15-11-20, 04:18 PM | #902 | |||||
| اقتباس:
شكرا عزيزتي سعيدة جدا بتقييم من قارءة متمرسة بقدرك 💖🌹🌹🌹🌹🌹🌹 نحن اجتزنا ثلثي القصة و لا يزال لدي الكثير لقوله فلا نستعجل النهايات و دعينا نستمتع بما يجري 😉 بالنسبة للنهاية ان شاء الله راح تكون سعيدة 💞💞 | |||||
15-11-20, 04:21 PM | #903 | |||||
| اقتباس:
يعزك ربي حبيبتي انا لم اتضايق بالعكس تفرحني لهفة و حماس القراء 💖🌹🌹 مشكلتي انني احب السرد و اضيع احيانا لتسرقني الكتابة الى ان اجد البارت انتهى رغم قلة الاحداث لكنها كلها مؤثرة و تخدم روح الرواية ☺️ بالتوفيق مع اطفالك ربي يباركلك فيهم و يفرحك بيهم 💖💖💖 | |||||
15-11-20, 10:35 PM | #908 | ||||
| البارت التاسع و الثمانون عرض مشبوه 💔 بعد وصلة الذكريات الحميمة , التي أتحفت بها ملك أذني علي , ساد صمت رهيب المكتب , و جلس هو مكانه لا يشيح بعينيه عنها , و قد أدرك الآن فقط لم ملك بهذه الشخصية الفريدة ، فما الذي يتوقعه من طفلة وحيدة والديها , نشأت لسن السادسة محاطة بالقطن و في بلد أجنبي , معزولة عن كل شوائب الحياة , كبرت و ترعرعت بين والدين ناضجين مثقفين , يؤمنان بالحب و بشخصيات فولاذية , رجل دفن قلبه لسنوات طواعية , و غادر حتى لا يحطم المرأة التي يحبها , و عاش غربة فرضها على نفسه , و امرأة اعتزلت المجتمع و الزواج , و تمردت بشجاعة مصرة على حقها في الاختيار , في فترة كانت الأنثى , لا تملك حتى حق التنفس في أرقى المجتمعات , بدا واضحا جدا أنهما ربياها بقيم و أفكار مختلفة , بعيدا عن نفاق و زيف المجتمع , فهي لم تندمج مع العالم الخارجي ، إلا بعد اكتمال ملامح و حدود شخصيتها ، شخصية استثنائية بشفافية عالية , لدرجة أنها لا تدرك شيئا من خبث الناس و ألاعيبهم , و تتعامل مع الجميع بكل صدق و طيبة دون استثناء , و ربما أن دراستها للطب بعدها , ساهمت في صقل هذه الشخصية المميزة ، و النتيجة امرأة متعلمة ذكية بقلب و براءة طفلة . كان هذا الاستنتاج الوحيد الذي وصل إليه علي , و الذي جعله يعيد النظر في كثير من المواقف التي شهدها منها , و التي لم تعد مستغربة في هذه اللحظات . و فيما هو غارق في تفكيره , كانت ملك قد جابت الماضي بحنين كبير , متذكرة الكثير من الذكريات السعيدة , و قد بدأت الدموع بالتجمع في عينيها , بسبب اشتياقها الملح لوالديها . لكنها سرعان ما انتبهت و تمالكت نفسها , و قررت الفرار من المكان قبل أن تفضحها عبراتها , لا تريد أن تبكي هنا تحت أنظار علي , أكيد سيسخر منها و يعتقد أنها تعاني انفصاما في الشخصية , فقد كانت تضحك قبل قليل , لتبدأ بالبكاء الآن كشخص مخبول , و طبعا تلك الهرمونات اللعينة , لا تدع الفرصة دون استغلال . قامت ملك من مكانها , و خطت ناحية الباب للانصراف " أعتقد أنني أشعر بالنعاس الآن ، سأذهب الى غرفتي , تصبح على خير " بادرت علي الذي كان يراقب انسحابها , و قد بدت نبرتها متهدجة و بها بحة واضحة . رغم أنها حاولت اخفاء مشاعرها , إلا أن علي ليس مغفلا حتى لا يدرك الأمر , هو يعلم أنه فتح مواضيع حساسة , و لا يمكنه لومها على تأثرها . " ملك " استوقفها صوته الدافيء عند الباب ، بسماع ندائه لزمت ملك مكانها , لكنها لم تستدر لتحدق في وجهه , و مدت يدها خلسة لتمسح دمعة , علقت في زاوية عينها تهدد بالانهمار " نعم " كان كل ما قالته للرد عليه . فكر علي للحظات عما يمكنه قوله الآن , هو يشعر بالاستياء و التوتر بالفعل , و زاد الأمر سوءا بما روته ملك على مسامعه ، جعله يشعر أنه رجل دون قلب و لا رحمة , لأنه حرم والدين مثل والديها من ابنتهما الوحيدة , أراد علي لأول مرة أن يقول آسف أو لم أقصد , أن يطلب منها السماح بخصوص ما حصل , أو حتى يحتضنها و يقول كلاما يطيب خاطرها , و يطمئن بالها عن قرب رحيلها , لكن الكلمات رفضت مغادرة حلقه , و بدل ذلك نهض من مكانه و دنا منها بتأن , محاولا ايجاد كلام مناسب لهذا الموقف , أصر علي على الوقوف مقابلها , رغم أنها كانت تحاول الهروب بعينيها من تحديقه بها , جالت عيناه المشتعلتان بوهج غريب , على صفحة وجهها المتوردة , ثم مد يده بتأن و سحب القلم , الذي غرسته في شعرها عند دخولها , لتنساب خصله الذهبية الندية , على كتفيها و تحاوط وجهها بكل حنان , تماما كما كان هو يرغب محاوطته بكفيه , و تمرير ابهاميه على كل تفاصيله الجميلة , ثم يغرس أصابعه المتعطشة , لتجربة ملمس شعرها الحريري , و الذي دقق النظر فيه متتبعا انسيابه بافتتان . حدقت ملك ناحيته و قد فاجأتها حركته , و مدت يدها لتتلمس شعرها و تعدله , و قد تذكرت للتو أنها استولت على قلمه , و كانت ستخرج به من هنا دون ادراك , بلعت ملك ريقها ثم همست له باحراج , و قد شتت علي انتباهها , عما كانت تعيشه من مشاعر مكتئبة " آسفة " ابتسم علي على تعابيرها المحرجة , و رفع القلم أمام أنظارها " فقط حتى لا تعانين صداعا في الصباح " قال بصوته الأجش مشيرا الى شعرها . هزت ملك رأسها و قد فهمت أنه يقصد , أن شعرها لن يجف اذا استمرت بلفه هكذا , و ستعاني صداع شقيقة حاد صباحا " شكرا , تصبح على خير " تمتمت ملك بين شفتيها , و غادرت هذه المرة مباشرة دون تردد , و قد أربكها اهتمامه المفاجئ , و لم تعرف ما عليها فعله للرد عليه . أراد علي أن يستمرا في التحدث لبعض الوقت , حتى تنجلي بعض أحزانها , و هو متأكد انها ستقصد غرفتها لتبكي , لكن كل ما طاوعه لسانه على قوله كان " شكرا , تصبحين على خير " بمجرد اختفائها من مكتبه , رفع علي القلم مجددا , ليضعه هذه المرة أمام أنفه , و يستنشق رائحته العطرة التي انتقلت له , من العنيدة التي شغلت تفكيره , و ككل مرة تتغلغل رائحة الياسمين , لتصل الى أبعد نقطة في روحه , تلفها بدفء و تؤجج فيها مشاعر داهمة , لم يعد يطيق السيطرة عليها أو الغاءها , و قلبه يرزح تحت وطأتها المهلكة في غفلة منه . " كم أنت محظوظ , غلافك من ذهب و رائحتك من ماس " همس للقلم في يده بنبرة حسد , ثم دسه في جيب قميصه , تماما الى جانب قلبه الذي تسارعت دقاته , احتفالا بوجود أثر من مختطفته بقربه . عادت ملك إلى غرفتها , و قد زادت همومها ثقلا عما كانت عليه , و لم تتمكن من النوم قبل أن تغرق الدموع و سادتها هي لم تبك منذ وقت طويل , و قد كانت تشغل وقتها , حتى لا تفكر في أي شيء ، على أمل أن تنقضي الأيام سريعا , لكنها في أعماقها تشتاق إلى والديها , إلى بلدها بيتها و فراشها , تشتاق لكل تفاصيل حياتها , مهما كانت بسيطة تشتاقها بشدة , نامت ملك فجرا و كل ما تتمناه , أن يأتي يوم و تغادر من هنا دون رجعة . في المكتب لزم علي مكانه على الأريكة , وضع رأسه بين يديه بتعب , ثم عاد و غرق في أفكاره المشوشة , و هذه المرة راودته فكرة ملحة , كان يمنع نفسه عن التفكير بها " هل ستعيدها الى بيتها حينما يحين الوقت ؟ " شعر علي بالرعب من التفكير في الاجابة , و تذكر سؤال علياء ان كان سيدعها ترحل أو لا , و الآن فقط أدرك اجابة هذا السؤال , أنه حتى و ان استطاع تحصيل براءتها كما وعدها , هو لا يعتقد أنه يستطيع تركها ترحل هكذا ببساطة , علي لا يعرف ان كان ما يشعر به ناحية ملك , هو تعلق اعجاب تعود احساس بالذنب , افتتانا أو ما يسمى حبا هو غير متأكد , لكن كل ما يعرفه الآن , أنه لا يتصور حياته من دونها , لا يتصور بيته في غيابها , حتى و ان كانت لا تعامله بالحسنى , مجرد وجودها الى جانبه كاف بالنسبة له , حتى لو كانت تجادله و تنتقده طوال الوقت , يكفي أنه يرى وجهها و يسمع صوتها , و يعرف أنها تنام في الغرفة المجاورة , هذا أهون عليه بكثير من فقدانها . علي متأكد أن ملك اذا رحلت , لا شيء في الكون سيعيدها الى هنا , لا سبب منطقي قد يقنعها بالعودة الى ما تراه سجنا لها , فهي لا تحمل له أية مشاعر , فيما هو لم يعد متأكدا , من هذا الاحساس الجارف داخل قلبه , و الذي لا يقو حتى على مناقشته مع عقله . ما يخيفه أكثر أن حسابه لدى ملك أصبح ثقيلا جدا , فيما تزداد أفضالها و مزياتها عليه , يقبع هو تحت أوزاره التي لا تتناقص قيد أنملة , و على هذا المنوال لا شيء سيدفعها , لمسامحته و البقاء معه ان هو أطلق سراحها , و هو حتى لا يجد طريقة مناسبة لتعويضها , ملك سترحل دون عودة , هذه النهاية الوحيدة المنطقية , التي يراها من موضعه هذا , و التي تؤلم روحه قبل حدوثها حتى , فقط معجزة من السماء قد تغير الوضع , و تجعلها تغفر له كل ما حصل , كما غفرت والدتها لوالدها . قضى علي الليلة يفكر في الوضع الجديد , و قد قرر ألا يخدع نفسه مجددا , و لن يتجاهل قلبه كما فعل منذ مدة , و أنه سيعطي فرصة لمشاعره المبهمة لتتوضح , اتخذ علي قراره بمحاولة اصلاح العلاقة الى أقصى حد ممكن , و أمله الوحيد الفترة الباقية من اقامتها هنا , هل يعقل أنها كافية لحصول معجزة لصالحه , أو أنها ستزيد في تعلقه بها و صدها له ؟ هل هذه عقوبته على ما فعله , و سيكون هو من سيفقد روحه في النهاية , لحب من طرف واحد ؟ مجرد التفكير في الأمر يشعره بالرعب . . . . في الصباح بالدخول الى غرفة الطعام , شعر علي بالراحة لأن ملك كانت هناك , تجلس الى الطاولة برفقة رنا و علياء , التي لم يفهم كيف استيقظت باكرا , كانت ملامحها تبدو طبيعية , تبتسم كعادتها و هي تدردش مع علياء , مما طمأن قلبه بعض الشيء , فبعد ما حصل البارحة , هو خشي أن تدخل فترة اكتئاب , كما حدث حين وصولها , و انتكاسها الآن سيكون سيء النتائج على علاقتهما . " صباح الخير " حياهم علي و جلس مكانه , لتمد ملك يدها بحكم التعود و تسكب له قهوته ابتسم علي لما تفعله ثم استدار و سأل علياء " لم أنت مبكرة ؟ ليست عادتك " تنهدت علياء و ارتسمت ملامح بائسة على وجهها لتجيبه " كنت أفكر في حل معادلة , اختراع الذرة طوال الليل و أصبت بأرق " بعد حديثها مع مريم , لم تستطع علياء النوم بسبب قلقها , و طبعا كانت علاقة أخيها بملك , شائكة أكثر من اختراع الذرة ضحك علي على جوابها و سألها " و هل وجدته ؟ " " لا ليس بعد , لكنني سأفعل قريبا انتظر و سترى " و هزت حاجبيها بمكر , مشيرة الى ملك الملتهية بتحريك السكر , نظر علي ناحيتها و قد فهم , ما تلمح له شقيقته المجنونة , قبل أن يهز رأسه بحركة محذرة لزجرها , هو يعرف عقلها المتهور , و لا يريد ما يغرقه أكثر مع ملك , في المقابل كانت ملك تلتزم الصمت و لا تعلق , فهي في أغلب الأحيان لا تفهم اللمز , الذي يدور بين علي و علياء , اندمجت مع فطيرة الشوكولا التي أعدتها , مفسحة لهما المجال للتحدث , لكنها حينما مدت يدها , لالتقاط كأس عصيرها لم تجده مكانه , رفعت ملك رأسها بحثا عنه , لتجده في يد علي , الذي كان يرتشف منه على مهل بعدما أنهى قهوته , و هو يحدق بامعان في هاتفه على صفحة البورصة . رمشت ملك مرتين و هي تراقبه يلتهم عصيرها , الذي لم تشرب منه الا رشفتين , فيما يقف كأس عصيره أمامه كما هو , طبعا لم تكن لتغضب لو كان نفس المحتوى , لكن عصيرها تصنعه من خلطة فواكه , فيما يصر هذا المهووس , على الحصول على عصير صحي من الجزر . لاحظ علي نظراتها المتهمة و الحانقة , التي ترسلها ناحيته و كأنها ترغب بخنقه , و سارع للاستفسار منها عن السبب " ما بك ؟ لم لا تفطرين ؟ " أطلقت ملك زفيرا حاقدا في وجهه قبل أن تجيبه " لأن أحدهم استولى على عصيري " و أشارت برأسها الى يده عاد علي و ركز فيما يحمله , و ارتفع حاجباه بسبب المفاجأة , طبعا هو لاحظ تغير الطعم بمجرد أن ارتشفه , لكنه اعتقد أنها سكبت له من عصيرها , لم يفكر أنه سرقه منها " فعلا ؟ " تظاهر علي بعدم معرفته بما فعله , و هزت ملك رأسها لتؤكد عليه عله يعيده لها , و قد علت وجهها ملامح مستاءة , مقابلهما رفعت علياء و رنا رأسيهما , من أطباقهما لمراقبة ما يحصل بترقب , فملك تقتل من أجل عصيرها . لكن علي ابتسم لها بخبث , و راقب فم الكأس بحثا عن أثر معين , بمجرد أن لمحه أداره ناحيته , و ارتشف منه نصف الكمية المتبقية , و كأنه يستفزها عمدا ثم علق " امممم لذيذ فعلا " "...." صدمت ملك لما فعله , احتقن وجهها و اتسعت عيناها عن آخرها , ثم زمت شفتيها و قد فقدت كلماتها . أما علياء فقد شرقت بقهوتها , و بدأت بالسعال بقوة حتى كادت تختنق , فشقيقها المنحرف وضع شفتيه فوق أثر شفاه ملك , و شرب عصيرها بكل راحة . المهووس الذي لا يشرب في كأسه مرتين , و لا يجلس فوق كرسي جلس عليه غيره , و الذي من المفروض أن يركض الآن ناحية طبيبه , لاجراء غسيل معدة بعد أن تناول شراب شخص آخر , يجلس مبتسما بعدما حصل على قبلة غير مباشرة , تماما كالمراهقين و هو فخور بما فعله , هي لم تعرف أن وسوسة النظافة , التي يعاني منها انتقائية الا الآن . كانت رنا تحدق في الوجوه ببراءة لا تفهم ما يحصل , لكنها سارعت للاشارة لملك لتطييب خاطرها , و مدت يدها بكأسها ناحيتها , حتى تقتسم معها عصيرها , معتقدة أنها غاضبة لأن والدها سرق خاصتها . ضحك علي بصوت عال , فيما نهضت ملك و غادرت الطاولة , مغتاظة منه لأنه يريد استفزازها و احراجها , و لحقت بها رنا لمواساتها . أما علياء فقد ضربته على ذراعه لردعه " أيها المجنون لقد أحرجتها " حدق علي ناحيتها بقلة حيلة و أجابها " ماذا أفعل ان كانت متحجرة عاطفيا " تنهد ثم قام من مكانه ليغادر , لكن علياء استوقفته لتقترح عليه " ما رأيك أن تعود لتأكل معنا على الغداء ؟ سأعد اللازانيا التي تحبها على طريقتي " حاول علي التملص لكن علياء أصرت " أرجوك أخي سأغادر قريبا , و الى الآن لم نتناول طعامنا سويا , هيا لا تردني " " حسنا لا بأس لكن لا تنسي وعدك " برؤية ملامحها المتوسلة , استسلم علي لطلبها و غادر مباشرة , بعدما أعطته قبلة على خده . " هاي ملك رنا , تعاليا سنحضر لحمام شمس أمام المسبح , لنحصل على سمرة برونزية " صرخت علياء بصوت عال , و لحقت بهما الى المطبخ , و بالفعل شرعت فورا بالتحضير للاجتماع النسوي , باعداد ماسكات طبيعية للوجه , و اخراج قوارير طلاء الأظافر , و مواد التجميل التي تملكها للاستفادة منها . . . . غادر علي قاصدا المستشفى من أجل المعاينة , بما أنه وعد ملك البارحة أن يراجع الطبيب , و الا هي ستطلق عليه النار ان لم يفعل , اتصل بكريم و أخبره أنه سيتغيب في الفترة الصباحية , لأنه سيستغل الزيارة للاطلاع على سير العمل , و لسبب آخر يبقيه سرا عن الجميع . " أجل لن أعود قبل الغداء , تدبر أمر الاجتماعات الطارئة و أجل الباقي " " حاضر " " سأرى خلال مروري امكانية , افتتاح جناح للجراحات التجميلية , المستشار الاقتصادي ذلك اليوم , قال أن عائداتها مربحة جدا , لذلك أريد منك أن تجري , بعض الاتصالات مع المتخصصين , للحصول على قائمة بأسماء أمهر الأطباء في المجال " " حاضر " " الى اللقاء " أغلق علي الخط بعد بعض التعليمات الاضافية , و قد توقفت السيارة أمام باب المشفى . في الداخل حول علي الى طبيبه المتابع , و الذي كان الشاب الأشقر من المرة الماضية , و قد شعر بالراحة لأن ملك لم ترافقه , فهو لا يريدها أن تلتقيه مجددا . " جيد سيدي , التأمت الجروح بطريقة مرضية " علق الطبيب بتفاؤل بعد معاينة الاصابة " اممم شكرا " همس له علي و هو يحرك قبضته لتجربتها , ليضيف طبيبه مع ابتسامة مجاملة " لقد اعتنت بها الدكتورة جيدا , أوصل لها تحياتي " تجمدت ملامح علي الذي رفع حاجبه , و رمقه بنظرة قاتلة ثم أجابه بنبرة منزعجة " لا لن أخبرها " "...." صدم الطبيب لفظاظته المقصودة , فهو لم ينو شرا مما قاله , لأنه لا يرى ملك الا كزميلة , و أراد فقط ارسال سلامه لها . لكنه ابتلع لسانه و غادر , قبل أن يحطم هذا الرجل الغيور , قبضة يده مجددا باستخدامها في وجهه . لم يطل علي المكوث في الاستعجالات , فقد قصد بعدها مكتب المدير , الذي جمع المسؤولين لاجتماع طارئ . . . . " الى أين بكل هذه الأناقة ؟ و كأنك تحتفلين لأن والدك يعاني " قالت والدة خالد بنبرة منتقدة , تحدث أسيل التي تقف أمام مرآتها صباحا , تعدل من هندامها استعدادا للخروج " لدي بعض الأشغال علي انهاؤها " ردت عليها أسيل باختصار , علها تخرج و تدعها و شأنها , لكن المرأة قلبت عينيها بتذمر , و ربعت يديها استعدادا لجولة أخرى " و أعمال البيت أيتها الأميرة , ألا تفكرين في التنازل قليلا , و مساعدة الخادمة التي جلبها والدك ؟ " قالت مشيرة الى نفسها بتهكمها المعتاد لكن أسيل كانت مستعجلة , و لم ترد الدخول في جدال حاد معها , خاصة أن والدها هنا لم يغادر المنزل , بسبب ارتفاع ضغط دمه , و قد نصحه الطبيب بالراحة التامة " لا بأس خالتي لقد نظفت المطبخ بالفعل , و طبخت شوربة خضار دون ملح لوالدي , ما تبقى من أعمال اتركيه , سأعود لاحقا لانهائه عن اذنك " التقطت بعدها أسيل حقيبة يدها و وهاتفها و قررت المغادرة , قبل أن تدخل المرأة المتحفزة في سجال آخر , لكن خالتها لم تكن لتدعها تفعل قبل أن تحرق دمها " حسنا على راحتك , لكن لا تنسي ابتياع بعض الشوكولا و الحلوى , لاستقبال أم يونس جارتنا , ستكون هنا وقت العصر و تريد رؤيتك " توقفت أسيل وسط الرواق , و استدارت ناحيتها للاستفسار " ما الذي تحتاجه هذه المرأة الآن ؟ " سألت بنبرة مشككة رغم تخمينها الجواب بالفعل , و أجابتها زوجة والدها بلؤم كعادتها " قالت لتعرض عليك الارتباط بابنها , فقد أعجبت بك حينما رأتك في الجلسة , التي أعددتها قبل أسبوعين " رغم ترنح زوجها على شفير الافلاس , الا أن المرأة لا تتردد في الصرف ببذخ , على سهراتها مع صديقاتها , و التي تعتبر لقاءات نميمة من الدرجة الرفيعة , دون أية فائدة ترجى منها عبست أسيل في وجهها و أجابتها " تقصدين ابنها المطلق بثلاث أطفال ؟ " قالت و قد تذكرت كيف تباهت المرأة , بكل وقاحة كيف أنها طلقتهما , و ابتزتها لتتنازل عن حضانة أطفالها , باطلاق شائعات عن خيانتها لزوجها , و الآن تأتي تريد تزويجها به " نعم يا حبيبة والدك , هل لديك اعتراض ؟ أين ستجدين أفضل منه ؟ حتى أنه يملك مطعما فخما و سيغرقك بالمال " أجابتها المرأة و كأنها تعرض عليها رجلا لا يعوض , و كالعادة أهم مؤشر لخيارها هو المال . لكن أسيل التي تجهم وجهها , تنهدت بيأس و ردت عليها " أخبريها أنني لا أريد الزواج , لا الآن و لا بعد عشرين سنة , أريد أن أبقى وحدي الى أن أموت " و سارعت للابتعاد و الخروج , لكن ليس قبل أن تسمعها المرأة رأيها " في أحلامك يا ابنة هند , أنا لن أقبل أبدا أن تبقي طوال عمري , ملتصقة في وجهي كضرة ثانية , اذا قررت أن تموتي عانسا , فافعلي ذلك بعيدا عني , و أقسم برحمة والدتي أنك سترضخين , و تتزوجين من أريده شئت أم أبيت " سارعت أسيل و أغلقت باب المدخل , لايقاف صوت زوجة والدها الساخط , اتكأت عليه من الخارج و أغمضت عينيها " لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين " دعت أسيل في سرها عل دعوتها تستجاب , و تتخلص من حياة البؤس التي تعيشها , و من غطرسة و تسلط من يسمون أفراد عائلتها , لكنها كانت تقصد كل كلمة تفوهت بها , فما قالته للمرأة لم يكن مجرد رد مبالغ فيه , هي فعلا سئمت كل ما يتعلق بالرجال , و ضاقت ذرعا بكل تلك المحاولات المستميتة لربطها بأحدهم , لأن ما تراه أمامها و يسمى زواجا , هي مجرد سلاسل من التجارب الفاشلة ابتداءا بوالديها , و هي اكتفت من الاحباط و الخذلان , و لا تريد الدخول في أية علاقة مهما بلغت المغريات . حتى الشخص الوحيد الذي ظنته مختلفا , و قد شعرت ناحيته ببعض الاعجاب , و قدرته لشخصيته و تصرفاته النبيلة , اتضح أنه تلاعب بها هو الآخر , خيب ظنها و جعل منها أضحوكة أمام نفسها . تمالكت بعدها أسيل نفسها , و خرجت الى الشارع لتوقيف تاكسي , و هي تذكر قلبها أن هذا واجبها , و لا يجب أن تتراجع عما فكرت في فعله . . . . في الشركة كان كريم يحاول , تسيير الأعمال العالقة بمساعدة سكرتيرة علي , و التي قامت بتأجيل مواعيده الهامة الى ما بعد الظهر , في العاشرة صباحا دخلت أسيل البناية , و اتجهت ناحية مكتب الاستقبال , بعدما حسمت أمرها في القيام بزيارة لعلي , لمناقشة مشكلة والدها معه , و رغم أنها سمعت مسبقا , كم أنه صعب المراس و صارم , و هي لا فكرة لديها عن تفاصيل أعمال والدها معه , لكنها أرادت أن تحاول أن تبريء ذمته , مما حصل في المطعم على الأقل . كانت أسيل كالعادة ترتدي , فستانا بسيطا يصل الى ركبتيها , بلون أبيض و بضعة فراشات مطبوعة عليه , تسدل شعرها الأسود و تضع مكياجا خفيفا , تنتعل حذاءا بكعب متوسط , و تحمل حقيبة صغيرة في يدها , محاولة أن يكون مظهرها مقبولا دون تكلف " صباح الخير سيدتي " توجهت بالتحية لعاملة الاستقبال " صباح الخير آنستي , فيم أخدمك ؟ " ابتلعت أسيل ريقها بتوتر , لكنها ابتسمت لها بعذوبة ثم طلبت " هل يمكن أن أقابل السيد علي الشراد ؟ " حدقت المرأة اليها قليلا ثم سألت مجددا " هل لديك موعد معه ؟ " هزت أسيل رأسها بالنفي , و قد شعرت بالخجل من تطفلها " لا سيدتي , لكن هل يمكن أن تخبريه , أن ابنة السيد سالم , تريد مقابلته لأمر هام جدا ؟ " ترددت المرأة لثوان قبل أن تحمل الهاتف , و تتصل على مكتب سكرتيرة علي , رغم أنهم لا يعلمونه بالأشخاص , الذين لا يملكون مواعيد مسبقة , لكن كون الفتاة ابنة أحد الشركاء , فهي لا تريد صرفها الا بعد التأكد من ذلك . بعد أن تكلمت المرأة في الهاتف , أخبرتها ليلى أن السيد علي غير موجود , و أنه لن يستطيع استقبال أي أحد اضافي بعد عودته , لأنها بالكاد تمكنت من ترتيب اجتماعات الصباح , و لكن أسيل أصرت على أن الموضوع مستعجل , و أن بامكانها انتظاره الى آخر النهار , و ما كان من المرأة الا أن أعادت الاتصال لابلاغ طلبها . تنهدت ليلى بعمق لسماع ذلك , هي تعلم أن سالم هو شريك لعلي , و اذا كانت ابنته هنا , فيمكن أن يكون الأمر مستعجلا فعلا , لذلك سارعت للاقتراح حل بديل " سيدتي السكرتيرة الشخصية للسيد , تقول بأنه غير متاح حاليا , لكنها بامكانها تدبر لقاء لك مع نائبه المباشر " فكرت ليلى بما أن كريم , قام بادارة اللقاءات الطارئة منذ الصباح , فستضيف هذا الى قائمته , و ليجد حلا اذا أراد , هي لا تريد أن تعلق مع علي , لأنها طردت ابنة شريكه دون استشارة . شعرت أسيل ببعض الخيبة , لأن نائبه هذا قد لا يوافق , على أية طلبات من طرفها , فهي لا تعرف حتى من يكون , أو ان كانت لديه أية صلاحيات لمساعدتها , لكن لا بأس أقلها ستترك معه خبرا لعلي لعله يستجيب . قبلت أسيل اجراء لقاء مع الرجل , و اتصلت ليلى على هاتف كريم الخاص " سيدي الآنسة أسيل ابنة السيد سالم هنا , تقول أنها تريد مقابلة السيد علي , هل يمكن أن تمر على مكتبك لأمر هام ؟ " تفاجأ كريم لتواجد أسيل هنا , قطب جبينه و تجمدت ملامحه , و اعتدل على كرسيه محاولا تخمين سبب الزيارة , هو لم يرها منذ حادثة المطعم , و لم يتوقع أن يرها قبل مرور وقت طويل . و قد حاول اقناع نفسه عدة مرات , بالاتصال بها و شرح الأمر لكنه لم يستطع , لأن الوضع كله يبدو غريبا , فما صلته هو بما حدث حتى يحادثها بشأنه ؟ و ماذا سيقول بشأن امتلاكه رقمها ؟ صحيح هو تمنى رؤيتها مجددا لتوضيح الأمور , لكن آخر مكان توقع أن يلتقيها فيه هو مكتبه . تمالك كريم نفسه سريعا , و هو يحاول ألا يفكر في سبب بحث أسيل عن علي من الأساس , و قد شعر بالانزعاج للأمر , لكنه أجاب ببروده المعتاد " حسنا بامكانها القدوم " بعد حصول عاملة الاستقبال على الضوء الأخضر , صعدت أسيل الى الطابق يرافقها حارس أمن , بمجرد أن دخلت مكتب السكرتيرة , حتى حيتها و أشارت لها بالجلوس الى الأريكة , في انتظار اعلام مستضيفها بقدومها . جلست أسيل بكل هدوء مكانها , كانت تبتسم للمرأة بلطف , و هي تحاول ترتيب أفكارها و ما تريد قوله له , علها تقنعه لمساعدتها . بعد عشر دقائق حملت ليلى الهاتف , و اتصلت على مكتب كريم " سيدي الآنسة سالم هنا " أغلقت بعدها الخط بهدوء و أشارت لها " السيد كريم في انتظارك , تفضلي آنستي " جمدت الابتسامة على ثغر أسيل , اتسعت عيناها عن آخرها و ارتجفت يداها , ثم وقفت من مكانها بانتفاضة ظاهرة , و سألت بصوت مفزوع أجفل السكريتيرة " نائب السيد علي هو كريم ؟ " تفاجأت المرأة لردة فعلها الغريبة , لكنها أومأت لها برأسها و أجابتها ببساطة " أجل آنستي , أبلغته و هو في انتظارك في مكتبه , أول باب على اليمين " ارتبكت أسيل و تشوش فكرها , فهي لم تستوعب كيف كانت غافلة , و لم تتذكر ما قاله والدها ليلة العشاء , عن كون كريم نائبا لعلي يا الهي الى متى ستظل غبية و ساذجة هكذا ؟ آخر شخص قد تفكر في رؤيته الآن هو كريم , ليس بعد كل المهازل التي حصلت . اختطفت أسيل حقيبة يدها , و هرعت خارجة من مكتب السكرتيرة , و كأنها تفر من أمر مهول يثير هلعها . " آنستي الى أين ؟ المكتب في الاتجاه المقابل " نادت المرأة خلفها بصوت مسموع , لكن أسيل كانت مصرة على المغادرة , و قد قررت ألا تعود الى هنا أبدا , هي لا تريد الالتقاء بكريم , لا تريد رؤيته و لا حتى الحديث معه , بعدما تجاهلها في المطعم و أحرجها ، لن تعطيه فرصة أخرى للاطلاع على خيباتها . هي حتى لا تتخيل ما ستكون ردة فعله , ان هي طلبت المساعدة من أجل والدها , لا تريد التعرض للاحراج أمامه مجددا , يكفي ما حصل طوال الفترة الماضية . استغربت ليلى ردة فعل أسيل , و ما كان منها الا أن عادت , و اتصلت على كريم لتعلمه بفرار الضيفة " آسفة سيدي , لكن الآنسة غادرت فجأة , لذلك فقد ألغي اللقاء " فهم كريم مباشرة أنها تتفادى اللقاء به , و شعر بالاستياء لأنها لا تريد رؤيته , و انما تريد مقابلة علي , لزم كريم مكانه محاولا تجاهل الموضوع , لكن بعد تردد لدقيقتين تضاعف فيها فضوله , غادر هو الآخر مكتبه مهرولا ناحية المصاعد . أمام المصاعد كانت أسيل , تضغط باستمرار على الزر لاستعجاله , تريد المغادرة في أقرب فرصة , بمجرد أن فتح الباب تقدمت الى الداخل مهرولة , لكن بسبب ارتباكها علق كعب حذائها بمدخله , و في لحظة كانت واقعة على ركبتيها , لتسقط هاتفها و حقيبة يدها , كانت السقطة مؤلمة جدا , حتى أن احدى ركبتيها بدأت بالنزيف , لكنها كانت ممتنة لأن مكان سقوطها , منع الباب من الانغلاق , و الا اضطرت لانتظار المصعد الموالي . نهضت أسيل بحذر و ملامح متألمة , بعد أن تفحصت ركبتها نفضت ثوبها , ثم التقطت أغراضها و دخلت الى المصعد مسرعة , وقفت مكانها في انتظار اغلاق الباب , لتضغط على زر الطابق الأرضي , لكن قبل انش واحد من انغلاقه , مد أحدهم يده و أوقفه . اعتقدت أسيل أن أحدهم , يريد استخدامه مثلها لذلك لم تبال , لكن بانفتاح الباب مجددا حصلت على ما لم تتوقعه , فالشخص الواقف خارجا ليس الا كريم , بملامحه الباردة و عينيه الحادتين تحدقان ناحيتها , رغم أنها ركضت قبله للمغادرة , الا أن تعثرها بالباب عطلها الى أن لحق بها , حتى أنه لمحها و هي بصدد الدخول إليه , بمجرد أن التقت نظراتهما , أشاحت أسيل بعينيها اللتين ظهرت فيهما المفاجأة , و كأنها لا تعرف من الشخص القادم , و تراجعت خطوتين الى الوراء , حتى التصقت بجدار المصعد . و بحركة لا ارادية مدت يدها تشد الفستان , و تحاول اخفاء ركبتها النازفة , لكن دون جدوى لأن عيني كريم الدقيقتين , كانتا قد رأتا كل شيء بنظرة متفحصة واحدة , كيف لا و كأن مواقفها المحرجة , تنتظر قدوم كريم لتحصل معها " أي حظ هذا ؟ " كانت أسيل تتذمر تحت أنفاسها و تدعو بصمت " أرجوك تجاهلني , لا تتحدث الي , يا الهي أنا غير موجودة " عبس كريم و قطب حاجبيه لرؤية المنظر , لكنه لم يقل كلمة واحدة , بل خطا بتأن الى الداخل , و بمجرد أن أغلق الباب , أخرج بطاقة من جيب سترته , مررها على لوحة المفاتيح , و ضغط زر الطابق الخمسين . بعد أن بدأ المصعد بالتحرك صعودا , أفاقت أسيل أخيرا لورطتها الجديدة , فرغم أنها كانت أول الواصلين , الا أنها فقدت فرصتها في المغادرة أولا , بما أنها لم تضغط زر الطابق الأرضي , قبل أن يفعل كريم . بعدما انتبهت لما يحصل رفعت رأسها , لترى اشارة الطابق الخمسين , مضيئة على لوحة المفاتيح تنهدت أسيل بتذمر و حاولت تهدئة ذعرها " لا بأس لا داعي للتوتر , دعيه يغادر أولا , ثم سيكون لديك اليوم بطوله للابتعاد من هنا " لكنها انتبهت فجأة الى أمر آخر صدمها " لحظة هذا الرجل وضع بطاقة الكترونية قبل ضغط الزر , هل يعقل أنه يملك شقة , في الطوابق الخاصة هنا ؟ " سألت أسيل نفسها , و شعرت بالارتباك أكثر لكنها خمنت بطريقة صحيحة , فالبناية تحوي خمسين طابقا الطوابق التحتية مؤجرة لمحامين و مهندسين و أطباء , معارض مختلفة في الطابق الأرضي , مع موقف سيارات تحت أرضي , من الطوابق ثلاثين الى الأربعين , طوابق تابعة للشركة : أقسام محاسبة , تخطيط هندسي , شؤون قانونية ترجمة , و طابق كامل لمكتب علي و كريم , اضافة الى قاعة اجتماعات فخمة . أما الطوابق العشرة الأخيرة , فتحوي شقق خاصة فارهة " في أي بي " تسكنها نخبة المجتمع من مدراء و فنانين و نشطاء سياسيين و شخصيات عامة , تتمتع بخصوصية شديدة , و الوصول اليها لا يكون ممكنا , الا بوضع بطاقة الكترونية خاصة , و ادخال رقم سري قبل دوس رقم الطابق , و الا فان المصعد لن يصل الى هناك أبدا , المفاجأة أن البناية واحدة من البنايات العديدة , التي يمتلكها علي في أرجاء المدينة و أرقاها على الاطلاق , و هذه الشقة ملك كريم منذ مدة طويلة , ليس فقط بسبب منصبه الأمني في الشركة , و انما لأنها البيت الوحيد الذي يمتلكه , و لم يسبق لأحد أن خطا داخله حتى علي نفسه , و لكنه على وشك عمل أول استثناء في حياته . صحيح أن كريم لا يظهر عليه الثراء , و لكن ما يملكه يفوق التوقعات , ما حصل عليه خلال سنوات عمله , التي تعدت الاثني عشر سنة , في القوات الخاصة يعد ثروة , ناهيك عن العلاوات الخاصة التي كان يجنيها , في المهام السرية التي كان يقوم بها ، هو حتى لم يكن يأخذ اجازات , بما أنه يتيم فهو لم يكن يدين لأحد بزيارة . بعد اصابته في آخر مهمة له , تم اعفاؤه مع تعويض قيم جدا , التقى بعدها علي و كرجل أعمال , اقترح عليه أن يستثمر له أمواله , مع الوقت أصبح كريم يملك أسهما في البورصة , xxxxات و حصة من بعض المشاريع , اضافة الى ثروة شخصية صغيرة , هذا غير الامتيازات التي يحصل عليها , بسبب منصبه كنائب لعلي و كاتم أسراره . فعلي لطالما كان سخيا مع الرجل الوحيد , الذي يعتبره صديقه المقرب و يقدره كثيرا , رغم أن كريم يفضل الاهتمام بالشق الأمني لعمله , الا أنه مفاوض جدير بالثقة . في المصعد بعد اكتشاف أسيل للأمر , حاولت طمأنة نفسها مجددا و ايجاد مبرر , لصعود الرجل الى الطوابق العلوية الخاصة , فربما هو يقصد أحد المكاتب الخاصة بالشركة مثلا ؟ لكنها سرعان ما استبعدت الأمر , و بدأت بلوم نفسها و هي تغرس رأسها في صدرها , و تتشبث بحقيبة يدها , متجنبة النظر الى الرجل الواقف أمامها مباشرة . " يا الهي أيتها البلهاء , الى متى ستتصرفين بغباء ؟ كيف خطر لك أن كريم مجرد سائق معدم ؟ واو حتى أنك أردت شراء قميص له , و دفعت ثمن التحلية ذلك اليوم , أكيد بطاقة التسليف تلك خاصة به , أنت غبية فعلا و تتفننين في كل مرة في احراج نفسك " شردت أسيل في تأنيب نفسها , فيما كان كريم يقف معطيا ظهره لها , واضعا يده في جيبه , بكل ثبات و كأنه لا يعرفها , لكنه كان يراقب في المرآة العاكسة , كل حركة تطرأ على ملامحها , مهما كانت بسيطة تارة , و يحدق الى ركبتها النازفة تارة أخرى , و هي تقف في زاوية المصعد , تحاول عبثا الاختباء منه , و كأنها تنتظر خروجه لتتنفس " بما أنه لم يكلمني و يتجاهلني الى غاية الآن , أكيد أنه لن يفعل أبدا " عادت أسيل و حاولت تهدئة نفسها , و هي حتى لا تفهم , لم وجوده يصيبها بكل هذا الذعر . بوصول المصعد الى الطابق الخمسين , رن الجرس و فتح الباب ببطء , خطى كريم خطوة الى الأمام , لكنه توقف فجأة عند المدخل , و كأنه يمنعه من الانغلاق , دون أية نية للمغادرة . ساد صمت رهيب المكان لثوان , بعدها نطق الصنم أخيرا , و هو يحدق ناحيتها بعينين دافئتين , و قد اختفت كل تلك البرودة منهما فجأة " تعالي " قالها بصوت منخفض و أجش , لدرجة أن أسيل اعتقدت أنها تسمع هلوسات , أو أنه بصدد التحدث في الهاتف . رفعت أسيل رأسها الذي كانت تطأطأه , منذ دخل كريم الى المصعد , و نظرت اليه في دهشة بفم مفتوح , و قد تفاجأت أن عينيه تكادان تلتهمانها " ها ؟ " سألت باستغراب واضح و ملامح مشوشة . لكن كريم كعادته قليل الصبر , لم يضف أمرا آخر و لم يكرر ما قاله , بل عاد أدراجه بكل بساطة و بحركة سريعة , أمسكها من ذراعها و حملها كدمية بين ذراعيه , بعد أن لاحظ بدقة ملاحظته , أنها بالكاد تستطيع الوقوف باتزان , بسبب الاصابة في ركبتها , قرر أنه لن يطلب منها أن تسير معه , كما أن اقناعها بما يريد فعله قد يتطلب وقتا , و بالتالي وفر جهده و وضعها أمام الأمر الواقع , و لم تستفق الا و هي في حضنه كطفل صغير , استغرق الموقف أسيل بضع ثوان لادراك الوضع , فبعد أن أفاقت من دهشتها , كان الرجل يخطو بخطوات كبيرة ناحية احدى الشقق . فجأة تذكرت ما حصل في المطعم , و كيف تعامل كريم بمنتهى القسوة مع أولئك الرجال , دب الذعر في قلبها , عما يكون يخطط لفعله معها , و بدأت بالتحرك يمينا و شمالا , لتجبره على وضعها أرضا , و هي تدفعه بيديها الصغيرتين , من صدره القاسي كجدار اسمنتي , و لا تحصل الا على أنفاس دافئة تداعب جبينها " ماذا هناك ما الذي تفعله ؟ أنزلني بامكاني المشي لوحدي " قالت أسيل بصوت مرتجف , تحاول اقناع هذا الهرقل بافلاتها , لكن دون جدوى لأن كريم لم يكن يجيبها , و لا ينوي حتى تنفيذ ما طلبت . " أأرجووك أنزلني " خاطبته أسيل متوسلة , و مظهرة مدى رعبها مما يحصل , مما أشعره بالاستياء لأنها كانت خائفة منه , هو لطالما صقل هذه الشخصية القاسية , لاجبار الآخرين على الخوف منه و مهابته , لكن ليس أسيل , هو لا يريدها أن تخاف منه , بدل أن تشعر بالأمان معه . لكنه لم يقل شيئا لردعها , و اكتفى بالاستمرار فيما يفعله . بعد أن بلغ كريم وجهته , أمام آخر شقة في الرواق , وضعها بهدوء على رجليها , و فتح الباب بادخال رقم سري , و نظر اليها بملامحه المتصلبة " تفضلي " بقيت أسيل واقفة مكانها دون حركة , تحاول التقاط أنفاسها المتسارعة , فما كان منه إلا أن أضاف لطمأنتها " هذه شقتي " نظرت اليه أسيل بعينين مستغربتين , بلعت ريقها ثم حدقت في أرجاء المكان " يا الهي اذا هو فعلا يملك شقة هنا , لكن لم عليه أن يتصرف هكذا ؟ كاد يتوقف قلبي من الخوف , اعتقدت أنه يريد قتلي " تنهدت أسيل لكنها لم تقل شيئا , للرجل الذي كان يقف جانبا بكل صبر , منتظرا منها أن تدخل كما طلب , دخلت بعدها بتردد و بخطى ثقيلة , و هي تعرج على رجلها المصابة ، و عيناها تتفحصان الأرجاء بتوجس كبير . تبعها كريم الذي أضاء المكان , ثم أشار لها بالجلوس على الأريكة المقابلة في الصالون , و اختفى بعدها في الرواق بعدما أغلق الباب . جلست أسيل مكانها و بدأت تراقب المكان , و تجول بنظرها في الأرجاء بفضول , دون أن تستوعب ما الذي تنتظره أصلا , بعد خمس دقائق عاد كريم , يحمل علبة اسعافات أولية في يده , جلس مقابل أسيل على الطاولة , و طلب منها بهدوء " أريني ركبتك " "...." " يعني كل هذا التوتر , فقط من أجل أن يعاين ركبتي ؟ " هي لم تتوقع أنه لاحظ الجرح من الأساس , خصوصا أنه كان يعطيها ظهره طوال الوقت , لكنها تأكدت الآن أنه شخص دقيق و لماح . رفعت بعدها أسيل رجلها بحرص , و وضعتها على الطاولة أمامها , و مدت يدها ناحيته معتقدة أنه سيناولها العلبة لتسعف ركبتها , لكن كريم فاجأها بأن جلس على عقبيه أمامها , و انحنى لفحص الجرح بتركيز تام , أخذ بعدها قطنا و مطهرا , و بدأ في تنظيفه بلطف , فمعالجة الجروح هي احدى المهارات , التي اكتسبها خلال عمله . كان الأمر مؤلما بعض الشيء , لكن أسيل شعرت بأن قلبها يذوب , لرؤية هذا الرجل الضخم , الذي رأته يقاتل مثل بلدوزر , يجلس قبالتها بكل وداعة , و يحاول أن يعتني باصابتها بكل مراعاة , و أدركت كم كانت سخيفة , حينما اعتقدت أنه يريد ايذاءها . لم تقل أسيل حرفا واحدا بسبب تأثرها بالموقف , حتى أن عينيها اغرورقت بالدموع , شعرت بغصة في حلقها و دفء في صدرها , لكنها تركت كريم يقوم بما يريده , و هي تراقبه بكل اهتمام , و كان هو من قطع الصمت أولا " ما الذي تفعلينه هنا ؟ " انتبهت أسيل أخيرا من شرودها , و قد بدا أنه فاجأها بسؤاله , أجابته بكل هدوء و قد توردت وجنتاها , فقد كاد يمسك بها تتلصص على وجهه " احمم , أتيت لرؤية السيد علي " بسماع اسم علي من فمها ، توتر كريم و ضغط على الجرح دون انتباه ، لتجفل أسيل بسبب الألم " آه انه يؤلم " " آسف " لم يقل كريم غير هذا و عاد للانشغال بالجرح ، الذي بدأ بالنسف عليه لتخفيف الألم هذه المرة , بعد أن أنهى تطهيره , وضع شاشا و لاصقا لتغطيته , ثم قام من مكانه معطيا تعليماته بلهجة جادة " لا تلمسيه بالماء , و غيري عليه يوميا حتى يبرأ " " شكرا " هزت أسيل رأسها بالموافقة , و كأنها لا تجد ما تقوله ، بعدما هربت كلماتها من لسانها , أغلق بعدها كريم العلبة و وضعها جانبا ، و أعادت أسيل رجلها إلى مكانها , و هي تراقب الضمادة بفضول . " ما الذي تحتاجينه من علي ؟ " عاد كريم و سأل من جديد , و قد تمكنت منه هواجسه . ترددت أسيل في البداية لاخباره الحقيقة ، بما أنها قررت ألا تفتح معه , موضوع والدها و غادرت المكتب ، لكنها أدركت أنه لن يتوقف عن استجوابها ، و لن يدعها ترحل قبل معرفة الأسباب , لذلك صمتت قليلا , ثم أجابت بكل صدق و بنبرة حذرة " أردت أن أخبره أن والدي لا علاقة له بما حصل , و أنني بامكاني فعل أي شيء يريده ، إن هو قبل التسوية مع والدي " " إذا هذه هي الصفقة التي فكرت فيها , لأيام قبل القدوم الى هنا ؟ " تمتم الرجل بينه و بين نفسه بغيظ كبير بسماع إجابتها أصبحت نظرة كريم قاتلة ، غلى الدم في عروقه و تشوش تفكيره , و انتابه غضب شديد تسارعت به أنفاسه , كان يصر على قبضتيه حتى ابيضت مفاصله , ثم علا صوته فجأة و قد فقد رصانته المعهودة " أنت ماذا دهاك ؟ فيم تفكرين ؟ أي عرض مشبوه هذا ؟ " رفعت أسيل رأسها ناحيته , و قد أرعبها صوته الساخط , حدقت اليه بكل حيرة , دون أن تفهم ما الذي أغضبه فجأة ألم يكن يتصرف بكل ود قبل لحظات قليلة ؟ لكن كريم لم يفكر في التوقف ، تورمت عروق رقبته و تشنجت ملامحه , ليضيف بصوت أكثر غضبا " هل أنت مجنونة ؟ لم تتصرفين بتهور طوال الوقت و كأنك طفلة ؟ منذ أول مرة التقيتك فيها , و أنت تتصرفين باستهتار و قلة حرص , تركبين مع غرباء في سيارة ، و تطلبين ايصالك إلى بيتك , تقتحمين غرفة تغيير ملابس الرجال في المحل ، تطاردين رجلا لا تعرفين عنه شيئا ، ثم تنامين في مكان عام و تتعرضين للتحرش , حتى أن كل نكرة تسول له نفسه أن يرفع يده عليك ، و أنت تكتفين بالوقوف ككيس ملاكمة ، تتلقين الضرب دون اعتراض , و الآن تأتين الى هنا لتقولي لعلي ، بأنك جاهزة أن تفعلي أي شيء , مقابل مساعدة والدك ؟ " ثم علا صوته أكثر حتى أصبح مخيفا " بربك أيتها الآنسة المحترمة , فيما سيفكر أي رجل ، إن أنت أتيت و عرضت عليه أمرا مريبا كهذا ؟ عن أي شيء بالضبط أنت مستعدة للتنازل , بقولك هذا الكلام المستهتر ؟ " لأول مرة يفقد كريم صبره ، و يسمح لأحدهم برؤية غضبه ، هو عادة مثل رجل آلي تصرفاته و كلامه بحساب ، لكن ليس بيده حيلة ، لا يمكنه إلا أن يشعر بالسخط , لما سمعه و زلزل تفكيره ليس لأنه يشك بأخلاق أسيل ، هو رجل ناضج و تجارب حياته كثيرة , و يدرك جيدا أي نوع من النساء هي ، صحيح أنها ساذجة و متحررة قليلا في تصرفاتها , لكنها ليست امرأة منحرفة أبدا , و لا حتى أنه يشك في صديقه ، لأنه يعلم أن علي كان سيرفض هذه المقايضة الرخيصة ، دون حتى أن يسمح لها بإكمال كلامها ، و لكنه فكر للحظة ماذا لو لم يكن هو من قرر استقبالها ؟ ماذا لو استقبلها أحد المسؤولين الآخرين في الشركة ؟ ماذا لو لم يلحق بها في المصعد ، و قصدت هذه المجنونة المتهورة , أحد شركاء والدها الآخرين لعرض ما قالته للتو ؟ مجرد التفكير بالأمر يثير جنونه و غضبه الشديد , و هو لا يعلم لم هذه المرأة ساذجة لهذه الدرجة ؟ لا أحد من الرجال سيأخذ عرضها هذا بحسن نية ، و مجرد تخيلها مع رجل آخر يستغلها يفقده عقله . جرعة من كريم و أسيل ، أنا أحبهم كثيرا 💖 توقعاتكم لرد فعل أسيل 😘💞💞 ........... | ||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|