16-10-20, 03:15 PM | #1 | |||||||||||
مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| أكتوبر ... وأنا أكتوبر وأنا ********** (مقال جديد ينشر لأول مرة) كنا فى بدايات العام الدراسى، أيام الثانوية العامة، ذلك البعبع الذى كان وما زال وسيظل علامة فاصلة، فى حياة كل دارس، وكانت الأمور، منذ عام 1967م، تسير على وتيرة واحدة.. إحساس بالهزيمة والعار يملأ النفوس، وجوه وعيون منكسرة، نفوس بائسة، شعور عام بالقلق والخوف وعدم الأمان، متمثلاً فى ذلك الطلاء الأزرق، الذى يخفى زجاج كل النوافذ، وقوات الدفاع المدنى، المنتشرة فى كل مكان، وتلك الجدران من الطوب الأحمر الجاف، التى تحمل مداخل البنايات، وأجولة الرمال التى تحمى المبانى الحكومية ... كل شئ كان يقترن بالحرب والقلق والصراع.. قنابل إسرائيلية تحصد أرواح أبناء الشعب، فى بحر البقر، وأبى زعبل، والبرلس وغيرها، وطلاب ثائرون، يطالبون بالمعركة والثأر، والسعى لتحرير الأرض المحتلة فى سيناء وخطب عصماء، نسمعها فى الإذاعة والتليفزيون، وحظر للصحف والمجلات، والكتب، وحتى أفلام السينما الأمريكية، وأنباء عن قتال هنا أو هناك، فى أخبار متفرِّقة متقطعة ... ثم، وفى يوم السادس من أكتوبر، وبينما أعد حقيبتى، بعد عودتى من المدرسة، فوجئت بوالدى رحمه الله يعود إلى المنزل مبكراً، فى غير الأوقات التى اعتاد العودة فيها، وهو يخبرنا فى حماس أن هناك أخبار عن قتال على جبهة القناة، وعبور لقواتنا هناك ... كانت مفاجأة، استقبلناها كلنا بتحفظ شديد، وتساؤل كبير، ولكننا فتحنا الراديو، وجلسنا نتابع ما يذيعه ... وفجأة، أعلن المذيع أن العلم المصرى قد ارتفع، على الجانب الشرقى لقناة السويس، وفى اللحظة نفسها، سمعت هتاف وصراخ الناس فى الشوارع ... فرحة عارمة مجنونة أصابت الجميع ... إحساس بالظفر، لأوَّل مرة منذ سنوات طوال ... وفى انفعال طبيعى نزلت إلى الشارع، وشاهدت، وتفرَّجت. .. شاهدت تلك الوجوه الشاحبة وقد تورَّدت بفرحة النصر، والعيون المنكسرة تألَّقت بزهوة الفخر، والنفوس اليائسة البائسة وقد أشرقت بحلاوة الإحساس بالعبور ... الجنود كانوا يهتفون الله أكبر على الجبهة، والناس، دون حتى أن تسمعهم، تُردِّد الهتاف نفسه فى المدن والقرى والنجوع. .. ولم يأت المساء، حتى كانت مصر كلها تتفجَّر بحماس، لم أره قبلها أو بعدها قط ... التليفزيون بدأ يعرض صور العبور، والعلم المصرى وهو يرتفع فوق الضفة الشرقية للقناة، وطوابير الأسرى الإسرائيليين منكسى الرأس ... ودون اتفاق مسبق، ومع شعور مدهش بالنصر، توقفت الجرائم تماماً فى تلك الفترة. .. لا سرقات، أو مشاجرات، أو حتى مخالفات مرور … حتى اللصوص والبلطجية شعروا بالنصر وتفاعلوا معه ... وعلى عكس أيام النكسة، كان الناس يصدقون كل البيانات العسكرية، التى تصدرها الدولة، ويتفاعلون معها، بل إن بعضهم كان يراها متواضعة، بالنسبة لما يجرى تحقيقه بالفعل ... صديق لى؛ يمتلك والده مطبعة صغيرة فى بلدتى (طنطا)، أخبرنى فى حماس أن البيانات العسكرية تهوِّن من كميات الخسائر الإسرائيلية؛ حتى لا تعوض أمريكا الإسرائيليين عنها. .. كلنا تقريباً تطوَّعنا فى الدفاع المدنى، ورحنا نتلقى التدريبات القتالية والدفاعية ... وعندما أعلن الراديو والتليفزيون عن حاجة المصابين للدم، تسابقنا كلنا إلى مراكز التبرُّع بالدم، ووقفنا فى طوابير طويلة، لنمنح دما للمصابين من جنودنا وأشقائنا ... أنا وحدى تبرَّعت بالدم ثلاث مرات فى أسبوع واحد، وكذبت على طاقم الأطباء مرتين؛ حتى يمكننى التبرُّع أكثر من مرة. .. علبة من المربى كانوا يعطونها لكل متبرِّع، وكنت ورفاقى نرى أن أخذها عار ما بعده عار فكل قرش نأخذه من الدولة يحرمها من ثمن رصاصة، يمكن أن تستقر فى قلوب الأعداء ... كنا جميعاً متشوقون للنصر، فرحون به، مزهوون بتطوراته ... حتى عندما أعلنوا وقف إطلاق النار، رأينا أن هذا لأن الإسرائيليين لم يعد باستطاعتهم تحمُّل الاستمرار وكلما رأينا العلم المصرى، كنا نتوقَّف، ونؤدّى التحية، بكل الاحترام والتقدير والحماس، وعلى نحو قد يبدو هزلياً، لمن لم يعش تلك الأيام العظيمة ... أيام أكتوبر 1973م ... أستعيد هذه الذكريات بمناسبة مرور أربعة وأربعون عاماً على النصر ... النصر الذى يحاول العديدون مهاجمته ومحوه، فقط لأنهم غاضبون من نظام، أو فترة حكم. .. ولكن أكتوبر سيظل نصراً فى ذاكرتى وتاريخى، وفى ذاكرة وتاريخ مصر، وإن كره الانهزاميون والحاقدون ... فالنصر شعور لا يمحوه الزمن … شعور أبدى … شعور هو فخر أمة … أمة لها اسم، ما زال يهز كيانى ويلهب وجودى، كلما نطقته أو كتبته … اسم الوطن ... مصر.. * * * د.نبيل فاروق | |||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|