آخر 10 مشاركات
رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          339 - على ضفاف الرحيل - آن ويل (الكاتـب : سيرينا - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          *&* هنا يتم الابلاغ عن الكتابات المخالفة للقوانين + أي استفسار أو ملاحظه *&** (الكاتـب : سعود2001 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree65Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-11-20, 01:56 PM   #11

أم همس

? العضوٌ??? » 442182
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 160
?  نُقآطِيْ » أم همس is on a distinguished road
افتراضي


شكرا على الرواية الجميلة من عنوانها جذبتنى تسلمى

أم همس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 04:16 PM   #12

Aya-Tarek

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 420321
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 516
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Aya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك rotana
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مشمش مندلينا مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
منورة يا قمر
يا رب الرواية تعجبك


Aya-Tarek غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-11-20, 10:09 PM   #13

Aya-Tarek

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 420321
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 516
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Aya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك rotana
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء حسن ادريس مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته مشكوره علي جهودكم روايه جميله الف شكر
شكرا
يا رب تعجبك للاخر


Aya-Tarek غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-20, 12:06 AM   #14

Dina Mohmed

? العضوٌ??? » 457730
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 118
?  نُقآطِيْ » Dina Mohmed is on a distinguished road
افتراضي

شكراا شكراا كت ييير....

Dina Mohmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-11-20, 09:26 PM   #15

Aya-Tarek

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 420321
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 516
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Aya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك rotana
افتراضي


الفصل الثاني
أوقف سيارته أمام منزلها بعد أن اتفقا و دفعا مقدماً لمعظم أثاث منزلهما، و لم يعد يتبقى سوى إرسال الأثاث إلى المنزل.
ترجل هيثم من السيارة أولاً، و لكنه توقف أمامها منتظراً ترجل شقيقته.
فهتف ماهر بغضب: «هل يعجبكِ ما يفعله شقيقكِ؟»
لم تعلم بما ترد عليه، فلقد استفزه شقيقها إلى أبعد حد أثناء اليوم، و هي نفسها تعجبت من سيطرة ماهر على نفسه و عدم الانسياق إلى استفزازات هيثم.
«اعتذر حبيبي، لقد كان فظاً معك اليوم اعلم، و لكنني أعدك أنه سيكفّ عن هذه التصرفات الطفولية، سأتحدث معه بنفسي»
هتف بضيق: «لا أريد سوى ابتعاده عني، ألا يتحدث معي!»
تسلل الحزن إلى قلبها، و همست بعدم رضى: «و لكنه شقيقي ماهر، لا أريد أن يكون بينكما أي خلاف»
سارع مدافعاً عن نفسه: «هذا الكلام تقوليه له و ليس لي، فكل ما أفعله أو أقوله رد فعل على تصرفاته!»
همست معترفة: «معك حق»
لاحظ حزنها فتنهد بضيق، ثم التقط كفيها، قبّل كلاً منهما بحب، و قال مراضياً إياها: «أنا لست غاضباً منه من أجلكِ فقط»
رفع نظراته إليها، و تابع: «لذا أريني ابتسامتكِ التي أعشقها»
أما هيثم؛ فعندما لاحظ اقتراب هذا الفظ من شقيقته، طرق على النافذة بقوة مفزعاً إياهما، و عندما نظرا إليه، أشار إلى لمياء لتترجل من السيارة..
فنظرت إلى خطيبها باعتذار، و ترجلت مستجيبة إلى أمر شقيقها.
زفر ماهر أنفاسه بعصبية، أدار سيارته متحركاً من أمام بيتها..
صدح صوت هاتفه ليطرق على جبينه متذكراً ما طلبه من صديقه، فسب هيثم المستفز المتطفل الذي أفسد عليه يومه مع حبيبته.
فتح الخط، ليقول بأسف: «اعتذر عصام حقاً نسيت»
تفاجأ صديقه من كلماته، ليقول ببلاهة: «نسيت ماذا يا رجل؟!
نسيت مفاجأة أعددتها لحبيبتك!»
هتف غير قادر على السيطرة على أعصابه أكثر: «شقيقها المستفز خرج معنا، و لم يتركنا للحظة، تخيّل أنني حتى لم أتحدث معها كلمتين على بعضهما»
حاول عصام تهدأته، فقال: «حسناً حسناً لا تغضب، لديكما مستقبل كامل لتستمتعا فيه»
هتف ماهر بسخرية: «في وجود شقيقها!
لا اعتقد ذلك»
ضحك عصام و قال: «شقيقها لن يجلس معكما في منزلكما، لذا تفاءل خيراً»
تنهد ماهر ثم اعتذر من صديقه مرة أخرى: «سامحني عصام، أتعبتك معي دون فائدة»
قال عصام بحب أخوي: «لا تقل هذا يا رجل، و إن احتجت أي شيء أنا موجود»
ابتسم ماهر، شكر صديقه المقرب، ثم أُغلق الخط معه و لازال بداخله ناقماً على هيثم.
**********
بعد أن بدّلت ملابسها؛ اتجهت إلى غرفة شقيقها، فلابد من حوار حازم معه يوضح له حدوده في التعامل مع خطيبها!
طرقت الباب، و دخلت الغرفة بعد أن سمح لها.
ألقى هاتفه بلا مبالاة، قفز من على سريره، قائلاً بترحيب مرح:
«حلوة الحلوات و جميلة الجميلات في غرفتي المتواضعة، حللتِ أهلاً و وطئتِ سهلاً، أنرتِ الغرفة بوجودكِ»
على الرغم من غضبها من تصرفاته، إلا أنها لم تستطع السيطرة على ضحكاتها من كلماته، لتنفجر ضاحكة، فيبتسم بقوة و يقترب منها ساحباً إياها لتجلس بجانبه.
«ما أجمل ضحكتكِ يا أحلى الفتيات»
تمالكت نفسها و عقلها يحثها على الحديث فيما جاءت من أجله، فعبست بملامحها بطريقة أثارت دهشته، زحفت مبتعدة عنه، و هي تقول:
«لا تحاول، أنا غاضبة منك»
عبس بملامحه، فكله إلا غضبها منه، فهتف: «مني أنا!
لِمَ؟»
هتفت بعتاب: «ألا تعلم، أم تجد تصرفاتك مع ماهر طبيعية؟!»
عقد حاجبيه بضيق، و قال: «ماهر!
أنتِ غاضبة مني بسببه!»
قالت بنبرة قوية: «نعم، و هل تعتقد ما فعلته معه بسيطاً؟
أنت تتعامل معه بفظاظة شديدة و لا تحترمه»
هتف محاولاً التهرب من عتابها: «صحيح أنا الفظ الوقح الذي أتعامل معه بعدم احترام، و هو ملاك برئ يضعني فوق رأسه!»
قاطعته بنفس النبرة: «اصمت، تصرفاته كلها رد فعل على أفعالك، و أنت تعلم ذلك جيداً»
تنهدت، ثم قالت بهدوء محاولة السيطرة على غضبها: «هيثم، أنت شقيقي و حبيبي، و ماهر سيصبح زوجي، و أنا لا أريد أن يكون هناك نزاع بينكما، لذا أرجوك لا تستفزه، تقبّل وجوده من أجلي كما يفعل هو»
و كيف سيتقبّل وجوده و هو يكرهه؟
لم يكن موافقاً من الأساس أن يكون هذا الرجل زوجاً لشقيقته، يرى أنه غير مناسب لها، و صرح برفضه و اعتراضه لوالده، إلا أنه لم يهتم برأيه، فهو مازال صغيراً لا يفهم في هذه الأمور!
تابعت و كأنها تقرأ أفكاره: «اعلم أنك لم تكن موافقاً عليه، فوالدي أخبرني بهذا عندما أعلنت موافقتي، و مع أنني لا اعلم أسباب رفضك، إلا أنك عليك التعايش مع الأمر الواقع و تقبّل وجوده في حياتي!»
صمتت لثواني، ثم تابعت: «إن كنت تحبني لا تفتعل المشاكل مع ماهر مرة أخرى، لقد تعبت»
أطرق برأسه بضيق، لا يحبه، لا يتحمل وجوده في حياتهم دون سبب!
و في نفس الوقت يعشق شقيقته، يتمنى لها الراحة و السعادة، لا يريدها غاضبة منه!
«أنا لم ارتاح له منذ أن طرق بابنا و طلب يدكِ، لا اشعر أنه الشخص الذي سيمنحكِ السعادة التي تستحقينها، لا استطيع تجاهل مشاعري، و لكنني في نفس الوقت لا استطيع رؤيتكِ غاضبة أو تعيسة، لذا أنا سأتجاهله تماماً، لن استفزه، و لكنني أيضاً لن أتعامل معه ببساطة و أتقبّل وجوده، سأعتبره غير موجود»
و هذا يكفي في الوقت الحالي، و بالتأكيد ستتحسن الأوضاع بينهما مع مرور الأيام.
لذا دنت منه مقبّلة إياه، ثم قالت بامتنان: «هذا ما كنت أتوقعه منك يا أفضل أخ»
قبّلها بدوره، ثم دعى بصدق: «ليمنحكِ الله السعادة حبيبتي»
تمتمت ب (أمين) قبل أن تتمنى له ليلة سعيدة و تغادر غرفته.
**********
تأكدت من أن الفيلم الموجود في آلة التصوير جديد حتى تستطيع تصوير أكبر عدد من الصور، و من ثم نشرها و فضح هؤلاء الناس الذين لا يرغبوا سوى في تدمير شباب بلدها!
علقت آلة التصوير على رقبتها، التقطت هاتفها لتضعه في جيب سروالها الخلفي، ثم خرجت من غرفتها تاركة حقيبتها خلفها حتى لا تعيق حركتها.
تحركت ببطء و حذر حريصة على ألا تصدر صوتاً حتى لا ينتبه لها والديها و يمنعاها عن الخروج!
تنهدت براحة عندما وصلت إلى باب المنزل، كادت أن تفتحه لولا الصوت الذي جاء من خلفها:
«إلى أين ستذهبين في هذا الوقت براءة؟»
التفتت إلى والدها و على شفتيها ابتسامة بريئة، و قالت:
«نعم أبي»
لوى والدها شفتيه مدركاً أن ابنته في طريقها لارتكاب مصيبة جديدة!
«أنعم الله عليكِ بُنيتي، أسألكِ إلى أين ستذهبين في هذا الوقت؟»
عمل عقلها سريعاً، فيالتأكيد لن تخبر والدها عن وجهتها الحقيقية!
فقالت بكذب: «أممم أبي، لقد هاتفتني ريمو، هي تشعر بالتعب و لا أحد معها في المنزل، فسأذهب لأهتم بها»
سألها والدها بشك: «و لِمَ آلة التصوير معكِ؟»
هتفت على عجل حتى لا يكتشف كذبتها: «لأنني سأذهب من بيتها على الجريدة مباشرة، يجب أن أغادر الآن، إلى اللقاء»
غادرت المنزل بسرعة قبل أن يطرح عليها المزيد من الاسئلة.
فتنهد بيأس من عنادها، يدعو الله أن يحفظها و ألا يصيبها سوءً.
**********
صباح اليوم التالي
كان خبرها في الصفحة الأولى في الجريدة، تحت عنوان
(شحنة مخدرات جديدة تدخل إلى بلادنا دون أن تتدخل وزارة الداخلية للقبض على مستوردها..
تُرى مَن المسئول عن تدمير شباب بلادنا؟!)
ألقى الجريدة بإهمال، جز على أسنانه بغضب، أخرج سيجارة ليشعلها و ينفسّ دخانها بتوتر.
الكلمات التي قرأها لازالت تتراءى أمامه.
رُباه، إنها ليست كلمات فقط، بل صور، صور موثقة لكل ما حدث!
هذه الحقيرة فضحتهم..
لا يعلم كيف علمت بموعد و مكان التسليم، في حين أن الداخلية نفسها لم تعلم!
التقط هاتفه ليتصل بابنه للمرة التي لا يعلم عددها..
و ككل مرة، لم يأتِه رداً!
«تباً.. تباً، أين أنت؟
هل ينقصني اختفائك الآن؟»
ألقى الهاتف بقوة غير مبالي بمصيره، كل ما يشغل باله فضيحته في الجرائد، و إن كانت هذه الفضيحة غير علنية، و لم يعرف أحد حتى الآن أنه صاحب شحنة المخدرات!
تسرب إليه بعض الارتياح و هو يرى ابنه يدخل عليه.
«أين كنت؟
لِمَ لا تجيب على هاتفك؟»
جلس ابنه على المقعد المقابل باسترخاء، يريح جسده بعد ليلة مرهقة، ثم همس بعد فترة:
«ما بك أبي؟
لِمَ كل هذا الغضب؟»
صاح والده بخوف ملحوظ: «طالما تسأل فأنت لا تعلم بالمصيبة التي نُشِرت، تفضل و اخبرني يرأيك»
و أرفق كلماته الأخيرة بإلقاء الجريدة على ابنه.
نظر الأخير إلى ما كُتِب بلا مبالاة، ثم ألقي الجريدة، و قال ببرود:
«هذا ما يثير غضبك!»
تفاجأ الرجل من برود ابنه و لا مبالاته، و كأنهما غير مهددين بالقبض عليهما!
«أتراه شيئاً بسيطاً؟
هذه الشحنة التي استلمتها أنت أمس»
هتف ولده باستنكار: «أنا!
أنا لم استلم أي شئ!»
توسعت عينا والده بغضب، و صاح: «ماذا؟»
تباً، لِمَ والده لا يفهمه؟!
«هل ظهرت صوري في هذا المقال السخيف أبي؟
هل يعلم أحد بأن هذه الشحنة تخصنا؟
الإجابة هي لا، لذا لا داعي لكل هذا القلق»
كلامه طمأنه لا ينكر هذا، و لكنه لازال يخشى من أمر آخر.
«و ماذا عن الرجال التي عُرِضت صورهم؟
ماذا إن تم القبض عليهم؟»
طمأنه ولده بضجر، و قد بدأ يمل من هذا الحديث: «لن يكون هناك أثر لأي منهم أبي، و حتى إن تم القبض على أحدهم، فلن ينطق بكلمة عنا، لذا لا تقلق»
ثم نهض قائلاً بتعب: «سأعود إلى البيت، فلقد كانت ليلة طويلة و مرهقة، و لم آتي إلى هنا إلا لأطمئنك على تسليم الشحنة»
أشار له والده بالذهاب و عقله شارد فيما حدث، و في نفس الوقت معجب بذكاء ابنه في السيطرة على الأمور.
**********
ألقى الجريدة بعنف، وجهه يبرق بغضب، طرق على مكتبه بقوة، صائحاً في الواقف أمامه:
«فشل وزارة الداخلية!
نحن فاشلون!»
حاول الآخر تهدئته، ليقاطعه رئيسه: «مَن المسئول عن تدمير شباب بلادنا؟!
أتعلم معنى هذه الجملة سيادة الرائد؟
هذه الصحفية تتهمنا بإهمال عملنا، لا بل هي تتهمنا أننا نساعد المجرمين في إدخال المخدرات إلى البلد!»
طرق على المكتب مرة أخرى بعصبية، و سأل الواقف أمامه: «كيف حدث هذا أجبني؟
ألم تكن ستقبض عليهم أمس؟!»
ابتلع الرائد ريقه بتوتر، أطرق برأسه هاتفاً: «لم يكن هناك أحد، انتظرنا حتى الفجر و لم يأتِ أحد، و لم نلاحظ أي حركة غريبة!»
ضحك رئيسه بسخرية، حرك وجهه يميناً و يساراً، لقد وقعوا في الفخ، هؤلاء المجرمون سبقوهم بخطوة، توقعوا حركتهم القادمة؛ و عليه ذهب رجاله أمس إلى مكان آخر، بعيد كل البعد عن مكان التسليم.
«هه، نحن بكل تحرياتنا و أعمالنا الماضية لم نستطع القبض عليهم»
ثم على صوته و هو يرفع الجريدة، مشيراً إلى اسم براءة المدون بخط عريض:
«و هذه الصحفية و دون أدنى جهد، ذهبت و صورت و كتبت، و بكل جرأة تتهمنا بالإهمال»
استعاد الرائد صلابته، استقام بجسده، ملامحه الخشنة مغلفة بقسوة، عيناه الداكنة تتوعد كل مَن ينوي أذيّة الوطن أو شبابه، نظر في عيني رئيسه، و قال بوعد يقسم بداخله على تنفيذه:
«أعدك أنه سيتم القبض عليهم في أقرب وقت سيدي، لن ارتاح إلا عندما أراهم خلف القضبان»
دلك رئيسه جبينه، و قال بخفوت: «عُد و جد الخطأ الذي ارتكبته و أفشل مهمتك يا سيادة الرائد..
أريد التخلصّ من هذه القضية في أقرب وقت»
أدى شريف التحية العسكرية، ثم خرج من مكتب رئيسه..
ملسّ على شعره الأسود المجعد بتعب.
تباً، إنها أول مهمة يفشل فيها، بل هي أول مرة يوبخه رئيسه على عمله، لطالما كان نموذجاً للضابط المنضبط الناجح في عمله، الكل يشيد به و بكفاءته..
كفاءته تلك التي كانت السبب الرئيسي لتوليه هذه المهمة بعد فشل زملائه و إخفاقهم في القبض على موردي المخدرات، و هو اليوم انضم إليهم!
لقد اعتقد أن رئيسه سيفعل معه كما فعل مع مَن قبله؛ سيسحب منه ملف القضية، و قد كان يحضّر نفسه نفسياً لاستقبال هذا الخبر..
لكنه أعطاه فرصة أخرى ليثبت أنه فعلاً من أكفأ الضباط، و سيكون غبياً إن لم يستغلها!
دخل مكتبه و خلفه أحد العساكر الذين يعملون معه في القضية، ليلتفت إليه آمراً:
«أريد عنوان الصحفية براءة جلال الدين حالاً»
خرج العسكري بسرعة بعد أن قال: «أمرك سيدي»
نزع عنه سترته و ألقاها بإهمال، جلس و التقط تلك الجريدة، قرأ مقالها مرة أخرى مستخرجاً الحروف المخفية بين الأسطر، عله يفهم كيف استطاعت تلك الفتاة الوصول إلى ما فشل هو فيه؟!
**********
أذعنت لرغبة السيدة مُنيرة؛ فلقد طلبت منها الأخيرة أن يذهبا إلى تلك المناطق العشوائية بسيارة واحدة..
و لأنها لا تبالي بهذا كثيراً، فلا فرق في الذهاب بأي سيارة طالما في الأخير ستساعد مَن يحتاجون، وافقت على طلبها.
نهضت السيدة مُنيرة قائلة: «ما رأيكِ أن نذهب الآن حبيبتي حتى لا نتأخر؟»
نهضت حورية بدورها قائلة: «أنا جاهزة سيدتي»
خرجا معاً، حورية تتوقع أن السائق مَن سيقلهما إلى وجهتهما، إلا أنها تفاجئت بالسيدة مُنيرة تفتح باب السيارة الأمامي، تجلس على المقعد بكل أريحية.
جمدت مكانها لثواني لا تُعد، قبل أن تُخرج مُنيرة رأسها من النافذة، هاتفة بتعجب:
«حبيبتي، لِمَ تقفين عندكِ؟
هيا اصعدي كي لا نتأخر»
حسناً و ما المشكلة إن ركبت مع شاب غريب السيارة؟
فهي في كثير من الأحيان تستقل سيارات الأجرة، و سائقيها الله أعلم بحالهم، فليس جميعهم يتمتعون بأخلاق جيدة..
كما أن السيدة مُنيرة ستكون معها و لن تكون لحالها، لذا حسمت قرارها و صعدت إلى السيارة.
«السلام عليكم»
همسة خرجت منها، و عيناها لم ترتفع لذلك الذي يجلس على مقعد القيادة، إلا أن صوته الرجولي وصلها:
«و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته»
بتلقائية ملسّت على فروة شعرها؛ كعادتها عندما تحتاج لتذكّر شئ، و هي الآن تُحاول تذكّر أين سمعت هذا الصوت من قبل؟!
«كيف حالكِ آنسة حورية؟»
سألها و عيناه مثبتة على وجهها المُطرق..
قبل أن ترفعه، فتتلاقي نظراتهما..
لحظات قضياها يتأملان بعضهما، عيناه غرقت في عسل عينيها الصافي دون إرادة منه، فلم يستطع النجاة.
و عيناها أُسِرت بنظراته الجريئة، فتوردت وجنتاها بخجل، و شعور غريب يُزغزغ قلبها.
«تحرك بُنيّ، لا نريد أن نتأخر»
قالت مُنيرة هذه الكلمات مبتسمة بسعادة لشعورها بانجذاب ابنها إلى حورية.
حورية..
لقد دعى الفتاة باسمها فور أن صعدت إلى السيارة، مع أنها لم تعرفهما من قبل!
«هل تعرف حورية كمال؟»
تنحنح مبعداً نظراته عن تلك الحورية التي في كل مرة تجذبه بشكل غريب.
أدار محرك السيارة، ليتحرك و هو يجيب والدته: «التقيت بها في حفل السيد جمال»
و هكذا بدأ التعارف و الانجذاب، و لم يتبقى سوى أن تنمو مشاعرهما، و من ثم يعترفان بحبهما لبعضهما.
هذا ما كان يجول في خاطر مُنيرة، متمنية سقوط ابنها في بحر الهوى و زواجه من حورية بعد سنوات أزاح فيها هذا الموضوع عن عقله!
«و هل تعرف أنها مهتمة جداً بمساعدة الفقراء؟
ليس هذا فقط، بل أنها بذلت مجهوداً كبيراً لتساعدنا»
و لأول مرة لا يعرف ما يقول أو بما يرد، فهمس و عيناه تتجه إلى حورية مرة أخرى:
«جيد، شكراً لكِ»
كلمات بسيطة مختصرة، إلا أنها ما وجدها على لسانه في تلك اللحظة.
و بعدها سيطر الصمت على ثلاثتهم، على الرغم من محاولات مُنيرة المستميتة لخلق حوار بين الشابين، إلا أن حورية كانت ترد باقتضاب خجول، و كمال كان شارداً في مشاعر افتقدها منذ زمن!
«قف هنا رجاءً»
اتجهت نظراته إليها بحيرة، فمن المستحيل أن تكون هذه المنطقة هي وجهتهما!
«هل وصلنا؟»
أوضحت قائلة: «تقريباً، علينا السير في شوارع فرعية لنصل؛ لأن السيارة لن تدخلها»
أومأ متفهماً، ففي العادة تكون هذه الشوارع ضيقة أو مزدحمة بالناس لدرجة لا تستوعب دخول سيارة للداخل.
أوقف سيارته على جانب الطريق، ليترجلوا جميعاً ثم يغلقها، و يتابعوا طريقهم سيراً على الأقدام.
استغرق سيرهم حوالي النصف ساعة، قبل أن يدخلوا حارة صغيرة ذي مباني قديمة تبدو على وشك السقوط، نساءها يجلسنّ على درجات المنزل أو في الشرفات، يتحدثنّ بأصوات عالية عمّا حدث مع فُلانة و علانة، بينما تخلى القليل منهنّ عن هذه الجلسة الهامة للاهتمام بشئون المنزل.
في حين أن الأطفال كانوا يلعبون و يلهون أمامهن.
و حينما ظهرت أمامهم حورية، أسرعوا الأطفال إليها مرحبين بها بسعادة.
لم يقاوم كمال نفسه أمامهم نظراً لحبه الشديد للأطفال، فجثى على ركبتيه و أخذ يتحدث معهم و يبتسم لهم بحنو.
رفع رأسه إلى والدته، قائلاً بابتسامة واسعة: «أمي، اذهبي أنتِ مع الآنسة و تفحصا المنازل و ما تحتاجه، و أنا سأبقى هنا مع الأطفال»
زمّت السيدة مُنيرة شفتيها بعدم رضى، لقد كانت تطمح أن يقضي كمال مع حورية أطول فترة ممكنة، و لكن هكذا لن يقضي معها سوى بضع دقائق أثناء طريق العودة..
و في نفس الوقت لا تستطيع أمره بأن يذهب معهما، فطالما قال ولدها كلمة لن يتراجع عنها، فزفرت مستسلمة و تحركت مع حورية.
**********
طرق باب منزلها منتظراً بنفاذ صبر، لقد فضّل المجئ إليها بنفسه و التحدث معها بدلاً من أن إرسال مَن يأتي بها إليه!
فُتِح الباب، لتظهر من خلفه إمرأة تبدو في عقدها الرابع، مرتدية جلباب بيتي واسع، تلف حول وجهها الحجاب بإهمال.
أخرج بطاقته واضعاً إياها نصب عينيها، تزامناً مع كلماته:
«الرائد شريف الشرقاوي، من مكافحة المخدرات»
توسعت عينا السيدة بفزع و هي ترى بنيته القوية و تسمع نبرته الحادة؛ بالإضافة إلى وظيفته!
تُرى ماذا يفعل ضابط مكافحة المخدرات في منزلها؟
ليأتيها الرد دون أن تفصح عن السؤال، و كأنه يقرأ أفكارها!
«جئت لأقابل الآنسة براءة»
اشتد فزعها، صدحت نبرتها المرتبكة: «براءة.. ابنتي؟»
التوى فمه بسخرية إثر كلماتها المتخبطة، و قال: «أليس هذا منزل المستشار جلال الدين، والد الصحفية براءة؟»
أومأت برأسها بتردد، و هي تقول: «نعم هو»
رفع أحد حاجبيه، و قال: «إذاً؛ هل تسمحين لي بالدخول؟»
ابتعدت عن الباب بقلب يتآكل خوفاً على ابنتها، لتسأله بتوتر: «هل فعلت ابنتي شيئاً؟
هل ارتكبت أي خطأ؟»
خطأ!
لا يعلم حقاً إن كانت ارتكبت خطأً أم لا..
فهي فقط ذهبت وراء عدة مجرمين، صوّرتهم و هم يُدخلوا ممنوعات تُقدر بملايين الجنيهات إلى البلد، و عرضّت حياتها للخطر..
فهل يُعتبر هذا خطأً؟!
تسلل الغضب إليه مرة أخرى، غضب لم يغادره بالكامل منذ اكتشافه أن هذه الفتاة استطاعت الوصول إلى هؤلاء المجرمين في حين فشل هو في ذلك!
«أرجوكِ، اخبريها بوجودي»
عقدت والدة براءة كفيها في إشارة واضحة لتوترها و خوفها على ابنتها.
«هي لازالت في العمل»
زفر أنفاسه بسخط، و سألها بحدة غير مقصودة: «و متى ستعود؟»
نبرته زادت من خوفها، حتى لم يعد قلبها قادراً على احتماله، اصفر وجهها من الفزع و لاحظ شريف ذلك، فأصدر تنهيدة طويلة محاولاً السيطرة على أعصابه، فهذه السيدة التي تحدث معها للتو بكل فظاظة في مقام والدته، و هو لم يعتاد على معاملة مَن هم في مثل عمرها بهذه الطريقة.
«اعتذر سيدتي لم اقصد التحدث معكِ بهذه الطريقة، و لكنني في حاجة لمقابلة الآنسة في أسرع وقت»
حاول أن يُضفي إلى نبرته أكبر قدر من اللطافة و التي لا تمتاز شخصيته الصعبة بها، و لكنها في كل الأحوال وصلت إليها، باعثة قدراً ضئيلاً من الطمأنينة إلى قلبها..
هذا الضابط لا ينتوي لابنتها شراً، و إلا لمّا كان اكتفى بمجيئه بمفرده.
«يمكنك انتظارها، لقد تحدثت معي منذ قليل و أخبرتني أنها قريبة من المنزل»
دعته للدخول بإشارة من يدها، فتقدم إلى غرفة الضيوف و جلس فيها منتظراً.
**********
دخلت منزلها بصخبها المعتاد، والدها خلفها ينهرها بيأس، متأكد أنها لن تنصت له!
و لكن على عكس المعتاد، استقبلتها والدتها بابتسامة مرتعشة و ملامح خائفة، جعلت زوجها يسألها:
«ماذا بكِ عزيزتي؟»
أشارت كاميليا إلى غرفة الضيوف، قائلة بنبرة متوترة: «هناك ضابط، يريد مقابلة براءة»
لم تتفاجأ الشابة كثيراً، فلقد توقعت أن يحدث هذا منذ قررت نشر هذا المقال..
فقالت بابتسامة لا مبالية، تُخالف ذلك التوتر الذي يعتمل في نفس والديها: «سأدخل لأرى ما يريده»
أمسكها والدها من رسغها، و قال: «سأدخل معكِ»
«لا داعي لذلك أبي، سأقابله بمفردي، و إن احتجت إلى شئ سأستدعيك»
قالتها ثم أسرعت إلى الداخل، مستعدة لمواجهة قوية مع هذا الضابط!
**********
فتحت باب غرفة الضيوف بقوة، مرتدية سروال جينز غامق يلتصق بساقيها الرفيعتين القصيرتين، و بلوزة بلون السماء تلتصق بجسدها الأقرب للطفولي عن الأنثوي، شعرها البني القصير معقود في ذيل حصان يتأرجح إثر حركتها السريعة، و وجهها قد اكتسب حمرة بسبب حرارة الشمس القاسية في هذا الوقت من الظهيرة.
هيئتها تلك جعلته يقول بلا رضى: «ألم تصل الآنسة براءة بعد حبيبتي؟»
و قد استخدم لفظ (حبيبتي) ظناً منه أن التي أمامه لا تتعدّى سنوات عمرها خمسة عشر، أي أنها في نصف عمره!
أما هي فتوسعت عيناها دهشة، جزت على أسنانها غضباً من تجاوزه معها، قالت بنبرة حادة لا تتناسب مع هيئتها الطفولية اللطيفة:
«احترم نفسك يا سيد و انتقي ألفاظك و أنت تتحدث معي!»
«يا لها من طفلة وقحة!»
قالها بداخله و ابتسامة ساخرة تعتلي ملامحه، و تابع:
«و ماذا سأنتظر من شقيقة تلك الصحفية؟!»
علا صوته قائلاً بنبرة يغلفها الضجر: «حسناً اعتذر، لكن متى ستصل شقيقتكِ؟»
شقيقتكِ!
يا إلهي، هل يظنها شقيقتها؟!
عقدت حاجبيها متعجبة مما تفكر فيه، قائلة لنفسها:
«هل جُننتي يا براءة؟
ما هذه يظنكِ شقيقتكِ؟»
و كعادة فيها؛ بدأت بالتوضيح لنفسها، ناسية ذاك الذي يجلس على بُعد أمتار منها:
«أنا اعني أنه لا يظنني براءة و يظنني شقيقتها»
صدر صوتها همساً، فلم يستمع إلى كلماتها جيداً، مما اضطره لسؤالها:
«عفواً، ماذا تقولين؟»
رفعت رأسها بغرور، و سارت حتى جلست أمامه، لتضع ساقاً فوق الأخرى، و تقول بنبرة مترفعة:
«أنا براءة جلال الدين، و سيادتك؟»
لا ينكر أنه تفاجأ أن هذه الشابة الأقرب لطفلة هي نفسها التي عرضّت حياتها للخطر منذ ساعات و وثقت بالصور دخول واحدة من أكبر شحنات المخدرات إلى البلد، و لكنه أخفى انفعالاته جيداً، فلم تظهر على ملامحه سوى الصلابة و القوة.
«الرائد شريف الشرقاوي، من مكافحة المخدرات»
اكتفت بنظرة إليه، نظرة تجابه القوة في عينيه، ملامحها تعلن التحدي على ما سيقوله قبل أن ينطق لسانه بحرف!
و هو لم يكن ينتظرها لتتحدث، حيث ألقى أمامها الجريدة المفتوحة على مقالها، و سألها بحدة:
«أنتِ مَن نشرتِ هذا المقال؟»
زمّت شفتيها بعبث، و قالت باستهزاء بدى واضحاً في نبرتها: «اعتقد أن المقال مصحوب باسم براءة جلال الدين، و قد أخبرتك منذ أقل من دقيقة أنني أُدعى براءة جلال الدين!»
لو كان متفرغاً، لو لم يكن عقله مشغولاً بقضيته و ما سيُسفر عنها..
لكان عاقبها على استهزاءها به..
لكان جعلها تقف أمامه و عيناها في الأرض..
لكان جعل جسدها كله يرتجف عندما يُذكر اسمه فقط..
و لكنه للأسف ليس متفرغاً لها، بل يرغب في التخلصّ منها في أقرب وقت.
«من أين عرفتِ موعد و مكان التسليم؟»
استرخت في جلستها، و قالت بنبرة ممطوطة جعلته يتأكد أنه يجلس أمام طفلة!
«و لِمَ سأخبرك؟»
لم يتخلى عن شخصيته الجديّة، على الرغم من الابتسامة التي تحارب للظهور على شفتيه..
احتفظ بصلابة ملامحه، طرق على الطاولة التي أمامه بقوة فاهتزت بحركة افزعت براءة و جعلتها ترتجف في مكانها.
«إياكِ و الرد على سؤالي بسؤال»
لن تكون براءة جلال الدين إن سمحت له باستشعار خوفها منه!
استقامت في جلستها، لترد بنبرة ثابتة لم يكن يتوقعها:
«مصادر خاصة!»
سألها بنفس نبرته الحادة: «مَن؟»
قفزت باعتراض، و قالت بنبرة لا تقبل النقاش: «ليس من حقك أن تعلم!»
نهض بدوره، ليواجهها نداً لند..
هيئتها الطفولية لم تتغير بالنسبة له؛ أما هي فملامحه التي كانت تظن أنها حادة خشنة، قد تحولت مائة و ثمانين درجة مثيرة بداخلها الذعر.
«يا إلهي، هل يمكن أن يبدو أكثر قساوة و حدة!»
«أنا لا انتظركِ حتى تخبريني بحقوقي و ما يتوجب عليّ فعله..
مَن مصادركِ؟»
«اثبتي براءة، لا تجعلي ملامحه القاسية تثير رعبكِ»
رفعت نظراتها إليه بقوة، تخبره أن حدته لن تحرك فيها شعرة، أنها أكثر من قادرة على مواجهته!
«سيادة الرائد، أنا صحفية، من حقي الاحتفاظ بمصادري و عدم الإفصاح عنها»
مال عليها، لتتراجع تلقائياً إلى الخلف، إلا أنه لم يبالي، و قال بنفس نبرته الحادة:
«هذا الكلام الأحمق تقوليه لزميلكِ.. مديركِ في العمل، و ليس لي أنا»
كتفت ذراعيها، هاتفة بسخرية: «و مَن أنت؟»
أخذ نفساً عميقاً يحاول به تهدئة نفسه و عدم قتل هذه المستفزة، أو على الأقل إصابتها بعاهة مستديمة تجعلها تجلس في منزلها.
«أنا الرائد شريف الشرقاوي، الذي إن وجد اسمكِ في أي مهمة تخصّه، سيريكِ النجوم وقت الظهيرة»
رفع يده، أعاد بأطراف أصابعه خصلات شعرها المتمردة خلف أذنها، ثم تحدث معها بنبرة لطيفة، كما يتحدث مع ابنة شقيقته الصغيرة:
«لذا كوني فتاة جيدة و لا تعملي سوى في مكتبكِ..
أو الأفضل لكِ الانتقال لقسم الفن، فهو مناسب لمَن هم مثلكِ»
أصابها التوتر من حركته و قربه الشديد منها..
و قبل أن تسيطر عليه و تستعيد قوتها كان قد غادر المنزل!
جزت على أسنانها بغيظ، ماذا يظن نفسه؟
مَن هو ليتعامل معها بهذه الطريقة؟
حسناً سوف تريه، بالتأكيد لن تستسلم لتحذيره، سوف تظل خلف كل فاسد ينوي تدمير بلدها حتى تكشفه..
و إذا كان هو شريف الشرقاوي، فهي براءة جلال الدين!
**********
قبلات رقيقة و إن كان يتخللها بعض الشغف تتجه من وجنتها إلى شفتيها ثم إلى عنقها، جعلتها تعبس في نومها..
تململت و تذمرت، إلا أن القبلات لم تتوقف، مما جعلها تفتح عينيها بكسل، لتغلقها بسرعة بسبب ضوء الشمس الذي يملأ الغرفة.
«صباح الخير يا كسولة»
تمطت بدلال، نظرت إليه فتوردت وجنتاها و أحداث الليلة الماضية تتراءى أمامها..
أبعدت عينيها عنه، بينما تجيبه: «صباح النور..
كم الساعة الآن؟»
قبّل شفتيها، ثم عادت شفتيه إلى عنقها ليطبع عليه عدة قبلات، قبل أن يجيبها:
«العصر سيؤذن..
هيا انهضي، فأمامنا الكثير قبل أن نبدأ شهر العسل»
نعم صحيح، عليهما التأكد من أن كل ما يحتاجاه موجود في الحقائب، ثم الذهاب إلى عائلتها و بعدها عائلته قبل الذهاب إلى المطار..
«أها حسناً»
حاولت النهوض، إلا أن جسده أعاقها، فقالت بخجل: «ابتعد باسم»
إلا أنه أحاطها بذراعيه، و قال بنبرة ذات معنى: «هل يجب أن تنهضي؟»
تعالت ضحكاتها الرقيقة، و هتفت: «نعم أنت مَن أخبرتني بذلك»
زمجر بخشونة، و قال: «يا لي من غبي، حسناً لا تنهضي، يمكننا النوم لبعض الوقت»
و عادت شفتاه لأداء مهمتهما فور أن أنهى كلماته.
حاولت الابتعاد عنه، و هي تقول: «لا باسم هكذا سنتأخر، ابتعد»
استجاب لذراعيها التي تبعده بتذمر، فعاد إلى مكانه في السرير، و هو يقول: «كما تحبين سيدة رشا، و لكن لا تنسي أن بعد بضعة ساعات لن يكون هناك سوى أنا و أنتِ، و وقتها سأفعل ما يحلو لي!»
ازداد خجلها و معنى كلماته يصلها بوضوح، لفت الغطاء على جسدها العاري بسرعة و إحكام، و نهضت متجهة إلى المرحاض دون الرد عليه.
رمق خطواتها المبتعدة بإعجاب، يا إلهي كم هي جميلة.. فاتنة..
أغمض عينيه و ليلتهما أمس تتراءى أمامه، كم كانت خجولة، مترددة، خائفة، و كم أمتعه هذا و أشعره برجولته..
باختصار، لقد كانت ليلة أمس أجمل ليلة قضاها طوال حياته.
**********
لم تعامل كضيفة، حتى أنها بدأت تشعر أنها من أصحاب هذا البيت، أنها قريبة لملاكه أو صديقة لجنان منذ الصغر، لدرجة تجعلها تتصرف في بيتها بأريحية كاملة، أو…
هزت رأسها تطرد هذه الأفكار من رأسها.
«نيّرة حبيبتي، خذي الصحون إلى الخارج»
انتبهت على صوت والدة صديقتها، فهتفت ببقايا خجل لازال يتملكها:
«حسناً خالتي»
تحركت إلى الخارج، لتتجمد في مكانها و هي ترى مروان يدخل إلى المنزل و يقف أمامها.
فهتفت مبررة و هي ترى نظراته المتعجبة:
«خالتي هي مَن أخبرتني أن»
إيماءة من رأسه أوقفت كلماتها، و دون أن يتحدث لها بكلمة اتجه إلى غرفته!
**********
خرجت جنان من المطبخ لترى صديقتها واقفة و عيناها مسلطة على اللاشئ..
اقتربت منها بحيرة، سألتها بارتياب: «نيّرة، لِمَ تقفين هنا؟»
التفتت إلى صديقتها و اللون الأحمر قد عاد ليغزو وجنتيها، تقول بخجل و نظراتها تتجه تلقائياً إلى الغرفة التي دخلها مروان.
«شقيقكِ عاد»
خشت أن يكون خجل صديقتها بسبب أن شقيقها وجّه إليها كلمة أزعجتها و ليس خجلاً طبيعياً..
فسألتها بحذر: «هل قال لكِ ما يزعجكِ؟»
نفت نيّرة بهزة من رأسها، و هتفت بضيق لا تعلم مصدره: «بالعكس، هو لم يوجه لي أي كلمة»
ابتسمت جنان بشقاوة مستشعرة ذلك الضيق الذي تشعر به صديقتها بسبب تجاهل مروان لها..
فبررت لها: «عندما يعود من العمل يكون متعباً لدرجة لا يستطيع التحدث بحرف..
انتظريه حتى يستعيد نشاطه و ستري مروان آخر»
قطبت نيّرة حاجبيها بحيرة، مذهولة من ذلك الضيق المسيطر عليها و الغير مبرر من وجهة نظرها.
ماذا يحدث معها؟
يجب أن تجلس بمفردها لتفهم نفسها و مشاعرها.
أعطت الصحنين اللذين في يدها إلى جنان، و هي تقول:
«يجب أن أغادر الآن»
قالت جملتها ثم سارعت باتجاه باب الشقة..
وضعت جنان الصحنين على المائدة و ركضت ورائها.
لتمسكها قبل أن تخرج، و تسألها:
«نيّرة، ماذا يحدث معكِ؟
لو مروان أزعجكِ أخبريني و أنا سأتصرف معه»
هزت نيّرة رأسها مرة أخرى بنفي، و قالت: «لا أبداً صدقيني، و لكن عليّ المغادرة»
سحبتها جنان معها إلى الداخل، و هي تقول: «لا حبيبتي لن تغادرين، أنسيتِ جدولنا اليوم و ما قررنا فعله؟
أتريدين تركِ للملل القاتل؟
ثم إن غادرتِ الآن سوف تغضب أمي منكِ..
أتريدين ذلك؟»
و للمرة الثالثة تهز نيّرة رأسها بنفي، و إن اختلف السؤال هذه المرة!
لتقول جنان برضى: «رائع، هيا لنرى إن كانت أمي تحتاج إلى مساعدة»
**********
أغلق باب غرفته مدركاً لما يحدث حوله و ما تخطط له والدته.
تأفف بضيق مفكراً كيف سيحبط هذه المحاولات، و في نفس الوقت لا تغضب والدته منه..
يعلم أنها تحلم برؤيته عريساً، برؤية امرأة بجانبه تحمل همّه، برؤية أطفاله حوله يلهون و يلعبون، لكن الأمر ليس بيده، لا يستطيع التحكم في قلبه!
بدّل ملابسه ثم التقط مفاتيح سيارته مقرراً مغادرة المنزل، فإن كانت والدته تريد إرغامه على الجلوس مع هذه الفتاة، فهو سيترك لها المنزل بأكمله!
وقف عند باب غرفته مفكراً، لا ليس عليه الهرب، لن يظلم الفتاة!
نعم يظلمها!
فهو قد رأى بوادر إعجاب في نظراتها نحوه، إعجاب عليه أن يقضي عليه قبل أن يتفاقم، حتى لا يتعلق قلبها بقلبه؛ الذي مازال يبحث عن نصفه الآخر!
ألقى مفاتيحه بإهمال، و خرج متوجهاً إلى حيث يجلسون.
وجدهم مجتمعين على مائدة الطعام، ليتخذ مقعده، و هو يسمع والدته تقول:
«جيد أنك أتيت، كنت سأرسل جنان لتستدعيك»
«رائحة طعامكِ الشهيّة استدعتني حبيبتي»
قالها و هو يشرع في الأكل.
ابتسمت والدته بخبث، و قالت: «لكنه ليس طعامي، فنيّرة ساعدتني فيه اليوم»
فهم إشارتها المبطنة، فقرر البدء في أولى خطواته للقضاء على إعجاب الفتاة الوليد، فقال: «حقاً؟
جيد جداً، زوجكِ سيكون محظوظاً بكِ، ليس مثل أختي التي بالكاد تسلق بيضة!»
زوجكِ!
كلماته أثارت بها مشاعر غريبة ظهرت بوضوح على صفحة وجهها، ليدرك هو أن كلماته لم تأتي بالتأثير المطلوب!
و بعيد عن مشاعرهما و أفكارهما، توسعت عينا جنان بحنق من استهزاء شقيقها بها، فهتفت مكذبة كلماته:
«أقسِم أنني لا أستطيع سلق بيضة!
ألست أنا من حضّرت لك الطعام أمس؟»
اتجهت نظراته إليها، ليقول مرقصّاً حاجبيه بمشاكسه: «و هل تسمين وضع الطعام في الفرن طبخ؟»
زمّت شفتيها بغضب و أصابعها تقبض على الملعقة بقوة، تود لو تلقيها في وجهه فيكفّ عن استفزازها مرغماً.
أنقذ والدهما الموقف، قائلاً بنبرة صارمة: «توقفا عن هذا..
هل ستتشاجران أمام الضيفة؟»
سارعت زوجته بنهره بنظرة من عينيها، مع قولها: «أي ضيفة!
نيّرة من اليوم كابنتي جنان و لا فرق بينهما»
ابتسم مروان شاكراً والدته بداخله على إعطاءه فرصة أخرى لتنفيذ ما ينتويه.
«هذا يعني أنه أصبح لدي شقيقة جديدة، أنا سعيد بهذا»
و إن كانت كلماته الأولى لم تأتِ بالتأثير المطلوب، فهذه بالتأكيد قد فعلت، و الدليل على هذا انقلاب ملامح الفتاة المعجبة.
و كانت لكلماته تأثيراً مختلفاً على والدته، حيث نظرت له بغضب و عدم رضى على كلماته.
ابتسمت جنان و والدها بمرح، مستمتعان بالحرب الصامتة التي تدور بين مروان و راوية.
**********
انتهى الغذاء الكارثي من وجهة نظر راوية، فابنها لم يكفّ عن التلميح و إلقاء الكلمات بأن نيّرة كشقيقته، قاضي على أي إعجاب أو مشاعر قد تولد داخل الفتاة اتجاهه.
«يجب أن أغادر»
قالت نيّرة و هي تلتقط حقيبتها و هاتفها.
سارعت راوية باعتراض: «الآن؟
لا زال الوقت مبكراً»
ابتسمت الفتاة بخجل، و همست: «أنا هنا من الصباح، كما أن أمي حذرتني من التأخير»
لاحظت جنان ملامح صديقتها البائسة، فتدخلت قائلة: «حسناً، و لكننا سنتحدث مساءً، أليس كذلك؟»
«نعم بالتأكيد حبيبتي»
قالتها بعد أن قبّلتها.
ثم احتضنت السيدة راوية و قبّلتها بمحبة حقيقية، ثم ودعت مروان و والده بكلمات بسيطة و إشارة من رأسها.
**********
في طريق العودة إلى منزلها..
كان تفكيرها منشغلاً بمروان، صحيح أنها تراه اليوم للمرة الثانية، إلا أنه في المرة الماضية عندما رآها تفحصها بطريقة أربكتها، جعلتها تظن أنه معجب بها..
كما أن حديث والدته اليوم عن صفاته و مميزاته و حتى عيوبه؛ جعل شعور غريب يتسلل إلى داخلها..
ليأتي هو في النهاية و يقضي على كل مشاعرها، و حتى التخيّلات التي بدأت تسيطر عليها!
وصلت إلى منزلها لتجد البيت خالياً، فاتجهت فوراً إلى غرفتها..
ألقت حقيبتها بإهمال، ثم وقفت أمام مرآتها، متذكّرة كلماته..
«زوجكِ سيكون محظوظاً بكِ»
«هذا يعني أنه أصبح لدي شقيقة جديدة»
«لِمَ لا يراني سوى كشقيقة له؟»
تساءلت بحيرة و أصابعها تعبث بخصلات شعرها البندقية الطويلة..
تراءت أمامها ملامحه، شعره البني الذي يصل إلى أول عنقه ذي البشرة الخمرية، عيناه الغامضة بلونهما الرمادي الساحر، جسده العضلي..
ظهر الإعجاب على ملامحها، و هي تتساءل مرة أخرى
«لِمَ لا يراني سوى كشقيقة له؟
ألا يراني جميلة مثله؟»
دارت حول نفسها تتأمل جسدها الرشيق كعارضات الأزياء، شعرها البندقي يتطاير حول وجهها الخمري، لتتوقف و عيناها البنية تنظر إلى نفسها من خلال المرآة بإعجاب..
«أنا أجمل الفتيات بشهادة الجميع..
و إن كان لا يراني سوى كشقيقة له فهو الخاسر، و سيأتي يوم و يندم و يركض ورائي..
أما أنا؛ فلم أُخلق لأركض وراء رجل!»
قالت هذه الكلمات بثقة، ثم تحركت لتبدل ملابسها، متناسية مروان و تصرفاته.
**********
على الرغم من التعب الذي تشعر به إثر الساعات التي قضتها في التنقل من منزل لآخر و تسجيل ما يحتاجه كل منهم، إلا أنها كانت تشعر بسعادة غير طبيعية، سعادة تنبع من رؤيتها لابتسامة الآخرين، سماعها لدعواتهم الخاشعة لها.
وقفت و سعادتها تزداد، ابتسامة إعجاب تتخلل ملامحها المتعبة و هي تراه يلعب مع الأطفال بكل حماس و كأنه طفلاً مثلهم، ليس رجلاً في الثلاثينات!
شعره الأسود مبعثر بعشوائية، عيناه الداكنة تلمعان بشقاوة و هو يركض خلف الأطفال ليحصل على الكرة.
«يا إلهي كم هو رائع!»
تنحنحت بقوة منتبهة إلى ما تفوهت به، نظرت بطرف عينيها إلى السيدة مُنيرة داعية الله ألا تكون قد استمعت إلى كلماتها..
تنهدت بارتياح و هي ترى السيدة منشغلة باستدعاء ولدها للرحيل.
ودع كمال الأطفال وسط صيحاتهم المعترضة على رحيله بهذه السرعة، ليعدهم بحنو أنه سيأتي إليهم غداً.
**********
حالما صعدت إلى سيارته مرة أخرى، همست بسعادة لم تستطع السيطرة عليها:
«لم أكن اعلم أنك تحب الأطفال إلى هذه الدرجة، لقد كنت رائعاً بينهم»
ابتسم بحرج و كلماتها البسيطة تؤثر عليه بشكل ما..
فتولت والدته الرد عليها: «يحبهم فقط!
بل قُلي أنه مجنون بهم، كمال لا يستطيع تمالك نفسه أمام طفل»
تابعت لتوضح للاثنين أن هناك ما هو مشترك بينهما:
«كما لاحظت أنكِ تحبينهم أيضاً، فسعادتهم بزيارتكِ كانت واضحة»
ردت حورية بشجن، عيناها تلتمعان بتأثر لحال هؤلاء الأطفال:
«أنا اعشق الأطفال عموماً، و لكن لهؤلاء الأطفال مكانة خاصة في قلبي، الحرمان الذي يعانون منه يثير حزني، لذا أبذل كل ما في وسعي لتعويضهم»
استرسلت معها مُنيرة في الحديث، بينما كمال يستمع في صمت.
«ليس هم فقط مَن تحاولين تعويضهم، أنتِ تسعين لذلك مع عائلتهم أيضاً، مستحيل أن انسى نظراتهم الممتنة لكِ و دعائهم الصادق بأن يسعدكِ الله كما أسعدتيهم»
و إن كانت كلماتها زادت من سعادة حورية، فكان لها تأثيراً أكبر في نفس كمال، تأثير لم تستطع إمرأة تركه في نفسه بعد أسيل، لكن حورية اليوم أعادت قلبه للنبض، الحياة، و كم هو خائف من أن يتوقف مرة أخرى!
**********
قضت معظم اليوم في المطبخ، هكذا أفضل لها بدل من الجلوس مع عائلتها و رؤية احتفاءهم و مزاحهم مع العريس و عروسته الجميلة.
تحكمت في دموعها بقوة و أصوات الضحك العالي تأتيها من الخارج..
يضحكون و يلهون، غير مبالين بجرحها و حزنها!
نعم قررت أنها ستنساه، ستخرجه من قلبها، و لكن النسيان يحتاج إلى وقت..
و كيف تنساه و هو أمامها؟
تراه مع عروسه الجميلة التي فضّلها عليها و اختارها..
عروسه التي قارنها بها، فاتضح أنه لا مجال للمقارنة!
فهي ليست خاسرة أمامها فقط، بل أمام أي فتاة!
«طوال اليوم و أنتِ في المطبخ، أتساءل حقاً عما تفعليه؟»
انتهى الفصل، قراءة سعيدة

noor elhuda likes this.

Aya-Tarek غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-11-20, 09:38 PM   #16

Aya-Tarek

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 420321
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 516
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Aya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك rotana
افتراضي

الفصل الثالث
أخرجها صوته المشاكس من أفكارها التي لا تزيدها إلا حزناً.
بدأت في وضع الصحون- التي قامت بجليها مسبقاً- في مكانها، و هي تقول:
«الطبيخ، الشاي و القهوة و العصائر، جلي الصحون..
كل هذا يجعلني اقضي أيام في المطبخ و ليس بضعة ساعات»
«أنتنّ يا فتيات تجعلنّ من البذرة الصغيرة ثمرة كبيرة، تشتكنّ من أعمال فارغة كالطبخ و التنظيف، لتحولهنّ إلى معضلة كبيرة يصعب حلها و القيام بها»
قال كلماته و هو يتحرك في المطبخ، ليبدأ في تحضير فنجان قهوة لنفسه.
استوقفته ساحبة منه الفنجان و الكنكة، تبدأ هي في صنع القهوة بدلاً منه.
«أنت تقول هذا لأنك لم تجرب..
لو جربتوا أنتوا الرجال فعل ما نفعله نحن النساء ليوم واحد، ستنحنوا معترفين بفضلنا طوال حياتكم»
«ماذا تفعلين؟»
سألها و هو يراها تشرع في إعداد القهوة.
أجابته ببساطة: «أعد لك القهوة»
سحب منها الفنجان، وقف أمام الموقد ينتظر غليان القهوة.
«كما تعلمين، لقد قضيت سنوات في الخارج، فتعلمت الاعتماد على نفسي في كل ما يخصني، طبخ و غسيل و تنظيف..
لذا ما تفعليه أنتِ و بنات جنسكِ قد جربته، و ليس بالصعوبة التي تتحدثنّ عنها»
ألجمها برده لدرجة أنها لم تعلم بم ترد عليه، فلم تملك سوى الابتسام، و همست:
«حسناً ربما نحن نبالغ قليلاً، و لكن لا تنكر أن مهامنا متعبة، خاصة إذا كان هناك عمل و أطفال..
و مع ذلك بت أشك في مهاراتك في الاعتماد على نفسك، فعلى ما يبدو أنك غير قادر على إعداد فنجان قهوة!»
و أرفقت كلماتها بالإشارة إلى القهوة التي فارت، فسارع بإغلاق الموقد، و هو يبرر بارتباك:
«كله بسببكِ، جعلتيني اندمج معكِ في الحديث لدرجة لم انتبه لها»
ضحكت برقة، ضحكة جعلته يفغر فاهه ذاهلاً، عيناه ترتكز على غمازتها التي ظهرت واضحة..
خفتت ضحكتها، تورد وجهها خجلاً من نظراته المعجبة..
و لكنها عادت و نهرت نفسها سريعاً..
فكيف لابن عمها الطبيب الوسيم أن يعجب بها هي البشعة القبيحة؟!
عاد الحزن ليرتسم على ملامحها، و مع أنها حاولت إخفاءه، إلا أنه استطاع ملاحظته، تعجب من ظهوره حتى أنه خشي أن يكون أزعجها!
«حسناً و كاعتذار لك، اسمح لي بأن أعد لك القهوة»
و دون معرفة رده شرعت في إعدادها..
تفهم رغبتها في عدم الحديث معه، انسحب من المطبخ بهدوء و... انزعاج!
**********
لم يعد باستطاعتها الهرب أكثر، فعندما خرجت لتعطي عزام فنجان القهوة، سألتها إحدى بنات عمها:
«مروة، لِمَ لا تجلسين معنا؟»
تولت ابنة عمها الأخرى الرد بدلاً عنها، قائلة بخبث و عيناها معلقة على ملامح مروة الحزينة الشاحبة:
«ربما هناك مَن يزعجها في جلستنا»
التفتت مروة إليها، ابنة عمها مرام، ذات الثلاث و العشرون عام، من أجمل فتيات العائلة، إلى جانب اجتهادها في دراستها، لدرجة أنها التحقت بكلية الطب!
«لا، و ما الذي سيزعجني؟!»
ابتسمت مرام و هي ترفع أكتافها بلا مبالاة اصطناعية، قائلة بلهجة مبطنة: «أنا قُلت مَن و ليس ما، يعني شخص و ليس شيئاً!
حتى أنكِ من شدة انزعاجكِ لم ترحبي بالعروسين كما ينبغي، و لم تهنئيهما على الزواج!
حتى أن رشا حتى الآن لا تعرفكِ!»
التفتت بعدها إلى زوجة ابن عمها رشا، تقول معرفة: «هذه مروة ابنة عمي سعد، عمرها ثلاث و عشرون عام مثل عمري، و لكنها متخرجة من كلية التربية قسم اللغة العربية..
أنتِ لم تريها في حفل الزفاف لأنها غادرت مبكراً»
هزت رشا رأسها، ارتسمت ابتسامة جميلة على ملامحها، و هي تقول: «سعيدة بالتعرف عليكِ»
أغمضت مروة عينيها بيأس من جمال هذه الفتاة، و الذي يظهر الآن بوضوح، حتى أنها تبدو أجمل عمّا كانت في حفل زفافها، مع أنه من المفترض أن تكون أقل فتنة من دون مكياج!
يا إلهي، ماذا تفعل هي وسط مجموعة من الفاتنات؟!
مظهرها يبدو مثيراً للشفقة!
«أمممم رائعة مروة، سلمّت يداكِ»
خرجت هذه الكلمات من فم عزام، بعد أن ارتشف من الفنجان الذي بين يديه.
«حقاً هذه أفضل قهوة أتذوقها بعد قهوة أمي»
اشتعلت عينا مرام بغيرة، ليست من مروة، فهي بالمقارنة معها أفضل منها في كل شئ، و بالتأكيد عزام لن ينظر إلى واحدة مثلها!
و إنما غيرتها كانت نابعة من أن أخرى امتُدحت في وجودها، و هي الأولى في كل شئ!
«عليك تذوق قهوتي يا ابن العم، حينها حتى قهوة عمتي لن تستغيثها»
رفع عزام حاجبيه باندهاش، متعجب من ثقتها في نفسها و التي تصل إلى حد الغرور!
«لا اعتقد أن هناك مَن يستطيع التفوق على أمي في شئ!»
رفعت أحد حاجبيها، و قالت بثقة: «سأترك لك الحكم بعد التجربة»
كانت مروة تراقب حديثهما بجمود، تعلم أن مرام لا تحب أن يتفوق عليها أحد، مهما كان هذا الأحد..
و بنات عمها دائماً على خلاف معها بسبب هذا، و لكنها هي.. لم و لن تهتم!
«و بأي مدرسة تعملين مروة؟»
التفتت إلى صاحبة السؤال، و التي لم تكن سوى رشا، فأجابتها باقتضاب:
«أنا لا اعمل في مدرسة»
توردت وجنتا رشا بحرج، و قالت: «أوه تقبّلي اعتذاري، على حسب معلوماتي أن خريجي التربية يعملون في المدارس»
تدخلت مرام قائلة بابتسامة سمجة: «لا تعتذري حبيبتي، أنتِ لم تخطئي، الأمر و ما فيه أن مروة لا تعمل من الأساس، تقريباً هي من محبي الجلوس في المنزل»
قاطعتها مروة بحدة، رافضة تدخلها في حياتها و التقليل من شأنها: «أنا في انتظار أمر التكليف، و حينها بالتأكيد ساعمل»
همس حينها الصامت من أول الجلسة، بنبرة ساخرة مسموعة للجالسين: «و ستنتظري حتى أخر العمر»
ثم يميل على زوجته، ذراعه تحيط خصرها، يهمس: «هل نذهب؟
لقد اشتقت»
و كلمته الأخيرة جاءت بهمس حار، شغوف يدل على صدقه.
و مع أنها لم تكن مسموعة مثل جملته الأولى، إلا أن مروة الجالسة قريباً منهما قد سمعتها، بل سمعت رد زوجته بطريقتها المدللة:
«كفّ عن وقاحتك، ثم أنه لازال هناك بعض الوقت على موعد الطائرة»
همس بلا مبالاة عاشقة: «اعلم ذلك، و لكنني أرغب في الاستمتاع بزوجتي الجميلة قبل السفر..
ألا تشتاقين لي؟»
زوجته الجميلة..
يا الله، كم هذه الجملة جميلة، و لكنها للأسف لن تسمعها أبداً!
فحتى إن تعطّف أحدهم و قبل بها زوجة، بالتأكيد لن يدعوها هكذا، فهي لا تمتلك أي من مقوّمات الجمال!
«استأذنكم، ساذهب لأرى جدتي»
نعم هذا أفضل، فكل كلمة تخرج من فم أحدهما بمثابة ملح يوضع على جرحها الذي لم يلتئم بعد..
قلبها جريح بعد سماعه وصف مالكه لبشاعتها و قبحها، فترى هذا الاشمئزاز بعدها في عين كل مَن ينظر إليها!
«مبارك لكما، أتمنى لكما شهر عسل سعيد»
هتفت قبل أن تتجه إلى غرفة جدتها، فهي و إن كانت مجروحة متألمة، لا تريد أن يرى هذا أحد و يشمت فيها!
«بارك الله فيكِ حبيبتي، العقبى لكِ»
قالتها رشا.
ابتسمت مروة ساخرة دون التعقيب على كلماتها، و اتخذت طريقها إلى وجهتها.
«جدي عملاً يملأ وقت فراغكِ و يزيل عنكِ حزنكِ»
التفتت حالما وصلتها همسته، لتراه يسير في اتجاه المطبخ، فتابعت طريقها و عقلها منشغلاً بكلماته.
**********
دخلت غرفة جدتها لتراها جالسة على السرير و بين يديها مصحفها تقرأ منه وردها.
صعدت لتستلقي بجانبها، تتأمل وجهها الحنون المليء بالتجاعيد، يحيط به حجاب أسود تكاد لا تستغني عنه، شفتاها تتحركان تتلوان الكلمات بخشوع..
لطالما كان جديها الأقرب لها بعد والديها، حتى أنها تتحمل آلام التجمع العائلي الأسبوعي فقط من أجل أن تقضي معهما الكثير من الوقت..
فهما و على الرغم من إلحاح والديها عليهما مراراً ليأتيا و يقطنا معهما، إلا أنهما رفضا بكل حزم مفضلين استكمال حياتهما في عشهما الهادئ الدافئ.
«صدق الله العظيم»
أغلقت أم سعد المصحف، لتقبّله ثم تعيده إلى مكانه.
التفتت بعدها إلى مروة، ملسّت على شعرها بحنو.
«لِمَ لا تجلسين مع البقيّة؟»
أصدرت مروة تنهيدة متعبة ثم أجابت بمرح مصطنع: «تعرفين بناتكِ و زوجات ابنائكِ، كل حديثهنّ عن طهوت هذا أمس، سأزور فلانة غداً، علانة حدث معها هذا..
و أحفادكِ الجلسة معهم مملة..
ثم أنني اشعر بالنعاس، أريد النوم»
مالت أم سعد مقبلة جبين حفيدتها، و قالت: «حسناً نامي، و لن اجعل أحدهم يزعجكِ»
تمتمت مروة ممتنة: «شكراً حبيبتي»
ابتسمت لها جدتها، ثم تحركت بخطواتها البطيئة إلى الخارج، تاركة مروة في الغرفة لحالها.
«جدي عملاً يملأ وقت فراغكِ و يزيل عنكِ حزنكِ»
عادت كلمات عزام تتردد في أذنيها، تدرك بداخلها صوابها، لكن المشكلة تكمن في كيفية الحصول عليه، فالأمر ليس سهلاً!
فكرت و فكرت، و كأنها كانت تنتظر كلماته لتتحرك ملتفتة إلى مستقبلها!
حتى تراءى أمامها الحل، و لكن هل صديقتها ستوافق؟!
أغمضت عينيها هامسة بأمل: «لارا، أرجو أن تساعديني، فلم أعد قادرة على التعايش مع هذا الألم، أريد شيئاً يلهيني»
**********
أغلقت الكتاب الذي تقرأه عندما صدح صوت هاتفها..
التقطته مدركة مَن المتصل، فلا غيره يهاتفها في هذا الوقت!
«جيد أنكِ لازلتِ مستيقظة»
ملسّت على الكتاب الذي تقرأه و هي تجيبه: «كنت اقرأ كتاباً»
تأفف ماهر بملل، و قال: «كتاب مرة أخرى»
تجاهلت كلماته، فلقد أدركت خلال الفترة الماضية أن من أكثر الأشياء التي يكرهها هي القراءة و الكتب، فهو يجدها مملة و غير ممتعة..
أنصتت جيداً إلى الأصوات المتداخلة التي تأتيها عبر هاتفها، لتسأله بارتياب:
«ألست في البيت؟»
خرج من المقهى ليتخلصّ من الأصوات المزعجة التي تعيقه عن سماع حبيبته، و قال:
«ماذا قُلتي لولو؟»
تأكدت أنه ليس في البيت عندما اختفت الأصوات فجأة، عبست بملامحها بانزعاج، فهذه إحدى الصفات التي تكرهها فيه، سهره خارج المنزل لساعات متأخرة من الليل!
و لكنها تتمنى زوال هذه الصفة فور زواجهما!
«أين أنت؟»
خرجت نبرتها غاضبة بعض الشيء.
و علم هو ذلك، ليجيبها ببطء: «في مقهى……. اسهر مع أصدقائي، حقيقي سهرة رائعة..
لا ينقصها سواكِ»
أرفق أخر جملته بتلك الكلمات، كي يبين لها أنها في عقله و قلبه دائماً!
و لكنها لم تهتم، فهي من الأساس ليست من محبي السهرات و الضجة!
تفضّل قضاء معظم أوقاتها في البيت حيث الهدوء و السكينة و الجو الدافئ وسط العائلة.
«و متى ستعود إلى المنزل؟»
أجابها و هو يشير إلى أصدقائه الذين يستدعونه بالهدوء.
«بعد ساعتين تقريباً، هل تريدين شيئاً؟»
نظرت إلى الساعة المعلقة على الجدار أمامها، لتجدها الواحدة بعد منتصف الليل..
أي أنه سيعود إلى المنزل قبيلة الفجر!
«لا، انتبه إلى نفسك»
قالت و عقلها شارد في أفكاره الخاصة و تخوّفاته.
و هو كان تركيزه منشغلاً مع أصدقائه الذين لازالوا يستدعونه، فهتف بسرعة: «حسناً حبيبتي، إلى اللقاء»
و لم ينسى أن يختتم كلماته بـ (بحبك).
يغلق بعدها الخط، و يعود سريعاً إلى أصدقائه مستكملاً سهرته معهم.
أما هي فاستلقت على سريرها، و كلمته الأخيرة (بحبك) لازالت تتردد في أذنيها..
لطالما سمعت أن القطبين المتضادين يتجاذبان، في حين أن المتشابهين يتنافران.
فهل ينطبق هذا على الحب؟
هل اختلاف طباعها عن طباع ماهر سيجعل حياتهما سعيدة؟
سيعيشان في راحة؟
فهي كما يقول الجميع، تتسم بشخصية جدية تميل إلى الهدوء و الحالمية.
على عكسه هو، المرح المنطلق، المحب للحياة، لا يعرف سوى المزاح، شخصيته جريئة لا تعرف حدود.
فهل زواجهما سينجح في ظل اختلاف شخصيتهما، أم عليها التفكير في الأمر مرة أخرى قبل فوات الآوان؟!
**********
حدقت في الرقم الغريب الذي يتصل بها للمرة الثالثة على التوالي، ليس من عادتها الرد على أرقام غريبة، لكن هذا الملّح لا يتركها لحالها و قد نفذ صبرها، لذا سترد عليه و تعلمه قدره!
«نعم، ماذا تريد أيها المتطفل؟»
هتفت بحدة فور أن فتحت الخط، فلابد من التعامل مع هؤلاء الأشخاص بقسوة حتى لا يستقبل هاتفها مكالماتهم طوال الوقت!

و على الطرف الآخر
أبعد كمال الهاتف عن أذنه عاقداً حاجبيه بحيرة، يحاول استيعاب النبرة الحادة التي خرجت من الفتاة الرقيقة التي رآها من قبل!
بالتأكيد ليست هي!
«آنسة حورية؟»
بعثرت خصلات شعرها بإحراج بعد سماعها لصوته و معرفتها لهويّته.
«كمال صحيح؟»
تحولت نبرتها إلى الرقة -كما يصفها- ليبتسم تلقائياً، و يقول بمشاغبة: «نعم هكذا، نبرتكِ قبل قليل أشعرتني أنني أتحدث مع ضابط شرطة!»
توسعت عيناها صدمةً من تشبيهه لها، زمّت شفتيها بانزعاج، و قالت بلوم: «هل تراني ضابط شرطة!»
«و إن كنتِ أنتِ ضابط، فأين سنجد الجمال و الرقة؟!»
هز رأسه بانفعال طارداً هذه الأفكار من عقله، يكبح لسانه حتى لا يتفوه بهذه الكلمات.
«لا طبعاً امزح»
ردت ضاحكة: «اعلم»
سيطر بعدها الصمت على المحادثة، لتتوتر و صوت أنفاسه الهادئة يصل إليها، بينما هو مستمتع بأنفاسها الناعمة.
«لِمَ اتصلت؟»
أنبت نفسها على سؤالها الفظ، كان عليها اختيار صيغة أكثر احتراماً!
تذكّر سبب اتصاله الرئيسي و الذي غاب عن عقله في ظل حديثه معها و إعجابه بها!
تنحنح مستعيداً ثباته، ثم قال: «كنت أريد معرفة موعد ذهابنا لذلك الحي، فأمي لم تخبرني سوى أننا سنذهب اليوم»
و لِمَ لم يسأل والدته؟
لِمَ هاتفني؟
أجابها على سؤالها الغير منطوق، فلقد أدرك أنه يدور بداخلها:
«في الحقيقة لقد كانت متعجلة، فشقيقتي متعبة و هي سارعت في الذهاب إليها دون إخباري بالتفاصيل..
لذلك و للأسف ستتحمليني اليوم لأنها لن تكون معنا»
اضطربت دقات قلبها، إلا أنها سيطرت عليها، مركزة فيما تقوله: «ما بها شقيقتك؟
شفاها الله و عافاها»
رد بلا مبالاة: «آلام حمل طبيعية، اعتقد أنها تتدلل»
عبست بملامحها قائلة بتأنيب: «لا تقُل هذا، أنت لا تعلم ما تشعر هي به»
«حسناً.. حسناً، انسي ملك و حملها و دعينا نتحدث في موضوعنا، متى آتي إليكِ؟»
سألته بحيرة: «و لِمَ تأتي إليّ؟»
أجابها ببساطة: «لنذهب سوياً إلى مشوارنا»
أبعدت خصلات شعرها خلف أذنها بخجل، و هي تقول: «سأقابلك في الثالثة عند مدخل الحي»
رفع حاجبيه باعتراض رافضاً قرارها، هتف بنبرة لا تقبل النقاش: «سأكون عندكِ في الثانية و ستذهبي معي»
تذهب معه لحالها!
تتحمل نظراته التي لا تنزاح من عليها!
لا يمكن!
«و لكن»
قاطعها قائلاً بحدة لطيفة: «لا يوجد لكن آنستي، أراكِ الساعة الثانية ظهراً، إلى اللقاء»
أغلق الخط معلنا انتهاء المكالمة؛ غير سامح لها بأي اعتراض!
تنفسّت بقوة، هي ليست خائفة منه، لا توجد لديها مشكلة إن ذهبت معه بمفردها..
إنما هي خائفة من مشاعرها التي تنجذب له بطريقة غريبة!
فهي لم تكف عن التفكير فيه منذ أخر مرة رأته فيها!
تتذكّر نظراته التي كانت مثبتة عليها طوال الطريق، مشاركته للأطفال اللعب بكل سعادة و حيوية..
و هذا يقلقها، فهي لم تفكر في رجل من قبل!
حتى بشار؛ كان زواجهما سيكون أشبه بزواج الصالونات، فوالدته رأتها و أُعجبت بها، و بالتالي خطبتها لابنها..
و كانت أول مرة تراه عندما تقدم لخطبتها، و طوال الفترة التي جمعتهما لم تكن هناك أي مشاعر بينهما!
فما الذي يحدث معها الآن؟
**********
تدور بين الضباط و العساكر محاولة استجماع أكبر قدر من المعلومات، لا تكتفي بما يُقال فتنشره كل الصحف و المجلات، إنما تبحث عن الأخبار السرية، المختبئة، التي لا يُعلن عنها، فتنفرد بها جريدتها!
زفرت بنفاذ صبر من الكلمات التي يقولها العسكري، كلمات قد كُررت في كل الصحف و المجلات..
قاطعته تسأله بحماس: «حسناً ألم يعترف أي من هؤلاء الرجال عن رؤسائهم؟»
نفى العسكري بهزة من رأسه، ثم قال: «هذه المعلومات لا تجديها لدي، مهمتي تنتهي بانتهاء المداهمة»
يراوغها، تعلم ذلك، فبالتأكيد هذه الأخبار تتداول بينهم!
لكنها لم تفقد الأمل، فألقت عليه سؤالاً آخر: «إذاً اخبرني كيف علمتم بموعد و مكان التسليم؟
هل كانت هناك مصادر خاصة تمنحكم المعلومات؟»
إلا أنه هذه المرة لم يرد عليها من الأساس، و نظراته قد ثُبتت على نقطة ما خلفها بذعر!
انعقد حاجبا براءة بحيرة، التفتت لتتبين سر نظرته الغريبة!
تراجعت إلى الخلف تلقائياً و هي تراه أمامها، قريباً منها، بملامحه الرجولية الخشنة، نظراته المرعبة الغاضبة!
«تستعلمين عن مصادرنا بينما لم تمنحينا شرف معرفة مصادركِ!
أليس ظلم؟!»
قال شريف بسخرية.
استغرقت بضع لحظات لتستجمع قوتها لمواجهته..
عليها الاعتراف أنه يخيفها بهيئته الضخمة و نظراته الثاقبة، يثير بداخلها العديد من المشاعر أهمها استفزازه!
و لكي تستفزه؛ عليها التحلي بأكبر قدر من الشجاعة!
سكونها اللحظي أتاح له فرصة تأملها، يعترف بداخله أن هيئتها الطفولية لم تتغير كثيراً عن المرة الماضية التي رآها فيها..
مرتدية قميص أبيض بنصف أكمام، يعلوه سالبيت جينز، شعرها القصير منساب على كتفيها، عيناها العسليتان تنظران إليه بتوتر سرعان ما تحول إلى تحدي!
«و أين الظلم إن كان مَن طلب معرفة مصادري ليس بالقوة التي تجبرني على البوح؟!»
نجحت فعلاً في استفزازه، لكنها لم تكن تتوقع أن ردة فعله ستكون هكذا!
رفعها من تلابيب قميصها بسهولة أذهلتها، اتجه بها نحو أحد المكاتب.
أغلق باب مكتبه بقدمه، ألقاها بلا مبالاة لتصطدم بالأريكة متأوهه بألم..
أما هو فابتسم بسخرية، جلس على مقعد مكتبه، ثم قال:
«كلامكِ صحيح يا آنسة، اعذريني على استخدام لطفي معكِ سابقاً»
اعتدلت مملسّة على جسدها بوجع، تأوهاتها مازالت تتعالى..
توسعت عيناها بذهول عندما وصلتها كلماته!
أي لطف يتحدث عنه؟!
هل يعتقد أن فظاظته معها المرة السابقة كانت لطفاً؟!
توسعت حدقتاها أكثر حتى شعرت بالألم، لكنه ليس في حجم الألم النفسي الذي تشعر به في هذه اللحظة و هي تراه يثني أكمام قميصه، نظرة مرعبة تظهر في عينيه، كلماته تصل إلى أذنيها بكل وضوح:
«و سأكون أكثر من سعيد و أنا أريكِ التعامل مع مَن هم مثلكِ كيف يكون!»
ارتجفت قدماها برعب، وجهها أصبح مثل الليمونة من الخوف..
ابتسم بانتصار، فها هي الفتاة الشجاعة انقلبت إلى أرنب مذعور بمجرد تهديد بسيط!
فماذا لو؟
تسلية تملكته هذه اللحظة جعلته ينهض مقترباً منها؛ كما يقترب الذئب من فريسته، عيناه تحمل نفس النظرة المرعبة، وقف أمامها، و بنبرته الخشنة القوية همس:
«بم ابدأ معكِ؟»
ابتعدت تلقائياً بخطواتها، نظراتها معلقة عليه برعب، أخذت نفساً عميقاً محاولة تمالك نفسها، صوت بداخلها يتعالى:
«تمالكِ نفسكِ براءة، ما بكِ؟
لا تخافي، لقد تم إيقاف هذه الأفعال الهمجية منذ زمن»
و عليه استعادت بعض قوتها، و إن كانت نظراتها تفضح خوفها!
«ما الذي تظن نفسك فاعله؟!
هل تعتقد أنني سأخاف من مجرد كلمات؟»
هز رأسه بنفي، و ابتسامة وحشية ظهرت على ملامحه لتزيد من حدتها.
«أخطأتِ آنستي، نحن رجال أفعال لا أقوال»
و ترافقت كلماته مع اقترابه منها.
قفزت في لحظة إلى الجهة الأخرى من الغرفة، تقول بنبرة جاهدت لتخرج ثابتة:
«أتظن أنك إن فعلت لي شيئاً سأصمت؟!
لا، سأفضحك و أنهي مستقبلك كضابط»
و لدهشتها!
تعالت ضحكاته المستمتعة تهز جدران المكتب، ثم عاد إلى مقعده و جلس عليه..
يقول بجدية بعد أن خفتت ضحكاته: «الضرب ليس كل شئ يا آنسة، من الممكن مثلاً أن أسجنكِ، و صدقيني هناك أكثر من طريقة لفعل ذلك..
و لو اجتمع كل محاميين البلد لن يستطيعوا إخراجكِ..
فالأفضل لكِ أن تمكثي في بيتكِ و تكفي عن ملاحقة عملي، أو كما قُلت لكِ سابقاً انتقلي لقسم الفن»
جزت على أسنانها بغضب و قد أيقنت لعبه بأعصابها في اللحظات السابقة، استعادت كامل قوتها، نظرت إليه بتحدي، قائلة:
«أنا لا أخضع لتهديدات، لا أستسلم لأوامر أي كان.
أنا براءة جلال الدين، صحفية أسعى لكشف الحقائق، لن يستطيع أحد إيقافي!»
و على الرغم من كل القوة التي تحلت بها، فرت من مكتبه هاربة حالما ألقت كلماتها!
تعالت ضحكاته المستمتعة مرة أخرى، و همس: «أرنب مذعور يتخفّى في هيئة قطة شرسة، لم اعلم أن الصحافة باتت تقبل طلاب الإعدادية!»
**********
صعدت إلى سيارتها، قبضت على المقود بعنف، قائلة:
«إما أنا أو أنت شريف يا شرقاوي»
صدح رنين هاتفها لتلتقطه بنزق..
يصلها صوت صديقتها في العمل حالما فتحت الخط: «براءة هناك حادث سطو مسلح على بنك…. »
قاطعتها و هي تدير محرك سيارتها: «ساذهب للتغطية حالاً»
**********
في تمام الثانية
أوقف سيارته أمام بوابة منزلها، و قبل أن يترجّل منها وجدها تفتح الباب المجاور له و تصعد بخجل.
أوضحت فور صعودها: «الأمن أعلموني بمجيئك، فلم اشأ أن اجعلك تنتظر»
تأملها بإعجاب واضح، بدء من سروالها الكحلي الذي يحدد طول ساقيها، و السترة المخططة بالأبيض و الكحلي التي تعلوه، حتى شعرها البني المعقود على هيئة ذيل حصان يصل إلى منتصف ظهرها.
أبعد عينيه عنها زافراً أنفاسه بقوة محاولاً إبعاد تأثيرها عنه.
«جيد حتى لا نتأخر عن موعدنا»
انطلق بالسيارة إلى وجهتهما، الصمت مسيطر عليهما، لكن بين كل دقيقة و أخرى كان كل منهما ينظر إلى الآخر دون أن يشعر به..
قطعت هي الصمت أخيراً عندما وجدته يتوقف عند أحد المولات:
«لِمَ أتينا إلى هنا؟»
أجابها و هو يغلق محرك السيارة: «ارغب في شراء بعض الألعاب للأطفال، و أحببت أن تشاركيني في هذا»
ابتسمت على لفتته الرائعة، فأن يهتم بهؤلاء الأطفال إلى حد شراء الألعاب لهم غير مكتفي بمساعدة عائلتهم، لهو تصرف نبيل منه و.. أعجبها!
ترجّلت معه، ليبدأ في البحث و اقتناء كل الألعاب التي تقع عليها نظراتهما غير عابئين بأسعارها، و هما يتشاركان الحديث و المزاح.
**********
مساءً
بحدقتين لامعتين، ابتسامة توحي بمدى سعادتها، قالت: «أرأيت سعادتهم بالألعاب؟
أنا متأكدة أنهم لن يستطيعوا النوم اليوم من الفرحة..
شكراً لك»
ارتفعا حاجباه بدهشة، سألها بحيرة: «علام تشكرينني؟»
«على السعادة التي منحتها لهم، أنت لا تتوقع هذا الأمر كيف سيؤثر فيهم»
و لكنه لم يفعل ذلك رغبة في شكر، هو أحب هؤلاء الأطفال فعلاً و أحب أن يسعدهم..
لكن طالما هي تريد أن يكون الأمر رسمياً، فلتتحمل!
«مع أنني لا أرى داعي للشكر، لكن طالما أنتِ تريدين ذلك، فأنا أحبذ الشكر بالأفعال أكثر»
عقدت حاجبيها بعدم فهم، و سألته: «كيف بالأفعال؟»
«اقبلي دعوتي على العشاء»
ألقى كلماته دون أن ينظر إليها؛ خوفاً من أن ترى لهفته لقضاء أطول وقت ممكن معها.
«و لكنني اشعر بالإرهاق و التعب، و أرغب في النوم»
استشعر عدم رغبتها في قضاء مزيد من الوقت معه، و الدليل على هذا العذر الواهي الذي اتخذته!
«يمكنكِ الرفض ببساطة»
لاحظت ضيقه من نبرته، فسارعت بالتبرير: «أنا لا ارفض، و إن لم يكن لديك اعتراض لنؤجلها للغد»
و هل هناك أفضل من رؤيتها ليومين متتاليين؟!
«موافق طبعاً»
«لكن هناك شرط»
التفت إليها للحظة، ثم عاد ليركز على طريقه، و هو يسألها: «ما هو؟»
«تكفّ عن استخدام لفظ آنسة قبل اسمي، لقد أصبحنا أصدقاء»
«حسناً اتفقنا»
قالها بابتسامة سعيدة، لتقول: «و أنا اقبل دعوتك على العشاء غداً»
**********
دخل منزله و جسده يأن من الإرهاق، يشعر بعظامه مكسرة، لا يرغب إلا في سرير يحتوي إرهاقه..
«خالي»
التقط ابنة شقيقته ليحملها في أحضانه، يقبّل وجنتها بقوة، ثم يسألها:
«متى أتيتِ يا شقيّة؟»
ردت عليه بنبرة طفولية محببة إلى قلبه: «أبي سافر، و قبل رحيله أتى بنا إلى هنا»
وصله بعدها صوت شقيقته: «غير معقول يا شريف، أنا هنا منذ أمس صباحاً و أنت لم تأتِ!»
ترك شريف ابنة شقيقته، و هو يجيبها: «كنت في العمل»
انتبه حينها إلى ما ترتديه الصغيرة، سالبيت جينز فوق قميص أبيض، شعرها منساب على كتفيها!
كانت نسخة مصغرة من براءة!
«صحفية في الإبتدائية إذاً لا الإعدادية!»
«شريف أنا أتحدث معك»
انتفض على صيحة شقيقته، ليلتفت إليها قائلاً:
«ماذا قُلتي يا وفاء؟»
اقتربت شقيقته منه بملامح حانية، تهمس و يداها تحيطا بوجنتيه:
«إلى متى ستظل هكذا؟
ترهق نفسك في العمل حتى يشتكي جسدك من التعب، لا ليلك ليل و لا نهارك نهار»
ها هي الاسطوانة ستبدأ!
تحرك ليرتمي بجسده على الأريكة، ثم قال بضجر: «وفاء أرجوكِ ليس اليوم، أنا بالفعل متعب كثيراً»
تحركت لتجلس بجانبه، في حين أن ابنتها ذهبت لتتابع لعبها.
«شريف أنت شقيقي الوحيد، لم يعد لي سواك..
لا أريد خسارتك كما خسرت والدينا»
قالتها بنبرة حزينة.
شردت عيناه بحزن و هو يتذكّر والده اللواء محمد الشرقاوي، من أشهر ضباط الداخلية، و لأنه معروف بجديّته و حبه لعمله، توفى في حادث سيارة مدبر، هو و زوجته!
«لا تخافي حبيبتي، لن يحدث لي مكروه إن شاء الله»
«و من أين لك أن تعرف؟»
سألته بحنق و فكرة أن يصاب بأذى هو الآخر تأكل قلبها.
رد عليها بمراوغة: «و من أين لكِ معرفة أنني سأُقتل؟
أرجوكِ وفاء اغلقي هذا الموضوع و لا تتحدثي فيه مرة أخرى»
ثم نهض متجهاً إلى غرفته، لتسأله بنبرة مهتمة: «إلى أين؟
ألن تأكل؟»
أجابها قبل أن يغلق باب غرفته: «أنا جائع نوم»
حالما اختفى من أمامها، أغمضت عينيها داعية: «ليحفظك الله يا أخي و يبعدك عن كل سوء»
**********
استلقى على سريره و تفكيره شارداً في حديث شقيقته، لا ينكر أن الحق لديها و خوفها في محله، فعمله ملئ بالخطر، و هو كشريف يغادر منزله و روحه على كفه، و لكنه في نفس الوقت لا يستطيع تركه، لسببين..
أولهما أنه لا يجد نفسه في عمل آخر غير الشرطة..
و الثاني لأنه يرغب في تطهير الوطن من كل فاسد، استكمال لمشوار والده و انتقام له!
بدأت أنفاسه في الانتظام، و لكن قبل أن يغفى تراءت صورتها أمامه، تلك الطفلة الصحفية!
ارتسمت على ملامحه ابتسامة دون أن يشعر و هو يتذكّرها في مكتبه، بهيئتها المتحدية و التي تخفي خلفها هالة من الخوف و الذعر..
يغفى و براءة في مخيلته، حركاتها و تصرفاتها تزوراه في أحلامه!
**********
صباح اليوم التالي
منزل سعد
ملسّت على جبينها بتوتر، تحاول ترتيب الكلمات التي ستخبرها لصديقتها، عندما وصلها صوتها المرح:
«مروة، أيتها الخائنة، منذ متى لم نتحدث أو نتقابل؟
اشتقت إليكِ يا فتاة؟»
ابتسمت بشوق يغزوها هي الأخرى، شوق لأيام الدراسة، الأوقات السعيدة التي كانت تقضيها مع صديقتيها و التي قلّت بعد تخرجهن بسبب انشغال لارا في الزواج، و لمياء في حياتها مع خطيبها..
وحدها هي مَن ظلت كما كانت، بدون أنيس!
«و أنا أيضاً اشتقت إليكِ كثيراً، حتى لمياء اشتقت إليها..
لابد من الاتفاق على يوم لنتقابل و نسترجع الذكريات»
وصلها صوت صديقتها، مازحة: «نعم ذكرياتنا التعيسة، لابد من استرجاعها»
تعالت ضحكاتها، ثم قالت مؤنبة: «حرام عليكِ، لقد كانت أجمل أيام حياتي تلك التي قضيتها معكما في الجامعة»
تذكّرت لارا تلك الأيام التي كانوا بالكاد يفارقن بعضهن، و تقول:
«نعم كانت أجمل أيام..
لكن من دون امتحانات و مذاكرة»
قالت جملتها الأخيرة بكره، لتتعالى ضحكات مروة مرة أخرى.
«حبيبتي يجب أن أغلق، فالمزعج قد استيقظ»
«لا انتظري»
قالتها مروة قبل أن تغلق لارا الخط.
تعيد لارا الهاتف إلى أذنها، تسألها بفضول: «ماذا هناك حبيبتي؟
هل تريدين شيئاً؟»
زفرت مروة أنفاسها بقوة، ثم قالت لصديقتها: «لا حبيبتي، اعتذر على إزعاجكِ، اذهبي لطفلكِ»
«أمير، ابقى مع لؤي حتى آتي»
وصل صوت لارا إلى مروة عبر الهاتف.
لتجدها بعدها تقول لها: «حسناً سأتغاضى عن جملتكِ الأخيرة لأنني لا أريد مشاجرة من الصباح..
اخبريني ماذا تريدين؟»
أخذت مروة أنفاسها بقوة، ثم ألقت بكلماتها دفعة واحدة: «أريد العمل لديكِ في داركِ»
يأتيها رد لارا السعيد: «حقاً؟
تتحدثين بجديّة؟
رائع، سانتظركِ بعد ساعة هناك، لا تتأخري..
و أها نعم، سأرسل لكِ العنوان حالاً..
و الآن يجب أن أغلق، فأمير كالعادة فاشل في تهدئة لؤي»
لم تتوقع مروة أن توافق لارا بهذه البساطة و السرعة، لقد ظنت أنها ستتحدث مع صديقاتها أولاً و بعدها يقررنّ!
إلا أن رد فعلها فاجئها!
«اليوم، ألن تخبري صديقاتكِ أولاً؟»
انتظرت لتسمع ردها، إلا أن كل ما وصلها الصمت!
«لارا، أنتِ معي؟»
أبعدت الهاتف عن أذنها، لتجد الخط مغلقاً، فتبتسم بعدم تصديق من سهولة إتمام الأمر!
«ما أجملكِ صديقة!»
**********
ينظر إليه ببلاهة، لا يصدق أن الجالس أمامه هو هيثم حقاً!
فلقد تجاهله الأخير تماماً منذ أن وصل، لم يتحدث معه و لم يوجه إليه نظرة حتى!
و هذا غريب، فهيثم الذي يعرفه لا يكفّ عن استفزازه و إثارة غضبه!
خرجت لمياء من غرفتها خاطفة أنظاره بطلتها، لينسى أمر هيثم و تصرفاته المريبة و ترتكز نظراته عليها..
نهض مستقبلاً إياها بابتسامة عاشقة زادت من وسامة ملامحه، لتستقبلها بابتسامة رقيقة و تقترب منه في خجل.
همس بصوت لا يسمعه سواها عندما أصبحت على بُعد خطوات قليلة منه:
«لولا وجود شقيقكِ لكنت استقبلتكِ خير استقبال، و لكنني لا أريد فقدان هدوءه، فحتى الآن لا أصدق أنه يجلس متجاهلاً إياي!»
لا تعلم أتخجل من كلماته المُبطنة و التي ترى معانيها بوضوح في نظرات عينيه، أم تضحك على كلامه عن شقيقها و خوفه من انقلابه عليه؟!
«لا تقلق، لقد وعدني ألا يفقد نفسه معك مجدداً»
«أستظلا واقفين هكذا؟»
اقتحم صوت هيثم همسهما.
ابتسم ماهر بيأس، عيناه تخبرها: «بل كان في حالة مريبة، و حمد لله تخلصّ منها!»
ضحكة صغيرة صدرت منها، جلست بجانب شقيقها، فيميل الأخير عليها، هامساً:
«لِمَ تضحكين؟»
نظرت له رافعة أحد حاجبيها، عيناها ترسل إليه نظرات ذات رسائل واضحة، فيتأفف هيثم بعدم رضى و يعتدل في جلسته.
أما ماهر فنظر إليها بضيق؛ غير راضي عن جلوسها بجانب شقيقها على أريكة لا تسع سوى اثنين.
لكن سرعان ما تحولت ملامحه إلى ابتسامة غريبة!
يلتقط ألبوم صور من على المنضدة المستقرة أمامه -وضعه مسبقاً فور وصوله-
«هذا الألبوم يحتوي على أساس لغرف الضيوف و النوم، لنرى ما سيعجبنا منه»
لمعت عيناها و هي تلتقط الألبوم منه، بدأت في تقليب صفحاته و رؤية الصور، مستمتعة بذلك الشعور؛ أنها تختار أساس مملكتها الخاصة!
و بكل جرأة، و دون مبالاة بوجود هيثم، تحرك ماهر ليجلس على ذراع الأريكة بجانب زوجته، متظاهراً برؤية الأثاث معها و مشاركتها الرأي.
نظرت له بعتاب، و همست بصوت لا يسمعه سواه: «أنت هكذا مَن تثير غيظه و تفتعل المشاكل معه!»
رفع كتفيه بلا مبالاة، و بادلها الهمس: «على العكس، أظن أن هذا أفضل بالنسبة إليه عن الالتصاق بكِ، على الأقل هكذا أي حركة من الممكن أن تسقطني أرضاً»
قاطعهما هيثم ناهضاً بعنف، يقول دون أن ينظر إليهما: «ساذهب إلى غرفتي»
قفز ماهر فرحاً، و سارع في الجلوس بجانبها، يقول باستمتاع: «و لكنه سمح لي بالالتصاق بكِ!»
تحرك ذراعه محيطاً خصرها مقرباً إياها منه، تزامناً مع كلماته.
تململت لمياء في جلستها، و قالت محاولة الهرب من قربه الخطير:
«استقريت على هذا و هذا، لنذهب و نراهما»
أشارت إلى صورتين من الألبوم، ليتأفف ماهر بضيق، متمنياً أن يأتي ذلك اليوم الذي تكون فيه في بيته و لا تستطيع الهرب منه!
«لنذهب»
**********
في أحد المجمعات
اتسعت ابتسامتها تدريجياً و هي تتطلع إلى أثاث غرفة الضيوف الذي أمامها، و قالت بفرحة طفولية:
«هذا هو يا ماهر،أريده»
يقسم بأغلظ الإيمان أن يشتريه لها مهما كان سعره، المهم ألا تخبو فرحتها!
و لكن القدر كان له رأياً مختلفاً، تعالت الصيحات من حولهما، صيحات غريبة لم يفهما سببها، و كلمات كثيرة تُقال لم تصلهما بوضوح!
لتتضح كلمة وحيدة، و لكنها كافية لإثارة الرعب في نفسهما و نفوس كل رواد المجمع:
«في المجمع قنبلة»
ازدادت الصيحات من حوله، و الجميع يسارع في الهرب!
**********
يسير وراءها من الصالة إلى المطبخ، ثم إلى الغرفة، ثم يعود مرة أخرى إلى المطبخ، و كلمة واحدة تتردد على لسانه:
«أمي»
شقيقته تضحك عليه، ترقصّ حاجبيها باستفزاز، فينظر لها بشزر، يهددها بحركة من يديه أنه لن يرحمها إن لم تساعده في مهمته مع والدته.
فالأخيرة غضبت من حديثه ذلك اليوم مع نيّرة، قائلة له بضيق:
«لقد أتعبت قلبي، ماذا أفعل معك؟
إلى متى سأتوسلك لتتزوج و ترى حياتك؟»
و بعد هذه الكلمات امتنعت عن الحديث معه، مصرحة بنبرة لا تقبل الاستسلام:
«لسانك لا يخاطب لساني، لن أرضى عنك إلا حينما تتزوج»
و ها هو منذ ذلك اليوم يحاول استمالة قلبها تجاهه بفشل، والده و شقيقته يشاهدان محاولاته باستمتاع!
اعلن استسلامه رغبة منه في عودة علاقته مع والدته كما كانت و الحصول على رضاها.
«حسناً أمي سأتزوج»
توقفت راوية غير مستوعبة كلماته، التفتت إليه ببطء و نظرات عدم التصديق تظهر في عينيها، تسأله بشك:
«ماذا قُلت؟»
يعيد كلماته بنبرة رتيبة، تفتقد الحماس الذي من المفترض أن يكون موجوداً:
«سأتزوج أمي، أليس هذا ما تريديه؟»
عبست بملامحها، هزت رأسها نافية، تقول بصدق: «لا أريد سوى سعادتك»
قلبه دعاه للانتظار، ألا يتحرك سريعاً فيندم!
و لين والدته شجعه للقول: «لكن من فضلكِ امنحيني شهراً، شهر واحد فقط و أعدكِ بعدها أني سأتزوج ممَن تختارينها»
و إذا كانت الدنيا تنقلب خلال ساعات، فما بالك بشهر!
وافقته والدته على مضض، مقنعة نفسها أنه لا ضرر في الانتظار قليلاً طالما أقنعها أنه سيلتفت إلى حياته!
صفقت جنان بجذل، هاتفة بشقاوة: «و أخيراً سيحل الخصام عن بيتنا»
ضحك مروان، بعثر خصلات شعرها بشقاوة، يقول بثقة: «أمي لا تغضب مني من الأساس»
غمزته بشقاوتها المعتادة، و قالت: «يا واثق»
تعالى صوت والدهما طالباً منهما الهدوء، بينما يرفع من صوت التلفاز مستمعاً للأخبار، و زوجته تقف بجانبه واضعة يدها على قلبها متألمة مما تراه، داعية الله أن ينجي الجميع!
هتف مروان بأسى: «لا حول و لا قوة إلا بالله، إنا لله و إنا إليه راجعون»
تزامناً مع ظهور شريط أحمر على جانب شاشة التلفاز، يحمل عنوان عاجل، كُتِب فيه بالخط العريض:
«انفجار قنبلة في مجمع……. و أعداد الموتى و المصابون في ازدياد»
و على شاشة التلفاز ظهرت صور الحادث الأليم!
انتهى الفصل، قراءة سعيدة

noor elhuda likes this.

Aya-Tarek غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-12-20, 09:11 PM   #17

Aya-Tarek

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 420321
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 516
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Aya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك rotana
افتراضي


الفصل الرابع
في صباح نفس اليوم
تبقّى الأمر الأصعب، إقناع والدها بعملها، فهي منذ تخرجها جلست في البيت و لم يتحدث معها والدها في هذا الموضوع، حتى باتت تعتقد أنه لا يحبذ عملها!
وجدته جالساً في الشرفة الداخلية، يقرأ الجريدة -كما المعتاد في مثل هذه الساعة كل صباح-، اقتربت تقبّل وجنته بحب، و تقول:
«صباح الخير حبيبي»
طوى سعد الجريدة و وضعها على الطاولة المستقرة أمامه، ثم التقط كف ابنته ليقبّله بحنو، و يقول:
«صباح الجمال يا زينة البنات»
ابتسمت حباً لهذا اللقب الذي يدعوها به، و الذي أطلقه عليها أول مرة بعد إعلان خطبة باسم و رشا..
و كأنه يعلم سبب ترك باسم لها، فأصبح يدعوها بـ (زينة البنات)!
مع أنها متيقنة بداخلها أنها على عكس ذلك، على الأقل شكل!
جلست أمامه مبتسمة بتوتر، تحاول ترتيب الكلمات في عقلها قبل التفوه بها كي لا يرفض رغبتها!
إلا أنه لم يمنحها الفرصة، حيث قال: «ارى طلباً قادماً، فماذا تريدين؟»
تضحك مستعجبة، و تسأله: «أبي اخبرني كيف تعرف أنني أريد منك شيئاً؟»
يرفع كتفيه ببساطة، و يوضح: «لأنكِ لا تجلسين كالصغار، عيناكِ تتحركان بتوتر، إلا إذا كنتِ تريدي شيئاً و تعلمي أنني سأرفضه!»
تضحك بتوتر، و تقول: «نعم صحيح، و لكنني لا اعلم هذه المرة إن كنت ستقبل أم ترفض»
يبتسم على ضحكتها، يقسم بداخله على فعل أي شئ لتكون هذه الضحكة نابعة عن سعادة و ليس عن توتر.
«اخبريني لتعرفي رأيي»
فرقعت أصابعها بتوتر، تقول منتقية كلماتها بعناية، علّها تستطيع إقناعه.
«أبي، لقد بت اشعر بالملل من الجلوس في البيت طوال الوقت، لا اجد ما يشغلني و أقضي وقتي فيه، و أمر التكليف لم يأتي حتى الآن»
«و ستنتظري حتى أخر العمر»
تذكّرت نبرة باسم الساخرة عندما ألقى هذه الكلمات أمس أمام شباب عائلتها بلا مبالاة.
تابعت بحزن: «و لا أظن أنه سيأتي»
يتوقع سعد حديثها القادم، رغبتها في العمل، لكن يؤجل رأيه حتى تصرح هي برغبتها.
«و عليه؟»
أخذت نفساً عميقاً، و هتفت: «أريد العمل مع لارا في دار الأيتام الذي تملكه هي و صديقاتها»
يعرف لارا منذ سنوات، لذا لن يكون هناك قلق إن عملت ابنته معها، سيكون مطمئناً عليها..
لكن يبقى السؤال، ما الذي جعل ابنته تفكر في العمل الآن؟!
«أنا لست مقتنعاً مروة، هل غفيتِ و استيقظتِ فوجدتِ نفسكِ ترغبين في العمل؟»
و على الرغم من وضوح سؤاله، إلا أنها راوغت قائلة: «لا أفهم أبي»
يبتسم بإدراك، و يسألها: «بل تفهمينني جيداً يا فتاة، اخبريني السبب الرئيسي وراء رغبتكِ في العمل»
ماذا تخبره؟
أن العمل لم يخطر يوماً على بالها..
أنها كانت في انتظار التكليف كأمر مسلّم به..
لكن سخرية مرام منها أمس أشعلت ناراً بداخلها..
و يا للعجب، جاءت كلمات عزام لتخمد نارها و كأنها لم تكن!
لتخطر لارا على بالها؛ و بالفعل تستقبلها صديقتها بصدر رحب..
و تكمُن كلمة السر في عزام!
ذاك الذي جعلها تفكر فيما لم تفكر فيه من قبل!
بالتأكيد لن تخبر والدها بكل هذا!
أولاً، لأنه بالتأكيد ستقوم مشاجرة بينه و بين شقيقه بسبب سخرية مرام منها أمام الجميع، و هي لن ترضى بهذا، أن يكون هناك المزيد من الخلافات بين والدها و أشقائه بسببها!
و ثانياً، لأنه سيتعجب من موافقتها لرأي عزام دون تفكير، سيظن أنها معجبة به، و هذا طبعاً غير صحيح!
«إن كنت لا توافق فلا مشكلة، لا داعي لكل هذه الأسئلة»
يقسم على أن ابنته تخفي عنه شئ، و لكنه سيظل معها حتى يرى ما ترغب في الوصول إليه، و لعلّ هذا العمل يكون السبيل لسعادتها!
«موافق حبيبتي، تحدثي مع صديقتكِ و اتفقي معها»
قالها بابتسامة.
تقفز فرحة كالأطفال، و تقول بسعادة: «حقاً أبي؟
شكراً لك..
لقد تحدثت مع لارا بالفعل، و هي تنتظرني في الدار»
يرفع أحد حاجبيه بعدم رضى، يقول معاتباً إياها: «هكذا إذاً، تحدثتِ مع لارا و أخذتِ منها موعد، و كأن موافقتي أمر مفروغ منه!»
تقول بتبرير: «لا، بالتأكيد لا، أنا لم و لن افعل شيئاً إلا بعد موافقتك، كل ما في الموضوع أنني أحببت التأكد من موافقتها أولاً قبل أن»
صمتت غير قادرة على التعبير عن مشاعرها.
يأومأ سعد متفهماً، و يقول: «المهم أن تكوني سعيدة حبيبتي..
اذهبي و استعدي لموعدكِ»
تنهض مستجيبة، تتجه إلى غرفتها لتستعد لمقابلة صديقتها، آملة أن يكون عملها بداية جديدة لها!
**********
مشفى تعج بالمصابين، تستقبل حالات خطِرة كل دقيقة و أخرى، المشرحة امتلأت بالموتى حتى لم يعد فيها مكان للمزيد!
و بين كل هذا، أناس تأتي مستعلمين عن أفراد عائلتهم، يدعون الله بنجاتهم من ذلك الحادث الأليم.
في الشارع؛ حالة استنفار من رجال الشرطة لمعرفة المتسبب في الحادث و القبض عليه.
داخل البيوت استنفار من نوع آخر، الناس خائفون من الذهاب إلى أي مكان!

بالعودة إلى المشفى
في غرفة العناية المركزة
متمدد على السرير بوجه شاحب، شفاه بيضاء، جسد موصول بالأسلاك و التي بدورها موصولة بجهاز يصدر صوتاً مزعجاً، و مع ذلك تتعلق به أنظار مَن يقفون خارج الغرفة؛ يتطلعون إليه من جدارها الزجاجي داعين الله ألا يتوقف هذا الصوت حتى لا يتوقف القلب عن النبض!
ألم يحتل كامل جسده، خوف يسيطر على قلبه، ذكريات الحادث تتدافع إلى عقله و هو نائم، مستكين على المهدئات!
**********
قبل بضع ساعات
تطلعت لمياء إليه بذعر، الجميع من حولها يفرون هاربين من قدر محتوم، بينما هي قدماها مثبتة في الأرض، لا تقوى على الحركة من الصدمة!
و ماهر لم يكن يقل عنها صدمةً، و لكن عقله عمل سريعاً، يحثه على الركض خارج المكان و إنقاذ نفسه و حبيبته، فيرسل هذه الإشارات إلى جسده و الذي بدوره يتحرك بسرعة نحوها..
تلتقط يده كفها، يقبض عليه بقوة خشية أن يفترقا وسط هذا الزحام أو تسقط أرضاً بسبب دفع الناس لبعضهم فلا تستطيع الفرار.
نظر إليها بعزم، وعد بحمايتها بحياته، ثم تحرك بسرعة و هي خلفه، يدفع كل مَن يقطع طريقه بعصبية أساسها الخوف.
لحظات صعبة قضاها كل رواد المجمع، ما بين خوف من فقدان الحياة و أمل في النجاة، فلم يهتموا بمَن أمامهم، لا يفرقوا بين رجل و امرأة، طفل و شيخ، يدفعون كل مَن يقف في طريقهم بأنانية مصدرها الرغبة في إنقاذ الذات.
تتوقف xxxxب الساعة، تتعالى دقات القلوب و كأن النفس تعلم أنه آن الآوان، وقت الحساب قد حان؛ حينما تنفجر القنبلة محيلة المكان إلى رماد!
**********
عودة إلى الوقت الحالي
توقفت دقات قلبه إثر ذكرياته، الجهاز ذو الصوت المزعج يصدر صوتاً رتيباً مثيراً في النفوس الفزع!
و ما هي إلا دقائق حتى امتلأت غرفة العناية بعدد من الأطباء و الممرضات، و تتبرع إحداهن بإغلاق الستار مانعة أهالي المريض من رؤية هذا المشهد القاتل لقلوبهم!
**********
من ناحية أخرى، في نفس المشفى، أمام غرفة العمليات..
عائلة تقف على بابها ناجين الله أن يخرج ابنتهم من الداخل سالمة.
دقائق تمر صعبة على قلوبهم الوجلة، الأمل يزهد مع كل ثانية تنقضي دون خبر عن صغيرتهم.
تحتبس الأنفاس داخل الصدور عند خروج الطبيب، تلتفت حوله العائلة ينهالون عليه بالأسئلة..
يقاطعهم الطبيب بإشارة من يده، و بنبرة عملية بحتة يقول: «للأسف ساقها تأذت كثيراً، فعلنا ما في وسعنا للسيطرة على الأمر لكننا لم ننجح، لذا لم يعد أمامنا سوى البتر»
تباطأت دقات القلوب، توسعت العيون بذهول، ارتجفت الألسنة غير قادرة على الكلام..
رُباه ماذا يحدث؟
هل ستفقد صغيرتهم ساقها؟
ستكون بساق واحدة، لا تستطيع السير كبقية البشر!
أشفق عليهم الطبيب و هو يرى حزنهم البادي على ملامحهم، فتابع محاولاً التخفيف عنهم:
«الأمر لم يعد بهذه الصعوبة، هناك ما يسمى ساق صناعية، صحيح هي مكلفة قليلاً، و لكنها كالساق الطبيعية تماماً لا يوجد أي اختلاف»
يُخرج والد لمياء الكلمات من شفتيه بصعوبة: «افعل ما تريد المهم أن تعود لي ابنتي»
يأومأ الطبيب متفهماً، و يسارع بالعودة إلى غرفة العمليات.
غطت والدة لمياء وجهها بطرف حجابها و بدأت في العويل، تقول وسط بكاءها:
«حسرتي عليكِ يا ابنتي، ستبتر ساقكِ و أنتِ في ريعان شبابكِ..
آه يا حبيبتي، ليتني كنت مكانكِ»
تابعت بقلب مفطور و زوجها و ابنها ينظران إليها بألم: «آه يا حبيبتي كيف ستحيين؟
كيف ستعيشين حياتكِ بهذا الوضع؟»
ذرفت دموع هيثم دون أن يشعر، يقترب من والدته، يجلس تحت قدميها، و يقول بصوت مبحوح محاولاً إقناع نفسه قبلها: «لا تقولي هذا أمي..
ألم تسمعي الطبيب؟
لقد قال أنها ستستخدم الساق الصناعية، أي لن يكون هناك أي اختلاف بمشيئة الله»
تحتضنه والدته بقوة، تهتف بحسرة: «و لكنها في الأول و الأخير صناعية، ستظل شقيقتك تشعر بالنقص»
«كفى، اصمتا قليلاً و احمدا الله أنها بخير و لم تلقى نفس المصير الذي لقاه الكثير غيرها، الحمد لله أنها معنا و لم يحرمنا الله من وجودها»
هدر والد لمياء بقوة، على الرغم من أن قلبه يتآكل ألماً و حزناً على ابنته، حبيبة روحه، إلا أن ملامحه لم تحمل سوى الصلابة، فعلى أحدهم ألا ينهار، يحتوي حزن البقيّة، و ألم الفتاة عندما تستيقظ و تعلم ما حدث!
يمتثل هيثم و والدته إلى أمره، يرددون خلفه الحمد لله على وجودها، مع أن دموعهما لاتزال تغطي وجهيهما!
**********
بداية جديدة..
هذا ما تشعر به؛ أنها تبدأ مرحلة أخرى في حياتها، تتمنى أن تكون مليئة بالسعادة، على خلاف سنوات عمرها الماضية!
تتمنى أن تنسيها ألمها، أن تنسى باسم بكلماته عنها و.. حبه!
وصلت إلى دار الأيتام التي تديره لارا مع صديقاتها، لتدخل إليه بقلب مفعم بالأمل.
استقبلتها لارا في مكتب الدار، و الذي كان يجلس فيه ثلاث فتيات أخريات، هاتفة بمرح:
«لا أصدق، مروة وردية الجامعة الباحثة عن ذاك الرجل الوسيم السارق لنظرات الفتيات هنا في دارنا، يا هلا يا هلا»
تعالت ضحكات مروة على كلماتها، و ذكريات الجامعة تهاجمها، لتقترب محتضنة إياها بقوة، تلكز كتفها بخفة، ممازحة:
«يا إلهي يا فتاة، ألن تكفي عن جنونكِ هذا؟!»
ابتعدت لارا عنها، تعدل حجابها -الذي ارتدته حديثاً- بغرور مصطنع، و تقول: «و مَن سيجنن الدكتور إن كففت عن جناني!»
تقول مروة بابتسامة يائسة: «أعانه الله عليكِ»
هزت لارا رأسها بمرح، قائلة: «اترككِ من الدكتور و ما يفعله، فلقد أصبح أشد جنوناً منّي»
قاطعتها ريناد بمرح: «مَن عاشر قوماً»
ضحكنّ الفتيات على جملتها، فصديقتهنّ تحيل العاقل إلى مجنون في ثواني..
تصدر لارا صوتاً مستاءً، ثم تقول لمروة: «حسناً يا صديقتي العزيزة، بما أنكِ لم تري هؤلاء الفتيات من قبل سوى مرة واحدة»
تقاطعها ياسمين بنبرة رقيقة كرقتها: «مرتين»
أشارت لها لارا بلا مبالاة دون أن تنظر إليها، و قالت: «لا تفرق كثيراً يا حلوى فريد»
تعيد انتباهها إلى مروة و تقول: «سأعرّفكِ بهنّ»
تلتفت إلى أول فتاة؛ الجالسة على أريكة مريحة، تمدد قدميها المنتفختين عليها..
«هذه ييناد، و ركزي في حرف الياء جيداً، ييناد و ليست ريناد، لأن هناك مَن يعشق لدغتها!»
استقبلت المدعوة ريناد كلمات لارا بتأفف، التقطت وسادة الأريكة لتلقيها عليها، قائلة:
«لا تسخري من لدغتي يا لارا»
تضرب لارا صدرها بحركة درامية، قائلة باستنكار: «اسخر منكِ!
حاشا لله، أنا فقط أُعلمها بتفاصيلكِ، حتى لا تتعجب إن التقت ببشار و رأت عينيه اللتين تلتمعان بالقلوب عندما تنطقين اسمه»
تعالت ضحكات مروة و هي تتأمل تلك الشابة الصغيرة ببطنها المنتفخة و وجهها المتورد، تبدو في شهور حملها الأخيرة..
«أهلاً بكِ، و مبارك لكِ»
ابتسمت لها ريناد ابتسامة صافية، و أجابتها: «شكراً حبيبتي، العقبى لكِ»
استقبلت مروة كلمتها بابتسامة خاوية كروحها!
تلتفت لارا إلى الفتاة الأخرى؛ الجالسة على مقعد بجوار المكتب، و هاتفها في يدها لا يتوقف عن الرنين و لا تنفك هي عن الرد على الرسائل الواردة.
«و هذه تسنيم ممنوع الاقتراب، انظري إن سقطت فقط خصلة من شعرها زوجها يقلب الدنيا رأساً على عقب، فالأفضل عدم الاحتكاك بها حفاظاً على حياتكِ!»
«ها ها ها اضحكتيني، كل هذه غيرة من اهتمام ميزو بي؟»
ردت تسنيم على كلمات لارا الساخرة.
أصدرت لارا صوتاً مشمئزاً، و قالت: «يع ميزو، ستصيبيني بالغثيان»
تتولى ريناد الرد و تلقي على لارا وسادة أخرى..
تتذمر لارا قائلة: «ماذا يا فتاة، أنا لم آتي جانبكِ!»
ثم تلتفت إلى الأخيرة؛ و التي كانت تجلس على رأس المكتب، بملامح هادئة و ابتسامة رقيقة على شفتيها من مشاكسات صديقاتها.
«و هذه البيج بوس، صاحبة فكرة الدار و مَن سعت لتنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع»
حمدت ياسمين ربها بداخلها لأن لارا لم تلقي كلمة أو اثنتين تشاكسها بها..
لكن لارا لم تكن لتنسى ذلك، فقالت و هي تلعب بحاجبيها:
«و حُلوى فريد اللذيذة، مع إني لا أعرف ماهية تلك اللذة!»
تشير ياسمين إلى ريناد بعينيها بحركة فهمتها الأخيرة، لتتفاجأ لارا بوسادة أخرى تُلقى عليها، فتتذمر بصوت عالي:
«يا ما بكنّ؟»
تترك تسنيم هاتفها بعد أن أنهت حديثها مع مازن..
و تنهض قائلة إلى مروة: «اعلم أنكِ تعرفين هذه الفتاة منذ سنوات و لكنني أريد إجراء تعريف صغير عن شخصيتها بنفس طريقتها»
وافقتها مروة بحماس و جو الألفة و المحبة اللذان ينبعثان من الصديقات يتسرب إلى قلبها فيمنحه سعادة لا مثيل لها!
«لكِ ذلك»
تبتسم تسنيم بخبث و الفرصة تأتيها للانتقام من لارا، فتقول بمرح:
«لارا القزمة ذات اللسان الأطول منها، يمكنكِ دعوتها بكومة الشعر..
و خافي على نفسكِ و أنتِ معها، فهي متهورة و تفعل ما لا يُحمد عقباه!»
تسارع لارا بالقول: «سخيفة»
قاطع حديثهنّ و مرحهنّ رنين هاتف ياسمين، فالتقطته و ابتسامة عاشقة ترتسم على شفتيها و هي ترى اسم فريد..
فتحت الخط، لتتفاجأ بصياحه القلِق: «أين أنتِ؟»
عقدت حاجبيها بارتياب، و أجابته مطمئنة إياه: «في الدار، لِمَ؟»
تصلها زفرة ارتياح، و همسه: «الحمد لله، خفت كثيراً أن تكوني ذهبتِ إلى هناك»
لم تفهم معنى كلماته، فسألته بحيرة: «إلى أين؟»
يلقي فريد كلماته بحزن: «المجمع الذي اخبرتني أنكِ ذاهبة إليه انفجر»
شهقة مصدومة صدرت منها و قلبها يؤلمها على مصير مَن كانوا فيه.
تلفت أنظار صديقاتها، فتحدقنّ فيها بحيرة، انقلبت إلى خوف و هنّ يرينّ الحزن المرتسم على ملامحها.
«لا حول و لا قوة إلا بالله..
متى حدث ذلك، و كيف؟»
يجيبها باختصار: «التفاصيل لازالت مبهمة..
المهم.. انتبهي إلى نفسكِ، لا تتحركي من الدار إلا عندما آتي»
تطمئنه قائلة: «حسناً حبيبي لا تقلق»
أغلقت الهاتف، لتسألها ريناد بحذر: «هل من مشكلة؟»
أجابتها ياسمين و هي تمسّد على قلبها بتعب: «مجمع… الذي كنا ننوي الذهاب إليه، فريد يخبرني أنه انفجر»
تشهق لارا بخوف، عيناها تمتلأ بالدموع، فظننّ صديقاتها أن هذا من التأثر، إلا أنها صدمتهنّ بكلماتها:
«يا إلهي، لمياء.. لمياء هناك»
قالت كلماتها و هي تبحث عن هاتفها بعينين زائغتين، التقطته بأصابع مرتجفة، لتتصل بصديقتها و تطمئن عليها..
«إن الهاتف المطلوب ربما يكون مغلقاً أو غير متاح حالياً، من فضلك حاول الاتصال في وقت لاحق»
وصلتها هذه الجملة، لتبعد الهاتف عن أذنها بخوف، قائلة:
«هاتفها مغلق»
تقول مروة بقلق تحاول السيطرة عليه: «ربما فرغت بطاريته»
و لكنها لم تقتنع بكلماتها، كما لم تقتنع لارا بها!
حاولنّ بقيَّة الفتيات تهدئتهما، إلا أنهنّ لم يفلحنّ، فالقلق و الخوف كانا مسيطرين على الفتاتين..
«لديّ رقم والدتها، ساتصل بها»
تفوهت مروة بهذه الكلمات و كأنها المنقذ من خوفهما، لتحثها لارا على الاتصال بها بسرعة..
و بالفعل، اخرجت مروة هاتفها من حقيبتها، اتصلت بوالدة لمياء، و انتظرت الرد..
رنة.. اثنتين.. ثلاث رنات، و حتى الرنة الأخيرة، و لم يصلها رد!
ازداد قلقهما، و هي تحاول الاتصال بها مرة أخرى و أخرى..
تبعد الهاتف عن أذنها بيأس، و تقول بوجه شاحب: «لا يوجد رد»
و لم تنتظر لارا أكثر، فخرجت مسرعة تتبعها مروة، و بقيّة الفتيات تدعونّ أن تكون لمياء بخير.
**********
منكبة على الجريدة، تقرأ مقالها -الذي نُشِر من قبل- بتركيز شديد، لتتأكد ألا كلمة حُذفت منه!
يخرجها من استغراقها اقتحام صديقتها المكتب، قائلة:
«براءة، هل سمعتِ آخر خبر؟
لقد انفجر مجمع….»
توسعت عيناها بعدم تصديق، و صاحت: «كيف؟»
و لم تنتظر توضيح صديقتها، حيث التقطت هاتفها و آلة التصوير الخاصة بها و أسرعت إلى موقع الحادث..
**********
أشار حارسه المقرب إلى إحدى الفتيات الخارجة من الجريدة راكضة بملامح متجهمة، و قال:
«هذه هي سيدي»
تطلع إليها الرجل باهتمام، قامتها القصيرة، شعرها الذي يتأرجح على كتفيها بفعل ركضها، ليتابعها و هي تصعد إلى سيارتها بعجل، فيضغط على السيجارة التي بين أصابعه، قائلاً من بين أسنانه:
«براءة جلال الدين، ستذهبي إلى الجحيم إن فكرتِ الوقوف في وجه أعمالي!»
يأمر السائق بعدها بالتحرك و فكره منشغل فيما سيفعله مع هذه الفتاة، فلابد من أن تكون تحت عينيه حتى لا تصل إلى معلومات أكثر عن عمله!
**********
اسمها يخرج من بين شفتيه ما بين الغيبوبة و اليقظة، يحثها على عدم الخوف، يطمئنها بأنه بجانبها و لن يمسّها أذى، و كأنه يعيش أحداث تلك الفاجعة مرة أخرى و القنبلة لم تنفجر بعد!
يرتسم البؤس على ملامح عائلته، يتسائلون عما سيفعله عندما يستيقظ و يعلم ما حلّ بزوجته!
فلقد وصلتهم الأنباء بأن الفتاة بُتِرت ساقها، و يا الله كم هذا صعب!
«حبيبتي لا تخافي، أنا معكِ»
شهقة صدرت من والدته و هي تقترب من سريره، تركع جانبه، تلمس صدره بحنو.
«ماهر، بنيّ»
و كأنه لا يسمعها!
استمر في القول:
«آه، لمياء حبيبتي»
تبكي والدته بضعف، تخبره من بين شهقاتها:
«أنا والدتك حبيبي، أنا بجانبك»
يلتقطها زوجها ساحباً إياها إلى أحضانه، قائلاً بوهن مصدره الخوف:
«إنه لا يعي إلى وجودكِ، مازال تحت تأثير المخدر»
تدفن رأسها في صدره، دموعها ترطب وجنتيها، تقول بحرقة:
«ابني كان سيضيع من يدي، كنت سأفقده»
يتنهد والد ماهر بقوة، و يتمتم: «الحمد لله الذي نجّاه من موت مؤكد»
**********
من جهة أخرى
بعد بحث لم يستغرق الكثير، فلقد تم إعلان أن جميع ضحايا الحادث نُقلوا إلى مشفى...، وصلت لارا و مروة إلى هناك.
اتجهتا إلى العناية المركزة حيث أرشدهما موظف الاستقبال، ليتوقفا في مكانهما عندما لمحتا عائلة لمياء..
الحزن.. اليأس.. قلة الحيلة مرتسمة على وجوههم جميعاً.. حتى هيثم، ذلك الشاب المفعّم بالمرح، كانت ملامحه بائسة.. جامدة، مما يعني أن صديقتهما في خطر!
تسلحت لارا بقوتها و تحركت باتجاههم، تتبعها مروة بخطوات وجلة.
«كيف حالها؟»
سؤال بسيط صدر من فم لارا، و لكن الإجابة كانت الصمت!
تنظر إلى صديقتها بقلق، فتسأل مروة:
«هل هي بخير؟»
يتولى هيثم الرد، فيلقي بجملة وحيدة.. صغيرة، لكن أثرها كان كبيراً في نفسهما:
«بُتِرت ساقها»
شهقة صدرت من الاثنتين على حد سواء، ألم كبير يحتل فؤادهما، غصة تسيطر على حلقهما حزناً على صديقتهما..
ساقها بُتِرت!
أي أنها أصبحت عاجزة، صديقتهما الوفيّة.. الحكيمة، التي لم تكن تتوانى عن الوقوف بجانبهما و نصحهما، أصبحت في نظر المجتمع الآن عاجزة.. بلا فائدة!
«قفا بجانبها عندما تستيقظ و تدرك مصابها، فهي ستحتاجكما بكل تأكيد»
توسلتهما والدة لمياء بضعف.
يعنفها زوجها بقوة مصدرها إيمانه برب واحد لا يظلم، يمنح الإنسان ما فيه خير له:
«أي مصاب يا امرأة!
إنه اختبار من الله، صحيح أنه اختبار قاسي، و لكن لمياء بقوتها و صبرها ستجتازه، أنا واثق من ذلك»
يعمّ الصمت عليهم بعد كلماته، لكن قلوبهم لم تتوقف عن الدعاء للمياء.
**********
تأنقت بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فارتدت فستاناً أحمر اللون، ينساب على جسدها حتى أول كاحليها، يلتصق به محدداً مفاتنها!
تعلوه سترة من الشيفون الأسود، تصل إلى أول خصرها و تُظهِر مقدمة كتفيها..
و تركت شعرها البني منسدل على ظهرها، في حين وضعت أحمر شفاه من نفس لون الفستان ليزيدها إغراءً، حددت عينيها العسلية بكحل عربي أبرز لمعتهما الغريبة.
تأملت مظهرها مبتسمة بثقة، سرعان ماتحولت إلى حيرة!
لِمَ تفعل ذلك؟
لِمَ هي مهتمة بالظهور أمامه بأبهى طلة؟
إلى ماذا تسعى؟
تسارع خفقاتها أجابها على سؤالها، فلمسّت على موضع قلبها بارتجاف..
يا إلهي، هل أحبته؟
هل أخيراً ستشعر بهذا الشعور الذي كانت تتوق له؟
و لكن ماذا لو.. لا يشعر هو اتجاهها بشئ؟!
هزت رأسها بعنف مبعدة هذه الفكرة عن رأسها..
تتنهد بقوة و حالة من التخبط تتملكها لأول مرة، حيرة من مشاعرها و صحتها اتجاه كمال، و حيرة من كمال و ما يكنه لها!
تعالى رنين هاتفها منبهاً إياها، لتنظر إلى شاشته فتجد اسمه مضيئاً، فتفتح الخط و دقات قلبها تتسارع.
«مساء الخير»
وصلتها نبرته التي تتلاعب بنبضاتها، لترد بتوتر:
«مساء النور، هل وصلت؟»
و كأنه يصّر على التلاعب بها و التأثير فيها!
صدحت ضحكاته عالية مربكة إياها.
«علام تضحك؟»
يجيبها بعد أن خفتت ضحكاته: «أنتِ دائماً متعجلة هكذا، لا تعطين أحد الفرصة للحديث!»
عضت شفتيها بحرج و لم تعلق على كلماته، ليردف: «نعم لقد وصلت و انتظركِ في الأسفل..
أرجو ألا تتأخري، فحراس والدكِ يكادون يأكلونني بنظراتهم»
و صبغ جملته الأخيرة بمرح.
تتحرك بسرعة ملتقطة حقيبتها و هي تستمع إلى كلماته، لترد عليه:
«دقيقة واحدة و سأكون أمامك»
يغلق الخط منتظراً إياها، و طال الانتظار!
**********
«هل سمعت عن المجمع الذي انفجر أبي؟»
ضحكة عالية صدرت من والده، قبل أن يقول بمكر: «بالطبع، و مَن لم يسمع!»
يبتسم الابن بخبث لا يختلف كثيراً عن والده، و يقول بنبرة مدركة:
«ضحكتك تعني أنك وراء هذا»
يرفع الأب ذراعيه عالياً بصبيانية تخالف شعره الأشيب و عمره الذي تجاوز الخمسين:
«برئ، لا ذنب لي فيما حدث»
يرفع ابنه حاجبيه باستنكار، فيوضح والده: «تخص الأكبر منّا، لكن نحن مخدرات و فقط، لا داعي للدخول في أكثر من ذلك»
يأخذ الابن نفساً من سيجارته، ثم يؤيد والده: «نعم أفضل، يكفي ما يأتينا من المخدرات من مشاكل»
**********
كتمت ضحكتها بقوة و هو ينظر إليها بنصف عين، لتقول بنبرة ضاحكة:
«كمال يكفي، لا تنظر لي هكذا»
يضيق عينيه، و يقول بحنق خفيف: «ربع ساعة انتظر، هذه هي الدقيقة الواحدة!»
لم تتمالك نفسها، فتعالت ضحكاتها مرة أخرى، ليتابع بنفس النبرة:
«و تضحكين أيضاً!
و أنا مَن ظننتكِ مختلفة!»
ظهرت الحسرة في آخر كلماته، فقتلت ضحكاتها!
هل كان على علاقة من قبل؟
«لابد أنك انتظرت كثيراً من قبل»
هز رأسه بأسى ألم قلبها و هي تفكر في تلك التي حظيت على اهتمامه سابقاً..
و هل يا تُرى لازالا على علاقة؟
«كنت و مازلت، فعلى الرغم من زواجها، إلا أنها لا تفضّل الخروج أو التسوق إلا معي، أو أنها تُجبر على ذلك، فزوجها لا يتحملها»
زوجها، عمن يتحدث!
«مَن تقصد؟»
يقول بابتسامة جانبية: «و مَن تعتقدين؟
شقيقتي بالطبع»
شقيقته، شقيقته نعم، يا لغبائها، كيف لم تعرف ذلك؟
و لكن!
«ألست على علاقة مع إحداهن؟»
تنفرج عيناها بقوة مدركة لسؤالها الذي ألقته بتهور و هي ترى ابتسامته الواسعة، نظراته المتلاعبة!
نهرها عقلها على غبائها، و لكن قلبها وقف أمامه صامداً، يعلن فضوله عن معرفة كل شئ عن هذا الرجل، من أكبر كبيرة إلى أصغر صغيرة في حياته!
فهو و لأول مرة ينبض هكذا!
استرخى كمال في جلسته، نظراته تُمرر عليها بجرأة لم يقصدها، يتساءل عن سر سؤالها ذاك، هل مصدره العفوية، أم؟!
«حالياً لا»
و إجابته بدلاً من أن تشبع فضول قلبها أثارته أكثر!
فماذا تعني كلمة (حالياً)؟
هل كان لديه علاقات سابقة؟
«و من قبل؟»
يرفع أحد حاجبيه باستنكار، و يقول بخبث: «اتساءل عن سر طرحكِ لهذه الأسئلة!»
يعود عقلها و ينهرها على تهورها، فتعض شفتيها بحرج، و تكذب بضيق:
«أحاول فقط فتح مجال للحديث»
و مع أنه يدرك عدم صدقها، فعيناها الشفافة تخبره بعكس ذلك!
بل تخبره بالكثير، الكثير مما يدور في قلبه و لا يفهمه، و كأنها مرآة له، تضعه أمام الحقيقة!
إلا أنه أجابها بكل صدق: «علاقة واحدة فقط، و لا أظن أنه ينبغي إطلاق عليها كلمة علاقة، فلقد انتهت قبل أن تبدأ»
أراحتها كلماته خاصةً مع ملامحه المسترخية و التي تدل على عدم تأثره بتلك القصة.
«من الواضح أنك تخلصّت من حبها»
و لكنه فاجأها بحديثه، حيثُ تجاهل كلماتها عن تلك الفتاة التي كانت يوماً شيئاً مميزاً في حياته، و التي عزف عن دخول أي علاقة بعد خسارته لها..
ربما بسبب حبه لها أو خوف من الفشل!
المهم أنها أضحت بجانب هذه الحورية الجميلة بملامحها الناعمة و نبرتها الرقيقة.. لا شئ!
ليسألها: «و أنتِ، هل خضتِ علاقة من نوع ما من قبل؟»
و كما كان صريحاً معها، لن تخفي عنه شيئاً!
«كنت مخطوبة، و لكن الموضوع أيضاً انتهى قبل أن يبدأ»
«تحبينه»
سألها و عيناه تلتمعان بنظرة غريبة لم تنجح في تفسيرها، مع أنها تمنت من كل قلبها أن تكون النظرة مصدرها.. الغيرة!
«كان زواجنا سيكون أشبه بزواج الصالونات، بل هو بالفعل كذلك، فوالدته صديقة لوالدتي، رأتني و أعجبتها، فحثت ولدها على الارتباط بي، و لكن فيما بعد اكتشفت أن قلبه ليس لي، ملك لأخرى لم ينساها معي!
و عليه قررت الانفصال عنه»
أراحه معرفة بعض تفاصيل حياتها -إن لم تكن أهمها- دون أن يسأل، فتُثار شكوكها حول أسباب سؤاله!
«و لكنكِ لم تجيبي على سؤالي بعد!»
ترتسم على شفتيها ابتسامة متلاعبة، تتقدم لتستند على الطاولة بذراعيها، ثم تستند بذقنها عليهما، فتواجه نظراتها نظراته عن قرب، فيهيأ له أنها تعرّي دواخله!
«ألا تعتقد أن هذا السؤال شخصي.. جداً؟!»
يوافقها بداخله، فيطرق برأسه متظاهراً بالتلاعب في طعامه، بينما يقول بحرج:
«اعتقدت أننا أصدقاء»
تجيبه بفظاظة لا تعلم لِمَ سيطرت عليها!
«صداقتنا لا تعطيك الحق في التدخل في حياتي الشخصية»
«اعتذر»
تمتم بحرج بالغ.
تتوتر الأجواء بينهما و يحلّ الصمت، حتى قطعته حورية قائلة:
«أنا لم أحب بشار يوماً، و لن أحبه»
صرحت بخفوت بعد تأنيبها لنفسها على صلافتها معه في الحديث، فهي أيضاً اخترقت حياته الشخصية بأسئلتها..
و لكنها لم تكن تتوقع أبداً ما سيقوله، و سيجعل قلبها النابض حديثاً بعشق لا تعرف كيف تملكها ينتفض بسعادة!
«تزوجيني»
**********
عادت إلى منزلها بعد يوم صعب، صعب نفسياً و ليس جسدياً!
قلبها يتآكل حزناً على لمياء، الفتاة القوية التي كانت تواجههما بأخطائهما، تقف أمامهما بكل قوة إن حاولا فعل أي تصرف متهور، و التي بكل أسف تحولت اليوم إلى فتاة عاجزة..
بين ليلة و ضحاها تحولت من فتاة إلى أخرى..
تُرى ماذا سيكون رد فعلها عندما تعلم بوضعها الجديد؟
بل السؤال الأهم، ماذا سيكون رد فعل ماهر؟!
عبرت صالة منزلها متجهة إلى غرفتها، و هي تلقي السلام على أفراد عائلتها دون أن تنظر لهم..
لتستوقفها نبرة عزام المستنكرة:
«للمرة الثانية تتجاهلينني يا ابنة العم، بت أعتقد أن هناك خلافاً بيننا، مع أنني لا أذكر أنني أغضبتكِ من قبل!»
التفتت إليه مروة مبتسمة بخجل، قائلة باعتذار: «بالتأكيد لا عزام، أنا فقط لم انتبه إلى وجودك»
ترتسم ابتسامة مستمتعة على شفتيه بسبب تورد وجهها، يعترف بداخله أنه تعمد استفزازها لتصطبغ وجنتاها باللون الأحمر القاني، فهو يضيف لها رونقاً خاصاً بشكل أو بآخر!
«كيف حالكِ يا ابنة العم؟»
ما حكايته مع ابنة العم، ألا يستطيع نطق اسم مروة!
«بخير، و أنت؟»
و لكنه شك أن تكون بخير مع نبرتها الحزينة و ملامحها البائسة، و مع ذلك لم يشأ التدخل في حياتها أكثر من ذلك، فيكفي حثها على العمل، مع تعجبه امتثالها لذلك بهذه السرعة!
«مبارك لكِ، عمي اخبرني أنكِ بدأتِ في عمل جديد»
هل يعتقد أنها فعلت ذلك بسبب حديثه؟
هو بالفعل كذلك، و لكنها لا ترغب في إيصال هذا الشعور له!
شعور أنها.. تمتثل لقراراته!
«مجموعة من الأصدقاء يملكون داراً للأيتام، و طلبوا مني الانضمام إليهم، و بعد إلحاح كبير وافقت»
انطلقت الكذبات من فمها غير منتبهة لوالدها الذي توسعت عيناه بدهشة، فليس هذا ما أخبرته به صباحاً!
هناك (إن) في الموضوع!
«رائع، أنا سعيد من أجلكِ»
هتف عزام.
تبتسم له مروة، فتظهر غمازتها الوحيدة، لتتعلق بها نظراته مرة أخرى.
«شكراً لك عزام..
أنا أشعر بالإرهاق، بعد أذنكم»
ألقت كلماتها ثم اتجهت إلى غرفتها..
ارتدت قميصاً بسيطاً مريح في النوم، ثم استلقت على سريرها مفكرة أن عزام دائماً يظهر في أشد لحظات حزنها، فيجعلها تنساه أو تتناساه، حتى لو كان ذلك لعدة دقائق..
المرة الأولى كانت في زواج باسم..
و المرة الثانية اليوم، في خضم حزنها على ما ألم بصديقتها..
بالإضافة إلى تدخله في حياتها و حثها على الاستقلال بذاتها..
يثير حيرتها سؤال واحد، إلى ماذا يسعى عزام؟
**********
وصل إلى منزله بعد منتصف الليل مع أنه خرج من منزل عمه مبكراً!
فبعد مغادرة مروة إلى غرفتها لم يجد ما يجلس من أجله!
نعم يعترف أن ذهابه إلى منزل عمه من الأساس كان بغرض رؤيتها..
لمعرفة إن كانت استمعت لكلماته أم لا ربما..
و ربما لرؤية ابتسامتها الخجولة التي تُظهر غمازتها الوحيدة أو الاستمتاع بتورد وجهها الساحر!
و لكنه لم ينال كل هذا، فلقد بادلته كلمات قليلة لم تروي شوقه و اتجهت إلى غرفتها، مما جعل الاحباط يتملكه..
و عليه استأذن للمغادرة فور اختفاءها عن أنظاره..
ليجول بعدها الشوارع بشرود، قبل أن يعود إلى منزله!
عادت كلماتها تتردد في أذنيه:
«مجموعة من الأصدقاء يملكون داراً للأيتام، و طلبوا مني الإنضمام إليهم، و بعد إلحاح كبير وافقت»
لقد شعر بكذبها، شعر أن كل حرف تنطقه و كأنها تقول له من خلاله:
«لم أفعل هذا بسبب حديثك»
و عليه سيطر عليه شعورين مختلفين.. متناقضين!
فمن جهة فرح لأنها تحاول الثقة في نفسها و إقناعها أنها قادرة على اتخاذ قراراتها دون أي مساعدة..
و من جهة شعور بالحزن تسلل إلي قلبه و هو يشعر برغبتها في إبعاده عن محيطها!
خرج من كل أفكاره و هو يرى والدته مستلقية على الأريكة بوضعية غير مريحة، فأسرع بالاتجاه إليها، هامساً بخفوت كي لا يفزعها:
«أمي استيقظي»
استيقظت والدته على الفور، و كأنها كانت بانتظار سماع نبرة صوته.
«عزام، عدت»
جلس بجانبها، و هو يجيبها: «نعم حبيبتي»
ثم قبلها و تابع: «لِمَ تنامين هنا؟»
تجيبه والدته بحنو: «كنت في انتظارك لاطمئن عليك و أعد لك العشاء»
عشاء!
آخر ما يرغب فيه الآن هو تناول الطعام، لذا عليه باللجوء إلى الكذب، فوالدته لن تقبل بمجرد رفض!
«أنا بخير حبيبتي، و تناولت العشاء مع أصدقائي لا تقلقي»
تقبّله والدته ثم تنهض من على الأريكة بكسل و تتجه إلى غرفتها.
«حسناً حبيبي، تصبح على خير»
ينهض هو الآخر متجهاً إلى غرفته، و هو يبادلها التحية: «و أنتِ بخير حبيبتي»
**********
بعد أن بدّل ملابسه استلقى على سريره، و مروة مازالت تحتل عقله..
يتعجب من تفكيره فيها، فقبل سفره لم تكن تمثل له سوى ابنة عمه الصغيرة خاصة مع فارق العمر بينهما و الذي يصل إلى ثمانية سنوات..
و لكن منذ عودته و كل شئ تغير!
صحيح أنه رأى و تعامل في غربته مع العديد من الفاتنات، ذوات الشعر الأشقر و الأعين الملونة، و لكنه لم يشعر نحوهنّ بذلك الانجذاب الذي يشعره اتجاه مروة!
انجذاب مثير، و لكنه في نفس الوقت مليء بالخطر!
فمروة قلبها معلق بآخر، و هذا أكثر ما يمقته فيها!
**********
شبه مستلقي على سريره، ذراعه اليمنى خلف رأسه، عيناه تتطلع في زوجته الواقفة أمام المرآة تزيل زينة وجهها..
يبتسم في حب، زوجته رشا، حبيبة عمره و أغلى شخص في حياته..
يتذكّر حتى الآن أول مرة رآها فيها، كان حينها في مكتب دكتوره يسأله عدة أسئلة في المادة، عندما اقتحمت هي المكتب بشقاوة، سرعان ما تحولت إلى خجل!
يعرفه الدكتور بها: «رشا ابنة شقيقي، زميلة مهنة و لكنها في بداية الطريق، مازالت في الصف الأول»
ثم التفت إلى ابنة شقيقه الواقفة عند الباب بخجل، ليطلب منها التقدم للداخل، ثم يقول: «و هذا يا شقيّة باسم، في الصف الرابع»
يذكر حينها كيف سيطرت على حواسه بمظهرها الجذاب، ملامحها البهيّة، تصرفاتها الخجولة العفوية..
ليجد نفسه يقول لها من دون شعور: «لذا إن احتجتِ لأى شئ ستجديني في الخدمة»
و حاول صبغ عبارته بالمرح حتى لا يظهر تأثره بها!
«فيم شردت؟»
انتبه على وقوفها أمامه، ليسحبها إلى أحضانه، هامساً في أذنها: «في أول مرة رأيتكِ فيها..
أتذكرين؟»
تلعب بنبضات قلبه بضحكتها الرقيقة التي ملأت الغرفة، حتى خيّل إليه أن جدران الغرفة تهتز استمتاعاً بضحكتها.
أحاطت رقبته، رأسها ترتاح على صدره، ثم همست بشقاوة:
«يومها كنت تبحث في عقلك عن أي طريقة تقابلني بها مرة أخرى، و على الرغم من كل محاولاتك إلا أنك لم تنجح في إخفاء تأثرك بي»
أمسك بذقنها ليرفع وجهها، فتتقابل نظراتهما، و يسألها رافعاً حاجبيه: «كنتِ تعلمين أنني أُعجبت بكِ من أول نظرة؟!»
تعود إلى وضعيتها السابقة، و تصرح هامسة: «و فور أن غادرت مكتب عمي سألته عنك، فأشاد بأخلاقك و اجتهادك في دراستك، لذا سمحت لك بعدها بالاقتراب مني..
و للحقيقة كنت سعيدة بذلك، فحتى أنا تحرك في داخلي شئ منذ أن وقعت عيناي عليك»
«أيتها المحتالة، و كنتِ تقابلينني بوجه متجهم و ملامح عابسة تخبرني أنكِ تريدين التخلصّ مني في أقرب وقت!»
رفعها ليصبح وجهها مقابل وجهه، قبل أن يقول تلك الكلمات.
تتعالى ضحكاتها مرة أخرى، أصابعها تتلاعب في ذقنه بإغواء، ثم تقول:
«و ماذا كنت تريدني أن أفعل؟
و أنت في أول مرة اقتربت مني قُلت»
و اعتدلت مضخمة نبرة صوتها، مقلدة إياه: «آنسة رشا، كيف حالكِ؟
و كيف أبليتِ في الاختبار؟
سمعت أنه كان صعباً و الكثير يبكون منه»
تعود إلى نبرتها الرقيقة، و تهتف من بين ضحكاتها: «و ذلك كان اسهل اختبار في جميع سنواتي الدراسية»
يلوي شفتيه، قائلاً بنزق: «ذلك الدكتور كان مشهوراً باختباراته الصعبة، لم اكن اعلم بأن قلبه رق مع دفعتكم»
«هل تعلم كم ضحكت عليك يومها؟»
سألته بمشاكسة.
تتسع عيناه باستنكار، و يقول: «ضحكتِ عليّ!
ستعاقبين على هذا»
و دون أن يسمح لها بالمزيد من الحديث، وضعها أسفله.. في أحضانه، و هي تتمنع بدلال.
**********
في المشفى، و تحديداً في غرفة ماهر
«لمياء، آه لمياء»
«ماهر، و أخيراً حبيبي، الحمد لله على سلامتك»
تحدثت والدته و الدموع تملأ وجهها.
رمش ماهر عينيه عدة مرات، مردداً:
«لمياء، ماذا حدث لها؟
هل هي بخير؟»
نظر والديه إلى بعضهما بحيرة، ليؤجل والده أمر إخبار ابنه بحالة زوجته فيما بعد، فيقول:
«لمياء بخير، لا تقلق حبيبي»
لكن كلماته لم تكن كافية لترضي فضول ماهر، فتحرك بضعف، قائلاً:
«أين هي؟، أريد رؤيتها»
ثم تأوه بتعب من الآلام التي تحتل جسده.
يميل عليه والده مانعاً إياه من الحركة، بينما يقول:
«بنيّ لا تقلق، اقسم لك أنها بخير»
و كأنه كان ينتظر قسم والده ليطمئن قلبه، فيستسلم للنوم مرة أخرى..
«إذا سمحتم، المريض بحاجة إلى الراحة»
قالتها الممرضة بمهنية شديدة..
أومأ الوالدين موافقين و خرجا من الغرفة..
انضمت إليها أخرى لتساعدها، فثرثرت بفضول، دون أن تعلم أن المريض يستمع إليها!
«مسكين، هل سمعتِ ماحدث لزوجته؟
أتساءل حقاً عن رد فعله عندما يعلم»
تشاركها الأخرى فضولها، فتسألها: «لا، ماذا حدث؟»
تقول الممرضة الأخرى بشفقة: «ساقها بُتِرت، هذا بالإضافة إلى بعض الإصابات»
فتح ماهر عينيه فجأة، حدقتاه متوسعتان بصدمة و عدم تصديق، و كلمة الممرضة تتردد في عقله:
«بُتِرت ساقها»
انتهى الفصل، قراءة سعيدة

noor elhuda likes this.

Aya-Tarek غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-12-20, 10:25 PM   #18

ريانً

? العضوٌ??? » 473236
?  التسِجيلٌ » Jun 2020
? مشَارَ?اتْي » 56
?  نُقآطِيْ » ريانً is on a distinguished road
افتراضي

باقي الفصول فين

ريانً غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-12-20, 05:33 PM   #19

Aya-Tarek

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 420321
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 516
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Aya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك rotana
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريانً مشاهدة المشاركة
باقي الفصول فين
هينزل النهاردة ان شاء الله


Aya-Tarek غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-12-20, 09:19 PM   #20

Aya-Tarek

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 420321
?  التسِجيلٌ » Mar 2018
? مشَارَ?اتْي » 516
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » Aya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond reputeAya-Tarek has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك rotana
افتراضي

الخامس
في المشفى
في غرفة لمياء
زال مفعول المخدر من جسدها، فصدر منها أنين ضعيف، رأسها تتحرك لليمين و اليسار بوهن.
تجمع عائلتها حول سريرها فور سماعهم لصوتها، الارتباك و القلق يحتلا وجوههم.
«ماء.. ماء»
صدرت الكلمة من شفتيها الجافتين غير واضحة، إلا أن قلبي والديها التقطاها بسهولة.
أسرعت والدتها مستجيبة، ليحذرها هيثم و هو يخطف إناء الماء منها:
«انتظري أمي، علينا استشارة الطبيب أولاً»
يؤيده والده، و يسرع إلى خارج الغرفة:
«نعم صحيح»
ثواني مرت و حامد في الخارج، تأمل فيها هيثم و والدته هيئة لمياء المزرية..
وجهها شاحب، شفتاها المكتنزتان بيضاء مشقوقة، جسدها ملفوف برداء أزرق تابع للمشفى.
«أرأيت ما حدث لشقيقتك؟»
هتفت السيدة ببكاء.
يقول هيثم بحزن: «أرجوكِ أمي يكفي، إنها بحاجة أن نكون أقوياء كي تجتاز هذه الكارثة»
عاد والده إلى الغرفة مرة أخرى، يقول: «لا يجب أن تشرب، رطب شفتيها فقط»
نفذ هيثم ما قاله والده، لتأن لمياء باعتراض، فيقول هيثم بلطف:
«تحملي قليلاً حبيبتي، من أجلي»
تهمس لمياء بتعب: «آه هيثم ساقي تؤلمني..
آه لا، أنا لا اشعر بها، لا اشعر بساقي اليمنى..
ماذا يحدث؟»
سألت لمياء والديها بضياع، شعور غريب يسيطر عليها، حاولت تحريك ساقيها فشعرت باليمنى خفيفة للغاية..
كذّب عقلها إحساسها رافضاً تصديق ما يحدث..
لكن في غفوة منه، حاولت لمياء تحريك أصابع قدميها، إلا أنها لم تشعر باليمنى من الأساس!
ارتفع صوتها على الرغم من تعبها:
«أبي، أمي، أنا لا اشعر بساقي، أجيبوني بالله عليكم..
ماذا يحدث؟!»
ترافقت كلماتها مع تحريك ذراعها اتجاه قدمها اليمنى.
ليقف والداها أمامها بقلة حيلة..
والدتها تنوح بألم و رفض لما يحدث لصغيرتها..
والدها فقد كل الكلمات التي أعدها سابقاً لمساندة حبيبة قلبه..
وحده هيثم من ضغط على نفسه، بث القوة إلى قلبه، فلا وقت للضعف الآن!
«استدعي الطبيب بسرعة أبي»
ثم أسرع بالتقاط كف شقيقته، يمنعه من الوصول إلى هدفه، يقبّله بحنو، ثم يدنو منها هامساً بكذب:
«لا شئ حبيبتي، إنه فقط مفعول المخدر يجعلكِ تفقدين الاحساس بأطرافكِ»
إن كانت بكامل وعيها لكانت اكتشفت كذبه فوراً، فكيف لا تستطيع الشعور بأطرافها و هي بالفعل حركت ثلاثة منها!
لكن تعبها، بالإضافة إلى رغبتها في عدم تصديق ما يحاول عقلها إقناعها به جعلاها تومئ موافقة.
يدخل بعدها والدها و الطبيب، و بتفهم أعطاها الأخير مخدر آخر، لتذهب لمياء في نوم عميق لا تعلم ما ينتظرها عند الاستيقاظ منه!
**********
صباح اليوم التالي
بترقب يجلس في مكتبه، ينتظر تطفلها المعتاد على عمله و مهماته، فلقد بات يستمتع بذلك!
نظرة إلى الساعة التي تطوق معصمه جعلته يزفر أنفاسه بضجر، ثم تسلل الإدراك إلى عقله!
أيعقل أن تكون هنا في مكان ما، تتجول بين العساكر و المخبرين بحثاً عن الأسرار؟!
نعم، لقد فعلتها من قبل!
قفز من على مقعده، خرج من مكتبه، يمشّط الممر بعينيه بحثاً عنها، إلا أنه للأسف لم يجدها!
عاد إلى مكتبه بإحباط، يهبط على مقعده، ثم طرق على سطحه بقوة موبخاً نفسه:
«ما بك يا سيادة الرائد؟
لِمَ تبحث عنها و تنتظرها؟!
اهتم بعملك افضل لك»
خرجت من بين شفتيه هذه الكلمات، و كأنه يدرك للتو أنه ينتظر وجود براءة جلال الدين!
التقط الجريدة الملقاه بإهمال على جانب المكتب، ينظر إلى عناوينها بسرعة و لا مبالاة.. حتى!
وقعت عيناه على اسمها الذي يعلو الصفحة، تحركت حدقتاه على الكلمات التي كتبتها بشغف سرعان ما تحول إلى ذهول!
«يا إلهي، هذه الفتاة لا تخشى أحداً حقاً!»
قالها و هو يقرأ مقالها الذي تحدثت فيه عن انفجار أحد المجمعات التجارية الشهيرة، واصفة مَن قاموا بفعل هذا بأفظع الكلمات -التي يستحقونها- و مهاجمة الداخلية في فشلها على القبض عليهم حتى الآن و تلقينهم العقاب الذي يستحقونه!
تباً، الداخلية مرة أخرى!
ألا تستطيع تلك الفتاة نشر مقال دون ذكر اسمهم؟!
أتريد أن ترى ماذا تستطيع الداخلية أن تفعل بها؟!
و مع كل غضبه من مقالها و تهورها، إلا أن جزءً بداخله كان معجباً بشجاعتها.. جداً و أراد.. حمايتها!
و بالفعل خرج من مكتبه بسرعة متجهاً إلى مكتب رئيسه، ليأخذ أذنه فيما ينويه!
**********
جالسة في منتصف سريرها، تضم ركبتيها إلى صدرها، شعرها البني منسدل على ظهرها و يغطي معظم وجهها، عيناها قد أصبحت حمراوتين من السهر و التفكير!
أحداث الليلة الماضية تتراءى أمامها، عرض كمال للزواج.. بتهور!
نعم هذا الوصف الصحيح لعرضه، فلقد طلب الزواج منها دون تفكير نتج عنه الندم!
و الدليل على ذلك انقلاب ملامحه فور تفوهه لكلماته، بل هو لم يتابع عشاءه و طلب منها الرحيل إثر تذكّره عمل عاجل، و طوال طريق العودة و حتى وصلا إلى منزلها لم يتحدث معها بكلمة!
إن كان لا يرغب في الزواج منها لِمَ عرض عليها؟!
لِمَ منح قلبها سعادة سرعان ما تحولت إلى ألم؟
ملسّت على قلبها بضعف..
آه يا قلب كيف أحببته؟
كيف تعلقت به و أنت لم تراه سوى لمرات تعد على أصابع اليد الواحدة؟
كيف تغلغل إلى أعمق أعماقك دون أن تدري؟!
عيناه!
نعم عيناه هي السبب، بنظراتها الغامضة التي فحصتها أول مرة في الحفل الذي أقيم هنا في منزلها..
لتتحول بعدها إلى دافئة أحاطتها فاشعرتها بالأمان في المرتين اللاتين ذهبا فيهما إلى الأحياء العشوائية..
و أمس، أمس كانت غريبة، نظرة لم تستطع تفسيرها طوال سهرتهما و حتى بعد عرضه ذاك..
نعم، لقد تسلل إليها عبر نظراته بطريقة لم يدركها قلبها البرئ، و على هذا القلب أن يتحمل نتيجة خفقانه..
فبعد بحثه الطويل عن الحب، ندم على ذلك!
**********
منذ السادسة صباحاً و هو في مكتبه يعمل، يحاول إلهاء نفسه عن التفكير!
يا إلهي، كيف طلب منها الزواج بهذه الفظاظة؟!
كان عليه أن يكون أكثر رقياً، أكثر رومانسية!
حورية مثلها بالتأكيد محبطة جداً الآن من طريقته، تباً لو كان طلب وجبة طعام كان سيطلبها بطريقة أفضل من تلك التي عرض بها الزواج عليها!
و لكن هي المخطئة، فلقد أثارت غيرة لم يكن يعلم بوجودها اتجاهها عندما لم تجب عن سؤاله بشأن مشاعرها تجاه بشار!
فكر بجدية، عليه البحث عن طريقة مميزة، مرضية لفاتنة مثلها ليعوضها بها فور الحصول على موافقتها..
ألقى القلم من بين أصابعه بإهمال، ماذا إن رفضت؟
هز رأسه بعنف طارداً هذه الفكرة من عقله، لقد كان انجذابها له واضحاً، انجذاب أدركته كل خلايا جسده، لذا هي بالتأكيد ستوافق..
التقط هاتفه، و بلا تفكير ارسل لها رسالة قصيرة:
«ساترككِ ليومين حتى تفكري جيداً، و بعدها أتوق لسماع رد أحدد مع عائلتكِ على أساسه موعداً لزيارتهم»
و فور أن ارسل الرسالة سب نفسه على تسرعه، فهو لن يكون قادراً على الانتظار ليومين لمعرفة ردها!
حثه عقله على الصبر و إعطاءها مساحة للتفكير و عدم الضغط عليها، و بامتعاض استدعى شخصيته الهادئة لتسيطر عليه، مع أن قلبه كان يموت خوفاً من الرفض!
**********
رنين هاتفها بالنغمة المخصصة للرسائل لفت انتباهها، التقطته بكسل، لترى رسالة من كمال..
اعتدلت في جلستها و هي تنظر إلى اسمه بتركيز، نعم هذه هي حروف اسمه، و لكن لِمَ ارسل إليها؟!
هل سيعتذر عن عرض الزواج؟
بالتأكيد هذا ما تنص عليه رسالته، و على الرغم من استيعابها للأمر و تفكيرها فيه منذ ساعات الصباح الأولى، إلا أنها دعت من كل قلبها أن يكون ارسل أي شئ آخر سوى هذا، حتى لو تحدث عن عملهما الخيري متجاهلاً أمر الزواج من الأساس، سيكون أفضل من سحب عرضه!
فتحت الرسالة بتردد، لتمر على كلماتها بسرعة، تتوسع عيناها بدهشة و تعيد قرائتها مرة أخرى بهدوء..
«ساترككِ ليومين حتى تفكري جيداً، و بعدها أتوق لسماع رد أحدد مع عائلتكِ على أساسه موعداً لزيارتهم»
أعادت قراءة الرسالة للمرة الثالثة، نظراتها تقرأ كل حرف بتركيز شديد..
سيتركها لتفكر، و بعدها يرغب في تحديد موعد، هل ما فهمته صحيحاً؟!
أعادت قراءة الرسالة للمرة الرابعة، قلبها ينبض بعنف في صدرها، يرقص فرحاً لأن كل أفكارها كانت خاطئة..
بينما عقلها ينهره بقوة، يطلب منه الصبر حتى يتأكد تماماً، و إلا من الممكن أن يموت مصدوماً!
لذا اتصلت به بأصابع مرتعشة، لوضع النقاط على الحروف!
**********
دقائق بالكاد استطاع فيها إزالة الحورية من تفكيره و التركيز في عمله، ليأتي رنين الهاتف و يقطع تركيزه..
سحب الهاتف، ليفتح الخط دون أن ينظر إلى الاسم..
مرت دقيقة تقريباً و لم يصله أي صوت، فبادر بالقول:
«السلام عليكم»
و دقيقة أخرى مرت، قبل أن تصله نبرتها الهامسة: «و عليكم السلام»
صوتها جعل عينيه تتسعان بعدم تصديق، فأبعد الهاتف عن أذنه ليتأكد أنها هي المتصلة به!
«حورية»
وصلتها نبرته المتوترة، لترد بتوتر مماثل، بينما هي تفرك أصابع يدها الحرة ببعضها.
«وصلتني رسالتك»
يسارع بالقول: «حورية، اعلم أن طريقتي في عرض الأمر كانت غير لائقة أبداً، بل أنا متأكد أنها كانت محبطة جداً لكِ»
توسعت عيناها دهشة، هذا يعني أنه كان جدياً في عرضه!
ندمه كان على الطريقة التي طلبها بها، يا إلهي..
تقافزت نبضات قلبها فرحاً، بينما تسمعه يضيف:
«عندما تحدثتِ عن خطيبكِ السابق لقد.. لقد»
غار عليها، لقد شعر بالغيرة من بشار..
لم تعد قادرة على السيطرة على نبضات قلبها، بينما وجهها احتلته ابتسامة كبيرة واسعة توضح مدى سعادتها..
أما هو؛ فلم يستطع التعبير عن مشاعره، فقال واعداً إياها:
«أعدكِ بتعويض امممم.. سأحاول أن يكون رومانسياً بقدر ما استطيع..
فقط وافقي على الزواج منّي»
توقفت عن التنفسّ لدقيقة أو أكثر، فاغرة فمها ببلاهة، تلتمع عيناها بفرحة.
يأتيها صوته مخرجاً إياها من حالتها تلك:
«حورية، أنتِ معي؟»
أومأت دون رد و كأنه يراها!
يعتدل كمال في جلسته، هاتفاً: «حورية؟»
«نعم»
خرج صوتها منخفضاً.. متوتراً.
يقول كمال بتفهم: «اسمعي أنا لن اضغط عليكِ، ساترككِ يومين لتفكري كما اخبرتكِ في الرسالة..
و أرجو أن يأتيني الرد الذي يسعد قلبي في النهاية»
غبي.. غبي..
أمس أوصل إليها انطباع أنه نادم على عرضه، و جعلها تقضي ليلتها باكية..
و اليوم يخبرها أنه سيتركها يومين لتفكر!
ألا يعلم أنها تتمنى الصراخ الآن و إعلان موافقتها بكل سعادة و لكن خجلها ما يمنعها!
تسيطر على قلبها و تفكر بجدية، فترى أنه على حق، عليها التفكير بعقلانية، فهناك أسس أخرى إلى جانب الحب يُبنى عليها الزواج!
«حسناً»
تأوه بخفوت و أصابعه تفرك جبينه بقوة، لقد كان يتمنى سماع شيئ غير هذه الكلمة العقيمة، ربما إعلان موافقتها دون انتظار!
يعود و يعنف نفسه، يستدعي شخصيته الرزينة، فيقول بهدوء لا يمتلكه:
«حسناً سانتظر ردكِ، مع السلامة»
«مع السلامة»
همست بخفوت، لتقفز بعدها على السرير كطفلة صغيرة صائحة بسعادة!
**********
لفت انتباهه صياح غريب خارج من غرفة شقيقته، فتوقف عندها، يطرق بابها منتظراً إذنها له بالدخول..
إلا أنها لم تجِبه من الأساس، و لم يتوقف الصياح الخارج من غرفتها، مما اضطره للدخول، تتوسع عيناه بدهشة فور أن وقعت نظراته عليها!
«حورية ماذا تفعلين؟»
توقفت حورية عن القفز و قد توردت وجنتاها بخجل، تبعد عينيها عن نظرات شقيقها المذهولة بحرج، تجلس على السرير بهدوء يخالف دقات قلبها الصاخبة.
«لِمَ لم تطرق الباب قبل أن تدخل سليم؟»
ترتسم ابتسامة متسلية على ملامحه، يخطو اتجاهها ليجلس بجانبها، يقول بمرح:
«طرقت الباب أكثر من مرة، لكن من الواضح أنكِ لم تسمعي!»
أجابته بخجل و مازالت عيناها لا تتلاقى مع عينيه: «أوه نعم يبدو ذلك»
يميل سليم بوجهه مقترباً من وجهها، ينظر إليها بمشاكسة و الضحكة تحتل كامل ملامحه، و يقول:
«ريري، ماذا يحدث معكِ؟»
تحاول إبعاد وجهها عن وجهه بإخفاق، خجلها منه و من تصرفاتها الطفولية قبله يزداد.
«سليم ابتعد، ماذا تفعل؟»
يجيبها بمرح، عيناه تبحث عن عينيها لتكتشف أسرارهما: «أنا كسليم لا أفعل شيئاً..
و لكنكِ كحورية أشك أنكِ مثلي!»
ضحكت بتوتر على طريقة حديثه، و قالت مستغلة شقاوته: «كفّ عن التحدث كالأطفال و اخرج هيا»
يرفع حاجبيه باعتراض، و يقول مدعياً الصدمة: «اخرج!
لن أكون سليم ابن جمال إن فعلتها قبل أن تعترفي»
«اعترف بماذا؟!»
قالتها و هي تنهض، لتلتقط أغراضها الملقاة بعشوائية، تتظاهر بترتيبها.
يقول سليم و هو مازال في مكانه، و لكن نبرته الممازحة تحولت إلى الجدية:
«بما جعلكِ تتخلين عن هدوءكِ و تقفزين فرحة كالأطفال»
هل تصارحه الآن أم تنتظر حتى تحدد موقفها؟
مع أنها متأكدة أنها ستوافق في كل الأحوال، فقلبها هو مَن سيتخذ القرار!
«حورية صارحيني بما يحدث معكِ، أنتِ شقيقتي و أنا لا ارغب سوى في رؤيتكِ سعيدة»
حسمت قرارها، أخذت نفساً قوياً، و قالت بخجل: «هناك مَن تقدم لطلب يدي»
لا يعلم ماهية المشاعر التي سيطرت عليه فور أن نطقت كلماتها..
فرحة.. حزن.. ضيق، و أغلب مشاعره كانت غيرة!
مع أنها ليست المرة الأولى التي يطلب فيها رجل الزواج منها، و لكنها المرة الأولى التي يرى فيها سعادة شقيقته بهذا الأمر!
حاول التحكم في غيرته، بينما يقول: «و مَن ذا الذي دعت والدته له في ليلة القدر؟»
أمالت رأسها مفكرة، و هي تقول: «لا اعلم إن كنت تعرفه أم لا، هو يدعى كمال الهاشم»
كمال الهاشم..
لقد سمع عنه من قبل بالطبع، و لكن السمع وحده لا يكفي، فطالما هذا الرجل يريد أخذ جوهرته الغالية، فعليه التحري عن أدق تفاصيل حياته.
«و متى سيأتي ابن الهاشم ليطلبكِ رسمياً؟»
توردت وجنتاها أكثر، بينما تجيبه: «هو ينتظر ردي، و أخبرني أنه سيأتي مع عائلته إن اعلنت موافقتي»
رمقها سليم بنظرات ذات معنى، ثم قال بنبرة متسلية: «إذاً سيأتي قريباً جداً»
أعطته ظهرها، بينما تنهره برقة: «سليم كفّ عن هذا»
قفز من على السرير، ليضمها إلى أحضانه بحنو، ثم يطبع قبلة طويلة على جبينها، و يهمس بشجن يفضح مكنوناته:
«أنا سعيد من أجلكِ ريري»
ضمته بقوة مستشعرة حزنه.
يبتعد سليم عنها، و يقول بجدية.. رافعاً أحد حاجبيه: «لكن نبهيه أن الأمر لن يكون سهلاً، فجوهرة عائلة الغالي لا تُعطى لأي رجل»
تضحك بخفوت، و تقول بمرح خجول: «واضح أنك ستعذبه»
يضيّق سليم عينيه، يسألها بغيرة: «و هل ستوافقي أنتِ على هذا؟»
عضت شفتيها ممتنعة عن الرد، فنظر إلى ساعته الجلدية، ليقول راحماً إياها: «لقد تأخرت بسببكِ أيتها الحورية، سارحل الآن»
التفتت لتلقي نظرة سريعة على الساعة، قبل أن تسأله: «ستذهب إلى الشركة؟»
هز رأسه نافياً، و قال و هو يغادر الغرفة: «لا، ساذهب إلى المزرعة، لدي بعض الأعمال هناك»
تقفز بسرعة واقفة أمامه، تمنعه من الخروج، و تقول: «انتظر سآتي معك، لقد اشتقت لجو المزرعة كثيراً»
يوافق دون تفكير: «حسناً جميلتي، تجهزي و أنا انتظركِ في الأسفل»
**********
يسير مع صديقه بين أروقة المشفى، يلقي نظرة سريعة على الأقسام و الغرف، ليتعرف على المشفى التي سيبدأ في العمل فيها..
توقف فجأة و هو يراها أمامه، لا مستحيل ليست هي!
ماذا ستفعل ابنة عمه هنا؟!
«عزام، هل من مشكلة؟»
سأله صديقه متعجباً من وقوفه المفاجئ..
و عندما لم يتلقى منه رداً، التفت ليرى ما يشغل صديقه هكذا، ثم سأله مرة أخرى:
«هل تعرف هذه الفتاة؟»
يجيبه عزام بينما يركض في اتجاه مروة: «نعم، لحظة واحدة و سآتي»
وقف أمامها يتفحصها ملياً، القلق يراوده من أن تكون مريضة أو تشعر بالتعب، دموعها الممتلئة بها وجنتيها تبعث إلى قلبه أسوأ الظنون!
«مروة هل أنتِ بخير؟
ماذا بكِ؟
لِمَ أنتِ هنا؟»
**********
لم تتحمل مظهر صديقتها، شحوب وجهها، أصوات الأجهزة المتصلة بجسدها..
لم تتحمل رؤيتها في أكثر لحظات ضعفها فسارعت بالخروج من الغرفة..
وقفت أمامها، و هبطت دموعها بغزارة، و بين كل لحظة و أخرى تدعي أن يحفظها الله و يلهمها الصبر..
حتى جاء هو!
«لا يا إلهي، ليس مجدداً!»
رفعت رأسها ببطء، لتقع عيناها الباكيتان عليه، مَن يظهر في أشد لحظاتها حزناً!
مسحت دموعها بسرعة، ثم قالت و هي لا تنظر في عينيه: «أهلاً عزام»
أهلاً!
أهذه الكلمة رد على كل أسئلته؟!
ستطمئن قلبه؟!
«مروة، اخبريني ما بكِ»
أخذت نفساً عميقاً لتهدأ نفسها، تزيل يداها دموعها الهابطة دون إرادة منها، و هي تجيبه:
«أنا بخير»
كيف بخير و هي منهارة هكذا؟
كيف؟!
سب بداخله بانفعال، ثم تعالى صوته:
«بخير!
اخبريني بما يحدث معكِ، لا تخفين عني شيئاً بحق الله»
ألم تقل أنه يظهر في أشد لحظاتها حزناً فيجعلها تتناساه للحظات!
و ها هي الآن تقف أمامه بفاه مفتوح ذهولاً، ترى قلقه عليها الواضح في عينيه و نبرة صوته..
لكن هل هذا القلق نابع من مشاعر أبعد عن مشاعر رجل لابنة عمه؟
هزت رأسها بقوة طاردة هذه الفكرة من عقلها؛ حتى لا يتعلق قلبها بها!
«مروة»
صاح بنفاذ صبر عندما لم يتلقى أي إجابة منها.
تنتفض خارجة من أفكارها، تجيبه باختصار: «صديقتي هنا»
يسألها باستغراب: «و أنتِ منهارة من أجلها!
لِمَ؟
ماذا حدث معها؟»
عادت دموعها للهبوط، بينما تجيبه: «كانت في المجمع الذي انفجر»
تغضنت ملامحه بحزن، فهذا أسوأ ما يمكن سماعه.
«و ماذا حدث معها؟»
«أرأيتِ يا غبية؟
هو أيضاً حزين عليها، الأمر لا يتعلق بكِ فقط، قلبه الحنون يشفق على الجميع!»
نبهها عقلها إلى هذا، فألمها قلبها على حالها!
«بُتِرت ساقها»
تعالى صوتها الحزين، تتساءل إن كان هذا الحزن على لمياء فقط!
«لا حول و لا قوة إلا بالله»
تمتم عزام بشفقة.
ثم وجّه حديثه إليها: «و كيف حالها الآن؟»
حاولت التخلصّ من المشاعر الغريبة التي تسيطر عليها، ذكّرت نفسها بصديقتها التي تحتاجها حالياً، لتجيبه برسمية:
«لم تستيقظ حتى الآن»
أومأ بتفهم، ثم قال بنبرة عملية لا تخلو من الشفقة: «كوني بجانبها حينما تستيقظ، و حاولي تهوين الأمر عليها..
أها و أيضاً اخبريها بشأن الساق الصناعية و أنها ستجعلها تبدو طبيعية تماماً، بالتأكيد هذا سيساعدها نفسياً»
هزت مروة رأسها بموافقة، بينما تقول: «سافعل بالتأكيد»
استشعر قلبه عدم رغبتها في وجوده، فزفر أنفاسه بضيق، و قال:
«حسناً إن احتجتِ لأي شيئ اخبريني، فأنا بدأت في العمل هنا»
تهز رأسها مرة أخرى بلا مبالاة، فيزفر أنفاسه و يغادر ليرى صديقه و يبدأ متابعة عمله.
تشيّعه بنظراتها، ثم تدخل إلى غرفة صديقتها لتكون بجانبها.
**********
حركات مثيرة واضحة، كلمات بنبرة ناعمة تعد بالكثير مما تدركه رجولته، و مع ذلك كان مروان يرمقها بلا مبالاة أغاظتها و جعلتها تشك في قدراتها!
أغلق مروان الملف زافراً أنفاسه بنفاذ صبر..
رفع نظراته للجالسة أمامه بثقة، إحدى ساقيها فوق الأخرى؛ مما أدى إلى انحسار تنورتها القصيرة إلى ما فوق ركبتيها، بينما تعقد ذراعيها على صدرها…!
تأفف بداخله و هو يبعد نظراته عنها، يقول: «رائع، و لكنني كنت أفضّل مناقشة الأمر مع السيد طاهر»
مالت الفتاة على المكتب، تستند بذراعها على حافته، و ذقنها ترتكز على كفها..
أنفاسها الناعمة تجعله يشعر بالقلق!
«أبي ملازم الفراش منذ أسبوع و لا يستطيع الحركة، لذا توليت أنا جميع أعماله»
تنفسّ مروان بقوة محاولاً التغلب على الرسائل التي تبعثها إليه الفتاة بكل جرأة، ثم نهض لينهي هذه المقابلة الثقيلة على قلبه، قائلاً بنبرة رسمية:
«تمنياتي له بالشفاء العاجل، قريباً سيتواصل شخص من طرفي مع سيادتكِ للبدء في المشروع»
نهضت الفتاة بدورها، تعبس بملامحها بعد أن استمعت إلى كلماته، و تسأله بضيق: «ألن يكون التواصل مباشر بيننا؟»
هز رأسه بنفي و ابتسامة جانبية ترتسم على ملامحه، و قال:
«للأسف أنا مشغول بأمور أكثر أهمية في الفترة القادمة..
مع السلامة»
قال كلمته الأخيرة و وضع يده خلف ظهره في إشارة واضحة لعدم مصافحته لها..
تقبلت الفتاة الأمر على مضض، و غادرت مكتبه و هو يتابعها بهدوء..
ثم عاد للجلوس على مقعد مكتبه و هو يتنهد بقوة، ليهتف بعدها باشمئزاز: «فتيات آخر زمن!»
دقائق قضاها في العمل، قبل أن يلقي الملف بإهمال و تركيزه مشتتاً!
الأيام تمر و هو لا يستطيع تقبّل الفكرة، أن يتزوج من فتاة لا يحمل لها أية مشاعر، فتكون علاقتهما باردة خاوية..
صاح عقله معترضاً: «و هل كل مَن يتزوجون دون حب يعيشون هكذا يا مروان؟
ألم تسمع بالحب الذي يأتي بعد الزواج؟
الذي يكون أساسه المودة و الاحترام بين الزوجين»
«و لكن هذا احتمال ضعيف، كما أنه لا يريد حياة روتينية بعد الزواج!»
نبهه قلبه باقتناع.
ليزفر أنفاسه بضيق و الصراع بين قلبه و عقله لا ينتهي، فيسب تلك الفتاة التي لم تظهر أمامه و تخطف قلبه حتى الآن، يتساءل أين تختبئ!
**********
أخذت نفساً قوياً متنعمة بهذا الهواء النقي الذي يملأ رئتيها، المساحة الخضراء تحيط بها فتسترخي أعصابها..
استلقت على العشب شاكرة وجودها في هذا الجو لتستطيع التفكير و اتخاذ القرار..
و مر الوقت و هي تفكر، حتى عاد سليم إليها قائلاً:
«يبدو أنكِ مستمتعة»
أزالت نظارة الشمس من على عينيها، و أجابته: «فوق ما تتصور»
يستلقي بجانبها، و يقول بغيرة لا يستطيع السيطرة عليها: «أرجو ألا يكون هذا الجو في صالح كمال»
تضحك برقة، تلتفت مستلقية على بطنها، فيصبح وجهها مواجهاً لوجهه، و تقول:
«أعتقد أن كمال سيعاني كثيراً معك»
يعيد جملتها التي قالتها منذ دقائق: «فوق ما تتصوري»
أمالت رأسها متظاهرة بالتفكير، مضيّقة عينيها، ثم هتفت: «و ماذا يمكننا أن نفعل لنخلص المسكين من يديك؟»
يعبس سليم بملامحه بطفولية، و يردد: «مسكين!
بهذه السرعة أصبح هو المسكين و أنا الوحش القاسي!»
تتظاهر بالصدمة، و تقول و عيناها تتفحصّ ملامحه الوسيمة: «وحش و قاسي أيضاً!
هذا ظلم لوسامتك و جمال روحك حبيبي، على العكس أنت أفضل شقيق في الوجود»
ترتكز بذقنها على ذراعيها، و تقترح بحماس: «لكنني ارى أن نبدأ في البحث عن عروس لك، عروس صغيرة جميلة تشغلك عن كمال و الغيرة منه»
ينتفض قافزاً قائلاً بذعر: «عروس و زواج!
من كل عقلكِ تتحدثين؟!»
تتحرك جالسة، و تقول زامّة شفتيها: «و ما المشكلة في ذلك؟»
يقول بمرح: «المشكلة أنكِ بتِ تجلسين كثيراً مع والدتي في الفترة الأخيرة، فانتقل هوسها بزواجنا لكِ..
لذا ساضطر مرغماً التسريع من زواجكِ من كمال حتى اتخلصّ منكِ»
«تتخلص مني!
ليسامحك الله»
قالتها ثم نهضت مبتعدة.
تتعالى ضحكاته و ما يريده قد حدث، فلقد أُغلِق موضوع الزواج تماماً!
ركض خلفها و هو يقول: «سيسامحني الله لا تقلقي»
تلتفت إليه، و تقول رافعة حاجبيها: «عموماً ستأتي مَن تُسقطك في هواها، و أنت مَن لن تستطيع الخلاص»
وًترّقص حاجبيها بشقاوة.
يقول بعدم اقتناع: «سنرى!»
تحركت حورية خارجة من المزرعة، إلا أنها توقفت باستغراب عندما لم تشعر بسليم يتبعها، فالتفتت إليه قائلة:
«ماذا هناك؟»
وضع هاتفه في جيب سرواله، و هو يجيبها: «لا شيئ، رسالة خاصة بالعمل»
و تحرك معها مغادرين المزرعة.
صعدا إلى السيارة، و بدأ سليم في القيادة، و قال موضحاً: «هناك طريق مختصر ساسلكه»
تومئ حورية بلا مبالاة، تخرج هاتفها من الحقيبة لتعبث به..
قاد سليم لبعض الوقت، قبل أن يبدأ في تهدئة السرعة و هو يرى ما أمامه!
شعرت حورية أن سرعة السيارة تقل، فتركت هاتفها لتنظر إلى شقيقها مستفهمة، فيقول الأخير:
«انظري»
**********
في طريق عودتها، بعد أن وثقت بالصور كعادتها كمية كبيرة من الأسلحة تدخل إلى البلد، و ما أراحها هذه المرة أن رجال الشرطة كانوا موجودين و قبضوا على الجميع..
فكرت براءة بتسلية أنها ستمتدح جهودهم في مقالها في ظاهرة لا تحدث كثيراً!
صدرت حركة غريبة من السيارة، فزمّت شفتيها بضيق داعية الله ألا يكون ما في بالها صحيحاً!
ألقت نظرة على عداد الوقود لتغمض عينيها بيأس و هي ترى المؤشر يشير إلى الانتهاء..
أوقفت السيارة على جانب الطريق، تفكر فيما ستفعله، المنطقة نائية، و خلال رحلة ذهابها صادفت القليل من السيارات..
أخرجت هاتفها لتحاول الاتصال بوالدها أو أي من أصدقائها ليأتي لأخذها، لتزفر أنفاسها بإحباط و هي ترى عدم وجود شبكة، لذا لم يعد لديها حل سوى انتظار أي سيارة تمر و تأخذها.
مرت سيارة بعد عدة دقائق، و توقف بالفعل سائقها عارضاً عليها المساعدة، لكن هيئته و نظراته التي تتفحصّها بجرأة جعلاها ترفض بحسم.
«إن وقفتِ هكذا سيطول انتظاركِ و لن يساعدكِ أحد، اصعدي معي و سآخذكِ إلى المدينة»
التفتت براءة حولها برعب، داعية الله أن يأتي أي أحد ليمنع هذا الرجل عما ينويه، لكن الطريق كان خالياً تماماً؛ مما شجع الرجل للهبوط من سيارته و الاقتراب منها!
التفتت بسرعة لتسحب من السيارة الصاعق الكهربائي، لتعود بنظراتها إلى الرجل و تهدده:
«إياك و الاقتراب مني»
يضحك الآخر باستخفاف و يستمر في الاقتراب منها، بينما يقول:
«هل ستُخيفيني بهذه الآلة التافهة يا صغيرة؟»
و لم يكد يتقدم أكثر حتى صاح بوجع و ألم لا يحتمل يشعر به في ذراعه، تزامناً مع قول براءة:
«هذه الآلة التافهة ستكون المرة القادمة على قلبك إن لم تبتعد»
يسارع الرجل في الابتعاد و صوت سيارة يصله، فصعد إلى سيارته بسرعة و انطلق في طريقه.
تنهدت براءة بارتياح فور أن غادر ذلك الحقير، و ازداد ارتياحها عندما وقفت أمامها سيارة أخرى، بداخلها رجل و امرأة!
«هل تحتاجين إلى المساعدة يا آنسة؟»
سألها سليم بعد أن ألقى عليها نظرة خاطفة، فارتاحت براءة لابتعاد نظراته عن جسدها، و اطمئنت لوجود المرأة معه، فأشارت إلى سيارتها قائلة:
«لقد انتهى وقود السيارة، و لا توجد شبكة على الهاتف»
يبتسم سليم ابتسامة غريبة لم تلاحظها سوى حورية، فبادلته بأخرى مثلها!
عرض على براءة المساعدة: «إذا توافقين يمكننا إيصالك إلى المدينة، كما أن مزرعتي قريبة من هنا، سأتحدث مع رجالي ليهتموا بالسيارة»
توافق براءة بحرج: «سيكون هذا لطفاً منك»
و بلباقة ترجل سليم من سيارته، ليفتح لبراءة باب المقعد الخلفي، فصعدت الأخيرة شاكرة إياه بخفوت..
يعود سليم إلى مكانه و يتابع قيادته.
التفتت حورية إلى الفتاة، لتسألها بود: «مرحباً، أنا حورية الغالي و هذا شقيقي سليم، و أنتِ؟»
بادلتها براءة التحية و عرفتها على نفسها، لتعقد حورية حاجبيها محاولة تذكّر أين سمعت هذا الاسم من قبل!
تريحها براءة من التفكير بقولها: «صحفية اعمل في جريدة ….»
«نعم نعم لقد قرأت لكِ بعض المقالات من قبل»
قالتها حورية.
و تبعها سليم قائلاً: «أحييكِ على مقالكِ الأخير يا آنسة، هذا الذي يخصّ انفجار المجمع، لقد كان رائعاً بحق، مع أنه قد يسبب لكِ بعض المشاكل»
شكرته براءة للمرة الثانية، قبل أن تقول بشجاعة: «استطيع مواجهة أي أحد يقف أمامي يا سيد، فأنا لم ارتكب أي خطأ»
«صحيح»
قالها باقتناع.
تتبادل بعدها حورية الحديث مع براءة، و سليم يتدخل كلما تطلب الأمر.
«هل أنتِ متأكدة من أنكِ تريدين الذهاب إلى الجريدة؟»
سأل سليم براءة حالما دخلت السيارة المدينة.
تجيبه براءة بتأكيد: «نعم، لدي الكثير من الأعمال عليّ إنهاءها»
و عليه تحرك سليم بسيارته وسط ازدحام العاصمة، يتخذ طريقه إلى الجريدة التي تعمل فيها براءة.
أوقف سيارته عندها، لينظر إلى براءة من خلال المرآة، و يقول:
«اعطيني عنوان منزلكِ لأبعث السيارة مع أحد رجالي إلى هناك»
لم تستغرق براءة الكثير من الوقت لاتخاذ قرارها، حيث قالت بتلقائية: «شكراً لك، و ارجو أن ترسلها إلى هنا»
يرفع سليم كتفيه باستسلام، قائلاً: «كما تشائين»
فيما التفتت حورية إلى براءة، قائلة بابتسامة ودودة: «هيا يا فتاة أعطيني رقم هاتفكِ، فلابد أن نتقابل مرة أخرى»
و بترحيب كبير و ارتياح من قبل براءة لحورية، أعطتها رقم هاتفها على وعد بلقاء قريب.
ثم ترجلت من السيارة متجهة إلى جريدتها بعد أن ودعت الشابين.
«أخذتِ رقم هاتفها و تودين رؤيتها هاه!»
ضحكت حورية بقوة، ليشاركها سليم الضحك بغرابة!
**********
«الحمد لله، حالته تتحسن مع الوقت، و قريباً جداً سيكون كالسابق و أفضل إن شاء الله»
قالها الطبيب بمهنية، لينشر السعادة في قلب والدي ماهر، اللذان أخذا يشكرا الله بفرحة.
بعد خروج الدكتور، مال والد ماهر عليه ليقبل جبينه، ثم قال براحة:
«أسمعت حبيبي؟
قريباً جداً ستعود لييتك و حياتك كما كنت»
نعم كما كان، لكن حبيبته ليست هكذا!
رُباه هل حقاً فقدت لمياء إحدى ساقيها؟
«ماهر، ماذا بك حبيبي؟
منذ أتينا و أنت صامت لا تتحدث!»
رفع ماهر عينيه إلى والدته، لتراها الأخيرة حزينة، شاردة!
«اخبرني بنيّ ما بك، هل تتألم؟
تحدث معي يا ماهر بالله عليك، قلبي لم يعد يحتمل المزيد»
«ماذا حدث للمياء؟»
سألهما ماهر بجمود.
ينظر والداه إلى بعضهما بتصميم، و يستمر والده في كذبه قائلاً: «اخبرتك أنها بخير حبيبي لا تقلق»
إلى متى سيظلا يكذبان عليه؟
هو متأكد من أنهما يعلمان الأضرار التي لحقت بها إثر الحادث!
«ما حجم إصابتها؟»
يتنهد والده بقوة، ثم أجابه بمراوغة: «بعض الإصابات مثلك»
ثم تابع مغلقاً الموضوع حتى لا يطرح ابنه المزيد من الأسئلة التي لن يستطع الإجابة عليها: «اهتم بصحتك الآن حبيبي، لتنهض لنا بألف سلامة»
ينظر ماهر إلى والده بمقلتين تلتمعان بإصرار، و يقول: «أريد رؤيتها، الآن»
تفاجأ والداه من رغبته، فسألته والدته بحذر: «رؤية مَن؟»
«لمياء»
أجابها ماهر بقوة لا تتناسب مع مرضه.
ينظر والداه إلى بعضهما بتوتر، فيقول والده محاولاً إثناءه: «و كيف هذا يا ماهر؟
أنت غير قادر على تحريك عضلة واحدة من جسدك»
يصيح ماهر بنفاذ صبر و قد تحكم فيه خوفه على حبيبته فنسى أنه يتحدث مع والديه: «لا اعلم تصرفا، المهم أنني أريد رؤيتها حالاً، و إن لم تأخذوني إليها سأذهب أنا»
و تأكيداً لكلماته، حاول إزالة الأسلاك الموصلة إلى جسده، لتشهق والدته بذعر و والده يحاول إيقافه، تزامناً مع دخول الممرضات إلى الغرفة بسبب صوت المريض العالي.
حاولنّ تهدئته و فهم المشكلة، لتلتقط إحدى الممرضات كلماته:
«أريد رؤية زوجتي»
فقالت بسرعة: «حسناً حسناً اهدأ و ساجعلك تراها»
و بالفعل بعد استشارة الطبيب المسئول عنه أحضرت له مقعداً متحركاً ليذهب به إلى غرفة لمياء!
**********
طبقاً لما أخبرهم به الطبيب أن المريضة من المفترض أن تستيقظ خلال دقائق..
تجمعت عائلة لمياء و صديقتاها في الغرفة منتظرين استيقاظها ليكونوا بجانبها حينما تواجه وضعها الجديد، فلن يعطيها الطبيب المخدر للأبد، و لابد من مواجهة الأمر.
و ما هي إلا دقائق و بدأت لمياء في الاستيقاظ، لتضع والدتها يدها على قلبها خائفة مما من الممكن أن يحدث لابنتها حينما تعلم بفقدها لإحدى ساقيها!
همهمت لمياء بصوت ضعيف، ليقترب منها هيثم، و يهتف:
«الحمد لله على سلامتكِ حبيبتي»
«آه هيثم جسدي، اشعر بألم في كل جسدي، و ساقي»
توترت الأجواء في الغرفة فور أن نطقت بكلمتها الأخيرة، و الكل يدعو بداخله أن تمر هذه اللحظات على خير.
اقتربت لارا من صديقتها، تقول بابتسامة جاهدت ألا تظهر مرتجفة:
«تحملي حبيبتي، أيام و يزول الألم و تعودين لنا إن شاء الله»
أغمضت لمياء عينيها بتعب، أطرافها متخدرة لا تشعر بها، و مع ذلك تشعر أن هناك شيئاً خاطئاً.. ناقصاً، خاصة و لحظات من استيقاظها السابق تهاجم عقلها الشبه واعي!
و على غفلة من الموجودين، تحركت يدها اليمنى بصعوبة اتجاه ساقها، لتتوسع عيناها بذعر و عقلها يستعيد وعيه الكامل بسبب الفراغ الذي تمر يدها فوقه.
كانت مروة أول مَن لاحظت نظراتها، فهتفت بقلق: «لمياء ماذا بكِ؟»
ينتبه الجميع إليها تزامناً مع صيحتها المستنكرة: «ساقي، أين ساقي؟»
يدها تتحرك بعنف على الرغم من ألم الإبرة المغروزة فيها، تبحث عن ساقها!
التقط هيثم كفها ليمسكه، بينما يهمس بجانب أذنها: «اهدأي حبيبتي، اهدأي»
لكن همساته لم تؤثر فيها، اهتز جسدها بعنف و صيحاتها تتعالى، الدموع تذرف من عينيها بعد أن أدركت الحقيقة!
«لا لا، ساقي، أين هي؟
أين هي أجيبوني؟»
شاركتها مروة البكاء بحزن، حتى لارا التي كانت تعد نفسها بالقوة انهارت باكية..
في حين أن والدي لمياء كانا متجمدين في مكانهما غير قادرين على التصرف، انهيار ابنتهما و وضعها الجديد يؤلم فؤادهما..
و حتى هيثم الذي كان خير داعم لها المرة الماضية، انهار بجانبها، دموعه تهبط على حال شقيقته!
استوعب أخيراً والد لمياء ما يحدث حوله و انهيار الجميع، ليقترب من ابنته بخطوات تظهر مدى ضعفه، يحتضنها محتوياً جسدها بحنو حتى لا يؤلمها، يردد في أذنها بإيمان:
«إنا لله و إنا إليه راجعون..
رددي ورائي يا ابنتي، لا تعترضي على قدر الله»
تبكي لمياء في أحضانه، تهتف من بين شهقاتها: «آه أبي، ساقي لا»
في هذه اللحظة دخل ماهر الغرفة، لتتوقف القلوب ترقباً!
**********
«طمئني يا باشا..
هل نلت رضاك؟»
سأل أحد الرجال رئيسه بلهفة.
يضحك الآخر بقوة بينما يلتف بمقعده بانتشاء، يقول برضى:
«بالكامل، لقد أحسنت التعامل معها و نجحت في تأخيرها حتى اصل»
يلتف بمقعده مرة أخرى حتى يواجه الرجل الذي يعمل تحت يده، و يقول بابتسامة:
«و لهذا ساصرف لك مكافأة»
ابتسم الرجل بسعادة بالغة، في حين كانت ابتسامة سليم ماكرة، يفكر أن الصحفية قد اقتربت من المصيدة و قريباً ستقع فيها!
انتهى الفصل قراءة سعيدة

noor elhuda likes this.

Aya-Tarek غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:53 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.