمة كرة سلة كاراتي جيدو كل شيء , لدرجة أنني كنت أفر من الدروس لأتمرن , خلال سنوات أصبحت أطول , حتى من المدربين أنفسهم , و أكثر ضخامة من معظم الرياضيين , و كنت مهابا من الجميع , لم يكن أحد يقدر على التنفس في وجهي , لكنني ضيعت شهادتي , و اكتفيت بالثانوية العامة , شعرت بالسوء بعد تخرج باقي الأولاد , لأنني ضيعت أحد أحلام والدتي برؤيتي طبيبا , لكنني قررت أن أمضي , و أصنع مستقبلا يجعلهما يفتخران بي , بمجرد أن بلغت السن القانونية و غادرت دار الرعاية , اتجهت مباشرة و دون تردد الى الجيش , قدمت أوراقي و لم أجد أفضل من القوات الخاصة لاستثمار قدراتي البدنية , مع الوقت فقدت كل قدرة على الشعور بآلام الآخرين , أصبحت استمتع بالوحدة التي كرهتها سابقا , لم يكن لدي أصدقاء يوما , و أصبح رفيقي الوحيد سلاحي , الذي لا يفارقني حتى أثناء نومي " عليكم التعود علي حينما أكون محبطة , تتفجر ينابيع النكد هنا في الرواية , أنا وفية لقرائي عليهم أن يشاركوني كل المشاعر أعتقد أنكم أصبحتم تعرفون أسلوبي , أنا مهووسة بالتفاصيل و تحليل المشاعر بدقة , حبيت يكون لكل فرد في هذه الرواية , قصته الخاصة التي تستحق أن تكون قصة منفردة , و كريم ليس استثناء 💖 أية انتقادات أو تعليقات مرحب بها من طرفكم , كلي آذان صاغية 😘💞💞 ....... | ||||
28-11-20, 11:24 PM | #1165 | ||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 112 ( الأعضاء 49 والزوار 63) ملك علي, بلانش, k_meri, سنا القمر, انجيليك, fawzia mohammed, Amal_388, amana 98, بسمه رضا, نور الدنيا, suzyy, يوسف طنجة, rahafsoo, zezo1423, Kemojad, غير عن كل البشر, ملك اسامة, لاار, منيرة أحمد, راء!, وردة الطيب, adeladel20100, ali.saad, همس الضلال, هدى الحسني, صباح مشرق, nada alamal, Wafaa elmasry, Kokinouna, ملوكه*, الاوهام, lilwom, Just give me a reason, سوووما العسولة, مرمر-980, أمنيات بريئة, نادية الليل, Alaa_lole, ام ارومة, ايمان الجزيري, شوشو عبدالهادى, هانا مهدى, غادة رجب, مي قصي, توتا احمد غ, للحياة, ltoofsi, شموسه3, أمنيةحمدي شكرا حلويات 💖💖💖💖🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹 | ||||
28-11-20, 11:28 PM | #1166 | ||||||||
| كرييييييييييم 😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😥😥😥😥😥😥😔😔😔😔😔😔😔😔😔😔 بالعكس ملك برأيي قصة كريم اليوم كان لا بد منها و هذا العدل بالبارت الي فات شفنا اسيل و معاناتها و كان لازمنعرف قصة كريم من وجهة نظر هو يعني هو الي يحكي و يفضفض بالعادة كنا نسمع عنه بسردك انت لكن اليوم القصة من فمه تفرق 😭😭😭😭تأثرت بيها فعلا كريم شخصية رائعة و لا ابالغ ان قلت اني افضله على علي احببت كيف علمته الحياة القوة قبل كل شيء و شخص اخر مع معاناته كان انحرف عن الطريق لكن كريم استثمر غضبه على الاخرين و قوته الوليدة فالجيش و هذا ما يثبت معدنه الأصيل 👏👏👏👏👏👏👏برافو ملك على هذه الشخصية الاستثنائية و شكرا لانك اخرجتيها بطريقة و لا اروع ❤❤❤❤ 🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺 علي و ملك 🤔🤔🤔🤔🤔🤔🤔🤔قصتهم فكرتني بصورة كنت شفتها لحبل ينعقد و نشوف العقدة كلها ما تكبر حتى نقول اين الحل و بعد اكثر من عقدة فجأة تنفك و يرجع الحبل عادي العقدة الحالية هي بيت الشاطئ الي قلب المواجع على ملك و علي انا شخصيا و الله حرام ملك غير البارح تعاطفت مع علي و غاضني اليوم و انا استرجع مع ملك احساسها الاول بالظلم و الافترا صبت روحي عاذرة ملك و تخبطها 😔😔😔😔😔 و المشكل انه لما انتقلت لعلي كمان عذرته رغم انه اخفائه براءة ملك خطأ كبير و هذه ايضا عقدة جديدة ممكن تكلف كثير غاضني علي لانه اخيرا اعترف انه يحب ملك و روحه معلقة بروحها يعني انا الان فيفتي فيفتي 😂😂😂😂و الله ملك برافو عرفتي كيفاش تغيري موقفي الاول من علي حاسة انه عندي دهر و انا تقرا فالرواية حاسة الشخصيات كبرت و تطورت قدام عيني بغيتهم مرة و كرهتهم مرات و رجعت نشقق عليهم و نتعاطف معاهم 🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺في انتظار البارت الجاي 😘😘😘😘😘😘 | ||||||||
29-11-20, 12:13 AM | #1169 | |||||
| اقتباس:
كالعادة تقرير مفصل و موفق ينعش القلب 💖💖💖 طبعا كريم ما كان بالشخصية المتحجرة هذي لو لم يمر بكل هذه التجارب و يمكن اشتراكه مع أسيل في هذه النقطة بالذات جذبته ناحيتها و جعلته يشعر بمعاناتها 💖💖 المهم حبيبتي حاولي تحافظي على قواك العقلية لأن الأعاصير القادمة قوية و اخشى ان تنتهي بانفصام في الشخصية بين ملك و علي 🧐🙄😅 جميل فعلا وصول كل الاحاسيس التي اريدها لقراءي الرائعين شكرا الاء 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹 | |||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|