29-12-20, 10:06 PM | #1707 | ||||
| البارت التاسع بعد المائة موعد على العشاء 💕 " مساء الخير " همست بين شفتيها بنبرة مثيرة مغرية , محاولة لفت انتباه الرجل , الذي خطا لتوه من الباب , و الذي لم يكلف نفسه , حتى عناء السؤال عن صاحبة البيت . أخذ علي نفسا عميقا , و شرع في خلع سترته بتأن , قبل أن يجيبها بصوت يملؤه السأم " مساء الخير " رغم أن نبرته كانت تصرخ ممنوع الاقتراب , الا أنها لم تهتم يوما لردات فعله المعادية , لكل ما يصدر منها فلم ستفعل الآن ؟ تقدمت المرأة تتمايل بكل غنج و دلال , و مدت يدها ذات الأصابع الرقيقة , و الأظافر المشذبة بعناية و المطلية باللون الأحمر , لتلتقط سترته التي سارعت لتعليقها على المشجب , و عادت لتقف قريبا منه , في احدى محاولاتها المستميتة , لايقاعه في حبائلها و التأثير عليه جسديا على الأقل , بما أنها يئست من اختطاف قلبه , كما منت نفسها طويلا قبل الزواج . كانت ملامح علي باردة كالجليد , بحدقتين زجاجيتين لا يقرؤ منها شيء , عيناه تحملان نظرة حادة كصقر , يوشك على الفتك بفريسته , ليمزقها اربا لا ليفترسها , لكنها معه صارت تعشق البرد , الذي ترسله كل ذرة من كيانه , تماما كما عشقت كل تفصيلة , مهما كانت صغيرة تخصه لدرجة الهوس , تشجعت المرأة المولعة أخيرا , و رسمت أكثر ابتسامة مثيرة تجيدها , مسحت بعينيها جسد الرجل أمامها بوله لم تخفه , قبل أن تمد يديها مجددا , و تضعهما على كتفيه المتشنجة , و تبدأ في حركة متواترة لتمسيدهما , مدعية اعطاءه مساجا سريعا , للتخفيف من تعبه و انهاكه , لكن ما كانت تفعله في الحقيقة , كان أبعد من مجرد لمسات بريئة , و الرجل أمامها أكثر خبرة , من أن يفوت مقاصدها الواضحة , تشنج جسده كله و اختلجت عضلاته , فجأة حينما دنت من أذنه , و همست له بكلمات فيها بحة مغرية , و قد تجرأ ذلك العطر الفخم الذي تضعه , على دغدغة مشاعره المحنطة منذ زمن طويل . " لقد جهزت لك الحمام , خذ دشا دافئا بعدها سنأكل معا , كنت أنتظرك و قد طبخت لك بيدي " ثم تراجعت قليلا تحدق الى عينيه , اللتين تحملان صد العالم فيهما لها وحدها , مقاومة تغذيها كرامته المجروحة , من فكرة أنه أجبر يوما على هذا الزواج , لكنها كانت تلمح تلك الجذوة من الاثارة , تستعر في أقصى زاوية من روحه محاولا اخمادها , و التي تخبرها أنها تؤثر عليه و لو قليلا , و هي ستتمسك بها و تقيدها من روحها اذا تطلب الأمر , اذا كانت النتيجة أن يحترقا , في النهاية بلهيب حبها المهووس له . ألقى علي نظرة آلية , على الطاولة المقابلة في قاعة الطعام , كانت هناك الكثير من الزينة و الشموع , و كأنهما سيحتفلان بأمر ما كزوجين طبيعيين سعيدين , كانت تحمل كل ما يحبه من أطباق , و هو متأكد من أن والدته , قد ساهمت مجددا في بيعه لها من أجل مساعيها اليائسة , لدفعه لاتمام هذا الزواج البائس , فهذه المرأة أكثر غرورا , من أن تقف من أجل خاطره , في المطبخ لساعات كما حاولت ايهامه . عاد الرجل المتصلب البارد , و رمقها بنظرة متمعنة فيما تلبسه , مانحا اياها أملا جعل قلبها يدق دون هوادة , كانت تضع عليها ثوبا حريريا أسود اللون , يضم جسدها المثير مظهرا كل تضاريسها , التي تفقد أي راهب عقله و رصانته , طافت عيناه على كامل جسدها بثبات , وصولا الى حذائها ذو الكعب العالي , و الذي جعلها تقف ندا له بكل شموخ , عاد و حدق في شعرها الحريري الأسود , و عينيها اللتين تنافسان خصلاتها الداكنة سوادا , و اللتين كانتا تلمعان بانتصار خفي , و كأنها نالت الجائزة الكبرى . لطالما كانت أميرة أيقونة في الأناقة و الأزياء , و الكثيرون كانوا يحسدونه بالفعل على زواجه منها , فهي كما يقال تبرع في ارضاء أي رجل ترضى عنه , لكنه وحده يعرف أنها مجرد قشرة زائفة , لروح بشعة برائحة نتنة , تثير اشمئزازه لا عواطفه , مجرد طلاء رخيس لامرأة , بامكانها فعل أي شيء لتحقيق ما تريده , و ما تريده الآن و بجنون هو وصاله , الذي بخل بها عليه حتى و هي زوجته , لا لشيء سوى لأنه أقسم , ألا يكون لعبة في يد امرأة جشعة , تعتقد نفسها بغرور بالغ , قادرة على جعله يجثو على ركبتيه , بمجرد اظهار بعض المفاتن الآنية , و ليس هناك أكثر من أميرة عشقا للتحدي . ارتجف قلب أميرة من نظراته المتفحصة , التي اعتقدتها نظرات اعجاب , لتشعر بالانتشاء و قد عزز ثقتها في نفسها , على أنها توشك أن تنال مرادها , و أن علي سيعيد اليها أخيرا , مجدها البائد في الاغراء , الذي كانت ملكته المتوجة دون منافس , و الذي داسه هذا الرجل بقدميه دون رحمة , يوم اشترط عليها ذلك الشرط اللعين . تصلب علي في وقفته دون تقدم أو تراجع , مما أعطى المرأة أمامه , التشجيع الكافي للاستمرار فيما تفعله , رامية بكرامتها عرض الحائط , و أية كرامة أو كبرياء قد تمنعها , من الاستسلام للرجل الوحيد الذي أحبته . ركزت نظرها في عينيه الغامضتين , و استطالت لتدنو منه قاصدة شفتيه , تنشد قبلة تعيد احياء روحها , التي جفت من جفائه لها و بخله عليها , تتبع علي حركتها البطيئة , و كأنها كانت تطلب اذنه بطريقة مستترة , بمجرد أن صارت على بعد شعرة من شفتيه , انطلق صوته الذي لا يتحفها كثيرا بسماعه , و قد كانت نبرته ممتعضة و زاجرة " ما الذي تفعلينه ؟ " أجفلت أميرة من صوته ليس لأنه أخافها , و لكن لأن نبرة الاهانة و النفور فيه , لم تكن مراعية أبدا و متى راعى هذا الرجل مشاعرها , حتى يخفي مكنونات صدره , التي تمقت قربها منه . تراجعت أميرة خطوة الى الوراء , و كأن أفعى سامة لدغتها , وقفت تائهة تحدق بنظرة مجروحة , في هذا الرجل متحجر القلب جاف المشاعر , كصحراء قاحلة لا تظهر الا سرابا , يختفي بمجرد أن تدنو منه , ليتركها ظمآنة حد الموت , بروح كالرمضاء لا يفلح معها شيء , من محاولاتها لريها و احيائها , و لولا أنه متزوج و لديه طفلة , لاعتقدت أنه عاجز في هذا المجال . لكنها لملمت كرامتها الهشة , التي بعثرها بسؤاله المختصر , و لم يكلف نفسه حتى عناء الانصراف من أمامها , فقط ليؤكد لها أنها و الباب , الذي دخل منه للتو سواء بالنسبة له , لطالما طمأنت أميرة نفسها أنه يختفي بالأيام , و لا يتنازل حتى للسؤال عن حالها , لأنه كان يتهرب من تأثيرها عليه , و خوفا من ضعفه أمامها , مما كان يخفف وطأة المهانة , التي كانت تئن بها أنوثتها و كبرياؤها . " هو لا ينفر مني و لا يكرهني , هو فقط لا يراني في مجاله حتى يتأثر بي " كانت أميرة تردد هذه العبارة , لوقت طويل على نفسها بمنتهى الاصرار , محاولة رفع معنوياتها المحطمة بسبب مقاطعته , لكن كل شيء انهار في تلك الليلة منذ شهرين , حينما تجرأت و اقتحمت غرفته و سريره , مستخدمة كل أسلحة الاغراء التي تعرفها , متأكدة من انتصارها على صده المقيت , فهو في النهاية رجل , و هي امرأة تجيد أصول اللعبة , و محاولة الحصول على ما تتحرق له , منذ وقعت عيناها على علي , و قد قررت أنها تريده و لن تتخلى عنه , ليلة واحدة فقط ليلة واحدة , هي ما كانت تحتاجه لتحمل بوريثه الوحيد , و ليصبح هذا الرجل كالخاتم في أصبعها , لكن الوضع انتهى بها مطرودة , من هناك شر طردة , مع الكثير من الكلمات المهينة و المؤلمة , و التي احتاجت لوقت طويل من محو الذاكرة , حتى تتشجع و تعيدها هذه الليلة , مقاومة كل مخاوفها من اذلال جديد . " نعم هو زوجها حلالها , و لا اهانة في استمالته أو اغرائه , ما دامت تفعل كل ما هو مباح " كانت الكلمات التي تنوم بها كرامتها المجروحة , و التي أيقظها علي بسؤاله الساخر قبل لحظات . أخذت أميرة نفسا عميقا , لتهدئة البركان الذي على وشك الانفجار , استعادت صلابتها التي يعرف علي , أنها أكثر صفة حقيقية في شخصيتها , و بادرته بنبرة واثقة " أقبل زوجي ؟ ألا يحق لي ؟ " حدق علي ناحيتها لثوان , قبل أن ينفجر بالضحك سخرية منها , ضحكة اخترقت قلبها و أدمته قبل أذنيها , فهذا الرجل هو الانسان الوحيد , الذي يجيد تحطيم عزيمتها بمجرد ضحكة , و هي من منحه هذه القدرة . سرعان ما تمالك علي نفسه , ليسألها بنبرة تشبه الفحيح " من منحك هذا الحق ؟ " بلعت أميرة ريقها بعناء , و قد قررت أن تلعب كل أوراق حظها الليلة , لتجيبه ببساطة " عقد الزواج الذي بيننا " هز علي رأسه استنكارا لجرأتها , و ظهرت ابتسامته الساخرة مجددا على جانب شفتيه , و قد بدت أكثر ايلاما من ضحكته السابقة " عقد زواجنا فعلا ؟ أعتقد أنك فقدت ذاكرتك , اذ نسيتي الاتفاق بيننا " يقصد أن يكون زواجا على ورق بغرفتين منفصلتين , حتى يقرر هو أن يرسمه , بعلاقة حقيقية حينما يصبح جاهزا . ردت أميرة سريعا بنبرة مجروحة , فقد توقعت ذكره هذا الشرط الأحمق , الذي وافقت عليه في لحظة غباء , اعتقدت فيها أنها قادرة , على جعله يلغيه بنفسه , بعدما تطبق عليه تكتيكاتها الأنثوية , لكن ظنها خاب بطريقة مزرية , و هاهي تقف الآن ذليلة تحاوره بشأنه , عله يتنازل أخيرا و يرحمها " لا لم أنس , لكنك قلت أن علاقتنا , ستصبح حقيقية حينما تكون جاهزا , و قد مر الكثير من الوقت بالفعل , لتتعود على وجودي في حياتك , و هذا الصد و الحرمان الذي تبادلني اياه حرام شرعا , أنا لدي حقوق عليك مراعاتها " توترت عضلة في فك علي و تهدجت أوداجه , أصبحت نظراته نارية جعلتها ترتجف مكانها , ليبادرها بصوت بارد كالجليد " حرام ؟ " صمت للحظات قبل أن يضيف " و هل من الحلال أن تتصرفي , بخبث و حيلة و انحطاط , لتضغطي على والدتي كي تزوجنا , مستغلة احترامي لها و وعكتها الصحية ؟ هل من الحلال اقتحام عائلة امرأة أخرى , لاختطاف زوجها و احتلال مكانتها ؟ هل من الحلال ابتزاز أحدهم بنقطة ضعفه , فقط لأنك قررت في لحظة غرور , أنك تريدينه عند قدميك ؟ " صرخ علي آخر كلماته بغيظ مدمر , فهذا ما وصله من أصداء , عن أميرة قبل أن يرتبطا , و قد كانت دائرة معارفهما مشتركة . ارتجفت أوصال المرأة أمامه , أغمضت عينيها للحظات , حتى تستعيد رباطة جأشها التي شحذتها لأيام , و التي على وشك أن تشهد انهيارها أمامه , لكنها عادت و فتحتهما سريعا , و قد احتقنتا بدموع تحاول حبسها , لا تريده أن يشمت بها و باهانتها " أنا لم أبتزك أنا أحببتك , و قاتلت من أجل أن نتزوج " اتسعت عينا علي بدهشة , فهو لا يصدق قلة حياء هذه المرأة التي ارتبط بها , في لحظة ضعف و اذعان " عزيزتي اذا اختلطت عليك الأمور , فالحب يحتاج مبادلة حتى يكلل بنجاح , لست قطعة حلوى ترغبين بها لتشتريها , و أنا بكل فخر لا أحبك , و لا أعتقدني أفعل يوما , أتعرفين لماذا ؟ " أوقف تصريحه الخالي من أية رحمة قلبها , و تجمدت مكانها منتظرة باقي الموشح , دون أن ترد عليه بالرفض أو القبول , هي استفزته و عليها سماع ما يقوله , و قد خمنت بالفعل أنه سيكون , أسوء من الموت نفسه حينما يتلفظ به , فلا أحد في حياتها كلها يمتلك اللسان اللاذع , الذي يتمتع به زوجها العتيد و لم يخيب علي ظنها حينما قصفها بكل قسوة " أنا لا أحبك لأنني لا أثق بك , و لا أتصور امرأة أنانية مثلك يوما أما لأطفالي " بالنسبة لعلي فالأمر نفسي أكثر منه جسدي , الحب لا علاقة له بعواطف جياشة , أو قلب يذوب من نظرة عين أو ابتسامة , الحب لا علاقة له برغبات حيوانية تتبخر مع الوقت , الحب بالنسبة له مرتبط بالثقة , لا يمكنه أن يصل اليه دون أن يمر بمحرابها , الثقة التي لا يمنحها , الا لعدد قليل ممن حوله , و اللذين يمرون باختبارات روحية قاسية , يجريها بنفسه و لمرة واحدة , فهو مجنون و عديم الثقة بالآخرين الى هذا الحد المخيف . و أميرة لم و لن تكون أحدهم , لأنها فقدت فرصتها الوحيدة , قبل حتى الحصول عليها بكل ما فعلته . بسماع ما قاله تخبطت روح المرأة أمامه , كحمامة أصابتها رصاصة , توشك على أن تسلم روحها , و كان ردها مستفزا , فهي ليست ممن يصمتون حينما يهانون , و هي لا تجيد الردود اللبقة أمام الكلام المنتقد " آه نسيت أنك تحب زوجتك المريضة , التي لا تستطيع حتى ...." لم يسمح لها علي بالاسترسال , و قد خمن مسار حديثها المغلول , دنا خطوتين سريعتين منها , أمسك بذراعها و شدها ناحيته , مرسلا نظرات قاتلة ناحيتها , و قد أشعلت فتيل غضبه أخيرا " اياك ثم اياك أن أسمعك , تهمسين بكلمة واحدة عن مريم , أقسم سأجعلك عبرة لم لا يعتبر , تلك المرأة التي لا تعجبك ظفرها يساوي رقبتك , و أنا لا أحتاج آراءك المقيتة لأحبها , و كلمة أخيرة اسمعيها مني , اذا أردت أن يستمر هذا الزواج البائس , فابقي ساكنة هنا في البيت الذي وفرته لك , و الذي لم تكوني تحلمين بعشره فخامة و رقيا , و بدل تضييعك وقتك الثمين , في حياكة المصائب و الحيل لايقاعي , صل ركعات لله و ادعه باخلاص , أن يتغير قلبي قبل أن يشيب شعرك , لأنني صراحة لا أخطط لالغاء ذلك الشرط , قبل عشر سنين على الأقل " اتسعت عينا المرأة رعبا , مما صرح به بكل غل , و هو يكز على أسنانه , فهي أكثر من يعرف أنه لا يلقي بالكلام جزافا , اذا كان صده لها جرحها بعمق , فتقليله من شأنها الذي لا يرقى حتى , الى مقام امرأة سقيمة بالنسبة له طعنها في الصميم , فأي شيء أسوء من أن تخسر أمام شبح امرأة , لا تملك ذرة مما تملك هي , مما زاد في اذلالها و عذابها . لدقيقتين تاهت كلماتها و انعقد لسانها , و لم تنتبه الا حينما أطلقها علي , مبعدا اياها عن طريقه كحيوان موبوء , ثم اختطف سترته من مكانها , و غادر مجددا صافقا الباب وراءه , لتنهار أميرة أخيرا خلف الجدران الباردة , باكية حظها النحس الذي قيدها برجل لا يرحم . بعد ساعتين هدأ نشيجها , و لمعت عيناها بفكرة شيطانية , هو متعلق بتلك الكسيحة , و هي ستعلمها بكل ما يحصل بينهما , لترى ان كانت ستحبه بعد ذلك و تبقى معه . تذكرت أميرة كيف قصدت , في اليوم الموالي بيت علي , بعدما تأكدت أنه غادر الى عمله , و كيف اعترضت تلك المرأة العجوز التي يوظفها , طريقها بكل جرأة و قلة احترام , لتطردها بصراحة و تطلب لها حراس الأمن , استرجعت أميرة كيف صرخت , و رفعت صوتها يومها كالمجنونة , كامرأة يائسة فظة آتية من الشارع , و قد أفقدها ما بثه علي من سموم في قلبها , كل ذرة رقي تمتلكها , لتوصل الكلام الى زوجته المريضة , علها تموت و تريحها و تحرق قلبه عليها . لكن لم يحصل شيء مما تمنته , سوى أن الحراس أخرجوها عنوة , من هناك مجرورة ككيس قمامة , ليزورها علي خلال ساعة واحدة , ملقيا عليها يمين الطلاق و هو في أوج غضبه , اليمين التي أفقدتها عقلها , و جعلتها تفر من البلد كلها الى لندن , لتقيم فيها فترة طويلة , محاولة اعادة بناء حياتها . " أميرة , أميرة ما بك ؟ " نادت عليها شقيقتها الصغرى خلود , مخرجة اياها من دوامة ذكرياتها الأليمة , لترمش مرتين محاولة حبس دموع القهر , لما آلت اليه حياتها , مسترجعة آخر لقاء بينها و بين علي , و الذي انتزع منها روحها دون رجعة , ليتركها خيال امرأة كانت يوما سيدة النساء . تنحنحت أميرة بارتباك قبل أن تجيبها , محاولة الحفاظ على ثباتها " لا شيء خلود , ماذا تريدين ؟ " هزت الشابة كتفيها و ناولتها قدح قهوة , طلبت منها اعداده سابقا " لا شيء ؟ أنا أكلمك منذ ربع ساعة , و أنت في عالم آخر , ماذا دهاك هل أنت بخير ؟ " تأففت أميرة من السؤال السخيف , الذي يكرره الجميع منذ يوم عودتها , مما اضطرها الى الانتقال للاقامة , مع شقيقتها في شقتها الخاصة , و التي اقتنتها لأنها قريبة من مقر عملها , علها تحظى ببعض الخصوصية و الهدوء " طبعا بخير ماذا ترين ؟ " كالعادة تكابر دون تردد " أرى أنك لا زلت متعلقة بأوهام الماضي , و لن ينالك الا الأحزان و الدموع " قالت مشيرة بذقنها الى هاتف أميرة , الذي فتحته على صفحة ثرثرة نسائية , انظمت لها خصيصا , لأن فيها معظم عاملات شركة علي , و الكثير من أصدقائه و معارفه , و التي نشرت قبل ساعة , صوره مع ملك معلنين أنها زوجته الجديدة , مع الكثير من الوضعيات الحميمة بين الاثنين , جعلت دمها يغلي من الغيرة . لوت أميرة شفتيها و نفت افتراض شقيقتها مباشرة " مجرد فضول عابر , من قال أنني لازلت أفكر فيه ؟ " طبعا مجرد كذبة تحاول تصديرها للآخرين , فهي لم تعد الا حينما , وصلتها أخبار وفاة مريم , و قد راودها الأمل مجددا في استعادة العلاقة مع علي , كان عليها أن تطير الى هنا , في أول رحلة و تعيد ترتيب حساباتها , لتدخل حياته قبل أن يجد الفرصة , للعثور على امرأة أخرى , فمن يعرفها أفضل ممن لا يعرفها , هي كانت تتبع أخباره طوال الفترة الماضية , و هو لا يزال يعيش راهبا كما تركته , عدا عن اشاعات فضيحة واهية , في فندقه منذ أشهر , مع امرأة أجنبية سرعان ما اختفت . " حسنا ما رأيك فيما نشروه ؟ " كانت الكثير من صفحات المشاهير الالكترونية , و حتى بعض الصحف العريقة , قد نشروا صورا لزيارة ملك الى شركة علي , دقائق بعد التقاطها دون ذكر تفاصيل , و قد اضطرت الكثير منها , الى تموية الوجه قليلا , خشية أن يقاضيهم الرجل المجنون المتملك , لأنهم نشروا صور زوجته الغامضة , لكنه سبق يستحق المغامرة , الا أن أميرة التي رأت , ما يكفي للحكم على الموضوع , سارعت لهز كتفيها بلامبالاة , و نفي ما تراه كوضوح الشمس في كبد السماء " ليست زوجته مستحيل , واضح أنها مجرد تمثيلية , أو ربما مجرد تخمين , من مجموعة العاملات هناك " طبعا لم تذكر الشابات اللواتي نزلن الصور , شيئا عن حادثة صدام ملك مع ايمي , أو تهديد علي و اعلانه غير المسبوق هناك , و اكتفوا بأن نشروا الصور , مع عناوين مقتضبة عن كونها زوجة مديرهم . " و كيف تكونين متأكدة ؟ " سألت خلود بفضول كبير , لترد أميرة بكل ثقة " ألا ترينها ؟ تبدو نحيلة جدا و شقراء , فيما علي يفضل السمراوات بملامح عربية , ممتلئات الجسم و مكتملات الأنوثة , و هذ الشابة تبدو صغيرة الحجم الى جانبه , كدمية عرض ملابس بلاستيكية , ثانيا هو لا يصطحب زوجته الى مكان عمله " هذا ما أخبرها به يوما , حينما طلبت مرافقته الى مكتبه , للتعرف على محيطه , قال لها بالحرف الواحد " ليس هناك ما يستحق الرؤية " لتصر عليه كما تفعل دائما " بلى كل حياتك تهمني , أنا متأكدة أن هناك الكثير , مما يستحق التعرف عليه " رماها علي بابتسامة ساخرة , ليصحح مفهومها بكل قسوة " أقصد أنك أنت من لا يستحق الرؤية و ليس شركتي " هزت أميرة رأسها لتنفض أفكارها بعيدا , و قد عادت لتغرق مجددا , في احدى الذكريات المشؤومة , حينما لم يكن الرجل يتردد , في تحقير وجودها في حياته . و أضافت تحدث شقيقتها بنبرة طبيعية , و كأنها لم تحلق بعيدا عنها , الى حيث أشباحها التي تفر منها " أراهنك أنها مجرد واحدة من معارفه من الأجانب , ثم هو لا ينف اشاعات ارتباطه , لذلك لن نتوقع تكذيبا قريبا " أو هذا ما تحاول اقناع نفسها به لقتل وساوسها , هي عادت لتثأر لكرامتها و كبريائها , اللذين تمرغا في الوحل , و صارت سخرية مجتمعها بسببه , بعدما لفظها علي من حياته , كما تلفظ اللقمة المرة من الفم , هي أحبته سابقا , كما لم تفعل في حياتها , و قامت بحياكة الكثير من الخطط لايقاعه و الارتباط به , و هو تزوجها لتلقينها درسا عن الأنانية و التهور , جاعلا اياها عبرة لكل من تسول له نفسه اقتحام حياته عنوة , غير عابئ بما خلفته , خطته الخبيثة تلك على نفسيتها و سمعتها , لذلك وحده ارتباطه بها مجددا , سيعيد ترميم روحها و يداوي جراحها الدامية , و لن تسمح لأي امرأة أخرى باختطافه مهما حصل . " اتصلت صديقاتك , لم لم تخرجي معهن للعشاء ؟ " غيرت خلود الموضوع الحساس , بعدما لاحظت اكتئاب ملامح شقيقتها , و التي سارعت للرفض مجددا " لا أريد , هن يصررن على الذهاب الى المطاعم , التي يمتلكها علي نكاية بي , و أنا لا أريد أن أمنحن فرصة الشماتة بوضعي , سأدعوهن هناك قريبا كمالكة للمكان " " أختي لا تتوهمي كثيرا , فقد يكون مرتبطا بالفعل " حاولت خلود منع شقيقتها , من التدخل مرة أخرى في حياة علي , هي التي شهدت انهيارها البائس بعد طلاقهما , لكن أميرة لم تكن لتتنازل عن انتقامها , ليس دون قتال على الأقل . " لا تقلقي سأكون بخير " خففت من قلقها مرسلة ابتسامة واهية اتجاهها , و ألقت هاتفها جانبا بتذمر , واضعة حدا للأفكار السوداء التي انتابتها . . . . بعد ساعة أنهى علي اجتماعه ، الذي علقه سابقا بسبب قدوم ملك ، بعد أن قدم اعتذارا مناسبا للشركاء ، حتى أنه تنازل عن أحد البنود , التي كان يصر عليها بشدة , ترضية لهم نظير الجلبة التي حدثت , ليعود بعدها مباشرة الى المكتب متجها الى غرفته , تقوده اللهفة لرؤيتها مجددا . حينما دخل كان الهدوء يسود المكان ، و لم يلمح وجه ملك أو يسمع حركتها ، للوهلة الأولى اعتقد أنها غادرت ، بما أنه يعلم مدى عنادها , أكيد ملت و انصرفت بطريقتها الخاصة . و لكنه فوجيء برؤيتها نائمة هناك على الصوفا ، و لا يظهر منها سوى رجلها المصابة ، و التي كان كيس الثلج , لا يزال موضوعا عليها . دنا علي منها بكل هدوء , ابتسم و هو يحدق الى المرأة , التي تنام هناك بكل راحة , و كأنها تستلقي في فراشها . بعد وقوفه أمامها لدقائق متأملا , قرر علي نقلها الى السرير ، فوضعية نومها لم تكن مريحة ، و قد تعاني من تشنجات بعد أن تستيقظ , اضافة الى أن الشال الخفيف الذي يغطيها غير كاف . أخذ علي المجلة من يدها أولا , ابتسم برضا بعدما رأى المقال , الذي كانت تقرؤه قبل أن يضعها جانبا ، ثم انحنى و حملها برفق بين يديه , أطلقت ملك أنة متذمرة لأنه أزعجها ، و لكنها ما لبثت أن هدأت مجددا ، و تكورت بين يديه كقطة ، بعد أن وجدت وضعية مريحة في حضنه . حنى علي رأسه ناحيتها , و أخذ نفسا عميقا , مستنشقا رائحة شعرها , لا يعلم لم يخفق قلبه بشدة جنونية ، كلما لامس هذا العبير أنفه , فهو أكثر تأثيرا من أقوى العطور . وقف علي مكانه دون حراك لثوان ، يراقب ملامح ملك المتوترة , منتظرا أن تهدأ حتى لا تستفيق , بمجرد أن استكانت بين ذراعيه , حتى خطا بعدها بتأن باتجاه السرير ، وضعها برفق ثم وضع الغطاء عليها , و وقف يراقب مجددا عن قرب . هو الآن مندهش من قدرة هذه المرأة ، على النوم بعمق في أي مكان ، لا عجب أنها نامت في جناحه ، دون أن تدرك وجوده هناك . استعاد علي سريعا كلامها القاسي معه , حينما فتح موضوع زواجهما , و شعر بالضيق لأنها كانت منهارة و تبكي بسببه , لكن بتذكر كل ما حصل قبل أيام , شعر أيضا ببعض الراحة , فرغم أنهما تقاتلا و غادر غاضبا , الا أنها لم تتردد للمجيء , و البحث عنه متناسية الخصام , بمجرد أن ظهرت مشكلة , أكثر أهمية من غضبها منه . حتى أنه استغرب كيف كانت تكلمه بكل هدوء , دون تذكر موضوع نقاشهما الحامي , رغم ذلك هو يدرك الآن , أن ملك لا تحمل ضغائن لأحد , هي امرأة تسامح و تنسى بسهولة , و ربما هذا من حسن حظه , سيسهل أمر مراضاتها لاحقا . انحنى علي ناحيتها مجددا , عدل الوسادة و أزاح شعرها عن وجهها ، ثم طبع قبلة سريعة على جبينها , ليغادر بعدها عائدا الى مكتبه , حيث كانت هناك بعض الأوراق , التي تحتاج الى مراجعة و توقيع . أثناء ذلك طلب علي من ليلى , عدم السماح لأي كان بالدخول ، حتى أنها ألغت مواعيده للمساء حتى كريم حينما أتى لاستلام الملفات ، أشار له بالتزام الصمت , حتى لا يزعج ملك النائمة , طبعا دون أن ينسى أن يطلب ابراهيم ، و يعطيه باقي اليوم اجازة , حتى لا تنكشف كذبته . أنهى علي سريعا أعماله و عاد الى الغرفة ، حيث كانت ملك لا تزال نائمة , أخذ دشا سريعا , و غير ملابسه الى بدلة أخرى ، ثم وقف أمام المرآة ليراقب مظهره ، لكنه تذكر فجأة ما سمعه في الأسفل من احداهن ، عن أن ملك تبدو صغيرة بالنسبة له . " هل المشكلة في البدلة الرسمية , التي تعطيني أكبر من عمري ؟ " سأل علي نفسه بامتعاض , و هو يراقب مظهره بعدم رضا , ثم قصد الخزانة مجددا و قرر التغيير . ارتدى هذه المرة جينز بلون البيج ، مع قميص أبيض دون ربطة عنق , و ترك الأزرار العلوية مفتوحة , أخذ بعدها نظارة شمسية , و وافق الطقم مع حذاء رياضي , ثم وقف مجددا أمام المرآة مبتسما ، و مبديا رضاه عن شكله الجديد . علي نادرا ما يرتدي هذا النوع من اللباس ، هو يفضل البدلات أو القمصان الفخمة , لأنها تعطيه مزيدا من الرسمية و الهيبة ، لم يستهوه يوما الألبسة الشبابية خارج عطله , و ملك أول شخص يقنعه , بتغيير ستايله من أجله . لكن لا بأس أصلا هناك فرق ثمان سنوات بينهما ، لن يزيد الأمر سوءا بارتداء بدلات ، خاصة أن ملك تبدو و كأن نموها الجسدي , توقف في عمر الثامنة عشر . اندهش علي من طريقة تفكيره ، الذي تحول مائة و ثمانين درجة , فلطالما غيرت الكثيرات من أنفسهن لاعجابه ، هو لم يكلف نفسه يوما عناء ارضاء امرأة ما , و لم يفعل و كلهن يرونه فارس أحلامهن , لكن و لأول مرة تهتز ثقته في نفسه ، و يحاول اثارة اعجاب احداهن , و عليه الاعتراف أن الأمر يستحق و بقوة , بما أن هذا الشخص هي المرأة التي يحبها . دنا بعدها علي من السرير , و جلس على جانبه بخفة فهد يراقب غزالة هائمة ، و قرر ايقاظ الحسناء النائمة , بقدر ما يرغب في البقاء هكذا لساعات أخرى , بقدر ما يريد اخراجها من هنا , من أجل برنامجه معها . همس علي اسمها مرتين في أذنها , و طبع قبلة خفيفة على أنفها الصغير , قبل أن يبدأ بحكه بطرف أصبعه بكل حنان . حركت ملك رموشها الكثيفة , كأجنحة فراشة لامست قلبه , ثم فتحت عينيها العسليتين ببطء , حدق علي بتركيز في الشمسين المشرقتين , اللتين أدفأتا قلبه و حياته منذ أطلتا عليه , و ترقب بلهفة ما خلف جفونها , فهو يعشق هذه النظرة التائهة , في عينيها لحظة استيقاظها , يرى فيها صفاء و أمان العالم بأسره , هو يعلم أنها تكون مشوشة الذهن , بعد أن تستيقظ من النوم , و تحتاج لدقيقتين قبل أن تستعيد انتباهها كلية , لذلك التزم الصمت , و بقي جالسا هناك منتظرا بكل صبر . حدقت ملك التائهة الى الرجل الجالس قبالتها , لبعض الوقت قبل أن تدرك الوضع , لتجلس بعدها فجأة مكانها ، محاولة التركيز و هي تحدق في الأرجاء . " كيف وصلت الى هنا ؟ " سألته بنبرة مبحوحة خافتة , و حدقت ناحيته بعينين مصدومتين , فآخر شيء تتذكره أنها غفت على الصوفا , فيما كانت تتصفح احدى المجلات , فكيف و متى انتقلت الى السرير ؟ طبعا علي لن يعترف أبدا بفعلته ، لن يغامر باغضابها اليوم بالذات , حك عنقه بتردد و تنحنح ثم أجابها " اححمم لا أدري ، عدت من الاجتماع و وجدتك تنامين هنا " شعرت ملك بالاحراج الشديد ، و أشاحت بعينيها بوجل ظاهر , أكيد هي استيقظت لاحقا ، و نامت هنا دون وعي منها ، هي تفعل ذلك أحيانا حينما تكون منهكة . المشكلة أنها تعرف أن هذا الرجل , لا يحب أن يستعمل أحد أغراضه الخاصة ، يشعر بالقرف ان لمسها أحدهم , مما زاد في شعورها بالارتباك , لاحتلالها سريره دون اذن منه . " كيف حال قدمك ؟ " سأل علي بجدية مغيرا الموضوع ، و مخرجا ملك من توترها , الذي لاحظه دون أدنى عناء , فهو أكثر من يجيد قراءة ردات فعلها المحببة . نظرت اليه ملك بتمعن , محاولة استبيان استيائه من تصرفها , لكن لم يبد عليه الغضب أبدا , بالعكس كان و كأنه يستمتع بمراقبتها , لذلك أخذت نفسا عميقا و أجابت بهدوء " بخير لم تعد تؤلم كالسابق " و أخرجت قدمها من تحت الغطاء لمعاينتها , و التي كانت أقل تورما , مما أشعر علي بالراحة . " جيد اغتسلي اذا لنخرج تأخر الوقت " و أشار الى الحمام نهضت ملك بتمهل و دخلت الى هناك , غسلت وجهها و يديها , و أخذت منشفة نظيفة , حينما أصبحت بالباب , انتبهت أخيرا الى ما يرتديه علي , لم تتعود رؤيته هكذا سابقا , يبدو أصغر سنا بكثير " هل غيرت ملابسك ؟ " سألت و هي تحدق ناحيته بفضول , محاولة تجفيف وجهها شعر علي بالرضا لأنها انتبهت الى الأمر أخيرا " أجل , ألا يبدو جيدا ؟ " حدقت ملك لثوان اضافية , و حدثت نفسها بعدما استفاقت تماما " كيف لا يبدو جيدا , و هذا الرجل بمواصفات عارض أزياء بامتياز ؟ " لكنها لن تقول هذا أمامه أبدا , سيعتقد أنها تغازله و قد يسخر منها , و لن تتخلص من غروره و تباهيه بعدها . هدأت ملك قلبها الذي يخفق دون هوادة , و لا تعلم سببا منطقيا لذلك , و أجابت متصنعة عدم الاهتمام " بلى , لكنه مختلف " كان كل ما فكرت فيه , بعيدا عن أية مجاملات محددة , و أشاحت بوجهها تريد اخفاء ارتباكها , مدعية انشغالها بتحسين مظهرها . لكن الابتسامة زادت على وجه علي اشراقا , حتى لو حاولت ملك تفادي الموضوع , الا أن وجنتاها المتوردتين تفضحانها , صحيح أنه لا يعرف بعد , مقدار المشاعر في قلبها له , لكنه متأكد من أمر واحد , أنه يؤثر بها بطريقة ترضي قلبه المجنون , و هذا كاف للوقت الراهن , سيرى كيف سيستغل الموضوع لصالحه لاحقا . " هل نذهب ؟ " أنهى علي حصة الارتباك و الاحراج , موفرا على ملك مزيدا من الفرار , و التي سارعت لاجابته بالقبول , و كأنها وجدت الخلاص أخيرا , فوجودها مع علي في مكان واحد , صار يثير لديها أحاسيس غريبة لم تختبرها يوما , كسرب فراشات ينطلق داخل روحها و يزلزلها , في البداية اعتقدته خوفا و نفورا , لكنه الآن تحول بطريقة مريبة , الى انجذاب لم تعد متأكدة من قدرتها على مقاومته , و كل ما ترغب فيه أن تركض هاربة , خشية أن تمد يدها و تربت على وجنته , كطفل صغير يثير فيها غرائز أمومية متفجرة , خاصة و هو يرمقها بهذه النظرات الدافئة , التي لم تعد تستطيع فك شفراتها السرية . . . . غادر الاثنان المكتب باتجاه المصعد , و منه الى الطابق الأرضي , كان الوقت يشير الى السادسة مساءا , لكن الموظفين كانوا لا يزالون على مكاتبهم , لا يغادرون عادة الا بمغادرة المدير , أو حينما يصرفهم بنفسه , اذا كانت لديه نشاطات متأخرة . برؤية علي يخرج من المصعد , تجدد فضول العاملات و قمن لتحيته , و هن يخمن عما بقي هذان الاثنان يفعلانه , طوال الوقت في الطابق العلوي , مع الكثير من الأفكار المنحرفة و الجريئة , دون أن يعرفن أنها كانت تغط في نوم عميق , فيما هو يختار طاقما يلبسه لاثارة اعجابها . و لم يخيب علي ظنهن , بمجرد أن فتح باب المصعد , حتى أمسك مجددا بيد ملك , التي فاجأها بكفه الدافئ بين أصابعها , مرسلا تيارا كهربائيا كاد يوقف قلبها " لم تمسك يدي الآن ؟ " سارعت للاعتراض بارتباك واضح , و كأن علي أصبح مهووسا بيدها . " رجلك تؤلمك لا أريد أن تسقطي مجددا , و نضطر للذهاب الى المستشفى , أنا متعب " "...." كعادته المتسلط يجد مبررا لكل شيء يفعله , و في النهاية ينفذ ما يفكر فيه حتى أمام ممانعتها , حتى أنه يبدو مستمتعا بالأمر , كان الاثنان يتناقشان بكل جدية , فيما أعين المراقبين تأكلهما بغيرتهم الواضحة , قبل أن يقررا انهاء العرض و المغادرة . أمام الشركة كانت سيارة بورش سوداء في انتظارهما , ليست السيارة التي تعودت ملك , على رؤية علي يستقلها مع ابراهيم , و لكنها خمنت أنها احدى سياراته الكثيرة , التي لم تتعرف عليها بعد , علياء قالت سابقا أن لديه تشكيلة من السيارات الفارهة , التي يبقيها في مرآبه الخاص , و لا يسمح لأحد بقيادتها و لا حتى هي , كجزء من الهوايات المهووسة التي يحب ممارستها . فتح الحارس الباب لملك , فيما اتجه علي و جلس خلف المقود , جلست ملك مكانها تحدق اليه , و تراقب ملامحه المسترخية باهتمام , لأول مرة تراه يقود بنفسه , حتى اعتقدت أنه لا يملك رخصة قيادة من الأساس . أدار علي المفتاح و قبل أن ينطلق , نظر ناحية المرأة التي تحدق فيه بشرود , و انحنى فجأة عليها , و قد لمعت عيناه بشقاوة , جفلت ملك من حركته و التصقت بالكرسي , هي لم تفهم ما الذي يريده , و لم تدرك الأمر الا حينما غطاها كلية , و مد يده الى جانبها الأيمن . " ماذا هناك ؟ " سألت ملك بصوت مرتجف , و قد شعرت بالفزع و أمر آخر لا تعرفه , بمجرد أن أغشتها رائحة عطره , علي لم يقدم على التحرش بها يوما , و لم يقم مسبقا بحركة مبتذلة اتجاهها , حتى أنها تقدر ذلك كثيرا , لم يبدو الآن كمن فقد عقله اذا ؟ لكن علي ابتسم بخبث , بعد أن أخذ وقته و عاد الى مكانه , ممسكا حزام الأمان الخاص بها بيده , بعدها أغلقه و علق بكل برود " لا أريد الحصول على مخالفة بسببك " "...." عاد علي و اعتدل مكانه استعدادا للانطلاق , مهنئا نفسه على أفكاره الجديدة للمغازلة , هو صار يحب ارباك العنيدة , و تشويش تفكيرها بما يفعله , بما أنها تستمر في تجاهله فعليها تحمل صبيانيته . بدأ قلب ملك يدق مجددا بجنون , و احتقنت وجنتاها و رقبتها , ليس فقط بسبب ما يفعله المجنون , و انما رائحة عطره التي تملأ المكان و توتر أعصابها , في السابق كانت هذه الرائحة تشعرها بالغثيان , لكن الآن تبدو كدواء لزيادة نبضات القلب و رفع الضغط , و كعادتها تتهرب من احراجه لها ببراعة " كنت سأفعلها بنفسي " تمتمت و أشاحت بوجهها الملتهب ناحية النافذة , و هي تتمسك بالحزام و كأنها تستمد منه بعض الدعم , محاولة تفادي نظرته الشغوفة التي تلتهمها , لم يطل علي الأمر خشية أن تصاب المرأة , بنوبة قلبية و تفسد مخططاته , و اكتفى بأن وضع حزام أمانه هو الآخر , و غادرا من أمام باب الشركة . " هل تعجبك هذه السيارة ؟ " سأل علي فجأة محاولا تبديد الجو الصامت بينهما . " أجل جميلة و مريحة جدا , تبدو الكراسي و كأنها صالون خاص , لكن أعتقد أن اللون الأبيض كان سيكون أكثر فخامة " ابتسم علي و هز رأسه , و قد دون الملاحظة دون أن يعلق . بعد ربع ساعة في زحام السير , انتبهت ملك الى خط سيرهما , و نبهته بنبرة متشككة " هذا ليس طريق المنزل , أتذكر أننا أتينا من الجهة الأخرى " الى أين يذهب هذا المجنون ؟ بعدما حصل طوال اليوم , و الشخصية الجديدة الرقيقة المراعية , التي أظهرها هذا الرجل منذ الصباح , و كأن قنبلة عواطف انفجرت في رأسه , هي ليست خائفة منه فحسب , بل خائفة من ضعفها أمامه . " لم يبدو بأنها لا تستطيع , رفض أي شيء يطلبه ؟ " سألت ملك نفسها برعب , فآخر شيء تريده علاقة مع هذا الرجل , في لحظة ضعف مجنونة , و ترمى بعدها دون اهتمام , فهي لم تعد تضمن نفسها ان بقيا وحدهما . ملك تعرف بأن شعورها هذا ليس عاديا , لم يسبق أن عاشته سابقا , و لا تجد له اسما أو وصفا , انجذاب غريب يجعلها تذعن لكل طلباته , بمجرد أن يبتسم أمامها و تلمع عيناه , و كأنه يجري تنويما مغناطيسيا عليها , و لكنها لسبب مجهول تخاف , من هذا الاحساس الحديث و ترفضه , لأنه بالنسبة لها مجرد وهم مهما كانت ماهيته , هي حتى لن تجرؤ على التحدث عنه أمامه , مادام ما يجمعها بهذا الرجل , ورقة مزورة و اتفاق غبي , لن تسمح لنفسها بالانجرار خلف أوهام , فهي وحدها من ستفقد روحها في النهاية . قطع علي عليها معارك تفكيرها " أعلم لن نذهب الى البيت , سنأكل أولا أنا جائع " " و لكن رنا لن تأكل من دوننا " حاولت ملك التهرب من الدعوة , و لكن علي لن ينصاع أبدا , لأول مرة يخرجان لوحدهما , و هو لن يفوت الفرصة للعشاء معها , لن يدعها تفسد متعته لليلة التي انتظرها مطولا . " لا بأس , اتصلت بفاطمة و أخبرتها أننا لن نعود " " كيف لن نعود ؟ " صرخت ملك في وجهه باستنكار , و اتسعت عيناها بصدمة , و قد بدأ عقلها يفكر في ألف اجابة مشبوهة . ابتسم علي مجددا و رد بهدوء , دون أن يشيح بنظره عن الطريق , فهذه النظرة المتهمة في عينيها تؤلم قلبه , و هي تؤكد له أنها لا تثق فيه تمام الثقة بعد " أقصد على العشاء " أجاب و قد بدت نبرته محبطة بعض الشيء . لم تستسغ ملك تلاعبه بالكلمات معها , و كأنه أدمن مشاهدة فزعها و ارتباكها بمشاغبتها , لذلك اكتفت بالصمت و لم تضف شيئا , و تجاهلته و كأنه غير موجود , في انتظار ما الذي يفكر فيه بالضبط . وصل الزوجان الى مطعم وسط المدينة , بمجرد أن دخلا جنبا الى جنب , حتى اختطفا أنظار الحاضرين , كانت ملك تتلافى التحديق الى زبائن المطعم , ما ترتديه ملابس يومية عادية غير مناسبة هنا , بحق الله هي كانت ذاهبة , لحل مشكلة رنا في المدرسة , لم تعرف أن هذا المتسلط ، سيجرها الى مطعم فاخر لتناول الطعام . لكن علي لم يكن مهتما من الأساس , هو يحبها هكذا على طبيعتها , من لم يعجبه مظهرها , لا ينظر ناحيتهما و سيسديه معروفا , أصلا هو يريحه ألا ترتدي ما يجلب الانتباه , على الأقل لن يضطر لضرب أحدهم , على وجهه بسبب الغيرة في كل مرة . تحدث علي كلمتين مع مسؤول الاستقبال , اتجه بعدها و هو يمسك بيد ملك ناحية المصعد , و لم تعارض هي هذه المرة , مستمدة بعض الثقة منه . . . . في الزاوية كان هناك مجموعة من الشابات , كن بصدد تناول العشاء و الثرثرة " أليس ذلك علي الشراد ؟ " لفتت احداهن انتباه رفيقاتها , اللواتي حدقن بفضول كبير ناحية المدخل " أجل انه هو , يا الهي لم أره منذ مدة طويلة , يبدو ساحرا كما كان دوما " " انتظري سآخذ له صورة " اقترحت واحدة من المجموعة , قبل أن تعلق على الصورة بعد أن كبرتها " يبدو مختلفا , و من تلك التي معه ؟ " " لا أدري زوجته توفيت حديثا , أيمكن أن تكون صديقته الجديدة ؟ " " ممكن , لكن ما أنا متأكدة منه , أن أميرة لن يعجبها الأمر أبدا " ضحكت الشابات الثلاث بصوت عال , سخرية من صديقتهن و محاولاتها المستميتة . " سمعت أنها تحاول العودة اليه منذ وفاة زوجته , لكنها لم تفلح بعد " " و لن تفلح صدقيني , هو ليس أي رجل ليقع في فخها مرتين " " فعلا لا أعتقد أنه مهتم بها الآن , لديه طريدة جديدة على ما يبدو " " ما رأيكن أن نرى وجهها بأنفسنا ؟ " فتحت احداهن هاتفها فورا , و أرسلت صورة لعلي يمسك يد ملك , الى هاتف أميرة و علقت " أين أنت ؟ أميرك طار مجددا " مع عنوان المطعم تحتها , و بقين هناك تنتظرن رؤية عرض ساخن . . . وصل علي مع ملك الى الطابق الرابع , كتب في مدخله " في في أي بي " كانت قاعة فسيحة جدا و فخمة , لكن عدد الطاولات لا يتجاوز السبعة , بديكور غربي مع اضاءة خفيفة , كراسي و طاولات بأغطية حريرية مطرزة , أواني فضية و شمعدانات مضاءة , مع الكثير من العطور المثيرة في الأجواء . كان الجو يبدو رومانسيا جدا , لكن المشكلة أن القاعة فارغة تماما , غير علي و ملك و النادل الذي يقتادهما , لا أحد موجود هناك . استغربت ملك الوضع , خاصة أن الطابق الأرضي كان يعج بالزبائن , لا يبدو أنه مطعم يبقى فارغا هكذا وقت الذروة , لكنها لم تعلق على الأمر , و استمرت في المشي تتبع خطى علي بكل طاعة . تقدم علي أمامها و سحب الكرسي لها لتجلس , تفاجأت ملك للحركة خاصة في وجود النادل , الذي تراجع بمجرد أن قام علي بمهمته , لكنها تصرفت بطريقة طبيعية , و جلست مكانها بعد أن شكرته , هي تعرف أنه رجل لبق جدا , بتربية راقية و محترف اتيكيت , حتى و ان كان مجنونا و متمردا طوال الوقت , الا أن هذا لا يلغي المستوى الراقي , الذي نشأ و يعيش فيه , هذه أول مرة تتناول فيها معه الطعام خارج المنزل , لكن أكيد هو متعود على فعل ذلك , مع مرافقاته الكثيرات من النساء , مما أثار زوبعة غيرة صغيرة داخل قلبها . لكن الحقيقة أن علي , لم يسبق أن فعلها , الا مع مريم في مرات قليلة , قبل أن تلزم البيت بسبب مرضها , و لم تعد ترافقه الى أي مكان عام , أما الباقي فلم يكن يكلف نفسه عناء ذلك , و يدع الأمر للندل للقيام به , هو لا يسحب الكرسي الا لامرأته . جلس علي مكانه قبالة ملك , و سأل مخرجا اياها من مشاعر الاحباط , التي صاحبت أفكارها الغريبة " ها ملك , هل يعجبك المكان ؟ " " أكيد مستواه رفيع جدا " علقت و هي تحدق في الأرجاء باهتمام , و قد عادت الى شخصيتها المرحة , ثم دنت منه قليلا و همست " لكن ألا يبدو غريبا أن المكان فارغ ؟ " لمعت عينا علي و قد اعتقد أن ملك , أدركت أمر ترتيبه للقاعة , ليتناولا العشاء وحدهما هنا هو اتصل قبل ساعتين , و طلب من مدير المطعم الغاء الحجوزات , و اخلاء قاعة الفي في أي بي , لأنه سيصطحب زوجته لتناول العشاء , و ما كان من المدير الا الانصياع , فكيف يخالف أوامر مالك المطعم ؟ لكن ملك تفكيرها دائما بسيط , و أكثر براءة مما تخيل , لذلك أضافت بكل جدية , قاطعة عليه حماسه المؤقت " المكان فارغ اما لأن أكلهم سيء , أو أن أسعارهم غالية جدا " "...." صدم علي لخيالها الواسع , لكنه لم يعد بامكانه قول الحقيقة الآن , و الا شعرت بالاحراج فاكتفى بمسايرتها " ربما ، سنعرف بعد قليل " طبعا سبق لملك أن أكلت , في أماكن مشابهة و مطاعم فاخرة , سواء برفقة عائلتها أو أصدقائها , و لكن لم يسبق أن أفرغت قاعة بأكملها من أجلها , لذلك لم تتخيل أن هذا الأمر , من فعل الرجل الجالس أمامها . بعد دقيقة حضر النادل لأخذ الطلبات , و أشار علي لملك بطلب ما تريده أولا حدقت ملك مليا الى قائمة الطعام ثم طلبت " حسنا أريد سلطة نباتية , شوربة سمك كثيفة , و عصير برتقال طبيعي من فضلك " و تركت التحلية الى ما بعد . حدق علي الى ملك التي كعادتها , لا تطلب الا بقدر ما تأكل , هو لم يرها سابقا تترك بقايا في صحنها , شيء يحاول تعليمه لرنا بعناء , لكن ملك من أعطتها القدوة . نظر بعدها علي ناحية النادل و أضاف " نفس الطلب لكن أضف , شريحة لحم متوسطة الاستواء مع صلصة فطر , الكثير من المقبلات , سلطة نباتية سلطة كافيار , طبق فواغرا بالصلصة , مع مشاوي متنوعة , و أحضر لي عصير كوكتال طبيعي " " حاضر سيدي " أومأ النادل بعد تدوين الطلبات , أشار له علي بعدها بالانصراف , هو لا يريد أن يبدو بخيلا , أمام المرأة التي يدعوها على العشاء , هذا أول موعد لهما و لن يدعها تفسده بتواضعها . " ألا تعتقد أنك طلبت الكثير ؟ " كما توقع شرعت ملك في تأنيبه , ليرد عليها معارضا " لا أنا جائع لم أتغدى , ثم أنت لديك أنيميا , الفواغرا أفضل طعام للعلاج " صمتت ملك و حدقت ناحيته , و هي لا تعرف لم تشعر أن هذا الرجل , يتذكر كل تفصيل عنها , من شعرها الى اخمص قدميها , هو لا يفوت شيئا يخصها , حتى الأمور الصغيرة التي تنساها هي يذهلها هو بتذكرها , هي لم تعتبر الأنيميا يوما مرضا خطيرا , الا بعدما سمع به هذا الرجل المهووس , فهو يعاملها و كأنها مصابة , بمرض عضال على وشك قتلها . لولا أنها تعرف شخصيته الباردة اللامبالية , لاعتقدت أنه يفعل ذلك مع الجميع , لكنها تدرك أنه لا يفعل ذلك الا معها , والدتها أخبرتها ذات مرة , أن الرجل حينما يحب و يهتم , يتذكر حتى عدد الشامات التي في وجهها , و حينما يحصل العكس , هو لا يتذكر حتى كيفية تهجئة اسمها , و ملك ضحكت يومها بشدة لكن الوضع هنا فعلا مثير للاهتمام , هل يعني هذا أنها مهمة جدا بالنسبة له ؟ أو أن هذا جزء من هوسه بما حوله ؟ هي لا تعرف يقينا , لكنها تتمنى في جزء ما من قلبها , أن يكون السبب الأول . لم يلبث الندل أن قدموا الطعام , و شغلوا موسيقى كمان هادئة , تواكب الجو الحميمي الذي يجلس فيه الزوجان . كانت ملك تشعر بارتياح كبير , و خطر على بالها استغلال الهدوء , الذي تمر به علاقتهما للحصول على بعض الاجابات , ترددت قليلا ثم سألت " علي هل يمكن أن أسألك شيئا ؟ " أشار لها علي بالايجاب , فيما وضع قطعة لحم في فمه , منتظرا سؤالا فضوليا حول عمله . صمتت ملك مجددا , حتى اعتقد أنها لن تقول شيئا , ثم همست له بحذر واضح " ما الشيء الذي أضعته , و اعتقدت أنني أخذته منك ؟ " ( قلبي ) كانت الاجابة التي أوشكت , على الانزلاق من طرف لسانه , و منعها في آخر لحظة . توقف علي عن المضغ مرة واحدة , و تجمدت ملامحه و قد فاجأه السؤال هو كان في البداية يتجنب ذكر الحاسوب , منتظرا أن تتحدث هي عنه و تفضح نفسها ، كان يتحدث عن غرض ما أضاعه , مترقبا زلة من لسانها تورطها , لكنه مع الوقت أدرك يقينا , أنها لا تعرف عنه شيئا , خاصة بعد استعادته من سارة . لم يتوقع أن تسأل عنه الآن ، لكنه لم يجد مانعا من قول الحقيقة " حاسوبي " اندهشت ملك لتسأله " ماذا مجرد حاسوب ؟ " ( و ارتكبت كل ذلك الجنون من أجله ) أرادت أن تضيف لكنها كبحت لسانها , لا تريد افساد الهدوء الذي يجلسان فيه . لكن علي قرأ ما بين كلماتها , و لم يحتج سماعها تقولها ليدركها , حدق اليها بجدية و رد باختصار " حاسوبي الخاص , يحوي كل أسرار حياتي الشخصية و أعمالي " هزت ملك رأسها و قد فهمت أخيرا , سبب الحرب الشعواء التي شنها عليها , هذا الرجل يقدس حياته و أعماله , لا عجب أنه كان ثائرا و ساخطا جدا لفقدانه , لكنها لم تتردد في انكار الأمر مجددا , وضعت شوكتها من يدها و توقفت عن الأكل , و قد أفقدتها السيرة شهيتها " لكنني لم آخذه " قاطعها علي مباشرة بنرفزة واضحة " أعلم , و لم أعد أتهمك منذ وقت طويل " لمعت عينا ملك من الغبطة , و قد شعرت بالراحة لجوابه , ثم استنتجت مباشرة بنبرة متحمسة " لذلك غيرت الاتفاق , و قررت أن تدعني أرحل , بعد حصولي على البراءة ؟ " أرادت فقط تذكيره بالأمر , آملة أنه لم يغير رأيه . لكن علي شعر بمرارة في قلبه , و تجمدت ملامحه أمام ملامحها المتأملة , و خالجه شعور بالضياع و الخجل , لم يستطع الرجل الاستمرار , في التحديق في وجه ملك , و قد أفقدته نظراتها كل احترام ذاتي تمتع به يوما , لأنه أدرك أنه يخدعها باخفاء حقيقة تبرئتها عنها , و عدم اعلامها بايجاده للفاعل الحقيقي . لكن كيف يعترف أمامها أنه يتصرف , بأنانية ناحيتها متعللا بأمور واهية , و ألا شيء حقيقي يبقيها هنا , غير مشاعره العاصفة من طرف واحد , و التي لا يجد طريقة آمنة , كي يوصلها للمرأة التي تجلس أمامه , و التي لا تعرف شيئا عنها . طأطأ علي رأسه متفاديا نظراتها التي تقتله , و تظاهر بالأكل مجددا ثم أجاب باقتضاب " ان شاء الله , بعد حصولك على البراءة " كذبة أخرى قالها بصوت يائس , داعيا الله ألا تكتشفها قريبا . كان علي يستمر في اختلاق الأعذار , و يتجنب قول الحقيقة الوحيدة في الموضوع كله , و هو أنه يحبها حد الجنون , و لا يضمن قدرته على فراقها , حتى بعد انقضاء عشرين سنة , و ليس سنة واحدة . ابتسمت ملك ببهجة أمام جوابه و قالت بسرعة " و أنا أيضا " استغرب علي الجملة ليسألها بنبرة مشوشة " أنت ماذا ؟ " ترددت ملك قليلا قبل أن تجيب بصراحتها المعهودة " لم أعد أكرهك منذ وقت طويل " تفاجأ علي بجوابها الذي يسمعه , للمرة الثانية و كأنها تؤكد عليه , لكنه شعر بفرحة عارمة , لأنها توقفت عن حقدها اتجاهه أخيرا , مسح وجهها بعينيه الشغوفتين , ثم تشجع قليلا و قرر قول ما يفكر فيه " ملك أنا .." لكنه توقف و كأن الكلمات علقت في فمه , ابتلع ريقه بعدما غص حلقه , ثم مد يده و أمسك بيدها , التي تضعها على الطاولة , و كأنه يستمد منها بعض التشجيع ليسترسل " أنا سعيد جدا لأنك معي هنا " جفلت ملك لسماع تصريحه الجرئ , المصاحب للمساته الدافئة و التزمت الصمت , و هي تحدق الى عينيه , و قد بدا أنه كان على وشك قول أمر آخر , ليتراجع في آخر لحظة , لكنها كانت متأكدة أن امتنانه هذا , له علاقة بمساندتها له , و لابنته في أيام حزنهما , و قبل أن ترد على ما قاله , سارع علي لتشتيت انتباهها " لم لا تأكلين , ألا يعجبك ؟ " و عاد الى طبقه مجددا , متظاهرا بالانشغال في التهام قطعة اللحم . " ها ؟ بلى أنا آكل " أجابت ملك و طأطأت رأسها هي الأخرى , و قد شعرت ببعض الارتياح , بما أن علي يتذكر وعده , فهي سترحل بمجرد صدور الحكم , لكن وسط فرحتها تلك , هي لا تعرف لم تشعر ببعض الضياع , و كأن مغادرتها من هنا , تسبب لها ألما منذ الآن , ربما لأنها ستفترق عن أناس ألفتهم و أحبتهم . عاد علي و رفع رأسه مجددا , و قد فقد شهيته تماما , بعدما جبن عن قول ما يريده , لأول مرة في حياته , و اكتفى بالتحديق الى المرأة , التي تأكل مقابله و هو يسأل نفسه كيف يمكن أن يعترف لها بمشاعره دون أن تصده ؟ هي قالت لتوها أنها لم تعد تكرهه , لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنها ستقبل بحبه ؟ كيف يقنعها بالبقاء معه ؟ كيف يجعلها تدرك أن يوم رحيلها ، هو يوم جنازة آخر في حياته ؟ . . . أثناء هذا الوقت , كانت أميرة قد وصلت الى المطعم على جناح السرعة , بعدما تلقت اتصالا من صديقاتها " مرحبا بنات , أين هو ؟ " سألت مباشرة دون انتظار و أجابت احداهن " أعتقد أنه صعد الى قاعة في أي بي , فالشراد لا يأكل مع عامة الناس " اتجهت أميرة التي كانت في قمة زينتها و أناقتها , ترتدي فستانا أسود قصير مع حذاء بكعب عال , تسدل شعرها و تضع عطرا فواحا , اتجهت ناحية المصاعد , لتقصد الجناح الذي يوجد به علي , لكن العامل المسؤول هناك أوقفها " آسف سيدتي , لكن القاعة محجوزة من طرف السيد علي بصفة خاصة , لا يمكنني السماح لك بالصعود " تفاجأت أميرة للأمر لكنها ابتسمت و سألت مجددا " هل هو وحده ؟ " " ترافقه زوجته " أجاب النادل ببساطة تجمدت الابتسامة على شفتي أميرة , و قد صدمها ما قاله الشاب . المهم اللي حاب أميرة تأخذ درس عمرها يجي معايا 😉🤗 😘💞💞 ........ | ||||
29-12-20, 10:35 PM | #1709 | ||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 133 ( الأعضاء 43 والزوار 90) ملك علي, siham safi 22, سبحة علي, شيزكيك, B.N.M, كنوز كنوز+, Alaa_lole, الذيذ ميمو, أمنيات بريئة, Kemojad, غير عن كل البشر, لاار, أميرة الساموراي, منيتي رضاك, 3alloa, Time Out, Kimso, Berro_87, بلانش, غوايش, zezo1423, راء!, ايمي مجربي, sherin emam, آلاء الليل, احلى بنات, شوق البلد, زمردة الاسلام, hapyhanan, Just give me a reason, موضى و راكان, الاوهام, نادية الليل, أميرةالدموع, rowdym, هدوء الصمت222, maseelaseel, amana 98, همس الضلال, Suzi arar, samam1, هاجر اشرف, adeladel20100 شكرا لكل من اهتم و تابع بصبر 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹💖💖💖💖💖 | ||||
29-12-20, 10:37 PM | #1710 | ||||||
| اقتباس:
اقتباس:
شكرا للآراء الرائعة التي تشجعني للمضي قدما 😘💖💖💖💖 | ||||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|