آخر 10 مشاركات
رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          وداعا.. يليق بك || للكتابة : إيناس السيد (الكاتـب : enaasalsayed - )           »          639 - فلورا - ساندرا استيف - د.م (الكاتـب : angel08 - )           »          560 -زواج بالقوة -فلورنسا كامبل - روايات عبير دار ميوزيك (الكاتـب : Roqaya Sayeed Aqaisy - )           »          488 - لن ترحل الشمس - سارة كريفن (عدد جديد) (الكاتـب : Breathless - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          استسلمي لي(164)للكاتبة:Angela Bissell (ج1من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          ثمن الكبرياء (107) للكاتبة: Michelle Reid...... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          85 - لن يعود الموج - ربيكا ستراتون (الكاتـب : فرح - )           »          امرأة متهورة - شارلوت لامب - روايات غادة (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree626Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-06-21, 12:10 AM   #331

hollygogo

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 460860
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 657
?  نُقآطِيْ » hollygogo is on a distinguished road
افتراضي


الفصل السابع عشر


يصعد الدرج بتثاقل، أصبح التواجد في المكتب شديد الثقل على نفسه، زفر بضيق أصبح يستوطنه خلال الفترة الأخيرة ثم أخذ نفس عميق يستعد لدخول المكتب، شد قامته مستعدا ليوم آخر ثقيل سيعيشه، تجمد وهو يرى باب المكتب مفتوح كالمعتاد ووجد سبب ضيقه جالسة على الدرج بجوار الباب وحولها ثلاث قطط تداعبهم، وهي تقول لهم كلمات هامسة لم تصل لسمعه، بدت ملامحها مستكينة مرتخية وكأنها تجد تواصلها مع الحيوانات أقل توترا وألما من البشر، تساءل بحنق: لماذا يضعها القدر أمامه؟ لماذا يجدها في كل مكان حوله؟، لقد تعب يقسم أنه تعب، يود لو تختفي من أمامه عله يرتاح ويستعيد سلامه النفسي الذي هرب منه منذ وجودها بمحيطه، غاضب هو بل يشتعل غضبا من نفسه، غضبه ترجمه لسؤال خرج رغما عنه بصوت حاد عالي: ماذا تفعلين؟
غارقة هي في مداعبتها للقطط المتحلقة حولها، إحدى أحلامها البسيطة التي حرمتها منها الحياة، أن تربي قطة وتعتني بها، كانت سعيدة والقطط مستكينة حولها تهديها استرخاء تحتاجه بشدة، كانت مستكينة مسترخية متنعمة بلحظات هادئة بعيدا عن صخب البشر، صوت غاضب حاد اقتحم خلوتها، صوت أفاقها من لحظاتها الدافئة القليلة في هذه الحياة، صوت أفزعها بشدة، لا تدري ماذا حدث بعدها، ولكنها تشعر بضربات قلبها تتسارع بجنون، لا تستطيع التقاط أنفاسها، هل هو الموت؟، لا تعلم وبرغم أنها تنتظره وتتمناه إلا أنها وجدت جسدها لديه ردة فعل أخرى، جسدها يكافح لالتقاط أنفاس تعيد له الحياة، ولكنه لا يستطيع، حشرجة مؤلمة في حلقها يبدو أن روحها ستخرج الآن.
رعب هو ما يعايشه الآن، لا يدري ما يحدث لها، بعد سؤاله الغاضب فوجئ بردة فعلها، انتفاض عنيف أعقبه ازرقاق شديد في وجهها وهى تكافح لالتقاط أنفاسها ولكنها لا تنجح فتصدر صوت مرعب من حلقها يكاد يوقف قلبه، تضع يديها على مكان قلبها ووجهها يتحول للزرقة المخيفة، جثا على ركبته أمامها وهو يقول لها برعب: اهدئي لا تخافي، حاولي أن تأخذي نفس عميق، هيا حاولي.
هزت رأسها برعب وهي تحاول أن تفعل ما يقوله ولكنها لا تستطيع أن تتنفس هناك شيء يقف في حلقها فيمنع دخول الهواء، شعر أن تفكيره مشلول ماذا يفعل؟، حالها مرعب لو استمرت على هذا الحال لدقيقة أخرى ستلفظ أنفاسها، لا يدري كيف يتصرف أما هي فكانت يديها ترتعشان وعقلها يسحبها رغما عنها لتغرق في ذكري لن تنساها ما حيت، نائمة على حجر أمها ثم فجأة صراخ وألم وأبيها يعتليها ليزهق أنفاسها، سُجنت أفكارها في تلك اللحظة، صراخ أخويها بالخارج، أنفاسها تزهق، انتقلت هناك لبيت أبيها، لا ترى مكانها الآن ، لا ترى وجه عمار المرعوب ولا تسمع صوت صراخه العالي باسمها، كانت هناك ببيت أبيها وعقلها يسحبها لتفاصيل اليوم المرعبة التي تزور كوابيسها ليلا، ألم شديد بصدرها، وترحيب شديد للموت وعينيها تتعلق بقطة مرت من أمامها.
كان يضرب جبهته بيده يحاول التفكير في شيء لينقذها، لو اتصل بالإسعاف لأتت بعد فوات الأوان، نظر لوجهها عيناها شاخصة، يقسم إنها ليست هنا، إنها لا ترد عليه، تبدو وكأنها غارقة في ذكرى مؤلمة، غمغم بارتباك مرعوب: لا بد أن هناك حل، هيا فكر عمار؟ فكر ستجد حلا، وجد نفسه يقول بدون تفكير: كيف حال نور؟
ظن أن تشتيت عقلها عن اللحظة المرعبة التي تفكر بها سيفيد، كلمة اخترقت أذنها "نور" ابنه شقيقها، كم تحبها، سؤال آخر سمعته: وعمي عصمت كيف حاله؟ أنا أحب هذا الرجل للغاية.
فكرة أخرى اخترقت عقلها خالها كم تحبه وكم تمنت في صغرها أن يكون هو أبوها، قال لها بصوت مضطرب خائف وهو يستشعر استجابة لحظية لعينيها: لا تخافي أنا بجوارك، لن أدع أي مكروه يصيبك، هيا تنفسي بعمق، جيد صفاء رائع أنت تفعليها، هيا حتى نذهب لنور وإياد، إياد يحبك كثيرا.
تحاول التنفس بعمق كما يخبرها الصوت، صورة عصمت ونور وإياد تقتحم عقلها بينما صورة والدها تنحسر، تشعر بأن يديها متعرقه بشدة، الصوت يشجعها علي التنفس، تشعر بأنفاسها بدأت بالدخول، انقباض صدرها يخف، وضربات قلبها تبطء، تبا لقد عادت للحياة.
كان يحبس أنفاسه برعب وهو يتابعها بخوف، زفر براحة وهو يتهالك جالسا على الدرج بجانبها، أغمض عينيه يشكر الله، كم مر عليه وهو يعيش تلك اللحظات المرعبة؟ لا يدري يقسم أنه يشعر أن دهرا مر، ولكنها بخير الآن وهذا هو المهم، فتح عينيه يسألها بلهفة: كيف حالك الآن؟ هل أنت بخير؟ هيا لنذهب للطبيب؟ هل تستطيعين المشي؟
خجل عارم وخزي من نفسها لفها، تجربة مرعبة مرت بها أمامها، بكت على حالها وألمها وخزيها الذي لم يفارقها منذ شهور، بكت على أمنية شعرت بها قريبة فبخلت عليها بها الحياة، أمنيتها كانت الموت وواقعها كان الحياة بقلب سئم ومات منذ شهور.
ارتبك ولم يعرف كيف يتصرف، دخل بسرعة المكتب يبحث عن لينا أو مرام متسائلا بحيرة كيف لم يشعروا بكل هذا الصخب، لم يجد أحدا بالمكتب، أحضر لها كوب ماء وأسرع إليها، كانت ماتزال تبكي، حاول تهدئتها وهو يعطيها كوب الماء: اشربي صفاء، اهدئي لقد مر الأمر، أنت بخير الآن، لن أسمح لأي شيء أن يؤذيك.
كانت يدها تهتز بشدة وهي تشرب، كان يراقبها بإشفاق، يقسم أن ما مرت به هو نوبة هلع، ولكن ما يحيره، ما الذي أثار فزعها إلى هذا الحد، لقد كان مجرد سؤال قال لها بأسف: لم أقصد أن أفزعك أنا آسف، خشيت عليك فقط من القطط، إنها قطط تعيش في الشارع وربما تحمل أمراضا، هيا أريني يدك، ربما تكون إحدى القطط خدشتها وأنت لم تشعري.
قالت له بخفوت: القطط لا تؤذي، البشر هم من يؤذون من حولهم.
صمت ولم يرد على كلامها، يدرك مدى ألمها جيداً، يعرف أي تجربة مريعة مرت بها، وجدها جالسة لم تتحرك من مكانها فاستنتج أنها لم تجد القوة بعد للحركة، لمح شرودها فخاف أن تأتيها النوبة مرة أخرى، فقال لها أول ما خطر بباله: يبدو أنك تحبين القطط كثيرا.
-للغاية، كانت إحدى أمنياتي في الحياة أن أربي قطة بالمنزل.
سألها وهو يتأمل شرود عينيها: ولماذا لم تربي واحدة ما دمت تحبيها بهذا القدر؟
-أبي لا يحب القطط يكرهها بشدة، في كل مرة كنت أطلب منه كان يرفض، وعندما تزوجت لم تقبل حماتي أيضا، رفضت فصمت.
ضيق داهمه عندما ذكرت زواجها، نفضه سريعا وهو يسألها: ولماذا ترفض حماتك ما دمت ستربيها ببيتك؟
بألم ردت عليه: أي بيت هذا أنا كنت مقيمة عندهم طوال النهار، لا أصعد شقتي إلا آخر اليوم، البيت بيتها هي وأنا مجرد....
صمتت لم تكمل تاركة لمخيلته التكملة، أنبت نفسها كيف سمحت لنفسها بالحديث معه بهذا الشكل، حاولت القيام ولكنها وجدت نفسها منهكة، خافت أن تقوم فتقع ويزداد خزيها أمامه، استكانت بخجل من نفسها والموقف ككل، لمح تعابير وجهها فتألم قلبه، وجد نفسه يقطع وعدا لا يدري حتى كيف سينفذه، سيشتري لها يوما قطة، سيبدل ملامح الحزن التي تسكن ملامحها لفرحة، سألها: هل أتصل بمروان؟ أنا لا أجد مرام أو لينا بالداخل.
رفعت عينيها تسأله بدهشة: هل تعرف مروان أخي؟
ابتسم وهو يجيبها: أعرفه تقابلنا عدة مرات من قبل.
قالت له بسرعة: لا تخبره.
سألها بحيرة: أخبره بماذا؟
بخجل من نفسها أجابته: بما حدث منذ قليل، هو يقلق علي كثيرا ولا أريد أن أزيد همه، ولا تخبر مرام أو كريم حتى لا يقولوا له.
-ولكن لا بد أن يعرفوا صفاء، حتى يجيدون التصرف إذا حدثت هذه النوبة مرة أخرى.
بنبرة راجية توسلت إليه ألا يخبرهم فلم يجد مفرا سوي أن يعدها، سألها: أين مرام ولينا؟
أجابته بصوت خافت: مرام عندها موعد فأوصلتني صباحا وانصرفت، ولينا أتاها اتصال من روضة أولاد شقيقتها فانصرفت قبل أن تأتي أنت بدقائق.
قطب بتساؤل: أين ذهبت مرام؟
هزت كتفيها ترد عليه بخفوت: لا أستطيع أن أخبرك.
فركت كفيها بتوتر وهي تردف بنبرة أشد خفوتا: أنا آسفة.
سألها بحيرة: لماذا تعتذرين؟
أجابته بنبرة باكية: آسفة لما حدث منذ قليل.
زفر بضيق، هذه البنت تتبني كل آثام العالم وتعتذر عنها، تشعر بأنها السبب في كل شيء، قال لها بصرامة: انظري إلي صفاء.
رفعت عينيها تنظر إليه بحذر، فتنفس بعمق يقول لها: لا تعتذري ما دمت لم تخطئي، أنت تعرضت لنوبة هلع لأني أجفلتك، لوكان هناك أحد يجب أن يعتذر فهو أنا.
صمتت فسألها باهتمام: هل حدث لك هذا الأمر من قبل؟
-لم يحدث بنفس الشكل، ولكن عندما أكون مستغرقة في أمر ما ويجفلني شخص أشعر بألم في صدري وتلاحق في أنفاسي.
-إذا أنا من يجب أن أعتذر لأني أجفلتك، ولكن عديني أنك ستستشيرين طبيبا.
أومأت برأسها تريد الخروج من الموقف السخيف الذي وضعت فيه، قامت بحذر فحمدت الله عندما شعرت بقدميها تحملها، قالت له: أشكرك.
قام يفسح لها الطريق فتحركت أمامه للمكتب بخطوات بطيئة، أما هو فجلس مرة أخرى غارقا بين أفكاره ساخرا من نفسه التي أقنعته إنه مشفق عليها، فاليوم تيقن أنه معجب بها بشدة، يخاف عليها بشدة، يريد إزالة ألمها وخوفها، يريد أن يهديها السعادة والطمأنينة، مشاعره تتحرك نحوها بسرعة الصاروخ، ويجب أن يوقف تلك المشاعر بالقوة.

**********************************

زفرت بضيق وهى تتحرك لتخرج من الروضة، أصبح روتين يكاد يكون يومي بالنسبة لها، اتصال يأتيها من الروضة لتهرع إليها بخوف وفي كل مرة مشكلة مختلفة، فاليوم مالك انخرط في بكاء بعدما أوصله والده للروضة ولم ينجح أحد من المدرسين بتهدئته، وبالأمس اتصال آخر بأن ملك تسرق أشياء أصدقائها، وقبله شكوى أن مالك أصبح عنيف ويضرب زملائه، شكاوى لا تنتهي من سلوك الطفلين وتعقيب صارم بضرورة إيجاد حل، لقد تعبت، إنها تسبح في بحر من الشكاوى ولا تجد مخرج، مر شهر كامل عليها بهذه الحال، منذ ذلك اليوم الذي أجبرها فيه والدها على مغادرة بيت علي وهي بهذه الحال، يؤلمها حال الأولاد الذي عاد لهم تشتتهم، ولكن والدها متصلب يحكم رأسه لا يستمع لبكاء الأطفال ولا لتوسلات إكرام، منعها حتى من الذهاب إليهم، وعلي وقته لا يسمح بأن بالطفلين كل يوم لبيت أبيها، علي هو الآخر أتعبها، أخبرها بأنه لن يطلقها إلا إذا طلبت هي بنفسها، رفض الرضوخ لضغط والدها، أخبره صراحة أنه سيفعل إذا طلبت هي فقط، وهي حائرة متعبة مشتتة خائفة، صعدت الدرج بتثاقل، تحمد الله علي نعمة العمل لو كانت بالبيت لجنت، فوجئت بعمار جالس علي الدرج أمام المكتب شاردا حتى أنه لم ينتبه إليها، نادته مرة أخرى: عمار، لماذا تجلس هنا؟
انتبه لندائها فرفع رأسه يقول لها: هل أتيت لينا؟ ماذا كنت تقولين؟
سألته بقلق: لماذا تجلس هنا؟
-لم أرد الدخول وصفاء بمفردها بالمكتب.
تطلعت إليه مندهشة من إجابته، فكثيرا ما اجتمعت معه هو وهي بمفردهم بالمكتب ولم يعترض فباب المكتب مفتوح بالأساس، سألها باهتمام: ماذا حدث بالروضة أخبرتني صفاء أن هناك اتصال أتاك منها وانصرفت بسرعة.
بإحباط أخبرته: نوبة بكاء من مالك لم يستطع المدرسين السيطرة عليها.
تطلع إليها بإشفاق فلينا طوال الشهر الفائت منهكة حزينة، قال لها بهدوء: لينا تعرفين أنك مثل شقيقتي، الوضع الذي أنت فيه غير صحيح، أنت هكذا تستهلكين نفسك، يجب أن تقرري وتحسمي هذا الأمر، أما أن تقبلي بطلب والدك وتطلقي وتنهي الأمر، وإما أن ترفضي وتعودي لبيتك.
زفرت بضيق وهي تستمع لكلامه، إنه محق، لقد تعبت من هذا التشتت، ولكن القرار صعب، بل شديد الصعوبة، قالت له بنفس الضيق: معك حق عمار، ولكن الأمر محير لا أريد أن أعصي والدي وبنفس الوقت لا أتحمل رؤية الصغيرين بهذا التشتت والألم وعلي لا يساعدني لقد ترك الأمر بيدي، أخبرني أنه قراري وحدي وسيفعل ما أرغب أنا به.
-أنا أتفهم موقفه لينا، إنه لا يريد أن يظلمك.
صحيح هو لا يعرف الكثير عن ملابسات الزواج، هي لم تحكي الكثير لكنه لم يكن بحاجة لذكاء حتى يفهم أن الزواج تم من أجل الأطفال، وأن لينا هي الطرف الخاسر لذلك زوجها لا يريد أن يزيد خسارتها بطلاق سريع بعد زواج أكثر سرعة، سمعها تسأله: ألم يأتي كريم بعد؟
-لا لم يأتي
ثم انتبه لغياب مرام وتذكر حديث صفاء أنها أوصلتها وذهبت، سأل لينا: أين ذهبت مرام؟ أخبرتني صفاء أوصلتها وانصرفت.
هزت لينا كتفيها وهي تقول له: لا أستطيع أن أخبرك إنه أمر خاص بها.
قطب بتساؤل وهو يتساءل بحيرة" إلى أين ذهبت مرام؟"

***********************************************


أمسك رأسه بتعب، الصداع يكاد يفتك برأسه وعصبية كريم تزيد من ألمه، كان كريم يصرخ وهو يقول للينا بعصبية: إلى أين ذهبت؟ أخبريني، اتصلت بها عدة مرات ولكنها لا ترد.
تطلع بيأس إلى لينا التي تجيب كريم ببرود: أخبرتك منذ قليل أني لا أستطيع أن أخبرك لأنه أمر خاص بها.
زفر بإحباط، يبدو أن الجميع اليوم متوترين، يفرغون غضبهم واحباطهم في بعضهم البعض، اختلس النظر إليها، جالسة في مكتبها صامتة شاحبة الوجه، تتابع ما يفعله لينا وكريم بأعين خاوية، مسح وجهه بيأس وهو يسمع كريم يقول للينا: أتعرفي لقد سئمت، أنا سأفصلك من عملك.
ردت عليه لينا ببرود: أنا أعمل مع صديقتي، هي الوحيدة التي تملك هذا الحق.
اكتفى عمار بهذا القدر من التوتر فسحب كريم لمكتبهم وأغلق الباب، صدقا كريم أصبح لا يطاق، مشتعل على الدوام، يصرخ لأتفه الأسباب، تطلع إليه وهو يدور في المكتب ويتصل بهاتفه، أغمض عينيه وصراخه يصله بوضوح: اللعنة لا ترد، إلى أين ذهبت؟ ولماذا لم تخبرني؟ كيف تذهب دون إذني؟
بحزم قال له عمار: يكفي كريم، مرام ليست صغيرة، وإن كانت لا ترد فهذا يعني أنها مشغولة بأمر ما.
بدا كأنه لم يسمعه وهو مستمر بصراخه الغاضب: سأكسر رأسها عندما تأتي، كيف تتركني هكذا وهي تعلم مدى قلقي عليها، كيف لا ترد علي اتصالاتي.
بسخرية قال له عمار: تكسر رأس من يا كريم؟ مرام هل أنت متأكد؟ مرام التي عندما تنزل دمعة واحدة من عينيها تفعل المستحيل لتضحك وجهها ستكسر رأسها!
زفر بارتياح عندما رآه يجلس أخيرا على الكرسي أمامه مغلقا عينيه بتعب، لقد انتهت نوبة غضبه أخيرا، سمعه يقول بتعب: لقد تعبت يا عمار، أقسم بالله لقد تعبت، ماذا أفعل لأراضيها، اعتذرت مئات المرات، وعدتها أنني لن أفكر بسلمى مرة أخرى ولكنها لا تسمع ولا تصدق كلامي أخبرني ماذا أفعل؟
تطلع إليه بإشفاق، يعلم كم يؤثر هذا الوضع على كريم فصديقه عاطفي للغاية، هو نفسه متعجب من مرام، لم يتخيل أن تكون بهذا التصلب تجاه كريم، يعرفها منذ سبع سنوات وأكثر ولكنه يرى منها هذا الوجه لأول مرة، سأله كريم بإنهاك: أخبرني كيف أستعيدها؟
صديقه غبي يعترف، يعجز عن فهم نفسه، كيف سيستعيدها وهو لا يعلم بالأصل حقيقة مشاعره وتوصيفها، قال له بهدوء: لن تستعيدها إلا إذا نجحت في فهم نفسك كريم، إذا فككت ذلك التشابك داخلك ورأيت ما الذي تعنيه لك مرام عندها ستستطيع أن تستعيدها، ثم مال عليه يسأله: ما الذي تعنيه لك مرام؟
ماذا تعني له مرام؟
حقا لا يدري
لم يفكر يوما في تحليل مشاعره تجاه مرام
دوما كان يسير بمشاعره نحوها مدفوعا بقوة لا يدري كنهها
ماذا تعني له مرام؟
مرام كانت سمائه وأرضه
كانت وطنه وحلمه
كانت أمانه وسكينته
ماذا تعني له مرام؟
هي واحة الهدوء التي يرتاح فيها من عناء الحياة
نفسا عميقا يلتقطه ليرتاح به من ضغوط الحياة
بسمته في وسط حزنه
مرام تسكنه كيف؟ لا يدري
فقط يشعر بالاكتمال وهي بجواره
هل يحب مرام كما يخبره الجميع
لا يعلم ولكن كل ما يعرفه
أن حياته أظلمت منذ رحيلها
النوم جافاه والهدوء هجره
ماذا تعني له مرام؟
أجاب عمار بلا تردد: مرام هي الحياة.
-ولكن هذه الإجابة لا تكفيها كريم، مرام تشعر بأنها ليس لها مكان في قلبك وهذا يؤلمها، يدفعها للابتعاد، إذا فككت أنت تشابك أعماقك، نظمت تلك الفوضى الداخلية التي تعيش فيها، عندما تدرك من تحب حقا، عندها فقط ستستعيدها.
صوت رنين الهاتف قطع حديثهم، بملل ضغط على زر انهاء المكالمة، فسأله عمار: سلمي؟
أجابه بضيق: لا أعلم، إنه رقم غريب يتصل بي منذ أمس.
صوت رسالة من نفس الرقم وصله ففتح الرسالة ليقرأها، وجد عبارة مختصرة" أنا أسفل المكتب، إذا لم تنزل أنت سأصعد أنا"
هب من مكانه، يعلم علم اليقين أنها سلمى، سأله عمار بقلق: ماذا حدث؟
أجابه وهو يسرع للخارج: إنها بالأسفل أخبرتني أنها ستصعد إذا لم أنزل إليها، أخشى أنت تأتي مرام فتسئ فهم الموقف.
وقف ينظر من النافذة فرآها تقف بالفعل أسفل المكتب، سبها في أعماقه فيبدو إنها لا تنوي أن تترك صديقه بحاله، راقب الطريق وكله أمل أن تتأخر مرام قليلا حتى لا تراهم فيسوء الموقف أكثر مما هو سيء بينهم، مرام كانت في نفس اللحظة تصف سيارتها في الشارع المقابل للمكتب لأنها لم تجد مكان لسيارتها أمام المكتب بعد أن أتت متأخرة عن موعدها المعتاد، كانت سعيدة بنتيجة المقابلة وعندها أمل أن الوظيفة ستكون من نصيبها، أغلقت السيارة وهي تتمشي تلك الأمتار القليلة على قدميها، لمحته تستطيع أن تميزه ولو من بين ألف رجل، صحيح يعطيها ظهره ولكنها تعرف أنه هو، وقفت ولم تكمل طريقها، رأت سلمى بكل وضوح، فاتنه متألقة تدير رأس كل من يمر بجوارها، واثقة من نفسها، لمحت كريم يلوح بيده ثم يشير لها بعصبية وهو يلتفت حوله كأنه يبحث عن أحد، رأته يركب سيارته وسلمى تركب بجواره كملكة متوجة ثم يتحرك بها مبتعدا.
لم تكن تعلم أن سلمى بدأت حربها ولن تقبل سوى بالفوز الكاسح.
أما هي فقد رفعت رايتها البيضاء منذ زمن وسلمت بالهزيمة.
هي لن تقاتله لن تحاربه هي ستتوارى وستصنع عالمها الذي لن يكون هو جزء منه.

**************************************

هب عمار ما إن رأى مرام، كان وجهها جامدا بلا تعبير، ولكنه يجزم أنها رأت كريم، سألها بحذر: كيف حالك مرام؟ هل رأيت كريم؟
أجابته بهدوء: رأيته عمار يقف أسفل البناء معها.
أسرع يدافع عن صديقه قائلا: مرام لا تفهمي الموقف بشكل خاطئ، لقد أرسلت له رسالة أنها ستصعد له إن لم يرد عليها، فخاف أن تصعد لهنا ولذلك نزل ليصرفها.
هزت رأسها تسأله بجمود: ما الذي سأفهمه بشكل خاطئ عمار، أنا أعرف ما تمثله له وهذا يكفي، فلتأتي هي لهنا أو يذهب هو إليها الأمر لا يعنيني.
زفر بيأس الموقف بينهما يزداد تعقيدا، سألها بفضول: أين كنت مرام؟، ليست من عادتك التأخر على موعد الدوام.
أجابته بغموض: سأخبرك إذا تم الأمر.
تطلع إليها بحيرة يبدو أن مرام تعد لأمر ما، والأيام القادمة وحدها من ستوضحها، نظر نظرة سريعة لصفاء وجدها ما زالت شاحبة صامته، لقد وعدها أنه لن يخبر مرام، ولكنه لم يستطع الصمت سينبهها فقط لتطمئن عليها، قال لها: أريدك أن تعتني بصفاء اليوم.
بقلق نظرت إليها فوجدتها بالفعل شاحبة سألته بقلق: هل حدث شيء؟
بارتباك أجابها: فقط اعتني بها إنها بحاجة للدعم اليوم.
وانصرف سريعا لمكتبه حتى لا تسأله عن التفاصيل، تابعته مرام ببصرها، عمار يحيرها هذه الفترة، تجزم أنه يحمل مشاعر خاصة لصفاء، منذ شهر تراقبه، ووجدت صفاء محقة، إنه يتجهم عند وجودها، تغادره طبيعته الهادئة عندما يجتمعا معا، تلمح توتره وارتباكه إذا ظهرت صفاء في محيطه، هي تحتاج لمواجهته وسؤاله، عمار أخيها ويجب أن تفهم ما يمر به.
ما إن انصرف عمار حتى أسرعت لينا وصفاء إليها يسألاها بلهفة بصوت واحد: هيا احكي لنا ماذا حدث.
جلست وهي تجيبهم بتفاؤل: كانت المقابلة جيدة للغاية، ولكن أخبروني أن الرد سيكون بعد يومين، أتمنى أن يكون المكان من نصيبي.
بثقة قالت لها لينا: أنا واثقة أنه سيكون من نصيبك، ولكن ماذا سيفعل زوجك عندما يعرف، أشك أنه سيهدم هذا المكتب فوق رؤوسنا، لقد صدعني اليوم بأسئلته، تخيلي لقد هددني بالطرد إذا لم أخبره أين أنت، وأنا أخبرته أنني أعمل معك أنت.
ضحكت مرام على كلامها، فلينا منذ طلاقها تناكف كريم حتى يفقد أعصابه، رفعت سبابتها محذرة وهي تقول لها: أولا هو طليقي وليس زوجي، ثانيا فليفعل ما يشاء أنا سأفعل ما أريد وليس من حقه السؤال ولا الاعتراض.
وضعت صفاء كفها على ذراع مرام تسألها: ماذا سأفعل من غيرك مرام؟ لن أستطيع الاستمرار بالمكتب وأنت غير موجودة، أنا سأخبر مروان أني لا أريد الاستمرار في العمل.
كانت لينا من تولت الرد وهي تقول لصفاء: وأين ذهبت أنا؟ هل أنا شفافة أمامك، ستأتي وسنعمل سويا هل ستتركني وحدي مع ابن خالك، وجودك سيخفف عني كثيرا صفاء.
أمسكت مرام بيدها تسألها باهتمام: هل أنت بخير حبيبتي؟ تبدين شاحبة.
أجابتها صفاء بخفوت: أشعر أني متعبة للغاية منهكة مستنزفة ليس عندي طاقة لأي شيء.
-هل ترغبين أن أوصلك للمنزل؟
هزت رأسها نفيا تجيبها: لا، مروان سيقلق علي، وإذا ذهبت للبيت سأفكر وأنا لا أريد أن أفكر مرام.
ضغطت مرام على يدها بدعم وهي تقول لها بصدق: نحن هنا بجوارك أنا ولينا، سنفعل أي شيء من أجلك.
شكرتها بخفوت ثم قامت من مكانها تسألهم: من يريد قهوة سأصنع لي فنجان.
قامت لينا تقول لها: ارتاحي أنت ما دمت متعبة وأنا سأصنع لنا جميعا.
-اجلسي لينا، صنع القهوة لن يتعبني.
وقفت مترددة أمام مكتب عمار، هل تسأله أم لا، في كل مرة تسأله يتجهم ويقول إنه لا يريد، لمحها هو فقام مسرعا يسألها بلهفة: كيف حالك الآن صفاء، كيف تشعرين؟ هل أنت بخير؟ هل نذهب للطبيب؟
زاد ارتباكها مع أسئلته المتلاحقة، لم ترى منه أبدا هذا الجانب المهتم منذ عملها هنا، أجابته بهدوء: أنا أفضل شكرا لك، ثم أردفت: سأصنع قهوة، هل تريد؟
ولأول مرة يقول إنه يريد، لم يرد إحراجها ككل مرة، راقب انصرافها الهادئ من أمامه وقلبه ينبض بجنون خائفا عليها ومنها.
سألت مرام لينا باهتمام: تبدين متوترة، هل حدث شيء اليوم؟
زفرت بضيق تجيبها: المعتاد، اليوم نوبة بكاء من مالك فاتصلت بي الروضة، ما إن رآني حتى هدأ، لقد تعبت مرام، أشعر بالعجز، ماذا أفعل؟
تأملتها مرام بحزن، لينا منذ شهر وهي تعيش في تلك الدومة، والدها مصمم على الطلاق ولا يتحدث معها، يرفض أي مناقشة في هذا الموضوع، وعلى مصمم أنه لن يطلقها إلا إذا طلبت هي، ولينا حائرة بينهما لا تدري ماذا تفعل، قالت لها مرام: يجب أن تحددي ماذا تريدين لينا، هل تريدي أن يستمر هذا الزواج؟ هل تتقبلين علي زوج لك؟ يجب أن تحسمي لينا لأن طول المدة يزيد من تشتتك وألمك.
أغمضت لينا عينيها بإرهاق، تدرك مدى صحة كلام مرام، ولكنها عاجزة عن اتخاذ قرار، جزء منها يدفعها لسماع كلام والدها، والجزء الآخر ينهرها ويتهمها بالأنانية لأنها تتخلى عن أولاد شقيقتها، بحيرة قالت لمرام: لا أدري ماذا أفعل مرام، أشعر أنني سأخذل مالك وملك إذا طلبت الطلاق، ماذا سيفعلون من دوني، كيف سيعيشون؟ أنت ترين كيف ساءت حالتهم هذا الشهر عندما وجدوني انسحبت من حياتهم رغم وجود والدهم وجدتهم معهم.
-ولكن الحياة ليست ملك ومالك لينا، هناك جزء آخر مهم أكثر أهمية، زوج جُبرت عليه في وقت سابق، الآن أنت مخيرة، هل تتقبليه زوجا لك؟
هزت رأسها نفيا تقول: لم أنظر إليه كرجل قط يا مرام، ما زلت أراه كشقيقي حمزة، ما زلت أراه زوج لتسنيم فقط.
نظرت مرام في عينيها تقول لها: كيف ستستمرين في حياتك مع رجل تنظرين له كأخ لينا، هذا غير معقول.
شردت وهي تقول بألم: هل تعلمين بالأمس لم أنم، ظللت أفكر حتى الصباح لماذا لا أستطيع سماع كلام والدي، لماذا لم أنهي الموضوع، لماذا أظل متمسكة بشيء كل منطق وعقل يرفضه، هل تعلمين لما توصلت؟، ربما أنا أنانية مرام، ربما أتمسك بفرصتي الأخيرة في أن يكون لي أسرة وأولاد، ربما أهرب من الوحدة التي تنتظرني، لذلك أنا متمسكة بهم.
-كف عن هذيانك لينا، أنت لم تكوني يوما أنانية، أنت ضحيت بالكثير حتى توفري بيتا مستقرا لأولاد شقيقتك، وهم ليسوا فرصتك الأخيرة كما تقولين، الفرص أمامك كثيرة لينا، أنت فقط من تقفلي كل الأبواب بشرطك العجيب الذي تعلمي أنك متى تنازلت عنه ستؤسسين بيتك الخاص مع رجل تحبيه.
برفض هزت رأسها تقول لها: لا أستطيع، لن أفعلها أبدا، لا أقدر أن أتنازل عن شرطي، وتعرفين يهربون مني كأنني مجنونة ما إن أذكره.
زفرت بيأس من رأس صديقتها، حاولت كثيرا الحديث معها واقناعها لتعدل عن رأيها ولكنها لا تستجيب، فرحت كثيرا عندما تقدم لها عمار، ظنت أنها ستعدل عن رأيها مع معرفتها بعمار وكيف أنه رجل نادر في هذا الزمان ولكنها فجاءتها بتمسكها بنفس الشرط فما كان من عمار إلا أن انسحب بهدوء، بصبر قالت لها: أنت تعرفين جيدا أنه ما من أحد عاقل سيوافق على هذا الشرط، أخاف أن تندمي لينا في يوم ما، راجعي نفسك حبيبتي.
-ولماذا سأندم، لقد رزقني الله بطفلين ملك ومالك، سيملئون حياتي.
بمرارة قالت لها: لأن الحياة ليست أطفال فقط لينا، هناك زوج وهذا الزوج سيكون له متطلبات هو الآخر خصوصا بعدما حدث مع والدك، كيف ستقتربين من رجل لا تحملين له سوى مشاعر أخوية، كيف سيكون شعورك إذا تعلقت به مع الوقت وأحببتيه واكتشفت أنه أغلق قلبه بعد رحيل زوجته فلم يعد لك مكان، صدقيني لو أخبرتك أنه أسوأ شعور قد تعيشيه، أنك منفية من قلب رجل يحتل كامل قلبك.
-لن أحبه، أنا واثقة من هذا.
سألتها مرام: وماذا عن القرب لينا؟ هل ستمنعينه من الاقتراب، تعرفين إذا عدت لن يكون الوضع مثل السابق، سيكون زواج حقيقي مكتمل، هل ستقدرين؟
صمتت فمنحتها مرام وقتا تقلب الأمر في ذهنها، ولكنها زفرت بيأس ولينا تقول بعناد: أنا لا أستطيع التفكير سوى في مالك وملك، لن أسمح بأن يتزوج يوما زوجة تجعلهم منبوذين في بيتهم، لا أريد أن تصبح ملك مثلي عندما تكبر، سأدفع عمري كله فداء لهم حتي لا يعايشوا ما عايشته.
توسلتها مرام: أرجوك لينا للمرة الأخيرة فكري في نفسك أولا.
قطع حديثهم دخول كريم العاصف، زفرت لينا بملل وهي تستمع له يسأل مرام أسئلة متتابعة دون أن يعطيها فرصة للرد: هل أنت بخير؟ لماذا لم تأتي صباحا؟ أين كنت؟ لماذا لا تردين علي اتصالاتي؟
تركت لهم الغرفة وذهبت لترى صفاء، بينما نظرت مرام لكريم تنتظره حتى ينهي استجوابه لتتحدث.
كريم الذي لم يكف طوال شهر كامل هي مدة طلاقهم عن تعذيبها بقربه.
يظل يحاصرها طوال فترة عملهم ويقتحم مكتبها كل دقيقة بعذر مختلف.
وفي البيت لا يختلف الأمر، فكل يوم يذهب إليها بعد العمل وعندما اعترضت أخبرها ببرود أنه لا يريد أن يشعر إياد باختلاف فصمتت.
يتناول معهم الغذاء يوميا ثم يظل يناكف إياد على التلفاز، فإياد يريد الكرتون وهو يريد قناة المباريات الرياضية، فتفصل بينهم وتراضيه كالأطفال، ثم تطرده كل ليلة وقت النوم بصعوبة.
أرادت فسحة لتهدأ لتقوى لتنساه فلم تجد سوى الهروب من المكتب صباحا، نظرت له وهو يسألها بعصبية: لماذا لا ترد علي؟
ببرود أجابته: انتظر حتى تنتهي من سيل أسئلتك الذي لا ينتهي، ردي هو أنا بخير كريم ولن أستطيع أن أخبرك أين كنت ولكن وعد إذا تم الأمر ستكون أول من يعرف.
احتقن وجهه غضبا وهو يسيطر على نفسه حتى لا ينفجر بها، لقد عاش شهرا كالجحيم وهو يراها كل يوم تزداد بعدا عنه، ظن أنه سيستطيع استعادتها خلال أيام، ولكن ظنه خاب، مر ثلاثون يوما وهى بعيدة حتي أوشك على الجنون، قال لها: لماذا لا تستطيعي أن تخبريني، ثم ازدادت عصبيته وهو يردف: كيف بالأساس تذهبين إلي مكان بدون علمي، أنا ز...
قاطعت حديثه قائلة: لست زوجي كريم، لذا أستطيع أن أذهب إلي أي مكان بدون أن أخبرك.
راقبت انفجاره ببرود، انتظرت حتى أنهي كلماته الغاضبة ثم سألته بهدوء: إذا كنت قد انتهيت فسأستأذن فعندي عمل متراكم.
انصرفت تحت نظراته الغاضبة، فتحرك لغرفته غاضبا قال له عمار ما إن رآه: لقد رأتك معها.
اتسعت عيناه ذعرا وكاد يتحرك ليتحدث معها فأوقفه عمار: لا أنصحك كريم، لقد حاولت أن أشرح لها سبب نزولك لمقابلتها ولكنها كانت متصلبة، انتظر حتى تهدأ قليلا، ثم مال يسأله بفضول: ما الذي كانت تريده منك سلمى؟
تمتم بسخط: اللعنة على سلمي بل اللعنة علي أنا فأنا من جلبت لنفسي هذه المصائب، عرفت بطلاقنا وشعرت بالذنب فجاءت تعتذر لي.
سأله عمار بدهشة: هل تمزح؟ سلمى تشعر بالذنب وتعتذر! من أين عرفت بطلاقكما من الأساس؟
بنفاذ صبر وبلا اهتمام أجابه: قالت لي أنها عرفت من أحد جيراننا، لم أهتم بمعرفة التفاصيل كنت فقط أود العودة والاطمئنان على مرام.
-ألم تخبرني أنك لم تخبر أحد بأمر طلاقكما!
-لا أعرف عمار ربما أمي أخبرت أحد الجيران، لكن أنا لم أخبر أحدا ولن أخبر لأن رجوعها إلي أمر حتمي.
قالها بثقة فنظر له عمار بيأس فالوضع غير مبشر وهو بدأ يوقن أن مرام لن تعود لصديقه المتأمل.

**********************************
مترددة منذ دقائق، تمسك الهاتف ولكنها تخجل من أن تتصل وتزعجها، ولكنها خائفة، لا تريد اليوم النوم بمفردها، طالما ظنت الموت أمر سهلا تمنته من أعماقها، ولكن ما عايشته اليوم كان مرعبا، تجزم أنها فور أن تغمض عينيها ستهاجمها تلك اللحظات، هي بحاجة لأن يكون أحد بجانبها، حسمت أمرها واتصلت بها فور سماع صوتها الهادئ يرحب بها حتى قالت لها برجاء: هل أستطيع أن أقضي الليلة معك مرام، ثم أردفت بحرج: لو مشغولة لا بأس مرة أخري.
سمعت رد مرام العاتب: قلت لك أنك مرحب بك بأي وقت حبيبتي، هيا تعالي سأنتظرك.
أسرعت تشكرها وتغلق الهاتف ثم ذهبت لمروان لتخبره وبعد دقائق كانت تطرق على باب بيتها، فتحت لها مرام البيت ورحبت بها بابتسامة لطيفة ثم دعتها للدخول، تحرجت فور أن دخلت فوجدت كريم جالسا بأريحية على أحد الأرائك ممدا قدميه أمامه، اعتدل فور أن لمح صفاء يرحب بها بابتسامة: أهلا صفاء تفضلي.
ارتبكت صفاء وهي تقول لهم: لم أكن أعرف أن كريم هنا، سأنزل وأترككم على راحتكم.
أمسكتها مرام من يدها قائلة: تعالي حبيبتي، كريم كان سينزل الآن حتى لا يتأخر، إنها التاسعة كريم.
نظر إليها بسخط وهي تطرده بهذه الطريقة من منزله، قال لها بتذمر طفولي، ألم تكوني تصنعين شاي لي.
ببرود ردت عليه: غدا إن شاء الله.
زفر بضيق ثم انحنى يحمل إياد الذي نام بجواره، وضعه علي فراشه بحذر ثم قال لها: هل تحتاجين شيئا.
هزت رأسها نفيا فانصرف بضيق يتجدد كل ليلة بداخله وهو ينصرف ليلا من بيته محروما من دفئه وأمانه.
سحبت مرام صفاء تجلسها على الأريكة ثم جلست جوارها وهي تقول لها: كيف أشكرك لولا مجيئك لظل هنا حتى منتصف الليل، ثم سألتها باهتمام: ما الذي يحدث معك صفاء؟ بك شيء اليوم.
ارتجفت وهي تتذكر أحداث الصباح، قصت عليها الأمر بكلمات مرتجفة فأوجعت قلب مرام، التي ربتت على كفها بدعم وهى تفهم حديث عمار صباحا، سألتها باهتمام: هل لازلت متعبة، هل نذهب للطبيب؟
هزت رأسها نفيا تجيبها: لا، أشعر أنني بخير ولكنني خفت كثيرا أن أنام وحدي فتهاجمني الكوابيس، هل تعلمين كنت سعيدة للغاية صباحا وأنا أجلس بمفردي بالمكتب، شعرت أني انسانة طبيعية أجلس بمكان بمفردي واعتمد علي نفسي، كدت أطير من السعادة عندما لمحت القطط، لم أخف خرجت بمفردي وجلست على الدرج، لأول مرة منذ شهور أشعر بأني تجاوزت الأمر لأفاجئ بما حدث.
بندم قالت لها مرام: ليتني ما تركتك صباحا صفاء، لو كنت أعلم أن لينا ستنصرف لما تركتك أبدا.
-لا تلومي نفسك مرام، أنا التي لا تحتمل مجرد سؤال، أي انسانة هشة أنا أخبريني، لقد بت أكره نفسي أتعرفين هذا!
نهرتها مرام وهي تمسك يدها تضغط عليها برفق قائلة: إياك صفاء، اكرهي العالم أجمع، اكرهي طليقك وقريتك بل حتى اكرهي والدك ولكن إياك أن تكرهي نفسك، إذا كرهت نفسك لن تتمكني من الحياة، قاتلي هذا الشعور صفاء.
أغلقت عينيها تداري وجعها عن مرام وتلوم نفسها فالأخيرة يكفيها آلامها فجاءت وأكملت عليها بهمومها، همست لها: أشعر بخجل شديد أمامه، لا أعرف كيف سأراه كل يوم بعدما حدث صباحا.
طمأنتها مرام: إذا عرفت عمار لما كنت ستقولين ذلك، عمار شخص متفهم للغاية وأنا أعرف أن الأمر مر ولم يفكر به.
هزت رأسها ثم قالت لها بخفوت: أريد النوم هل يمكنني النوم بجوار إياد الليلة.
-بالطبع حبيبتي.
قادتها إلي غرفة إياد فاندست بجواره بلا كلام، وكأنها بحاجة لبراءته لتطمئن وتهجرها أشباح خوفها القاتلة، بعد أن اطمأنت عليهم مرام تحركت لغرفتها، أشعلت الضوء ووقفت تتأملها، مر شهر كامل على طلاقها، وكلما يمضي يوم تكتشف شيئا مختلفا في نفسها، كأنما داخلها شخص آخر يخرج ليبهرها، لم تظن يوما أنها ستعتاد على فراق كريم، ولكن فجاءتها نفسها التي تأقلمت، تذكرت أول ليلة وكيف كانت قاسية، كيف دخلت هذه الحجرة في الظلام تهرب من الضوء، ولكنها استطاعت بمرور الوقت أن تفتح الأضواء تتأمل الأركان تستعيد الذكريات وتبتسم، أغلقت الضوء واتجهت لفراشها تندس تحت الأغطية، وبلا وعي منها اقتربت لتحضن وسادته، اشتمت رائحته التي ما زالت عالقة بها، غيرت أغطية الفراش عدة مرات ولكنها لم تقدر أن تغير غطاء وسادته، مازالت عاجزة أمام هذا الأمر كلما حضنت الوسادة شعرت كأنه هو من بجوارها، ولكن يوما ما تعرف إنه قادم لا محالة ستغير الغطاء، وتمحي أثر رائحته أما الآن فلتصبر قليلا، صوت رسالة وصلها، لم تكن بحاجة لتعرف مرسلها ، إنه هو ، يظل طوال الليل يرسل لها رسائل ولا يمل، يشكو من الأرق، يخبرها أنه اشتاق لحضنها، والغريب أنها لا تتأثر، تعرف إنه يكذب لأنه يشفق عليها من وحدتها، كتمت صوت الرسائل وأغلقت عينيها لتنام فاقتحمت عقلها صورته معها، نهرت نفسها عندما بدأت الدموع تتجمع في عينيها، أخذت تردد: أنت قوية مرام، لا تبكي، لقد انتهي زمن البكاء، ستعتادين.
استسلمت للنوم سريعا متمنية أن ينجح الطب يوما في ابتكار دواء للتخلص من آلام العشق.

************************************
زفر كريم بضيق فكالعادة لم ترد على رسائله، يكاد يجن في الفترة الأخيرة بسبب تباعدها، مرام التي لم تكن تستطيع فراقه لساعة واحدة تعيش بمفردها منذ شهر كامل بعيدة عنه، تصم أذنها عن سماع كلماته، يلمح عينيها تكذب كل ما يتفوه به عن اشتياقه لها، لا يدري ماذا يفعل ليقنعها إنه بالفعل يشتاق إليها بشدة، يشتاق لبيته لحياته لسعادته وهو معهم، صوت رسالة وصله فأمسك الهاتف بلهفة يظنها هي، أحبط وهو يجد الرسالة من رقم غريب، فتحها فوجد عبارة يتيمة: كريم طمئني ماذا حدث؟ هل تصالحتما.
ضيقه ازداد، سلمى لا تتركه، ليتها ما جاءت اليوم، لقد رأتهم مرام ورفضت أي تفسير منه، رد عليها بعبارة مختصرة آملا أن تتركه بحاله: لا.
استرخت في فراشها لترسل له رسالة أخرى: اطمئن ستلين مع الوقت، ما دامت تحبك لن تستطيع البعد عنك.
ابتسمت بظفر وهي تلمحه يكتب، تفهم جيدا كريم، لو كانت أرسلت له عبارات عن حبها وشوقها إليه لما رد، ولكنه سيتحدث معها إذا تكلمت عنها هي، زوجته الضئيلة التي لا تعلم للآن سبب تمسكه بها، لقد تركته شهر كامل، حتى يهدأ، كانت تتابع أخباره من سميرة، سميرة التي كانت بحاجة لأن تجد أحد يستمع إليها عندما تشكو من مرام، فعصمت وكريم لا يتحملا الهواء عليها، حتى سعاد صديقتها تلومها وتخبرها أنها فتاة جيدة، سلمى كانت تستمع وهذا كان يريحها، سلمى كانت تأخذ كل معلومة وتحفظها لمعرفتها أنها ستحتاجها في يوم ما، قابلته اليوم، كانت تعرف أنه لن يقابلها إلا إذا وضعته أمام الأمر الواقع، هددته بالصعود للمكتب وعلمت أنه سيرضخ، وبالفعل نزل ليقابلها، صحيح لم يجلسوا إلا دقائق معدودة، ولكنها تكفيها، لقد عاودت فرض وجودها في حياته، اعتذرت منه وأخبرته أنها تشعر بالذنب لأنها كانت سببا في طلاقه، وهو أخبرها على عجالة أن لا تأتي للمكتب حتى لا تفهم طليقته الأمر بشكل خاطئ، قرأت رسالته: أتمني لقد اشتقت إليهم كثيرا.
قطبت حاجبيها باستياء من كلمة الشوق التي كتبها، هدأت نفسها" اهدأي سلمى واصبري، تحملي قليلا حتى تنالي مرادك"، أرسلت له رسالة أخري" كيف حال إياد، هل يشبهك"
استرخت وانتظرت الرد الذي لم يتأخر، وطال حديثهما عبر الرسائل لساعة كاملة، كان الحديث كله عن مرام وإياد وهذا يكفيها في هذه المرحلة، هي تعود لحياته ببطء ويوما ما ستحتل كامل حياته.

**************************

طرقت الباب ثم فتحته ما إن سمعت صوت والدها يأذن لها بالدخول، منذ عادت من عملها وهي تفكر، وفي كل مرة تفكر لا تستطيع أن ترى من الصورة سوى ملك ومالك، في كل مرة يقفز علي لذهنها وتستعيد كلمات مرام حتى يقتحم الصغيرين عقلها فينحيا أي فكرة سواهما، تصلب وجه والدها عندما رآها، سألها بجفاف: ماذا تريدين لينا؟
دمعت عيناها ككل مرة يتحدث إليها فيها، لا تدري سبب جفافه معها، لماذا هو غاضب منها بهذا الشكل، هي لم تسئ إليه، وافقت وتزوجت علي برغم رفضها، ما ذنبها! لماذا يعاملها هكذا!، طوال عمرها كان حنونا معها، يغرقها بالحب حتى يعوضها غياب أمها، في كل مرة يعطيها هذا الوجه الجاف تترك الحجرة متألمة تداري دموعها في وسادتها ولا تتحدث معه، ولكنها اليوم كانت مستنزفة متألمة منهكة فلم تقدر، بكت أمامه تٍسأله بحزن: لماذا تعاملني بهذا الشكل؟ أخبرني أين خطئي.
دموعها، لو سألوه يوما ما هو أكثر شيء يؤلمه في هذه الحياة، لأجاب بلا تردد دموعها، دموعها التي كانت دوما تخبئها عنه، دموع صغيرته التي حرمها القدر من أمها وعمرها ساعات معدودة، دموع كان يعرف أنها تسيل كثيرا بسبب صفية فتداريها عنه حتى لا تحزنه، أما اليوم فدموعها تسيل والسبب هو، قال لها بخشونة: كف عن البكاء.
وكأنه قال العكس، فدموعها زادت وهي تطلق شهقات متقطعة، فقام من مكانه يحتويها ويحاول تهدئتها، قال لها بألم: لا تبكي لينا، لا تبكي حبيبتي، لست غا ضب منك، بل غاضب من نفسي، كيف تأثرت بكلام إكرام ووافقت، كيف لغيت عقلي وأنا أعلم أنك ستضررين من زيجة كهذه، أنا أخجل منك لذلك أتحاشى الكلام معك، أخجل من هيام التي أوصتني أن أحافظ عليك وهي تفارق حياتها ففرطت في أمانتها.
قالت له من وسط شهقاتها: لا تقل هذا أبي دوما كنت وما زلت في عيني أفضل أب في هذا العالم، أنا وافقت أنت لم تغصبني على هذا الزواج.
أجلسها على الأريكة ثم جلس بجانبها يهز رأسه ينفي كلامها قائلا: بل ابتززتك حتى توافقي، لا تجملي الأمر لينا، أنا مخطئ، ولكن هل تعلمين لما فعلت ذلك، لأني خائف عليك، شعرت أنك ستهبين حياتك لملك ومالك، خفت أن يمر بك العمر ثم تكتشفين أنك وحيدة لا أحد بجوارك، لقد خفت من هروب كل من يتقدم إليك بعد الجلوس معك، شعرت أنك تخفين عني أمرا، أمر يهدم كل فرصك في بناء حياة مستقرة، ثم رفع رأسها ينظر في عينيها يسألها: صارحيني ما الذي تخبئيه عن أبيك؟ أيا كان الأمر أخبريني، سأقف في ظهرك ولن أتركك.
هربت من عينيه، لا تريد أن تخبره، تعرف إنه لن يتفهمها، سيغضب وسيحاول اقناعها بالعدول عن فكرتها، وهي لا تريد هذا، لذلك هربت من الحوار وقالت له: أنا لا أخفي عليك شيئا أبي، إنه فقط النصيب.
بيأس نظر إليها، إنه موقن من أنها تخفي عنه شيئا، لقد شطح به الخيال وظن أنها سلمت نفسها لأحدهم لذلك هي تهرب من الزواج، لكنه عاد وأنب نفسه، يعرف ابنته لن تفعل ذلك، ولكنه يكاد يجن من التفكير يريد أن يعرف سرها ولكنها تحاوط نفسها بأسوار عازلة تخبئ نفسها، نظر إليها كانت تتحدث بتردد: أريد العودة إلي مالك وملك أبي.
برفض قال لها: لا.
-أرجوك أبي، لقد تعبت حقا، كل يوم تأتي مشكلة من روضتهم، الأطفال نفسيتهم متدهورة، إنهم يحتاجوني أبي.
كلماتها آلمته جرح آخر كتبه عليه الزمن، أولاد ابنته الراحلة، كلما رأوه يبكون يطلبون خالتهم، وهو عاجز ممزق بينهم، لا يعرف كيف يتصرف، بأيهما يضحي، هل يضحي بالصغيرين ويهدم أمانهم الذي وجدوه في خالتهم أم يضحي بلينا ويكتب عليها حياة خالية من العواطف مع رجل قلبه معلق بابنته الراحلة، رجل مثله مات قلبه برحيل حبيبته، هل يسخر منه الزمن أم ربما ينتقم لصفية التي عجز عن حبها رغم تفانيها أعواما طويلة في سبيل كسب قلبه، إنه حائر خائف متألم، قال لها نبرة عجزت عن إقناعه هو شخصيا: سيعتادون مع الوقت، وهو سيتزوج ذات يوما وإن شاء الله ستكون زوجته امرأة جيدة وستعوضهم.
قامت من مكانها تقول له بغضب: على جثتي أن يعيش ملك ومالك ما عشته، سأدفع عمري كله فداء أن يعيشوا حياة سوية، سأبذل كل ما أستطيع حتى يحبوا بيتهم ويجدوا فيه أمانهم وسكينتهم، سأموت إذا رأيتهم يوما يكرهون بيتهم ويتمنون البقاء خارجه ليهربوا من مشاعر الرفض من زوجة أبيهم.
هل كانت تتحدث عن نفسها أم عن ملك ومالك، هي عاشت عمرها كله بين جنبات هذا البيت تشعر بالنبذ، تحاوطها نظرات الكره، هل تخبر أباها الآن أنها تشتاق لبيت علي، هل تخبره أن الفترة التي قضتها في بيت علي كانت أكثر فتراتها راحة وطمأنينة، هل تخبره أنها منذ شهر كامل تشعر بالاختناق وهي تعيش في بيته، تتمني أن يطول النهار لتقضي الساعات خارجه، وتتمني رحيل الليل سريعا حتي تخرج منه، هل تخبره، لا لن تخبره، فيكفيها النظرة المتألمة التي يرمقها بها، كلامها آلم روحه، لم تشتكي لينا يوما من صفية، كانت دوما صامتة ولكنه كان يشعر كان يفهم واليوم وهي تتحدث عن مالك وملك عرف أنها كانت تتحدث عن نفسها هي، عن ألمها هي في بيته، بماذا يرد عليها، ماذا يقول، يقسم لو يملك أن يهب عمره لتسنيم لتعود لأولادها لفعل، سألها عاجزا: ماذا تريدين لينا؟
-أن أعود إلي ملك ومالك.
-وعلي، هل ستمضين عمرك مع رجل مات قلبه بموت حبيبته.
هزت رأسها برفض: أنا لا أريد قلبه ولا أريده هو شخصيا أنا أريدهم هم، أريد أن أعطيهم ما حرمت أنا منه، أريد أن أكون أمهم، ولا تقلق لن أكون يوما مثلها.
شعر بالانهزام لا يجد حجة واحدة يقنعها بها، ابنته أوقفت تفكيرها على الصغيرين ولا تري الحقيقة كاملة، يفهم علي ويدرك أنه سيصون ابنته ويحافظ عليها ولكنه سيعجز عن منحها قلبه، يرى نفسه فيه، هو خير من يفهمه.
قال لها برجاء: فكري مرة أخرى حبيبتي، إنه قرار مصيري.
أغمضت عينيها تقول له بحسم: لقد فكرت، ليس عندي استعداد أن تتصل الروضة غدا لتخبرني بمشكلة جديدة، أريد أن أكون بجوارهم الليلة، سأتصل بعلي ليأتي ويقلني للبيت بعد اذنك أبي.
هل يستطيع أن يقول لا، لا يستطيع، أي كلام سيقوله لن تسمعه، رآها تتصل بعلي، ثم أخبرته بخفوت أنها ستتجهز للرحيل، تابعها ببصره وهو يجلد نفسه، هو من أدخلها في دوائر الحيرة، هو من حطم حياتها، ليته ما سمع كلام إكرام.
أغلق معها المكالمة ونهض ليتجهز، جزء منه كبير ارتاح بمكالمتها، هي ستعود، سيعود استقرار بيته وحياته وأولاده بعودتها، ولكن جزء منه كان يتمنى ألا تعود، كان يعرف أنها أكثر أحد خاسر في هذه العلاقة، هو لا يملك شيء ليهديها له أكثر من الاحترام، لا يملك قلبه الذي فقده برحيل حبيبته، يعلم أنها تضحي فقط لتهدي حياة سوية لأبنائه، يدرك الآن بعد أن قضي شهر كاملا مع خالته كم تكرهها، إنها تذكرها طوال الوقت بالسوء، فهم أنها تعطي حياة حرمت هي منها لأولاده، جميلها سيطوق عنقه ماحيا، ولكن ذنبها سيظل يخنقه ما بقى، ليتها هربت من حياته، أخبر والدته إنه ذاهب لإحضار لينا فتهلل وجهها بينما اسود وجه صفية، انصرف ليحضرها وهو يعلم أن عودة لينا لن تكون كالمرة السابقة، هذه المرة ستعود زوجة فعلية له، كم كان يود أن يطول الطريق ليرتب أفكاره، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فجأة وجد نفسه أمام منزلها، يقف أمام والدها منتظرا خروجها، رجاء قاله عبد الله له: علي دوما اعتبرتك كحمزة، لن أخفي عليك تمنيت انفصالكما وأصررت على طلاقكما شهر كاملا ولكنها رفضت، ضحت بنفسها من أجل الصغيرين، حافظ علي ابنتي، هي تستحق السعادة.
عمه عبد الله، كم يحب هذا الرجل، طمأنه بقوله: هي في عيني سأحملها فوق رأسي ما بقي من العمر، أعرف أنها عادت من أجل الصغيرين، ولكن أعدك سأعطيها كل ما أملكه في هذه الحياة. ولكن ثم أردف بنبرة مخنوقة: ولكن لا تسألني على ما لا أملكه يا عمي.
فهمه عبد الله، عرف مقصده، وهل هناك أحد يفهمه أكثر منه، قال له بنبرة ميته: سآتي معكما لأحضر صفية.
-أنا سأحضرها غدا عمي أتركها اليوم ولا تقلق لن أدعها تضايق لينا، الوقت متأخر والجميع نام.
وافق عبد الله على مضض، ودع صغيرته هذه المرة بدموع عينيه، كان يعلم أنها ترمي نفسها في الجحيم ولن يحترق فيه سواها، لينا التي ركبت جوار علي بصمت وكلها شوق لملك ومالك ولبيت علي وحضن إكرام الدافئ، وجدت نفسها أمام البيت أخيرا ولكن أملها خاب عندما وجدت الأنوار مطفأة، أخبرها علي بخفوت: الجميع نام لينا.
لقد أوصي أمه قبل انصرافه أن لا ينتظرهم أحد، وقف هذه المرة ينتظرها لم ينصرف كالمرة السابقة تاركا إياها وحيدة مع أمه، نظرت له فقال لها: أنرت بيتك لينا، ثم أشار لها لتتقدمه، فاتسعت عيناها وهى تراه يقودها لغرفته، فتح الباب فتسمرت قدماها على عتبتها، فدفعها برفق لتدخل ثم أغلق الباب وراءه.

انتهي الفصل
أتمني تشاركوني آرائكم بالفصل، دمتم بخير🌹🌹🌹.














-






hollygogo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-06-21, 12:45 AM   #332

hollygogo

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 460860
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 657
?  نُقآطِيْ » hollygogo is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 47 ( الأعضاء 22 والزوار 25)
‏hollygogo, ‏mariam sayed, ‏غائب, ‏سوسن شريف, ‏زهوةفرحة, ‏اريج القران, ‏amana 98, ‏سوزان سول, ‏ايمان عباس سعدة, ‏rere87, ‏همس البدر, ‏رونى تامر, ‏رسوو1435, ‏ماسال غيبي, ‏Shadwa.Dy, ‏الذيذ ميمو, ‏hapyhanan, ‏سوووما العسولة, ‏نجمة القطب, ‏ريلينا بيسكرافت, ‏Fatimz, ‏minasaloma
أدوات الموضوع


hollygogo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-06-21, 12:48 AM   #333

رونى تامر

? العضوٌ??? » 482076
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 106
?  نُقآطِيْ » رونى تامر is on a distinguished road
افتراضي

جميل جدا شكرا ❤❤❤❤

رونى تامر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-06-21, 12:54 AM   #334

ماسال غيبي

? العضوٌ??? » 485399
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » ماسال غيبي is on a distinguished road
افتراضي

جمبل اعتقد ان علي سيحب لينا،،مرام انا حقا فخورة بك لا لعلم لما لكن اليوم ستغير فيه الوسادة هو يوم عودة كريم لسلمي انت جد قوية يا ليت كل النساء متلك يا مرام ،،ام كريم و عباءه لو كان حقا يريد مرام لقاطع سلمي و لكنه بقي يتحدت ساعة يالهي و هكذا بالفعل ستعود لحياته و نرنبط به فقط حينها سيدرك انها مجرد ماضي في متير من احيان نحب الفكرة ونععقد اننا نريد شىء و ما ان نناله حتي يزول الانبهار انا اتمني ان لا تعود له مرام فحتي لو ندم ما الفاءدة هل يؤلم حرق الشاه بعد ذبحه،،،دسؤال كم فصل للرواية شكرا لك

ماسال غيبي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-06-21, 01:19 AM   #335

سوسن شريف

? العضوٌ??? » 481029
?  التسِجيلٌ » Nov 2020
? مشَارَ?اتْي » 45
?  نُقآطِيْ » سوسن شريف is on a distinguished road
افتراضي

هل ممكن تنزلي فصلين في الاسبوع🤗🤗🤗صراحة متمكنة الطرح وسلاسة الانتقال وشرح المواقف تجعلنا نعيش مع الابطال فنتفاعل ونخمن فهل نعذر او نثور للحقيقة لا امل القرأة لك

سوسن شريف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-06-21, 01:52 AM   #336

Um-ali

? العضوٌ??? » 456412
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 172
?  نُقآطِيْ » Um-ali is on a distinguished road
افتراضي

انا مع ضد لينا بتفكيرها لأنها تظلم نفسها و تضحي في سبيل أبناء اختها
يا ترى ما هو شرط لينا للزواج
كريم لا يفكر قبل اي عمل و يتمادى بعلاقته مع سلمى بدون ان يشعر و يبعد مرام
الفصل جميل ،تسلم ايدك


Um-ali غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-06-21, 03:09 AM   #337

شوشو العالم

? العضوٌ??? » 338522
?  التسِجيلٌ » Feb 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,012
?  نُقآطِيْ » شوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond repute
افتراضي

كريم غبي ووقع بالفخ مرة تانية
لينا بتظلم نفسها لكن أظن أنها حتاثر بعلي
برضو أنور ما إله ذكر بالفصل 😟
فصل جميل تسلم ايديك 🌹


شوشو العالم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-06-21, 12:52 PM   #338

ميره مير

? العضوٌ??? » 479464
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 168
?  نُقآطِيْ » ميره مير is on a distinguished road
افتراضي

يسلمو فصل جميل انا ضد الي بتعملو مرام بس يمكن لاني عارفه جميع جوانب المشكله ومرام ما بتعرف بس مبسوطه انه سلمى رح تأدب كريم وامه ويمكن هي كمان تتأدب بس برضه كريم مو هاين علي ولا حتى مرام يعني تناقض كبير حاسه انه لينا وصفاء مخبا الهم اشياء حلوه جايه بعد الالم الي شافو ويسلمو ايديكي يا جميل

ميره مير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-06-21, 01:29 PM   #339

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي

الكل يعيش دوامة الخيره

وبصراحه القرارصعب على الجميع

اي خيار فيه منافع وخسائر متعادله وصعب الاختيار

ربما اول واحد خرج من دوامته هو عمار وواجه نفسه وحقيقة مشاعره ولكن طريقه طويل وصعب

ثم تاتي مرام لان لديها دوافع قويه هو حديثها مع سلمى الذي للاسف لااحد يعلم به واذا انكشف ستنكشف حقائق كثيره يترتب عليها قرارات مختلفه

البقايين لايزالون يراوحون في هذه الحياة

علي ولينا وشرطها المجهول هل كانت تشترط عدم الانجاب

اذا هذا شرطها فهي مخطئة للنخاع وتستحق الضرب على رأسها لتصحو

اتمنى ان يكون علي قد استبدل غرفة تسنيم على الاقل الجرح سيكون اخف على لينا

صعب ان تدخل على غرفتها اختها بفرشها وذكرياتها وزوجها وايضا فيها اهانة كبيره لها

لينا تستحق من علي الاحترام التقدير وهذا اول دليل ازالة اثار تسنيم العينيه




um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





رد مع اقتباس
قديم 15-06-21, 04:30 PM   #340

لامار جودت

? العضوٌ??? » 290879
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,601
?  نُقآطِيْ » لامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond reputeلامار جودت has a reputation beyond repute
افتراضي

تسلم ايدك حبيبتي الفصل أكثر من رائع والتطورات مذهلة بس والنبى خلى على يحب لينا عشان هى تستاهل تتحب وعايزة اشوف يوم فى سميرة وسلمى ويكون زى وشهم عجبني اوى قوة مرام خليها تربى كريم صفاء وعمار بقى حاجة زي العسل نعيش معاهم احلى حب منتظرين جديدك على نار تحياتى

لامار جودت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:19 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.