آخر 10 مشاركات
زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          كلمة واحدة..للكاتبة blue me .. *كاملة* المتسابقة الثالثة** (الكاتـب : ميرا جابر - )           »          [تحميل] عِشق بِلا قُيود../ للكاتبة شخصية خيالية (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          [تحميل] مهلاً يا قدر ،للكاتبة/ أقدار (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          الفرصة الأخيرة (95) للكاتبة: ميشيل كوندر ...كاملة... (الكاتـب : سما مصر - )           »          38 - ضحية الاخرين - روزانا مارشال - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          7 - شهر عسل مر - فيوليت وينسبير - ع.ق ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-09-20, 06:00 PM   #11

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي


#قلبي_كان_القربان

#الفصل_الخامس


الخاطرة اهداء من الجميلة والداعمة لي في كل فصل بطيب كلامها سنين سنين سنين

وتقول لي ان انسى
وتريدني ان انسى وكأنني لم اكن يوما
وكأني مررت بحياتك كعابر سبيل طرق الباب ورحل عندما لم يجد مجيب
أأنسى المكان
كغيمة حطت مزنها على سفح جبل فتلاشت كأنها لم تحط
او كأني غريب وجد مرميا على قارعة الطريق دفن وورى الثرى وأصبح في ذمة النسيان
اتريدني ان انسى
وانا التي اضعت الدرب لا صديق يدري همي ولا الحبيب
أأنسى وطنا روى ياسمينه من دماء اولاده فهجره الجميع لاحضان أكثر أمانا ولم يلتفتوا اليه ثانية
أأنسى كعاشق باع جدائل حبيبته للعدو لينجو من قبضتهم ويلوذ بعد ذلك بالفرار
وتريدني أن أنسى لا والف لا لن أنسى
………..

وضعت وداد سماعة الهاتف جانبا بعد حديثها مع زينة التي اتصلت بها تعتذر عن الرعب الذي سببته لها وتخبرها انها بانتظارها مساء لاستكمال الحديث
تساءلت وداد وهي تنظر لتلك الأوراق التي وضعتها على الطاولة أمامها وكل مجموعة منها تحمل قصة فتاة من الفتيات اللواتي سبق وقابلتهن
فتيات تحدثوا عن ماض أليم عشن به ومرارة فقد الم بالبعض منهن ومايجمعهم كان زنزانة حملت قصصهن وآلامهن لينتفضوا بعدها بحثا عن أمل
همست وداد وهي تنظر للأوراق
_وانت يازينة ما الذي تحمله قصتك وما علاقتك بميرال ..
ثم اقتربت من الاوراق تتلمس بعضها وهي تفكر
( زينة لم يسبق لها دخول السجن وليس لها أي اقارب في هذه المدينة بل هي حسب مافهمت ليس لها اي أقرباء هذا ما أبلغني به قريبي اللواء الذي طلبت منه معلومات عن زينة وهو لم يتردد بتوفيرها لي وخاصة أنه سبق وعلم عن الكتاب الذي أجمعه
ولكن زينة مختلفة عن باقي الفتيات اللواتي قابلتهن ماض نظيف تماما فلم اتصلت بي ولم اختارت ان تروي بنفسها الحكاية
اين صاحبة القصة الحقيقية
لم زينة من تصر على ابلاغي الحكاية بعكس كل من قابلت قبلها وما صلة قرابتها بميرال )
رنين الهاتف انقذها من التفكير العقيم اجابت على الهاتف بعملية ثم عادت لاستكمال عملها على الحاسب المحمول علها تستطيع أن تركز افكارها اكثر
ولكن رغما عنها عادت أفكارها نحو ميرال
(ماعلاقتها بكتابي .. هل يعقل أن تكون قد دخلت السجن .. ولذلك تصر زينة أن تروي لي حكايتها
هل أتصل بأماني و أسألها عنها )
هزت رأسها نفيا
(كلا لن أفعل .. فأنا بذلك أعلن نفاذ صبري من انتظاري لانتهاء زينة من سرد حكايتها
سأنتظر حتى أعرف منها هي كل ما أود معرفته )
…...
مساء كانت جالسة قبالة زينة والتي بدت أكثر حيوية من ذي قبل
هذه المرة استقبلتها في صالة اخرى مختلفة تماما عن تلك التراثية فهذه الصالة عصرية اكثر بحائط زجاجي يطل على الحديقة المنظمة بإتقان والتي تمكنت من رؤية جمالها من خلال الأضواء الموزعة بنسق رائع ليضفي على جمال الحديقة جمالاً
قالت زينة وهي تنظر لوداد بابتسامة حنونة:
_ اسفة لما سببته من قلق لك … ولكن نوبة الربو هاجمتني فجأة
بادلتها وداد الابتسامة وهي تقول :
_ لابأس المهم انك بخير والحمدلله أن زوجك كان موجوداً
انتبهت وداد لذلك البريق الذي سكن مقلتي زينة وهي تهمس بالحمد بدت كمراهقة عاشقة وليس كامرأة تخطت الأربعين بسنوات
قالت زينة
_ اعلم ان الكثير من التساؤلات بدأت تهاجمك لكن اطلب منك الصبر الكثير … فالقادم صعب وربما سيثير غضبك ولكن ارجو منك سماعي للنهاية
بود حقيقي لهذه المرأة قالت وداد
_ لابأس انا املك من الصبر الكثير

كان اسوء اسبوع يمر على ميرال لولا المهدئات لما استطاعت أن تنام ابدا
كلما أغمضت عينيها تعود صورة سلمى وقد فارقت الحياة إلى مخيلتها لتضرب عقلها بقسوة
تذكرها بالواقع المرير الذي يقاسي منه الجميع

كانت مستلقية على سريرها في وضع الجنين تضم بين يديها قطعة ملابس ممزقة
لقد عايشت الكثير من خلال عملها كطبيبة جراحة في المستشفى
انقذت حياة الكثيرين وإن خرجوا للحياة بعدها مبتوري الاطراف او فاقدي حاسة ما
كما لم تستطع إنقاذ حياة الكثيرين ممن شوهت الانفجارات والقذائف أجسادهم
لكن أن تعيش هي تلك اللحظة أن تعيش مرارة ذلك الفقد كان اكثر شئ صعوبة عايشته
دمعة حارة سقطت من عينها تحفر دربها على وجنتها المتعبة
انتبهت لخطوات لجين المقتربة فأغمضت عينيها تهرب من أي حديث قد يبدأه معها
شعرت بتحركه حول السرير يغير ملابسه ثم باستلقاءه خلفها على السرير
منذ وصوله بنفس يوم وفاة سلمى لم يتركها ولم يدعها تغب عن عينيه الا حين كانت تبقى في المكان المخصص لعزاء السيدات
فتحت عينيها تنظر لظلام الذي غرقت فيه الغرفة قبل ان تشعر بذراعيه تحيطان بجسدها يضمها اليه هامسا بكلمة وحيدة
_ أحبك
استكانت بين ذراعيه وهي تغمض عينيها بأمان لاتجده سوى هنا وهي تسمع همسه المطمئن لها
_كل شئ سيكون بخير
لم تجبه محاولة أن تغفو ولو إغفاءة قصيرة علّ النوم يرحم عقلها من كثرة التفكير
……..
في اليوم التالي استيقظ لجين فلم يجدها بقربه هب واقفاً خارجاً للصالة باحثاً عنها لكنه لم يجدها
تلفت حوله وقد شعر بنخز في قلبه و إحساس بقرب حدوث شيء سيء يتعاظم بداخله
تناءى لسمعه صوت حركة في المطبخ فمسح على وجهه مستغفراً، ثم اتجه اليه ليجدها واقفة أمام الموقد تقلي البيض بالطريقة التي يحب وعلى الطاولة وضعت بعض الصحون التي تحتوي على الزيتون والجبن والمربى والطماطم والخيار
دون ان تلتفت إليه ألقت تحية الصباح فاقترب منها يحتضنها من الخلف يضع رأسه على كتفها يراقب ماتفعل وهو يحمد الله بسره انها بخير
همس لها وهو يقبل عنقها قبلة رقيقة
_ كم اعشق رائحتك
اسندت ظهرها لصدره بعد ان اطفأت نار الموقد تهمس له بنفس النبرة
_ انا اعشقك كلك
ادارها له يناظر وجهها المتعب وهو يقول بينما يده تعيد خصلات شعرها خلف أذنها :
_ الان كيف استطيع تناول الطعام وأنا أشعر بتخمة من فيض المشاعر الذي يسري بداخلي لك
لم ترد على كلامه وانما بقيت على حالها تناظر وجهه فقط وكأنها تختزن تفاصيله كلها
امسك يدها يجلسها على المقعد ثم قرب كرسيه منها يجلس عليه يمسك قطعة الخبز بيده يضع بها قطعة جبن بيضاء ثم يدنيها من فمها همست باعتراض :
_ لجين استطيع تناول طعامي لوحدي
اشار لها برأسه بنفي قائلا بصوته العذب :
_ سأطعمك بنفسي هيا افتحي فمك
وفعلا نفذ ماقاله يطعمها كطفلة صغيرة رافضاً اي محاولة منها للاعتراض
يتحدث معها عن كل شيء يحاول أن يجعلها تشاركه بحديثه علها تبتعد عن تلك الأفكار السوداء التي يكاد يحزم أنها الآن تتصارع داخل عقلها فتردي أعصابها ضعيفة منهارة
وهي حاولت أن تذعن لما يريد تتحدث و لكن بعقل مغيب رغماً عنها
….
اضطر لجين لتركها والسفر ، لم يتم قبول طلبه بتمديد إجازته ، رغم عدم رغبتها بابتعاده لكنها اخبرته ان لايقلق عليها فهي ستعود كذلك لعملها
ولكنها كانت كاذبة فهي كانت بأمّس الحاجة لوجوده وبقاءه بقربها .
حتى سلافة عادت لعملها وعادت عجلة الحياة تدور من حولها
الا هي لم تستطع تخطي ماجرى
هل هي ضعيفة لهذا الحد
شهر مر منذ وفاة سلمى وهي لم تستطع أن تعود لحياتها وكأن شيئاً لم يحدث
تعلم أن سلافة متألمة مثلها ولكنها أكثر قوة منها دخلت للمنزل بخطوات متعبة بعد عودتها من عملها الذي عادت لممارسته منذ يومين فقط
هاهي الآن تعود لوحدتها وعزلتها بعيداّ عن الجميع
داخل جدران منزلها
بإنهاك جلست على الأريكة تحاول أن تنال قسطاً من الراحة فقد أنهكت نفسها بالعمل اليوم لتبتعد عن التفكير بعدم وجود سلمى رفقتهما هي وسلافة في المستشفى
رنين الجرس أخرجها من شرودها فاستقامت واقفة تخطو بخطوات متعبة نحو الباب لفتحه
كان غياث الذي احتضنها ماإن رآها قائلا :
_ هل أنت بخير
أجابته بصوت منخفض أنها بخير ثم دعته للدخول
جلس قبالتها قائلا
_ لم تبدين شاحبة هكذا .. لست ميرال التي أعرفها
نظرت له نظرات فارغة من أي معنى، ولم تجبه فهي لاتود أن تدخل معه في أي جدال
أكمل كلامه قائلا وقد استشعر حالتها المتردية :
_ مارأيك أن نخرج معاً الى أي مكان ،تبتعدين عن عزلتك هذه
وقبل أن يكمل كلامه قاطعه رنين هاتفه فاتخذتها حجة لتبتعد عنه للحظات ، استقامت واقفة وهي تقول :
_سأعد القهوة ريثما تنهي حديثك على الهاتف
ناظرها حتى غابت خلف باب المطبخ ثم أجاب المتصل بصوت يكاد يكون مسموعاً
أنهى حديثه وانتظر عودتها وعيناه تمشطان الصالة التي يجلس بها
ثم رانت منه نظرة نحو الصور التي تضعها ميرال على الرّف الرخامي للمدفأة
مازالت نفس الصور تحتل المكان، مازال كل شيء في هذا المنزل كما هو منذ خمسة عشر عاماً لم يتغير ،قلب عينيه بملل من هذه الرتابة التي تحياها شقيقته
نظر نحو الباب المؤدي للمطبخ ،بعد أن سمع حفيف خطواتها على الأرض، قدمت له ميرال فنجان القهوة ثم جلست قبالته قائلة دون أي مقدمات:
_ أريد أن أسافر
نظر لها بصدمة فأكملت بصوت تخنقه الدموع
_ لم أعد بقادرة على البقاء هنا أحتاج للابتعاد بعض الوقت ،فتدبر لي أمر السفر
قال لها محاولاً أن يستوعب مايحدث لها :
_ حسنا سأرى مايمكنني فعله بشأن هذا الأمر، لكن قبلاً أريد مساعدتك فيما أخبرتك به سابقا ،لقد وصلتني معلومات أكيدة أن وثائقا مهمة تحتوي أسماء ومعلومات خطيرة سيتم إيصالها لاحدى الشخصيات عن طريق زوجك لجين
قالت بهدوء غريب :
_ لم تريد مساعدتي أنا ،لست غبية وأعلم أنه يمكن لمن هم خلفك قتله بكل سهولة والحصول على مايريدون دون الحاجة لمساعدتي أنا
ابتسم بمكر وعيناه تخبرانها بإعجابه بذكائها الذي لايستطيع إنكاره أيٌّ كان، ثم قال محاولاً شرح مايريد:
_معك حق ،لكن لسنا نعلم الزمان أو المكان الذي سيتم تسليم الوثائق به ،كما أن قتله سيفتح الكثير من التساؤلات حولنا ،وأنا لاأرغب بأي مشاكل في هذه الفترة ،وخاصة مع احتمال تسلمي لمنصب حساس قريباً
لاح شبح ابتسامة ساخرة على وجهها ثم مالبثت أن قالت:
_سأساعدك ،ولكن ابق بعيداً عنه ،ثم تدبر أمر سفري .
أشار لها بالايجاب ثم اعتذر منها مغادراً بخطوات ظافرة .
بعد مغادرته اتجهت نحو الشرفة تجلس على أرجوحتها المفضلة ، تمسك ألبوم الصور بين يديها
ألبوماً مخصصاً لشقيقها غياث
تتأمل كل صورة تمر عليها عيناها
هذه صورة له بعد ولادته كانت تحمله بخوف وحب ووالدهما من التقط لهما هذه الصورة حينها موصياً اياها به
صورة أخرى في أول يوم مدرسي له حينها رافقته لمدرسته التي تبعد بعض الشئ عن مدرستها ،وكم بكت حين تركت يده، تراقبه يتجه نحو صفه ، وهي التي لم تبك حين تركت يد أمها مغادرة نحو صفها

وهذه بعد وفاة والديهما بحادث السيارة حينها رافقته هي ولجين برحلة قصيرة خارج البلاد في محاولة منهما للتخفيف عنه مآساة فراقه لوالديه وكأنها لم تفقدهما هي كذلك، كل اهتمامها كان منصبا عليه هو ،رغم حاجتها القصوى للاهتمام وهي تتلقى في نفس الفترة صدمة عدم قدرتها على الإنجاب
انشغلت بغياث وابتعدت عن لجين حينها ،لكنه رفض التخلي عنها ، اتهمها بأنها لاتحبه ، بأنها ضعيفة تستسلم عند أول مطب يوجهانه في حياتهما

يومها صرخت تخبره ببكاء أنها لن تكون أماً فليبحث عن من تزين حياته بأطفال من صلبه، لكنه ازداد تمسكًا بها يخبرها بكل فرصة أنها هي من يريد وستكون هي طفلته ولن يتخلى عنها مهما حصل
ليصبح بعدها مثلها داعماً لغياث بكل خطواته يعامله كإبن له تماماً

قلبت صفحة الألبوم تكمل رحلة الذكريات مع الصور
استوقفتها صورة لغياث بحفل تخرجه
يومها دعاهم لجين للاحتفال في أحد المطاعم الشهيرة رقص مع غياث سعيدا به
كانت كل من سلافة وشقيقها متواجدين كذلك سلمى وزوجها ، وبعض من الاصدقاء الاخرين
دمعت عيناها وهي تتذكر ذلك اليوم وغياث يخبرها عن أحلامه و عما يود تحقيقه
لم تتصور أنه في سبيل تحقيق أحلامه سيدوس كل شيء بدربه
الكل يهنئها للنجاحات التي يحققها وهي تعلم ما خلف الواجهة اللامعة من عمليات مدروسة
أغلقت البوم الصور بقوة وكأنها تهرب من تلك الذكريات ، سامحة لدموعها بالانهمار علها تخفف عنها وطأة مايحدث من صراع بداخلها
إنها تحتاج للقوة ، لتمر أيامها القادمة وتنتهي محنتها
…..
في يوم الجمعة التالي لزيارة غياث لها تناولت الفطور مع لجين قبل أن يغادر نحو المسجد القريب لأداء صلاة الجمعة ،
ارتدى ملابسه بينما هي تستعد لأداء فرضها وقراءة ماتيسر لها من آيات قرآنية تريح بها قلبها
نظرت نحو لجين وهو يأخذ المال من الخزانة ويضعه في جيب سترته
قال بابتسامة وهو يعود للنظر إليها يراقبها وهي تخرج سجادة صلاتها من مكانها لتفرشها على الأرض
_ لقد قررت أن أطلب من شيخ المسجد شراء براد للماء ، ليشرب منه عابري السبيل في المنطقة القريبة من المسجد ،ويكون صدقة جارية عن روح صديقتك سلمى ، مارأيك ؟
نظرت نحوه وقد اغرورقت عيناها بالدموع ،يود دفع صدقة جارية عن صديقتها ،غير مكتفٍ بكل المساعدات التي يقدمها بالخفاء للكثير من الناس،
كما يقدم هو وهي لقاء العديد من العمليات الجراحية التي لا يملك أصحابها المال لإجرائها ،
تعلم أن لجين يقدم الكثير والكثير للمحتاجين دون ان يخبرها بالأمر فهو دائما ما يقول
(تصدق ولا تدع يدك اليسرى تعلم ماقدمته يدك اليمنى )
لذلك تعلم أنه لا يدخر جهداً لمساعدة الاخرين،
اشاحت بنظرها بعيداً عنه وهي تسمع همسه القلق باسمها وقد شاهد دموعها التي ملأت عيناها
قالت بخفوت :
_افعل ماتراه مناسباّ ،والآن غادر حتى لاتفوتك الصلاة
القى التحية عليها ثم غادر،أما هي فارتدت أسدال صلاتها ،ثم شرعت بمناجاة ربها ليخفف عنها وطأة الألم القادم ،وييسر أمرها الذي عزمته
….
بعد عدة ساعات ،عاد لجين للمنزل وقد أحضر بعض الحاجيات الضرورية للمنزل ، كانت ميرال قد أخبرته برسالة على الهاتف أنها في زيارة لجارتهم في الطابق الذي يعلو منزلهم ،تطمئن على ابنتها الصغيرة .
وضع الحاجيات في مكانها ،ثم شرع باعداد الصحون لسكب الطعام الذي سبق وجهزته ميرال
لم يكد ينتهي حتى أحس بصوت باب الشقة يفتح
ناداها قائلا :
_أنا في المطبخ ،بدلي ملابسك وتعالي لنتناول الغداء
أتاه صوتها الهادئ بشكل مؤلم لقلبه فهو لم يعتد ميرال بهذا الشكل المنهزم :
_ قادمة

جلست في حافة السرير تفك الوشاح عن رأسها ،ثم أخرجت هاتفها من جيبها تناظر شاشته المطفأة ثم مالبثت أن ضغطت زر التشغيل ،ترسل رسالة واحدة فقط لشقيقها تقول فيها
(_ سيكون كل شئ كما تريد وكما ترغب )

واغلقت الهاتف ورمته بجانبها تفكر بصعوبة ما هي مقدمة عليه
ولكن هل هو اصعب مما عايشته خلال هذه السنوات هل هو أصعب من رؤيتها لسلمى جثة هامدة بين يديها
هل هو اصعب من دموع امهات فقدن اولادهن في ريعان الشباب
هل هو اصعب من رؤية بلدها يتفتت والالم يمزق اوصاله تمزيقا
لقد زارتها سلمى في المنام فأعطتها دافعا أكبر لتنجز مهمتها التي اختارت أن تقوم بها
ولجين بحديثه البارحة عقب عودته من سفره وهو يظنها نائمة سهل المهمة عليها اكثر،رغم عدم معرفتها الكاملة لنوع المهمة التي كلف او سيكلف بها لجين
سمعته يخبر محدثه بخفوت
( بعد غد ،حسنا كما تريد ،كلا لن أتراجع عن قراري ،انه واجبي الذي يدفعني أن اضحي بحياتي في سبيله … )
غداً سيكون الحد الفاصل لها مابين الحياة والموت مجدداً
….
في اليوم التالي تهيأت لاستقبال صديقتها سلافة والتي اتصلت تخبرها أنها في طريقها إليها ،رغم تقابلهما في المستشفى خلال مناوبات عملهما إلا أن حديثهما بات قليلا ً
استقبلت سلافة وجلستا معا في الصالة
قالت سلافة وعيناها لم تجفا من أثر الدموع التي يبدو أنها كانت رفيقة طريقها لمنزل صديقتها
_ اسفة لقدومي هكذا، ولكنني كنت بحاجة لرؤيتك
ربتت ميرال على ساقها قائلة
_ ومتى كان بيننا موعد رسمي .. نحن شقيقات ياسلافة ،وهذا منزل شقيقتك تأتين إليه في أي وقت ترغبين به .
قالت سلافة وهي تخرج منديلا تمسح به دموعها
_ لقد شعرت فجأة بوحدة غريبة ، طلبت من سالم ان يأخذ إجازة ونسافر لعمتي لمدة يومين ، لكنه رفض، اخبرني ان لديه مهمة خطيرة ولن يستطيع السفر معي
ثم أكملت وعيناها عادتا لذرف المزيد من الدموع
_لقد اردت الذهاب لرؤية الصغيرة إبنة سلمى ،لقد اشتقت إليها كثيراً، لكني حين وصلت الى منزل جديها، تراجعت وعدت أدراجي ، فبأي صفة سأذهب للاطمئنان عليها ، أخبريني
اغرورقت عينا ميرال بالدموع وهي تنظر لسلافة .. تعلم عن تعلق سلافة بابنة سلمى،بل تعلقهما معاً بتلك الصغيرة، قالت محاولة عدم الانهيار :
_ بصفتنا صديقات والدتها رحمها الله .
وكم كان صعب عليها قول تلك الجملة ،استغفرت ربها معترفة بداخلها بذنبها من رفض لقضاء الله وقدره ،ثم أكملت حديثها قائلة :
_ لا اظن ان جدة الصغيرة ستمنعنا من رؤيتها يا سلافة،فخلاف ماكنا نعتقد، المرأة كانت تحب سلمى كثيرا وطلبت منا ان نزورها دائما لاننا نذكرها بها
اومأت سلافة بأجل ثم قالت وقد أعطاها حديثها مع ميرال بعض العزيمة :
_حسنا اليوم سأذهب لرؤيتها ، وأنت متى ستخرجين من هذه القوقعة التي حبست نفسك بداخلها ،حتى في المستشفى اذا قررت الذهاب للعمل فإنك تعتزلين كل شيء وتبقين في غرفتك لوحدك ، ألا تظنين أن وقت عودتك إلينا قد حان ..أنا أفتقد وجودك كثيرا
قالت ميرال بصوت متعب وحزين
_ لست مستعدة بعد ..لاتنظري لي هكذا ياسلافة .. أعلم أنني أبدو ضعيفة بهذا الشكل ، ولكن ليس باليد حيلة ،ماحدث كان صعبا والقادم سيكون أكثر صعوبة
بخوف قالت سلافة وهي تمسك يد ميرال بين كفيها
_ مابك هل هناك ماتخفيه عني ؟
ربتت ميرال على كفي صديقتها قائلة وقد لامت نفسها لتسببها بالذعر لها :
_ أنا بخير لكن ربما تأثير ماحدث يحعل نظرتي سوداء بهذا الشكل لكن عديني أنك ستكونين أقوى مني مهما حدث
قالت سلافة وعينيها تناظران صديقتها بخوف لم تعد بقادرة على إخفاءه :
_ ميرال
قالت ميرال وهي تشد على كفي سلافة بابتسامة ارادت منها بث بعض الطمأنينة في قلب صديقتها :
_ سلافة إن عرض جلال الزواج عليك فاقبلي
نظرت لها سلافة باستغراب هامسة
_ جلال مادخله الآن
أكملت ميرال عازمة أن تقنع سلافة بما تريد :
_ لا تقاطعيني .. لطالما أخبرتني سلمى أن الرجل راغب بك، وأنه مختلف بطباعه عن زوجها ، لطالما أخبرتني أنها متأكدة أنك ستكونين سعيدة معه إن تزوجته
قالت سلافة بضياع ظهر جليا على نظراتها :
_ لا أفهم مناسبة هذا الحديث الآن يا ميرال
أجابتها ميرال
_ لأجل إبنة سلمى .. لاتستغربي ما أطلبه منك ، منذ أيام وأنا أفكر بحال تلك الصغيرة ومصيرها بعد وفاة أمها ، جدتها كبيرة بالسن ولن تستطيع العناية بها ، و والدها تعرفين أنه لم يكن يحمل أي مشاعر لسلمى ،لذلك لن استغرب إن تزوج مرة ثانية تاركاً الصغيرة لجدتها أو لزوجته المستقبلية ، لذلك أطلب منك إن عرض عليك جلال الزواج وافقي لأجل الصغيرة ،خذيها أنت وربيها ،اجعليها ابنتك وكوني تعويضا لها عن والدتها
قالت سلافة وقد اتسعت عيناها بعدم تصديق لحديث صديقتها :
_ ميرال هل تعين ما تطلبينه مني ؟
اغرورقت عيني ميرال بالدموع هامسة وقد نكست رأسها بخزي من أنانيتها فيما تطلبه من سلافة
_ لا أتخيل أنها ما عادت موجودة .. أريد لصغيرتها أن تحيا بسعادة، ليتهم يعطوني إياها ، لكني أعلم أنهم لن يفعلوا ،سامحيني لم طلبته ياسلافة ، لكن..
قاطعتها سلافة وهي تضمها إليها قائلة
_ توقفي عن لوم نفسك .. توقفي عن تحميلها مالا تطيقه .. سنكون جميعنا بخير بإذن الله ، ولن نتخلى عن الصغيرة مهما حدث
هزت ميرال رأسها بموافقة وهي تمسح دموعها ،
استقامت سلافة قائلة وهي تأخذ حقيبة يدها :
_ يجب أن أذهب الآن
امسكتها ميرال من يدها تعيدها لمكانها على المقعد قائلة بتوسل
_ ابقي وتناولي الغداء معنا .. سيعود لجين قريبا
_لكن
حاولت سلافة الاعتذار لكن ميرال أصرت بطريقة غريبة ،جعل سلافة غير قادرة على رفض طلبها
طوال فترة وجود سلافة كانت ميرال تراقبها بطريقة غامضة ،هذا ما شعر به لجين وهو يناظر زوجته بينما يتناولون طعام الغداء ، كانت وكأنها تخاف فقدانها ،وكأنها تراها للمرة الاخيرة
أعاد السبب لفقدانها سلمى ،ولكن انهيارها بالبكاء بعد مغادرة سلافة جعله يدرك أن زوجته يمكن أن تتعرض باي لحظة لانهيار عصبي شديد وهذا ما زاد خوفه عليها
يجب أن يجد حلا لم تمر به يجب أن يخرجها من هذه الدوامة التي حبست نفسها بداخلها
ضمها له وهو يقرأ بعض الايات القرآنية لتهدأ وفعلا بقي كذلك حتى نامت فأغمض عينيه وهو يهمس
_ صبرا جميلا والله المستعان
ثم استغرق بالنوم بجانبها ،
بعد بضع لحظات وحين تأكدت من استغراقه بالنوم فتحت عيناها ثم استدارت نحوه ، تراقب ملامحه تمد يدها أمام وجهه دون أن تلامسه وكأنها ترسم تفاصيله كلها
كعادتها الجديدة كل يوم بعد استغراقه بالنوم ،تمضي ليلها بمراقبته ، ودموع صامتة تمر على وجنتيها في مواساة داخلية لها
…….
العاشرة ليلا من ذات اليوم

كان لجين قد انتهى من استقبال ضيفه الذي زاره لمدة عشر دقائق فقط
لقد طلبت ميرال من لجين ان يستقبله بالغرفة الجانبية والتي لا يدخلها أحد
فاستغرب طلبها لكنه رضخ لها وهو يرى حالتها الغريبة بعد استيقاظه من قيلولة الظهيرة ،
آثر ان ينفذ لها ماطلبت وهو يلاحظ اصفرار وجهها ونظراتها التائهة
كانت في غرفتها حين سمعت صوت لجين المودع له فخرجت نحوه بكل هدوء
وجدته عائدا نحو الصالة ويده في جيبه ، تعلم أنه يقبض بقوة على مابداخلها
ابتسم مستغربا وهو يراها قد ارتدت ملابس الخروج وحقيبة يدها موضوعة بقربها على طرف الاريكة
اقترب منها دون أن تفارق البسمة وجهه ،غير منتبه ليدها التي تخبأها خلف ظهرها ولا لنظرات عيناها الغريبة ،قائلاً:
_ حبيبتي … هل تودين ان نخرج قليلا ..
توسعت عيناها بحقد وهي تناظره
فتوقف مكانه مذهولاً ،على بعد إنشات قليلة منها ، وهو يسمع صوتها الذي يشبه الفحيح ونظراتها القاسية التي يقسم انه لم يراها قبلا :
_ لم أرسلت من يراقب اخي .. لم تلاحقه من مكان لمكان… هل بت تغار من نجاحه الذي وصل اليه فسولت لك نفسك أن تثير تلك الاتهامات حوله .

صدمة احتلت ملامحه وهو يراقب وجهها كيف تحولت ملامحها للشر المطلق ،همس باسمها غير مصدق لما تتفوه به
_ميرال
بغضب صرخت بوجهه بغضب :
_ لاتتلفظ باسمي ابدا … لقد علمت ما تحيكه للايقاع بشقيقي كيف امكنك ذلك فقط أخبرني… طوال الوقت تتشدق انه كابن لك ولكن ما إن رأيته يحقق مكانة عالية حتى بدأت تكيل الاتهامات ضده، بدأت بزرع سمومك بداخلي ضده ثم انتقلت لإلحاق الضرر به
اغمض عينيه مستغفراً ، الان قد فهم ما يحصل يبدو أن شقيقها قد استغل غيابه بشكل جيد ،والحالة المتأزمة التي تمر بها، وزرع بعقلها كل تلك الأفكار والاتهامات ،حاول التحلي بالهدوء قد المستطاع ، فلن يزيد الأمر سوءاً بغضبه وهو أكثر من يشعر بذلك الألم الذي تعايشه هي ،وذلك التشتت والضياع ،قال محاولاً مهادنتها
_ميرال عزيزتي
حاول مد يديه ليضمها ،ولكنها انتفضت مبتعدة وكأن مساّ أصابها هادرة
_ لاتحاول لمسي
توسعت عيناه بصدمة عاجزاّ عن الرد ،يحاول أن يقرأ ملامحها ،أن يعلم مايجول بعقلها ،لكن فقط نظرات غاضبة واتهامات تكيلها له فقط
_انت أكثر جبنا من أن تعترف بأنك تحاول الايقاع به

رغما ً عنه لم يستطع إلا أن يجيبها وهو يكز اسنانه غضبا
_ مادمت تعلمين انني احاول الايقاع به كما تدعين يازوجتي العزيزة ، فلا بد انك تعلمين كذلك بما يقوم به شقيقك من أفعال مريبة خلف تلك الواجهة التي تتغنين بها … تعلمين ما الجرائم التي ارتكبها والتي سوف يرتكبها ان لم يوضع له حد ، لست غبياّ ياميرال حتى لااعرف اي شيطان سكن جسد شقيقك فجعله وحشا متعطشا للاذى والقتل
همست بغضب مماثل لغضبه
_ لا دليل لديك .. كلها تهيؤات رسمها عقلك المريض ..
ارتعشت شفتاه من هول صدمته ،وعيناه خبت بريقهما بألم كبير ، لم يكن من السهل وصف حاله، هل هذه زوجته وحبيبته ميرال .. هل هذه من تثق به .هل هذه من ينبض قلبه لأجلها . ترميه بهكذا اتهامات، هل أعماها حبها لغياث عن رؤية حقيقته القذرة
قال ينفي بعقله كل ماسمعه منها من كلام يكسر القلب، مربتاً على قلبه يخبره أن هذه مهما حدث هي حبيبته ميرال
_ لا أصدق ما تقولين … مالذي جرى لك …هل تعين ما ترميني به يا ميرال
قالت بذات النبرة التي تخاطبه بها وسعير غضبها لم يهدأ :
_ فقط اريد ان افهم كيف استطعت ان توهم نفسك بأنه مجرم وقاتل ،ولا تكتفي بذلك بل تخطط للنيل منه وتدميره
أجابها بنبرة متألمة وغاضبة في ذات الوقت
_ أخطط لتدميره والنيل منه أي هذيان هذا ،إن شقيقك يتلاعب على جميع الاطراف المهم أين تكمن مصلحته فقط،لايهتم بأي شيء آخر ، تقولين أن كل ماأقوله تهيؤات ،أخبريني أنت ياميرال هل تظنين مايقوم به من جرائم هو أوهام و تهيؤات … هل نجاح شركته المنقطع النظير خلال فترة بسيطة تهيؤات… هل تصدره لكل الأعمال الخيرية فجأة تهيؤات … هل وجود أولئك الأشخاص حوله تهيؤات ، هل قتله للابرياء تهيؤات ، هل موت سلمى كان تهيؤاً ايضا
ختم كلامه بالصراخ ولكن هي لم تهتز وكأنها قدت من حجر اقتربت منه حتى باتت ملاصقة له ملامح وجهها جامدة تماما همست في وجهه دون ان تحيد بعينيها القاسية عن عينيه
_ لا دليل لديك .وآنت تعلم ذلك جيدا
ألم عميق ضرب صدره وهو يناظرها بينما ترمي بكلماتها السامة تلك
أغمض عينيه مرغماً كي لا ترتسم صورتها في تلك اللحظة في مخيلته ثم عاد لفتحهما قائلا بمداراة لوضعها وماتمر به :
_ يبدو أنك متعبة جدا مارأيك أن تستريحي ثم

قاطعته بصراخها الحاد :
_ لاتعاملني وكأنني مجنونة .. ابتعد عني لاتقترب وابتعد عن أخي كذلك إنه ليس مجرم وان كان هناك مجرم حقيقي فهو أنت … أنت من تغار منه وترغب بتدميره لكنني سأدمرك قبل أن تفعل
لم يكد يجيبها نافياً تهمها التي قذفته بها تباعاً ،حتى شعر بجسده يصاب بالشلل إثر اقترابها منه ويدها تمتد لعنقه ،شاعراً بتلك الحقنة التي غرست في عنقه حاول أن يتلفظ باسمها لكنه لم يستطع عيناها توسعتا بشكل مخيف
ثانية واثنتان وسقط جسده أمامها
وكأن من قتلته ليس زوجها … وكأنه ليس حبيبا تغنت بحبه لأعوام
كأنه ليس روحا قتلتها بكل برود دون ان تخاف عقابا
بذات البرود اقتربت من جسده تفتش في جيب سترته تأخذ ذلك القرص الصغير غير مهتمة بالنظر لوجهه حتى
تخطت جسده نحو المدفأة ترميها ارضا فتبدأ النيران بالاشتعال لتخرج من باب الشقة ناسية إغلاقه ورائها بشكل كامل .
لم يحتج الأمر منها الا اقل من دقيقة لتنفيذ ما أرادت
هبطت السلالم بخطوات سريعة لكن خفيفة بنفس الوقت كي لا ينتبه لها أحد
وجدت السيارة بانتظارها في الاسفل صعدتها بعد أن عرفت هوية السائق ثم غادرت
وجهها خال من أي تعبير فقط قسوة غريبة جديدة احتلت تلك الملامح
لا يبدو عليها أي تأثر بما ارتكبته يداها
لايتحرك فيها اي شيء سوى ابهام يدها اليمنى والذي يقوم بالنقر تباعا على عقد أصابع يدها المتبقية وكأنها تقوم بالعد بصمت
….
_ماذا… قتلته
صرخت بها وداد بعنف وهي تنتفض من مكانها تنظر لوجه السيدة زينة الذي لم يتأثر مثلها ابدا ناظرتها بغضب من برودها هذا ،قائلة بغضب لم تستطع لجمه :
_ سيدة زينة .. هل حقا تعلمين عن أي شئ يتحدث كتابي ..أم أنك توهميني بمعرفتك لهدفه
انه يتحدث عن نساء مظلومات دخلن السجن ظلما او بتهم بسيطة ارتكبوها نتيجة ظروف قاسية مررن بها او خلل نفسي كانوا يعانون منه
اما صديقتك او قريبتك او ايا كان مايجمعك بها قتلت زوجها مع سبق الاصرار والترصد … دون أن يكون لها أي دافع حتى لتفعل ما فعلت
قالت زينة بهدوء مناقض تماماً لغضب وداد
_ وهل انتهت الحكاية لتحكمي ياسيدة وداد… كتابك انا اخبرتك اني اعرف عنه من الطبيبة أماني فهل كانت ستخبرني عنك وعن كتابك لو لم تكن حكايتي التي أرويها لك تستحق ان تنشر في كتابك …. وحتى لو فرضنا أنها لا تستحق النشر مع باقي قصصك، فاعتقد ان الحكاية تستحق ان تسمعيها للنهاية … لايجب علينا ان نحكم ما لم يدل المتهم بشهادته كاملة .. سواء كانت ميرال قاتلة أم لا فالحكاية لم تنته عند قتل لجين بل أعتقد أن الحكاية الحقيقية بدأت منذ تلك اللحظة
نظرت لها وداد بتحفز ثم استعادت السيطرة على مشاعرها وهي تعود للجلوس قبالتها تفكر بغرابة هذه المرأة وبرودها الذي يكاد يصيبها بالجنون
مسحت على وجهها بتعب قائلة :
_ حسنا سيدة زينة .. لديك الحق في ماقلته .. اسفة لانفعالي ولكن لا أفهم كيف يمكن لشخص مثل ميرال ،وصفته بأنه محب وطيب ويعطي بلاحدود ان يقدم على القتل .. كيف استطاع شقيقها غسل دماغها بهذا الشكل .. لا أظن أن لجين كان يستحق منها ما فعلته به
نظرت زينة لكف يدها تتلمس بأصابع يدها خاتم الزواج الذي ترتديه وهي تقول بشرود
_ احيانا تدفعنا الظروف لخوض تجربة لم نظن حتى في احلامنا اننا سنخوضها .. نجد أنفسنا داخل لعبة خطرة نحتاج لأن نتعلم أصولها بسرعة لان خطئا واحدا فيها ، يعني النهاية لنا ولمن حولنا
ميرال كانت مثل البقية تبحث عن الحياة تحلم بأيام سعيدة لكنها ودون سابق انذار وجدت نفسها طرفا في لعبة خطرة
لعبة وضعت فيها رغما عنه،ا حالها حال الكثيرين لذلك كان عليها ان تسعى جاهدة لتفعل الصواب الذي ارتأته في ذلك الوقت، ليس مهما كيف استطاع شقيقها أن يؤثر على افكارها ومعتقداتها فهذا ماستعرفينه في تتمة الحكاية .. المهم هو هل كان مافعلته سيحقق ماأرادته أم لا .
رغم فقدانها لصبرها الا ان وداد قررت ان تستمع للنهاية ولها حديث قريب مع صديقتها اماني حول زينة هذه
…..
الخاطرة على لسان ميرال اهداء من الغالية والي دائما تزين فصولي بخواطرها هند Hend Fayed

سامحني؛ لأني أمام القرارِ الكبيرِ جُبِنت.. غَفلت ولم أختَرك،
امنحني ألفًا أو ما يزيد مِن الأعذارِ فإني هُزِمت.. خَسِرت ولم أُخبِرك،
اغفر لي ذنبي العظيم.. إثمي الكبير وخطيئتي التي فعلت،
داوي جراحي ولا تُذكرني بسفكي لدمكَ فقد استسلمت،
دعني أشرح لكَ حقيقة اختياري وسبب المرارِ الذي قد أُذِقت،
دعني أُمَني نفسي بقربِ اللقاءِ وإلا هَلِكت،
دعني أُطفئ ناري في بكائي أو نواحي ما عاد يفرق وإن سَكَت.
نعم أخطأت وأعلم أني مِن الجنة طُرِدت،
نعم هو اختياري ولكني رَجِعت،
نعم هو سبب الهلاكِ وسبب العذابِ وكل الشقاء وقد تَعِبت.
قدمت لأجله القرابين فرفضها جميعًا واختارك أنتَ،
أرادك أنتَ،
فأخذك وأحرق قلبي أنا فما قُتِلَ غيره وما هَلَكَ غيره وما رُمِيّ بكلِ السهامِ إلاه قلبي،
وطالما كنت أنتَ الملاذ.. أنتَ الخلاص ومنكَ وإليكَ دومًا ينتهي الكلام فاغفر لقلبي المقتول فإني وربي قد نَدِمت.




فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-09-20, 06:01 PM   #12

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

تم نشر الفصل الخامس بعون الله
نلقاكم غدا مع الفصل السادس ان شاء الله


فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-09-20, 04:11 PM   #13

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

#الفصل_السادس

أركان الحياة أربعة
أركان كلنا نعرفها نسمع عنها
سبق ومر ذكرها أمامنا
ألا وهي :
ماء .. هواء.. تراب … نار
لكن الكثير لا يعلم أن هناك ركن خامس
هو الأهم
ركن لا تستقيم الحياة إلا به
ركن إن لم يكن موجودا فهذا يعني تهدم هذه الحياة وانعدامها
يعني تحولنا لحيوانات تحركها الغريزة فقط لاغير
هذا الركن الذي بات للأسف معدوما في كثير من الأحيان
و هو (( الاخلاق ))
….
رغم الخوف الذي كانت تعيشه والقلق من أن يحدث خطأ ما .. خطأ صغير يمكن أن يدمر ما قامت به و ضحت لأجله
إلا أنها حافظت على وجهها الخالي من أي مشاعر لدرجة أن الناظر إليها يظنها جثة بلا أي حياة
عيناها جامدتان تحدقان في الفراغ أمامها وفمها مزموم وكأنها تخشى إن فتحته أن تفقد حياتها
تجلس في المقعد الخلفي للسيارة وخلف مقود السيارة يجلس خالد يقود سيارته نحو منزل شقيقها
لم يحدثها او يوجه أي نظرة إليها
فقط امتثل لأمر غياث بأن ينتظرها أمام باب البناية التي تحوي منزلها
لايعلم مالذي حدث معها في شقتها في الأعلى ولكن ملامح وجهها توحي بقيامها بمصيبة
رنين هاتفه أجفل تلك الجالسة في المقعد الخلفي بطريقة لم تخفى عليه أبداً
أجاب غياث بكلمات مقتضبة وعيناه تراقبان ملامح وجهها من خلال المرآة الأمامية
رغم قسوة ملامح وجهها إلا أن عيناها تحملان خوفاً كبيراً
قال وقد اتخذ بالسيارة طريقاً جانبياً شبه خالٍ :
_سنتجه لمنزل غياث الجديد ،فهو قد أمرني بأخذك إلى هناك ،يلزمنا بعض الوقت حتى نصل
لم تجبه وإنما استمرت بصمتها المطبق ،فعاد يراقب الطريق
أوصلها لمنزل شقيقها الموجود في منطقة نائية بعد أن مروا على نقاط تفتيش كثيرة .
نزلت من السيارة تسير خلف خالد وقد ازداد الليل ظلمة مما جعل هناك صعوبة بتبيان ملامح المنطقة التي يوجد بها هذا المنزل
مع اقترابها من باب شقة غياث بدأ الخوف يهاجمها بقسوة
الخوف من رد فعل غياث .. الخوف من حدوث خطأ يقلب موازين امورها
يداها بدأتا بالارتعاش بشكل كبير
عقلها لايكاد يستوعب كل الأمور التي حصلت في يوم واحد فقط
لاتصدق حتى اللحظة كل ماجرى
دخلت المنزل خلف خالد لتجد غياث بانتظارها هناك كانت عيناه محمرتان من الغضب ولكن رؤية ملامحها جعله يحاول التحكم برد فعله وهو يقترب منها يمسك رسغيها بكفيه صارخا
_ لم فعلت ذلك … لم تسرعت بتصرفاتك .. من طلب منك فعل مافعلته أخبريني .. لقد دمرت كل ماخططت له ،أي مصيبة أوقعتنا بها الآن
كان خالد يناظرهما بعدم فهم فهو حتى هذه اللحظة لم يعلم مالذي حدث قبل أخذه لها من أمام منزلها
أغمضت عينيها بألم ودموعها تنطلق متحررة غير مهتمة بألم مرفقيها نتيجة ضغط غياث بكفيه عليهما ،همست من بين دموعها بصوت مختنق وقد بدأت قواها بالانهيار :
_ لأجلك … فعلت ذلك لأجلك
نفضها عنه مما جعلها تسقط أرضاً ،فقدماها لم تعودا قادرتين على حملها
ابتعد خطوة عنها ، يمسح وجهه بكفيه،وقد اسودت ملامحه من شدة غضبه
اما هي كانت تنظر له خائفة
تقسم أن شعورها بتلك اللحظات كان يمزق روحها
أنصال حادة تخترق صدرها ،فتزيد من عظيم ألمها

قال غياث محاولاً السيطرة على غضبه فلا يقوم بفعل يندم عليه لاحقاً
_ طلبت منك استغلاله .. موته كان سيأتي لامحالة، ولكن ليس بهذا التوقيت ،سألتني قبلاً وأخبرتك أنني لا أريد موته، ولكنك تصرفت دون أن تحسبي أي حساب لفعلتك
نظر لها خالد بصدمة لحظية سرعان ماذهبت في حال سبيلها ليحل بدلاً عنها السخرية ،فكيف يستغرب أن تكون شقيقة غياث مجرمة مثله وهو الشاهد على أكثر جرائمه بشاعة
راقب ملامح وجهها التي فقدت اللون وقد بدأ لهاثها يعلو وكأنها تنازع الحياة ،ليسمع صوتها المتعب موجهة حديثها لغياث ويبدو أنها نسيت وجوده هو رفقتهما :
_ انقاذك كان أهم عندي من أي شئ ،لأجلك أنت فقط خاطرت بكل شيء
صرخ بها هادرا بعنف شديد :
_ انقاذي من ماذا، أخبريني،لقد كانت تصرفك غبياّ غبياً جداّ وسوف تتسببين لي بمصيبة كبرى
ثم وجه غضبه لخالد قائلا بصراخ هاتفاً:
_ وأنت ، أين كنت حين قامت بفعلتها الرعناء ، طلبت منك ان تذهب لتحضرها والقرص الذي لديها ،فكيف لم تردعها عن قتله
قالت خالد ببرود وهو ينظر لها ومازالت على حالها على الأرضية الباردة للصالة :
_ وهل كنت اعلم انها ستقتله ، انت لم تطلب مني أن أدخل لمنزلهما ،الاتفاق بينها وبيننا كان أن تعطينا القرص لا أن تقتله
رنين هاتف خالد جعل الكل يصمت
ميرال تنظر بخوف ليده التي تخرج الهاتف ليجيب الاتصال
بينما غياث ينفخ بقلة صبر يريد أن يعلم ما الجديد وقد عرف من خلال حديث خالد أن المتصل أحد رجالهم الذين كان قد كلفهم بمراقبة منزل ميرال
انهى خالد المكالمة ثم وجه كلامه لغياث قائلا
_ يبدو أن الأمر لم ينته عند قتله ،لقد حدث حريق في منزلهما
ثم نظر نحو ميرال باشمئزاز غريب قطع تلك النظرات رنين هاتف غياث فأسرع للأجابة وهو يشير لهما أن يلتزما الصمت
ضمت جسدها بذراعيها وهي تشعر بالبرد يزحف اليه ببطء رغم دفء المحيط
كلام غياث عن زوجها جعلها تنظر له بخوف فابتعد عنها باخلاً عليها بمعلومة تريح قلبها
انهى حديثه والذي يبدو أنه كان مع شخصية مهمة ثم عاد إليهما ينظر لخالد قائلا بابتسامة خبيثة :
_ إن كانت قد قتلته ،فلا ضرر من استغلال الأمر لصالحنا هيا بنا
ثم نظر نحوها قائلا برفق غريب جعل عيناها تتسعان بصدمة ،وهو يمد يديه إليها فيساعدها على الجلوس على أريكة قربها :
_ استريحي الآن و دعيني افكر بحل لإخراجك من هذه الورطة التي أوقعت نفسك بها
هزت رأسها بموافقة ثم نكست رأسها، تغمض عيناها ،مبتعدة عن نظراتهما المراقبة لها
لم يكن هذا ما يشغل بالها
ان تخرج من هذه الورطة هو آخر ما تفكر به
ثم فجأة وكأنها فطنت لشيء ،مدت يدها المرتجفة الى جيبها تخرج قرصاً ليزرياً قائلة
_ لقد أخذت هذا منه .. هل هذا ما اردته
لم يدعها تكمل وهو يأخذ القرص منها متوجها لغرفة جانبية تاركا اياها تنظر بإثره نظرات غريبة ،وخالد تبعه بسرعة
اما هي تحاملت على نفسها و استقامت واقفة تبحث بعينيها عن غرفة تستريح بها
تحتاج أن تخلو بنفسها قليلاً
سارت بخطوات بطيئة نحو الغرفة التي وجدتها والتي يبدو أن لا أحد سبق واستعملها، رمت حقيبتها على السرير ثم اتجهت للحمام الملحق بالغرفة تغلق الباب خلفها بهدوء ،غابت دقيقتين ثم عادت نحو السرير تجلس عليه كتمثال حجري
سمعت صوت الباب يغلق فعلمت أنهما غادرا وتركاها وحيدة هنا
عدة ساعات مرت وهي على جلستها تلك لم تتحرك قيد أنملة
خواء غريب يزداد قتامة داخل جنبات قلبها
يتركها صريعة لأفكار وهلوسات تزيد من اضطرابها
لولا صدرها الذي يصعد ويهبط بفعل تنفسها الصعب لخيل للناظر لها أنها جثة هامدة ّ
على هذا الحال بقيت حتى غلبها التعب
حين استيقظت كان الهدوء مازال مسيطرا على المكان ،انسحبت من السرير بتعب وقد تيبس جسدها بفعل استلقائها غير المريح
نظرت من النافذة فوجدت الشمس تتوسط كبد السماء تراجعت بصمت مفكرة هل نامت كل هذا الوقت
استمعت لصوت شقيقها يتحدث مع أحدهم فأعادت ترتيب غطاء رأسها ، ثم خرجت نحو الصالة لتجده يتحدث مع خالد الذي استأذن مغادراً بمجرد قدومها نظرت لوجه شقيقها فوجدته بشوشاً سعيداً بعكس ماكان البارحة
ناداها حينما شاهدها واقفة على باب الغرفة
_ تعالي لنأكل فأنت منذ البارحة لم تأكلي شيئا
جلست على الكرسي قبالته تراقب حركة يديه وهو يخرج الطعام من الأكياس قالت بهدوء
_ هل تظن ان الشرطة ستشك بي بأنني القاتلة
توقف عما يفعله ونظر اليها ثم انفجر بالضحك وهو يقول
_ لن يشكوا أبدا … بل كوني سعيدة فالبعض يظن أنك قد مُت ايضاً…
همست بتوتر قائلة
_ كيف ذلك؟
قال وهو يضع لقمة بفمه دون أن يعير ملامحها التي فقدت لونها اعتباراً:
_ رغم غضبي مما فعلته لكن لا يمكنني تركك تواجهين ما حدث لوحدك ،البارحة كنت قد كلفت شخصا بمراقبة المكان بعد مغادرتك أنت وخالد ، فقد ظننت ان اتصالك كان لاعطائنا القرص فقط فأردت التأكد أن لا أحد غيرنا يحاول الوصول إليه .
كانت نظراتها معلقة به تريد منه الإكمال لتعلم ماذا حدث بعد رحيلها ولم يطل انتظارها وهو يكمل
_ لقد شب الحريق وابتلعت النيران جزءاً من المنزل قبل أن تتمكن سيارة الإطفاء من الوصول للمكان
غصة قوية استحكمت قلبها وهي تتخيل منزلها محروقاً
كل ذكرياتها فيه قد حرقت
اركان تمتلك فيها ذكريات كثيرة احترقت ولم تترك النيران منها شيئا
ولكنه لم يسمح لها بالغرق في نعيها لمنزلها بل أكمل كلامه
_ لقد ابلغني ذلك الشخص ان سيارة الاسعاف قامت بنقل جثتين من المكان
توسعت عيناها بصدمة وهي تقول بتلعثم
_ جث.. جثتين .. انا لم اقتل سوى لجين فلمن الجثة الاخرى
انتفضت واقفة تحاول ان تفهم لكنه قطع عليها حبل افكارها وهو يقول:
_ السيدة التي طلبت منها ان تحضر لمساعدتك في ذلك اليوم
نظرت له هامسة
_ يا إلهي.
وضعت يديها على وجهها بخوف قائلة بصوت متقطع :
_ لقد اتصلت بها عصراً ، لأنني ارغب منها مساعدتي في تنظيف المنزل لكنني نسيت أمرها
قال مؤكدا كلامها
_ أخبرني الرجل المكلف بمراقبة المكان انها دخلت بوابة البناية عقب مغادرتك فورا ويبدو أنها حاولت مساعدة لجين فاحترقت معه، ويبدو أنهم ظنوها انت، و بذلك لن ندخل بمتاهات إثبات براءتك وانت شقيقة غياث العالم
ارتجفت شفتاها بتوتر شديد ثم بدأت تدور حول نفسها كاللبوة الجريحة تقضم اظافرها بأسنانها بتوتر شديد ، ثم تعود للتوقف والنظر إليه وكأن مساً قد أصابها :
_ كيف .. كيف ذلك ؟ ماذا لو أجروا تحليلا للجثة سوف يعلمون أنها ليست أنا، ثم كيف تريد مني أن أفرح وهم يظنون انني مت ،إن هذا يعني أنني بلا هوية الآن .. كيف سنتمكن من الخروج خارج البلاد … ثم ماذا لو حاول من هم خلفك قتلي ها اخبرني …
اشار لها بيده للكرسي الموضوع قبالته والذي كانت تشغله منذ قليل قائلاً بهدوء مناقض للتوتر الذي يحتل تصرفاتها
_ اجلسي واهداي لنتحدث فإن توترك هذا لن يفيدنا باي شئ هل فهمت
جلست كما طلب منها وعيناها تراقبان ملامح وجهه تحاول أن تستشف اي شئ يريح قلبها يخبرها ان ما تحاول فعله يستحق
تحدث قائلا
_ لن يحدث .. لن يتم تحليل الجثة فانا رتبت ان تدفن الجثة على أنها أنت .. فخبر موتك وموت زوجك لم يكن بهذا السوء بل على العكس كان أمراً جيدا بالنسبة لي
همست باستغراب
_ كيف ذلك
قال وهو يشبك يديه أمامه على الطاولة ناظرا لها
_ أنا قد فقدت شقيقتي وزوجها ، وقبلها تعرضت لمحاولة اغتيال ،اذا هذا يعني صحة ما اقوله عن محاولات للتخلص مني من قبل بعض الشخصيات وهذا سيساعدني في توجيه ضربتي إليهم ، وكذلك ستبتعد أصابع الاتهام عنا حين يعلمون باختفاء القرص ومايحويه من معلومات
نظرت له هامسة بإنشداه:
_ تستغل الامر لصالحك بهذه البساطة .. وهل سيدعك من تتعامل معهم تهنأ بعد أن تسلمهم المعلومات التي حصلت عليها
قال بنبرة تقطر ارتياحاً غريبا عليها
_ إن الوثائق التي سلمتها لنا لم تكن هي ما نبحث عنه
صدمة تلو الاخرى يوجهها لها ، ارتجف كفيها وتفصد جبينها عرقا وهي تستمع له يكمل كلامه
_ ولكنها كانت بأهمية ما نبحث عنه انها لموقع مهم سيتم تدميره بعد ان نضع خطة محكمة لتنفيذ الأمر ثم بعده سنحاول الوصول لتلك الوثائق مجددا
انتفضت مجددا صارخة
_ أي خطط وأي استفادة تعني ؟
امسك كفها بقسوة لتصمت بعد أن وقف مقابلا لها وهو يقول بصوت غاضب
_ هل تظنين ان ماقمت به سيمر مرور الكرام لو اكتشف وجودك على قيد الحياة .. انت قررت أن تكوني بجانبي لذلك كفي عن هذا النواح
نفضت يده بقسوة مشابهة لقسوته وهي تقول بإصرار :
_ لن افعل شيئا آخر .. انت وانا سنرحل عن هنا ونغادر دون عودة هل فهمت
ضحك غياث ملأ صوته وهو يستمع لها ثم صمت يحارب نفاذ صبرها ودون أي كلمة ابتعد عنها يلملم اشياءه ثم غادر المنزل لتجلس هي منهارة تبكي بصمت
هل فشلت .. كيف تستطيع ان تعلم … لم عليها أن تخوض كل هذا بمفردها .. أي ذنب اقترفته لتعايش هذا الألم والتشتت
تشعر أنها من أدخلت نفسها داخل الدوامة الكبيرة
فتدور بها الدنيا وتدور وتدور
ولا سبيل للتخلص من هذا الدوران
ولا سبيل للخروج منها
….
يومان أخران مرا عليها وهي حبيسة المنزل، تكاد تجن لاتعرف شيئا عما يحدث بالخارج ،تشعر بنفسها انها أتت بقدميها لهذا السجن ولن تستطيع الفكاك ابدا
كان المساء قد حل ، دخل غياث متلهفا وهو يقول لها
_ استعدي سنغادر لمنزلي الآخر
توقفت قبالته عينيها فقدتا بريقهما من كثرة السهر وهالات سوداء أحاطت بهما ،اجابته بصوت فقد الحياة
_ هل ستنقلني من منزل لآخر طوال الوقت
جلس بهدوء على الاريكة، هدوء يستفزها بشكل خطير لكن لن تكون ميرال ان سمحت له باستفزازها ،جلست قبالته بذات البرود تستمع له
_ لن اكرر لك كلامي السابق .. لن استطيع الا اخفائك الآن حتى نجد حلا
هزت رأسها بموافقة ، ثم رافقته مغادرة لمنزله الآخر ، لم تعلم أي طريق اتبع ولا كيف تمكن من استخراج هوية مزورة لها أعطاها لها حين خرجت من المنزل
تصنعت النعاس ،وهي تراه جالسا في الصالة ينهي بعض الأعمال ،فاستأذنت مغادرة لغرفتها
مرت ساعات وهي مستيقظة تستمع لأي حركة له في الخارج حتى غلبها النوم
بعد بعض الوقت سمعت رنين هاتفه فأجفلت خائفة (يبدو أنه غياث نائم)
هذا مافكرت به وهي تقترب على رؤوس اصابعها من الباب تستمع لصوته ،كلا ليس نائما بل يبدو انه كان يتأكد من نومها فقد سمعت خطواته المبتعدة عن باب غرفتها
يصلها صوته هامسا لكنها استطاعت أن تستمع لما يقوله
_ ستكون مهمة كبيرة وأنا مستعد لها .. ستكون ضربة قاضية لهم … حسنا انتظرك مساء الغد
عادت مسرعة نحو سريرها تتدثر بأغطيته مدعية النوم مجددا
وعقلها يخطط لما ستفعله لاحقاً
….
في اليوم التالي وبينما يتناولان الإفطار، اخبرته ميرال بمرضها ، وطلبت منه ان يحضر لها حبوبا مهدئة علها تنام لساعات أطول وترتاح
لبى طلبها مسرعا وعند المساء اعطاها الحبة التي ابتلعتها عن طيب خاطر ولم تمر ربع ساعة حتى كانت قد استسلمت للنوم
تأكد من نومها ثم اتجه لمكتبه يتجهز لاستقبال ضيفه
لقد ارهق كثيرا خلال هذين اليومين جراء ماحدث يحاول ان ينهي كل التزاماته خارجا
وبذات الوقت يراقبها يخاف من استيقاظ مفاجئ لضميرها
فرغم حالة الجمود التي تكتنفها إلا أنه يظن انها ستنهار في أي لحظة
لقد أخبره خالد ألا يثق بها ،لكنه يعلم أنها تحبه لدرجة عمياء ،وأنها مستعدة لفعل أي شيء لأجله
أليس قتلها للجين دليلاً على تمسكها به هو ،رغم عدم استيعابه للأمر بداية لكنه لا ينكر أن ميرال فاجأته بتصرفها ذاك
ولكن الأمر جاء لصالحه ،رغم إرهاقه من كل ماجرى
امام الناس في خارج المنزل يدعي حزنا لموتها وموت زوجها ،يوجه الاتهامات لأعدائه بأنهم من كانوا خلف قتلها وقتل زوجها ليكسروه هو ّ
لم يخبرها انه يقضي معظم يومه في صالة العزاء حيث يتوافد الكثيرون لتعزيته ومساندته في محنته
لم يخبرها أنه كان سعيدا وهو يأمر بدفن الصندوقين اللذين لم يفتحا ولم يهتم لفتحهما أبداً ، وكم تمنى لو رماهما في قعر البحر ليتخلص منهما للأبد
توقف عن الظهور الإعلامي مدعيا حزنه على شقيقته وزوجها ، يخطط في الخفاء لضربته القادمة ضربة سترجح الكفة لصالحه
ثم بعدها يسافران الى الخارج بعيدا عن هنا ،وستكون هي نقطة قوة له ولن تكون أبداً مصدر لضعفه
وصول ضيفه الغامض جعله يعود من أفكاره التي يخطط من خلالها لكل ما هو قادم
استقبله وجلسا معا يتحدثان في غرفة المكتب حديث استمر لساعتين متواصلتين ثم غادرا بعدها معا تاركة ميرال غارقة بنومها حتى الصباح

في الصباح كانت قد استحمت وبدلت ملابسها بملابس اشتراها لها ثم جلست في المطبخ تحتسي القهوة بهدوء غريب
تتلمس هاتفها المحمول الذي ابتاعه لها شقيقها حين وصولها لهذا المنزل للتواصل معها في حال الضرورة ،فهاتفها قام خالد بالتخلص منه فور صعودها السيارة
أعادت تشغيل الهاتف بعد ان كان مطفئا لخلو بطاريته من الشحن
ثم جلبت السماعة ووضعتها بمكانها وثبتت طرفيها في أذنيها وادارت زر التشغيل تستمع بإنصات وعيناها مغمضتان بهدوء

ادارت جهاز التلفاز الموجود في المنزل تقلب بين محطات الاخبار حتى وصلت لمبتغاها
كانت الاخبار تظهر تفجيرات حدثت في منطقة قرب الحدود
انه نفس الموقع الذي حصل عليه غياث من خلال القرص المدمج الذي اعطته اياه
رغم ان غياث استفاد من الأمر لصالحه لكنه يعلم ان لجين كان سيتسلم وثائق تدينه وتدين المجموعة التي يعمل معها ووثائق اخرى تتعلق بشخصيات هامة
سألته قبل بعض الوقت بينما يتناولان وجبة الغداء
_كيف يمكن للجين ان يمتلك هذه الوثائق ،ولم هو بالذات
أجابها ونبرة صوته تحمل كرهاً غريبا لم تستطع هي فهم سببه
_ إن عمل لجين مع منظمة الهلال الاحمر ومقابلته لشخصيات مهمة جعله مطلعا على الكثير من الحقائق ، أمانته وإخلاصه جعله محط ثقة للكثيرين ،يخبرونه بالكثير من الأسرار وهم على يقين أنه سيحافظ عليها ولن يستغلها أبداً لصالح إضرار الناس ، لذلك وقع الاختيار عليه ليتسلم تلك الوثائق ويقوم بإيصالها بأمان للجهة المراد إيصالها لها

عادت تنظر للشاشة مفكرة
(غياث افسد الامر وعلم مايحدث من خلال العيون المترصدة التي يزرعها في كل مكان
ربما سن غياث بالنسبة للكثيرين صغير لكنه يمتلك دهاء عشرين رجلا مجتمعين معا
تراه يخطط ويحضر وكل ذلك بالخفاء دون أي دليل يثبت إدانته بل بالعكس لو خرجت الآن الى الجميع وصرحت بما تعلمه عنه لاتهمها الجميع بالجنون وبالخيانة
عن ماذا يمكن ان تخبرهم عن أي جرائم ستتحدث
تجارة بالأسلحة حيث يتم إرسالها إلى المناطق الساخنة لابقاء الاوضاع متفجرة وبهذا تزيد مكاسبهم دون اهتمام للخراب الذي تخلفه تلك الأسلحة على طرفي النزاع
تجارة بالاعضاء البشرية تتم عبر عمليات خطف منظمة وبذلك تزداد أرصدتهم بالبنوك فهؤلاء بنظرهم ليسوا الا اعداد زائدة وجب التخلص منها والاستفادة من بقاياها .. لايهم كم العائلات التي فجعت ولا الكوارث التي حلت وتحل بها ما يهم كم نستطيع الاستفادة من هذا الوضع
كل مايهم لأي مدى نستطيع أن نكون سريعين باقتناص الفرص والخروج من هذه الفوضى بأعلى المكاسب )
نظرت للمرآة الموضوعة على الحائط،امامها تراقب ذلك الخيال المنعكس عليها
همست بخفوت
( اي اخطبوط هو شقيقك ياميرال .. وكيف امتدت كل هذه الاذرع منه دون ان تشعري بذلك … أنه يلتف في كل مكان يسلب الحياة … اين كنتي من كل هذا ياميرال )
اطفأت التلفاز وعادت لغرفتها تدعو الله ان ينتهي هذا الكابوس بسرعة
تحتاج لشئ يشغلها عن هذا التفكير الذي يكاد يقودها للجنون
رتبت اغراضها للمرة التي لاتعلم عددها ثم عادت ترتب فراشها وكأنها بذلك تجعل الوقت يمر مسرعا
،وماإن حان موعد الصلاة حتى شرعت بأداء فرضها داعية الى الله أن يساعدها بتحمل القادم

اتاها صوته المنادي لها فخرجت من باب غرفتها نحو الصالة ، وجدته جالسا يناظر هاتفه
جلست قبالته قائلة
_ تبدو متعبا مالامر ؟
وضع هاتفه أمامه على الطاولة قائلا
_ لدي عملية قادمة وتحتاج لكل تركيزي … وعدتك انها ستكون اخر عملية لي لذلك احتاج مساعدتك فيها
نظرت له بتوجس قائلة
_ انا .. كيف يمكنني مساعدتك
طلب منها صنع كوبين من الشاي ليتحدثا وفعلت كما أراد اخذ الكوب منها وراقبها وهي تجلس أمامه على المقعد تمسك بين كفيها كوب الشاي الساخن
قال بعد أن ارتشف من كوب الشاي رشفة سريعة
_ ان ما أنا مقدم عليه سيزيد مكاسبنا بشكل كبير ومعظم المكاسب سيتم تحويلها الى بنك أوروبي وبعدها سنتمكن من السفر .. أليس هذا ما تريدينه أن أسافر
قالت تحاول الاستفهام أكثر
_ هل يجب عليك ان تقوم بها ألا نملك ما يكفي من المال لنسافر ونعيش بسلام
هز رأسه نفيا يتلاعب بمشاعرها كعادته الدائمة
_ لا أملك الكثير الذي تتخيلينه أنت
اتظنين أن لاشركاء لدي وأن كل ما أقوم به أقوم به لوحدي
كلا يا ميرال منذ أول يوم خطوت به في هذا الطريق، يوجد من يساندني ويدعمني ولكن ليس دون مقابل على العكس مقابل كل خطوة كان يجب أن أدفع ثمنا يطلب مني ولم أتوانى مرة واحدة عن ذلك ،كما هناك بعض الأمور العالقة أحتاج لأن أنهيها قبل مغادرتنا
عادت تسأله مجدداً وعيناها في عينيه :
_ وهل وجدت هذا الطريق يستحق فعلا
دون أن يحيد بأنظاره عنها أجابها :
_ عندما بدأ كل شئ ،وقفت أراقب ما يحدث ، ما يمكن للفوضى أن تصنعه، وحينها علمت أنني يجب أن استغل كل لحظة تمر وكل حدث يمضي لأكون ما أنا عليه الآن ،الشعارات الرنانة والعواطف المشتعلة لن تفيدنا في شيء، لن تحمينا من غدر قد يصيبنا أو من تربص أعداء بنا يشحذون كل اسلحتهم لتدميرنا دون أن يرف لهم جفن
ماحدث لم يكن نتاج عام أو عامين من التخطيط بل هو نتاج أعوام من الدراسة من التخطيط ومن التدمير ، لذلك كشخص شاهد وعايش كل مايحدث قررت أن أخرج منتصرا من وجهة نظري أنا
شركة في دولة اجنبية ، مال في أرصدة البنوك واسم كبير سيبقى معروفاً للأبد
هزت رأسها بتفهم وهي تقول بأسى لم تستطع اخفاءه
_ كنت اتمنى فقط لو لم يكن كل كذلك على حساب قتل الأبرياء.
صرخته جعلتها تنتفض بفزع
_ لم أكن سبباً بقتل الأبرياء كم مرة علي أن أقولها لك ، لست أنا بل ظروفهم هي السبب، الحرب التي تفرض علينا أن نتاجر بهم وإلا سوف يتم المتاجرة بنا هي السبب
لم تجبه وانما ظلت عيناها معلقتين به وهو يمسح وجهه بكفيه ثم يعود لمحادثتها :
_ لن أبرر لك أي تصرف قمت أو سأقوم به يا ميرال ، فأنت تعلمين انك بنفسك خطوت معي بذات الدرب ، لذلك سأخبرك مجدداً في الحرب كل شئ مباح .. مباح هل أكررها لك حتى تفهميها ، اسمعيني الآن جيداً ، غداً سيتم إقامة حفل في إحدى الفيلات العائدة لشخصية بارزة وأنت ستكونين برفقتي
قالت بتردد :
_ كيف سأتمكن من ذلك ياغياث ، ماذا لو عرفني أحدهم ، ثم ماضرورة حضوري أنا
نظر لها وهو يقول
_ لن يتعرف عليك أحد لاتقلقي وما مدى اهمية حضورك ، إنه مهم جداً ، ولا استطيع إخبارك بتفاصيل أكثر ...أخبريني بما تحتاجينه لاأجلبه لك غداً
صدح هاتفه بالرنين فأشار لها منهياً الحديث فاستقامت مغادرة من أمامه ولكن أذنيها التقطت انتظاره لخالد في آخر الليل
وكعادتها بعد تناولهما العشاء ، اخذت الدواء المنوم واتجهت لغرفتها لتنام ، تاركة إياه في انتظار خالد
…..
قالت وداد وهي تحاول ان تفهم عن ميرال أكثر عن الحال الذي أصبحت فيه :
_ كيف استسلمت بهذا الشكل … لا اصدق انها طبيبة جراحة … ثم أين اصدقائها من كل ماجرى
ضحكت زينة وهي تقول
_ أرى أن فضولك لم يعد يستطيع الانتظار يا وداد ، لكل سؤال جواب سنعرفه لاحقا ولكن لو أخبرتك الآن بالأجوبة ، لن يكون هناك أي جمال للحكاية
شبكت وداد يديها فوق حجرها وهي تقول بإقرار :
_ اعذريني لكن حقاً أنا لم أعد أفهم كيف كانت تفكر ، كيف فعلت مافعلت ، كيف استسلمت لحبسها الاختياري من قبل شقيقها، حتى لو كانت تحبه بذلك الشكل ، شخصية مثل ميرال كانت لتعترض وتقف بمواجهته ، إلا لو فرضنا أنها منذ البداية كانت مقتنعة بما حدث ويحدث .
قالت زينة وهي تقف متجهة نحو الحائط الزجاجي تراقب من خلفه الحديقة ، وقد خيم المساء، فأضاءت الأنوار المعلقة أرضها بمنظر أضاف على جمال الحديقة الكثير :
_ هي نفسها لم تكن تعلم ما يحدث معها ، في كل مرة تظن أنها وسط كابوس ستستيقظ منه لتجد نفسها بين ذراعي لجين يهدهدها ويطمئنها أن كل شئ بخير … ربما ميرال كانت قد ناهزت الأربعين عاماً الا أنها مع لجين كانت مراهقة صغيرة … بل شابة صغيرة ترى في وجوده كل الأمان الذي تحتاج لذلك كانت تنتظر استيقاظها كل يوم لتراه لكن للأسف أمنياتها لم تتحقق ففي كل يوم كان الكابوس يؤكد وجوده لها أان ظلامه امتد بشكل مخيف وليس هناك أمل بنور قادم
….
سارعت ميرال لإغلاق الهاتف وإزالة السماعات من أذنيها وهي تسمع صوت سيارته قادمة
خرجت من غرفتها لإستقباله ، فنظر لها وهو يقول
_ سيأتي لك خالد بكل ماتحتاجينه للحفل
اومأت له ايجاباً وهي تراقب دخول خالد بعده يحمل أكياساً بين يديه أعطاها لها ونظرات غريبة تستوطن عنيه مما جعل جسدها يرتجف خوفاً ، تخافه وتخاف تلك النظرات التي تستوطن ملامحه، تشعر به أشد خطراً من شقيقها ،تابعت خطواته وهو يتبع شقيقها الى المكتب الموجود على يمين الصالة
تراجعت نحو غرفتها تضع الأكياس على السرير ثم أمسكت هاتفها ، وقامت بمسح ماعليه و اعادت وضع الهاتف مكانه ثم خرجت نحو المطبخ تعد القهوة
من باب المطبخ شاهدت خروج خالد يحمل حقيبة سوداء مغلقة
تراجعت كي لايراها أحد وهي تستمع لشقيقها يخبره
_ تأكد من كل شئ ياخالد .. وكن على استعداد للرحيل في أي وقت أخبرك به بذلك، هل فهمت ؟
سمعت صوت الباب يغلق فعلمت أن خالد غادر ومعه الحقيبة الاي سبق وشاهدت غياث يضع فيها الكثير من المستندات والأوراق
تساءلت ( لم أعطاها لخالد ، تعلم أن خالد هو الرجل الذي يثق به شقيقها ثقة عمياء ، لقد عرفها عليه قبلا أنه أحد أصدقائه ، ثم علمت فيما بعد أنه ذراعه اليمين، ولكن لم أعطاه الحقيبة ، وما الذي يعنيه؟ هل حقا سيغادران معا كما وعدها أم أنه يحضر لأمر آخر؟)
تشعر أنها تعيش أحداث مسلسل درامي لا تستطيع توقع الحدث القادم فيه
بعد ساعات كانت تغادر المنزل رفقته لحضور حفل وصفه لها أنه سيكون خاصاً مقتصراً على شخصيات مهمة ، ولأنها تجيد اللغة الألمانية سيخبر الجميع أنها صديقة ألمانية كانت تدرس مع شقيقته مستغلاً ملامحها الغربية .
هل تنكر ذلك الخوف المتصاعد بداخلها ، هل تنكر أنها توقن أنها تخطو نحو مجهول لاتعلم عنه شيئاً ، هل تنكر أن قلبها يكاد يتوقف وهي تتضع خيالات للساعات القادمة ،ومدى نجاح مهمتها
قالت له بخوف ظهر جلياً على ملامحها التي تغيرت كثيراً ،بفعل الارهاق والتوتر والضغط الذي كانت تئن طوال الفترة المنصرمة تحت وطأته :
_ ماذا لو تعرفوا علي ؟
كان عينيه تراقبان الطريق ، وخلفه سيارة المرافقة الخاصة به يقودها خالد ومعه رجال آخرون
قال لها منتظراً ردة فعلها ولم تخيب ظنه حين سمعت جملته النكراء:
_ لن يتعرفوا إليك دون غطاء الرأس
_ ماذااا ؟
صرخت بها ثم عادت تنظر له بغضب هامسة من بين أسنانها :
_ هل تعي ماتطلبه مني ؟ أنا لن أفعل ذلك ؟ هل سمعت ؟
ببرود أجابها وكأن رفضها من عدمه لايؤثر عليه بشيء :
_ إذاً جدي طريقة تبرر ارتدائك لغطاء الرأس
نظرت له غير مصدقة لما يطلبه منها ثم عادت تنظر أمامها بشرود تراقب الطريق الخالي الذي تقطعه سيارتهما
حين وصلا الى المكان المنشود والذي كان عبارة عن فيلا فخمة في منطقة متطرفة من المدينة
قالت هامسة وعيناها تراقبان المدخل المرصوف الذي تقطعه السيارة :
_ واجهتك البيضاء الحساسة التي تتغنى بها توجب علي إتخاذ هذا الدور المتدين ،لذلك أنا أرتدي غطاء الرأس لأتجنب أي خطأ ممكن أن يتعرف به أي أحد على شخصيتي الحقيقية إن أنا نزعته لذا لن استطيع الظهور للعلن دونه.. حجة مقنعة أليس كذلك و ستجعلك تستحوذ على اعجابهم.،فأنت غياث الذي يهتم بكل التفاصيل

ابتسم دون ان يجيبها رغم شعوره بلمحة السخرية في صوتها ،ولكن سرعة البديهة التي طالما امتلكتها تجعله دوماً ينظر لها بفخر ، قال قبل أن تترجل من السيارة منبهاً لها :
_ اريدك أن تنتبهي لكل حرف ، سأعرفك على أحدهم ، إنه لايجيد لجانب لغته الأصلية سوى الألمانية ، لذلك أريدك أن تكوني صلة الوصل بيني وبينه ، فالحديث الذي سيجمعني به لا أريد لأحد غيري أن يعرفه
ارادت الحديث لكنه منعها بإشارة من يده قائلاً :
_ لا تكثري من طرح الأسئلة فقط نفذي ما اطلبه منك ،وصدقيني ستكون آخر عملية نقوم بها هاهنا .

ترجلت من السيارة نحو الداخل يعرفها على الموجودين
كان الحفل هادئاً يحوي العديد من الشخصيات التي تعرفها وسبق وشاهدتها على محطات التلفزة او شخصيات لم تعرفها او تراها قبلا
عرفها بهم وبقيت بقربه وقرب محدثه الذي يبدو شخصية مهمة لم تعرفها قبلا
كانت تستمع لكل مايقال وتسجل في عقلها كل همسة
بعد قليل لاحظت انسحاب شقيقها والشخص الذي برفقته ومجموعة اخرى
اخبرها انهم سيعقدون اجتماعا في احدى الغرف الجانبية ، ثم بعدها سيكون هناك اجتماع بينه وبين ذلك الشخص وستكون هي فقط الموجودة
من خلال الهمسات التي سمعتها علمت ان هناك صفقات كبيرة ستعقد اليوم لكن ما هي لم تعلم
مضى الوقت بطيئا وهي تنتظر الاشارة التي يجب أن تظهر لتعلم ماهي الخطوة التالية
وقفت جانبا تراقب الوجوه المبتسمة بتصنع مبالغ فيه
خرج شقيقها بعد قليل مبتسماً يحادث أحدهم ثم نقل أنظاره اليها فوجدها واقفة تبتسم بإرتباك له
اقترب منها ، لكن وجهه تلون بالغضب فجأة وعيناه تنظران خلفها ، بقلب خائف نظرت خلفها لتجد فتاة شابة تتعلق أنظارها بشقيقها بشكل جعلها تدرك ان هذه الفتاة عاشقة وخائفة
أمل تسرب لقلبها
كشعاع ضوء خافت في ليل حالك الدجى ، أمل يخبرها أن العشق يجعل الإنسان أكثر رحمة ، العشق يجعله يتراجع عن خطواته المؤدية للموت

تخطاها ليمسك الفتاة من رسغها مبتعداً بها عن المحيط ، وبثورة غضبه التي حاول قدر إمكانه إبقاءها بداخله ريثما يختلي بالفتاة ، لم ينتبه ان ميرال تبعتهما
أدخل الفتاة غرفة جانبية مغلقاً الباب بقوة ، يبدو أنه يعرف ردهات وغرف هذه الفيلا جيداً هذا ماخطر ببال ميرال وهي تقف خلف الباب تحاول سماع حديثهما
_ مالذي تفعلينه هنا
بصوت باكٍ أجابت الفتاة
_ أرجوك .. لن أكرر الخطأ مرة اخرى، لكن الصغيرة ماذنبها ، سأفعل كل ماتريده لكن دعني احتفظ بها .

نفض يدها المتمسك بذراعه بقسوه ثم هجم عليها يمسك ذقنها بكفه حتى كاد يهشمه قائلا بشرً ليس غريباً عليه :
_ الخطأ لن يتكرر ، أتعلمين لماذا ياحلوتي؟ لأني لن اسمح لك بذلك . قمت بخيانتي وانت تعلمين ثمن خيانتي جيدا
رماها أرضا فتأوهت بقوة ثم عادت تقول من وسط شهقاتها وقد لطخت الدموع وجهها الهزيل المتعب :
_ غياث لقد أحببتك بحق ، أردت شيئا يربطني بك لم أكن اخطط لايذائك اقسم لك
لم يجبها وإنما بقيت نظراته المتوحشة تراقبها فأكملت قائلة
_ لقد كان الأمر مفاجئاً لي كما هو لك ،أقسم لك

ضحك وهو يعاود النظر إليها بطريقة أرسلت القشعريرة على طول عمودها الفقري فابتلعت ريقها خوفاً مما يمكن أن يفعله بها غياث العالم
قال بلهجة تنقط حقداً
_ لقد ساعدك عمك أليس كذلك ؟ هو من أخفاك حتى موعد ولادتك ، ليأتي ويحاول إقناعي بإظهارك للعلن زوجة لي ، وتقولين أن الأمر كان مفاجئا لك ، عامةً عمك لم يعد بقادر على مساعدتك بعد الآن يا جميلتي
واشار إليها بكفي يده أنه لم يعد له وجود وهو يكمل حديثه :
_ لقد انتهى ببساطة هكذا
وحرك سبابه يده أمام عنقه بإشارة منه بأن عمها قد قتل، ثم أشار نحوها بسبابته مكملاّ بحقد غير مهتم بإنتفاضة جسدها الخائفة :
_ وانت سيتم بيعك مع من يتم بيعهن بالمزاد … تعلمين كيف يتم الأمر جيداً، أليس كذلك ؟
فعمك كان من أكثر الراعين لمثل هذه الفعاليات وأنت لطالما كنت شاهدة عليها
امسكت قدمه تحاول التوسل له لكنه أبعدها بعنف قائلا بفحيح يماثل فحيح الأفاعي :
_ علمت أنك ستحضرين هذا الحفل ، كان فخاً ووقعت به ونهايتك قد خطت لك
أمسك هاتفه يطلب حضور أحد مرافقيه صاماً أذنيه عن توسلاتها الباكية بالرحمة ،ولم يتأخر مرافقه بالقدوم ، أخبره غياث مشيراً للفتاة المرمية أرضا
_ خذها ودعهم يضمونها للقائمة التي سيتم ترحيلها بعد قليل ، نفذ بسرعة
وخرج غير منتبه لتلك التي تقف بمكان قريب مختبأة تراقب الفتاة التي خرج بها المرافق حاملاً إياها بين ذراعيه بعد أن فقدت وعيها
حين اختفى عن انظارها خرجت من مخبأها تسير بقدمين واهنتين نحو القاعة كي لا يلاحظ غيابها
لم تصدق ماسمعته
جريمة جديدة تضاف الى قائمة جرائمه
جريمة يندى لها الجبين
يتاجر بالفتيات ويقوم ببيعهن
نفضت رأسها بعنف غير مصدقة لذلك
هل يعقل ماسمعته ، أية مصائب أخرى يمكن أن تظهر لها أيضاً
لاحظت الحركة التي زادت بالقاعة ودخول أحدهم يخبرهم أن الشرطة قد أحاطت المكان
لغط واضطراب حصل والبعض يحاول ان يفهم مايجري
حاولت السيطرة على أعصابها والإشارة قد وصلتها
اقتربت من غياث الذي يبحث بعينيه عن خالد قائلة
_ غياث مالذي يجري
قال وهو يحاول الإتصال بهاتف خالد
_ يبدو أن الشرطة تطوق المكان
قالت بمهادنة وهي تمسك ساعده
_ غياث أين ستذهب .. سلم نفسك سيساعدك ذلك كثيراً
امسكها غياث من يدها طالبا منها الصمت وكأنه لم يصل لعقله أي كلمة مما تلفطت بها ، جرها نحو الخارج متجهة لسيارة سوداء ، مستغلاً الفوضى التي حدثت ، يأمر خالد الذي ظهر من العدم تجهيز مهرب من مخرج الفيلا الخلفي ، يبدو أنه كان يتوقع حدوث مصيبة فجهز سيارة غير سيارته للهرب ، صرخ موجهاّ حديثه لخالد :
_ خالد كيف وصلوا هنا ؟اخبرني من أبلغهم بمكان هذه الفيلا ؟
قال خالد وعينيه تمشطان المكان بمحاولة لحماية غياث وحماية نفسه
_ هناك خائن
تلفظه بتلك الجملة جعل ميرال ترتجف رعباّ ،وهي تتذكر نظراته المتشككة نحوها دائما ً
صوت الرصاص شغلهما عن وجهها الذي فقد لونه اثر سماعها لتصريح خالد .. عاد غياث يسحبها من يدها مسرعاً
حاولت التنصل من بين يديه لكنها فشلت فعادت تتوسله :
_ غياث اسمعني ارجوك … لن نستطيع الهرب منهم .. تسليمنا لأنفسنا سيساعدنا أكثر
صرخ بها هادراً
_ اصمتي وإلا قتلتك
رماها بالمقعد غير مهتم بصراخها و صعد السيارة مسرعاّ يقودها عبر الممر الذي يعرفه قائلاّ لخالد عبر الهاتف:
_ حاول أن لا تبقي أي أثر .. أجل ياخالد أعطي أوامرك لرجالنا بقتل الجميع ولا تبقي أحداً منهم

في اللحظة التي قررت بها ميرال ان تهجم عليه لإيقاف السيارة ومنعه من الهرب ، سمعت ذلك الصوت في المقعد الخلفي
_ ما هذا؟
همست بها وهي تنظر للخلف ، مما جعل غياث ينظر بإتجاه نظراتها ، ليشتم بقبح وهو يلاحظ ما تحتويه تلك السلة الصغيرة
_ توقف ياغياث
ترجته ويدها تحاول الوصول للسلة ، لكن غياث لم يفعل وإنما زاد السرعة ، يحمد الله أنه يعرف هذا الطريق جيداً يهمس من بين أسنانه بغضب :
_ الحقيرة كيف جلبتها معها للحفل ، كيف وضعتها بالسيارة دون أن ينتبه خالد الغبي لها ،بل كيف علمت أنني سأستقل هذه السيارة

عينا ميرال كانتا معلقتين بتلك السلة وماتحتويه ولم يعد يهمها كل ما يجري حولها
لتفاجأ بوقوف السيارة المفاجئ مما جعل الصغيرة تطلق صراخها
نزل غياث غير مهتم يتفقد إطار السيارة ، لاحظت السلاح الموضوع في درج السيارة الأمامي ، دون تردد امسكته بيدها وهي تلاحظ نظرات غياث نحو المقعد الخلفي
أسرعت تغادر السيارة ،تفتح الباب الخلفي تأخذ الصغيرة بين ذراعيها
قال غياث بأمر :
_ دعيها ياميرال
أشارت بنفي وهي تحتضنها قائلة
_ ستقتلها كما فعلت بوالدتها
تفاجأ بكلامها ، ولكن رنين هاتفه جعله يغمض عينيه يجيب خالد
_ اجل خالد
علا صراخه قائلاً
_ كيف ذلك ؟ اختفي ياخالد الآن ، وحين أصل لمكان آمن سأبلغك
ضربات قلبها كانت تصم أذنيها وهي تستمع لحديثه وهي تشاهد عينيه اللتين غامتا بحقد استطاعت تمييزه رغم قلة الاضاءة في المكان
قالت تحاول ان تفهم ماجرى
_ ماذا .. ماذا هنالك ؟
قال وهو ينظر لها بطريقة جعلت قدماها ترتجفان خوفا فزادت ضم الصغيرة لها علها تستمد من وجودها بعض القوة لمواجهة لقادم :
_ لا أعلم كيف علموا بما يجري ؟ كيف علموا بما كان يحضر له ؟ هناك خائن أخبرهم بالمكان وبكل مايجري رغم توخينا للحذر
حاولت أن تقنعه قائلة عله يريح قلبها ويستمع لصوت العقل هذه المرة
_ أخبرتك أن لامفر ، سلم نفسك وسيتم تخفيف الحكم عنك
صرخ بها هادرا
_ توقفيييييي… لا أريد أن أسمع لك صوتاً … أي تخفيف هذا ، هل تظنين انك تقرأين قصة ماقبل النوم أيتها الحمقاء ، ما ينتظرنا هو حبل المشنقة ولا شئ غيره
قالت تحاول أن تجد حلاً مقنعاً له :
_ كلا إن ساعدتهم بإلقاء القبض على تلك العصبة ، إن أدليت بكل ما تعرفه ، سيقومون بتخفيف الحكم ، سيتفهمون أنك كنت مجبراً للسير خلفهم في ذلك الطريق
لم يستمع لها وهو يمسك هاتفا آخر غير الذي يستخدمه عادة يجري اتصالاً مع شخص آخر غير خالد :
_ أريد سيارة بسرعة ، سأرسل لك الإحداثيات

ثم أغلق الهاتف بعد أن أرسل الإحداثيات وأعاد الهاتف لمكانه في سترته ، ثم نظر لها والصغيرة التي تحملها قائلا
_ دعيها هنا وهيا بنا
قالت ميرال بتصميم
_ لن اتحرك من هنا ، ولن أتركها كذلك ، أنا لن أذهب معك لأي مكان
قال وقد نفذ صبره منها :
_ ألم تكوني لتقتلي نفسك لأجل سفري خارج البلاد رفقتك ، هاقد أتت الفرصة إليك ، فما الذي استجد الآن ؟
أشارت بهز رأسها بنفي ودموعها قد أفلتت من عقالها :
_ كنت لأموت لأجل إنقاذك ، كنت لأموت لأجل أن أجعلك تتراجع عما تفعله ، ولكنك زدت اصراراً بغيك ،زدت غرقاّ في الظلام ، لذلك لن اسافر معك ، أنا أرضي هنا ولدت هنا وسأموت هنا .
للحظة لم يفهم ماقالت ، ولكن كلا إنه يفهم همس قائلا بهسيس :
_ هل كنت تخدعيني طوال هذا الوقت، ياإلهي كيف استطعت فعل ذلك؟ كيف لم أنتبه للأمر ؟كيف خدعت بهذه البساطة ؟
هتفت تحاول إفهامه ما أرادت فعله لأجله :
_ لم أخدعك ، حبي لك ما دفعني لفعل مافعلته ، أردت انقاذك من الهاوية التي ترمي نفسك بها .

استوحشت نظراته وهو يسمعها تبرر له مما جعله يسحب سلاحه يرفعه في وجهها قائلاً بغضب :
_ لطالما عرفت ان المشاعر ضعف، وأنا بسبب هذه المشاعر وثقت بك ، شقيقتك التي تحبك ياغياث لن تقوم بخيانتك مهما جرى
عادت تهتف بقهر الأيام التي عاشتها معذبة بسببه
_ لم اخنك … كنت أحاول إنقاذك فقط ، احاول تدمير من تسبب بوصولك لهذا الطريق ،من يستغلك
ضرب الارض بقدمه صارخا
_ غبية … رغم انك تكبرينني بأعوام إلا أنك غبية ، ساذجة بتفكيرك وانت تظنين أنك تنقذيني .. بينما في الواقع انت قدمتني لقمة سائغة لهم ياشقيقتي ، خطئي الوحيد ياميرال ، خطئي أنني وثقت بك وأنا الذي لم أثق بأي شخص سواك وأنت ببساطة قمت بخيانتي وبيعي لأعدائي
هزت رأسها تنفي التهمة عنها تهمس بضياع :
_ كلا لم أفعل … أردتك أن تعود لطريق الصواب .. أردتك أن تشعر بأهمية وطنك، ان تعلم معنى التضحية لأجله ولأجل من تحب ، أردتك أن تكون مثل البقية مستعدا للذود عنه بدمك، أن تستغل المنصب الذي منح لك لمساعدة الناس ودعمهم ،أن تكون بجانبهم .
اتعلم الليالي التي أمضيتها أبكي وأنا ابحث عن سبب يجعلك تفعل ما فعلت .. يجعلك تكون بهذه القسوة والانانية ..
اتعلم كم تعذبت وانا اقنع نفسي انني استطيع استعادتك .. ستعود غياث الشاب المندفع للحياة والمحب للجميع
_ دعي الطفلة أرضا
أمرها دون أن يهتم لسماع بقية كلامها وقد اسودت ملامحه بشر مطلق ، صوت الرصاصة التي استقرت قربها أرضا جعلتها تصرخ بذعر ،فعاد يأمرها قائلاً
_ قلت لك دعيها وإلا قتلتك وإياها
صوت بكاء الطفلة عاد يعلو ، نظرت ميرال نحوها ثم عادت تنظر له تشير بنفي
لكنه وجه سلاحه نحوها قائلا
_ لقد كنت سبب دماري ياميرال ، كل مبرراتك واسبابك لاتهمني ، وطنك هذا الذي تحبينه سأدفنك به قبل ان اغادر ، وأعدك أن كل من شارك معك بالأمر سأجعله يدفع الثمن أضعافا مضاعفة ، كل ما أرادوه من مداهمتهم للحفل هو بحوزتي ، اتظنين انني بهذا الغباء لأترك لهم الوليمة الدسمة ،غداً فقط سيعلمون ان كل بحثهم خلفي كان بلا فائدة ..
همست له بترجي :
_ غياث
نظر نحوها ثم قال
_ اتعلمين أمرا لن اقتلك ،بل سأجعلك تموتين كل يوم صدقيني ،سيكون الموت رحمة لك ياميرال
خطا بعيدا عنها يأخذ من السيارة حقيبة سوداء ثم أخرج هاتفه يجري إتصالا
_ أين تلك السيارة اللعينة … ما الذي تعنيه أن المنطقة محاصرة .. حسنا سأحاول الخروج وابلغك بمكاني مجددا .. اجل الوثائق بأمان وسيتم تسليمها حسب الاتفاق
استدار نحو شقيقته التي مازالت على جلستها تضم الصغيرة التي انهكت من البكاء فتحول بكاءها لشهقات متعبة
قالت ميرال تنظر نحوه برجاء
_ إنها فرصتك الاخيرة ياغياث .. عد لرشدك
لم ينصت لها وإنما سار مبتعدا عنها يحاول استخدام هاتفه في معرفة الطريق عادت تخاطبه بصوت أعلى
_سمعتك تخبرها أنك تبيع الفتيات ، أنك ستبيعها معهن ، سمعت حديثك مع خالد عن تجارة الأعضاء في ذلك المستشفى ، سمعت وسمعت الكثير ، لم فعلت ذلك ياغياث ما الداعي لكل ما تقوم به .. إن صفقوا لك اليوم لما تقدمه لهم ستكون ضحيتهم غداً
هدر بها معنفاً وقد استدار نحوها
_ كيف فعلت أنت هذا بي ، لآخر لحظة كانت يدي بيدك لتكوني معي في كل ماهو قادم من الايام لكنك بكل غباء ضربت يدي بعيدا عنك ولم تكتفي بل سلمتني لألد اعدائي ببساطة
عادت تقول غير مهتمة بغضبه بسلاحه الذي عاد يوجهه نحوها
_ عد لرشدك ياغياث .. سلم الأوراق التي بحوزتك … كن أخي غياث لهذه المرة فقط ، إن من تنوي مساعدتهم سيغدرون بك في أقرب فرصة تسنح لهم ...لا احد يثق بخائن لوطنه ياغياث
ضحك بصخب قائلا
_ تريدين أن أكون شقيقك ، فلم نسيتي أنت ذلك وغدرت بي بهذا الشكل
صوت قريب جعله يلتفت بعيدا عنها نحو الصوت وقد ظنها السيارة التي اتت لتقله
ولكنه لم يكد يخطو مبتعدا حتى فوجئ بذلك الشئ الذي اخترق جسده مما جعل الهاتف والحقيبة يسقطان من يده استدار نحوها بعينين متألمتين وجسده لم يعد يقوى على الوقوف فخر راكعاً على قدميه
كانت تنظر نحوه بثبات يديها تمسكان بالمسدس
دموعها تغطي وجهها وصدى أنفاسها يعلو كما وجيب قلبها
قالت بألم
_ طلبت منك ان تعود لرشدك لكنك رفضك .. ابلغتك أنني كنت مستعدة للتضحية بحياتي لأجلك لكنك لم تسمتع لي .. لا أحد يثق بخائن لوطنه ياغياث وانت خائن ياشقيقي
رصاصة أخرى انطلقت من المسدس لتستقر بصدره فيرتمي جسده أرضا وقد فارق الحياة
للحظات بقيت على وضعها لا تصدق ما ارتكبته يداها بحق الاخوة
بحقه هو
الآن اصبحت مثله قاتلة
لاتختلف عنه بشئ
نظرت للصغيرة التي وضعتها جانباً حملتها وضمتها إليها هامسة
_ ما الذي فعلته عمتك يا صغيرة ما الذي فعلته
سيارة اقتربت منهم هبط منها ثلاثة رجال ثم تبعهم آخرون بسيارة اخرى
فكما يبدو ان صوت الرصاصات دلهم للمكان
كانوا يشهرون أسلحتهم بإتجاهها بينما هي في عالم آخر تهمس للصغيرة وكأنها تهدهدها
_ ما الذي فعلته عمتك ياصغيرة
….


فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-09-20, 04:15 PM   #14

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

تم نشر الفصل الساس
ألقاكم غدا باذن الله مع الفصل الأخير والخاتمة


فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-10-20, 07:34 PM   #15

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

#الفصل_السابع

منتوري يامنتوري يامنتوري
جيتك وقلبي بأيدي أوفي نذوري
جيتك يا جرحي النازف
قلبي بارود
لو شوفك تضحك مرة
ان شاء الله ماعود
لزرعلك دربك زنبق خليط ورود
تغنيلك طير وعلي ياعصفوري
ياخبر الجاي عنك عصف بهالروح
والملح الساكن دمعي صحا الجروح
مافيي ابقا محلي ولا فيي روح
ولا فيي ضمك ضمة شم عطوري
……..
انتفضت وداد وهي تراقب يدي زينة المرتجفتين مشتتة بمشاعرها تجاه ميرال ومافعلته
وخائفة من أن يصيب زينة مكروه كما حصل سابقاً
وجهها كان شاحباً و عيناها بدتا وكأنهما تناظر خيالاً بعيداً
وكأن زوجها شعر بحالتها تلك ، ناداها من خارج الغرفة دون أن يقتحم خلوتهما
_ زينة أن حياة تود لقاء ضيفتك ، فهل تسمحين لها
كلمات سحرية لابد التي تلفظ بها زوجها وهي تراقب زينة قد تغيرت ملامحها تماماً عادت الابتسامة تزين وجهها وعيناها برقتا بالسعادة وهي تهمس لوداد بخجل :
_ إن صغيرتي فضولية تجاهك وطلبت مني اكثر من مرة لقاءك
قالت وداد محاولة نسيان ما كان من حديث قبل لحظات لتعطي مساحة لزينة لاستعادة قوتها وإكمال الحكاية :
_ احب كذلك التعرف عليها
استقامت زينة من مكانها منادية
_ تعالي ياحياة اعلم انك تقفين قرب الباب
نظرت وداد نحو الباب الذي دخلت منه الصغيرة بخطوات خجولة لكنها سرعان ما تحولت راكضة وهي تشاهد نظرات أمها المحبة
استقبلتها زينة في أحضانها تقبلها بحب ثم عادت تحدثها
_ لقد وافقت السيدة وداد على لقاءك
قالت حياة وكأنها تدلي بسر خطير
_ هل اخبرتها انني احببت عملها واريدها ان تجري مقابلة صحفية معي
ضحكت وداد لبراءة الصغيرة فبررت زينة كلام الصغيرة قائلة
_ احدثها عنك كل يوم منذ قدمت لمنزلنا أول مرة ،إنها فضولية تجاه الآخرين واجتماعية بشكل كبير
وحين علمت عن عملك طلبت مني ان اخبرك برغبتها تلك
قالت وداد وهي تمد يدها للصغيرة
_ تعالي و سوف أجري معك أعظم مقابلة صحفية
…….

كم مضى عليها في هذه الزنزانة الانفرادية لاتعلم .. مازالت على حالها تضم ركبتيها لصدرها تهز جسدها برتابة نحو الأمام والخلف وعيناها شاخصتان بالفراغ
لم يحقق معها أي شخص حتى الآن … لاتعلم من احتجزها ولماذا .. لقد أخذوا منها الصغيرة بالقوة ثم رموها بسيارة غريبة ، فقدت الوعي بعدها نتيجة انخفاض ضغطها ، لتجد نفسها حين استيقاظها في هذه الزنزانة
عقلها فارغ … تشعر بنفسها وكأنها شبح لاينبض بالحياة
لا تكاد تشعر بجسدها حتى
وكأنها قابعة وسط الفراغ
لاتجد فيه أي متكأ تستند عليه
فتأخذ فيه نفساً واحداً تستريح به
شعور بالخواء فقط
وكم هو مؤلم من شعور
صوت القفل الحديدي لم يصل لمسامعها ولا صوت من يخاطبها
تم سحب جسدها بالقوة .. أصوات متداخلة تمر عليها لكنها على حالها لاتجيب ، يتحرك جسدها بذات الرتابة
صفعة واثنتان وثلاث
جعلتا جسدها يفقد قدرته على التحمل لتسقط أرضا غائبة عن الوعي مجدداً
لكن غيابها لم يدم طويلاً ودلو من الماء يعيد الوعي لها رغماً عنها
هذه المرة استطاعت تبيان ملامح ذلك الجبل الواقف أمامها رأسها عند قدميه
انخفض بجذعه نحوها يمسك شعرها من فوق الوشاح يشده بقسوة قائلا
_ لن ينقذك مني أي شئ حتى الموت نفسه … ستعترفين بكل الجرائم التي كنتم تقومون بها وتعترفين بكل ما خططتم للقيام به
نظرت له بتيه لاتفهم ما الذي يقوله ، ابتعد عنها أمراً السجانة بإعادتها لزنزانتها
وقفت رغما عنها تسير مع السجانة التي دفعتها لترتمي أرضا داخل الزنزانة التي لا تحوي فراشاً حتى ، حاولت الحديث لكن صوتها خانها
عادت تجلس مكانها تسند رأسها الى الحائط وقد بدأت تعي أين هي وما الذي حدث قبل أن تفقد وعيها
…..
(ميرال لقد اشتقت لك كثيرا ..كان صوت لجين يصلها واضحاً وهي تراقب جسده المبتعد وسط الظلام .... صرخت تناديه .. لجين لاتبتعد عني أرجوك .. لجين لا تبتعد )
استيقظت من كابوسها تلهث بعنف ، تنظر حولها لتجد نفسها مازالت في ذات الزنزانة
ضوء الشمس المتسلل عبر نافذة موجودة قرب السقف أبلغها أن ضوء النهار قد سطع بالخارج
كم مر من الأيام لاتعلم
لم يقابلها المحقق بعد تلك المرة
فقط يحضرون لها ما تسد به رمقها من طعام وشراب
ولولا مخافتها من الله بأنها قتلت نفسها جوعاً
لما تناولت أي طعام أو شراب لعدم رغبتها به

نظرت والدموع تغشي عينيها لخاتم الزواج في يدها
تلمسته بحزن تتذكر زوجها
وكأن عقلها منفصل عن الحاضر
وكأنها في زمن آخر
وفي مكان آخر
ذكريات قديمة اندفعت في أروقة عقلها
(( همست بإنكسار أصاب قلبها وروحها :
_ لجين لقد قمت بالفحوصات عند زميلة لي .. لقد ابلغتني أن .. أن رحمي به مشكلة ، وأنني لن استطيع الإنجاب … لجين
ضمها لجين إليه يخفي دموعه عنها ، يضمها بقوة لصدره سامحاً لها بالبكاء ، دموعها بللت قميصه يشعر بنيران تكوي قلبه ، بسبب ماتشعر به هي من ألم ربت على ظهرها هامساّ :
_ لم فعلت ذلك .. ماكان عليك خوض تلك التجربة المريرة لوحدك ياميرال ..ماكان عليك خوضها من الأساس .. لم لم تخبريني بالأمر
رفع رأسها الغارق بالدموع إليه ، يهمس بعيون صادقة
_ انت منحة الله لي في هذه الحياة ، وانا اكتفيت بما وهبني إياه الله ، لذلك إنس هذا الأمر نهائيا هل فهمت .
قالت محاولة الاعتراض
_لكن من حقك أن يكون لديك طفل
عاد يمسح دموعها بإبهامه ، يهمس أمام وجهها
_ انت طفلتي وحبيبتي وكل شئ بالنسبة لي لذلك لااريد احدا سواك
اجل اكتفى بها سنوات لم يحاول أن يزعجها بكلمة واحدة بخصوص موضوع الإنجاب ، بل عاشا حياتهما بكل سعادة
في كل مناسبة يتجه بها لدار الأيتام محملاً بالهدايا يخبرها أن بإمكانها أن تعتبر كل هؤلاء الأطفال أطفالها
فلتحاول ان تكون معهم في كل فرصة تسنح لها تقدم الحب والحنان الذي يحتاجونه وبذلك تكسب أجراً عظيما ))ً
عادت من ذكرياتها على صوت قفل الزنزانة يفتح لتطل من خلفه سجانتها التي رمقتها بكره قائلة
_ هيا
استقامت ميرال واقفة بصمت تسير أمامها رغم الألم المنتشر في جسدها ،ورغم تعبها الناتج عن عدم تناولها للطعام و الذي يجعل سيرها عملية صعبة للغاية
كم أرادت أن تسألها عن الفترة التي مضت منذ دخولها لهذا السجن، لكنها تراجعت في آخر لحظة
كان المحقق بانتظارها في مكتبه
ذات النظرات
ذات القسوة
وذات الكره
دفعتها السجانة للداخل ثم اغلقت الباب خلفها قال المحقق بصوت قاس أمراً إياها :
_ اجلسي
فعلت ما أمرها به فرما لها ألبوم صور قائلا
_ أريدك أن تتعرفي على كل شخص في هذا الألبوم
لابد أن صديقك عرفك على بعضهم قبلاً
لم تفهم كلامه وما الذي يعنيه لكن صراخه اجفلها وهو يأمرها ان تنظر للصور
مع كل صورة كانت تهز رأسها بنفي حتى انتبهت لصورة الفتاة التي شاهدتها بالحفل قالت هامسة
_ لقد رأيتها في تلك الحفلة .. لكن للحظات فقط واختفت بعدها
قال بغضب
_ لقد وجدوها مقتولة مع مجموعة من الفتيات اللواتي كان يخطط لبيعهن تلك الليلة .. اتعلمين ما نوع الحفلات التي يتم بيعهن بها
هل تنكر انها تعرف .. لطالما سمعت عن هذه الحفلات والأشياء التي تحدث بها
لقد سمعت غياث وهو يأمر بإضافتها للقائمة
لكن كل ذلك يصلها ضبابياً ، مشوشاً، فلا تستطيع التمييز
حين طال صمتها هدر بها غاضباً
_ هل أكل القط لسانك ..
همست ببكاء حقيقي ،فالتشتت جعل قدرتها على الإجابة شبه معدومة :
_ لا أعلم شيئاّ ،صدقني لا أعلم شيئاً.. أرجوك دعني احدث سالم هو سيخبرك بكل شئ
قال بغضب وهو يقوم عن مقعده متوجهاّ نحوها
_ من سالم هذا ؟ اتظنين نفسك في الفندق لتطلبي أن تقومي باتصالاتك
ارتد وجهها للخلف إثر صفعة قوية تلقتها منه تحمل غضباّ قويا ً
أحست بسواد يعمي أنظارها بينما تسمع صراخه وهو ينادي السجانة ، فظنت انها ارتاحت منه وستعود لزنزانتها ، لكن أمره جاء مخالفاً لتوقعاتها
بعد مضي وقت طويل تم رميها في الزنزانة وقد نالت من الضرب الكثير … لقد تم تعذيبها لتعترف بأسماء الاشخاص الذين تمكنوا من الفرار لكن بما تعترف وهي لاتعرف أحدا
بقيت مكانها لم تستطع ان تحرك جسدها حتى فأغمضت عينيها تغرق نفسها بالأحلام والذكريات علها تستطيع المقاومة أكثر ،ريثما يحضر هو لمساعدتها
……

_ سالم انا ميرال اود لقاءك لأمر ضروري … لا أنا لا أذهب إلى المستشفى هذه الايام … هناك أمر ضروري . اسمعني يوجد متجر يدعى …. قرب منزلي، التقيك به بعد نصف ساعة ، حسنا الى اللقاء
اغلقت الهاتف تعيد السماعة لمكانها وهي ترى عودة الرجل الذي أذن لها باستعمال الهاتف ، انقدته أجرة المكالمة وثمن المشتريات القليلة التي أخذتها ثم غادرت نحو المتجر الواقع على بعد مئة متر من هذا
كان بحجم اكبر وصالات كثيرة للبيع وضعت اغراضها عند الرجل قرب البوابة ثم دخلت تستكمل شراء حاجياتها لم تنتظر كثيرا وهي تشاهد سالم قادما نحوها
وقفت معه في ركن منزو نسبيا تخبره باختصار عن مخاوفها
_ اظن انهم يراقبونني .. ربما يقومون بإيذاء لجين في أي لحظة
قال سالم بخبرة ضابط تحقيق عمل لسنوات طويلة في مجال كشف الجرائم وملابساتها وخاصة الجرائم التي تتعلق بالأمن الوطني
_ أولا دعيني أفهم منك من تقصدين ،ثانيا عليك التحلي بالهدوء
قالت بخوف لم تستطع ابداّ إنكار وجوده
_ هناك سيارة تراقبني .. أظن غياث متورطاّ بالأمر ،لا أفهم كيف تم توريطه ،لا أفهم شيئاّ
قال بهدوء يناسب شخصيته وعمله
_ أولاً اهدأي ياسيدة ميرال ،توترك هذا لن يفيدنا بأي شئ ، أنا سأحاول معرفة من يراقبك ،وما علاقة غياث بالأمر وسأخبرك بكل ما اتوصل اليه .. أهم شئ الا يعلم احد بتواصلك معي ولا حتى سلافة نفسها
اومأت له بالإيجاب ،ثم راقبته وهو يغادر تاركاً إياها غارقة في حيرتها وأوهامها أكثر
بعد عدة أيام ، طرقت امرأة الباب عليها تطلب منها ان تعطي صغيرها حقنة ، مخبرة إياها أنها جارتها التي تقيم في الطابق العلوي ، وقد انتقلت حديثا للشقة
اتجهت معها للمنزل لتفاجأ بوجود سالم هناك
بعد أن ألقت التحية عليه جلست قبالته تنظر له وللسيدة بإستفهام فقال لها مجيباً تساؤلاتها غير المنطوقة :
_ إن هذه الشقة لهند
وأشار نحو السيدة ثم أكمل :
_ إنها مساعدتي ، وقد استأجرنا الشقة خصيصاً لها لتكون قريبة منك، في حال احتجت لأي مساعدة
قالت وقد زاد كلامه استغرابها
_ لم أفهم ،فيما قد احتاجها
قال سالم شارحا ً
_ للضرورة فقط ياسيدة ميرال ، ثم أنا اردت مقابلتك هنا لان من الخطر لقاؤك في أي مكان آخر، فقد تأكدت انك مراقبة على مدار الوقت
نظرت له بخوف فقال محاولا طمأنتها
_ لاتقلقي إن كانت شكوكنا بمكانها فإن الذي يراقبك هو شقيقك غياث
نظرت له بتساؤل وقد عادت ظنونها حول شقيقها تتأكد أكثر
_ لم يفعل ذلك ؟ ما الفائدة التي سيجنيها من مراقبتي، ثم هو في آخر لقاء لي به وجه اتهامات قاسية ومرعبة نحو لجين
قال محاولا ربط الخيوط ببعضها
_ يبدو أنه تم ايهام غياث بان لجين يمتلك وثائق مهمة مما جعل غياث يركز كل مجهوداته على الإيقاع بلجين تاركا المجال لمن يمتلك الوثائق الحقيقية بالتحرك بحرية أكبر هل فهمت
قالت بنبرة غاضبة :
_أي متاهة هذه التي يرموننا بها ، كخيوط متشابكة من الصوف لاتعلم لها بداية من نهاية
تنهد سالم وهو يوافقها رأيها :
_ لديك كل الحق ، إنها لعبة الحياة في هذا الزمن ، كل مجموعة تخطط ضد الأخرى ،بل داخل المجموعة نفسها تجدي من يحيك المؤامرات ضد الأخر طامعاّ بنفوذ أكبر ،بمكاسب أكثر ، ووراء كل مجموعة أفراد آخرون يحركونهم مثل بيادق الشطرنج ، وهم ينفذون دون أدنى تفكير ،وغياث فرد من هذه المجموعات ياسيدتي
أخذت تفكر بصوت مسموع:
_ لقد وضع كاميرا مراقبة أو أداة تسجيل في المنزل،لا أعلم بالضبط ، لقد علم عن أحاديث دارت بيني وبين لجين فقط ،لكني لااعلم اين ابحث عنها ..
قال سالم بهدوء وقد استشعر كمية الخطر المحيطة بميرال وزوجها وهو الذي علم من خلال بحثه في الأيام الماضية و بمساعدة رئيسه بالعمل التساؤلات التي تدور حول غياث وأن هناك شكوكا بتورطه في الكثير من الأعمال المضرة والمخربة رغم عدم وجود أي دليل
وفي ظل تلقيه دعماً من اشخاص يتسلمون مناصب مرموقة يظل أمر اكتشاف أعماله الخطرة مستحيلا

لذلك قرر سالم مساعدة ميرال ومحاولة كشف مخططات غياث.الدنيئة لكن في داخله يقبع تساؤل
(هل ستوافق ميرال على مساعدته )
وهو الذي يعلم تعلقها بشقيقها ، لذلك وجه لها الحديث دون مواربة :
_ سيدة ميرال اتمنى ان تكوني معنا وتساعدينا في كشف خيوط هذه المؤامرة والكشف على هذه العصبة
نظرت نحوه غير قادرة على الإجابة فهو يطلب منها أن تسلمه شقيقها ، أن تقدمه لهم بكل سهولة
فهم أين اتجهت أفكارها فقال
_ أعلم أين قادتك أفكارك ، لكن فكري جيداً بالخطر الكامن وراء بقاءهم أحرار، إنهم كالسم داخل العسل ، يظهرون أنهم طيبون خيرون تهمهم مصالح الناس ، يفرطون بتقديم الدعم لهم،
ولكن بالخفاء يتحولون لوحوش كاسرة يقتلون يدمرون دون اي حساب، يخطفون ويتاجرون بالأعضاء ، يتاجرون بأي شيء يمكنك تخيله
همست بعدم تصديق
_ غياث لايمكن أن يكون منهم .. لابد أنهم يستغلونه بطريقة ما ،لم يكن يوماً من محبي الأذية ، صدقني
نظر لها بأسى فمن الطبيعي ألا تصدق مايفعله شقيقها ولكن عليه أن يقنعها بمساعدته ،لذلك قال بهدوء :
_ اسمعيني جيدا ياسيدة ميرال، أنا أعلم أن الأمر صعب عليك، لكن أعدك أن أحاول مساعدة شقيقك لو ثبت عدم تورطه ، إن هذه العصبة خطرة وأنت ستؤدي خدمة كبيرة لكل من تضرر بسببهم في حال ساعدتنا بإلقاء القبض عليهم
نظرت له بعيون حزينة، وتكاد تكون كسيرة، قائلة
_ غياث لايمكن أن يكون مؤذياً كما تتصور يا سالم ، أنت لا تعلم كيف كان منذ سنوات ، أنت
صمتت ولم تكمل حديثها ، ألم غريب انتشر بصدرها فمدت كف يدها تمسد عليه، وصور متلاحقة لغياث تتدافع في مخيلتها ،كيف كان وكيف أصبح
أعطاها سالم وهند المساحة الكافية للصمت ، فكلاهما أحس بذلك الشعور الذي يساورها
رفعت نظرها لسالم بعد بعض الوقت ،وقد تغيرت نظراتها للتصميم والقوة، قائلة :
_ إن كل ماتقوله ،وكل مايقوله لجين صحيح حول غياث ، فأنا سأنقذه من هذا الوحل الذي جرف نفسه إليه ، سأساعدك يا سالم لأساعده هو على العودة
ثم عادت نظراتها تتحول للخوف وصوتها أظهر الصراع الفظيع الذي تعيشه داخلها :
_ لكن لجين ، لقد قال أنه يشك به ، فما الذي علي فعله ، أخاف أن يسبقني بخطوة فيؤذيه، إنه يؤمن أن لجين يشكل خطراً كبيراً عليه.
استقام سالم واقفاً وهو يقول مظهراً الحقائق كما هي :
_ لقد بات لجين في خطر حقيقي ، الآن كل الشكوك باتت حوله ،ويجب أن نجد طريقة لحمايته
صمت مفكراً بعض الشئ ثم أخرج من جيبه هاتفاً صغيراً قدمه لها وهو يقول :
_ كي نضمن عدم معرفته بخطتنا ، هذا الهاتف أبقيه معك وتواصلي معي من خلاله ، اطلعيني بكل جديد وسوف نتصرف وفقاً لما يجري .
….
كانت وداد تستمع بإنشداه لمحدثتها .. تستمع بإنصات لكل كلمة تقولها
بينما زينة كانت تسرد لها ماحدث وهي تعتصر بين يديها طرف شالها الصوفي الذي تضعه فوق كتفيها درءاً للبرد
عيناها مثبتتان على اصيص من الزهور البيضاء

لقد أصرت اليوم أن تجلسا معا في الحديقة مستغلة الشمس التي ظهرت بعد عدة أيام ماطرة
الحديقة التي زرعها زوجها واهتم بها ، تشعر بالسعادة هنا بشكل كبير
تشعر براحة غريبة تتسرب عبر مسامات جسدها
حانت منها نظرة إلى الحائط الزجاجي الذي يفصل الصالة عن الحديقة
فلمحت طيفه واقفاّ هناك ينظر لها ثم يحدثها بإشارة من يده نحو قلبه ثم نحوها
ابتسمت فلمحت وداد ابتسامتها ومن نظرة عينيها التي باتت تميزها علمت أنها تناظر زوجها
اسبلت عيناها بإحراج وابتسامة تزين ثغرها تشعر حين تلمح نظرات زينة أنها أمام فتاة تزوجت حديثاً ممن تحب
ما أجمل هذا الحب الذي يجمع بينهما
أتاها صوت زينة الخجل :
_ كلما أراد أن يشعرني بدعمه يعطيني إشارة من يده بأنني اسكن قلبه، فيعود قلبي لينبض ذلك النبض الذي أصابه في أول لقاء لنا
اومأت وداد بتفهم وهي تخبرها
_ الحب والدعم هم أكثر ما يحتاجه المرء بعد مروره بأزمة ما … الكثيرات ممن التقيتهم كان الحب اكبر داعم لهن ليكملن حياتهن … ليقررن ان الحياة تستحق أن يعشنها بسعادة … الكثيرات كان دعم الأهل لهن دافعا لنفض غبار الأيام التي قضينها بالسجن والسير نحو غد مشرق مميز
قالت زينة بتأكيد :
_ أجل الحب والدعم والأمان والإحتواء هو ما يجعلنا نقاوم كل الظلام في طريقنا نحو النور
…….
ضربت ميرال رأسها بالحائط عدة مرات وهي تصرخ بألم
_ للمرة المئة أخبرك أنا لست شريكة لهم … لا أعلم شيئا عما كان يحدث هناك ، اقسمت لك مئة مرة أني لا أعلم ما الذي كان يخطط له
بنظرات قاسية كان يحدجها .. كيف يثق بما تقوله وهو وجدها هاربة مع أكثر رجل خطورة .. كيف يثق بها وهو وجدها قد قتلته بدم بارد .. الهوية التي بحوزتها اتضح أنها مزورة

تهذي بأن اسمها ميرال ، لكن حين طلب معلومات سرية عن الإسم تبين أن حاملة الإسم قد توفت رفقة زوجها من فترة
إنها كاذبة مخادعة …
إنها مثل غياث العالم خائنة والخائن يجب معاقبته
هل ينسى ألمه حين اختطفت شقيقته ووجدوها مقتولة وقد تم إزالة أعضائها
هل ينسى صرخات الامهات اللاتي فقدن فلذات اكبادهن ويصدق هذيان هذه المرأة
هل ينسى وينسى كل ماتسببت به هذه العصبة
انتفض بعنف نحو الباب يطلب من السجانة إعادتها للزنزانة الافرادية قبل أن يجهز عليها من فرط غضبه
لو كان الامر بيده لكان قتلها فوراً، لكن يجب قبلها أن يجعلها تنطق بكل ماتعرفه وتخفيه
سحبتها السجانة وهي لاتقوى على الحراك
لقد ظنت أن سالم سيجدها لكن لابد أن هناك خطأ حتى تركت هنا
تتعرض لكل هذه الإهانة وهذا التعذيب
عند وصولها للباب قالت بكلمات بالكاد تخرج من فمها
_ ارجوك يا سيدي ، سالم الشاهري ،اتصل به ، إنه يعرف كل الحكاية
قبل أن تكمل سحبتها السجانة خارجاّ بعنف ، بينما هو قطب حاجبيه بتساؤل
_سالم الشاهري من أين تعرفه …
يذكر أن سالم اتصل به يطلب معلومات عن اي امرأة تم إلقاء القبض عليها بعد العملية الاخيرة لكن لم يعلم لم أنكر وجودها و رفض اطلاعه عنها
أراد أن يحقق معها بنفسه
ان يذيقها ويلات العذاب كرمى لعيون ذاقت بسببهم الكثير
أعطى أوامر صارمة أن يتم إخفاء وجودها هنا
لايعلم إن علم سالم بوجودها محتجزة هنا كيف سيبرر له اخفاءه لها …
نفى برأسه قائلا بصوت خفيض
_ لابد انها كاذبة … لكن أنا أكثر من يعرف سالم لن يرحمها إن إستخدمت اسمه لتنجو بنفسها
تردد وهو يمسك هاتفه يبحث عن اسم سالم
لو كانت صادقة سيخبره أنه تلقى أوامر بسرية هذه المهمة وعدم إعطاء أي معلومات عنها
ولو كانت كاذبة سيعلم كيف ينتقم منها
….
كانت ممددة على الارض الباردة جسدها يئن ألما
حاولت أن تغير وضعية تمددها لكنها أصدرت تأوها عالياً بفعل الألم الذي تضج به أطرافها
اغمضت عيناها تناجي الله ان يزيل هذه الغمة عنها ويساعدها لتصمد حتى يجدها سالم ويخرجها من هذا السجن
عادت الذكريات تهاجمها ، فاستسلمت لها علّها تنسى ألمها ، وهذا المكان البارد الذي رميت به
….
عادت من لقاءها مع غياث وعقلها يكاد ينفجر من كثرة تزاحم الأفكار
لا يفهم انها ستسعى لتبعده عن هذه الأعمال التي يقوم بها ، ستحاول أن تعيد له رشده وتبعده عن هذه الجرائم التي يرتكبها
لكن هل ستسطيع
أحيانا تشعر بأنها تحارب طواحين الهواء بعيدان من خشب
عرجت على مطعم للوجبات السريعة ثم تعللت بدخول الحمام لتتمكن من الإتصال بسالم تطلب لقاءه
وفعلا بذات اليوم ابلغته بكل ماحصل في لقاءها مع غياث و خوفها الكبير مما طلبه منها
انه يريدها جاسوسة في منزل زوجها ، يريد منها أن تساعده لأخذ الوثائق
تخاف منه صدقاً باتت تخاف منه
طلب منها سالم ان تتحلى بالصبر وأن تكون أكثر قوة فالقادم هو أكثر صعوبة

في اليوم التالي التقته في المستشفى أعطاها ذلك الظرف وغادر دون أي شرح ،فقط طلب منها أن تطلع على مابداخله ، وحين عادت لمنزلها تفقدته
وثائق تدين شقيقها
تثبت لها أي مجرم هو
لابد أن سالم خاف منها تراجعاً عن موقفها فقرر أن يعطيها إثباتات على تورط شقيقها
(مادامت هذه الوثائق بحوزتهم، لما يتركونه حرا طليقا ، لم لا يودعونه السجن )
أسئلة طرحتها عليه حين التقته في منزل زميلته
قال سالم ناظراً لزميلته التي كانت تناظر ميرال بشفقة من الوضع الذي وجدت نفسها به ثم لها
_ كما يوجد أشخاص يريدون اثبات التهمة عليه يوجد أشخاص أكثر يحاولون ابعاد التهمة عنه لأنهم طرف معه ،أنا ادرك كل ما تعاني منه من تشتت وضياع ياسيدة ميرال،. ولكن ارجوكي ان تتفهمي اهمية ما انتي مقدمة عليه .. انت سوف تساعدينا بشكل كبير لنصل لكل الاسماء التي يتعامل معها غياث وجودك معه سيجعله أكثر راحة بالتعامل معك وستسطيعين ابلاغنا بكل ما نود معرفته
اومأت له بأجل بعقل مغيب ثم غادرت نحو منزلها
تمر أيامها بروتين غريب حتى أتتها فاجعة موت سلمى
_ سلمى … سلمى
همست بها وهي تئن تحت تأثير الحمى التي أصابتها أثناء اغفائتها …
ليتم نقلها بعدها الى مستشفى السجن، جراء إصابتها بهذه الحمى الشديدة والتي جعلتها تفقد الوعي وتدخل بغيبوبة
….
تشعر أنها داخل كابوس ستستيقظ منه على لمسات لجين الحانية على صوته المرتل للآيات القرآنية قرب رأسها لتهدأ وتنسى الكابوس المرير
لكن موت سلمى كان حقيقة .. حقيقة بشعة كسرت قلبها
جعلها تتلبس حالة غريبة من الجمود وعدم الاهتمام بأي شئ
جعل هوة الفراغ بروحها تزداد حتى كادت تصيبها بالجنون
وجود لجين كان مهماّ لها ليجعل المصاب أقل وطأة عليها
لكنه اضطر للسفر
كم ودت أن تخبره بحاجتها لوجوده الدائم ،كم ودت أن تترجاه ليبقى ،ولكنها كبحت كل ما تمنت بداخلها

حين جاء شقيقها لزيارتها بعد موت سلمى بحجة الاطمئنان عليها ، شعرت أن غياث القديم قد عاد ، ولكن لاتعلم إن كان لحسن حظ لجين ام لسوء حظها أن سمعت تلك المكالمة التي وردته وهي تعد القهوة لهما
حديثه عن صفقة كبيرة ستتم قريبا .. عن قرب تخلصه من كابوسه
هو يقصد زوجها هي متأكدة من الأمر
حديثه هذا أعادها من من نعيها لصديقتها نحو حقيقة تحمل طعم الحنظل المر
وهو الخطر المتمثل بشقيقها والخطر الذي سيصيب زوجها بسببه
بل سيصيب الكثيرين من الابرياء
حديثه جعلها تعود لواقعها المرير بأن غياث لن يعود كما كان مهما حاولت
وخطره يزداد يوماّ بعد يوم
هل تظن ان غياث سيترك لجين حياّ إن سلمته الوثائق التي يريد ، كلا لن يفعل وإنما سيتخلص منه وربما منها رفقته
هل تظن انها ان ترجته ألا يؤذي الأبرياء سينصت لها، كلا انه لن يفعل بل سيزيد في غيه وحقده

…..

أيامها تمر وهي تخطط لكل ما يجب عليها القيام به
عاد لجين وعاد الخطر يحيط به بشكل أكبر
في قلبها تتمزق خوفا عليه وتظهر له عدم اهتمامها به وبوجوده
وهو رغم معاملتها تلك يتفهم حالتها
يعطيها العذر
ممزقة هي ترغب بأن تمد يدها اليه ترجوه أن يحتضنها أن يأخذها بعيدا عن كل هذا
لكنها تعود لتبقي يدها رغما عنها جوار جسدها تمنعها من لمسه

قبل يوم من بداية مهمتها

اتصلت بسالم تطلب رؤيته لأمر ضروري ، لجين خارج المنزل وهي يجب أن تجهز لكل شئ قبل عودته
اخبرت سالم وهي تدور في الصالة تفرك يديها بتوتر ، توتر نابع من خوفها من القادم والذي لا يبشر بخير أبدا ً
_ سيأتي شخص مهم لرؤية لجين .. لقد سمعته يتحدث معه .. لابد أن غياث يعلم بالأمر، لقد أخبرته أنني سأساعده ، لكني أخاف منه غدراً
نظرت نحو سالم بتوسل فقال لها بتفكير
_ اظن انه سيعلم بالامر .. سنحاول ان نحميكما لا تقلقي
هزت رأسها بنفي وهي تقول
_ لن أستطيع أن أجعله يؤذي لجين ، أنا لاأثق بأحد ، قد يبيع أي أحد ضميره بحفنة نقود، فيتم قتل لجين
ارتمت على المقعد هامسة وعيناها تتحركان بقلق
_ لم أنم وأنا أفكر بطريقة لحماية لجين منه وممن هم خلفه .. مهما حدث لن يتركوه وشأنه
وضعت رأسها بين كفيها كأنها تعصره توقف تلك الدوامة التي تدور به
لترفعه فجأة ناظرة لسالم بعيون تحمل العزم والإصرار قائلة
_ لقد وجدت الحل لكن عليك مساعدتي لن استطيع فعلها بمفردي
نظر لها محاولا فهم ما تريده، لتكمل هي كلامها
_ لجين يجب أن يموت اليوم ويختفي نهائيا

صعق سالم من جملتها تلك منتفضا من مكانه بغضب هل ماسمعه منها صحيح ام انها تهذي
لكن نظرتها تؤكد له أنها لا تمزح ابدا وانما هي جادة بكل كلمة قالتها

اصوات متداخلة تحاول اعادتها من تلك الهوة العميقة التي تقبع بداخلها
تشعر بذكرياتها تدور حولها كصور متلاحقة
لكن صوته القريب الهامس لها بآيات قرآنية كان دائم الترديد لها حين تكون مريضة كانت تصلها فتمسح على روحها لتهدأها
همست تحاول أن تترك مكانها المظلم متجهة لمصدر الصوت
_ لجين
لكن عبثا عادت الذكريات تهاجمها بضراوة أكبر تسحبها مجددا نحوها
…..
قال سالم محاولا ان يفهم منها مالذي تعنيه
_سيدة ميرال ماهذا الذي تقولينه .. اراك متلهفة لحمايته ثم تقولين انه يجب ان يموت … لا اصدق ما اسمعه منك
دون أن يرف لها جفن اجابت على حيرته قائلة
_ لأجل حمايته يجب ان يموت
عاد يجلس ناظرا لها بسخرية وهو يقول
_ هل نحن بصدد حل لغز هنا ياسيدة ميرال يبدو انك متعبة ولا تعرفين خطورة ما تقولينه
لم تهتم للسخرية البادية في صوته وانما اكملت قائلة
_ ارجوك اسمعني فانا لن استطيع القيام بالامر دون مساعدتك
اتسعت عيناه بصدمة وهو يستمع لما تقول
_ انا سأوهم غياث ان لجين مات بذلك اضمن انه لن يسبقني بخطوة ويقتله ليتخلص منه ، ويجعلني هذا معه في نفس المكان فأنا بعد قتلي للجين يجب أن أهرب إليه
اغمض عينيه محاولا ان يفهم كلامها مشيرا لها وهو يهمس
_ اعيدي ماتقولينه ياسيدتي
أعادت ماقالت مكملة مخططها
_ الرجل سيحضر غداً ، وغياث يعلم أنني سأحضر الوثائق له، ماذا لو كان يخدعني وقتل لجين ، لذلك سوف أوهمه أن لجين مات .. طوال الليل افكر بهذا الامر ولم أجد سواها طريقة
قال وهو ينظر لكفي يده المتشابكين يحاول أن يرسم خطة لتحقيق ماتريده .. إنها محقة بشأن مخاوفها لكن كيف سيقنعون غياث بان لجين مات
قال جملته الاخيرة بصوت مسموع فأجابت على تساؤله
_أريد حقنة خاصة توقف عمل القلب لخمس دقائق فقط بعدها يجب ان يتم اجراء تنشيط لعمل القلب بسرعة وإلا فقدنا الشخص ، انت ستحضر الحقنة وسأعطيك إشارة لحظة حقني للجين، وبعدها يجب ان يكون هناك مسعف حاضر لإجراء اللازم له
مسح سالم بكفيه على وجهه الذي تصبب عرقا من مجرد تخيل ما يمكن أن يحدث لو تأخروا بإسعاف الرجل
قال محاولاً ان يفهم اكثر
_ ماذا لو أخطأنا.. ماذا لو تأخرنا … لايجب ان نخاطر هذه المخاطرة ابدا
قالت هامسة بخوف أكبر من الذي يشعر به هو
_ ماذا لو كان غياث متواجدا وتحقق من موته .. كان بإمكاني اعطائه حقنة مخدرة لكن تحسباً يجب أن اجعلهم يطمئنون انه مات فعلا ، أنت يجب أن تكون موجودا بعد خروجي لتحمله وتغادر به .. لكن التسجيلات التي تتم كيف سنوقفها قبل دخولك
همس لها مذهولا من جرأتها ومن قدرتها على التخطيط
_ هذا سهل يوجد اجهزة كثيرة تشوش عملها ساستعين بها
وقفت على قدميها قائلة
_ اذن اتفقنا …
اوقفها قائلا
_ كل الشكوك ستدور حولك .. يجب ان تكوني بعيدة عن اي تهمة توجه ضدك
نظرت له بتشوش فهي لم تفكر بنفسها أبدا بينما كانت تخطط للأمر
قال لها وقد فهم مايجول داخل رأسها من أفكار :
_إان كان لجين سيموت بنظر الجميع فيجب أن تموتي معه أمام الجميع عدا غياث
ناظرته بعدم فهم فنظر نحو مساعدته ثم نحوها قائلا بتركيز :
_ غياث يراقبك وسيراقب كل تحركاتك، لكن مساعدتي لايعرفها ستدخل على أنها إمرأة قدمت لمساعدتك بالتنظيف ، لكن لسوء حظها احترقت ايضا عند محاولتها مساعدة زوجك
_ حريق
قالتها بعقل غائب فاكمل هو
_ أجل .. اسمعيني يا سيدتي أعلم أن الامر صعب لكن الأمر يستحق هذه التضحية منك ، الحريق سوف يلهيهم عن أي أمر آخر يخص لجين
دون ان تناقشه استقامت واقفة متجهة نحو الباب وهي تقول:
_ بعد ساعة ارسل المطلوب مع مساعدتك وكن جاهزاً عند مساء الغد بعربة الإسعاف
وخرجت دون ان تضيف كلمة أخرى تاركة إياه ينظر لها بابتسامة فخر

همست وداد بعدم تصديق
_ ماذا .. إذن هي لم ترتكب جرماً بحقه .. لم تستسلم لوساوس شقيقها … يا إلهي حتى انا ظلمتها بهذا الأمر … كيف استطاعت ان تكون بهذه القوة ، لتخاطر مثل هذه المخاطرة ، وتقدم على هكذا خطوة .. اي قلب امتلكت لتضحي بمنزلها بذكرياتها وتتركها للنيران لتلتهمها
قالت زينة وهي ترى تغير ملامح وداد للصدمة بعد ان اخبرتها بخطة ميرال
_ أحيانا على الشخص ان يكون سريعا بقراراته وبخطوته التالية التي يجب ان يقوم بها ليضمن ان مساعيه لن تبوء بالفشل
خطأ غياث انه نسي ان ميرال تفوقه ذكاء وان عقلها يحمل من الدهاء اضعاف مايحمل عقله
لقد كانت صادقة أنها ستضحي بكل شئ لإنقاذ
من تحب وهي ضحت بوجودها قرب لجين لتنقذ كلاهما
وجود لجين كان يعني الحياة لها لذلك إقدامها على تلك الخطوة كان يعني ابعاد لجين عنها واخفاءه لحين نجاح مايريده سالم
لكن سالم لم يخبرها انه بعد ان اطلع مرؤوسه عن خطتها قاموا بتعديلات بسيطة تساهم بضمان وجود ميرال رفقة غياث دون خطر يحيط بها
قالت وداد وقد زاد حماسها لمعرفة ماحدث
_ كيف كان ذلك
اجابتها زينة
_لقد تم التواصل مع الشخص القادم لمقابلة لجين وتم اعطاءه قرصا مدمجا يحوي موقعا كان غياث يسعى لمعرفته مع فارق بسيط أن هذا الموقع تم اخلاءه ولن يشكل تدميره أي ضرر ، وكذلك تم تحضير سيارة إسعاف لإنقاذ لجين واخرى لنقل الجثتين اللتين سيقال انهما لميرال ولجين
قالت وداد مستفهمة
_ كيف استطاعا ان يضمنا ان غياث او مساعده لن يكشفا الامر .. فهما ماكران ذكيان
قالت زينة
_ كل ذلك تم استدراكه فكثرة الناس حول مكان الحدث بعد حدوثه ، احدثت بلبلة وشائعات عديدة لكن كلها اجمعت ان الجثتين للسيد لجين وزوجته
خالد كان رفقة ميرال ويبدو ان من ارسلوه للمراقبة اكتفى بالمراقبة من بعيد واكتفى بما سمعه من تجمع الناس، تم تسليم التوابيت لغياث دون فتحها وتم دفنها فارغة دون ان يدرك غياث مايحدث
قالت وداد
_ لقد كانت خطة خطيرة لكنها محكمة الجوانب ولجين اين اختفى بعدها
اجابتها زينة وهي تلمس خاتمها الذي يزين يدها
_ احتاج لعدة ايام لاستعادة نشاطه وتم ابلاغه انه سيبقى محتجزا لحين زوال الخطر، لا يمكن أن تتخيلي رد فعله على ماحدث ، من جهة لومه لها لمخاطرتها بنفسها بهذا الشكل ،من جهة أخرى غضبه من سالم لتوريطها بهذا الأمر ، غضب لعدم اطلاعه على هذه الخطة
جن جنونه وقام بضرب سالم واتهمه بانه سيكون السبب بأي مكروه يصيبها ،ولكن حينها ألجمه سالم بجوابه
_ لقد اختارت ان تضحي عن طيب خاطر فلا تجعل تضحيتها تذهب هباء ياسيد لجين … انت رجل تؤمن بالله وتعلم انه لن يصيبها الا ماكتب الله لها فكن على ثقة ان الله لن يضيع تضحيتها هباء فقط ادعو لها ان تنجح في هذه المهمة وتعود سالمة اليك
اغرورقت عينا وداد بالدموع وهي تسمع كلام زينة مالذي فعلته بها هذه الحكاية
مسحت دمعتها بطرف اصبعها ثم أعادت وضع نظارتها الطبية هامسة
_ لقد كان أمرا صعبا على شخص مثل لجين ان يتحمله وخاصة وهو يعرف الخطر الذي يحيط بها
اجابتها زينة وشبح ابتسامة يرتسم على شفتيها
_ رغم ذلك ايمانه القوي جعله يشعر بانها ستعود له قريبا
….
تمت الخطة بنجاح واخبرها سالم عبر الهاتف الصغير ان لجين بخير وبذلك تستطيع أن تمضي بخطتها بنجاح
انتقلت بعدها لمنزل غياث وقطنت معه
لكن بقي لديها مشكلة واحدة ،كيف يمكن لها أن تعرف ما يحاك من مؤامرات ، لابد أنه سيأخذ حذره منها ، تذكرت فيلما شاهدته مرة ففطنت للطريقة التي يمكن ان تساعدها لمعرفة مايجري
تسجيل عبر الهاتف ، تضعه في غرفة مكتبه فيقوم بتسجيل كل الاحاديث لها ،وغياث ستجعله يطمئن من ناحيتها حين يعطيها الحبوب المنومة بنفسه
وحين علمت بأن شقيقها سيستقبل أحد الأفراد الذين يتعامل معهم
لجأت لتلك الطريقة ، شغلت هاتفها بعد ان ازالت منه البطاقة التي احضرها غياث
ووضعته في وضعية التسجيل ثم تركته بمكان مخفي في مكتب غياث وخلدت للنوم
وفي صباح اليوم التالي كانت تستمع لما تم تسجيله وأعادت الكرة مرة اخرى وفي كل مرة احتاجت
ان تعلم ما يجري داخل جدران مكتبه
لتكتشف حينها جوانب أكثر ظلاما حول شقيقها
لتعلم أن ما آمنت بقدرتها على القيام به لإنقاذه ما هو الا سراب
لقد تلوثت يديه بدم الابرياء لدرجة صار من المستحيل ان ينال غفرانا لما ارتكبته يديه من جرائم ولما يود أن يرتكبه كذلك
لكن هل تستطيع الهرب بعيدا عنه … هل تستطيع انقاذ ما بقي منه
….
كانت عينا زينة مغرورقتان بالدموع وهي تتحدث عن تلك المرحلة
أكملت قائلة
_ ربما أن تسمعي عن الامر اسهل من ان تعايشيه
سمعت اتهامات لجين … سمعت ما أخبرها به سالم .. لكن أن تعايش ما يفعله شقيقها ان تستمع لمخططاته كان شيئا يصعب عليها تحمله
لقد نسف كل امل لديها بأن يعود لجادة الصواب بان يحاول ان ينال الغفران ويعود
كانت وداد تناظرها بطريقة غريبة
نظراتها مزيج ما بين الحزن والفخر حاولت الا تقاطع استراسلها بالكلام رغم رغبتها بأن توقفها عند هذا الحد على أن يكملن الحديث بيوم آخر
…..


فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-10-20, 07:36 PM   #16

فاتن منصور

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 417764
?  التسِجيلٌ » Feb 2018
? مشَارَ?اتْي » 133
?  نُقآطِيْ » فاتن منصور is on a distinguished road
افتراضي

#الخاتمة

الخاطرة اهداء من جميلتي نوسة سنين سنين

يا وجعي يا كم الهوايل
فعلتها قبل أن تزيد انت الفعايل
واختلط الحابل بالنابل
وزادت همومي وابل
مافادت حروفي وكلماتي
ولا تمتمات شياطين بابل
قرأت عليك سورة ياسين
وفوقها معوذات العاقل
ووجدتني في حال يزري
ولقلبي هو قاتل قاتل
ماعدت اعرف الصواب
وعقلي بالوهم عاطل
ابيع من اشتراني
واشتري كل من له ثاقل
عجبت انا من حالي
والعجب فيا حاصل
ابغي المستحيل طوعا
والفكر عن زمني غافل
لا اعرف مابي اليوم
وماهو الشيء الحاصل
هل هذه حقيقتي فعلا
ام تلك في حياتي فواصل
…….

أرادت وداد الاكتفاء بهذا القدر من الحديث لهذا اليوم
لكن زينة استمرت بحديثها وكأن كل شيء يعود للحدوث أمامها مثل شريط مسجل

جالسة قبالته تستمع له يخبرها عن الحفل الذي سيقام ، أخفت بداخلها رغبة شرسة لاخباره انها تعلم ما سيقوم به من صفقات في ذلك الحفل ، انها سمعت كل حرف دار بينه وبين زواره
انها تعلم لما يرغب بذهابها معه ، لقد سبق و سمعت الحديث الذي دار بينه وبين خالد ليلتها بخصوص تلك الحفلة وضرورة ذهابها رفقته
((_ لم تريد اخذها معك … لاافهم هذا الاصرار منك ياغياث، هل حقا قررت أن تغادر هذه المرة ّ

نظر غياث لخالد الجالس قبالته .. خالد رفيق دربه منذ خطى بهذا الطريق.. يعلم انه لايمكن ان يخونه يوما، لذلك بقي بجانبه كمرافق خاص له و كان يده القوية التي يضرب بها حين يود الفتك بأحدهم او تنفيذ عملية مهمة ،قال غياث بروية
_ إنها اللحظة المناسبة لتسديد ضربة قاصمة ياخالد ، اضرب عصفورين بحجر واحد ، اعدائي سيتلقون ضربة في الصميم بعد معرفتهم بالصفقات التي تمت دون علمهم وكذلك بامتلاكي لكل الأسرار التي تخصهم ، ومن يناصرنا سيكون تحت رحمتنا ياخالد فنحن نمتلك الوثائق والتسجيلات التي تدينهم وتكشف كل أفعالهم التي تشبههم
أما ميرال فأنا لا أثق بغيرها لتكون صلة الوصل بيني وبين ضيف الحفل ، لا اريد للبقية ان يعلموا عن الحديث الذي سوف أجريه معه ، هل فهمت ، كما أنها ستكون محط أنظار البقية ويظنون أن الوثائق ستكون بحوزتها ، بينما في الواقع الوثائق ستكون في أيدي امينة .
قال خالد مستفهما وقد بدا مقتنعاّ بكلام غياث :
_ وهل يوجد شخص تثق به لهذه الدرجة ، ليقوم بإيصال الوثائق إليك
ضحك غياث مرجعاً ظهره للوراء يستند به على المقعد الجلدي الضخم الذي يجلس عليه مراقباً دخان سيجارته الذي نفخه نحو للأعلى ثم قال ومازالت عيناه تراقب تلاشي الدخان في الهواء:

_ الثقة كلمة غير موجودة في قاموسي ياخالد لكنه المال ياعزيزي والتهديد ، من سيحمل تلك الوثائق لايعرف أهميتها ، كل مايهمه المبلغ الذي سوف يأخذه بعد ان يوصلها إلي ،و إنقاذ أبنائه من قتل محتم لو حدث خطأ واحد فقط ،لقد ظن بعضهم أنني لن أتمكن من الوصول للوثائق بعد موت لجين ، لكن ليس كل الأشخاص يمتلكون تلك المبادئ التي امتلكها هو ، التهديد والمال يجعل البعض يرمي تلك المبادئ في أقرب سلة مهملات ، إما خوفاً أو طمعاً. ، أما بالنسبة لميرال فستكون كالطعم لهم ، والوثائق ستجد طريقها إلي لا تقلق … المهم لدي ان يكون كل شئ جاهزاً لمغادرتنا بعد الحفل مباشرة ، و أريدك ألا تفكر بأمر شقيقتي كثيراً ياخالد فأنا أفهم تماماً تلك النظرات المتشككة التي توجهها لها ، فهي بعد كل ماجرى وبقائها وحيدة لن تغامر بفقداني ابداً ،كما أنني أراقبها منذ وطأت منزلي ،ولم ألاحظ أي تصرفات مريبة لها أو ألمح أي إتصال لها بالعالم الخارجي
قال خالد وقد اكتست عيناه الجمود وهو يستمع لحديث خالد بشأن ميرال فهو لا يعلم لما ينتابه ذلك الشعور السيء تجاهها ، ويظن أن خلف نظراتها الجامدة تلك يوجد مكر كبير ،ولم يخبر غياث أنه قام أيضا بوضع شخص يراقبها في حال خروجها من المنزل ،كما عاد يبحث في قضية مقتل زوجها لكن لم يتوصل إلى أي شيء
_ انا اتفهم انك لا تريد ان تترك خلفك نقطة ضعف يلوون بها ذراعك فتكون أنت تحت رحمتهم ، لكن بإمكانك إرسالها الى أي مكان .
نظر له غياث بتفهم ، فهو نفسه لايثق بأحد فكيف يريد من خالد أن يثق بشقيقته ،لكنه قال مطمئناً:
_ اهدأ يا خالد ، ولا داعي لكل هذا القلق من جانبك
ثم عادت عيناه تلمعان بحزم وهو يقول
_ تحضر هذه المرة لدينا عدد لابأس به قادم عبر الحدود وعليك تأمين وصولهم إلى الوجهات التي يرغبون ، أنت ستكون المتحكم بكل الأمور هنا من بعدي ، لذلك اضرب ضربتك ولا تخف
أومأ خالد متفهما ثم استأذن مغادراّ
حين استمعت ميرال للتسجيل شعرت بطعم المرار في فمها وهي تفهم أن شقيقها سوف يستخدمها لجذب الانتباه لا اكثر ، ليسهل أداء مهمته ثم تتحول للعبة في يده يحركها كيفما يريد
ابتلعت تلك الغصة التي استحكمت في عنقها تفكر ان ذهابها لا بد منه
تلك الوثائق يجب أن تسلم للجهة الصحيحة ولا يجب أن تبقى بين يديه ابدا ))
أخبرته بموافقتها على الذهاب ثم استأذنت منه مغادرة نحو غرفتها ،اتجهت نحو الحمام تمسك الهاتف الذي تخفيه بين طيات ملابسها
اعادت تشغيله ثم ارسلت رسالة الى سالم تخبره بكل جديد
..

يوم الحفل واثناء قيادة غياث للسيارة كانت شاردة تفكر ان نهاية المطاف هاهنا
هنا ستسدل الختام على ما تقوم به لأجل الجميع … لأجل كل إنسان عانى بسبب هذه العصبة الحقيرة وأمثالها من الخونة في كل مكان
لاجل كل ام فقدت ابنا او ابنة
لأجل كل مريض سرقت اعضاؤه دون ان يدرك
لاجل كل محتاج ينام جائعا بسبب سرقة هؤلاء لهم
هاهنا ستكون كلمة الحق هي الاعلى
بسرها كانت تدعو وتدعو ان يتمم الله الامر على خير ان ينتصر المظلوم ويعاقب الظالم
تنظر لشقيقها بعين دامعة
لازال لديها تلك الذرة الصغيرة من الامل انها تستطيع ان تغير مافي قلبه
لكن نسيت ان لايغير في القلوب الا علام القلوب
….
أثناء الحفل كانت متوترة وهي تراقب شقيقها يتحدث مع الضيوف
احدى السيدات اقتربت منها فتحدثت ميرال بالالمانية مدعية انها لاتجيد العربية كثيرا
تهللت أسارير السيدة والتي تبدو أنها من علية القوم كما يقال فلباسها وتصرفاتها تدل على المستوى الذي تعيش به
نظرت نحو غياث فبدا وكأنه يراقبها لانه ابتسم لها بخبث مشيرا لها برأسه أن تواصل حديثها مع هذه السيدة
كانت تنتظر لقاؤه بذلك الرجل ،فتعلم أي نوع من الصفقات سيعقدها معه
كنت السيدة تثرثر وهي تستمع لها مدعية الاهتمام بحديثها
لأول مرة في سرها تحمد الله على شكل وجهها الذي يوحي بأنها ليست عربية
بكل صلافة نظرت لها السيدة تسألها
_ اعذري سؤالي ، لكن مالذي احضرك الى هنا في ظل هذه الظروف
بكل ثبات كانت ميرال تجيبها :
_ أتيت بطريقة ما .. اعني انت لابد تعرفين كيف يتم الأمر .. كانت معاناة حقيقية لأصل الى هنا ، لكن واجبي تجاه السيد غياث فرض علي التواجد بجانبه بعد وفاة شقيقته
تصنعت السيدة الحزن وهي تقول
_ اه اجل لقد شاهدت الخبر على شاشة التلفاز كان شيئا فظيعا أن تموت هي وزوجها ، ولكن السيد غياث تغلب على الحزن بسرعة وعاد لممارسة عمله
لم تهتم بجملة السيدة المتبقية فقط لفظة زوجها تلك جعلت قلبها ينبض بألم لم تستطع إخفاءه ، مما دفعها لتقول بارتباك ظنته السيدة احراجا
_ اود تعديل ملابسي اين يوجد الحمام
قادتها السيدة للحمام الخاص بالنساء فدخلت تغلق الباب خلفها تسمح لدموعها بالانهيار وقلبها يردد اسم لجين مع كل خفقة تصدر منه
نظرت نحو المرآة ثم مدت يدها تخرج هاتفها الصغير من تحت طيات الملابس
ارسلت العنوان برسالة الى سالم ثم اعادت إغلاق هاتفها وخبأته من جديد
غسلت وجهها ثم غادرت نحو الخارج ، بعد بعض الوقت أنهى غياث اجتماعه وخرج ليجدها واقفة بانتظاره يحمل وجهه ابتسامة نصر مما جعلها تفهم أن أولى صفقاته قد تمت ،لكن فجأة تبدلت نظراته للقسوة ،نظرة عينيه لتلك الفتاة جمدتها ودفعتها للحاق بهما لعلمها ان الموضوع اخطر مما تظن
سماعها لما صرح به غياث
الحفل لم يكن فقط واجهة تغطي تلك الصفقات التي سمعت بعضا من جوانبها من خلال حديث البعض اليوم
يتغنون بما يقومون به
أدوية فاسدة .. تجارة أسلحة ..
وإنما كان كذلك حفل لبيع الفتيات
كل هذا يحدث هنا
هل هي ضمن كابوس مدمر
ام انها تتوهم
لطالما شاهدت على شاشات التلفزة ما يقولونه عن خطف الفتيات
عن تجارة الرقيق الأبيض ، عن بيعهن
لكن لم تتخيل بأسوأ كوابيسها أن يكون غياث متورطا بهكذا إجرام
صوت سيارات الشرطة والفوضى التي حدثت بعدها جعلتها تعلم أن لحظة النهاية قد حانت
امسكها غياث يسحبها من يدها مندفعا بها نحو الخارج ، محاولاً بذات الوقت الوصول الى خالد
كانت تعلم أن دخول سالم سيحتاج وقتا وخاصة ان هناك اشتباك بالرصاص
حاولت إيقاف غياث لكنه كان اقوى منها بنية
رماها بمقعد السيارة ثم اتخذ مكانه حاولت ان تفتح باب السيارة لكن ارتطام قدمها بتلك الحقيبة جعلها تتوقف وهي تتذكر حديث سالم عن الوثائق التي سيحصل عليها غياث
(ان استطعت الحصول عليها ستكونين قد اسديتي خدمة كبيرة لنا .. وان لم تفعلي حاولي بكل الطرق التخلص منها وتأكدي من أنها لن تصل الى ايديهم )
تحرك غياث حمل لهما صدمة جديدة تمثلت بوجود الصغيرة داخل السلة في الخلف
صراخ غياث لم يهمها وقتها
فعيناها تعلقتا بتلك الصغيرة بشكل غريب .. .
كيف وصلت الى هنا
هل ظنت والدتها حين تركتها هنا ان غياث سيرأف بحالها
سيحبها
هل تعلم غياث ان يحب أحدا من الأساس
نظراتها راقبت الصغيرة وكانها طفلتها هي
ناسية كل الخوف الذي كانت تعيشه منذ قليل
ناسية أمر الوثائق
أمر المهمة التي أتت من أجلها
كل همها بات إنقاذ تلك الصغيرة من موت محتم سيأتيها من طرف والدها

عادت الهوة السوداء لتضيق الخناق عليها اكثر وهي تجري في اللامكان لتصل لذلك الصوت الهادئ الذي تسمعه
لكن لا فائدة
ظلام اسود فقط هو ما يحيط بها وهي تتخبط بداخله تبحث عن اي شئ تتمسك به
اي شيء يخبرها انها ستجد طريقها للخروج
عادت الصور لتتزاحم أمامها من جديد
تدور حولها وكأنها تزيد من حجم الضغط عليها
وتجحظ عيناها مع تلك الصورة
صوت تنفسها بات أسرع حتى كادت تختنق
تحاول مد يديها لعنقها لتمنع ذلك الاختناق من التزايد لكنها لا تستطيع
دموع حارقة غشت عينيها
وهي ترى ما حدث مجددا
(( لقد صوبت المسدس نحوه .. نحو ظهر شقيقها الذي ربته كابن لها
لقد ضاق صدرها بالم وهي تتوسله ان يعود لرشده
ان يسلم ما يملكه من وثائق
لكنه أبى أن يستمع لندائها
مابين حب وحب كانت هي
ممزقة الأوصال
تنزف دما دون جراح
لا تتعرف صوتها الذي يخرج من أعماقها
مابين حب وحب
كانت هي
وحدها
وعليها الاختيار واه كم كان صعب الاختيار
بلحظة واحدة
فقدت الإحساس
وهي تسمح لسبابة يدها بالضغط على الزناد
فتخرج الرصاصة ومعها تخرج روحها
لتستقر الرصاصة في ظهره
فتشهق هي وكانها استقرت في جسدها هي
عيناها تعلقت بخاصته بعد ان استدار اليها
ترجته دون صوت ان يسامحها
أن يعطيها العذر
أن يغفر لها
لاختيارها البعيد عنه
فإختيارها صحيح
فلا حياة لخائن مثله
دمعة نزلت ببرودة حارقة على خدها وهي تضغط الزناد للمرة الثانية
فتخرج الرصاصة الثانية توقف نبض قلبه كما اوقفت عقلها عن العمل
عند تلك اللحظة التي شاهدته فيها يغمض عينيه وجسده يستقبل الأرض بترحاب ))
شهقة حادة خرجت منها وهي تصرخ باسم غياث ..زاد صراخها
والسواد يزداد قتامة حولها من جديد
تمحى كل الصور
عدا تلك الأيدي التي تمتد لها
فتزيد صرخاتها هلعا
تنتفض بكل الاتجاهات
تصرخ بحرقة
_ أنا قتلته … أنا قتلته يا إلهي … غيااااااااث
همس الطبيب وصل لذلك الذي يحتضنها بأسى وهو يعلم انها الان في مرحلة انهيار عصبي بعد كل مامر معها من أحداث
_ المهدأ سيأخذ مفعوله بعد قليل لا تقلق
……
مسحت زينة دموعها بمنديلها ثم عادت تنظر لوداد التي لم تكن تقل حالا عنها
قالت بصوت متألم
_ اتعلمين كم من الصعب ان تقتلي من ربيته كإبن لك بيدك … هل يمكن لك ان تتخيلي مقدار الألم الذي عاشته في تلك اللحظة وهي تصوب فوهة المسدس نحو ظهر شقيقها
هل يمكن لمخلوق أن يشعر بتلك النار الحارقة التي سرت في عروقها وهي تضغط الزناد لتسلب روح شقيقها
لكن في اعماق قلبها كان تعلم ان ما تقوم به هو الصحيح
فغياث كان أخطبوطا شيطانا .. أذرعه تنفث السم في كل مكان .. لم تردعه لا قيم دينية ولا اخلاقية عن ارتكاب جرائمه تلك بحق الآخرين وكانت تعلم أنه لو بقي على قيد الحياة كان خطره سيزداد ويزداد إلى أن يدمر كل شئ حوله
لذلك كان عليها ان تختار مابين حبها له وواجبها
وكم كان الاختيار صعبا وقاسيا
مسحت وداد دموعها وهي تهمس
_ إنها امرأة عظيمة . اعلم أن ما عانته لم يكن سهلا ولكن عليها ان تعلم انها امراة عظيمة بحق
…..
(الخاطرة بقلم القمر هند Hend Fayed
حللت أهلًا ونزلت سهلًا يا رفيقَ العمرِ،
رغم البُعد بقيت في القلبِ،
تؤنس وحدتي وتلف وَحشتي بالسكنِ.

مرحبًا بالبعيدِ عن العينِ القريب مني وكأنه في حلاه كالقمرِ،
سَلَمَ لي ذاك الرجل الذي لفني وجوده بالأمنِ دون طلبِ،
ودق له الفؤاد بعد الغيابِ فسكن مُطمئنًا كما يكون المرسى للسفنِ. ))
……..
الظلام يحيط بها فيكاد يفتك بروحها وهي تصرخ وتصرخ
هبت مستيقظة دون ان يتوقف صراخها باسم شقيقها تغمض عينيها بخوف من أن تفتحهما فترى جثته أمامها
يدين حانيتين ضمتاها بقوة وصوت تسرب إلى خلايا عقلها باعثا فيه الطمأنينة والآمان
_ ميرال .. حبيبتي اهدأي أنا بجوارك
فتحت عينيها وقد توقف صراخها وهدأ جسدها تنظر لذلك الوجه الذي تعشق همست بصوت متعب وعينين دامعتين
_ لجين
وكأن لفظها باسمه اعاد النبض لقلبه احاط وجهها بكفيه يقرب وجهها من وجهه ..عيناه تجوبان تفاصيلها باشتياق بالم وعتاب ودموع تحررت رغما عنها من عقالها وكم صعب بكاء الرجال
أسند جبهته لجبهتها يتنفس انفاسها هامسا
_ ياعمر لجين وقلبه ..ياكلّ كلي ، الحمدلله انك بخير
ثم ضمها اليه فجأة يعتصرها بين ذراعيه فبادلته العناق بيدين واهنتين تهمس له من وسط دموعها
_ لم تأخرت ،انا احتاج لك كثيرا
فيبادلها الهمس
_ رغماّ عني يانبض القلب ،ولكن الحمدلله انك بخير .. سيكون كل شيء بخير. باذن الله سيكون كل شيء بخير
بعد لحظات احس بجسدها يهدأ فابعدها بلطف عنه ينظر لوجهها فوجدها غارقة بالنوم ..ساعدها على الاستلقاء ثم ضغط زر استدعاء الطبيب
اتى الطبيب إليه فعلم من تعابير وجهه المرتاحة انها استيقظت
اقترب يتفحص نبضها وضغطها ثم استدار نحو لجين قائلا
_ انت طبيب وتعلم ماسيحدث الآن .. مؤشراتها الحيوية ممتازة لكن الصدمة التي تعرضت لها لم تكن هينة انا اقترح ان تعرضها على طبيب نفسي
اومأ برأسه بالإيجاب شاكرا الطبيب
ثم عاد لمراقبتها وهو يعلم أن القادم سيكون أكثر صعوبة عليها وعليه ّ
امسك الهاتف متصلا بسالم ليأتي
اطمأن انها تنام بسلام ثم غادر نحو الغرفة الجانبية ليقابل سالم
….
جلس مع سالم يتحدث معه حول ما سيجري لاحقاً
قال لجين بتعب ظهر جليا على ملامحه
_ انها على وشك الانهيار .. لاأعلم كيف تمكنت من مجابهة كل ذلك لوحدها ، كيف استطاعت ان تتحمل كل ذلك الألم
قال سالم بنبرة صوت فخورة
_ إنها سيدة عظيمة يالجين .. مافعلته زوجتك عجز الكثيرون عن فعله .. تفهم أنني لاأقصد قتلها لغياث ولكن هي كانت السبب في أننا ألقينا القبض على تلك العصبة عدم سماحها بوصول الوثائق التي كان يملكها غياث للجانب الآخر ساهم في اكتشاف الكثير من الأسرار عنهم .. لكن
نظر له لجين نظرة تخبره انه مستعد لسماع مايوجد خلف لكن تلك
أكمل سالم حديثه بعد أن أخذ نفسا عميقا
_ أنت تعلم أن خالد المساعد الاول لغياث تمكن من الفرار وهذا يعني أن السيدة ستكون بخطر فهو ولابد يبحث عنها ، صحيح أن وجودها في السجن وتعرضها للتعذيب كان لصالحها فالغالبية يظنون موتها تحت التعذيب، وهذا ما قمت بتسريبه هنا وهناك عن موت السيدة التي كانت ترافق غياث عند مقتله ، ولكن خالد شخص خطر ومن خلفه أكثر خطراً منه
نظر له لجين نظرات خاوية فهو أكثر من يعلم أي خطر بات يهددهم ، فإن تم إلقاء القبض على البعض فهؤلاء سيكونون كبش فداء ، وسيخرج المتبقون كما تخرج الشعرة من العجين ،دون لي تهم تورطهم ،بل ربما يستغلون كل ماجرى لاظهار صفحتهم اكثر بياضا ً
عاد سالم يكمل سرد ما يود إيصاله للجين وكأنه قرأ أفكاره :
_.العملية نجحت وتمكنا من القاء القبض على الاغلبية ، لكن انا وانت نعلم ان هناك بقية لم تظهر لنا ، ولن نتمكن من معرفتهم فقد استطاعوا حماية انفسهم جيدا ولابد أن خالد لجأ إليهم ..
ابتعد لجين عن زجاج النافذة التي كان يقف قربها متجها نحو المقعد القريب من مقعد سالم
جلس بتعب لم يعد بقادر على إخفائه .. تعب مما حدث معهما طيلة الفترة الماضية ،ومما قاساه من قلق وخوف عليها ، تنهد هامساً
_ حين تستيقظ ستنهار مجددا .. الايام القادمة ستكون صعبة عليها وفوق كل هذا عليّ أن أخفيها وأخفي وجودنا لأضمن سلامتها بعد كل ماجرى
_ هذا ما أود ايصاله لك يا لجين
نظر له لجين مستفهما فلم يدعه سالم ينتظر مطولا وهو يخبره
_ لن تظهرا للعلن مجددا
بغضب قال لجين من بين أسنانه
_ ماذا تعني؟
نظر له سالم برجاء صديق قبل ان يكون رجل أمن
_ لجين أرجوك اسمعني ،انتما ستكونان هدفا سهلا إن علموا أنك وهي لازلتما على قيد الحياة .. العقاب سيكون قاسيا
استقام لجين واقفا يهدر بغضب
_ هل تريد منا ان نختفي كالجبناء ابعد كل ماحدث تريدنا ان نختفي ياسالم
استقام سالم واقفا قبالته قائلا
_ ما عاذ الله ان يتهمكم احد بالجبن بعد ما قدمتماه انت وزوجتك … ولكن فكر بالامر جيدا يالجين .. زوجتك ليست حملا لمواجهة اي شئ بالوضع الحالي ورحلتك معها ستكون شائكة في الفترة القادمة لأن وضعها النفسي متأزم هذا اولا
_وثانيا
استشعر سالم باللين في صوت لجين فاكمل
_ انا وانت نعلم أن هناك متورطين يستطيعون باتصال واحد اخفاءك انت وزوجتك في غياهيب السجون تذوقون العذاب.. الآن هناك تكتم شديد لوجودكما وعدد قليل لا يكاد يتجاوز أصابع اليد الواحدة يعلم بانكما على قيد الحياة لذلك فالفرصة قوية في أن انجح في ابعادكما عن ساحة المعركة هذه قال لجين محاولا ان يسيطر على انفعاله
_ الا تظن وجودها في ذلك السجن لأكثر من خمسة عشر يوما جعل وجودها على قيد الحياة أمرا معلوما لعدد كبير من الأشخاص
قال سالم متفهما للحالة العصيبة التي يمر بها صديقه
_رغم الخطأ الذي حصل وجعلنا نفقد أثرها بعد مقتل غياث لكن الضابط اكد لي ان لا أحد علم بوجودها لديه سوى مرؤوسه .. كان يظنها اجنبية وذلك بسبب الهوية التي كانت تحملها،فأخفى وجودها لديه مستعداً لتحمل تبعات الأمر لأنه يرغب في ان تنال جزاءها دون ان ينقذها احدهم وهو يظنها مجرمة خطيرة، وهذا ما جعله يتخذ كل اجراءاته لمنع تسلل خبر وجودها لديه .. انت بنفسك تعلم كم عانيت لايجادها ولولا أنه سبقني واتصل بي ربما كان بحثي اتخذ مدة أطول ، ومازال لدينا ثالثا ….
بحروف مشددة اكمل سالم حديثه مؤكدا على كل حرف في جملته
_ ثالثا هناك تلك الصغيرة يالجين
نظر له لجين قائلا
_ ماذا تعني
ربت سالم على كتفه قائلا بتأكيد
_ أنا أعلم أنك لن تأخذها بذنب والدها ..ليس لجين من يفعل ذلك
أغمض لجين عينيه قائلا
_ وماذنبها هي ان كان والدها غياث العالم ..
عاد سالم يربت على كتفه قائلا
_ اذن فكر بالأمر ..ليس لدينا الكثير من الوقت . ميرال ليست بحالة جيدة تسمح لها باتخاذ القرار لذلك اعلم ان الامر صعب عليك لكن اطلب منك كصديق لك ان تفكر بالامر
….
قالت وداد باستفهام
_ كيف استطاع سالم اخفاؤهما بعد ذلك
قالت زينة تجيب تساؤلها
_ كان قرارا صعبا اتخذه لجين بنفسه فميرال بعد عودتها من تلك الغيبوبة اتخذت الصمت سبيلا لها والوقت كان ينفذ من بين يديه كما تنفذ حبات الرمل من بين أصابعنا .. وافق على ما اقترحه سالم وخلال وقت قصير كانا قد غادرا البلاد باسم جديد وهوية جديدة ترافقهما الطفلة التي لم يتعد عمرها الأشهر
كل ذلك وميرال تعيش في عزلة اختارتها بنفسها
لم تهتم لطريقة خروجهم من البلاد
لم تهتم لأن تسأل لجين عن أي تفاصيل
كان لجين يراقبها منتظرا انهيارها في اي وقت
كان بحاجة لوجودها بجانبه وهو بات غريبا في منطقة لا يعرف فيها ولايعرفه احد
بحاجة لوجودها بجانب الصغيرة التي تطالب بوجود ام لها وهو رجل قارب الخمسين من العمر لا يعرف كيف يتعامل مع الأطفال
ايقن ان الحل بأن يبحث لها عن طبيبة نفسية وهذا ما كان ،لحسن حظ ميرال كانت تلك الطبيبة
_ أماني
همست بها وداد فأومأت زينة برأسها ايجابا
….
نظرت أماني بتفكير نحو ميرال الجالسة قبالتها بصمت ،جلستهما الثانية ولا جديد مع ميرال ، لقد أخبرها السيد لجين بكل ما مرت به والحالة التي آلت إليها بعد قدومهم هاهنا ، وكيف أن ميرال باتت قليلة الكلام ،فقط تطالب بوجوده الدائم بقربها ،واهتمامها بالصغيرة قليل جداً ، ورغم ذلك لم يجد أي صعوبة في إقناعها بزيارة الطبيبة النفسية
قالت أماني بهدوء وعيناها تدرسان كل حركة تصدر عن الجالسة قبالتها
_ ألن تتحدثي معي ياسيدة ميرال
نظرت لها ميرال نظرة غريبة التقطتها أماني وعلمت أنه قد مر وقت طويل منذ ناداها شخص غريب باسمها الحقيقي
بعد لحظات همست ميرال وعيناها مازالتا مثبتتين
على الطبيبة
_ وماذا يفيد الحديث
بروية أجابتها أماني
_ أنت طبيبة ياميرال وتعلمين أن الحديث يزيل بعضاّ من هموم القلب ، يجعل الأحداث التي مررنا بها تبدو أخف وطأة بعد تحدثنا عنها ،بعد إخراجها من متاهات عقلنا
رفعت ميرال كفيها أمام وجهها تنظر لهما بتمعن وأماني تراقبها ،تراقب حدقتي عينيها المهتزتين بشجن وألم ، همست ميرال بصوت متألم
_ طبيبة ؟ هل تصدقين أن هاتين الكفين اللتين أنقذتا الكثير من الأشخاص ،هما نفسهما من قامتا بقتل إنسان ، وليس أي إنسان ، لقد قامتا بقتل ابن قلبي
دموع تحررت لتسير على وجنتيها الشاحبتين ومازالت عيناها تناظران كفي يدها ، بينما أماني تنظر لها ،تتفهم حالتها ، من يمضي حياته بإنقاذ الناس ،بمساعدتهم على الشفاء والعودة ،يصعب عليه أن يشعر بنفسه قاتلاً .
استقامت أماني من مقعدها خلف الطاولة وجلست قربها على الأريكة ،أمسكت كفي يدها تخفضهما قائلة
_ هاتان الكفان مارستا عملهما بكفاءة ، أنقذتا الكثير من الأرواح بمبضع الجراح الذي كانتا تمسكان به ، زرعتا الأمل في نفوس الكثير ،وأعادتا السعادة للكثير من العائلات
صمتت أماني قليلا ثم أردفت
_ هاتان الكفان نفسهما من مارستا ذات العمل بطريقة مختلفة ، ربما هذه المرة لم تكونا حاملتين للمبضع ولكن رغم ذلك قامتا بذات العمل ، إنقاذ الكثيرين والكثيرين ، إنصار الحق و وقوفهما بوجه الظلم والظالمين ، هذه المرة لم يقتصر الإنقاذ على شخص ينام على سرير العمليات ، بل امتد ليشمل أناس سُرقت أحلامهم ، سُرقت حياتهم ،بل سُرق كل شيء منهم
نظرت ميرال نحوها ،وكانت تلك اللحظة أول مرة تنفجر فيها ميرال بالبكاء بعد ماحدث ، دون تردد ضمتها أماني إليها ،وهي تعلم أن ماتبكيه ميرال الآن ،قهر أيام عصيبة عاشتها بمفردها ، خوف ليالي سهرتها وهي تستمتع لذلك الشر الذي بات متأصلاً في جسد شقيقها ، صعوبة قرار اتخذته وانهت به وجود ذلك الشر
…...
في جلسة أخرى ، كانت ميرال قد استعادت بعضاً من حيوتها ، نظرات عيناها باتت أكثر إشراقا ، وباتت تعامل أماني كصديقة تعرفها منذ سنوات ،
لقد طلبت أماني من لجين أن يكون هو والصغيرة دافعاً لميرال لتعود للحياة مجدداً، فبات يرغمها على الاعتناء بالصغيرة ،لم يعد يسمح للمربية بالتدخل بشؤون الصغيرة والتي كانت تظن أن ميرال تمر بمرحلة كآبة ما بعد الولادة ،وهو أمر قرأت عنه مرات كثيرة
يترك لجين لها الصغيرة ،ويراقبهما من بعيد ، يعلم أن عاطفتها المحبة ستتغلب وستجعلها تعود للحياة لأجل حياة الصغيرة ،وخاصة أن الصغيرة بدأت تتلفظ ببعض الكلمات وإن كانت غير مفهومة

تلفظها بتلك اللحظة بكلمة (ماما) وهي تزحف على ركبتيها مقتربة من ميرال جعل الأخيرة تنظر لها بعيون متسعة ، وذلك اللفظ يفعل بقلبها مايفعله السيل الجارف ، يزيح كل ماكان بدربه ،راسماّ درباً جديداً وحياة جديدة
تلقفتها ميرال بين ذراعيها مبتسمة ،هامسة لها
( ابنتي حياة )

ذلك البريق في عيني ميرال كان يرسم ابتسامة محبة على وجه أماني ، لاتعلم لم أحبتها بذلك الشكل ،بل باتت مقربة إليها جداً ،وكأنهما صديقات منذ سنوات ، قالت أماني راغبة أن تجعل ميرال تتحدث عن آخر حدث يخص حياتها السابقة ،وبذلك تواجه ماحدث بقوة أكبر
_ أخبريني أكثر عن غياث يا ميرال
تبدلت نظرات ميرال لتصبح كسيرة ، احتاجت بعض الوقت لتجيب سؤال أماني قائلة

_هل تعلمين ما كانه غياث بالنسبة إلي أنا ولجين

غياث كان قطعة من قلبي

حملته صغيرا ،خبأته بين أضلعي

وكأنه إبني أنا وليس شقيقي

أراقبه بكل مراحل حياته

محبة له ،فخورة به

حين تلقيت خبر أنني عقيم

نظرت له على أنه تعويض الله لي

منحة وهبها إلي

ولم يكن لجين أقل مني حباً لهذه المنحة

عامله كإبن له

كصديق وأخ صغير

اتساءل دائما أين كان مكمن خطأي في تربيته

ماهو الشئ الذي قصرت به

ولم أقدمه له

ألم يكن حبي كافياً له ،ألم تكن تربيتي صحيحة

اسئلة لاتنفك تدور داخل عقلي

تذكرني بالحال الذي أصبحه في النهاية

هل يمكن للورود ان تنتج أشواكا سامة

اخبريني بالله عليك يا اماني

هل يمكن للقلوب المحبة أن تربي قلوباً آثمة

صمتت تتخذ نفساً عميقاً وذلك الشجن بصوتها جعل الدموع تترقرق في عيني الطبيبة ، لم يطل صمتها وإنما أكملت بصوت بدا أكثر قوة :

حين كان الخيار واجباً

اخترته هو

إنقاذه مما هو فيه كان خياري

ولكن إنعدام الأخلاق والقيم لديه

جعل خياري يكون بأن ينتصر الحق

مهما كان الشخص الظالم قريباً من قلبي

حين ضغطت الزناد لم اقتله فقط يا أماني

بل قتلت جزءا من روحي

اوقفت نبضات قلبي

مع توقف نبضات قلبه

ولكن عاد الله ليمد لي يده بالرحمة

واهباً اياي حياة

لتكون حياتي القادمة

………..

كانت أماني قد انتهت من ترتيب اشياءها حين دلفت اليها مساعدتها تخبرها بوصول السيدة ميرال
نهضت أماني بابتسامة كبيرة تستقبل ضيفتها التي تعرفت عليها منذ ثلاثة أشهر تماما
دخلت ميرال بابتسامة مشرقة بعكس اول مرة رأتها فيها أماني
_ أهلا وسهلا بصديقتي
احتضنتها ميرال بسعادة فهي وجدت لها صديقة تشبه سلافة بمرحها بانطلاقها بحبها للآخرين
كلما نظرت اليها او حدثتها تخيلت نفسها تحدث سلافة
ربما هذا هو السبب الذي جعلها تقبل ان تتحدث معها فهي حين طرح عليها لجين الأمر لم تهتم ووافقت فقط لاجله لكن الأمر اختلف حين قابلتها
وجدت نفسها ترغب بأن تكون هي أمينة أسرارها
رغبت أن تفصح لها عن كل مايدور بداخلها من صراعات
أرادت أن تكون صديقتها
جلست ميرال بعد ان تبادلتا التحية فقالت اماني بابتسامة
_ كيف حال الصغيرة
تألقت عينا ميرال بوهج جديد انعكس ألقا على وجهها وهي تجيب
_ إنها رفقة والدها لجين ، لقد أصر أن يأخذها بنفسه لمتجر الالعاب
_هذا رائع .. انها صغيرة تدخل القلب فورا
علقت أماني على الامر فقالت ميرال والابتسامة لم تفارق وجهها
_ أجل .. أحمد الله كثيرا لانه رزقنا بها بعد كل تلك السنوات .. إنها عطية من الله تعالى لي وللجين
نظرت لها أماني وهي تسألها بانتباه لأي حركة قد تصدر منها
_ هل هذا يعني انك لن تتذكري في يوم من الايام انها ابنة غياث
غامت عينا ميرال بحزن واماني تراقبها تتذكر كيف كانت تنهار حين تتذكر شقيقها أثناء أحاديثهما اما الان فكل مايحدث معها هو تلك النظرة الحزينة التي تخفي خلفها الما كبيرا لايستطيع اي شئ ان يخفيه من أعماقها
_ هي ابنتي وابنة لجين الآن ولكن في أعماقي سأتذكر انها ابنة غياث لاحميها بكل ما أملك ولو كانت روحي الثمن .. ساتذكر انها ابنته لاتمكن من تربيتها بشكل يليق بها هي ، لازرع بقلبها حب الخير والناس ومعنى العطاء ،ليكون إيمانها دافعا لها نحو العطاء ، لتصبح فتاة نفخر بها .. هي ابنتي وابنة لجين .. هي كنزنا يا أماني .. دواء لأرواحنا التي سكنها الالم
ابتسمت أماني وهي تقول بفخر
_ اتعلمين اكثر مايعجبني بك ياميرال .. شخصيتك القوية القادرة على العطاء رغم كل الظروف وكل الصعوبات التي تواجهها ، ما مررت به لم يكن بالامر الهين لكن لانك ميرال تمكنت من المواجهة .. واستمريت بعطاءك اللا محدود
ترقرقت عينا ميرال بالدموع وهي تهمس
_ لن اتجاوز الامر بسهولة اعلم ذلك .. حين تهاجمني تلك الكوابيس استيقظ فزعة .. انظر لاصابع يدي فيخيل لي انهما ملطختان بالدماء .. اتساءل هل حقا أنا قتلته ..قتلت شقيقي يااماني .. بل هو ابني الذي كبر امام عيني .. كيف طاوعني قلبي وفعلها ، لكن حين انظر للصغيرة وهي ترقد بجانبي في سريرها تنعم بالامان الذي حرم منه الكثيرون اهمس لنفسي ان مافعلته كان لابد ان يحدث وانني ابدا لم اكن مخطئة .. يشهد الله أنني حاولت ثنيه عما يفعل وان كل ما أقدمت عليه كان لأجله لكن أبى واستكبر وفي ضلاله غرق أكثر ..
امسكت أماني بكفي يدها المرتجفين وهي تهمس لها
_ انت كنت أكثر قوة من أي امراة قابلتها .. علمت ان الحق هو الذي ينتصر في النهاية وأن الشر وجبت علينا محاربته … انظري للفرصة التي وهبك الله إياها من خلال عودتك لزوجك ولكنزك الصغير .. انت قوية وتستطيعين أن تعلمي صغيرتك كيف تكون قوية مثل والدتها
تقصدت اماني أن تذكر الصغيرة وهي تعي تماما تأثير تلك الكلمة على ميرال
ولم يخب ظنها فقد عادت النظرات المتوهجة لعيني ميرال وهي تهمس
_ اجل
نظرت اماني لميرال المترددة فقالت تشجعها على التحدث
_ ارى انك تودين اخباري بشئ
قالت ميرال بحماس غاب عنها لفترة طويلة
_ لقد فكرت بكلامك المرة الماضية بانه يجب علي ان ابدأ بالعمل من جديد لأنه من الصعب علي أن اعمل كطبيبة
_لم
سألت اماني باستفهام فأجابتها ميرال
_ طالما قررنا أن نبدأ بحياة جديدة ، باسماء جديدة
،و طالما قررنا ان ندفن الماضي في حفرة عميقة ، لذلك فعملي الجديد اريده ان يكون بعيدا تمام البعد عن كل ماله علاقة بعملي السابق
تساءلت اماني عن نوعية العمل الذي ترغب بان تمارسه فاجابتها ميرال
_ حين كنت هنا انتظر دوري في عيادتك المرة الماضية كانت هناك تلك الفتاة التي تحضر مع والدتها المريضة .. انها تعمل بحياكة الصوف .. لقد سمعتها تتحدث إليها تخبرها عن الأشياء التي تود حياكتها .. لقد ذكرتني بوالدتي فالحياكة كانت هوايتها المفضلة ...لذلك فكرت بأن الكثيرات يتقن هذا العمل فلم لايكون مصدر دخل لهن ،هن يعملن بالحياكة ،ومتجري يتكفل ببيع ماينتجنه ، لقد ناقشت لجين بالأمر وكان أكثر من مرحب بالفكرة
كانت اماني تنظر لها بفخر شديد واعجاب كبير
أكملت ميرال شرحها
_ الكثيرات لا يستطعن العمل خارج المنزل لذلك سأطلب منهن أن يقمن بانجاز العمل في منازلهن، وبذلك لايضطرن لترك أطفالهن ، وانا ابيعها عن طريق متجر خاص بتلك المنسوجات
قالت أماني بفخر تجلى في نبرة صوتها العذب
_ إنها فكرة عظيمة جدا .. سيكون مشروعا ناجحا باذن الله .. ان أي عمل نقصد به الخير وافادة الناس سيبارك الله به وسيجعله خيرا لكل أصحابه
ابتسمت ميرال وهي تقول
_ اجل هذا صحيح … اود منك مساعدتي في بعض لأتمكن من البدء بهذه الخطوة
قالت أماني بتأكيد
_ طبعا هذا من دواعي سروري .. لاتعلمين مقدار سعادتي ياميرال وانا اراك بهذا التوهج وهذه الارادة وهذا العطاء ويسعدني كثيرا ان اكون معك في هذا الأمر..
بعد قليل من الوقت كانتا قد اتفقتا على بعض الامور التي تخص مشروع ميرال
استقامت ميرال استعدادا للمغادرة ولكن قبل ان تخرج قالت اماني بضحكة
_ اشعر انك تودين ان تخبريني بشئ اخر .
بادلتها ميرال الضحك قائلة
_ حسنا هناك أمر آخر تسبب بسعادتي هذه .. لقد استطاع سالم أن يوصل لي تسجيلا مرئيا من سلافة صديقتي التي حدثتك عنها والتي اخبرتك انك تشبهينها كثيرا
قالت أماني بسعادة وكأن سعادة ميرال انتقلت لها بالعدوى
_ حقا .. أنا سعيدة أنك تمكنت من معرفة اخبارها
قالت ميرال وهي تحاول أن تتحكم بدموعها
_ يوم قابلتها قبل رحيلنا كنت في عالم آخر تماما .. احزنني ان وداعنا كان بذلك الشكل لاني لم اكن بقادرة على اخبارها كم احبها وكم سأشتاق لها لكن حين وصلني ذلك التسجيل اعادت لي السعادة وهي تخبرني أنها تزوجت جلال وان ابنة سلمى برفقتها لقد تمكن جلال من إقناع شقيقه بضرورة ان تقوم سلافة بتربية الصغيرة ، يمكن لك أن تتخيلي سعادتي بكلامها ذلك .
قالت أماني
_ أجل أستطيع الشعور بتلك السعادة ياميرال
قبل أن تلتفت مغادرة ، رنّ هاتف أماني وكانت المتصلة وداد صديقتها والصحفية المتمرسة بعملها
قالت أماني
_ انتظري قليلا ياميرال سأنهي حديثي مع وداد ،ثم سأحدثك عن كتابها الذي تجمع قصصه من واقع ما تحياه بعض الفتيات ً
…...
وصلت وداد هذه المرة ابكر من المعتاد بناء على طلب زينة التي دعتها لحضور حفل عيد ميلاد الصغيرة حياة
كان الحفل مقتصرا على بعض الأطفال من زملاء الصغيرة في الحضانة
كانت الحديقة مزينة بشكل جميل بالشرائط الملونة والبالونات الجميلة
استقبلتها زينة بحفاوة ثم جلستا معا تراقبان لعب الاطفال
قالت زينة وعيناها تراقبان الصغيرة
_ لقد طلبت من والدها ان يكون الحفل في حديقتي الخاصة … دائما تخبره انها تحب اهتمامه بهذه الحديقة
قالت وداد بابتسامة
_ انه يهتم بها لاجلك … لقد شعرت انه انتقى كل وردة لأجلك انت وكأنه يعوضك عن شئ ما
ابتسمت زينة وقد فهمت ماترمي اليه وداد لكنها حاولت تغيير الموضوع وهي تقول
_ لقد وصلت الحكاية لنهايتها ياسيدة وداد
قالت وداد
_ اخالفك الرأي هذه المرة ياسيدة زينة فالحكاية بدأت الآن مع حياة جديدة تنير درب ميرال ولجين ..يحزنني ان ميرال اضطرت لان تختفي وتبتعد عن حياتها السابقة لكن اعتقد انها قامت بواجبها على اكمل وجه وآن لها ان ترتاح وتنعم بالسعادة
قاطع حديثهما صوت الصغيرة التي ارتمت
بين ذراعي والدتها قائلة
_ هيا اين الحلوى التي صنعتها لي
اتاها صوت والدها الذي يحمل من الحنان الكثير يتقدم منهم وبين يديه قالب الحلوى الذي صنع خصيصا لها
_ هاقد احضرتها انا
قفزت الصغيرة نحو والدها ومن حولها تجمع اصدقائها وكذلك زينة ووداد
يغنون لها اغنية عيد الميلاد فيما تراقب وداد وجوههم العامرة بالسعادة
امسكت هاتف زينة بناء على طلب الصغيرة التي همست لها
_ اريد صورة مع امي وابي
التقطت وداد لهم الصورة وكلها امل بأن الحياة تهبنا فرصة للعيش بسعادة وهم اجادوا استغلالها
امسكت حقيبتها ثم اقتربت من زينة مودعة
_ كنت أكثر من سعيدة بسماع القصة منك .. كنت شجاعة بشكل لايوصف حين قررت سردها … تحملتي غضبي وتسرعي بالحكم … بالنهاية انت تستحقين هذا التعويض على كل ما مررت به …
ثم نظرت نحو الصغيرة التي تراقص والدها
_ أنتما تستحقان حياة وتستحقان هذا التعويض الإلهي
ثم استدارت مغادرة مع ابتسامة جميلة تزين ثغرها بينما نظرت زينة باثرها بذات الابتسامة وقد علمت ان وداد لم يخفي عليها هويتها الحقيقية

الخاطرة اهداء من جميلتي هند الفايد

تاه الدرب مني.. وتعثرت،
وفقدت كل معالم الطرقِ.. وتغربت،
ومشيت أحثُ الخُطى.. حتى وصلت.

أنا مَن لامتها نفسها ورغم الوجعِ تابعت،
واشتدّ مِن حولها الحصار وظنوا قواها خارت لكنها ما استسلمت،
وحين ظنت أن الدنيا ضاقت فُتِّحَت الأبواب وفُرِّجَت.

سأخُط نصري وأُشهِر رايتي،
ما عاد يُرضيني اليأس في الشدائدِ.
سأجوب البِقاع وأرفع جبهتي،
وأُبطِل السحر والمكائدِ.
سأكتب إسمي وأُعلن هويتي،
ما عاد الخوف يأتي إلا بالفوائدِ.

تمت بحمد الله وفضله


فاتن منصور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-10-20, 11:04 PM   #17

sam2001
 
الصورة الرمزية sam2001

? العضوٌ??? » 165263
?  التسِجيلٌ » Mar 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,479
?  نُقآطِيْ » sam2001 is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

sam2001 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 09:11 AM   #18

حزينة جدا

? العضوٌ??? » 365994
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 209
?  نُقآطِيْ » حزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond repute
افتراضي

جميله جدا تسلمي 😘😘

حزينة جدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-10-20, 09:51 AM   #19

حزينة جدا

? العضوٌ??? » 365994
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 209
?  نُقآطِيْ » حزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond reputeحزينة جدا has a reputation beyond repute
افتراضي

جميله جدا تسلمي 😘😘

حزينة جدا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-20, 05:11 PM   #20

funy19

? العضوٌ??? » 36652
?  التسِجيلٌ » Aug 2008
? مشَارَ?اتْي » 3,009
?  نُقآطِيْ » funy19 is on a distinguished road
افتراضي

Thaaaaaaaaaaaaaaaaaanks

funy19 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:30 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.