شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة (https://www.rewity.com/forum/f524/)
-   -   رواية( عدا.. عدي)وسام الأشقر (https://www.rewity.com/forum/t480301.html)

وسام الأشقر 24-01-21 04:57 PM

رواية( عدا.. عدي)وسام الأشقر
 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحية طيبة على أعضاء وحي الأعضاء وعلى المشرفات



يتجدد لقاءنا مرة أخرى مع وليدتي الرابعة بعنوان (عدا ..عدي) تلك المرة سيكون العمل أحداثه مستوحاة من أحداث حقيقة ، تتناول الأحداث إحدى قضايا المرأة ومعاناتها وأتمنى من كل قلبي أن أقدر أوصل الصورة كما ينبغي

شكرا لسعة صدركم وجزيل الشكر أنكم أعطتوني الفرصة ان أحصل على وسام التمييز بعمل( سأخبرك سرا)
اترككم مع الاقتباس الأول برواية( عدا .. عدي)



روابط الفصول

الفصل 1 .. بالأسفل
الفصل 2
الفصل 3, 4 نفس الصفحة
الفصول 5, 6, 7, 8 نفس الصفحة
الفصول9, 10, 11, 12 نفس الصفحة
الفصل 13, 14, نفس الصفحة
الفصل 15



وسام الأشقر 24-01-21 05:12 PM

الغلاف
 
https://www.rewity.com/forum/picture...ictureid=32821

وسام الأشقر 24-01-21 05:22 PM

اقتباس
 
اقتباس


___________


بعد لحظات من الانتظار رفعت منديلها الورقي تمسح عرق توترها من أسفل غطاء وجهها بأناملها المرتعشة الباردة، كيف الخلاص من ذلك المأزق؟، كيف ستبرر انصرافها الأن، فعندما بحثت في حقيبتها لتجمع المبلغ المطلوب دفعه ظنا منها أنها تحتفظ بمبلغ خاص للظروف الطارئة، لتتفاجأ أنها قامت بدفعه للأدوات أولادها المدرسية وقد نست الأمر برمته، عزمت أمرها بالتحرك معتذرة بأي عذرٍ واهٍ، ولكنها تراجعت عن خطوتها عندما تفاجأت بولوج أحد الموكلين برسمية التي جعلت الأخرى تنتفض من جلستها تحييه بمودة ظاهرة، لتستنتج سريعا أنه أحد الموكلين المهمين لديهم، ووصلها ترحيب"سهير" الحار:
-"عُدي"بك، المكتب أُنير بموجودك اليوم، تفضل.

وقف يبادلها التحية بلباقة ظاهرة، فسمعت "زينب" صوته الأجش يخبرها بلباقه:

-شكرا لكِ، هل أستاذ "أبو بكر" بمكتبه؟

-نعم، أنه بالداخل مع أحد الموكلين، تفضل "عدي" بك استرح حتى ينتهي من موكله بالداخل.

لمح بطرف عينه تلك المتشحة بالسواد ويبدو عليها أنها تنتظر منذ مدة، فأسرع يخبرها بلباقة:

-سأنتظره، حتى ينتهي من جميع مقابلاته حتى لا أعطل عمله.

تحرك بخطوات ثابته اتجاه أحد المقاعد المصفوفة بالجهة المقابلة لها، ووصله صوت "سهير" يسأل تلك المرأة بلباقة:

-هل من الممكن أخذ بعض البيانات أولا.

ارتبكت"زينب" من ذلك الموقف المحرج وتحركت حتى استقرت أمام مكتبها تبلغها بتوتر ظاهر حاولت تخفيف حدته:

-يبدو أنني نسيت مشوارا هاما، سأمر عليه وقت أخر.


ebti 27-01-21 10:24 PM

ليلتك سعيدة.... بما ان لا موعد واضح للتنزيل ومر 3 ايام دون تنزيل مقدمة او فصل أول ف المشاركة تعتبر دعاية للرواية ومكانها الشرفة وليس الصفحة الرئيسية لذلك تم نقلها للشرفة والرجاء قبل يوم من موعد التنزيل مراسلة الاشراف لاعادتها للشرفة....

وسام الأشقر 29-01-21 12:47 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ebti (المشاركة 15321539)
ليلتك سعيدة.... بما ان لا موعد واضح للتنزيل ومر 3 ايام دون تنزيل مقدمة او فصل أول ف المشاركة تعتبر دعاية للرواية ومكانها الشرفة وليس الصفحة الرئيسية لذلك تم نقلها للشرفة والرجاء قبل يوم من موعد التنزيل مراسلة الاشراف لاعادتها للشرفة....

شكرا حبيبتي على تعاونك
لم افهم الفرق بين الشرفة والصفحة الرئيسية
بعتذر عن عدم مشاركتي هذه الايام إن شاء الله من يوم غد سيتم نشر أول فصل بالرواية
ويعتذر مرة أخرى إن صدر خطأ غير مقصود

نوارة البيت 29-01-21 01:17 PM

تذكير📢📢📢📢📢📢
🌹سوره الملك 🌹

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)🌸الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)🌸 الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)🌸 ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)🌸 وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) 🌸وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)🌸 إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)🌸 تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)🌸 قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)🌸 وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)🌸 فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)🌸 إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)🌸 وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)🌸 أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)🌸 هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)🌸 أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)🌸 أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)🌸 وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)🌸 أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)🌸 أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)🌸 أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)🌸 أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)🌸 قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)🌸 قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)🌸 وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)🌸 قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)🌸 فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)🌸 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)🌸 قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)🌸 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)🌸﴾”


🍃💕🍃 أذكار النوم 🍃💕🍃
((بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، فَإِن أَمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا، بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ))
((اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا، لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْياهَا، إِنْ أَحْيَيْتَهَا فَاحْفَظْهَا، وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ))
((اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الأَرْضِ، وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ))

((اللَّهُمَّ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءاً، أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ))
((اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْت

وسام الأشقر 29-01-21 03:30 PM


(عدا...عُدَي)

*لو كان خيرا لكان...*
———————-

الفصل الأول

----------

هل للأسماكِ أن تسبح خارج مياهها؟!
------------------

تسير بخطواتها المثقلة بالهموم أكثر من ثقل آلام جسدها المُنهك، ليت كل أوجاعنا تقتصر على الآلام الجسدية، فلكل داءٍ دواء، ولكن!، أين دواء داء روحها؟، تحاول تمالك قوتها وتستجديها البقاء حتى تصل لمرسى الآمان، رفعت نظرها لأعلى تناجي خالقها بصمتٍ، أن يزيد من عزمها وثباتها، لم تشعر بأنها انتهت من صعود درجات بيتها وهي في وسط دوامة أفكارها المتلاطمة التي لا ترحم ضعيفًا، للتتفاجأ بفتح الباب وتظهر بكريتها بوجهٍ متجهم مرتعب قائلةً:
-أين كنتِ ياأمي؟، لقد أكلنا القلق عليك، وأنتِ لاتجيبي على هاتفك.



اقتربت "زينب" تردف لها بلوم على انفعالها:
-هل ستدخليني لأريح ساقيا قليلا؟، أم ستتركيني على الباب لتكملي أسئلتك؟ .



تنحت "شهد" تفسح لها الطريق، يتأكلها القلق على والدتها التي أصبحت في أيامها الأخيرة كثيرة الاختفاء خارج المنزل لأوقات طويلة، وتعود في كل مرة منهكة القوى بشكل سرب الشكوك لقلبها، راقبت خطواتها المنهكة، وهي تتحرر من نقابها الأسود ووشاح رأسها قبل أن تلقي بجسدها المنهك فوق أريكتها المفضلة في بيت جدتها المتوفية، فتداعى لسمعها سؤال والدتها الحنون:
-هل نام أخوتك بدون طعام؟، لمَ لم ينتظراني؟
-لا عليكِ أمي ف"عمر" طلب مني إيقاظه عند حضورك ليتناول وجبة العشاء معك، و"حور" أطعمتها بما قمتي بإعداده لها قبل خروجك، ولا تقلقي"زيد" أيضا قام بآداء واجبه المدرسي ونام وهو يشاهد التلفاز.



أغمضت عينيها تتحامل ألام ساقيها حتى لا تشعر صغيرتها بما تعانيه، فشعرت باقترابها تجلس بجوارها تمسد فوق كفها برقة تسألها:

-أين تذهبين كل يوم أمي؟، لم لا تخبريني؟، فكل يوم تعودين منهكة القوى لما لا تصارحيني؟!



فتحت عينيها اللامعة اللاتي زادت إنهاكا تلك الفترة، تخبرها بحنان:

-لا تقلقي، فأنا بخير.



أرادت تغير مجرى الحوار فسألتها بمداعبة:

-هل نسيت موعد ميلادك؟، كل عام وأنتِ بخير بنيتي.



ألقت "شهد" نفسها بين أحضان"زينب" تردف بتأثر:

-أعتقدتُ أنكِ نسيتي موعده، وأنتِ بألف خير أمّي.

- كم أصبح عُمر أميرتي الأن؟



ابتسمت بوداعةٍ تجيبها بحبور واضح:

-غدا سأتم الثالثة عشر أخيرا.

- العمر كله لكِ يا أميرتي، أتعلمين سنعد أجمل قالب من الحلوى لكِ غدا، وسأدعو خالك "خالد" هو وزوجته وأولاده.



ابتعدت "شهد" عن مرمى ذراعيها تبلغها عما يعكر صفوها: -كنت أخجل أن أثقل عليكِ بطلبي لهذا الأمر، لمعرفتي لوضعنا المالي المتعسر هذه الأيام، لا تنهكِ حالك بمصاريف لا حاجة لنا بها، يكفينا أنكِ معنا ترعينا.



ابتسمت"زينب" بقهر لم تشعر به ابنتها، فبعد أن كانت تعيش ملكة متوجة ببيت أبيها، وكان يجلب لها ولأخواتها الحلوى من أشهر المحلات لأعياد مولدهم، غير الهدايا الثمينة التي كانت تُهدى لها في تلك تلك المناسبة، الأن تحمل هم الانفاق حتى لا تنهك قواها، طمأنت قلقها زينب:
-لا تقلقي، بشأن المال.
- من أين لك بالمال؟، فأنا أعرف جيدا أن ماتحصلين عليه من معاش جدّي لا يكفينا لمنتصف الشهر حتى.



آثرت الصمت فكيف لها أن تخبرها عن مصدر المال التي حصلت عليه االيوم، فأخر مرة عندما علمت ببيعها لقرطها الذهبي، انتابتها آلاما مبرحةً بالمعدة وهي لا ترغب بالضغط على ابنتها نفسيا أكثر من ذلك، رفعت نظرها لذلك المشعث المستمر بفرك عينيه ينفض نعاسهما عنه، وتسمعه يقول بتثاؤب:

-متى أتيتِ؟، لقد اشتد بي الجوع، ألن تطعمينا؟



رمقته شقيقته بنظرات حذرة رغم أنها لا تكبره إلا بعاما فقط وبضعة أشهر ولكنه تمارس عليه سلطة الأخت الكبرى، ولكنه لم يهتم لنظراتها ليلقي حاله بأحضان ما تمثل له الأمان الذي يفقده مع كل من حوله، ليخبرها بتردد شعرت هي به:

-أريد أن أخبرك شيئا، ولكني خائف أن تغضبي مني.



انتظرته يبلغها بما نبأها به قلبها وحدثتها به حواسها:
-لقد عاود الاتصال بي عبر شبكة الانترنت أكثر من مرة وخفت عندما أرسل إليّ رسالة توعد منه كعادته، إن لم أجبه على اتصاله سيقوم بمعاقبتي مثلما كان يفعل بي قديما.



صرخت"شهد" بوجهه مستنكرة:

-إياك أن تقول أنك لبيت رغبته بالتواصل معك؟

-ماذا عساي أن أفعل لقد ارتعبت من تهديده، ولكنه حتى بعد ردّي عليه صرخ بوجهي كعادته وقام بسبّي بأقذع الشتائم النابية، لأنني لم أنفذ ما يقوله سريعا.


ضربت على جانب فخذيها باستنكار:
-هذا ما كنت أتوقعه، فأنت دائما ضعيف متخاذل، كيف تلبي له رغبته في الحديث معك؟ ليوهم حاله أنه يقوم بدور الأب البار بأبنائه على أكمل وجه،كأنه أب مثالي مثلا!، فهو لا يستحق ذلك اللقب، من يلقى بأبنائه الصغار في الطرقات ويمتنع عن الانفاق عليهم نكاية في أم أولاده ، لايستحق، ألا ترى ما يفعله بنا، إنه يمتنع عن إرسال ملابسنا الموجودة ببيته، حتى ألعابنا وجهاز الحاسوب الخاص بي.



حاولت"زينب" تدارك غضب ابنتها:

-كفى"شهد".

-لا، فهو لا يشعر بما نعيشه، دائما ضعيف تصاحبه شخصيته المهتزة، ألم ير كيف امتنع أبانا عن دفع رسوم مدرستنا؟ ، وقام بنقل أوراقنا لمدارس حكومية بعد التنعم في المدارس الخاصة أكثر من عشر سنوات بنفسه، ألم...
-يكفي "شهد"، حدث ما حدث، وصراخنا لن يجني شيئا، من الأن أنا أخيركما من البقاء معي وتحمل ذلك الطريق الوعر الذي نسير فيه حتى أصل بكما لبر الأمان، إما أن تعيشوا في كنف والدكما ورعايته وأمواله.


نظر "عمر" لشقيقته الكبرى بوجه ممتقع يتخيل نفسه يعيش مع أبيه تحت سقف بيت واحد، وما يناله من إيذاء، فهز رأسه بخوف أن تُقبل والدته على تلك الخطوة برعب واضح فأسرع يلقي نفسه باحضانها يبكي:

-لا أرجوكِ، لا تتركينا له، فهو لا يرغب بنا ولا يتمسك بنا إلا نكاية بكِ، نريدك أنتِ أمي.



ابتسمت"زينب" ابتسامة مغتصبة تربت فوق خصلاته تهدئ نوبة انهياره قائلة:

-هل للأسماك أن تسبح خارج مياهها بني؟


—————



-لماذا تصرخ بوجهي في كل مرة تواجه بها أبنائك، أعصابي لم تعد تتحمل تقلباتك المزاجية.



قالتها زوجته الثانية "همسة" مستنكرة أفعاله معها، يكفيها أنها تزوجت من رجل بعنقه أربعة أبناء من زوجته الأولى، ماعساها أن تفعل وقتها؟، لقد اضطرت للقبول بهذا الوضع حتى لا تظل موشومة بلقب مطلقةٍ عقيمٍ، قاطعت شجارهما دخول حماتها "نرجس" تربت على صدرها تهدئها قائلة:
-عليك أن تتحملي غضبه، فله كل العذر في غضبه، أولاده يبتعدون عنه، ولا يقبلون الحديث معه.



كتفت ذراعيها لصدرها ووقفت تحدثها بسخرية:

-وماعساي أن أفعل، لمَ أتحمل جمام غضبه في كل مرة؟، لمَ لا يصب ذلك الغضب على طليقته التي تعصي أولاده عليه؟



ابتسمت "نرجس" بمكر شديد ونطقت بفحيح كالأفاعي:
-لا عليكِ سأخطط لأقهرها، وسيعود الأولاد لأحضاننا مهما فعلت، فنحن نضيق عليها الخناق ولن تستطيع مجابهة الانفاق على الأولاد لفترة طويلة أكثر من ذلك، فليس لديها عائد.



صرخ بها ولدها وعينيه غارقتين بالدماء كالشياطين:
-متى تحدث ذلك المحامي، أريد أن أعرف ما حكم قضية الرؤية، ألم أرفع دعوى منذ شهور عدة؟ لمَ التأخير؟.

- اصبر يا ولدي، لقد طمأنني وستكسر أنفها المتعالي، إن شاء الله وسننجح في إمالة أولادك لك بتشويه سمعتها ليعودوا لأحضانك ويتنعمون في أموالي وأموال جدهم.



ثم ألتفتت ل"همسة" الصامتة المراقبة لحديثهما بخوف جلي تسألها بخبث:

-لما لا نذهب نحن للمشغل النسائي، فأنا أريد أن أزيد لون خصلاتي الصفراء أكثر من ذلك، هل ستأتين معي؟



حركت "همسة" رأسها بطاعة، فليس عليها إلا الطاعة في ذلك المنزل ، مادام يغدقوا بأموالهم وتتنعم في عيشتها، ولا يحرموها من شيء، لمَ لا؟، يكفي أنهم سينفقا على عملية الحقن المجهري ليحققا لها حلمها في الانجاب. قاطعتها مرة أخرى والدة زوجها قائلة بتحذير:
-ولكن عليك تنظيف منزلي بالأسفل والطهي للغداء أولا، فأنا قمت بطرد الخادمة منذ يومين، عملها لم يعجبني، فالبركة بزوجة ولدي بالطبع، أليس كذلك؟.



أجفلت من صراحتها المبالغ فيها ولم تجد إلا الطاعة مجبرة على ذلك الوضع.


——————


دخلت على أمها المنهمكة في تجهيز قالب الحلوى الخاص بها ممسكة بجهازها اللوحي ، تخبرها بضيق:

-سأحظر رقمه، فهو لا يكف عن مراسلتي.



أجابتها والدتها وهي تنتهي من تزيين وجه القالب بالفاكهة:

-لا تعكري مزاجك، فاليوم عيد مولدك ولا أريد أي شيء يعكر صفو يومنا هذا، يمكنك إجابته ومعرفة ما يريده منك.



ألقت "شهد" جسدها فوق المقعد بضيق تخبرها:

-أنه لايرغب في شيء إلا الإساءة لك والافتراء عليكِ بما ليس فيكِ، تخيلي أنه لم يهتم بالسؤال عنا أو تذكر موعد ميلادي حتى، كل حديثه أنك السبب في هذا الوضع الذي أُولْنا إليه، لا يصدق أنه السبب الرئيسي في معاناتنا الأن. ابتسمت لها تفكر كيف كبرت طفلتها بهذه السرعة خلال هذا العام، وسألتها:
-هل انتهت"حور" من ارتداء ملابسها؟
-نعم ألبستها ما طلبتيه وهي تشاهد التلفاز الأن، و"عمر" معها.



رنين الباب نبههما لوصول الضيف المنتظر، فاخبرتها"زينب": -من المؤكد أنه خالك"خالد".



قلبت"شهد" عينيها بتهكم قائلة:

-به الخير والله!


——————



-عيد ميلاد سعيد"شهد".



تبادلت"شهد"مع شقيقها النظرات بحيرة، وعندما طال صمتها أجابت "زينب" تهنئته باضطراب:

-وأنت أسعد أخي، لما لم يحضر معك الأولاد وزوجتك. نظر لهاتفه يتابع الرسائل الواردة من زوجته منذ دخوله، ثم رفع نظره يعتذر بعذر واهي:

-أصيبت البنت بتوعك مفاجئ فأضطرت "ندا" مرافقتها وعدم الحضور، ولكنها ترسل لك التهاني.


هزت"زينب" رأسها بتفهم رغم عدم اقتناعها فهي أكثر شخص تعرف طباع زوجة أخيها غير الودودة وخاصة بعد ظروف انفصالها مؤخرا، فكادت أن تستأذن منه لإحضار الحلوى من الداخل ، فوقف يضبط وضعية ملابسه يقول على عجالة معتذرا:

-لا تحضري شيئا، وجب عليّ الرحيل ، لقد تذكرت موعدا هاما، اعتذر.
-ولكنك لم تجلس معنا بما يكفي، قد اشتقت إليك كثيرا.



قالتها شقيقته الصغرى باستجداءٍ واضح لعطفه، فبادلها ابتسامة مغتصبة لم تصل لعينيه يوعدها كما يفعل دائما: -أعدك أن أمرّ عليك مرة أخرى في يومٍ أخر.



رن هاتفه مرة أخرى فلمحت اسم زوجته وفهمت سريعا سبب استعجاله، وقفت تنظر للفراغ الذي كان يحتله منذ دقائق بقلب محطم، وعينين يغشاهما العبرات أفاقت على ملمس كف صغيرتها "حور" ذات العامين تجذبها من ملابسها يتبعها رفع كفيها بالهواء عاليا لحملها ، فانحنت سريعا تضمها بقوة لصدرها تملأ رئتيها بعبيرها الساحر، ثم تابعت بعد انتباهها لأبنائها المتابعين لما يحدث بصمت:

-ألن نطفيء الشمع معا؟
................
هبط الدرجات على عجالة وهاتفه على أذنه، ينهرها:
-مابكِ؟، ألم تستطيعي الصبر لدقائق إضافية؟، كادت أن تكشف كذبتي بإتصالك المتكرر.

وصله صوت زوجته المَتهكم، تقول ساخرة من ارتباكه:
-ماذا فعلت أنا!، كل هذا لأنني استعجلتك، حتى لا تنس حالك بصحبتهم، وتنسى وعدك لي.

هز رأسه بضيق، وتبعه زفرة بطيئة من صدره، يطمئنها:
-لا لم أنسَ عزيمة أهلك، ولكن ألا ترين أن المطعم الذي قمتِ بالحجز به، باهظ الثمن قليلا، كان من الممكن اختيار مطعما أقل تكلفة.

نهرته على كلماته، كيف يطلب منها اختيار مطعما أقل كلفة، فقالت بنزق:
-أهذا مقام والدتي لديك، اعتبرها هدية عيد مولدها التي لم تبتاعها أصلا.

كان قد وصل لسيارته المصفوفة، فرفع عينيه بمللٍ للسماء، قائلا بصوتٍ أكثر مرونة:
-بالطبع لم أقصد المعنى الذي وصلك، فمقام والدتك يستحق أكثر من ذلك، ولكن
ألا يكفي ذلك العقد الثمين الذي ستهديها به اليوم!

أرادت "ندا" تغيير دفة للحوار حتى تشبع فضولها، فسألته بنبرة ماكرة:
-هل اشتريت لشقيقتك شيئا؟

أجابها بفمٍ ملتوي، ساخرا:
-كيف ذلك وأنت قمت بسحب أخر ماكان معي من أموال لتلك العزيمة، بالطبع لا.

أجابته بنفسٍ عرفت طريق راحتها أخيرا تستعجله:
-حسنا!، لاتتأخر، أنا في انتظارك.
x x
x - - - - - - - - -x x x x x x x x x x

ألقت جسدها المنهك فوق فراشها بجوار صغيرتها "حور" التي تغوص في أحلامها الوردية وعلى ثغرها ابتسامتها الرقيقة، ابتسمت عندما تذكرت كيف ألتهمت نصيبها من قالب الحلوى بحفاوة طفلةٍ حتى غلبها النعاس وهي محتضنة صحنها مع تلطخ فوهها ببقايا الشيكولاتة، دثرت نفسها ومالت عليها تدثرتها بغطائها الناعم تستمد من ملمسه ذكرى بعيدة عمرها أكثر من عشر أعوام، كانت وقتها تضبط غطاء صغيرتها "شهد" ذات العام الأول بإرهاقٍ تملك من عضلاها كادت أن تسمع صوت آنينه تلتمس الراحة بعد عناء يومٍ طويلٍ منهمكٍ، لقد قضت يومين كاملين تجهز للاحتفال بمولودتها لاتمامها عامها الأول، رغم شراءها لجميع الحلوى من أشهر المحلات إلا أن الارهاق كان متمثل في الإشراف واستقبال هذا العدد الكبير التي لم تعلم عنه شيئا إلا قبل الموعد بساعةٍ، لتتفاجأ ب"حسن" يبلغها أن حماتها دعت شقيقاتها الخمس بأبنائهن وزوجات أبنائهن ناهيك عن أطفالهن الذي تجاوز عددهم العشرون طفلا، كادت تعترض على ذلك الكم الهائل من المدعويين لعدم استعدادها المسبق، كهذا دائما أم زوجها تفاجأها بما ليس به علما، فهي خير عليمة بطباعها الحادة منذ زوجها لا تكل عن الضغط عليها بما لم تطق، فاقت على ملمس كفه يحيط به جذعها ليرتطم ظهرها بصدره مداعبا أنفه في تجويف عنقها متأوها بقوة، بعد أن وصله رائحة عطرها الآخاذ المميز على عكسها فسرعان ما تململت من بين عناقه عندما وصلها رائحة أنفاسه المنفرة، ولقد تأكدت حينها عما أقبل عليه، تحررت منه لتواجهه بملامح متغضنة تخبره عما اكتشفته:
-ألم أطلب منك من قبل ألا تُقبل على شرب تلك السجائر؟

ابتسامة متلاعبة ظهرت على جانب ثغره مع اقترابه منها متلاعبا بأطراف وثاق مأذرها حتى استطاع تحريرها منه ليظهر خلفه جسدها المثير الذي يذوب به عشقا، مهملا سؤالها وضيقها ونفورها الواضح جليا على وجهها حتى بعد محاولته للاقتراب منها سارقا قبلته من ثغرها، فأردف بلومه المعتاد:
-أنها مجرد سيجارة واحدة أقترضتها من زوج أختي، لا تكبرين الأمر.
-أجب أولا على سؤالي، ألم أطلب منك الاقلاع عن تلك العادة البغيضة؟، أنا أكره رائحة دخان السجائر ناهيك عن رائحة الحشيش، التي تسبب تلك الروائح المنفرة.

جذبها لصدره يمطرها بقبلاته مع محاولتها المستميتة للتحرر منه بغضا لتلك الروائح النفاذّة، قائلا بروحٍ ذائبة بها عشقا:
-أشتقت إليك كثيرا، هل ستضيعي علينا الليلة في حديث غير نافع، لمَ لا تتركين ذلك النقاش للغد، أم ترغبين في نوم زوجك وهو غاضبٌ منك؟

كتمت أنفاسها بصمتٍ موجع عندما لاحظت تململ طفلتها بفراشها بسبب صوتهما، وقد بدا لها أنه عازما على تنفيذ ما يريده حتى لو ترجته فلن يحل وثاقها تلك الليلة، نجحت أخيرا في التحرر من قبلاته، تهمس له برجاء، لعله يترأف بها ويراعي إنهاك جسدها ليومٍ واحد فقط:
-ارجوك!، عليك الاغتسال أولا مما تناولته،.. "حسن"، ارجووك!.

ضاعت كلماتها وسط نوبة هجماته غير المتعقلة، التي يصل إليها دوما وهو تحت تأثير ذلك المخدر، كم تكره أن تراه دوما في تلك الهيئة غير المراعية لمتطلباتها كزوجة، لها حقوقها ومشاعرها كورقة (سوليفان) شفافٍ -رقيقٍ- سريع التمزق إن لم يتم التعامل معه برفقٍ ونعومةٍ، ظلت ليلتها عيونها يقظة يمزقها الألم النفسي قبل الجسدي، تغشاهما عبراتهما تأبى التحررَ مثل صاحبتهما الأبيّة، التي ترفض محاولة كسرها بذلك الشكل المهين، رمقته بحذرٍ تتأكد من غوصه في إغماءته المعتادة بعد تناول ذلك السُم الكريه التي اجبرت تنفس بقاياه العالقة بأنفاسه بروحٍ مجبرةٍ مغلوبةٍ على أمرها، لملمت جوانب قميصها الحريري تستمع لصوت أنفاسه المنتظمة المزعجة، بغرض الاستحمام للتخلص من الروائح العالقة بجسدها المعطر، تتمهل بخطواتها تبتعد عن حيزه بنفسٍ لائمةٍ، كيف كانت سترتكب أكبر جرم في حق خالقها، كيف كانت ستبيت وهو غاضبٌ منها لتمنّعها الأنثوي، لا والله ما أبت إلا لكرهها لتلك الروائح، استغفرت ربها ووعدت حالها بالتحمل من أحل بيتها وبنتها الصغيرة، ف"حسن" لا يعيبه إلا تلك الصفة البغيضة التي تكرهها، ولكنها لن تنكر أنه حنون ومتفاهم يبثها عشقه دوما، وخاصةً إن أبعد أذنيه عن همزات والدته المستمرة، تحركت خروجا باتجاه حمامها بعد أن حصلت على منشفتها وملابس بيتية بديلة، نظرت لملامحها المنعكسة بمرآة حمامها تراقب شحوب عينيها بإرهاق، لقد زادت هالاتها السوداء التي تظهر بنفور وسط وجهها الأبيض المستدير مؤخرا، رفعت أناملها تتحسس وجنتيها الممتلأتين، التي طالما يتغزل "حسن" بهما، دوما يذكرها أنه أنبهر بملامحها من أول وهلة ليقرر وقتها أنهاx تكن له لا لغيره، ابتسامة خجلة شقت جانب ثغرها عندما داعبت ذكراها قرصه دوما لوجنتها بطريقةٍ تغضبها، فسرعان ما يسترضيها بقبلة مداوية، صوتٍ بالخارج جذب انتباهها، فأسرعت بغلق الصنبور سريعا تنصت السمع ليصلها الصوت أقوى من المرة السابقة، حدثت نفسها بحيرةٍ من أمرها:
-هل يعقل أن يستيقظ من نومه بتلك السرعة؟

تحركت بخطوات حثيثة باتجاه مطبخها حيث يصدر الصوت، لتقف ثابتة مكانها مصدومة مما رأت أمامها، حماتها داخل شقتها في مثل ذلك الوقت، تفتش داخل مبردتها، سؤالٌ ضرب رأسها كصاعق كهربائي كيف دخلت لشقتها بدون علمهما؟، هل نست الباب مفتوحا؟!، نطقت بأول سؤال طرأ بذهنها المصدوم المعطل وقد بدا به الكثير من الاستنكار لتصرفها:
-ماذا تفعلين؟!

شهقة صدرت من "نرجس" جعلتها تستقيم من إنحنائها وظهورها من خلف باب المبردة المفتوح، وقد بدت ملامحها تلك اللحظة أسفل الإضاءة
المنبثقة والمنعكسة فوق ملامحها التي أظهرته بصورةِ أكثر شراسة وغموضا، فتابعت هي بنزق متعالي:
-لماذا تركت ابني في تلك الساعة؟، عودي لفراشه كما كنتِ، حتى لا يستيقظ ولا يجدك بجواره.

ابتلعت غصة بحلقها مريرة كالعلقكم، مع خجلها الواضح لتدخل حماتها في تلك الأمور الخاصة، التي لم تكل عن التلميح عنها بوقاحة، فتداركت نفسها سريعا، تكرر سؤالها بضيق:
-أنا أسألك ماذا تفعلين داخل مطبخي في مثل تلك الساعة كما أخبرتني للتو؟، والأهم كيف دخلتي لشقتي؟

جاءها إجابة سؤالها سريعا عندما شاهدتها تحتضن قالب الحلوى وصحن من الحلوى الشرقية الذي قام أخيها بشرائهما عند حضوره للاحتفال، فلم تتركها تحارب حيرتها كثيرا، فأكملت بنزق واضح:
-هل يجب عليّ الاستئذان قبل دخول شقتي؟، فأنا أدخل أي مكان بدون أذن مسبق يا عيوني، فذلك البيت ملكٌ لي، وليّ أيضا مطلق الحرية بدخوله في أي وقت أريده، وأخذ ما أريد.
-أنا لا أقصد أن أمنعك من الدخول، ولكن عليك الاستئذان قبل الدخول، حتى لو كان ملكٌ لك، هذا لا يعطك حق التفتيش بأغراضي خلسة بدون علمي.

صوت ساخر صدر من حلق "نرجس" وصل لسمعها ببشاعة كريهة، لتختمها بوقاحةٍ وتحقير من شأنها:
-مِمَن أستأذن؟، منكِ أنتِ!، هل نسيت حالك!، أنتِ هنا ببيتي وما تملكيه في ذلك البيت من أموالي أنا، فلا تنس حالك.
-ماذا يحدث هنا بالضبط؟

كان سؤال ذلك الناعس المستمر بحك عنقه بضيقٍ واضح من صوت جدالهما العالي، فأسرعت "نرجس" بالمبادرة بإجابته باستنكار واضح:
-أخيرا استيقظت!، تعالى لترى الهانم التي أبليتنا بزيجتها، تمنعني أنا من دخول بيتك.
-لم يحدث!

نفت "زينب" سريعا افتراءاتها الباطلة، وحاولت تبرير مقصدها، ولكنه سرعان ما لاحظت وجهه الذي أربد بالغضب مما سمعه في حق والدته، فأسرع في القبض على ذراعها بقوة ألمت قلبها قبل جسدها، صارخا بوجهها بوجهٍ مكفهر:
-أجننتِ؟!، أمي تدخل البيت في أي وقت ترغب، هل فهمتي ما أقوله؟
-ولكن من حقي الاعتراض، إنها حياتي، كيف أقبل أن استيقظ، وأجد أحدا بمنزلي بمنتصف الليل؟
- "زينب"!

كلمة باسمها مع ضغطة على ذراعها أخرستها عن الاسترسال مدافعة عن أبسط حقوقها كزوجة، كملكة على عرش بيتها، ولكن ما تبع فعلته كان أقسى عليها، فهو لم يكتف بإهانتها أمامها ليزد من الأمر سوءا عندما طلب قائلا:
-اعتذري لها، حااالا!.

فاقت من ذكرياتها البائسة عندما تذوقت ملوحة دموعها المنهمرة الملامسة لجانب ثغرها، إلتفتت تضبط وضعية غطاء صغيرتها الذي انحسر بسبب حركاتها الدائمة أثناء نومها، تبعته قبلة فوق جبينها الصغير تهمس لها بأذنها بحنانها البالغ يمتزج بالكثير من الخوف:
-سنبقى معا دائما.

- - - - - - - - - -
هبطت الدرج بخطوات حثيثة بعد انتهائها من عملها التي تخفي أمره عن أبنائها وعينيها لم يبرحا أملها التي تنشده منذ مدة، المتمثل في تلك اللوحة المذهبة المنحوت فوقها اسمx ذلك المحامي، هل ستسطيع الإقدام على تلك الخطوة المتهورة؟، ولكن من أين لها بتكاليف المحاماة التي تقسم الظهور وتعيق الخطوات، رفعت أناملها تضبط وضعية نقابها بحركة واهية اعتادت عليها قبل دلوفها للمكان الهاديء تمرر أعينها فوق المقاعد الجلدية الخالية، لأخر لحظة تسأل نفسها: هل أنتِ قادرة على تلك الخطوة؟، أجفلت على خروج إحداهن من إحدى الحجرات يبدو عليها الاهتمام ببعض الأوراق، فسألتها بعد انتباهها لها:
-أي خدمة؟

فركت"زينب" كفيها المتعرقتين تشجع نفسها للخوض في تلك الخطوة:
-ما درجة تمكن الأستاذ في قضاياه؟

ابتسمت مساعدته "سهير" على سؤالها فمن الواضح أنها لم تسمع مسبقا عن سمعة رئيس عملها وبراعته في عمله، فأجابتها بثقة تريح تخبطها:
-أكثر مما تتخيلين، تفضلي اجلسي، وأطلعيني على نوع الدعوة التي ترغبين بها، وبياناتك.

توترت "زينب" لسرعة الأمر، فسألتها مرة أخرى:
-كنت أرغب في معرفة تكلفة القضايا لديه، قبل البدء في أي قضية، وهل يمكنني مقابلته.
-نعم، يمكنك ولكن اليوم لديه مواعيد مع عدة موكلين غيرك، يمكنك حجز موعد والانتظار قليلا.
-كم تكلفة المقابلة، رجاءً؟
نطقت "سهير" بتكلفة المقابلة والاستشارة القانونيةx ليصلها ارتباك الأخرى التي راحت تبحث بحقيبة يدها السوداء عن المبلغ المطلوب دفعه، فنصحتها بلباقة:
يمكنك الجلوس، ولكي كل الوقت حتى أطلب لك كوب من الشاي معي.
شعرت "زينب" بالامتنان لتلك المرأة ورأفتها بها، ولبت دعوتها لتترك لنفسها فرصة لجمع المبلغ المطلوب من حقيبتها ولكن ماذا لو لم يكف المبلغ الذي تملكه حق مقابلة المحامي اليوم؟
x x x xx —————
بعد لحظات من الانتظار رفعت منديلها الورقي تمسح عرق توترها من أسفل غطاء وجهها بأناملها المرتعشة الباردة، كيف الخلاص من ذلك المأزق؟، كيف ستبرر انصرافها الأن، فعندما بحثت في حقيبتها لتجمع المبلغ المطلوب دفعه ظنا منها أنها تحتفظ بمبلغ خاص للظروف الطارئة، لتتفاجأ أنها قامت بدفعه للأدوات أولادها المدرسية وقد نست الأمر برمته، عزمت أمرها بالتحرك معتذرة بأي عذرٍ واهٍ، ولكنها تراجعت عن خطوتها عندما تفاجأت بولوج أحد الموكلين برسمية التي جعلت الأخرى تنتفض من جلستها تحييه بمودة ظاهرة، لتستنتج سريعا أنه أحد الموكلين المهمين لديهم، ووصلها ترحيب"سهير" الحار:
-"عُدي"بك، المكتب أُنير بموجودك اليوم، تفضل.

وقف يبادلها التحية بلباقة ظاهرة، فسمعت "زينب" صوته الأجش يخبرها بلباقه:
-شكرا لكِ، هل أستاذ "أبو بكر" بمكتبه؟
-نعم، أنه بالداخل مع أحد الموكلين، تفضل "عدي" بك استرح حتى ينتهي من موكله بالداخل.

لمح بطرف عينه تلك المتشحة بالسواد ويبدو عليها أنها تنتظر منذ مدة، فأسرع يخبرها بلباقة:
-سأنتظره، حتى ينتهي من جميع مقابلاته حتى لا أعطل عمله.

تحرك بخطوات ثابته اتجاه أحد المقاعد المصفوفة بالجهة المقابلة لها، ووصله صوت "سهير" يسأل تلك المرأة بلباقة:
-هل من الممكن أخذ بعض البيانات أولا.

ارتبكت "زينب" من ذلك الموقف المحرج وتحرك حتى استقرت أمام مكتبها تبلغها بتوتر ظاهر حاولت تخفيف حدته:
-يبدو أنني نسيت مشوارا هاما، سأمر عليه وقت أخر.
———————





نهاية الفصل الأول
آراءكم تهمني قراءة ممتعة للجميع

موضى و راكان 01-02-21 08:13 PM

فى أنتظارك وسام لتكملة هذه القصة الشيقة لا تتأخرى علينا و دمتى بكل خير

غدا يوم اخر 01-02-21 11:40 PM

احس المفروض انها تنقل لمدينة ثانيه مايعرفها اخوها ولا ابو الاطفال تكون ارخص بالاغراض او الاجار اما اذا كانت الشقه للجد تصير جليسه اطفال خلال النها

وسام الأشقر 02-02-21 08:36 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موضى و راكان (المشاركة 15330494)
فى أنتظارك وسام لتكملة هذه القصة الشيقة لا تتأخرى علينا و دمتى بكل خير

حبيبتي تسلمي لذوقك
ارجو قراءة الفصل الاول مرة اخرى لان تم اضافة الجزء الناقص به
دمتي بخير❤❤

وسام الأشقر 02-02-21 08:38 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موضى و راكان (المشاركة 15330494)
فى أنتظارك وسام لتكملة هذه القصة الشيقة لا تتأخرى علينا و دمتى بكل خير

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر (المشاركة 15330914)
احس المفروض انها تنقل لمدينة ثانيه مايعرفها اخوها ولا ابو الاطفال تكون ارخص بالاغراض او الاجار اما اذا كانت الشقه للجد تصير جليسه اطفال خلال النها

ان شاء بنشوف بالاحداث القادمة♥
ارجو قراءة الفصل مرة اخرى لان تم اضافة جزء جديد له تكملة له❤❤

simsemah 03-02-21 12:06 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلم ايدك اسلوب سلس و بسيط
قصه تكاد تكون تتكرر فى معظم البيوت مع وجود بعض الزياده اوالنقصان

موضى و راكان 03-02-21 01:17 AM

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 1 والزوار 4)

‏موضى و راكان



نرجس هى أمنا الغولة تبع الرواية شخصية قميئة بودى أشوف نهايتها و زينب تأخذ حقها منها

Lautes flower 03-02-21 03:01 AM

رووووووعه حبيبتي 🌹
تسلم ايديك🌺🌷
بداية مشوقه❤ جدا في انتظارك حبيبتي 🌺

وسام الأشقر 12-02-21 07:15 PM

الفصل الثاني
 
الفصل الثاني
————-
-يبدو أنني نسيت مشوارا هاما، سأمر عليه في وقت آخر.
-لا عليكِ، يمكنك إبلاغي ببياناتك وفي المرة المقبلة تتم المقابلة.
ابتلعت "زينب" غصة مسننة عرضية بحلقها، تكبح عبراتها من الانطلاق قبل أن تبلغها:
-اسمي"زينب متولي الكومي"، نوع القضية (قضية نفقة)، هل الأستاذ متمكن في تلك النوعية من القضايا؟
سألتها بلهفة فيجب عليها التأكد من مدى إمكانياته حتى لا تضيع أموالها هباءً، فأكدت عليها "سهير" من براعة أستاذها، لتبلغها "زينب" على عجالة:
-حسنا، حسنا، سأعود في وقت لاحق.
انصرفت على عجالة حتى لا تتمكن الأخيرة من منعها من ذلك، فتبادلت"سهير" مع ذلك المراقب للحدث من البداية نظرات متعجبة من تصرف الأخيرة، فرفع حاجبيه بلا مبالاة كأن الأمر لا يعنيه، وسمعها تخبره بطريقتها الودودة:
-سأجلبك لك قهوتك.

هز رأسه بصمت، ثم بدأت أنامله في التصفح فوق شاشة هاتفه الحديث بمهارة ، حدثته نفسه لينظر لمكانها الذي كانت تحتله منذ لحظات، فلفت انتباه محفظة نسائية وردية أسفل المقعد، تحرك بفضول يدس بجيبه هاتفه، يتبعه انحنائه يلتقط تلك الحافظة يقلبها بين أنامله، رفع عينيه يمررهما حول جوانب المكتب الخالي إلا منه بعقلٍ شارد، ثم حث نفسه على معرفة إذا كانت تلك الحافظة تخص تلك المجهولة غريبة الأطوار أم لا؟، فتش داخلها على أي إثبات لذلك حتى وقعت عينيه على هويتها الشخصية المدون عليها اسمها، ظل يردد بين شفتيه اسمها بشكل عجيب للحظات يدقق في ملامح وجهها المنحوت بفضول، ولكنه أدرك نفسه سريعا ليهرول خارج المكتب في محاولة منه اللحاق بها، ولكنه لا يعلم أن كل ما يتمناه المرء لا يتحقق.
x x x x x xx —————-x x x x x x x x x x x x
رنت "همسة" منه بخطوات دلالها المبالغ، تحاول إظهار أنوثتها الطاغية، ظننا منها أنها بتلك الطريقة تنسيه ما يؤرقه، ويستحوذ على خوالجه، كم تمنت أن يعجلوا بأمر الحقن المجهري الموعودة به من قبلهم، أراحت حامل الطعام الدائري بانحناءةٍ من جسدها فتتعلق عينها بعينه بعهر مبالغ فيه، تبلغه برقتها المصطنعة:
-لقد أعددت لك عشاء ملوكيا، كما طلبت.
نفث دخان سيجارته الغريب بشرود، يسألها بحدة:
-هل أعدتي البط المشوي كما أمرتك؟
-نعم أعددته، انظر ماذا أعددت أيضا، محشو الباذنجان بالإضافة لأجواز الحمام.

ابتسم "حسن" ابتسامة جانبية واثقة، ثم نَفسَ مرة أخرى الدخان من سيجارته، ليتفاجأ بها تنتشلها من بين أنامله بعد أن أسقطت جسدها بدلال عليه، يتبعها سحبها لدخانها بمهارة ارتاب منها، فاندفع يسألا مستنكرا:
-ماذا تفعلين؟، أجننتِ؟!
-هل جننت لأنني أريد مشاركة زوجي فيما يفعل؟
انتشل ما تبقى من سيجارته بعنف حتى تساقط رمادها فوق ساقها مسببا لها بعض الحروق البسيطة وهو يجيبها مستنكرا:
-نعم، جننتي، فأنا لم أرى زوجة محترمة، تتعمد تدخين -الحشيش- حتى لو على سبيل مشاركة زوجها.
ضحك ساخرا لا يصدق ما يحدث، فأكمل بتهكم:
-بدلا من أن تمنعيني من تناوله، تشاركين في تدخينه.
أجابته بغيظ مستعر ضرب نياط قلبها:
-وهل كانت طليقتك تمنعك أم تشاركك مثلي؟
زفر بضيق ينهرها عما تقوم به:
-لم لا تخرجينها من رأسك، وتكفين عن ذكر سيرتها بيننا؟
وقفت تواجهه بضيق متوسطة خصرها بكفيها:
-لأنني أشعر دائما، أنك لازلت تفكر بها. لم تكرهها حتى الأن.
اخرج سيجارة أخرى من جيب قميصه بهدف إشعالها ليبث فيها كل شكواه:
-نعم، أكرهها، أتمنى ذلهاx وكسرها، ولن أهدأ إلا لو...

صمت مفضلا عدم إخبارها بما يجيش به قلبه، فهو يعلم أنه كاذبٌ إن قال أنه يكرهها أو كرهها ولكن مايتمناه أن تنكسر شوكتها وتعود له، ليهشم رأسها اليابس كما أبلغته أمه ونصحته، أن تلك الطريقة طريقة ساحرة لإعادتها خانعة.
x x x x ——————.x x x x x x x x x x x x
خرجت من حجرة الطهي تجفف يدها بمنشفة صغيرة منزعجة من شجار أولادها المزعج تنهر ابنها الأكبر"عمر" :
-ماذا يحدث هنا؟ ألم تستطع أن تكف عن مشاجرة أخيك الصغير لبعض الوقت؟
وقف "عمر" بضيق واضح يشير بسبابته لشقيقة الذي يتجاوز الست سنوات يبلغها بضيق:
-لم أعد أتحمل سخافته، لقد انتشل من بين أناملي قلمي الرصاص ويرفض إرجاعه لي.
رمت "زينب" طفلها الصغير"زيد" نظرة بعاطفة أمومية وهي تراقبه يخط بقلمه فوق صفحات دفتره برسوماته الطفولية، فولت اهتمامها مرة أخرى ل"عمر" تخبره بهدوء:
-لمَ لا تترك له ذلك القلم، وتأتي بغيره، حلا لتلك المشكلة.
-من أين أجلب قلما جديدا الأن؟
تدخلت "شهد" في الحديث تحاول حل المشكلة:
-خذ قلمي، أنا لا احتاجه.
-لا، ابقى على قلمك معك، سأجلب له أخر من داخل حقيبتي، احضرها لي حتى أعطيكم مصروفكم للغد أيضا.

أسرع في جلبها بسعادة لقد جبرت والدته بخاطره، ولكن سرعان ما تبدلت سعادته للصدمة عندما صرخت والدته برعب تسأل وهي تفتش بحقيبتها:
-أين حافظة نقودي؟، لقد كانت بحقيبتي اليوم؟
اقتربت "شهد" بهلع تبحث مع أمها في حاجياتها، وقد استشعرت حجم المصيبة التي وقعت فيها من المؤكد أن حافظتها كانت تحمل المال:
-أمي، هل كان بها الكثير من المال؟
صرخ"عمر" مرتعبا:
-كيف سننفق الأن باقي الشهر؟
صمتت "زينب" تبلغها بالكارثة الكبرى:
-لم تحمل المال فقط، بل أيضا هويتي الشخصية.

ظلت تفكر بوجهٍ شاحب وقلبٍ مكسور: كيف الأن ستقوم بفك الوديعة المسجلة باسمها واسم اخيها، هذا ما تبقى لها من ميراث والدها، لقد كان في نيتها اقناع أخيها بفك الوديعة قبل موعدها حتى تستطيع تغطية تكاليف المحاماة، حاصرت وجهها بين راحتيها لتجهش في بكاء طويل، وقف ثلاثتهم يتبادلان الأنظار بحسرة وقهر على حال والدتهما التي تحارب في معركة شرسة غير ملائمة لإمكانياتها حتما.
x x x x - - - - - - -x x x x x x x x x x x xx
في نفس الوقت كان مستلقيا فوق فراشه يقلب حافظتها بين أنامله بفضول، يستحضر عقله مشهد جلوسها فوق مقعدها بتوتر، حتى أنها لم تكف عن فرك أناملها، تُرى هل كانت باردة أم متعرقة؟، لكن ما زاد من حيرته في شأنها كيف لسيدة بأناقتها ونعومتها في الحديث، لا تملك إلا بعضx الجنيهات بحافظتها، كيف كانت ستقدم على دفع ثمن الجلسة الاستشارية؟، هل يعقل أن يكون هذا هو السبب الحقيقي في تهربها المريب وانصرافها بعذرها الواهي؟، فتح حافظتها يقلب مرة أخرى بجوانبها لعله يستدل عن شيءٍ إضافيٍّ يروي به فضوله عن تلك الشخصية غريبة الأطوار، ليترآء له صورة فوتوغرافية تجمعها مع أربعة أطفال، تتوسطهم عن طريق إنخفاضها على عقبيها لتصل لمستواههما، تظهر من خلالها كأم محاربة محتضنة لصغارها، أغمض عينيه بأسى هو فقط يعلم سببه، حتى إن حاول جاهدا للتظاهر بأنه على ما يرام، سيبقهى داخله يتمزق، غبطة فجائية أصابته، نهر نفسه سريعا، ليتمتم من بين همسه:ماشاء الله اللهم ارزقها برّهم، فُتح الباب باندفاع تلك الزوبعة -العجيّة-، لتستقر بجواره فوق الفراش تقول بدلالها الطفولي:
-أريد النوم بين أحضانك اليوم "عدي".

ابتسم على فعلتها الذي يعتادها يوميا بعد نوم والدته المسنّةِ، فشدد من احتضانها ويلثم أعلى رأسها بقبلة أبوية، يخبرها بصدقٍ:
-أتعلمين!، لقد كنت منتظر حضورك، لقد ظننت نومك على غير عادتك في فراشك.

دفنت رأسها بأحضانه كقطة تلتمس حنان أمها، فهو متأكد من شعورها كطفلة فاقدة لمصدر أمانها، فاقدة لأمانها، طفلة تذوقت مرارة اليتم قبل أن تدرك معناه وقسوة حقيقته، ابتلع غصة عرضية بحلقه وهو يعلم أنه يحاول تعويضها ذلك الفقد الذي لن يعوّض، فقال يمازحها:
-ألا ترغبين بقصّة من قصصي الممتعة اليوم؟
صاحت تصفق بكفيها الصغيرتين:
-نعم، بالطبع، بالطبع.

شرد للحظات في أمر صاحبة تلك المحفظة وكيف أنه لم يلحق بها لارجاعها لها، ظل يدور وقتها بسيارته فترة لعله يعثر عليها ولكن باءت محاولاته بالفشل الزريع، ليعود خائب الرجاء، خالِ الوفاض لمكتب صديقه فيتفاجأ أنه غاب أكثر من ساعتين يبحث عنها، وقد أغلق المكتب حينها، تُرى كيف سيصل لها الأن وأجازة مكتب المحاماة غدا؟
x x x ————————
خرجت على أطراف أناملها بخطواتها الحثيثة وعلى أذنها هاتفها تحاول الحديث بصوتٍ هامس حتى لا يصل لذلك الغافي:
-نعم أمي، يمكنك الحديث الأن، لقد أغلقت الباب عليه.
وصلها صوت أمها يطمئن على أحوالها:
-طمنيني عليكِ، متى ستقوم حماتك العقربة بعملية الحقن التي وعدتك بها الهانم وابنها المصون ، أم أخلفت وعدها بعد الزواج؟.
-لا أعلم أمي، فتلك المرأة حيّة لا أستطيع أن أحدد هل هي ملاكا أم إبليسا بنفسه؟، حرباء تتلون بكل لونٍ ولون، أنتِ لا تريها وهي تأمرني بتنظيف شقتها بحجة طردها لشغالتها، تظنني خادمة أمتلكتني مقابل زواجها من ابنها المدلل.
-يجب عليكِ كسبها حتى ننال مرادنا منها، ألا ترين ذهبها التي تغرق معصميها به، تلك المرأة قوية وتملك زمام الأمور كلها، ولها الكلمة الأولى والأخيرة على ابنها وزوجها الضعيف.

أراحت جسدها فوق أريكتها المفضلة تمرر نظرها فوق الأثاث المفترش به شقتها أو بالأصح شقة -ضرتها- طليقة زوجها السابقة، تهمس بشرود وكأن عقلها يعمل على إجراء عملية حسابية معقدة:
-ألا يكفيها أنني قبلت بالزواج من ابنها المدلل، ولم اشطرت أثاثا جديدا يجهز لي كعروسٍ جديد، يكفي أنني أنام وأجلس على أثاث الهانم.
نهرتها والدتها على منحنى تفكيرها:
-أيتها الغبية، ذلك الآثاث باهظ الثمن، لو كان والدك ظل يعمل فوق سنوات عمره عمرا، لن يستطيع توفير لكي ثمن كرسيا واحدا منهم، لقد فعلوا خيرا بأنهم أبقوا على آثاثها وأجهزتها الكهربائية الغالية لأبنتي المدللة.

صدرت ضحكة مائعة من "همسة"، فوالدتها مازالت مقتنعة أنها أحسن الفتيات وأعلاهم رقيا، رغم أنها لا تملك من الجمال قدرا ولا المال ولا حتى التعليم شيئا، حتى تكون أفضل الفتيات. بل هي مجرد فتاة ساء بها الحظ للزواج من ابن عمها لينتهي صلاحيته سريعا قبل أن يكمل عاما واحدا، بسبب تأخر إنجابها ليسرع زوجها السابق في طلب الزواج من أخرى مع الإبقاء عليها، كلما تذكرت تلك اللحظة التي شعرت فيها برخصها تتمنى الموت بلحظته، فهمست بصوتٍ معذبٍ، يشوبه كرها لحظها العثر:
-لا تبالغي، فأنتِ تعلمين أنني بضاعة عطبة، وهم يدركون ذلك، لولا إدراكهم ماكانوا تنازلوا لمستوانا وتقدموا لتلك الفتاة التي لاتليق، والأهم التي لا تنجب، فهم أرادوا فتاة لن تطالب بحقوقها ولن تطلب المزيد، والأهم أنهم متأكدون من احتمالية فشل إنجابها بالحقن، باختصار زواج بدون مقابل ولا ارتباطات وقيود.
-لا عليكِ من هذه الخرافات والظنون، هل تنفذين ماأمرتك به جيدا؟، اسحبي منه ما تقدري عليه من المال خلسة يجب عليك تأمين نفسك في حال فكر في رد زوجته السابقة.

ارتسم فوق وجهها ابتسامتها الماكرة، تردف بثقة، وهي تتلاعب بأطراف قميص نوم ضرّتها الذي سحرها عندما ترآء أمامها من داخل الخزانة لغلو ثمنه:
-لا تقلقي عليّ أمي، فأنا كما يقولون ابنة أمها التي لا تخيب.

x x -----------x x x x x x x x x xx
طرقات بسيطة نبهت عقلها الشارد في مصيبتها لها، لترى ابنتها الكبرى وشقيقها يرنو بخطوات متردد بعد السماح لهما بالدخول، انتظرت حديثهما بفضول أكبر عندما ظلّا يتبادلان النظرات المترددة فيما بينهما، لتسألهما بقلق أمومي:
-ما بكما؟، هل حدث شيء لا أعلمه؟
تبادلت "شهد" مع شقيقها "عمر" النظرات، ثم تبعها تحركهما ليضع كلا منهما مابين يديه فوق جحرها يقولا معا:
-تفضلي أمّي.
-ما هذا؟
تطوعت"شهد" تبرر لوالدتها:
-هذا قرطي الذهبي، وهاتف"عمر" الخاص، نحن لا نحتاج لتلك الأشياء، قومي ببيعهما، وعندما يأتيك المال نعلم أنك...
صرخت بهم ذاهلةً مما أقدما عليه معا، هل وصل الحال أن تبيع ما يخص أولادها حتى تستطيع الإنفاق:
-هل جننتما؟، أتتوقعان أن أبيع أشياءكما حتى استطيع الإنفاق؟
القى" عمر" بنفسه باحضانها يبكي متأثرا من الحال الذي وصلوا إليه بسبب أنانية والدهم:
-لا تغضبي أمي منا، فأنتِ تحملين نفسك فوق طاقتك، أنا لست بحاجة لذلك الهاتف وأيضا لا نحتاج للشبكة العنكبوتية التي تشتركين بها.
أضافت "شهد" بإصرار تحاول إخفاء تأثرها وحزنها على حال والدتها:
-وأنا أيضا تعلمين أن الذهب يصيبني تحسس منه، وأفضل ارتداء الفضة، لا حاجة لي به.
اهتزت حدقتي" زينب" في محاولة منها التماسك أمام أولادها ولكن كل محاولاتها انتهت بالفشل مع تساقط أول عبراتها ليتبعها انهمار دموعها انهيارا المغرق وجههما نتيجة تقبيلها لهما بقلبٍ منفرط حزنا على حال أولادها.

---------------

يومان مرا عليها كعامين، خلالهما حاولت التذكر مكان سقوط حافظتها، ليهديها عقلها وتفكيرها أن أخر مكان أخرجت به حافظتها كان هنا بمكتب المحاماة، رنت بخطواتها البطيئة تناجي خالقها بأن تتذكرها تلك الفتاة جيدا وكادت أن تلقى بتحيتها عليها فتفاجأت "سهير" تصرخ بطريقة أجفلتها:
-السيدة "زينب" أهلا بك، من الجيد أنك أتيت مرة أخرى.
سكنت ضربات قلبها واستكانت بعد ترحيب "سهير" الحار لها، فسألتها بتردد غير مصدقة:
-لقد تذكرتيني؟ لقد أتيت من يومين و...
قاطعتها" سهير" بسعادة قائلة:
-بالطبع، هل أنسى زبونتي الهاربة؟!
مدت يدها تجلب شيء ما من داخل جارو مكتبها، ويتبعها قولها:
-تفضلي، حافظة نقودك لقد سقطت منك أخر مرة.
انتشلتها "زينب" لا تصدق أن حافظتها بين يديها:
-شكرا، شكرا لكِ، لقد كنت أجن لضايع هويتي الشخصية.
-لا تشكريني أنا.
لم تستوعب عبارتها ولأي شيء ترمي، فهمّت تعتذر لها بلباقة:
-اعتذر عن انصرافي المفاجيء المرة السابقة، عليّ الانصراف، شكرا لكِ مرة أخرى.
أوقفتها فجأة تمنعها:
-انتظري!، فأستاذ "أبوبكر"، ينتظرك.
-ينتظرني؟، أنا!
هزت رأسها بالإيجاب، ثم أوضحت قائلة:
-لقد حجزت لكِ موعدا المرة السابقة.
-لم أفهم، هل هذا يعني أنني لن أدفع مقابل؛ لمقابلتي له اليوم؟.
ابتسمت" سهير" ابتسامتها المنمقة، وأجابتها بلطف:
-أحب أن أوضح نقطة بسيطة سيدتي، الأستاذ يتتطوع لمقابلة موكلينه يومان بالأسبوع وكان أمس اليوم المجاني، لم يسعفني الوقت لإبلاغك بذلك المرة السابقة.
——————
-تحت أمرك سيدة "زينب"، أريد معرفة نوع الدعوة التي ترغبين بها.
قالها "أبوبكر" في محاولة منه تخفيف توترها البالغ منذ ولوجها لمكتبه، فرفعت عينيها من خلف غطاء وجهها واندفعت تبلغه بما يؤرقها:
-أريد بالبداية شكرك على تلبية طلب مقابلتك.
بللت شفتيها الجافتين المختفيين خلف غطاء وجهها تحاول ترتيب أفكارها وكلماتها، ثم أردفت بصوت مهتز:
-أنا أم لأربعة أطفال، من أسرة ميسورة الحال، تزوجت من ثلاثة عشر عام، وكنت أسكن ببيت والد زوجي في شقة مستقلة بمنطقة راقية في(•••••) ، ولكن تعرض زواجي للانهيار منذ عامين تقريبا بعد انجابي لإبنتي"حور"، بسبب ضعف شخصية زوجي وتسلط أم زوجي، لقد انتهى الحال باتهامي بالسرقة منهما.
هز رأسه متفهما ما قالته فأكثر الحالات والقضايا تدور في نفس الإطار، فسألها بعملية واضحة:
-تريدين رفع دعوة ضده كما فهمت منكِ.
هزت رأسها بسرعة لاحظها وكانت ممتنة بداخلها أن يوفر عليها إحراجها، فقالت بسرعة وقد فارت بأوردتها دماء الشجاعة:
-أريد رفع دعوى ضده لعدم إنفاقه علينا منذ قرابة العامين، أنا في حاجة ضرورية لذلك فهو حق من حقوق ابنائه.
-ألم ينفق عليكم تلك المدة مطلقا؟
هزت رأسها بالإيجاب، فانطلق يسألها مستفسرا:
-هل لديك عائد تنفقين منه خلال الفترة السابقة؟
فهمت من سؤاله أنه يريد الاطمئنان على تكاليف المحاماة، ولم يكن هذا مقصده مطلقا، فأسرعت تطمئنه على عجالة:
-لا ليس لي دخل ثابت، ولكن لدي وديعة باسمي واسم أخي سأقوم بفكها، لا تقلق من جهة الأتعاب ستكون متوفرة عن قريب.
تنحنح "أبو بكر"، في محاولة ضبط سياق عباراته بطريقة تبدو طبيعية، فأخبرها بصوته المتزن:
-خففي من توترك، إنه سؤال عابر، لاعلاقة له بتكاليف القضية، فأنا فقط أردت الإلمام بجميع الخيوط.
هزت رأسها متفهمة، ممتنة بداخلها لسعة صدره وتفهمه لظروفها، فلن تنكر أنها شعرت قليلا ببعض الراحة بعد تلك المقابلة لعله يكون له طوق نجاةٍ تتشبث به.
———————
أغلق "عدي" الهاتف مع ثبات ملامحه الرجولية ممتنا كل الامتنان لصديقه ومساعدته الخاصة "سهير" فيما فعلاه من أجلها بدون أن يظهر بشخصه، متعجبا من أمر نفسه لما هو مهتما بحال تلك المرأة كل ذلك الاهتمام؟، هل لأنها ذكرته بحال شقيقته وما عانته من زواجها بل من زوجها الغادر، الذي لم يرأف قلبه مراعاة لحالتها حتى، لترحل بصمت تاركة على عاتقه مهمة تربية ابنتها الوحيدة، أراح ظهره يفكر في السبب الحقيقي وراء اهتمامه بامرأة لم يعرف عنها شيئا سوى اسم وصورة بهويتها كما واجهه "أبو بكر" عندما ألح عليه لقبول قضيتها ومساعدتها على وجه السرعة، حتى الأن لا يعرف سببا لاندفاعه بتلك الخطوة، إلا أنه أشفق عليها.
—————-
ماتلك الرائحة التي تفوح منك أمي؟
سألتها "شهد" بتعجب واضح لاشتمامها رائحة نفاذة تصدر من ملابس وجسد والدتها المنهك منذ دلوفها للمنزل، فزادت استرابة من والدتها عندما ظهر ذلك جليا على ملامحها، وسمعتها تبرر:
-ما بها رائحتي؟، أنا لا أشم شيئا.
-لا، بل جميع ملابسك تفوح منها رائحة المنظفات، هل قمت بشراء (كلورا) اليوم من عم "إبراهيم" فأنا لم أشاهد معك أي شيء أثناء عودتك.
ارتبكت "زينب" من فضول ابنتها فهي ليست بالطفلة التي ستقتنع بأي مبرر وحجة، كيف ستواجهها بحقيقة عملها التي تعود منه دوما منهكة القوى؟، كيف ستواجه أولادها بأنها أضطرت للعمل في المنازل سعيا للرزق منذ عامين؛ لتساعد في الانفاق عليهم؟ كيف سيتقبل أولادها الوضع الجديد التي آلت إليه بعد دلالها ببيت أبيها والحياة المرفهة التي كانت تنغمس وتتنعم بها قبل زواجها، لم يكن في مخيلاتها أن يؤل بها الوضع لتلك المهانة على يد طليقها وعائلته، فعاجلتها تنهرها متهربة:
-لمَ أنتِ ثرثارة اليوم؟، هيّا سأعد لكم وجبة شهية نتناولها معا، وخلال ذلك عليك إحضار شقيقتك"حور" من عند جارتنا أم "السيد" يكفي أنها تتحمل وجودها في عدم حضوري، فالسيدة لم تقصر معنا.
-حسنا، ولكن ماذا ستعدين اليوم؟
ابتسمت زينب وقد نجحت في تنحي عقلها عن أسئلتها الفضولية، وأسرعت تخبرها بطريقة مسرحية:
-سأعد لكم دجاجة مشوية بالبطاطس وحلقات البصل الشهي.
صفقت بكفيها هاتفة:
-لقد أشتقت لتلك الوجبة الشهية، أحبك أمي.
-وأنا أعشقكم بشدة، هيّا اسرعي.
-حاالا!
ابتسمت على شقاوتها وانطلاقها اللذان يطوفان على سطح ملامحها الندية فقلّما يظهران وتصفو حياتها.
——————-
وقفت "نعمة" على باب المطبخ خلف والدتها تتابع الطريق بالخارج لتتأكد من عدم دلوف زوجة اخيها لحجرة الطهي حتى تنتهي الأخرى من إضافة تلك المادة الغريبة بالطعام، فهمست لها "نعمة" باضطراب:
-هل انتهيت؟، ليس لديك كل الوقت، يمكنها الهبوط من شقتها في أي وقت.
أجابتها "نرجس" بتوتر، وهي تقلب ما أضافته للحساء المفترض أن زوجة ابنها ستتناوله معهم على مائدة الغداء ثم يتبعها إخفاء زجاجة - بنيّة - بصدرها كما كانت:
-لقد أنتهيت، لعل ما نفعله يأتي بثماره، وإلا لن يكفيني كسر رقبتك إن فشل مفعول ذلك.
-أنا لست مغسلة وضامنة جنة، لقد أتيت لك بالمطلوب، ما ذنبي أنا إن فسد الأمر؟!.
اتجهت "نرجس" تنظف يديها أسفل صنبور المياه الجاري تهمس لها:
-إن شاء الله سيأتي بثماره وكله في صالحنا.
-نعم أمّي، يجب علينا الحرص على ألا تنجب تلك العقربة التي جلبتِها لنا نكاية في طليقته، ألا يكفينا ماصدر من طليقته السارقة، حتى الأن لا أصدق ما فعلته بعد معاشرتها لنا لسنوات، أتعلمين؟، أظن أنها ليست المرة الأولى لها في سرقتنا، من المؤكد أنها كانت تفعلها في غفلة من أبي وأخي.
ارتبكت "نرجس"، من تذكر ابنتها لتلك الحادثة التي كانت سببا في طرد ابنها لزوجته في نوبة ثورته وانتهاء الأمر بالانفصال، فقالت باقتضاب:
-لا أريد التذكر، لقد حدث الأمر وانتهى، لاتكرري حديثك أمام أخيكِ يكفيه ماهو به.
-هل أولاده يرفضون التواصل معه كعادتهم؟، من المؤكد أن العقربة - أمهم- تدفعهم لذلك.
تنهدت" نرجس" تبلغها ما وصلها:
-يتهمونه بالتقصير وعدم إنفاقه عليهم خلال تلك المدة.
تعجبت"نعمة" مما سمعته فاندفعت تقول مستنكرة:
-لديهم كل الحق أمي في الغضب منه، لما لا ينفق عليهم؟، مهما كان هم أولاده من دمه.
أشاحت "نرجس" بذراعها لتصدر عنها رنه أساورها الذهبية السمكية، لتقول بكره:
-تنفق من الأموال التي قامت بسرقتها حبيبتي، لقد قامت بسرقة مبلغا ليس بالقليل يكفيها للإنفاق سنوات عدة عليهم.
-الله المنتقم!، اخبريني، متى أخي"جاسم" سيعود من سفره هو وزوجته؟، لقد اشتقت له كثيرا، أتعلمين أعتقد أن زوجته هي من تدفعه لعدم أخذ أجازاته السنوية.
وقفت "نرجس" تضبط وضعية عباءتها المطرزة، يليها ضبط وضعية أساورها الذهبية اللامعة باستعلاء معتادة عليه، تجيبها بنبرة متهكمة:
-بالطبع، هي من تؤثر عليه، ولكن لا تقلقي مسيرها تعود لنا، وأعلمها من هي صاحبة الكلمة الأولى هنا.
لاحظت "نعمة" تلك العباءة الجديدة، فكل مرة تزور والدتها تراها ترتدي ما هو جديد، فأسرعت تسألها بعيون لامعة منبهرة:
-هل تلك عباءة جديدة؟، لم أراها من قبل؟
ضحكة مائعة رنانة معتادة عليها، لتردف باستعلاء:
-بالطبع، فأبيك الحاج"محمود"، لا يحرمني من شيئٍ مطلقا، أشير بأصبعي فيجيب.
-بارك الله لنا في صحته.
ظلت "نعمة" تفكر في حديث والدتها غير المقنع، هل بالفعل زوجة أخيها قامت بالسرقة كما قيل فيها من قبل أم يوجد سرٌ، والدتها تتعمد إخفائه عن الجميع؟
—————
ولجت بساقين متزنتي الخطوات داخل البناية السكنية يقابلها المرايا المحيطة من جميع الجهات تزيين جدران مدخلها معطية رونقا للأجواء، اقتربت من المصعد المعدني بعد أن تدرجت درجتين بسيطتين صعودا، ووقفت تضبط وضعية ردائها الفيروزي الذي تعشق لونه تراقب هيئتها من خلال انعكاس صورتها، لمحة منها لنقابها دفعتها للتنحي بقصد إحدى المرايات لتكتشف سيل كحل عينيها المحيط بهما، الذي أصبح جزءً لا يتجزأ من روتين حياتها اليومية، لا تتخلّ عنه ابدا كوجبة الافطار أو تناول كأس الشاي صباحا، بحركة محترفة قامت بضبطه سريعا بمحارمها الورقية، لتنتبه سريعا لوصول المصعد، وقفت داخله على استعدادا للصعود بعد طلبت الطابق المقصود، لتتفاجأ بفتحه مرة أخرى، جحظت عينيها ارتباكا عندما شاهدت ولوج ذلك الغريب ليشاركها نفس المصعد، ملقيا تحيةً مختصرة:
-السلام عليكم.
كادت أن تتحرك خارجة من قبل إغلاقها بعد أن بادلته تحيته، فهي اعتادت على عدم استقلاله مع غرباء، طالما تسمع عن الكثير من حوادث التحرش بداخله، لتجد ذراعه تمدت أمامها يضغط على إحدى أزاره؛ جعلتها تتراجع للخلف تفاديا تلامسه، شعرت بأن الهواء نفد من حولها واضطربت وتيرة أنفاسها، رمقها هو بجانب عينيه خلسة بعد أن ابتعد مسافة آمانة بعد أن لاحظ توترها الواضح، لم يخف عليه محاولتها للهروب من المصعد قبل إغلاقه ليفسد عليها الأمر بذكائه، ابتسم بقوة على فعلتها المراهقة، ليتذكر منذ قليل عندما راقبها تضبط وضعية كحلها بمرآة البناية متخيلها أنثى كارتونية محاربة ممسكة بقوسها ولكن ذلك لم ينسها الاطمئنان من ضبط أحمر شفاهها كما يجب، مما جعله يختفي خلف أحد الأعمدة الخرسانية يراقب ما تفعله بفضول يجهل سببه، تنحنح يجلي صوته ليزداد تشبث قبضتها فوق حقيبتها يكاد أن يجزم أنها ستستقر بوجهه إن حاول فتح حديثا معها، فأردف يسألها عن الوقت باهتمام زائف:
-كم الساعة الآن؟
عض على لسانه ينهر نفسه على حركاته الصبيانية محدثا نفسه:الساعة!، تسألها عن الوقت ياعُدي، ما أروع غباؤك!، وأنت تزيين معصمك بساعةٍ مترين بمترين تسد عين الأعمى، ولكنه تفاجأ بإخراجها هاتفها تزامنا مع فتح المصعد لتنظر به لبرهةٍ ثم تجيبه ببراءة قتلته:
-الساعة الرابعة وخمس وعشرون دقيقة.
وقعت عينيها على ساعته المزيينة معصمه، لتخرج من حيز المصعد بعد أن رفعت كتفيها بتعجب من أمره فأسرع يتبعها في الخروج مبررا ما فهمته:
-اعتذر، فساعة يدي معطلة الآن، نفدت بطاريتها للأسف.
هزت رأسها بعد اهتمام لتكمل طريقها أمامه دخولا لمكتب المحاماة تاركةً خلفها طفلا يتفقد لعبته الملونة بروحٍ بيضاء، مراهقا متهورا يرتكب حماقاته مندفعا بحكم عمرهِ، شابا يافعا مكتمل الرجولة يبحث عمن تكمله.
- - - - - - - - - - -
نهاية الفصل الثاني

نور الدنيا 12-02-21 10:52 PM

تسلم يدك على الفصل الرائع
رب ضارة نافعة كان سقوط محفظة زنيب فى مكتب المحامي و التقاط عدي لها و معرفة صاحبها منفعة لها حيث بفضل ذلك قبل المحامي مقابلتها و مساعدتها بدون أن تدفع شيئا
اللقاء في مكتب المحامي بين الاثنين كان بداية إعجاب عدي بها يا ترى ما الذي سيحدث بينهما من مواقف لاحقا
فى انتظار التكملة

موضى و راكان 13-02-21 02:58 AM

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 2 والزوار 6)
‏موضى و راكان, ‏dalia22


فصل ممتع وسام تسلم أفكارك

منال سلامة 13-02-21 07:59 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
ألف مبروك ..

وسام الأشقر 14-02-21 01:43 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نور الدنيا (المشاركة 15352550)
تسلم يدك على الفصل الرائع
رب ضارة نافعة كان سقوط محفظة زنيب فى مكتب المحامي و التقاط عدي لها و معرفة صاحبها منفعة لها حيث بفضل ذلك قبل المحامي مقابلتها و مساعدتها بدون أن تدفع شيئا
اللقاء في مكتب المحامي بين الاثنين كان بداية إعجاب عدي بها يا ترى ما الذي سيحدث بينهما من مواقف لاحقا
فى انتظار التكملة

يسلملي ذوقك وشكرا غاليتي لمتابعتك العمل🌹🌹

وسام الأشقر 14-02-21 01:45 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سلامة (المشاركة 15353351)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
ألف مبروك ..


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الله يبارك فيك
ولي الشرف متابعتك♥

وسام الأشقر 14-02-21 01:46 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موضى و راكان (المشاركة 15353184)
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 2 والزوار 6)
‏موضى و راكان, ‏dalia22


فصل ممتع وسام تسلم أفكارك

تسلمي غاليتي ويارب دايما تستمتعي بالعمل

وسام الأشقر 14-02-21 01:49 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lautes flower (المشاركة 15333141)
رووووووعه حبيبتي 🌹
تسلم ايديك🌺🌷
بداية مشوقه❤ جدا في انتظارك حبيبتي 🌺

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موضى و راكان (المشاركة 15332962)
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 1 والزوار 4)

‏موضى و راكان



نرجس هى أمنا الغولة تبع الرواية شخصية قميئة بودى أشوف نهايتها و زينب تأخذ حقها منها

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة simsemah (المشاركة 15332840)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلم ايدك اسلوب سلس و بسيط
قصه تكاد تكون تتكرر فى معظم البيوت مع وجود بعض الزياده اوالنقصان

تسلموا غالياتي
وان شاء الله الاحداث تنول اعجابكم

وسام الأشقر 19-02-21 09:59 PM

الفصل الثالث
 
أخّر خطوات دخوله خطوتين تاركا لها مساحتها حتى لا تخطئ فهمه وتتهمه بإزعاجها والتطفل عليها، هذا ما لا يحبذه طوال حياته لم يسمح لحاله بأن يفرض نفسه على أي أنثى على الإطلاق، دائما تصاحبه شخصيته الرزينة المتعقلة، بعيدة كل البعد عن تهوره الحالي، رفع كفه يحك لحيته النابتة بحيرة تأكله من أمره المتقلب، فهو بذاته لا يفهمها ولم يصل لتفسيرٍ يريح عقله، نفث الهواء من صدره وضبط وضعية سترته الزرقاء وخطا بخطوات محسوبة يرمق جوانب المكتب بمقاعده المصفوفة فتقع عينيه سريعا عليها مستقرة على أحد المقاعد الجلدية مشغولة بأمرٍ يجهله، في لحظة تفكير سريعة منه قرر اختيار أحد المقاعد الأمامية لها فضلا عن المقعد الخالي بجوارها فهذا لن يمكنه من تأملها بأريحية ووضوح،x أراح جسده بعد أن حرر زر سترته وقد لاحظ عدم وجود "سهير" بمكانها، وقد شغل المكتب ثلاثة أفراد غيرهما من زبائن المكتب، رمقها خلسة من موقعه الاستراتيجى أثناء تلاعبه بهاتفه بحركات مزيفة، شعر بغرابة تحيط هيئتها الخارجية، أنثى مثابرة محاربة بمعركة لا تناسب إمكانيتها، قوية، عزيزة، ولكن لشخوص عينيها رأي أخر، عينيها المرسومتين باتقان يخفيان الكثير والكثير من الشجن، التوهة،x بل الضياع، وغزة جبارة استشعرها بنابضه كجعلته يرفع كفه يدلك مكانها خفيةً مُزيلا ألمه المفاجئ، انتبه على صوت ترحاب "سهير"، الذي يعتاده منها، فتلك المرأة دائما يشعر بؤلفتها كأنها فردا من عائلته، اجتماعية -محبوبة- بروحها البيضاء، فسمعها تتبع ترحيبه، تخبره بإحراج:
-"عدي" بك اعتذر اليوم ستضطر الانتظار قليلة، فاليوم جدول الاستاذ ممتلئ على غير العادة.
مع ذكر اسمه بصوتٍ مسموع لتلك الشاردة، كان يتمنى أن تنتبه، أو ترفع عينيها ليمحي عنهما شجنهما، التفتت سهير تراقب نظره الواقع على"زينب"، فاندفعت تصيح بحبور وترحاب معتادة عليه:
-السيدة "زينب"، المكتب أنير بوجودك اليوم.
أجفلت "زينب" في مكانها من مداهمة الأخرى بالحديث والتي سرقتها من شرودها في ذكريات، موجعة، رفعت كفها تريحه فوق صدرهها مهدئة طرقاته، تبلغها بصوتها الهادئ الذي يقتله:
-بنورك حبيبتي، هل سيتأخر موعدي كثيرا؟.
رفعت هاتفها تنظر للتوقيت المزيين شاشة هاتفها، وتكمل برجاء واضح:
-لدي موعدًا هامًا جدا.
كان هناك من يراقب الحوار بينهما بشغفٍ واضح، وابتسامة رجولية تزيين محياه إلا أنها اختفت سريعا على ذكر الموعد، ترى ما هو الموعد الهام؟، مراهقهُ المتهورُ بدأ في التململ من مكوثه ساكنا ولولا إحكامه الجيد على مراهقه المتهور؛ لأسرع في سؤالها:ما هو الموعد؟، ضغط على طرف لسانه يمنع نفسه من التدخل ولكنه لم يقدر المكوث ساكنا أكثر من ذلك صامتا، فأسرع يعرض مساعدته بشهامته:
-يمكنك الدخول أولا، لا يهم سأنتظر حتى تنتهي.
-شكرا
شكرا؟ فقط كلمة شكر!، مختصرة - خالية- من الامتنان المطلوب في تلك اللحظة، مثلت له الكثير، ما بك "عدي" ؟، هل جننت؟، إنها مجرد كلمة، انتبه ل"سهير" بعد أن استقرت خلف مكتبها تقلب بعض الأوراق بيدها تبلغه بلباقتها:
-حالا، وستكون قهوتك بين يديك.
ثم ألتفتت لتلك الضائعة تولي اهتمامها الكلي لها تسألها بتعاطف نبت مؤخرا اتجاهها:
- وأنتِ ما قهوتك؟
انتبهت لحديثها الودود لتنتشلها مرة أخري من دوامتها المهلكة الطاحنة نفسيا، تعتذر لها بصوتها الرنان الذي أوضح ذبذباته مدى الحزن الذي يشوبه:
-اعتذر منكِ، أي قهوة تقصدين!
x x x x xx .........
ظلّ يرتشف قطرات قهوته باستمتاع لم يجد بعده متعة، وهو يراقب جنيته التي رفضت عرض القهوة المجاني، بتصريح لطيفٍ منها أنها لا تحب تناولها مطلقا ولا تنجح بإعدادها على الإطلاق، تصريحا جديدا منها يقربه أكثر لاكتشاف سر من أسرارها، كم سرا أيتها الجِنّية تحملين يا تُرى؟، وكم من الوقت سيأخذه لكشف باقي الأسرار المخفاه؟، رمق حركة إبهامها التي لم تتوقف عن حك جلد حقيبتها الذي كاد يصرخ مستغيثا لترحمه قبل أن تقشرx وتفسد هيئته، قطع شروده بها رنين هاتفها الذي أسرعت في الرد عليه كأنها على علم بصاحبه، لتنتفض من مجلسها ويسقط على آثارها حقيبتها مبعثرة محتوياتها أرضها، أسرع هو بإراحة فنجانه فوق طاولته الصغيرة، وفي لحظة كان منحني على عقبيه يجمع محتوياتها المبعثرة مانعا إياها من الانحناء فتلك المرأة لن يسمح لها ابدا بالانحناء مادام حاضرا، حتى لو كانx لجمع مقتنياتها، وأذنه تلتقط كلماتها المختصرة، التي أوحت له أن أحد أطفالها يعاني من أمرٍ ما، وقف يواجهها حاملا حقيبتها منتظرا إنهاء مكالمتها بقلبٍ مقبض، ياليته يستطيع سؤالها عما تعانيه، لعله بيده محو عثرات قدمها، انتشلت حقيبتها من بين أصابعه ليتلامسا لثانية ارتبكت لذلك التلامس غير المقصود، لتختفي من أمامه تاركه إياه مغيبا بفعل تلك اللمسات الرقيقة.
x x x xx - - - - - - - -
بعد مرور أسبوعين
...........
-لن أسمح له برؤيتها، مادام أنا على قيد الحياة.
صرخ بها "عدي" في صديقه المقرب "أبو بكر"، فجاءه صوت صديقه المتعقل قائلا بعملية:
-لقد قام برفع "دعوة رؤية" وهذا حقه، لقد حظرتك أكثر من مرة، أبلغتلك بألا تدفعه للخوض في معارك قانونية، فهي ابنته وله الحق في رؤيتها.
انتفض من جلسته يجذب خصلات شعره بضيق، يقارعه:
-يجب عليه أن يحرم منها كما حرمنا من والدتها، لقد تسبب في قتلنا أحياءً بموتها.
-أنه قضاء الله، وعليك أن تقتنع أنه كان عمرها وحالتها الصحية كانت غير مبشرة.
رمقه"عدي" بنظرات حانقة متمردة، فهو لن يقتنع أبدا بأقوالهم، فصاح ببغض:
-لقد عجّل بتأخر حالتها، عجل بموتها، لقد ظهرت دناءته ومعدنه الصديء، مع أول أزمة تعرضت لها بدلا من أن يكون سندا حاميا، غدر بها وأسرع في الزواج من أخرى وهي على ذمته، ليبرر أنه رجلا ويحتاج زوجة ترعاه، ماذا لو كان أصيب بنفس مرضها؟، أكانت لتتخلّ عنهx لمرضه كما فعل؟، ملقية بابنته التي لاتتعدّ الخمس سنوات في بيت جدتها المسنّة، الأن تذكر ابنته، الأن؟
-اتفهم جيدا موقفك، ومقدرا لوضعك، ولكن الحكم يجب تنفيذه وإلا ستعرض نفسك للمساءلة.
هز رأسه بتفهم، يفكر ببعض الهدوء، فيقطع شروده رنين هاتف صديقه، ليتلقى المكالمة باهتمام واضح:
-مساء الخير سيدة" زينب".
انتفض"عدي" على ذكر اسمها ولقد نسي السبب الأساسي في حضوره اليوم، وهو السؤال عن أحوالها، لاحظ صديقه المقرب انتفاضته الواضحة على ذكر اسمها وتأهبه لسماع المكالمة، ولكن سرعان ما وصلها صوت انهيارها، وبكائها مع خروج كلماتها المتقطعة فصعب عليه فهم فحوى حديثها، فاسرع يهدئها:
-سيدة"زينب"، أنا لم أفهم شيئا مما قلتيه، عليكِ تهدئة نوبة بكائك حتى أفهم كلماتك المتقطعة.
-ماذا بها؟، تكلم.
كان هذا سؤال "عدى" المتلهف، فأسرع صديقه يهدئه بإشارة من إصبعه وتابع يقول بكياسة:
-لا عليكِ سيدة "زينب" فإنه بالشيء المتوقع منه، بل أنه تأخر في تلك الخطوة عامين.
صمت للحظات يستمع لكلماتها المنهارة، ثم طلب منها برسمية:
-سأنتظرك غدا سيدة "زينب" لنتناقش في ذلك الأمر، ولا تقلقي من أي شيء.
وقف "عدي" متحفزا للعراك والقلق يأكله، فمن المؤكد طليقها قام بمضايقتها، انتظر إغلاق الهاتف فعاجله "أبو بكر" يجيبه قبل أن يسأل:
-يبدو أنه يوم قضايا الرؤية العالمي "عدي" بك.
تنفس الصعداء بعد معرفته سبب بكائها وانهيارها ليباغته "أبو بكر" يحاصره:
-ألا ترى أن نوبة اهتمامك بالكونتيسة "زينب" فاقت المعقول "عدي"بك، أم يُهيأ لي؟!
تجاهل مواجهة صديقه له بحقيقة مشاعره، هو نفسه يجهل سبب اهتمامه المبالغ فيه، فاندفع يرجوه على استحياء:
-"أبا بكر"، هل يمكنني الاستعانة بك في خدمة؟!
x x x x x x ———————-x
في إحدى الحارات الشعبية
—————-
-افتحي يديك، أمي، وانظري ماذا أحضرت لكِ.
اتسعت عينا والدتها على اتساعهما لرؤيتها لذلك البريق اللامع المنعكس من السلسال الذهبي ثقيل الوزن والقيمة الذي يتدلى من بين أنامل ابنتها باستعراض، فاندفعت تنتشل تلك القطعة الثمينة من أناملها بلهفة، تسرع في ارتدائه قائلةً:
-لا أصدق، لقد اشتريتيه لي، أنه غالي الثمن.
ابتسمت "همسة" على سذاجة أمها وضيق أفقها، فأجابتها باستعراض لوضعها الجديد وبمشيتها المختالة:
-مابكِ، أم"همسة"، أنسيتي ممن تزوجت ابنتكِ وناسبتي مَن؟، ابنتك تزوجت من ابن أكبر تاجر لقطع السيارات بالمنطقة، الوضع الأن اختلف عن ذي قبل، ويجب عليكِ اعتياد الأمر.
عبست والدتها باسترابة واقتربت تشاركها جلستها، تسألها على استحياء:
-مِن أين لك بثمنها؟، إياك والتهور، فيجب عليكِ سحب مبالغ بسيطة من أموال زوجك، لا مبالغ تلفت الانتباه لكِ.
أراحت"همسة" جسدها فوق أريكة والدتها المتهالكة، وشردت بالطريق الظاهر من نافذة والدتها بالدور الأرضي، لقد مقتت حالها وفقرها منذ زمن وآن الأوان لتصليح ذلك الوضع، آن الأوان للتمرد على ذاتها، وعلى من حولها لتتذوق طعم وحلاوة سواد الظلم للأخرين وانتصارها، طلما تذوقت مرارة الظلم كفريسة له، آن الأوان لتصلح أوضاعها، فاقت من شرودها على وغزة مؤلمة من كف والدتها لساقها، فأولت اهتمامها لها لتريح فضولها:
-طمئني قلبك الملهوف، فذلك السلسال له قِصّة أخرى، واعتادي ذلك في الفترة القادمة، سأجلب لك أكثر من ذلك من الأن وصاعدا، أكثر مما تتخيلينه.
راقبت انصراف والدتها للداخل ثم ولّت اهتمامها للطريق أمامها، فلمحت من بعيد سير أخر شخص ترغب في رؤيته تلك اللحظة الحساسة من حياتها، تلك المرحلة التي تعاني فيها الكثير من التخبط وعدم الاستقرار النفسي، تقف وسط أمواج البحر تستقبل تلاطمها بقوة وصلابة لا منها تسقط وتستسلم لتمتزج بملوحته وتذوب، ولا منها تقدر على الثبات بقوة لمجابهة قوتها بجسدها الهزيل، لتقف بعدم ثباتٍ على شفا السقوط بأعماقه، فسقوطها لا يمثل إلا سقوطها بذكرياتها المهلكة معه التي طالما تتهرب منها، انتبهت على صوته الأجش التي تحفظ نبراته عن ظهر قلبٍ منذ نعومة أظافرها، لتجده يلقي التحية ببعض الحذر الذي يجبره الموقف:
-السلام عليكم.
رفعت نظرهها إليه باهتمام ترمقه بنظرة متمردة مزيفة -قوية- تخفي خلفها هشاشتها، ترد تحيته بتحفز فراقبت هي وجهه الذي شرد بالطريق الضيق يراقب المارة ثم بادر يسألها بعينين متهربتين يملأهما الذنب:
-كيف حالك"همسة"؟، أراك في أحسن حال الأن.
-بالطبع في أحسن حال، هل كنت تنتظر عكس ذلك؟!
قالتها بنبرة ساخرة، لكنه أكيد أن تلك السخرية تخفي خلفها شرخا كبيرا بروحها، فأسرع يدافع عن نفسه ببعض المداهنة:
-بالطبع لا، كل ما أتمناه رؤيتك في أحسن حال، كما أنت الأن.
صمت للحظات أراد إزالة حاجز الجليد الذي أقيم بيديه، فأسرع يعتذر بلباقته كأنه لا يجد مايقال في مثل تلك الظروف:
-اعتذر عن عدم حضوري لزفافك، لقد كنت وقتها مسافرا، و...
قطعت حديثه بنبرة مستهزءةٍ متسائلةً ساخرة:
-لا تقل!، إنك كنت ستحضر إن كنت متواجد.
-بالطبع كنت سأفعلها، مهما حدث بيننا ستبقين ابنة عمّي التي أكن لها كلّ معزة واحترام.
-وماذا كنت ستخبر العروس الجديد؟
أكملت ساخرة:
-أنا ذاهب لحضور زفاف زوجتي السابقة، التي من المفترض أن تكون معي الآن بدلا منك، لولا إصرار أبي وأمي للزواج ممن تمتلك رحما خصبا للإنجاب بدلا من تلك المسكينة العقيم.
------

ابتلع "مروان" غصة شقت حنجرته نصفين، فهو أكثر من عليم عن حجم الجرح المترسب بروحها، لها كل الحق في ثورتها عليه، ولكنه لم يرغب في حرمان والديه من ذريته وخاصة بعد وفاة شقيقه الأصغر بعد عدة أشهر من زفافه تاركا خلفه زوجة بأحشائها جنينا لم يكتب له الاكتمال، فأسرع يبرر بصوته المتألم لحالها:
-لك كل الحق بأن تكرهيني، ولكنك أكثر من عليمة بالوضع الذي أجبرت عليه وقتها، حرمان والدي من ذرية "مصطفى" رحمة الله عليه لأمرٍ صعبٍ علينا، مما زاد الوضع صعوبة أنك..كنتِ...
قاطعت استرساله بحدة تدافع عما تبقى من كرامتها كأنثى:
-هل الأن تلقي اللوم على كاهلي؟
-لا لا، لم أقصد ولكنك لو كنت أعطيتني فرصة، مجرد فرصة للتفاهم لكنّا في وضع مختلف الآن.
انهت الحوار بينهما، بكلماتها الجامدة الخالية من التعاطف، ستبقى دائما تلقي كامل لومها على عاتقه لأخر نفس بروحها:
-انتهى الأمر بيننا "مروان"، وكلا منّا اختار دربه باختياره، اتمنى الأن أن تكون مرتاح البال أنتَ وعمّي وزوجة عمّي.
x x x ———————
حمل ثقل جسده ليخطو بخطوات ثقيلة لبيته، يشعر كأنه يحارب لدفع قدميه الثقيلتين للوصول له كما هو مؤخرا، يدفع نفسه للبقاء خارجه أكثر من التواجد داخله، رفع كفه بتحية بلا روح لأحد المارة بدون نبسها، حتى وصل لدكان والده "حامد" وهو يجادل أحد زبائنه على سعر قطعة القماش المفصلة، قائلا:
-بالله عليك هل هذا يعقل؟، إن اشتريت ذلك القميص من المحلات من وسط المدينة، ستدفع ضعف الثمن الذي أطلبه.
-ياحاج "حامد" أعلم أن عملك لا يضاهيه شيئا، فأنت تملك أنامل ذهبية انقرضت منذ زمن، ولكن خفض لي قليلا، ليكرمك الله في ابنك وزوجته وتفرح بأحفادك عن قريب.
رفع "حامد" كفه بالهواء يبرر حجته، فهو أكثر ما يكرهه الجدال في عمله:
-بالله عليك لا طاقة لي بجدال يهد الحيل، إن لم ترغب في قطعة الملابس اتركها وسيأتي ذبونها، بإذن الله.
وقف مروان يراقبهما بصمتٍ بعد أن ألقى تحيته، مفكرا كم يهلك أبيه حاله بدون فائدة، فهل ما يفعله سيساعده على النسيان؟، انتبه لانصراف الزبون حتى ولج ببطء يلقي بجسده فوق أقرب مقعد خشبي بالدكان، رمقه والده بنظرة مقيمة وبعين خبير وهو يضع الأموال بجاروره المخصص، متسائلا بأسلوب متواري:
-مابكَ؟
-لا شيء!
سرعة إجابته أكدت ل "حامد" شكوكه، فاندفع يوبخه على ضعفه الذي يؤلمه ولا يستسيغه من ولده المتبقي له:
-هذا هو مربط الحديث، لا شيء، لقد رأيتها أليس كذلك؟
أخفض رأسه ينظر لقدميه وهو مستندا بمرفقيه فوق ساقيه، لم لا يشعر به من حوله؟، إلى متى سيظل في تلك الدائرة المغلقة؟، وهل أراد الخروج منها بالفعل من دائرتها؟، التي تجعله يدور في مدارها بلا توقف كأنها الشمس التي لن تطفئ إلا بفناء عالمه، انتبه لإقرار والده المباشر:
_لقد رأيتها وهي ذاهبة باتجاه منزل والدتها، عليك التخلص من ماضيها يابني والانتباه لحياتك القادمة، كما هي فعلت تماما.
صمت للحظات فرفع "مروان" عينيه البائستين يخبره بما يوجعه بصمت شفتيه، فأكمل "حامد" بصرامة تلزم الموقف الجديد:
-حالك لا يعجبني مع زوجتك.
-هل اشتكت؟!
-ياليتها تنطق وتشتكي بما تشعر به وتحمله داخل صمتها، هل ترانا كبرنا على رؤية ما بينكما؟، اسمع بني لم يجبرك أحد على اتخاذ خطوة ستر أرملة أخيك بعد عرضنا الأمر.
أسرع يدافع باستماتة:
-ولكني لم أبادر بالعرض!
-ولكنك لم ترفض العرض وقتها، تذكر سواء أنا أو والدتك المكلومة لم نكن لنجبرك على اتخاذ الخطوة ابدا.
صمت "مروان" يفكر في أمر أرملة أخيه، وزوجته الحالية، الذي كان يتوقع عندما يقبل بعرض زواجه منها إرضاء لوالديه، سيقابل العرض بالرفض من اتجاهها هي وينتهي الأمر، ولكن لم يكن يدرك أنه سيقع بين مطرقة وسندان عندما علم بقبولها للوضع، ليزداد كل يومٍ حنقا وكرها لما سببته بانقلاب حياته وانفصاله عن حبيبته، التي أسرعت في طلب الطلاق ردا لكرامتها المهانة، فاق على ضربات خفيفة فوق كتفه من والده يوصيه:
-راع الله في أرملة أخيك، لقد أوصانى عليها يا بني، وأن الأوان أن يأخذ زواجكما شكلا أخر.
x x x x xx - - - - - - -
تحرك بعينيه داخل منزل والده يصدر أصوات مزعجة للفت الانتباه، مع تنحنحه ليلفت الاسماع لوصوله، إن كانت بالداخل مع والدته بأريحتها أم لا، سمع صوت والدته"جميلة"، تخبره بنبرتها لائمة:
-تعال، فإنها ليست هنا.
تنحنح مرة أخرى إحراجا من كشفه أمام والدته بتلك الصورة، ليراها تظهر من خلف باب حجرتها، تخبره بنبرة قرأ بها اللوم والضيق:
-تأخرت اليوم على غير عادتك، فموعد وصولك مر عليه أكثر من ساعة تقريبا.
حك أرنبه أنفه وبعيون متهربة أجابها:
-انتظرت قليلا بالدكان مع والدي.
مال ثغرها بابتسامه يعرفها، فأمه تحفظه كخطوط يديها خطا خطا، لتبادر في القول وهي تتجه جهة مطبخها وهو يتبعها بخطواته الثقيلة:
-لا تكذب عليّ يا "مروان" فأنا منذ قليل كنت أجمع الملابس من الشرفة، ولقد رأيناك عند بيت عمك، قبل وصولك لدكان أبيك.
فهم سريعا صيغة المثنى التي تتحدث بها لتقصد بها "هنا" أرملة أخيه، قطعت شروده وهي تكشف عن الأواني الساخنة المتصاعد منها الأبخرة والروائح التي تزغزغ المعدة وتداعبها،x فتهرب من الحوار برمته ليقترب يطبع فوق رأسها يتبعها خطف إصبع من الباذنجان المحشو يتذوقه باستمتاع مزييف يحاول إرضاءها قائلا:
-سلمت أناملك الجميلة، يا "جميلة" الكوكب والمجرة بأكملها.
ابتسم ابتسامة مغتصبة، ورفعت عينيها المغشية بالدموع، تخبره:
-ذكرتني بالمرحوم "مصطفى"، بارك الله لي في عمرك ياولدي ويريح قلبك الملتاع مع من تستحقه، ورزقك الله بذرتك الصالحة.
رفعت ظهر كفها الأيمن تزيل بقايا عبراتها الهاربة من محجريها تصحح له كلماته قائلةً:
-سلمت أنامل زوجتك، فالطعام من صنع يديها كالعادة، منذ دخولها علينا ترفض مجرد وقوفي للأعداد الطعام، ابنة أصول صحيح!
ختمت جملتها تلك الكلمات ذات المعنى الذي يفهمه بدون استفسار عما تخفيه الكلمات، ثم تابعت تأمره:
-اجلس، اريد الحديث معك قليلا.
-أمي بالله عليكِ، لات...
-قلت اجلس، تخال نفسك كبرت عليّ.
جلس على مضض وهو يلبي رغبتها بملل لا يظهره احتراما لها، فسمعها تخبره بصوت متعقلٍ مهزوز النبرات لشجنه:
-أنت تعلم معزتك الغالية لا تقل ولا تنقص عن المرحوم "مصطفى" فأنت البكري، يجب عليك تحسين أمورك مع أر.. أقصد زوجتك، لا يعجبني الوضع مطلقا فزواجكما مر عليه عاما من الآن وأشعر أن الفجوة بينكما تزداد يوما بعد يومٍ، لا تنس يا بني أنها كانت عروس لم تكتمل فرحتها بموت أخيك، المسكينة يؤلمني حالها وصمتها الذي لم يتغير، فأنت الرجل في المعادلة، وعليك أنت البدأ بحياة زوجية مستقرة وتقريبها إليك، لا كل منكما بمكان، أتظن أنني لم أفهم ما يحدث أنا وأبيك بينكما.
هز رأسه بملل لا يقدر على المراوغة فهو بالفعل لا يستطع حتى النظر بأعينها فكلما فعلها وجد صورة أخيه حاجزا بينهما، كيف قبلت بذلك للوضع؟ انتبه لما تخبره به والدته باهتمام:
-هيا اصعد لها لتسرع في تجهيز حالها فالناس على وصول.
-أي ناس!
-أهلها قاموا بالاتصال سيأتون للاطمئنان عليها، حقهم يا ولدي.
x x x - - - - - - -
وقف متململا يزفر هواء صدره ضيقا، لبطء استجابتها في الرد وفتح باب شقة شقيقه تلك الشقة، التي أسس أجزائها بنفسه مع أخيه الصغير استعدادا لزفافه منها، يعلم أنها بالداخل كعادتها تهرب لحصنها المنيع ولن تتجرأ دخول شقته مع "همسة" من نفسها، طرق مرة أخرى طرقاتٍ عنيفة يبث فيها غضبه منها ومن برودها، فيفتح الباب الفاصل بينهما بعد برهة ببطء تظهر من خلفه بقصر قامتها وجسدها الذي زاد نحافةً بعد وفاة شقيقة الأصغر تخفيه خلف عباءتها البيتية بلون الكحلي مزيين بخيوطٍ زهرية من الصدر والأكمام، تلك الأكمام الطويلة التي دائما تجذبهما للأمام تخفي من ورائهما كفين نحيلين يظهر من خلفهما خطوط أوردتها الزرقاء بنفور، أجابته بعينين زائغة تتهرب من لقائها بخاصته:
-لم كل ذلك الطرق؟، لقد كنت أرتدي ملابسي.
نطق ساخرا:
-وهل كل مرة أطرق الباب بها، تكوني فيها ترتدين ملابسك، ما الجديد؟
نظر خلفها بشرودx بجوانب الشقة الذي قام بإعدادها ركنا ركنا ومنذ عام ونصف تقريبا، ليجفل فجأة عندما استشعر إغلاقها لزاوية الباب تمنعه من التمعن بالداخل أكثر، لم يهتم كثيرا بحركتها أو بها شخصيا،x فأشار لها برأسه وهو يقول:
-أمي أبلغتني بأن عائلتك ستحضر اليوم للاطمئنان على أحوالك، هل أنتِ جاهزة لرسم دورك ككل مرة؟
غصة مسننة منعت ابتلاعها لريقها لتتذوق مرارة العلقم بحلقها، فأجابته برد اعتبره تحديا منها:
-بالطبع جاهزة.
-بالطبع، نعم، ولكن بعد انصرافهم لنا للحديث بقية.
x x xx - - - - - - - - - - -
-لم يكن هناك داعٍ لكل تلك الأشياء ياحاج "اسماعيل"، فنحن لسنا أغرابا.
قالها "حامد" مجاملا بامتنان حقيقي لتعبهم كل زيارة لابنتهم؛ كعادة أصيلة لدى بلدتهم، فأردف الحاج "اسماعيل" بفخرx معتاد عليه أمثاله:
-إنه شيئا بسيطا لأبنتنا "هنا".
مرر عينيه على تلك الجالسة ضامة كفيها لحجرها وعلى وجهها ابتسامة ثابته لم تزول منذ حضورهما واستقبالها ببيت حميها، فأسرع يسألها بروتينة خالية من الود الظاهر للجميع:
-وأنتِ، كيف حالك، أراك في أحسن حالٍ الآن من المرة السابقة.
أجابته ولم تتخل عن ابتسامتها المشدودة كوتر حساس:
-بخير يازوج عمتي، ما أخبار عمتى؟، لمَ لم تأت معك تلك المرة، لقد اشتقت لها كثيرا.
-ماذا أقول؟، لقد إلتوى كاحلها أمس وقد كانت تعد نفسها للحضور للأسف، المرة القادمة سننتظر زيارتك لنا أنتِ وزوجك.
هزت رأسها بلا روح واكتفت بصمت مع ثبات نفس الابتسامة التي لم يعرف حقيقتها إلا ثلاثة فقط، فبادر "مروان" يواصل الود كما يلزم الأمر ولحين انتهاء تلك المسرحية المجبر عليها، فأردف يرحب وهو يقدم المشروب الغازي قائلا:
-وأنت يا "أكرم" متى ستقرر أن تتزوج؟
تنحنح إحراجا ومرر عينيه عشوائيا على المتواجدين فتقابلت عينيه بخاصتها ليتهرب سريعا، ثم أجابه بسماجة قصدها:
-ولمَ أجلب لي مصيبة ببيتي؟، لابتلي بها صباحا ومساء، فأنا في أحسن حال هكذا، تركنا لك هناء الزواج.
ختم حديثه بجملته بتلميحٍ فهمته تلك المبتسمة ووالده، فأردف "حامد" يلومه على حديثه بأبوه:
-هل هذا يعقل؟، الزوجة سكن ورحمة لزوجها، وهي سنة الحياة يابني، لولا هنّ ما وجدنا نحن.
ضحك الحاج "اسماعيل"برتابة على حديث ابنه يوافق "حامد" :
-لديك كل الحق والله يا حاج "حامد"، هذا جيل آخر الزمان.
-الطعام يا أم"مروان"
قالها "حامد" ليتعجلها لضايفة ضيوفه على أكمل وجه، فأجابته من الداخل تطمئنه قائلة:
-حالا، ياحاج، حالا.
ظلت تبادل الجميع نظرات ثابته فاقدة لروحها القديمة مع نفس الابتسامة التي لم تتخل عنها حتى وهي تتناول المشروب بغير شهية وعقلٍ شارد في ذكرياتها الموحشة، كم جميلة هي ذكرياتنا الحالمة مع أحبتنا الساكني وجداننا.
———————
نهاية الفصل الثالث

ام زياد محمود 23-02-21 02:29 AM

مبروك نزول روايتك ياجميل بالتوفيق ان شاء الله

زينب نموذج لشريحه كبيره من النساء اللى حاولت تعيش برضى وراحه لكن كالعاده تحكمات الحما فى حياة ابنها بطريقه فجه وتصرفها فى بيت ابنها مع عدم مراعاه لخصوصيات زوجة الابن عمل فرقه ومشاعر نفور وكراهيه

كان ممكن جدا تكسب محبة زوجة ابنها بدل عداوتها

حسن غبى طبعا ومعدوم الرجوله ظلم زينب ودلوقتى بيساعد همسه فى ظلمها لنفسها

همسه اتظلمت اولا اما مروان طلقها وكسر بقلبها بسبب عقمها وهى ظلمت نفسها اما اندفعت لجوازه زى دى من غير ما تعرف الناس اللى داخله ليهم شكلهم ايه

هى كل امنيتها انها تخلف وبتتنازل كتير عشان توصل لهدفها وطبعا العقربه نرجس بتشتغل على انها ماتوصل لهدفها

عدى انجذب بسرعه لزينب وشدته تصرفاتها الغريبه متشوقه اعرف هيعمل معاها ايه وهيخلص من السخيف جوز اخته ازاى

تسلم ايدك ياجميل

وسام الأشقر 23-02-21 08:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود (المشاركة 15373441)
مبروك نزول روايتك ياجميل بالتوفيق ان شاء الله

زينب نموذج لشريحه كبيره من النساء اللى حاولت تعيش برضى وراحه لكن كالعاده تحكمات الحما فى حياة ابنها بطريقه فجه وتصرفها فى بيت ابنها مع عدم مراعاه لخصوصيات زوجة الابن عمل فرقه ومشاعر نفور وكراهيه

كان ممكن جدا تكسب محبة زوجة ابنها بدل عداوتها

حسن غبى طبعا ومعدوم الرجوله ظلم زينب ودلوقتى بيساعد همسه فى ظلمها لنفسها

همسه اتظلمت اولا اما مروان طلقها وكسر بقلبها بسبب عقمها وهى ظلمت نفسها اما اندفعت لجوازه زى دى من غير ما تعرف الناس اللى داخله ليهم شكلهم ايه

هى كل امنيتها انها تخلف وبتتنازل كتير عشان توصل لهدفها وطبعا العقربه نرجس بتشتغل على انها ماتوصل لهدفها

عدى انجذب بسرعه لزينب وشدته تصرفاتها الغريبه متشوقه اعرف هيعمل معاها ايه وهيخلص من السخيف جوز اخته ازاى

تسلم ايدك ياجميل

سلمت حبيبتي من كل شر وسلمت أناملك الغالية على تعليقك الرائع وإن شاء الله الأحداث تنول رضاك

غدا يوم اخر 25-02-21 07:19 AM

اصبحت القصص عندها رساله وتويد حق المنفصلين او كبار العمر بالزواج
هل اخ طلئق زينب سرق الفلوس او امه اعطته له ولكنها لبستها في زوجة ولدها علشان مايغضب الشايب
الابناء رغم انهم اطفال الا انهم يشعرون بالحزن والالم بدون ان يعبيء الاهل ضد ابائهم ليش الحماة عندك شريرة الا وحده

وسام الأشقر 04-03-21 11:39 PM

الفصل الرابع
 
الفصل الرابع
xx - - - - - - - -
-انتظري، يجب علينا الحديث أولا.
أبلغها برغبته، يَمنعها من الدلوف لشقة شقيقه، توقفت توليه ظهرها ممسكة بمفتاحِ شقتها في استعدادا لإدخاله بكالون الباب، ذلك المفتاح الذي احتفظت بنسخته لها، حتى تبقي على ذكرياتها مغلقة كما هي، وللحق لم يعارض حماها ذلك، ليترك لها فرصة التعافي من صدمتها تدريجيا، إلتفتت برأسها دون جسدها تمنع عينيها من التلاقي بخاصته كعادتها تسألها بصوتٍ هامس:
-عن أي شيءٍ؟
تحرك بإهمال جهة شقته المجاورة لأخيه يفتح بابها بدعوة صامتة، ثم بادر بأمرها للدخول، بعد أن طال الصمت بينهما قائلا:
-ادخلي لنتحدث قليلا، فلن نتحدث هنا ليستمع والديّ حديثنا المجحف.
صمت لثانية وأكمل ساخرا:
-أم ترغبين باستضافتي بشقة المرحوم؟!
أجفلت من صراحته فهي بالفعل لن ترغب في دخوله لصومعتها الخاصة، مملكتها السوداء المتوجة على قمتها، تحركت بسرعة تدخل لشقته ليدلف بعدها مغلقا الباب خلفه، مع إشارته لها للتقدم أمامه، فبادر يردف بما يرغب به دفعة واحدة بصراحةٍ لم تتعجب لها، فهي يقينة من مشاعر كلا منهما للآخر:
-بدون لفٍّ ودورانٍ سأكون صريحا معك، لقد لاحظت أمي وضعنا الغريب وأبي أيضا، وأنت على علمّ بالسبب الحقيقي وراء زواجي منك منذ البداية، ولكن ما أتعجب منه وليس لي به علما، سببك أنتِ في الموافقة على تلك المسرحية السخيفة، لمَ وافقت على الزواج مني؟، كان يمكنك العودة لأهلك والبدأ في حياة جديدة، ووفرتي علينا جميعا ذلك العناء.
صمت للحظات يراقب ملامحها الصلبة الثابتة الخالية من الانفعالات شاخصة بنظرها للفراغ كأنها بعالم آخر غير عالمه، ليجدها تبادر بتحريك شفتيها بكلمة واحدة لم يفهم تفسيرها لانخفاض صوتها، فسألها بفضول:
-ماذا قلتِ؟، لم أسمع.
ابتسمت ساخرة لتعود سريعا لصلابتها وشخوص عينيها للفراغ:
-لا، لا أعرف.
-ماذا؟!
نظرت لعينيه في لمحة لتصطدم بعينيه الصقريتين الوارثهما عن أبيه والتي تشبه كثيرا "مصطفى"،x كانت المرة الأولى لها تلاحظ ذلك الشبه، ترى هل ورث نفس العينين منذ البداية ولم تنتبه إلا الآن أم يهيأ لها؟، فكررت ما قصدته بصوتٍ أعلى قائلة:
-أنت تخبرني أنني على علم بسبب زواجك مني، وأنا أخبرك أنني حتى الآن لا أعلم السبب الحقيقي وراء ذلك، أتعلم؟، لقد تعجبت كثيرا وقتها وخاصة أنني على علم عن مدى حبك ل"همسة"، فأعتقد أنك طلبت تتحدث معي في موضوعٍ أخر غير موضوع أسباب زواجنا.
مسح فوق وجهه بضيق من مرواغتها وهدوئها الذي أصبح ملازمها على غير طباعها الأولى الذي عاصرها معها وقت زواجها من أخيه، أسرع يجذب سيجارته الخاصة من علبته ويشعلها لينفث دخانها بشراهة راقبت سحابتها بشرود متأملة حرية حركتها في دوائرها المغلقة سريعا ما تنفرج لتذوب وتختفي بالهواء الطلق، فسمعته يخبرها بدون مناقشة:
-أمي و أبي يشكان في عدم مبيتك بشقتي، لقد لمّح لي أبي اليوم بالدكان، أنا لا أريد الضغط عليك، وأيضا لا أرغب في أن أكون سببا لضيقهم، من اليوم يفضل وجودك هنا، وتسليمي مفتاح شقة المرحوم.
-لا!
رفضت بخوف ظهر على وجهها الباهت، لتسرع تبرر بأول ما طرق عقلها:
-يوجد أشياء تخصني بالداخل، يجب عليّ جمعها بالبداية.
هز رأسه متفهما وضعها ليخبرها وهو يدس صبابة سيجارته بمطفأته الخزفية:
-لابأس يمكنك الاحتفاظ به دائما، ولكن ما يهمني مبيتك معي هنا، حتىx لايلاحظا وضعنا الغريب، سأعد لك حجرةx الأطفال وسأبقى أنا بغرفة نومي.
-لم لا يسمح لي بالمبيت بشقتي؟، أعتقد لن يلاحظا إن انتظرت سكونهما وانتقلت لشقتي بدلا من المبيت...معك!
مسح فوق خصلاته بصمتٍ يزن حديثها، ثم بادر بقوله:
-يمكنك ذلك، ولكن على الأقل ليس الآن، يجب أن يشعرا بأن الأمور بيننا طبيعية فأنا لا أرغب بأن أكون سببا لحزنهما.
هزت رأسها بشرود وتفهم، فيجب عليها معرفة أن الوضع قد تغير وعليها للتأقلم لحياتها الجديدة.
x x x - - - - - - - - -
تلاعبت بتلك البطاقة من بين أناملها بشرود، منذ أن قدمها لها محاميها وهي في حيرةٍ من أمرها، هل من الممكن أن تتحرر من عقدتها وتُقبل في وظيفة مناسبة أخيرا؟، تعلم أنها مخطئة لعدم إتمامها تعليمها الجامعي لسرعة زواجها، ليتها ثابرت واجتهدت أكثر من ذلك لتكمل العامين المتبقيين لهاx بدراستها الجامعية، ماذا كانت تفعل وقتها؟، وهو كان دوما يقنعها بأنها لا حاجة لذلك الهراء فهو معها سندا لها ولكن أي سند كان يتحدث عنه وقتها، انتبهت لولوج" شهد" تقاوم آلام معدتها متغضنة الوجه، فأسرعت تطمئن عليها وهي تلقي بتلك البطاقة جانبا، التي قدمها لها المحامي التي تخص أحد معارفه ليوفر لها عملا مناسبا:
-لازلتِ تشعرين بالألم؟، لمَ كل هذا التوتر؟!.

-أخاف بشدة، ويزداد توتري كلما اقترب موعد تلك الرؤية، أخاف أن يصيبنا الأذى منه أمّي.
ضمتها "زينب" تربت فوق ظهرها، تنصحها:
-يجب عليكِ التأكد أن والدك لن يستطيع التعرض لكما ليس خوفا، بل لأنه أباكم الذي يحبكم، مهما حدث بيننا.
رفعت وجهه باستنكار على ما قالته أمها، تقارعها ساخرة:
-لن يستطيع؟، أتمزحين أمي؟، أليس هو من قام بحبسي وضربي بسلك الكهرباء لمجرد بكائي وطلبي منه رؤيتك، أنسيتي أنه حرمنا منك شهرين كاملين يمنعنا من التواصل معك بمجرد مكالمة، وعندما قرر الزواج كما خططx وشعر بثقل مسئولياته، ألقى بنا خلف ظهره.
-كان يضغط عليّ بقبول العودة إليه وتقبّل وجودي مع ضره.
انتفضت"شهد" مستنكرة:
-لا تدافعي، وتبحثي له عن مبررات واهية.
-أنا لا أدافع، ولكني لا أرغب في وقوعك بالخطأ أنت و أخوتك، لا تحملين حالك وزر عقوقه حتى لو كان مثلما تقولين، أخاف عليكم من عاقبة كرهكم له حتى لو يستحق، تركتها ابنتها عندما استشعرت رغبة والدتها في الانفراد بحالها قليلا، تركتها مغمضة العينين يمر من أمام عقلها شريط ذكرياتها المُرّ، كانت وقتها حاملا في ابنها "عمر" بعد ضغطٍ كبير من زوجها وأمه لإجلاب ذكر يحمل اسم عائلتهم بدلا من الأنثى التي جلبتها لهم كعادات عقيمة مترسخة بعقول أمثالهم، شردت بعض الشيء عن كتابها وهي تحاول للمرة الثانية اجتياز نفس السنة التي أخفقت بها، ولم يكتب لها النجاح بسبب ظروف حملها الأول، أراحت ظهرها للخلف تدلكه لعلها تخفف آلامه التي زادت وتيرته من ليلة أمس، مدت يدها تتناول كوب مياهها الفارغ وتتكئ بتمهل مع انتفاخ بطنها الملحوظ فوق مائدة الطعام، حيث مكان استذكارها المفضل بهدف الوصول لمبردتها؛ لعلها تطفئ عطشها الذي زاد حدته بفعل ارتفاع درجة الحرارة الملحوظ في مثل هذا التوقيت من السنة، بعد لحظات وقفت تمسد فوق جنينها بحنو بالغ كم تتمنى حضوره بفارغ الصبر، تُمني نفسها بحياة أفضل مما سبقت، لعل ذلك الصبي يغير حالها ويزيد مكانتها تقديرا وسطهم، فلن يخفى عليها أسباب معاملة حماتها القاسية بسبب إنجابها للأنثى، ليزداد إلحاحها وإلحاح زوجها لسرعة الانجاب مرة أخرى من أجل الذكر، انتفضت صارخة على أثر ذراعين مكبلتين لخصرها المنتفخ، مع أنفاسه الساخنة التي لفحت عنقها بمزيج من القبلات النهمة، ليهمس بصوت متتوق لأحضانها:
-أشتقت إليك كثيرا، لقد تركت الجميع بالأسفل من أجل سرقة لحظات ممتعة قليلا.
إلتفت دون أن تتحرر من قيده لها، كم تعشق لهفته وكم تكره تقلبات مزاجه، فنطقت بدلالها الذي يأسره أسرًا:
-أخفتني "حسن"، ألن تتعلم أن تصدر صوتا أثناء دخولك أبدا!
-لا، لن أتعلم، فأنا أعشق لحظة انتفاضك بين ذراعي كما أنتِ الآن.
-هل يعجبك رعبي؟، ابتعد يا "حسن"، ابتعد.
سجن شفتيها بتملك يلتهمهما بتعمق يمنعها من استرسالها الغير نافع، فابتعدت عنه بعد أن حررها قليل، بعد أن ذابت بين يديه كقطعة الثلج، تلهث من عمق مشاعرها، ترجوه التوقف فبادر بسؤالها:
-أين البنت لا أسمع لها صوتا؟
نطقت وسط لهاثها المتقطع:
-أطعمتها وهي الآن بفراشها.
-جيد.
لم يمهلها السؤال عما يقصد وما هو الجيد في الأمر؟، لتجد نفسها تحلق في الهواء بين ذراعيه المتملكتين، وقد علمت هدفه دون سؤال لتجد نفسها مستقرة فوق فراشهما في نوبة ثورة فجائية اجتاحته، بعثرت مشاعرها الأنثوية تحت يديه، كم كانت أنثى طائعة غير متطلبة، تنفذ ما أوصتها به والدتها ليلة زفافها، التي لم تبخل عليها بإهدائها الوصايا العشر الكاملة دون نقصان، بعد لحظات لم تطل كعادته تحرك من فراشه يلملم ثيابه المبعثرة، يخبرها بلهجة مختلفة عن الذي هاجمها بها وكانت أكثر جديّة:
-يجب عليك الهبوط لأمي، فهي مستاءة جدا لعدم هبوطك لأعداد الطعام معها والتحجج بمذاكرتك.
لملمت غطائها تستر جسدها المكشوف باحثة عن قميص نومها وقد ازداد آلام ظهرها كضرب مطرقة تكسر عظامها، تخبره بنعومتها:
-أنا لم أتركها، لقد جهزت معها الطعام أمس، قمت بتنظيف الأوز والدجاج وحشوت المحشو وكان الطعام لا ينقصه إلا أن ينضج فقط، بالله عليك فأنا أشعر بالتعب ولا تضغط عليّ كلما هي شكت إليك.
وقف يغلق زر قميصه الأخير مع استماعه لرنين هاتفه المتنقل، ليجد المتصل أمه فأسرع يلومها على قولها:
-"زينب"، أنا لا أحب مثل تلك النغمة الجديدة، فمساعدتك لوالدتي بالأعمال المنزلية ليس أمرا مُخير إليك، فهو واجب عليك يجب تنفيذه بدون تقصير، إذا كنت تطلبي رضائي وسعادتي.
تغضن وجهها بالألم لمَ تشعر به من آلام متزايده بظهرها وأسفل معدتها، فانفلتت منها أنّة من بين شفتيها وهي تخبره:
-"حسن" ارجوك، أشعر بالألم الشديد، لا تتركني الآن، فأنا لست على مايرام.
شعر بالقلق اتجاهها للحظات فأقترب منها، يستفسر عن سبب تألمها:
-مابك؟، لقد كنت جيدة منذ قليل.
-لا أعلم، فالآلام تتزايد، آه!
رن هاتفه بإلحاح من والدته ليسرع في إجابتها، وعينيه لم تبرح تلك المتألمه:
-نعم أمي؟
-مابك؟، أين اختفيت؟، هل أرسلك لتجبر السنيورة للهبوط ومساعدة الخادمة في تجهيز المائدة للضيوف، أم تنام بجوارها؟، حالا أراها أمامي وأنت معها.
صرخت به "نرجس" فأبتلع ريقه اضطرابا، يبلغها وهو يصله أنينها المتواصل:
-إنها تشعر ببعض الألم و...
صرخت بحدة أخرسته لتزداد شراستها وحاولت إقناعه بزيف ما يحدث:
-أي آلام تأخذها حجة حتى تكسر كلمتي؟، الهانم ليس بها شيئا فلا يوجد إلا دلال حريم لتكسب تعاطفك تنفذ كلمتها هي، اهبط حالا واتركها.
هز رأسه متفهما وقد بدا له صدق حديث والدته، فهي كانت في أحسن حال بين يديه منذ قليل، توجه لطرف فراشها يخبرها بضيقٍ منها ومن تصرفها الزائف:
-سأهبط الآن، دقيقة واحدة وأجدك أمامي، أتريني سأصدقك حججك الفارغة؟!
قبضت على منامتها أسفل معدتها مع إغماض عينيها بقوةٍ، لتشعر بعبراتها الندية تبلل وجنتيها بكسرةٍ ترجوه بألا يتركها، فهي تشعر بأنها ليست بخير، ظلت تترجاه ولكنه أهمل توسلاتها ليختفي من أمامها ويذهب صدى كلماتها سُدى.
فاقت على نفسها وهي قابضة على معدتها كأنها للتو تعاني من ويلات ألام الوضع كما كانت تشعر وقتها، تلمست تلك البطاقة الملقاه تودعها نظرة أخيرة وقد اتخذت قرارها الأخير، لعلها حياة جديدة ولا تعلم.
x x x x x xx ——————
في اليوم التالي
جلست مضطربة أمام ذلك المبتسم ابتسامته الغريبة، فهو لم يخفض نظراته الخارقة لها منذ ولوجها مكتبه، حتى لم يضف أي كلمة بعد ترحيبه المتحفظ بها وابتسامته اللزجة، لم تكن تتوقع أن يكون نفس الشخص الذي شاركها المصعد يوما، تُرى هل يعرفها الآن؟، ساد الصمت للحظات ليضرب أذنها طنين السكون، حاولت بإحراج عرض السبب الأساسي لوجودها اليوم بمكتبه، قائلة بعينين متهربتين:
-لقد، لقد، أقصد الأستاذ " أبوبكر"...
باغتها بسؤاله البارد يقطع استرسالها:
-ماذا تشربين سيدة "زينب"؟ .
جحظت عينيها البندقتين من خلف نقابها بصدمة من معرفته هويتها فهو لم يترك لها فرصة التعريف عن شخصها منذ ولوجها، فأجابته باندهاش:
-شكرا، لا أريد ولكن هل تعرفني؟، أقصد من المؤكد أن الأستاذ "أبو بكر" أبلغك عنّي، ولكن كيف عرفت أنني أنا؟
ثم تداركت سؤالها الغبي سريعا تهمس لحالها:أيتها الغبية من المؤكد أنه أبلغه بحاجتي للعمل ولم ينس وصفي له.
ابتسم "عدي" ببشاشة وكتم ضحكته ليزيد من إرباكها:
-أتحدثين نفسك سيدة" زينب".
-أنا، لا لا مطلقا، كنت أقول أن المؤكد أن الأستاذ "أبو بكر" قد أبلغك بحاجتي للعمل.
تلاعب بقلمه في حركة واهية يحاول السيطرة على نبضات قلبه المتمردة، قائلا:
-بالتأكيد أنا على علم بوصولك، لكن لم يخبرني بأنك شديدة التوتر بهذا الشكل.
شعرت بأن الأرض تميد بها، هل ذلك الرجل سلّط عليها اليوم؟، هل يقصد إرباكها أم تتوهم؟!، فعاجلها ينهي فقرة التوتر مترفقا بها:
-أنا بالفعل كنت أبلغته بحاجتي لمساعدة شخصية وسكرتيرة في آن واحد، ورشحك لي لثقته فيكِ، هل ستتحملين عبء العمل معي؟، أم تراجعتي عن الفكرة؟
-لا لا لم اتراجع ولكن أريد أن أوضح لك "عدي" بك مؤهلاتي حتى لا أُتهم بخداعك، فأنا لم أكمل تعليمي الجامعي، وليس لدي خبرة مسبقة ب...
قاطع استرسالها لفقرة كرسي الاعتراف، العقيمة،وأخبرها بنبرة وقورة:
-أنا على علم بكل شيء سيدة "زينب"، فأنا ما أحتاجه فقط مساعدة ليx في تنظم مواعيدي مع العملاء، وتمكنها ومن استخدام الحاسوب، هل لديك خبرة بذلك؟
رفعت أناملها البيضاء الرفيعة بحركتها الواهية تضبط نقابها وكانت عينيه تتابع تلك الحركة بترقب يتأمل أناملها الرقيقة بوله، تبلغه بخوف من ألا تقبل بالوظيفة:
-خبرتي بالحاسوب ليست بالكبيرة، فأنا لم أتعامل معه إلا في حدود التصفح وتحميل الأفلام و الأغاني.
شعر بأنه يريد سماع صوتها أكثر ليتسنّ له الكشف عن اهتماماتها الغريب أنه يشعر بالألفة بوجودها، فابتسم على استرسالها في الحديث بانطلاق مستمتعا بتلك اللحظة الفريدة، ثم سألها باهتمام واضح:
-متى يمكنك البدء في العمل، أتمنى أن يكون من الأن إذا أمكنك ذلك.
ارتبكت من مبادرته في ذلك الطلب فهي أكثر حاجة لتلك الوظيفة، ولكن يجب عليها تنظيم بعض الأمور قبل البدء في ذلك العمل، فبادرت تعتذر:
-هل يضايقك لو أجلت البدأ بالعمل ليوم غدٍ؟
هز رأسه متفهما فقد لاحظ تعمدها لأشاحة نظراتها عنه خلال حديثهما، فقال ليطمئنها أكثر:
-لا تقلقي سأظل منتظرا خذي راحتك، ولا تطيلي أرجوكِ، ولكن لم تسأليني عن أجرك مقابل عملك؟!
صمتت بارتباك واضح ، فهي في الحقيقة لديها فضول منذ أمس لتعرف المقابل المادي، وهل سيكفي هذا الأجر معيشتها هي وأطفالها أم لا؟، ولكنها شعرت بالخجل لسؤال "أبو بكر" عن ذلك، وشعرت بالخجل أكثر من السؤال في أول مقابلة.
*************


(كما أن المصائب لا تأتي فرادا، البشائر لا تأتي إلا فرادا)
----------
---------
بمكانٍ أخر...
في مثل ذلك الوقت من اليوم تقل حركة البيع نسبيا فتسبب هدوءا بالأجواء المحيطة بالمكان، استغل ذلك لينأى بنفسه وعقله عن أي ضغوطات نفسية سواء كانت ضغوط زواجه الجديد أو ضغوط أمه التي تمارسها ضده في الأونة الأخيرة، وقف يراقب المارة ينفث دخان سيجارته أمام دكان والده، فلمح أثناء شروده فتاة بأواخر العقد الأول تقريبا، تتهادى في مشيتها، تحتضن مجموعة من كتبها لصدرها، يظهر عليها التوتر والارتباك الواضح فهي لم تتوقف عن النظر خلفها على من يتتبعها بخوفٍ جلي، فارت الدماء بأوردته لقراءته وتحليله للمشهد سريعا بأن ذلك الشاب يطاردهاx ويسبب لها بعض المضايقات، اندفعت ساقيه، يهرول اتجاهه يقبض عليه من خلاف، يهتف به صارخا:
-ماذا تظن نفسك بفاعل؟، أليس لديك بعض النخوة والرجولة.
توتر الشاب من مهاجمة صاحب المحل الذي يعلمه جيدا، فراح ينفي عن نفسه:
-لم أفعل شيئا، اتركني، اتركني.
هزه "حسن" بقوة يهدر به ببغضٍ:
-لم تفعل شيئا! ، تنكر أيها البغل؟!، لم تسير خلف تلك الفتاة؟، لقد ظهر الانزعاج على وجهها جليا، أتعلم؟، وجب عليها التوقف لصفعك على وجهك البارد لتتعلم الأدب الذي ينقصك.
توتر الشاب من مباغتته وصراحته التي أفشت سره فتراجعت دوافعه بإنكار ذلك، ظل يفكر بتعمق: هل يجب عليه مصارحته بحقيقة مشاعره اتجاهها؟، وإذا صارحه هل يتوقع مساعدته في التقدم لها؟، أم سيفضحه أمام أهالي منطقته؟، ويقلل من شأنه، قطع دوامة أفكاره سؤال"حسن" الجاد:
-تعجبك تلك الفتاة، أليس كذلك؟
هرب بعينيه وكان أحمرار أذنيه خير إجابة لسؤاله، فعاجله "حسن" ينهره بأخوية:
-إن كانت تعجبك فعليك دخول الباب من بيته، لا أن تطاردها بالطرقات مثل المتسكعين.
انصرف الشاب من أمام ناظريه بصمتx وظل مكانه للحظات يتردد بعقله تلك الجمل النصوحة والعبارات الرنانة -الثورية- الذي ألقاها عليه و التي لا تناسبه على الإطلاق، لقد ذكره ذلك الشاب المتهور بحالته منذ خمسة عشر عاما، عندما كان شابا يافعا ، حينها كان يلهث خلفها في كل الطرقات ينتظر نظرة رضا من عينيها البندقتين ووجهها الدائري الأبيض ممتلئ الوجنتين كتفاحٍ في وقت موسمه منتظرًا حصّاده، داعبت ذكراه ذكرى بعيدة، قريبة لقلبه الواهن المتألم، كان وقتها يتابع البضاعة المطلوبة التي يتم نقلها من إحدى عربات النقل بعيني صقر مدققةٍ مراقبة، ينهر إحدى عماله القائم على حمل البضاعة:
-انتبه لما تفعل، إياك وإسقاط شيئا مثل المرة السابق،x وأنت ادخل تلك الصناديق بالمخزن الكبير، هيّا!
أجابه "سعد" على مضض:
-حالا، حالا.
ليهمس الأخير بعدها لأحد العمّال مما يساعده بالنقل بغبطة وضيق واضح:
-نعمل مع الحاج "محمود"، منذ سنوات عدة ولم نعامل يوما بتلك الطريقة المهينة من قبل، من يرى نفسه ابن أمس هذا؟!
ضربه بخفةٍ فوق كتفه، يذكره بما غفل عنه عقله إن نسى:
-الغربال الجديد دائما له شدته، ولا تكثر بالحديث عن تلك الأشياء، فأنت خير عليم بالعصافير الطائرة التي تحلق حولنا؛ لنقل كل صغيرةٍ قبل كبيرةٍ، فهمت؟
هز رأسه وهو مغلوبٌ على أمره، ليحاول قليلا ربط لسانه حتى لا يتعرض لقطع لقمة عيشه من ابن صاحب عمله المدلل، يكفيه ترك أمه المريضة سعيا لعملٍ أفضل، في تلك اللحظة كان يقف "حسن" يراقب مَن مرّت من أمامه، كانت إحدى الفتيات بملابسها المدرسية وجديلتها السوداء تزين كتفها الأيمن، تعلقت عينيه بمرورها الكريم المتكرر كل يومٍ في مثل تلك اللحظة الفارقة مع نبضه الخافق داخله، يكاد يصرخ به بأن يتحرك من مكانه يتتبعها ويتحسس أخبارها حتى يعرف ابنة مَن، وأين تقطن تلك الفراشة؟، أربد وجهه سريعا بضيق جليّ عندما لاحظ تعلق عيني العامل "سعد" بمرورها مع ظهور ابتسامته اللزجة فوق ثغره الغليظ، ليحتقن غيظا كيف يجرؤ النظر لما يخصه؛ ليصرخ به صرخة أجفلت الأخير بمكانه وكادت أن تسقط من بين يديه إحدى قطع الغيار غالية الثمن نتيجة إجفاله:
-ماذا تفعل؟، تاركا عملك لتشاغل الفتيات بالطرقات!
-أنا!، لم أفعلها، كنتُ، كن..
ألجمه "حسن" يمنع استرساله بدفاعه الواهي، لقد أحرق صدره رؤيته ينظر لما يخصه حتى لو كان لا يعلم أنها تعجبه، فراح يحذره بغيظ:
-إياك والنظر لأي فتاة تمر من أمام محلاتنا، فهمت أم ترغب في قطع عيشك من هنا لتعود إلى بلدتك التي لفظتك لنا؟
فاق من شروده ودوامته الغارق بها على صوت والده يحدث أخيه الأكبر "جاسم" يطمئن عن أحواله بالخارجx ليفكر مرة أخرى، كم تعلق بها؟!، لا يعلم إلا أنه كان يذوب بها عشقا، كان متيما بحبها؟، كان!، هل بالفعل انتهي ذلك العشق المجنون بانتهاء زواجهما أم لازال يعشق عبير طلتها؟، كل ماأدركه بعد انفصاله عنها، أن روحه لا تهنأ ولا تستكين إلا بجوارها هي فقط، لذا يجب عليه التفكير جيدا كيف سيعيدها لأحضانه مرة أخرى؟، فهو لن يسمح لها بالابتعاد أكثر من ذلك يكفيه جفاء أيامه ببعدها، لقد أصبح ككلب يلهث في صحرائه القاحلة يحيطه سمائه المكفهرة، يقف على بعدٍ ليس بقليلٍ عن راويِهِ، منتظرا قطرة الغيث من سمائه السوداء الملبدة بالغيوم.
x x x - - - - - - - - - -x
(كما أن المصائب لا تأتي فُرادا، البشائر لا تأتي إلا فرادا.)
جلست تنظر بعينيها المتسعتين بتعجب واضح عما بدر من شقيقها الصغير، فهي ليست من شيمه ذلك الكرم الزائد، هزت رأسها تنهر شياطين رأسها الموسوسة، عليها الامتنان على تلك المبادرة النادرة لا الحملقة بالأكياس والتفكير بالسوء، فأشارت لتلك الأكياس باستنكار رغم سعادتها التي لم تستطيع إخفائها:
-ما تلك الأشياء"خالد"، لمَ حمّلت حالك كل تلك المصاريف؟
اعتدل في جلسته يسند مرفقيه فوق ساقيه، يبلغها بصدق:
-هذا واجب عليّ "زينب"، وقد كنت مقصرا خلال الفترة السابقة معك ومع أبنائك، اعذريني على تقصيري معك.
-لا لا ، لا تعتذر فنحن الحمد لله في ستر من الله، وأنت دائما سندا لي، لا حرمني الله منك.
تبادل الأولاد النظرات المستفهمة فيما بينهما، بتعجب لحال خالهما الغريب، فتلك المبادرة بذلك الكرم الزائد أقلقتهم جميعا ماعدا والدتهم المغيبة ذهنيا كغياب "حور" التي لا تفهم ما يدور حولها واكتفت بالحملقة في وجوههم جميعا، انتبهت "شهد" لوالدتها تأمرها بقليل من الحدة:
-هيّا يا "شهد"، سنعد عشاءً خفيفا لنا جميعا حتى يأكل خالك معنا.
-ماذا نعد؟، وليس لدينا إلا الجُبن والخبز، هل هذا يحتاج إعدادا؟!.
رمقتها "زينب" بنظرة لائمة بلعت على آثارها ابنتها باقي كلماتها، ثم اندفعت تبرر بحرج:
-لقد اشتريت من البقالة بعض الأشياء للثلاجة ولكنك لم تنتبهي أثناء عودتي.
-لا ترهقي حالك "زينب" فأنا اليوم معكم، كل ما أرغب به مسامرتكم اليوم فقط.
اندفع "زيد" بفرحةٍ يجلس على ركبتيه متعلقا برقبته، يسأله بشكٍ:
-حقا! ستبيت معنا الليلة، لا تتركنا اليوم فأمي تخاف النوم ليلا.
ارتبك "خالد" من طلب ابن اخته الصغير المباغت فلم يكن في عقله المبيت إطلاقا، فأسرع يجيبه:
-بالطبع، سأبيت معكم الليلة ولكنx بشرط عليك أن تحسن معاملتي، وتنام مثل البشر بالفراش ولا أجد قدمك بوجهي، أتفقنا.
ضرب"زيد" كفه الصغير بباطن كف خاله بحماس:
-اتفقنااا.
تدخلت زينب بابتسامتها البشوشة، تخبره بتردد:
-خالد، أريد أن أبلغك، أنني وجدتُ عملا الحمد لله، وسأبدأ به غدا إن شاء الله.
انتفضا يصرخان كلا من "شهد" و"عمر" بفرحة يحتضنها بقوة:
-أممممي، لا نصدق، أخيرا وجدتي عملا.
اندفعت "شهد" تسألها بمرحها المعتاد:
-ماهو العمل؟
سألها"عمر":
-هل ستعملين بمدرَسة؟
اندفعت"شهد" تقاطعه:
-اصمت أيها الأبله، أي مدرسة ونحن أوشكنا على الاختبارات؟، من المؤكد ستعمل مديرة بنك.
صدحت ضحكتها الرنانة من حنجرتها لا تصدق مشاكستهما لها لتلقي نظرة على ابنها الأصغر تسأله ساخرة:
-وأنت يا "زيزو" ألن تسخر أنت أيضا وتقول كلمتك لأمك.
تدخل"خالد"، وراح يسأل بفضول:
-اتركينا منهم الأن، أين وجدت عمل مناسب لمؤهلك المتوسط؟!، وهل قبلوا ارتدائك للنقاب بالعمل؟
x x x x x x xx ——————
جلست خلف الحاسوب تدخل بعض البيانات عليه كما علمها صاحب عملها، توقفت أناملها من الضغط فوق الأزرار بتوتر تبحث عن ذلك الحرف الهجائي الذي دوما يتوه عن نظرها، رفعت أناملها تضبط وضعية نقابها التي تلتزم به داخل عملها كما اعتادت منذ التزامها به، انتفضت على صوته ينبها:
-ستجديه أعلى اللوحة يسارا.
انتفضت تستقيم من جلستها تضبط وضعية ردائها الفيروزي الكتاني قائلة باضطراب واضح:
-"عدي" بك!
لامها "عدي" على تلقيبها له الدائم:
-ألم أنبهك من قبل ألا تناديني ب(بك)، اسمي "عدي" يا سيدة "زينب"، لا يعقل أسبوعان كاملان ولم تفهمي؟
-الحقيقة لم اعتاد ذلك، وأيضا أنت تناديني بسيدة فيجب عليّ مناداتك ب"بِك".
اقترب من مكتبها بابتسامته البشوشة ولحيته السوداء الساحرة يخبرها بصدق:
-إذن يا "زينب" بدون سيدة، ما اسمي الأن؟
اخفضت رأسها متهربة من مراقبته المربكة لها، تخبره بتهرب:
-السيد "عثمان" و السيدة "سها" أيضا اتصلت لتؤكد موعد اليوم، من الواضح أن السيدة "سها" تستعجل الإعلان الخاص بحضانتها، تقول أن الإفتتاح قد اقترب وتحتاج للدعاية قبل الافتتاح بفترة.
هز رأسه متفهما لحديثها، ثم وجدته يقول بخبث وهو يتحرك اتجاه حجرته الخاصة:
-إن شاء الله، كل المطلوب يسلم بوقته، ولكن لا تنسِ حرف الذال أعلى اللوحة يسار كما أبلغتك.
جحظت عينيها بصدمة فهي بالبداية لم تنتبه لمعنى جملته لها، كيف علم أنها تفشل دائما في الوصول لذلك الزر؟، كان يسيطر بقوة على ابتسامته فهو أكيد من صدمتها الأن وتخشبها خلفه، ليتوقف فجأة يلتفت لها قائلا بجدية مزيفة:
-سأنتظرك بالداخل لتجلبين قهوتي و الرسومات المطلوبة للعميلين، لا تنسين قهوتي.
هزت رأسها بصمت، متعجبة من سلوكه رغم عدم تجاوزه معها بأي تصرف يقلقها، ولكن عليها عدم التفكير في أي شيء إلا عملها، صدح صوته يحدثها من الداخل لتكشف اختفائه من المكان:
-لا تنسِ القهوة، "زينب" .
-حالا، حالا.
x x x xx ——————x x x x xx
تلفتت حولها تبحث عنه بريبة لا تعلم أينx اختفى؟، لا يعقل أن يكون قد قرر الانصراف أثناء أعدادها لقهوته التي تعلم أنها فاشلة بجدارك في إعدادها، همست بصوت متهكمٍ مسموع نسبيا: ما هذا الجنون!، هل ينقصني مختلا أخر غريب الأطوار بحياتي؟
صرخة منها شقت السكون المحيط، يليها إلقائها بحامل التقديم بالهواء لينسكب مشروب القهوة كاملة فوق ملابسها والأرض عندما وجدته يظهر على حين غرة من أسفل مكتبه، ليقف ذاهلا يجذب خصلات شعره، يقول:
-يااا الله!
قبل دقائق كان يتابع بعض الملفات والرسومات فوق شاشة الحاسوب يحاول تكبير نسبة الخط وتنسيق بعض الألوان كمراجعة نهائية لعمله قبل أن يُسلم للعملاء، ليتفاجأ بانقطاع التيار الكهربائي عن جهازه فجأة، ظل يحاول استكشاف سبب العطل بضيق خوفا من أن يكون ذلك الملف لم يحفظ قبل انقطاع التيار هذه ستكون كارثة، نزع سترته الشتوية فوق مقعده وأنخفض بجسدهx أسفل مكتبه يتلاعب بالأسلاك الكهربائية لعله يجد مصدر الخلل، أثناء انشغال عقله وتحفز جسده وتشنج أعصابه لتلك الكارثة، وصله صوتها الرقيق الساحر محدثة نفسها عنه، شق ثغره ابتسامة متلاعبة، فقد خطط إفزاعها عقابا على إطلاقها عليه تلك الكلمات، ولكن لم يدرك وقتها أن إفزاعها سيتحول لكارثة كونية بكل المقاييس، لتجحظ عينيه لرؤية انسكاب قهوته كاملة فوق عباءتها الفيروزية بشكل مؤسف ليسرع يهمس بصدمة:
-يااااا الله!
هرول اتجاهها وهو يراها ممسكة بعباءتها التي تحولت للوحة فن تشكيلي بانهيار، حاول استدراك الأمر ورفع يديه أمام وجهها معتذرا عما بدر منه، يتلفت بارتباك وهو يراها أجهشت بالبكاء، بالبحث عن محارم:
-اعتذر، اعتذر بشدة، لقد أفزعتك.
ناولها بعض المحارم بتوتر، قائلا:
-بسيطة، سكب القهوة خيرا دائما.
رفعت نظرها له ذاهلة من كلماته التي زادت من غيظها بسبب تصرفه، جزت على أسنانها تمنع نفسها من سبه وتجبر حالها على الالتزام بالصمت، كيف ستتصرف في تلك الكارثة؟ فهذا الرداء مميز لديها وتكره كثيرا إفساد ملابسها منذ صغرها كطبع سيء بها، دائما كانت والدتها تسخر من حرصها الزائد على ما يخصها. أخذت نفسا عميقا تهديء من نوبة غيظها تبعه زفرة بطيئة استمع لها، ليقول بأسفٍ واضح:
-صدقيني لم أقصد، أعتذر بشدة على اتساخ ملابسك، ولكن أنتِ أيضا عليكِ الاعتذار؛ لأن لولا حديثك عن غريب الأطوار ذلك ما كان خرج إليك بهذا الشكل.
عضت على شفاها السفلية بخجل من سماعه لما قالته عنه منذ قليل، فاستشعر ارتباكها وخجلها وأراد تخفيف وطأة ما حدث، فسألها بعملية، وكأن شيء لم يكن:
-هل يوجد لديك نسخة أخرى من الرسومات الخاصة لحضانة الأستاذة "سها"؟
-دقيقة واحدة.
تركته بعض لحظات لتدنو منه حاملة بين أصابعها شريحة الذاكرة الخاصة بها، تردف بتهذيب:
تفضل، من عادتي دوما الاحتفاظ بأي نسخ للملفات في أكثر من مكان للظروف الطارئة.
زفر بارتياح ليتخلص من تلك الكتلة الجاثمة فوق صدره، فهو لا يقبل أي تقصير بعمله وإهمال، فماذا لو كان هو سبب ذلك الإهمال والتقصير؟، رنين هاتفه الخاص منعه من تبادل الحديث معها فتقع عينيه على اسم يمثل له السكينة والسعادة، لاحظت هي تبدل ملامحه المشدودة لملامح أكثر ارتخاءً، لينتشله يجيب بهدوء وابتسامة تزيين ثغره المختفي خلف شاربه:
-"روكا" قلبي، ماهذا الكرم المفاجيء؟! لابد أن خلف تلك المكالمة المبكرة على غير العادة طلبا صعب المنال.
كانت أول مرة منذ عملها تشاهده يتحدث بإريحية مطلقة كما يفعل الأن ابتسمت بداخلها على مرحة ومشاغبته مع من تحدثه لابد أنها زوجته، ففضلت الانصراف إكمالا لعملها والتفكير كيف ستحل مشكلة اتساخ ملابسها؟، كيف ستصل لبيتها بتلك الملابس فهيx تشعر بالاحراج من ذلك الموقف غير المتوقع ابدا.
x x x x x x x —————-
خرج بعد إنهائه لمكالمةx ابنة اخته "رقية" حيث اكتشف انسحابها الصامت من المكان، فخرج يطلب منها الاتصال بأحد المهندسين المسئولين عن صيانة الحواسيب، وإبلاغها عن بعض الأمور الخاصة بموظفي المكتب، ليثبت مكانه وقد اشتعل صدره سعيرا لايعلم سببه عندما وجدها تتبادل الحوار بإريحية هكذا صُوّرَ له مع أحد موظفيه، فاندفع يرحب به بعد غيابه وانقطاعه عن العمل ونظره ثابت على وجهها:
-أهلا سيد "علي"، أتمنى أن تكون قضيت أجازة مرضية سعيدة.
-سيد"عدي"، شكرا لك، كنت من لحظة واحدة أتبادل التعارف مع "زينب" لقد تفاجأت بتوظيفك لسيدة بمكتبنا وهذا يخالف مبادئك اعذرني.
بادله النظرات الغامضة التي جعلت الأخير يبتلع باقي كلماته، وهو لا يعلم ما هو الخطأ في قوله أو لمَ يرميه بتلك النظرات الغريبة، فسمعه ينطق كلماته ببطء كأنه يريد إرسال معنى مبطن بحديثه، أن لا يأمل بتجاوز بينهما:
-من الجيد أنك تعرفت على السيدة..."زينب".
ثم ولّى اهتمامه لتلك الثابتة تراقب حديثهما بفضول وقد استشعرت من تأكيده على لفظ (سيدة) أن هناك أمر تجهله، فقطع شرودها عندما أمرها بصرامة:
-لقد انتهى عملك اليوم "زينب"، يمكنك الانصراف الأن، وأنت يا "علي" عليك الاتصال بأحد المهندسين لإصلاح عطلا بحاسوبي الخاص.
انصرف من أمامها ليتركهما على ثباتهما متعجبان من حالته المتقلبة.
حتى حدثت نفسها ولكن تلك المرة بصوت غير مسموع:غريب الأطوار فعلا.
x x x xx ——————
ماذا ستفعل الأن لقد اشتد المطر وساء الطقس وهذا مالم تحسب حدوثه، تحركت بضع خطوات للأمام بخطوات محسوبة خوفا من ابتلال حذائها الجلدي بالمياه التي تغمر الطرقات، وعندما حفزت حالها للتلويح لإحدى سيارات الأجرة النادر مرورها في مثل ذلك الطقس، تراجعت مهرولة للخلف لتفادي رزاز المياه الناتج عن سرعة اندفاع السيارة أمامها، أطلقت سبّة داخلية على غباء سائقي المركبات، لم لا يراعون غيرهم من البشر العالقين في مثل ذلك الجو السيء، رفعت كف يدها البارد تنفض قطرات المياه التي تعلقت بنقابها، ليصلها صوتا رجوليا خلفها يقول:
-"زينب"؟، ألازلتِ هنا؟
التفتت على ذكر اسمها عاقدة حاجبيها بشدة، لتجد زميلها الجديد المدعو "علي" بابتسامته اللزجة، فأسرعت تبرر:
-المطر ازداد، سأجد وسيلة قريبا.
-لا تفضلي معي، أوصلك بسيارتي الخاصة لمنزلك، لن تجدي أي وسيلة في مثل هذا الطقس البارد.
ارتبكت "زينب" من أريحيته في التعامل معها وهذا لا تستسيغه ولن تقبله عامةً، وخاصة لظروفها كمطلقة يجعلها أكثر حرصا مع الآخرين حفاظا على سمعتها فاعتذرت مرة أخرى بلباقة وولته ظهرها كردا صامتا منها لعدم رغبتها في النقاش، تفاجآ معا بصوت "عدي" شبه الحاد ينهي حوارهما:
-لا تشغل عقلك "علي" بأمور السيدة "زينب"، اركب سيارتك وعد لمنزلك قبل ازدياد المطر.
راقب انصرافه بهدوء من أمامهما، ثم بادر يطلب منها بنبرة مختلفة عن نبرته مع الآخر:
-تفضلي معي "زينب"، سأقلك لمنزلك.
ازدادت غيظا من السماح لنفسه ما يمنعه عن غيره فاندفعت تقول بحدة:
-لا، اعذرني "عدي" بك سأستقل سيارة أجرة للمنزل، تفضل أنت في رعاية الله.
رفع حاجبه وابتسم على حدته وطريقة رفضها، ثم اقترح لها وقد لاحظ ازدياد انهمار المطر وقلة مرور السيارات:
-اعتقد أن سائق الأجرة رجل غريب عنك أيضا، وغالبا لن تجدي سيارة متوفرة الأن فلا تعاندي، واعتبريني سائقك الخاص، على الأقل ليوم واحد.
-لا.
رفضها كان كقنبلة هيدروچينية ألقت بوجه، فصمت لثواني ليتفاجأ بإشارتها لإحدى السيارات لتستقلها فاندفع سريعا قبل أن تصل للمقعد الخلفي يجلس هو بمقعده المجاور للسائق تحت نظراتها المذهولة المصدومة لجنونه، يتبع أمره للسائق بصوت أجش:
-شارع(•••) إذا سمحت.
جحظت عينيها وألجم لسانها عن الاعتراض وخاصة عندما ألتفت إليها ليرسل لها نظرته المتلاعبة التي لم تستسغها، ولكن مهلا كيف علم بمكان سكنها؟!، هل يراقبها غريب الأطوار هذا أم ماذا؟

———-
نهاية الفصل الرابع

Wafaa elmasry 05-03-21 10:20 AM

رواية جميلة و أسلوب رائع و شيق
استمرى و بالتوفيق

ام زياد محمود 07-03-21 01:13 AM

ويفيد بإيه الندم بعد غبائك ياحسن

للأسف ساب امه تتحكم فى حياته وتفرق بينه وبين زوجته اللى حبها بس مقدرش يتعامل معاها بموده وحنيه

دلاله الزائد وتربيته المرفهه خلته فاكر ان كل حاجه تحت ايده وتحت امره

خالد مش مرتحاله ايه الكرم الزايده دا اللى يخليه يجيب هدايا لأخته وولادها

عجبنى اوى تصرفات عدى مع زينب هيجننها ان شاء الله

الفصل روعه تسلم ايدك

وسام الأشقر 08-03-21 07:43 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود (المشاركة 15397716)
ويفيد بإيه الندم بعد غبائك ياحسن

للأسف ساب امه تتحكم فى حياته وتفرق بينه وبين زوجته اللى حبها بس مقدرش يتعامل معاها بموده وحنيه

دلاله الزائد وتربيته المرفهه خلته فاكر ان كل حاجه تحت ايده وتحت امره

خالد مش مرتحاله ايه الكرم الزايده دا اللى يخليه يجيب هدايا لأخته وولادها

عجبنى اوى تصرفات عدى مع زينب هيجننها ان شاء الله

الفصل روعه تسلم ايدك

تسلمي حبيبتي ويسلم متابعتك
😍😍

وسام الأشقر 16-03-21 03:04 PM

الفصل الخامس
 
الفصل الخامس
—————-


(أحيانا تدفعك الظروف لاجتياز أصعب الاختبارات بدون رغبتك إجبارا، فإما أن تثبت جدارتك بقوة أو تنسحب بخزي الجبن).
x xx - - - - - - -
بعد شهرٍ وقد اعتادت عملها وخط سير حياتها، أصبحت حياتها وأولادها أكثر استقرارا من ذي قبل، نعم هي لم تجد كل الراحة التي كانت تعتادها قبلا في بيت أبيها وطليقها حتى الأن، ولكن على الأقل حصلت على بعضٍ منها، فالجانب الأهم لها الجانب المادي وقد نجحت في توفيره لأسرتها، انتبهت لرنين هاتف مكتومٍ صادر من مكتبه، فعقدت حاجبيها باسترابة من أمره فقد مرّ على رحيله أكثر من ساعة لتسليم إحدى الإعلانات لمركز تجاري جديد، هل يعقل أن يكون قد نسى هاتفه الخاص؟، تحركت اتجاه مكتبه تدفع بابه بحرص و تضيء أنواره بعد انقطاع الرنين ليعود الرنين مرة أخرى بإصرار من الطرف الأخر، وقع عينيها على هاتفه يضيء باسم "روكا"، ترددت بالإجابة على مكالمة زوجته، لعلها تظن بها السوء إن أجابت على هاتفه الخاص، فقررت أخيرا بألا تجيب وكأن الطرف الأخر قرر أيضا الاستسلام وانقطع الرنين ، زفرت براحة لصمته وتراجع زوجته عن الإلحاح بالاتصال، وصلها صوت زميل عملها "علي" بفضول:
-ما بكِ؟، هل حدث شيء؟
إلتفتت تضبط وضعيها نقابها كعادتها عندما تهاجمها نوبة الاضطراب قائلة بصوتٍ جادٍ:
-لا لم يحدث شيئا ولكن من الواضح أن السيد "عدي"، قد نسى هاتفه الخاص، فزوجته تلح بالاتصال.
-زوجته!
رنين متواصل مرة أخرى قطع حديثهما، فطلبت منه بخجل:
-اجب أنتَ على اتصال زوجته.
-"زينب" الأستاذ "عدي" غير متزوج إنها روكا -رقية- ابنة أخته.
قالها "علي" عندما لمح هوية المتصل باسم (روكا الساحرة)، فهو على دراية مسبقة بتلك الطفلة عندما حضرت معه بعمله يوما، انتشل الهاتف بقلق يخبرها:
-اتصالها المتكرر سرّب القلق بقلبي.
رفع الهاتف وقبل أن يلقي التحية وصلها صوت الطفلة الباكي بكلمات متقطعة غير مفهومة:
-"عدي"، ساااااعدني.
x x x xx —————-
(أحيانا تدفعك الظروف لاجتياز أصعب الاختبارات بدون رغبتك إجبارا، فإما أن تثبت جدارتك بقوة أو تنسحب بخزي الجبن) .
جلست أمام باب تلك الغرفة المغلقة في إحدى المستشفيات الاستثماري تنتظر مرور أي طبيب لتسأله عن حالة تلك المصابة بقلق، ولكن حقيقة الأمر كان أكبر قلقها على غيابها عن أولادها الصغار لقد تخطّ الوقت موعد انتهاء عملها، فكرت أكثر من مرة بأن تتراجع عن انتظارها وتترك الأمر لزميلها المختفي مؤقتا لتدخين سجارته بالخارج مصطحبا "رقية" معه لشراء بعض الحلوى، ولكن تعود توبخ حالها بأن من الذوق وباب الواجب الانتظار قليلا حتى عودة ذلك المختفى منذ الصباح عن مكتبه، انتبهت لفتح باب الغرفة أخيرا فاندفعت تسأل باضطراب كأنها فردا من العائلة، فأجابها الطبيب بعملية بحتة:
-الحمد لله، الحالة تم ضبط نسبة سكرها لقد ارتفعت نسبته مما أدى لحالة الإغماء التي تعرضت لها، وتم تقطيب جرح الرأس، ستكون بخير إن شاء الله.
حيّت الطبيب وشكرته بامتنان، ثم ترددت للحظة أن تدخل تطمئن على تلك السيدة فربما تحتاج شيئا وهي الأن وحيدة، ولكن أين ابنتها وكيف لها أن تترك طفلتها في رعاية تلك المسنّة المريضة؟ وهي على علم بحالتها الصحية، نهرت نفسها بشدة محدثة نفسها: أنتِ لا تعلمي ظروف الأخير لتحكمين عليها.
x x x x x x —————
-اسمك"زينب".
-نعم.
ابتسمت العجوز على توتر تلك الخجلة وارتباكها المبالغ منذ دخولها، فسألتها مرة أخرى مندفعة بقلقها بعد تذكرها شيء هام:
-"رقية"!، أين حفيدتي؟
اقتربت منها "زينب" تربت فوق كفها الممتليء بعروقها البارزة فتوشي بتقدم عمرها:
-اهدئي إنها مع الأستاذ "علي" يبتاع لها بعض الحلوى، لا تقلقي.
زفرت "سليمة" براحة غريبة لتلك المراقبة لها بفضول، ثم سألتها مرة أخرى:
-ألست الموظفة الجديدة لدى ابني "عدي"؟
-نعم، أنا.
-لقد حدثني "عدي" عنك، وقال أن لديك أبناء.
ابتسمت "زينب" ببشاشة، فهي غير متعجبة من تصرفه بأن يقص لوالدته عنها:
-لدي أربعة أبناء، بنتان وولدان.
-ماشاء الله اللهم بارك.
ثم تحولت نظرة الأخيرة للأمام شاردة فيما يؤلمها تهمس بألم:
-كم كنت أتمنى أن أحمل أحفادي من "عدي"، نحمد الله على كل شيء، حظه قليل منذ صغره.
-لمَ لم يتزوج حتى الأن؟.
عضت بأسنانها على لسانها، توبخ حالها على تسرعّها في سؤالها، خشت أن تفهم العجوز اهتمامها بأبنها، ولكنها تعجبت أنها أجابتها بنبرة حزن أكبر من ذي قبل:
-"عدي"، يرفض الفكرة وأنا متأكدة أن اتخاذ تلك الخطوة مستحيل، لذا يعوض حرمانه من الأطفال برعايته ل"رقية" ابنة أخته.
انهت كلماتها بسعالٍ مفاجيء، فأسرعت تساعدها بارتشاف بعض المياه لتهديء نوبة سعالها، جلست مرة أخرى بعد أن هدأت العجوز "سليمة" من نوبة سعالها، يأكلها القلق على أولادها ووصل ذلك بوضح لتلك المراقبة فاقترحت عليها بلطف:
-شكرا لك على تعبك، يمكنك العودة الأن لأولادك من المؤكد أنهم يحتاجوك أكثر لتكونِ بجوارهم.
-سأقوم بالاتصال بابنتي الكبرى أطمئنهم، فهم غير معتادين على تأخري.
-اعتذر مرة أخرى سامحيني بنيتي كل هذا بسببي، من المؤكد زوجك أيضا قلقا، عليك الانصراف فأنا بخير الأن.
شردت "زينب" في حديثها فيبدو أنّ ابنها لم يعرض عليها ظروفها وحالتها، ولكن ماهو حل تلك المعضلة؟، أعليها تركها وحيدة هي وحفيدتها وترك أبنائها الصغار أم الانتظار لبعض الوقت؟. ثم تفاجأت بطلب العجوز:
-ألن تكشفين وجهك حتى أتعرف عليكِ؟.
قطع حديثها طرقات متتالية يتبعها فتحه فتظهر من خلفه حفيدتها التي لم تتجاوز الأربعة أعوام حاملة بين أحضانها الكثير من الحلوى والعصائر، وابتسامة تزيين ثغرها الرقيق يفصح عن فوزها بقطعة من الجنة من بين أحضانها.
x x x x x —————
أتخذ ممر المشفى بخطوتين واسعتين يبحث بعينيه عن رقم الغرفة بقلبٍ محطم، لايصدق حتى للأن ما أبلغته به جارتهم المسنّة عن سقوط والدته وإصابتها في عدم وجوده. لام نفسه كثيرا على إهماله لوالدته وابنة أخته الصغيرة وقد لاحظ مرضها وعدم اتزانها منذ الصباح، لمح "علي" مستندا على إحدى الجدارات يتلاعب بهاتفه بتركيزٍ عالٍ، فاقترب مسرعا يقول مرتعبا:
-"علي"؟ لما أنتَ هنا؟!، ماذا حدث لأمي؟، هل أصابها مكروه؟، تكلم، لقد صدمت عند عودتي للمنزل بأن عربة الإسعاف قامت بنقلها إلى هنا.
-اهدأ سيد "عدي"، الطبيب طمأننا وهي الأن بالداخل، لقد كنا بانتظارك.
لم يرعَ اهتمامه صيغة المثنى للاستفسار أكثر من ذلك أو من هم من كانوا بانتظار، فاندفع يفتح الباب بقوةٍ ملهوف يليها صرخة أنثى ثبّتته كتمثال فلاذي بمكانها مُتمني أن تنشق الأرض وتبتلعه في تلك اللحظة الخطرة.
قبل دخوله بلحظات جلست بخجل واضح من مبادرة العجوز بطلبها بكشف وجهها، لبت رغبتها بخجل
فهي غير معتادة على كشف وجهها خارج بيتها أمام الغرباء حتى السيدات، هكذا اعتادت منذ اتخاذها قرارها منذ أن قررت الإلتزام به، ابتسمت عندما عادت بذاكرتها لعشر سنوات مضت عندما شنّت ضدها أكبر حملة مضادة من عائلة طليقها وخاصة والدته وأخته ليمنعها طليقها من ارتدائه حتى لا تكن على غير شاكلتهم وأسلوب حياتهم، انتبهت لبسملة العجوز، وترديدها كلمات التحصين من الحسد فازدادت حمرة وجهها بشكل ملفت وخاصة مع بياض بشرتها الغير متعرضت لحرارة الشمس منذ سنوات، حتى أثنت العجوز على ملامحها الهادئة:
_له كل الحق زوجك أن يلبسك ذلك النقاب، ويخفيك عن الأعين0
_شكرا لكِ هذه مبالغة ف000
صرخة صدرت منها عندما باغتها فتح الباب دون طرقه، لتسرع لإخفاء وجهها بكفيها كرد فعل دون الانتباه بهوية المتطفل على الحجرة، أما عنه لقد ثبت غير مدرك للخطأ الصادر منه. فزعته تلك الصرخة وألجمته بجانب صدمته بوجودها بجوار والدته، أسرع في إغلاق الباب متسارع الأنفاس، يلهث بعنف من شدة توتره وإحراجه فلم يجد إلا "علي" يطلق عنان غضبه وغيظه بوجهه فراح يصرخ به:
_لمَ لم تبلغني بوجود أحدٍ بالداخل، ما هذا الغباء!.
اكتفى "علي" بالصمت فهو لم يسعفه الوقت لإبلاغه بوجود "زينب" مع والدته داخل الحجرة لقد أسرع في الدلوف باندفاع قبل أن يكمل جملته، ثم سمعه يسأله بفضول بعد هدأت نوبة توتره من الموقف المحرج كأنه استعاد توازنه أخيرا وأدرك غرابة وجودها مع والدته:
_كيف علمتما بما حدث؟
_لقد وردنا اتصال من "رقية" على هاتفك، لقد تركته بمكتبك قبل خروجك لتسليم العمل، وعندما وصلنا للمنزل كانت قد تحركت عربة الإسعاف بالفعل للمشفى، لقد قامت إحدى الجارات بالاتصال بهم بعد أن طلبنا من "رقية" الخروج من المنزل والاستعانة بالجيران لحين وصولنا، تلك الطفلة بطلة حقيقية.
_هل كانت "زينب" معك كل تلك المدة؟
_نعم، أصرت عدم ترك الوالدة و "رقية" لحالها، رغم تأخر الوقت.
رفع كفه يمسح فوق لحيته يخفى ضيقه من مصاحبته لها كل تلك الفترة لحالها، ثم طلب منه بتهذيب:
_يمكنك الانصراف الأن، شكرا لك "علي".
_لا شكر على واجب سيد "عدي"، سأنتظر حتى أقلّ "زينب" لمنزلها، فالوقت قد تأخر الأن.
قاطعه بصرامة لم يستسغها الأخر:
_من الأفضل عودتك لزوجتك، من المؤكد أنها قلقة الأن.
كاد أن يجادله ولكن قبضة مؤلمة طالت ذراعه من كف "عدي" أخرسته ومنعته عن المجادلة، لينصرف بعدها يتميز غيظا من تحكمات رب عمله غير المبررة ولكن ما استرعى اهتمامه اليوم رؤية اعتنائه المبالغ فيه في كل ما يخص زميلته"زينب".
x xx ------------------
قبض بيديه فوق طارة القيادة يكبح توترا كانت سببا فيه، نعم لم تكن المرة الأولى له معها، فدائما تجمعه الأوقاتx منفردين بحكم العمل وضغطه الدائم، ولكن تلك المرة كانت مختلفة يشعر بمشاعر جمّة يحاول تجاهلها كلما واجهها أو اجتمع بها، رفع نظره لمرآته الأمامية يراقبها خلسة وهي شاردة في الطريق ملتصقة بجسدها بباب مقعدها فهيأتها المضطربة جعلته يبتسم غصبا، انتبه لحركة يدها تربت فوق رأس ابنة أخته الغافية فوق قدميها بعاطفة أمومية فطرية قسمت قلبه لنصفين، أراد لفت انتباهها وتجاذب الحديث مستغلا تلك اللحظة النادرة:
_شكرا على ماقدمته اليوم من مساعدة.
أجفلت من حديثه الذي انتشلها من شرودها في الماضي الأليم:
_لم أفعل شيء غير الواجب سيد"عدي".
_من الواضح أن روكا تعلقت بك كثيرا، فإنها غير معتادة على التجاذب مع الغرباء.
_إنها لطيفة جدا تذكرني ب"حور" ابنتي الصغرى، كثيرة التعلق بي، ولكن اعذرني على تدخلي، من سيبقى مع والدتك فالطبيب لم يأذن بخروجها إلا بعد يومين.
_أنا من سأبقى معها فترة إقامتها بالمشفى، لم يتبقّ لها إلا أنا.
_أين شقيقتك، والدة "رقية"؟
آثر الصمت لبضع دقائق زافرا كمية لابأس بها من الهواء رئتيه يتبعه قوله بروحٍ متأزمه ظهرت بنبرته الشجية:
_شقيقتي، متوفاه منذ ثلاث سنوات.
ساد الصمت بالمكان بعد أخر كلماته القاسية كانت وقعها كمنجل يمزق نياط قلبيهما معا، واعتذارها المختصر عن سؤالها، لم يدرك هو تأثير كلماته عليها التي تمثلت في تشديد ضمتها لتلك الغافية بأحلامها _الوردية_ غافلة عن بشاعة الكون من حولها، جاهلة هي عمن أغرق وجهه بدموعِ ذكرى فقيدته_توأمه_ من أغتيلت بمنجل الموت، مخلفة خلفها طفلة بعمر العام الواحد كان لها أبٌّ قبل أن يكون خالا، أسرع يخفف حدة كلماته بعد أن مسح على وجهه يمحي دموعه الهاربة:
_كيف الحال مع والد أولادك، هل يداوم على زيارتهم والاطمئنان عليهم؟
_للأسف لا، أقصد أنه يكتفى بمحادثتهم إن أمكن، لقد رفع دعوى الرؤية لقد اقترب موعدها.
_والد "رقية" أيضا يطالب برؤيتها، بعد أن هجر والدتها وأسرع في زيجته الثانية وخلف ورائه طفلته بأنانية. الأن يعود يطالب برؤيتها، أعتذر عن إنفعالي؛ فالحديث عنه يغضبني.
فضلت عدم التجاذب بالحديث وآثرت الصمت لحين الوصول فتلك المرة الأولى لها التي تتحدث معه في أمورها الشخصية بتلك الصورة، توقفت السيارة لتكتشف وصولهم لمكان سكنها، أسرع هو بالهبوط يفتح لها باب السيارة منتظرا خروجها، ظلت مكانها للحظة محتارة في أمر تلك الطفلة التي اتخذت قدميها وسادة لها، كيف سيعود المبيت بالمشفى ومع الطفلة؟، لاحظ هو عدم رغبتها في إيقاظ الطفلة، فأسرع يعتذر وينحني اتجاهها في محاولةٍ جذب الطفلة منها قائلا:
_اعتذر، سأحملها عنك.
نظر لها عن قربٍ كان أول مرة يكون بذلك القرب الذي يسمح له بالتمعن في لون عينيها الظاهر أسفل غطاء وجهها، تلبكت من ذلك القرب الخطر بقدر تلبكهx اضطرابا و الذي ظهر بأنفاسه المطربة، فأسرعت تطلب منه بخجل واضح:
_سيد"عدي" هل يمكنك الإبتعاد قليلا؟
صدم من ملاحظتها البسيطة، وتصرفه المراهق ليتحرك بحركة غير مدروسة بسرعة فصدرت منه تأوها مكتوما نتيجة ارتطام رأسه بحافة السيارة.
وقف يدلك رأسه المتألم يلملم ابتسامته إحراجًا، بعد أن وصله ضحكتها الخافتة مع محاولتها لكتمها سريعا، فأسرع يختم المشهد الساخر بكلماته:
-يالغبائي!
بعد لحظات كان يصعد درجات بنايتها بفرحة عارمة سكنت لبّه كاملا، بين ذراعيه طفلته الغافية، يردف خاجلا من الموقف برمته:
_أمتأكدة أنني لن أثقل عليكِ؟
_بالطبع لا، سيحبونها الأولاد، وأيضا ليس لديك خيارا آخر، فأنت ستكون مشغولا بالوالدة حتى تتحسن حالتها وتعود لبيتها.
وصلت لباب شقتها فألتفتت تمد يديها بهدف حملها منه:
_بعتذر لن أستطيع دعوتك للداخل.
ابتسم وقد فهم ماتقصده وترمي إليه، فهز رأسه متفهما يخبرها:
-بالطبع، لا داعي للاعتذار.
أجفلا كلاهما عندما فتح الباب على مصرعيه ليظهر من خلفه أطفالها مفزوعين، كانت أبنتها الكبرى أول من قطعت الصمت:
-أمّي، لمَ كل هذا التأخير، ماذا حدث؟
رفعت "شهد" عينيها مجفلةً عندما لاحظت وقوفه، فكان شقيقها أسرع في السؤال وهو يتفحصه بفضول:
-من هذا؟
نظرت له بعينيها البندقتين تعتذر بصمت عما يبدر من ابنها، لا تجد ما تقوله لأبنائها من مبررات لإحضار رجلا غريبا ليلا لمنزلهم، فأسرع يعرف نفسه لرجل البيت الصغير دافعا عنها الحرج:
-من المؤكد أنك "عمر"، لقد قصت عنك والدتك ولكني لم أتخيل أنني سأقابل رجلا.
مدّ كفه بغرض مصافحته بهدف تخفيف وطأة الموقف، و التعريف عن حاله:
-أنا "عدي"،x زميل والدتك بالعمل.
تحفز "عمر" له، وشعر ببعض الغيرة على والدته، ثم مد كفه يبادله المصافحة بصمت طفلٍ مرتعبا من ضياع أمه من بين يديه، ثم تابع "عدي" يقول بجدية:
-أمّا عن سبب وجودي فستقص عليك والدتك السبب، ولكن هل يمكنني سؤال رجل البيت في استضافة طفلتي لديكما تلك الليلة.
أسرعت "زينب" تبرر موقف أولادها بإحراج من تصرفاتهم، ولكن حركة من كف يده المرفوع أمام وجهها أمرتها بالصمت، فراح يكمل:
-لا تتدخلي بحديث الرجال، فأنا يجب عليّ استئذان رجل البيت أول.
شعر ابنها بالفخر لتقدير ذلك الغريب له على عكس ما يصدر من والده، فرفع أنفه الصغير وهو يقول:
-لا بأس في وجودها معنا.
x x
********************

(وقد قُضِي عليه لا محالة، فقد سقط صريعا لعشقها الصامت).
--------------
-ما معنى أنكِ لم تجدي سلسالك الذهبي، هل هو إبرة بكومةِ قش؟ يصعب إيجاده.
ضربت"نرجس" فوق فخذيها بجنون:
-من المستحيل، لقد وضعتها بيدي هنا أنا متأكدة من قولي.
أجابها زوجها "كمال":
-لا عليك سأشتري لكي سلسالا عوضا عن المفقودة.
-أقول لك وضعتها هنا فأنا متأكدة، ولكن انتظر، أين الخاتم الذهبي الذي أهديته لي بأخر بيعة لبضاعة المخزن الشهر الفائت؟، فهو مفقود أيضا.
شردت بعينيها للفراغ غير مستوعبة مايحدث فتردد بصدمة: أيعلق أن يتم سرقاتنا؟
-مَََََن الذي يجرؤ على فعلتها، هل دخل غريبٌ لبيتنا الفترة السابقة؟، ألم تستغني عن خادمتك منذ شهرين؟!
ظلت تحارب شكوكها اتجاه شخصٍ بعينه، فأجابته بغيظ تملك منها:
_الخادمة لم تدخل البيت منذ شهرين كما قلت وأخر مرة ارتديتها هي وخاتمي الذهبي عندما ذهبت لتقديم واجب العزاء لزوجة المعلم "محروس" منذ ثلاثة أسابيعٍ تقريبا، أنت تعلم أنني أفضل ارتداء مصاغي كاملا في كل المناسبات حتي لو كان عزاءً.
_إذا ستجدينها إن شاء الله.
وقفت تفكر بعمقٍ ماذا لو صدق حدسها وتيقنت أن السارق ليس إلا زوجة ابنها الجديدة، تلك المرة سيصعب توجيه تلك التهمة كمافعلت بالسابق مع الأولى لن يصدقها أحد تلك المرة بدون دليل، ماذا عليها أن تفعل؟ في تلك الورطة؟
x x xx ***********
_أمّي، فأنا لا أرغب في الذهاب للمدرسة.
قالها "عمر" بصوت مهزوز ضعيف _خائف_ من رد فعل أمّه على طلبه الخطر، ألتفت هي برأسها أثناء إعدادها لبعض الشطائر كوجبة عشاء بسيطة لهم، ثم قالت بعدم فهمٍ:
_هل هناك مشكلة؟
عندما طال صمته وانحناء رأسه، فكرت مليا:لمَ لا يأخذ هو وأخوته يوما للراحة؟، سيكون ذلك أفضل لها خلال الظروف الطارئة التي فاجأتها اليوم من استضافة تلك الصغيرة، انتبهت لصمته الطويل فاندفعت تطمئنه بحنانها:
_لك ما تريد، سأسمح بتغيبكم غدا فقط، ولكن أعلم أنه أمرٌ طارئ، لن يتكرر.
_ولكنني أقصد أنني لا أرغب في الذهاب للمدرسة مرة أخرى.
انتفضت من حديثه الغريب، ظلت تنظر لملامحه الواجمة للحظات تلتمس الهزل في حديثه، فنطقت غير مستوعبة ماقاله:
_ماذا قلت؟، عن أي رغبة تتحدث؟، هل أنتَ جاد؟، تكلم، هل أنت جاد؟
انتبهت لرنين هاتفها المتواصل، وكانت تلك فرصته لهروبه منها يأمن بطشها وعقابها على ما تفوهت به شفتيه، أما عنها وقفت تلملم خصلات شعرها السوداء الهاربة من وثاق شعرها ثم اتجهت تجيب على عجالة بحاجب معقود عندما تبينت هوية المتصل، قائلة برسمية لم تتمكن خلالها إخفاء ضيقها من حديث ولدها:
_السلام عليكم.
صمتت لدقائق لتستمع لرد سلامه وحديثه باهتمام، ثم صرخت مجفلة منه قائلة:
_ماذا تقصد بأنك أمام باب بيتي سيد "عدي"، لم أفهم، لمَ عدت مرة أخرى؟، اسمع سيد "عدي" هذا التصرف غير لائق فأنا سيدة مطلقة أعيش مع أولادي بمفردنا، لايليق بك تلك التصرفات.
لملم ابتسامة حاربت للظهور لقد سعد كثيرا أنها قد بدأت بالتخلي عن تحفظها معه وبرودها المغيظ، فأخبرها بنبرته الرجولية المميزة محاولا إثارة غضبها أكثر، كم يعجبه هذا:
_ماذا فعلت أنا سيدة "زينب"، لمَ كل هذا الهجوم؟، كل هذا لأنني أطلب منك فتح الباب للحظات؟ أنه مطلب ليس مخالف للطبيعة.
تحركت بجسدٍ منتفض ترتدي إسدال صلاتها وفوقه نقابها، واندفعت تفتحه مغتاظةً من بروده:
_أرجو أن يكون الأمر هاما سيد "عدي".
رفع عينيه يمررهما على ملابسها المزرقشة ونقابها الذي يخالف حديقة الألوان الزاهية المبعثرة فوق ملابسها، ثم مدّ يديه بما يحمله من أكياس عدة، فعقدت حاجبيها باسترابة:
_هذه فطائر البيتزا المفضلة لدى "روكا" وأعتقد جميعهم سيحبونها.
ظلت تنظر له بعينين متسعة مصدومة، هل يَصْدق في قوله؟، يجلب الطعام لمنزلها!، أيظن أنها لن تستطيع توفير وجبة العشاء لأبنة أخته الصغيرة، هل يقصد إهانتها أم ماذا؟، تكلمت عندما وجدت صوتها أخيرا ولملمت دهشتها سريعًا قائلةً:
_هل تلك مزحة؟، تأتي لمنزلي في ذلك الوقت المتأخر لتحضر طعام العشاء؟
_اعتذر عن تأخري فأنا جاهلٌ بمنطقتكم، ظللت أبحث عن مكان يقدم الوجبات السريعة، وها أنا هنا بعد عناءٍ مرير.
لم تلق مزحته أثرها عليها، وقفت تحتضن جسدها بذراعيها متحفزة للعراك، لتتفاجأ به يأمرها برسمية أدهشتها من تحوله المفاجئ:
_سيدة"زينب"، الطعام... سيبرد!
ختم كلماته بحركة من حاجبه يشير خلفها لتتفاجأ بوقوف حشد من المتفرجين متكون من أولادها و"رقية" حتى "حور" الصغير تحركت تشاهد ذلك الحدث وهي مستمرة بِعَضِ لعبتنا المطاطية باستمتاع، أرادت لملمت الموقف سريعا، فانتشلت الحقائب من بين يديه تشكره باختصار قصدته:
_شكرا لك.
ثم ناولت "شهد" الحقائب تأمرها بهدوء:
_هيّا ادخلي تلك الأكياس وتناولي الطعام مع أخوتك.
استغل فرصة انصراف الأطفال فتنحنح قائل بصوت هادئ:
_شكرا لك على قبول دعوتي، فأنا متأكد أنك كنتِ تعدين وجبة العشاء الآن لحظة وصولي للباب، فالحقيقة أشفقت عليكِ فأنتِ منذ الصباح بالخارج ومن المؤكد قد تملك منك التعب والإرهاق.
صدق في قوله كأنه يشعر بآلامها، فكل عضلة بجسدها تأن إرهاقا مناجية النوم والراحة، فهزت رأسها بحرجٍ واضح على هجومها العنيف منذ لحظات، وأردفت بصوت هامس:
_أشكرك لاهتمامك، فأنا كنت بالفعل أعدُّ وجبة العشاء، كنت أتمنى أن تسمح لي الظروف لدعوتك لتناولها معنا، ولكن أنت تعلم الوضع.
_أعلم "زينب"، هل تريني رجل لا يفهم بالأصول؟
وضع كفّيه بجيبيه يخفيهما حتى لا تريx اهتزازهما في حضورها، ظل يقبض على كفيه بقوة يحارب ضربات قلبه المتسارعة، لمَ مؤخرا أصبح أكثر توترا بوجودها فهي مختلفة هو متأكد من ذلك، ترى هل تعلق بها بالفعل تلك الفترة القصيرة لمجرد رؤيته لملامحها في هويتها الشخصية؟، ماذا لو رآها بدون غطاء وجهها الآن على الطبيعة ولا يفصلهما إلا عدة سنتيمترات، لم يستمع لنداءاتها المتكررة التي انتشلته من شروده بها في حضورها:
_هل تقولين شيئا؟، لم أنتبه.
_كنت أخبرك بأنني سأمر على الوالدة غدا بالصباح الباكر، حتي تستطع العودة للمنزل والحصول على بعض الراحة، ولا تقلق على "رقية" سأحضرها معي.
ابتسم ابتسامته الجذابة مع ثبات خاصتيه على عينيها، ثم أردف بثقة زغزغة لبها:
_من قال أنني قلقا، مادمت أنتِ موجودة، فأنا أكثر من مطمئنٍ بل في الحقيقة أكثر من ممنونٍ للظروف التي جعلتني واقفا أمام باب منزلك الآن.
ظهر توترها بوضوح من تلميحاته المتوارية، فرفعت أناملها بحركتها الواهية تضبط نقابها وعينيه تتابع حركة أناملها الرفيعة البيضاء، ثم هربت من أمامها تنهي الحوار بينهما بارتباك واضح:
_شكرا لثقتك، اعتذر فأنا مضطرة لأغلاق الباب الآن.
كادت أن تغلق بابها في وجهه متخلية عن آداب الاستضافة،x لكنه أوقفها قبل الإغلاق يخبرها:
-هل يسمح لي الاتصال بهاتفك للاطمئنان عليها، أم سيعد تجاوزا؟
هزت رأسها بصمت بالموافقة، ثم أختفت من أمامه خلف بابها مغمضة عينيها ترفع كف يدها اليمنى تريحه فوق نبضاتها المتمردة _المتسارعة_ التي تنبؤها أن أمرها لن يصبح كما كان قبل رؤيته. لن تعود كما كانت عليه، غافلة عما أراح جبهته فوق بابها المغلق بعينين مغلقتين مثلها، فقد بات متأكدا أنها أخترقت حصونه المنيعة دون سابق إنذار، وقد قُضِي عليه لا محالة، فقد سقط صريعا لعشقها الصامت.
x xx - - - - - - - - - -
في نفس اللحظة كان هناك من يجلس بغرفته الخاصة متحصنًا بها منعزلا عما يدور حوله يستعيد ذكرياته السعيدة مع من عشقها قلبه قبل عينه تلك التي جفاه النوم أياما انتظارا لموافقتها وقبولها لتكون شريكة حياته القادمة، حتى فاز بها وجاءه النبأ اليقين، كان ممنونا لتلك الموافقة، رغم رفض والدها وقت ذاك بسبب مؤهله المتوسط وعدم إتمامه لتعليمه الجامعي، قرب سيجارته المليئة بنبتة الحشيش يسحب دخانها يملأ به رئتيه و يكتمه للحظات ثم يدفعه من أنفه رويدا، يبتسم لرؤيته لتلك السحابة الدخانية المتلاعبة أمام وجهه كأنثى غاوية تتراقص كأفعي بيضاء تغويه للاقتراب منها، مال ببدنه يقرب جهاز الحاسوب الخاص بها وبأولاده، ممتنا لنفسه أنه امتنع عن تسليمهم ما يخصهم من ألعابٍ وملابسٍ حتى ملابسها الخاصة رفض ردهم إليها تلبية لرغبة والدته بهدف تضيق الخناق عليها وإجبارها بعد ذلك للعودة خاضعة لأوامره هي ووالدته كما أفهمته، ولكنه تعجب من صلابتها واندهش من مثابرتها في العيش بدونه، متحملة همَّ أولاده بمفردها، فهو أكثر من متيقن أن أخاها لن يكن خير عونٍ لها بجانب علمه بطباعه وحبه للذات أكثر من أي شخصٍ حتي لو كان شقيقته نفسها، بدأ يتلاعب بأنامله فوق لوحة المفاتيح قاصدا ملفا خاصا _مخفيا_ يحتفظ داخله بكل أحلامه وذكرياته يحتفظ بعالمه الخاص ملء يديه، يحتفظ بماضيه وحاضره معا ولكن ينقصه مستقبلا، مستقبلا يعيشه معها كما كان يعدها دائما، ظنّها دائما قشرة بيضٍ هشّةٍ سهل إصابتها من ضغطة إصبع، ولكن ما أظهرته له فاق توقعه معها، أظهرت له صلادة مضادة للخدش أبهرته، تُرى أين كانت تخفى كل تلك القوة؟ أكانت دائما كذلك وهو لم يدرك إلا بعد فوات فرصته معها، أم تلك القوة قوة زائفة _مصطنعة_ تتحلّى بها أمامه، داعبت ثغره ابتسامة راضية لمرآها وهي متمثلة أمامه في صورة فوتوغرافية بابتسامتها الساحرة التي ألهبته عشقا من أول نظرة لرؤيتها منذ خمسة عشر عاما كانت فيها مراهقةً صغيرةً بجديلتها الطويلة لجذعها، انتقل لصورة أخرى بشعرها المتحرر يحيط وجهها وجسدها منسدلال كليلٍ غاب عنه قمره؛ ليظهر كبساط أسودٍ لامعٍ، وها هي صورة أخرى بملابسها الخفيفة التي تظهر جسدها البضّ الممتلئ ليزيده انحناءاته جاذبية وسحرًا، لا يتخيل يوما أن يجلس مشتاقا لرؤياها كما يفعل الآن، يسرق نظرة لصورها من خلف جدرانٍ مغلقة، يختلس نظرة لشيء حرّم عليه رؤيته ولمسه. مُرحّبا بنظرة اختلاس لوجهها الذي بات ممنوعا عليه رؤيته، ولكن لا لن يسمح لذلك الأمر أن يستمر أكثر من ذلك يكفيه بعدا عنها وعن أولاده، فيجب عليه التفكير في إعادتها وبقبول الوضع الجديد بوجود زوجة ثانية، سيُذيّل كل العقبات لإعادتها قبلت أو رفضت ستعود لأحضانه _ملكه_ ، سيغفر لها أمر سرقتها لأمواله، لا يهم الأمر، المهم أن تعود.
x x xx ************
جالسة وسط أطفالها تراقب سعادتهم التي تطفو فوق سطح حياتهم أخيرا بعد عناءٍ طويل وليالٍ بائسةٍ كانت تنتهي دائما بوصلة بكاء صامت منها فوق وسادتها، معتقدة أنها بتلك الطريقة تستطيع إخفاء همومها عن أعينهم الصغيرة، عجبها اندماج الطفلة "رقية" مع "زيد" المقارب لها سنا، لم يكل عن دفع أخيه "عمر" بعيدا عنها لينفرد باللعب معها دون غيره، تولت بكريتها أمر تنظيم اللعب بينهما، أشعرها ذلك ببعض الراحة لاندماج تلك الصغيرة بينهم وعدم شعورها بالرهبة وغربة المكان، فكرت قليل محدثة نفسها:مسكينة تلك الفتاة فقدت والدتها منذ نعومة أظفارها بجانب إلتفات والدها لحياته تاركا خلفه طفله فاقدة لحنان أمها وآمان أبيها، لمَ رجال ذلك الزمن على شيمة واحدة سواء كان والد "رقية" أو طليقها فكلهم وجهان لعملة واحدة، انحرف تفكيرها لشخص آخر بطلته البهية الساحرة ولحيته المهندمة التي تزيين وجهه لتزيده جاذبية، فسألت نفسها: هل حكمها سينطلي عليه أيضا مثلهما، أم هو كرجل مختلف عن باقي الرجال؟، هزت رأسها تنفض تفكيرها موبخة نفسها قائلة:لا لا يمكن أن يكون مثل باقي الرجال: أناني، متملك، يبحث عن مصالحه الشخصية على حساب غيره على حساب أقرب الأقربين، فهي متأكدة أن لكل قاعدة شواذها فكلهم متشابهونx لكن عدا "عُدَي"، انتهت جملتها برنين هاتفها بنغمته المعتادة غير مصدقة أن من كانت تردد اسمه بعقلها منذ لحظات يتواصل معها ملبية دعوة ندائها كأنه سمعها.
x
xx ***********
نهاية الفصل الخامس

Lautes flower 16-03-21 11:35 PM

رائع واكثر من رائع
شمتانه في خايب الرجا اللي امه ضحكت عليه واتسببت في طلاقه ل زينب وهو متأكد من صدق امه ومتأكد انها بتسرقه
وشمتانه في امه جداااااا اهي فعلا مرات ابنها الجديده سرقتها وهي ما باليد حيله تستاهل والله
ازاي متأكد انه هيرد زينب كزوحه له وكمان هيخليها توافق على انها زوجه تانيه ايه الجبروت دا
عدي القمر ياريت يوقفهم عند حدهم 💖💚💙❤💜💗

جزيرة 17-03-21 12:52 PM

قلب عدي
دق الباب الخطأ ...

ام زياد محمود 21-03-21 01:25 AM

وانقلب السحر على الساحر واللى ادعت عليها نرجس انها سرقتها وهى بريئه دلوقتى بتتسرق ومش قادره تتكلم

ابنها رجليه بتذل للحرام اكتر واكتر مش كفايه انه غبى لاء كمان بيتمعن فى صور واحدة ما بقتش حلاله وبيبيح لنفسه النظر لصورها والتغزل فى مفاتنها

عدى اتصرف صح جدا مع عمر وحبيت اندماج رقيه مع اولاد زينب

تسلم ايدك

وسام الأشقر 27-03-21 02:42 PM

الفصل السادس
 
الفصل السادس
—————————-

(نوما هنيئا لكِ، وسهرا طويلا لي)
------------
أسرعت في إجابة الاتصال لقد كانت بحاجة ضرورية لمثل تلك المكالمة والاهتمام، وصلها صوته المرهق وقد أشفقت لسماعها صوته بتلك النبرة:
_كيف حالك؟، هل ازعجك اتصالي.
هزت رأسها بالرفض تخبره بصدق:
_أبدا، لك حرية الاتصال في أي وقت للاطمئنان على "رقية".
_هل هي بخير، أمورها تسير بخير معكم؟ ، فهي ترفض النوم إلا بين أحضاني.
_لا حرمها الله منك.
همست بها "زينب" بصوت منخفض فداعب دعائها البسيط نياط قلبه، فأجابها مسرعا بدون إدراك:
_ولا حرمني منكِ، أقصد من ذوقك الدائم وأخلاقك "زينب" .
ابتسمت لتلميحه الدائم على إطلاق الأسماء بدون تكلف وألقاب مصطنعة، عندما طال الصمت بينهما، سألها بغرض إطالة المدة بينهما:
_هل أعجبتك فطائر البيتزا بالخضراوات إنها كانت لكِ.
-لي أنا؟!، ولكني أنا لا أحب الخضراوات.
زم شفتيه بسعادة لمعرفته سرًّا خفيّا لشخصها، فأردف بصوت مرتاحٍ نسبيا:
-جميل!
-ما هو الجميل؟!
تنهد بعمقٍ، وهو ينظر لأمّه المتعمقة في نومها بعد تناولها المسكن بعد أزدياد آلام رأسها مكان جرحها ثم أجابها بصوته الدافئ:
-إذا بيننا شيئا مشتركا، فأنا أيضا أفضل اللحوم عن الخضراوات، لكن ابقِ على هذا السر بيننا فإن علمت "رقية" ذلك؛ ستتخذها حجّة ضدي، حتى لا تتناول الخضراوات.
ابتسمت عندما لمست نبرته الطفولية بحديثه، فقالت لائمة:
-من الواضح أنك كنت طفلا مشاغبا بصغرك، كان الله في عون والدتك.
-نعم، كنت مشاكسًا جلابًا للمشاكل، ولكن بعد وفاة والدي تغيّر كل شيء، لأنني فقدت القوة التي استند وأتدلل على حس وجودها.
تنهدت بعمقx وقد وصلها نبرته الشجنة، فقال مواسيةً:
-رحمة الله عليه!، من المؤكد أنه كان رجلا صالحا مثل والدتك.
تزمر بطفولة مصطنعةٍ:
-مثل والدتي فقط، وهل ابنها ليس من ضمن الطيبين؟، أم من معسكر الأشرارِ؟
لملمت ابتسامة شقت ثغرها بقوة على لهجته المداعبة، ولكنها نهرت حالها على تباسطها في الحديث معه، فأسرعت
تعتذر منه لتنهي المكالمة، فنادها باسمها بلهفةٍ قبل إغلاقها:
-"زينب"!، هل يمكنك إرسال صورة ل"رقية" الآن حتي يطمئن قلبي.
هزت رأسها موافقة على طلبه بغباء، وكادت أن تنهي المكالمة، فأوقفها بطلبه:
-انتظري!، كيف سترسليها لي.
عقدت حاجبيها ببلاهة من سؤاله، مع حكها جبينها بغباء، قائلة:
-ماذا؟! ، معك حق، كيف سأرسلها لك؟
ابتسم بمكرٍ، يبلغها ببساطةٍ:
-على (الواتس آب)، هل لديك التطبيق؟
-نعم، سأرسلها لك.
أغلق الخط براحة عجيبة تملك كل جوارحه وأحاسيسه، لقد كانت تلك المكالمة بمثابة طوق نجاة لروحه الغريقة في بحر عينيها الحزين.
x x x ************
بعد فترة وجيزة كانت منهكةً في تنظيف الردهة من بقايا الفطائر والمياه الغازية بعد استقرار أولادها في غرف نومهم ولم تنس الاطمئنان علي حال ضيفتها الصغيرة التي فضلت النوم في فراش "شهد" بين أحضانها بدلا منها، ابتسمت وهي تمسك قطع البيتزا بالخضراوات شاردة في مكالمتهما وحديثهما الطويل، هزت رأسها تطرد أفكارها التي تستحوذ عليه في الفترة الأخيرة وهذا لم تحبه بل ارتعبت من فكرة ميلها لأي رجل مرة أخرى، خاصةً بعد أزمة طلاقها وتجربة زواجها السابقة، فهى مايهمها الأن مصلحة أولادها فقط، مصلحتهم أولا، ابتسمتx عندما تذكرت إلحاحه عليها بإرسال صورة للصغيرة ولم يكتفِ بواحدة فقط، فبعد كل مرة يزداد طمعه ويطلب المزيد والمزيد حتى اضطرت الكذب والادعاء بنوم الصغيرة حتى يكف عن مشاغبته التي لا تعلم لها سببا، بل تعلم ولكن ترفض الانسياق خلف مشاعرها المضطربة، سقطت من بين يديها ماقامت بجمعه عندما وصلها صوت تعرفه جيدا صوت تمقته - تبغضه- تصنمت مكانها أكثر وكل ذرة بأوردتها تنتفض رعبا من صوته الجاهوري المفزع، رفعت أناملها فوق شفتيها تمنع شهقة من تصورها لهجومه عليها واختطاف أحد أبنائها عنوة، ظلت تمرر نظرها بين باب شقتها المغلق بإحكام وبين غرفة أطفالها، مرتعبة من فكرة استيقاظهم على صوته، من المؤكد سيفضحها بين جيرانها داخل البناية، هبت من مكانها تستر نفسها بردائها الخاص بالصلاة ونقاب وجهها كما تفعل مع أي غريب، وأقتربت من الباب تصيح به تنهره على فعلته:
-هل جننت؟، ماذا تفعل هنا؟
-"زينب" افتحِ، أريد الحديث معك، افتحِ ذلك الباب إلا كسرته.
قال جملته بانفعال كبير، وقد بدا لها عدم اتزانه، وثقل لسانه الواضح أكد لها تعاطيه الممنوعات، وهذا ما جعله بتلك الصورة الغير متزنة الآن، فاندفعت تنهره بصورة أكبر على تهوره:
-مرّت الأيام وأنت لم تتغير ولن تُغير سلوكك، تأمر فننفذ بدون جدال وتفكير في معارضة لأوامرك، ولكن الأن أنا ما ستقول كلمتها، أنا من تأمرك بالابتعاد عن بيتها وأولادها "حسن"، طالنا ما يكفينا منك حتى الآن، عد لبيت وابتعد عنّا.
ضرب الباب الفاصل بينهما بقبضته ضربات متتالية جعلت شعر رأسها يشيب رعبا، تفكر:ماذا لو تهجم عليها الأن ولم تستطع ردعه عن فعلته، تداعى لسمعها قوله بصوت منخفض نسبيا عن صوته في بادئ الأمر:
-حسنا دعيني أدخل لنتفاهم، لقد أشتقت إليك، أتعلمين!، أتتوق لضمك بين ذراعيا، نعم أشتقت إليكِ، فدعينا ننهي خلافاتنا ونتحدث كزوجين ناضجين، لمَ تعانديني، لم تكوني يوما عنيدة بهذا الشكل، افتحِ ذلك(الزفت)، وإلا كسرته أقسم لك.
برقت عينيها ذهولا من حديثه غير المتزن مستنكرة جملته أنهما زوجين عن أي زوجين يتحدث ذلك المجنون؟!، أتخذت نفسا عميقا حبسته لفترة في محاولة تنظيم تنفسها المضطرب، ثم أجابته بصوت هادئ كعادتها الرقيقة:
-"حسن"!، أ...
-نعم "زينب" نعم، أنا أستمع إليك جيدا.
أغمضت عينيها بقوة تعلم أنه ليس في حالته الطبيعية، لقد خاضت معه سنين مريرة تعاني من ويلات تعاطيه لتلك الحبوب، وسجائر الحشيش، لقد كان مبرره الوحيد أنه لايتعاطيها إدمانا إنما بالمناسبات الخاصة فقط، ولكنها تعلم أن المبادئ لا تتجزأ، فأخبرته بضيق من تصرفه الأرعن:
-نحن لسنا "زوجين"، كلا منا أتخذ طريقا مخالفا وانتهى الأمر.
ضرب بكف يده المبسوطة فوق الباب الفاصل بينهما باعتراض واضح لحديثها:
-بيننا أولاد، هؤلاء الأولاد سيجبروكِ يوما للعودة إليّ مهما طال الوقت، فأنا لن أسمح أن يعيشوا بعيدا عن أحضاني أكثر من ذلك وأن تمنعيني عن ذلك.
-أنا لم أمنعك عن حقك، ولكنك أنت من أمتنع عن حقوقهم، تمتنع عن الانفاق، تعمدت إذلالهم بين زملائهم، والآن لديك الحق برؤيتهم من خلال الدعوة القضائية المرفوعة ضدي، أما غير ذلك فليس لديك أي حقوق سيد "حسن".
-أرغب في رؤيتك، ارجوكِ! افتحِ لقد أشتقت لرؤية وجهك الآن.
كان الدور عليها لتضرب الباب بقبضتها صارخة به تقسم أن أوتارها قد تمزقت إنفعالا:
-أنت مجنون، مجنون! ، أتتخيل أن أسمح لك برؤيتي لو لثانية، يجب عليك التذكر دوما أنني محرّمة عليك، ولا يربطنا إلا هؤلاء الأولاد فقط.
-لابأس إن أمتنعتي عن رؤيتي ، يكفيني تلك الذكريات التي أحتفظ بها بحاسوبي الخاص، أتظنين أنني تخلصت منها؟، لا والله لم يحدث ولن يحدثمادمت حيّا.
لم تصدق ما أبلغها به شعرت بأن الأرض تميد بها أسفل قدميها، اهتزت حدقتيها بصدمة، ماذا قال ذلك الحقير؟ أوصل به الحال أن يستحل لنفسه ما حرّم عليه؟، أن يتمعن ويتجمل بصورها الخاصة التي بقت حبيسة حتى تلك اللحظة بحاسوبه الخاص، ارتفعت وتيرة تنفسها شعرت وكأن أزمة قلبية وشيكة الحدوث كيف ستتخلص من تلك الورطة؟، إلتفتت للباب الفاصل بينهما تستجديه بنبرة ضعيفة لعله يرجع عما يفعله، فنطقت بصوت متردد:
-"حسن"!.
ظلت تناديه تستجدي تعاطفه، لعله يصدقها القول، أن يبلغها أنه يكذب عليها وكانت تلك مجرد مزحة ثقيلة منه، ولكن لم يتلقّ صدى صوتها إلا الفراغ، لحظتها شعرت بأن أرضها الصلبة قد أنهارت وغاصت في وحلها بدون نجدة.
x x x x x **********
في بيت الحاج "حامد"
-----------------
سارت بخطوات ثابتة بجسدٍ ووجه صلبx خالٍ من الروح، يحيط جسدها خصلاتها الغجرية المموجة مخفية جسدا هزيلا يستره منامتها القصيرة دون الأكمام، توقفت عندما أدرك جسدها باب الشقة المغلق عليهما وسط الظلام المحيط، رفعت كفها الهزيل تقبض على مقبضه بقوةٍ في محاولة منها فتحه ليستعصى عليها الأمر، لتتحول محاولتها لقوة أكبر مع محاولتها لفتح المقبض العاصي، فيصدر عنها أصوات أنين لشعورها بالقيد الذي يكبل روحها، يجب عليها الخروج يجب عليها الانطلاق لن تقبل بأن يمنعها أحد من الانطلاق وبسط جناحيها في تلك الحياة، كان هو حينها يغوص بأحلامه هروبا بعد صراع دائم اعتاد عليه، صراع بين قلبه وعقله، كيف وأد مشاعر قلبه بيديه؛ ليبقَ على ما يدفعه به عقله، تداعى لسمعه ضوضاء خافتة انتشلته من نومه عنوة، بحكم نومه غير الثقيل كصفة متأصلة به، نفض نعاسه وتحرك سريعا من فوق فراشه بعد أن تكرر الصوت بالخارج، فدفعه ذلك للظن بأن هناك من يحاول فتح البابx ربما أحد اللصوص، تحرك بقدميه الحافيتين يتحسس طريقه وسط الظلام، فكانت المفاجأة التي جعلته غير قادر على الاستيعاب للحظات، كانت أرملة أخيه ثابتة أمام باب الشقة غير مستورة كما اعتاد على رؤيتها إلا من منامتها القصيرة يحيطها شعرها غير المرتب بعشوائية، ممسكة بمقبضه تحاول مرارا ومرارا فتحه، ضيق عينيها باندهاش من تصرفها ليسرع في ندائها وهو يقترب بخطوات:
-ماذا تفعلين عندك؟x x
لم تهتم لإجابته ليزداد عزمها ويلاحظ سرعة تحريكها للمقبض بقوة أكبر مع سماعه لأنينها المتقطع، نادى عليها بصوتٍ أكثر حدة:
-"هنااا"!، أنا أحدثك.
لاحظ توقفها عن تحريك المقبض باقية على ثباتها مخفضة الرأس يختفي وجهها خلف غابة خصلاتها المبعثرة بعشوائية، تحرك لأقرب كبسٍ يضئ المكان بضيق ثم اقترب منها بغيظٍ، ينهرها على فعلتها:
-ما هذا الجنون، كيف تسمحين لحالك بخروج من البيت بهذا الشكل؟ هل جننتِ؟!
لم تلتفت، لم تتحرك قيد أنمله، بقت على ثباتها للحظات قبل أن تلتف حول حالها تدفع ساقيها إلى حجرتها التي اتخذتها منذ انتقالها للمبيت بشقته، راقبها وهي تتحرك ملقية خلفها من يميد غيظا يكاد يقسم أنه يتمالك أعصابه لعدم ضربها بقوة، من هي حتى تتجاهله بهذا الشكل، شعوره دائما بتقليلها له وتجاهلها الدائم يزيد من حنقه عليها، لم تكن أبدا كذلك مع شقيقه، كانت فراشة تتراقص على أنغام نبضه الخافق، وكأن بتوقفه أنهى معه عرضها الراقص لتسقط صريعة تدهسها الأقدام بلا رحمة، ولكن كل هذا لم يشفع لها عنده، ضرب الأرض بحنق بخطواته يتبعها لحجرتها التي اختفت داخلها تاركة بابها مفتوحا بعندٍ منها استشعره، وكاد أن ينطق ولكن ما شاهده ألجم لسانا للحظة، كانت مستلقيه فوق الفراش الصغير علي ظهرها منفرجة العينين، يحيطها غابة بنية من الخصلات حولها بعشوائيةx استفزته، مبعثرة فوق وسادتها ووجهها وكتفيها المكشوفين، مع انحصار منامتها التي ازدادت قصرا عند نومها لمنتصف فخذها، غاظه ما تفعله كيف تسمح بالكشف عن جسدها بذلك بالابتذال في حضوره، انتبه على برودة ضربت بدنه ليكتشف تركها لنافذتها مفتوحة بإهمال، زفر بضيق عال لعلها تعلم رفضه لتصرفاتها، لم يدرك ابدا أنها تمتلك مثل تلك الرعونة وعدم التعقل وهذا لا يحبه في أصناف النساء، أغلق النافذة بعصبية وكاد أن يقتلعها من مكانها، يخبرها بضيقٍ:
-أنا لا أعلم ماذا تقصدين من تلك التصرفات السخيفة؟، كيف تنامين والنافذة مفتوحة بهذا الشكل في ذلك الجو، ألا تشعرين بالبرد؟
توجه إليها ينظر لثبات جسدها وثبات خاصتيها للسقف أعلاها إهمالا له، مع التزامها بالصمت، قبض على كفه بقوة يمنعها من التطاول عليها بجرها مش خصلاتها التي تتباها بها، فاض الكيل فأنحنى يراقبها عن قرب وقد استشعر أمر خاطئ في صمتها ليلاحظ انتظام أنفاسها مما جعله يشك بأنها نائمة منفرجة العينين، همس بقربه في أذنها باسمها لتلفح بشرة وجهها أنفاسه الساخنة:
-"هنا"، هل تسمعينَنِي؟
مد يده باضطراب يقبض على كتفها القريب رغم رفضه لذلك التلامس يحاول هزهها بخفة مع تكرار ندائه لعلها تنتبه له:
-"هنا"، "هنا"!
سرعان ما وجدها تغلق جفنيها تسدل الستار عن المَشهد المسرحي المبتذل أخيرا، لتغوص في نوم عميق هكذا ظنّ، تحرك من جوارها يدثرها بغطائها الشتوي بإهمال، زفرة قوية صدرت منه مللا منها، ليتحرك خارج حجرتها، يصله همسها الشجي بكلمة واحدة:
-آس ف ة!
ضحكة ساخرة التزمت شفتيه، فأجابها ساخرا:
-لا عليكِ، نوما هنيئا لكِ، وسهرا طويلا لي.

*********************


-"زينب"، هل أنتِ بخير؟
سؤال صدر منه بلهفة في رسالة، لم يقدر على تفسيرها، لقد انتابه القلق المفاجئ عليها، ثم أرسل أخرى عندما لم يصله ردا شافيا:
-لا أعلم لقد انتابني القلق فجأة عليكم، هل أموركم على ما يرام؟
ظلّ يتناوب في إرسال الرسائل القصيرة على التطبيق الأخضر بقلق انتابه فجأة، فجأة شعر بانقباض مخيف بعضلة قلبه كادت أن تتمزق ألما، عندما ضربه شعور مخيف أن أصابها مكروهٍ لا يعلمه، ظل منتظر إجابتها بأعصاب محترقة، منع حاله من التهور أكثر من مرة أن يتواصل معها في مثل ذلك الوقت أو يذهب إلى بيتها للاطمئنان بنفسه، انتفض مبتعدا عن حيز النافذة عندما وصله رنين رسالة على نفس التطبيق بلهفة محروم، ولكنه قرر الاتصال بدلا من النظر لرسالتها، وانتظر بأنفاس متلاحقة جوابها حتى استمع لنبرتها الحزينة التي أكدت له شكوكه، فأعتذر بلهفة:
-بالبداية أعتذر إن كنت قد سببت لك القلق في مثل ذلك الوقت المتأخر.
أجابته بنبرة حاولت فيها بكبح بكائها:
-لا تعتذر، فأنا لازلت مستيقظة.
عقد حاجبيه وظلت حدقتيه تهتزان بتوتر حينما وصله نبرة صوتها الباكية، فقال مضيقا عينيه:
-ما بكِ؟، هل كنتِ تبكين؟
سمع صوت شهقاتها المكتومة، وكادت أن تجهش بالبكاء، فأسرع في سؤاله متمنيا أن يطمئن قلبه سريعا:
-هل أصابكِ مكروه، لمَ البكاء؟، إلم تطمئنيني عليك سآتي بنفسي لباب بيتك، وهذا ما لا أحب فعله.
-لم يحدث شيئا، مجرد نوبة بكاء فجائية، ستنتهي سريعا.
-ولكني غير مطمئنّ، أشعر بأن هنالك أمرًا تحاولين إخفائه، اسمحِ لي لتجاوزي بسؤالكِ.
أخذت نفسا عميقا، تحاول التوقف عن بكائها، فهي بالفعل في حاجة لسندٍ، لبئرٍ تلقي به همومها وتغلق عليه للأبد، فاندفعت تقص عليه ماحدث منذ قليل مع وثوقها أن ما تفعله ليس بصحيح، وسيؤخذ عليها، وستندم بعد لحظة الإفضاء بمكنوناتها، وستشعر بالذنب، سيصل الأمر لجلد ذاتها على تهورها غير المحسوب.
خرجت من فِيهِ سبة خارجة، جعلت عينيها تجحظان بصدمة لعدم اعتيادها لسماعه يخرج مثل تلك الألفاظ، فقال بغضب غريب عليها:
-اسمعِ، سأنصحك نصيحة لاأعلم صداها لديك ولكن، يجب عليكِ تحرير محضرًا ضده، حتى لا يكررها مرة أخرى.
صمت للحظات يفكر ماذا لو هي تفكر بالفعل في العودة إلى طليقها؟، فأسرع يكمل حديثه متمنيا أن يعرف ما تفكر به:
-إلا إذا كنت تنوين العودة إليه.
-بالطبع لا، مستحيل، أن أفكر بذلك.
زفر بارتياح عجيب مع ابتسامة شقت ثغره براحة عجيبة، ظل مغمض العينين يطوف حولهما الصمت كلا منهما متعجب من نوبة مشاعره، هو لا يعلم سبب واضح لسعادته عندما أكدت له قرارها بالرفض للعودة لطليقها، هل يعتبر ذلك أنانية منه، ولمَ سعد كثيرا لذلك الخبر؟، أما عنها، شعرت بالارتباك لصمته بعد انتهائها، ماذا يفترض أن تفعل؟، تغلق الهاتف الأن أم تنتظر رده، ولم تهتم لرده، لقد اخطأت بالبوح بما يدور بخلدها، ها هي ستبدأ بجلد ذاتها.وصلها ندائه باسمها ثم قال:
-إذن، عليك حماية نفسك وأولادك، لأنه لن يتوقف عن التعرض لكما، أراكِ غدا على خير.
x x x x - - - - - - - - - -
قضى ليلته يتقلب في فراشه كأن نبت له الأشواك أسفله، يحرق سيجارة خلف الأخرى حتى استهلك أخر ما تبقى من سجائره و اشتعل صدره، لم يصدق أنهx قضى تلك الليلة يفكر فيما حدث منذ ساعات بحيرة فيما حدث، ثقلت جفونه أخيرا مستسلما لنومٍ عميق لم يدم طويلا لينقطع هنائه سريعا بفعل رنين هاتفه معلنا عن موعد استيقاظه المعتاد فتح عينيه السوداوين بتكاسل ينظر لهاتفه بعدم اتزان لفترة قبل أن يضرب رأسه بوسادته عدة مرات يدفن وجهه فيها بغيظ مستحكم به منذ ليلة أمس، وهو يلعنها، انتفض من نومه بغرض الحصول على حمام ساخن لعل سخونة المياه تهدئ أعصابه المشدودة، ظل يفكر وهو تاركا لجسده حرية الاستمتاع بدفء المياه المنهمرة فوق رأسه، هل لوكان رفض فكرة ارتباطه بها لكان الآن مع حبيبة عمره "همسة"؟، ليجد نفسه يردد اسمها من بين شفتيه مسترجعا مع همسه كل ذكرى جمعته معها منذ نعومة أظافرهما، انتشله عنوة صوت حركة خارج حمامه، فأخرج رأسه من أسفل المياه ينصت السمع متسائلا:هل استيقظت هي الأخرى؟، أم...
لم يمهل نفسه فرصة التفكير ليسرع في إغلاق مياهه منتشلا أقرب منشفة يلف بها خصره بعشوائية، كادت أن تنزلق قدميه بمياه الأرضية بسبب تعجله، فتح الباب مسرعا بغرض مراقبة ما تفعل خوفا من أن تتهور بالخروج من شقته بتلك الملابس المكشوفة، وقف يشاهدها ثابتة في نفس وقفتها أمام باب الشقة المغلق كأمس تماما، ولكن مهلا هناك شيئا مختلفا، فهي الآن متشحة كامل ملابسها بالإضافة لغطاء رأسها، فلت من فيِهِ نداء صارما باسمها:
-"هنا"!
توقفت على ذكر اسمها، كانت تتمنى لو تنجح في الهروب من حيز وجوده لشقتها قليلا، ولكن باءت كل محاولاتها بالفشل، لاحظ هو ثباتها مثلما حدث من قبل فدفع ساقيه في خطوتين واسعتين عازمتين للوصول إليه، يمسكها بقوة من كتفها يديرها إليه يدفعه الشك:
-"هنا" ، هل أنتِ واعية؟
تزامنا مع سؤاله شهقت شهقة قوية اربكته للحظة يليها نفض جسدها عنه بالابتعاد توليه ظهرها بخجل أنثوي، تصرخ به موبخة إياه:
-ما هذا؟
نظر لمنشفته بوقاحة، يلملمها جيدا حول خصره المبتل قائلا:
-هذه!، منشفة، ماذا ستكون؟ .
-كيف تتجول بشقتك، بتلك الأريحية وأنا بها؟
قالت سؤالها المستنكر فعلته في حضورها بصوت منخفض مذبذب استشعره فزاد ذلك من ثقته وكبريائه، فأراد زيادة ضيقها، وأردف بصوته الخشن الساخر:
-كما قلتي، أتجول داخل بيتي وشقتي، على الأقلx أفضل بكثيرٍ ممن تجولت بملابس نومها الشفافة، كعرض مبتذل في حضور شقيق زوجها المتوفي.
-م ما ماذا تقصد بحديثك؟، لم أفهم.
-إلى أين مبكرا هكذا؟
ظلت على وضعها تحدثه وهو خلفها بإحراجٍ من وضعهما فهو ليس إلا شقيق زوجها الراحل، فأجابته بصراحة معتادة عليها:
-رغبت في الجلوس داخل شقة "مصطفى" قليلا حتى يحين موعد استيقاظك واستيقاظ أبي وأمي، لأعد لكم وجبة الفطور.
انصتت السمع لتقهقر خطواته عنها، فزفرت براحة وهي تظن أنه سيعود لغرفة نومه يستر نفسه بعد أن استنكرت عليه فعلته، لمحته بطرف عينيها خلسة يجلس فوق أقرب أريكة بوضعه المقزز يبحث في حقيبة حاسوبه المتنقل السوداء على شيء ما، سريعا وصلتها الإجابة عندما قبض على علبة سجائره الخاصة يحرر إحدى سجائره من قبضة أقرانها، وعندما استراحت بين شفتيه بهدف إشعالها، أردفت بصوتها الناعم الهادئ:
-ألن تدخل حجرتك؟، فالطقس شديد البرودة اليوم.
رفع حاجبه باستنكار متخيلا أن ستبدأ في رسم دور الزوجة الحامية، فأجحفها برده:
-ليس من شأنك ما أفعله؟، هيّا!، أعدي لي قدحا من القهوة.
بللت شفتيها وهي ترسم ابتسامتها المشدودة بقوة تسأله مرة أخرى:
-هل ستتناول قهوتك بدون طعامٍ، وأيضا شرب تلك السجائر بكثرة سيؤثر على صحتك.
جز على أسنانه بقوة، كيف ينوي إغاظتها فتسرع هي بغيظه؟، فأربكها مرة أخرى برده الحاد:
-قلت، ليس، لكي، شأن بأموري الخاصة، هيا، أعدي قهوتي، ثم اخرجي إلى حيث ترغبين.
وقفت تائهة فيما حولها تمرر عينيها بجوانب الشقة إلا منه وقد اختفت تلك الابتسامة البلاستيكية سريعا ليحل مكانها وجومها بوضوح، وقفت كالتائهة بصحرائها، جاهلة من أين أتت وإلى أين ستذهب؟، كان هذا هو شعورها المتخبط، لاحظ هو تبدلها وظل يراقب ملامحها وزيغ عينيها، كاد أن يتحرك من مكانه بقلق، إلا أنه تفاجأ بارتدائها لنفس ابتسامتها البلهاء لتسرع في إخباره مع ثبات خطواتها لمطبخه:
-لا تقلق سأعدها سريعا، لن أتأخر عليك.
تركت خلفها من يراقب خطواتها بصدمة وفاه متدلي، كيف له أن يستمر في مسرحيته مع تلك البلهاء، زفر بقوة يتمتم بين شفتيه:سامحك الله يا "حامد" أنت و"جميلة" المجرة.
بعد قليل كانت قد قدمت له قهوته بتهذيب ولم تتخل عن ابتسامتها لتلاحظ لارتدائه كامل ملابسه التي تبثه الدفء في ذلك الطقس الشتوي، راقبها من فوق حافة قدحه بغيظ من تلك الابتسامة الذي لا يجد لها سببا، فأردف يأمرها ببعض للحدة:
-لماذا أنتِ منتظرة هنا؟
أجابته ببساطة:
-لأنك طلبت ذلك!
بنفس ثباتها وابتسامتها الغريبة، ياليته يقدر على لكم وجهها ليحرمها منها للأبد، فأسرع ينفي ادعائها:
-لم يحدث أنني طلبت وجودك بجواري، ولن يحدث مطلقا.
-حسنا!، هل يمكنني الآن الانصراف لقد تأخرت اليوم كثيرا.
قالت جملتها وهي تتحرك خارجة من باب شقته بنفس ثباتها، وقفت ترمق باب شقتها المجاور بعينين مهتزتين، يضربها إحساس الذنب الذي يتغذى على روحها ويمتص روحها لآخر قطرة متبقية.
x x x xx ***********
خطت بخطواتها البطيئة المناسبة لتلك الطفلة البريئة المتعلقة بكفها كأنها لم تجد أمانا إلا بكفها الذي يحتويها، رمقتها "زينب" أثناء سيرها بنظرات متعاطفة حتى كادا أن يصلا لوجهتهما، لتتفاجأ. بخروج من يربكها ويبدو عليه الارهاق جليا بنفس ملابس أمس، وقعت عينيه على خاصتها وقد أخذته الدهشة من تواجدها في المشفى في مثل هذا الوقت المبكر من الصباح كاد أن يجزم أن عيناها لم تذوقا للنوم طعما، أسرع يسرق الخطوتين المتبقيتين بينهما، ينتشل"رقية" لأحضانه التي كانت أسرع في الوصول إليه يتساءل بنبرة قلقة:
-هل حدث شيئا؟، ما الذي أتى بك في مثل هذا الوقت المبكر؟
ارتبكت من هجومه واعتقدت أن حضورها غير مرغوب فيه، أو أنه يعتبرها غير أمينة على ابنة أخته لتجلبها معها للمشفى دون إعلامهم، شعرت بالاختناق المفاجئ وقد ظهر ذلك بوضوح في نبرة صوتها وهي تجيبه معتذرة عن تهورها:
-اعتذر بشدة إن، إن تجاوزت بتصرفاتي، ولكن ظننت أن أن...
شعر من نبرة صوتها وتلجلجها بأنه أخطأ في رد فعله، وأنها ترجمت لهفته وخوفه عليها بشكل خاطئ، فانحنى يخفض الطفلة أرضا يحثها على الولوج لداخل حجرة جدتها، ثم التفت لتلكx المتهربة بأعينها محتضنة شيئا ما، فأخبرها لائما:
-عن أي شئٍ تعتذرين؟!، أنا لم أقصد ما وصلك من معني، أنا...
-لا بأس، تفضل.
ثم قامت بتقديم ما بيدها من طعام قامت باعداده لوالدته طول الليل لم يغمض لها جفن بسبب ما حدث من طليقها فقررت استغلال الوقت بطهي بعض الطعام لتلك المصابة، فأسرع يسأل بفضول:
-ما هذا؟
-إنه بعض الطعام للوالدة، فأنا أعلم جيدا أن جودة طعام المشفى ليست بجيدة.
-لقد أتعبت حالك، لم يكن هناك داعٍ لترهقي نفسك، يكفي تعبك براعية "رقية".
-لا تعب في الأمر، إنها مثل والدتي رحمة الله عليها.
صمتا للحظات لم يجد منهما كلمات أخرى، فأشاحت بوجهه عن مراقبة عينيه، وتلعثمت في قولها:
-حسنا!، سأنتظر بالكافيتريا، قليلا، حتى تنتهي "رقية" لأصطحبها مرة أخرى معي.
تحركت بغرض الانسحاب من ذلك الموقف المربك لها، ولكنها انتفضت على قبضته عندما لامست ذراعها تمنعها من الانصراف قائلا برجاء:
-انتظري!
انتفاضتها لتلامسه غير المقصود،x جعلته ينفض كفه سريعا معتذرا عما بدر منه:
-آسف إن تجاوزت!، ولكن ما رأيك أن تدخلين قليلا؟، ستحزن "سليمة" إن علمت بقدومك وعدم سؤالك عنها.
رفعت أناملها الحليبة تضبطx وضعية نقابها تخبره بما أرادت وخجلت من التصريح به منذ حضورها:
-لقد أتيت من الأساس لزيارتها ولكنّي أعتقدت أن وجودي...
-ألم أخبرك مسبقا بأنني لم أقصد ما فهمتيه؟.
شقت ابتسامة فوق ثغرها المخفي ظهرت بوضوح على عينيها، فشجعه ذلك أكثر ليكمل مشاكستها، فأردف باستمتاع:
-رائحة الطعام تذهب العقل، أخبريني، هل يمكنني تذوقه أم هو مخصص ل"سليمة"؟
ابتسمت وقد استمتعت بمناكفته لها الدائما لها فأخبرته بما جعل ضحكته الرجولية تصدح بالمكان من حولهما:
-بالطبع مخصص ل"سليمة" فقط، هل تريد أن أكذب؟
-حسنا، حسنا!، سأكتفي باشتمام الطعام وأمري لله، أيتها القاسية.

نهاية الفصل السادس

وسام الأشقر 27-03-21 02:44 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود (المشاركة 15421920)
وانقلب السحر على الساحر واللى ادعت عليها نرجس انها سرقتها وهى بريئه دلوقتى بتتسرق ومش قادره تتكلم

ابنها رجليه بتذل للحرام اكتر واكتر مش كفايه انه غبى لاء كمان بيتمعن فى صور واحدة ما بقتش حلاله وبيبيح لنفسه النظر لصورها والتغزل فى مفاتنها

عدى اتصرف صح جدا مع عمر وحبيت اندماج رقيه مع اولاد زينب

تسلم ايدك

سلمت حبيبتي من كل شر وبتمنى باقي الاحداث تنول اعجابك😘

وسام الأشقر 27-03-21 02:47 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lautes flower (المشاركة 15415634)
رائع واكثر من رائع
شمتانه في خايب الرجا اللي امه ضحكت عليه واتسببت في طلاقه ل زينب وهو متأكد من صدق امه ومتأكد انها بتسرقه
وشمتانه في امه جداااااا اهي فعلا مرات ابنها الجديده سرقتها وهي ما باليد حيله تستاهل والله
ازاي متأكد انه هيرد زينب كزوحه له وكمان هيخليها توافق على انها زوجه تانيه ايه الجبروت دا
عدي القمر ياريت يوقفهم عند حدهم 💖💚💙❤💜💗

سلمتي ياغالية من كل شر وان شاء الله الاخداث القادمة تكون مرضية ليكم

وسام الأشقر 10-04-21 04:10 PM

الفصل السابع
 
الفصل السابع
—————


انقضى الوقت سريعا وكان من ألذ الأوقات الذي مرّ عليها منذ سنوات مضت، لم تصدق أنها تخلت عن تحفظها أخيرا مع الغرباء، فمقاومتها انهارت سريعا عندما وقع نظرها على وجه تلك العجوز الذي تذكرها دائما بطيبة أمها، وحنانها التي حرمت منه سريعا بعد وفاة والدها، انتبهت على اقترابه بكوبين ورقيين يتصاعد منهما الأبخرة الساخنة، كم كانت تتوق لتناول مشروبا ساخنا يدفئها في ذلك الجو البارد وكأنه علم بحاجتها، ليلبي أمنياتها، نظرت للكوب الورقي وهو يقدمه إليها بتودد آثار الريبة بنفسها، قائلا بلباقته:
-تفضلي، أحضرت لك مشروب (الكابتشينو) الساخن سيساعدك على التدفئة قليلا، وأعتذر مرة أخرى على خروجنا من حجرة "سليمة"، فتلك الجارة التي حضرت كثيرة الفضول ولن تتخصلي منها بسهولة.
-لا عليك.
تناولت من كفه الرجولي الكوب بتوتر ظهر جليا على أناملها المرتعشة، تشكره على تعبه، فأراح جسده فوق المقعد المقابل لها وبيده قهوته، يخبرها بمشاكسته:
-كان بودي إرغامك على تناول كوب القهوة اللذيذ معي تلك المرة، ولكني على علمٍ مسبق بعدم محبتك لها.
-نعم، أنا لست من هواة تناولها ولا إعدادها.
ابتسم على ذكرها لأمر الإعداد، فكل مرة يطلب منها إعدادها له، يعلم مسبقا أنها ستكون أبشع المرات التي سيتناول فيها قهوته، وعلى الرغم من ذلك يضحي باستمتاع مذاقها مقابل متعة أكبر، متعة إعدادها له لا لغيره.
لاحظت هي صمته فاعتقدت أنه محرجا من قول حقيقة فشلها في إعدادها، فاندفعت تسأله بفضول:
-هل لي أن أسألك سؤالا؟
-تفضلي!
-لمَ تصر كل مرة بأن أعدها إليك؟، رغم أني متأكدة من بشاعة طعمها، هل أنت محرج من مصارحتي ببشاعتها؟، لن أغضب صدقني.
رفع قدحه يرتشف قطرات قهوته البنية باستمتاع عجيب ونظره لم يبرحها قيد أنملة، فأجابها ببساطة جعلت نابضها يقفز داخل تجويفه بعشوائية:
-لن أكذب وأخبرك بأنها رائعة من يديك، ولكن لعل متعتي لا تكمن في فنجان قهوة شهي يذهب العقل، بل تكمن في شيءٍ أكبر وأنتِ لا تدرين!
-لاأفهم، هل هذا أمرٌ جيد أم سيء؟
ظل يراقب عينيها الثابتتين على وجهه بذهول وكانت لأول مرة تطيل النظر له، فأخبرها بروحٍ توّاقة للاعتراف بما يجيش به صدره، ولكن ما يمنعه الخوف، الخوف من الرفض، فأسرع يطمئن لبها:
-إنه شيئا ممتازا بالنسبة لي.
رفعت طرف نقابها بحرص ترتشف من أسفله المشروب وعند انتهائها لاحظت تغير ملامحه فجأة ببعض الارتباكx مع إشاحة وجهه عن مرمى شيءٍ ما، وظهور قطرات من التعرق فوق جبهته، إلتفتت بفطرتها جانبها لتجد إحدى السيدات التي تحتل الطاولة المجاورة لهما ترمقه بنظرات متلاعبة واضعة ساق فوق الأخرى وسروالها كاد أن يتمزق من فوق جسدها يعلوه قميصا صوفيا أحمر ذات فتحة صدر دائرية تكشف عن مفاتنها من أسفله ببشاعة رغم برودة الجو، ارتبكت وكاد الكوب يسقط من يدها، فرفعت عينيها له بارتباك وخجل فطري من رؤية ما يجرح فطرتها النقية، لاحظت إحمرار أذنيه علي غير عادته، وتحرك عضلة صدغيه، مما أكد لها تأثره الرجولي لذلك المشهد الرخيص، حركت رأسها بأسف تخبر نفسها بفشل:ماذا كنت تظنينه مثلا؟، رجلا أفلاطونيا مختلفا عن باقي جنسه، ها قد تأكدتي أنه لم يختلف عن غيره من الرجال، كلهم يبحثون عن الرغبات والنزوات، كلهم يفضلون المرأة المتحررة لتلائمهم، نهرت نفسها بشدة على ما تفكر، لم تهتم بنظرته ولا برأيه فيها وبغيرها؟، اسرعت تجيب على أفكارها بأسى ظهر على عينيها: لقد اعتقدته غيرهم، رجلا يقدر المرأة لذاتها لا لجسدها ومفاتنها، انتبهت لسؤاله القلق عندما لمح نظرة الحزن بادية على عينيها فجأة:
-مابك، هل حدث شيء أحزنك؟
هزت رأسها بالرفض وقد فضلت الصمت، فبادر يطلب منها بارتباك استشعرته في نبرته:
-هل يمكنني تبديل مقعدي معك؟
جهلت سبب طلبه ولكنها رضخت لطلبه بصمت، ليحتل مقعدها، مما جعل رؤيتها لتلك السيدة المتحررة يظهر بشكل أوضح لها، فأسرع يشكرها بامتنان وكأن ثقل أُلقى من فوق صدره، فبادرت تبلغه بتسرع ندمت عليه:
-لقد حطمت قلبها، اعتقد أنها معجبة بك.
شق ثغره نظرة متلاعبة وقد أعجبه ملاحظتها:
-معتاد على ذلك في أي مكان ألج له، ألا تريني أستحق ذلك الاعجاب "زينب" ؟!
تملكها الغيظ من نبرة ثقته الأشبه بالكبرياء، لبادرت تجحفه بإجابتها:
-لا، لا أرى ذلك، أرى فقط بعض الغرور الذي سيقتل صاحبه يوما.
صدحت ضحته الرنانة مما جعلها تتلفت حولها بارتباك، فبادر يبلغها من بين شهقاته:
-لم أكن أعلم أنك خفيفة الظل.
-إذا كنت خفيفة الظلّ، فأفضل بكثير من أكون غريبة الأطوار.
أسند مرفقيه فوق الطاولة التي تفصلهما، يسألها بمكرٍ:
-هل أعتبرها سبةٌ لي؟
-أأأنااا! لم لم...
قاطعها يوفر عليها ذلك الارتباك:
-غريب الأطوار يحب أن يبلغ خفيفة الظل، بأن تلك المرأة ليست من النوع المفضل لديه، فهو يفضل من تخشى على جسدها أن يمسه نسمات الهواء قبل أن تخشى نظرات الرجال إليها.
-أعتقدت أن جميع الرجال يفضلون الأنثى المتحررة لترقى لهم.
شعر من نبرتها بأن كلماتها تخفي خلفها الكثير من الأسرار فطمأنها بنبرته الهادئة:
-لا يجوز تلقيبهم بلفظة "رجال"، فهذا لا يلائمهم.
هزت رأسها توافقه الرأي بعيني متهربتين من مرمى خاصتيه الجريئتين، فسألها بفضول وقد بدأ صديقه العابث يعبث بصدره:
-هل طليقك من ألبسك النقاب أم كانت رغبتك؟
-كانت رغبتي أنا.
أجابته بروحٍ بادرة يشوبها الألم والحزن، أكدت له بأن من كان يمتلكها، كان لا يستحق نقائها.
x x x x x ***********
جلس يتلاعب بهاتفه الخاص غير مباليا بما يحدث حوله من اشتعال الأجواء وكأن من اختفت لا تخصه بشيءٍ، كان ويشغل باله ذلك المنشور التي قامت طليقته "همسة" بنشره على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي، رفع رأسه لتلك المنتحبة التي تغمغم بعبارات الندم:
-قلبي يخبرني أن طالها سوءا، إنها غلطتي، غلطتي.
-اهدئي أمي، فهي ليست بطفلة لترتعبي عليها بتلك الصورة.
وضعت كفيها فوق رأسها تقاوم آلامه من وطأة الأمر، تنهره وقد شعرت بنبرته تهكما:
-لو كنت تفهمها، ما كنت تحدثت عن تلك المسكينة بهذا الشكل.
-ألم تخبرك بوجهتها قبل خروجها؟
فركت كفيها المتعرقين بتوتر تبلغه بالإيجاب:
-بلى، أخبرتني أنها ستبتاع بعض الأشياء الخاصة، ولكن مر على غيابها أكثر من ثلاث ساعات.
استقام من جلسته يخفي هاتفه بجيب سرواله وقد تسرب لقلبه بعض القلل الذي يملأ والدته محدثا نفسه: ماذا لو كان أصابها مكروه؟، نعم سيشعر بالسعادة للتخلص منها للأبد، تحرك يبلغ والدته التي بدأت تشعر بالدوار بسبب نوبة توترها:
-سأخرج للبحث عنها، فمن المؤكد أنها لم تخرج من منطقتنا.
ألقتx جسدها الممتلئ فوق أقرب مقعد وقد ازداد الدوار تخبره بروحٍ متألمة قلقة من المجهول:
-اعدها لي "مروان"، لن اتحمل فقد عزيز آخر.
x x x x *********
وقف على إحدى النواصي للطريق، يدخن سجارته بشراهة وعينيه يمشطان المارةx في حركة ذهابهم وإيابهم، بعد أن قضى وقتا لايستهان به في البحث عنها بجميع الدكاكين بالمنطقة مع سؤال إحدى البائعات عنها لعلها لمحت مرورها، لتأتيه الإجابة بالنفي،x لمح دلوف إحدى سيارات الأجرة ليصفها سائقها على إحدى الجوانب فيتفاجأ بمن أشعلت النار برأسه، تهبط منهx متعثرة بسبب ما تحمله بينx أحضانها، ألقى صبابته أرضا يليهاxx دهسه بحركة عنيفة وراح يخطو بخطواته المتحفزة للشجار اتجاهها، عندما لمح انحنائها بجسدها تجادل السائق، لتنحصر كنزتها الصوفية عن خصرها، دفعة قوية من كتفها للجانب كادت تعثرها وتسقط ما بيدها ليحل هو مكانها يستفسر بصوت أجش الذى ألقى رعب بقلبها:
-ما حسابك؟
انتهى سريعا من السائق بعد أن دفع له أجرته، وقف يواجهها بجسده وصدره الاهث غضبا لا تعرف سببه، عينيه المخيفتين أشعلت الرعب في نفسها، أسرعت تفسر عن سبب وجودة بالطريق، وسبب غضبه بتلك الصورة المخيفة، صدرت منها شهقة قوية عندما هجم عليها يقبض على ذراعها يسألها بقوة غاشمةٍ بين أسنانه:
-أين كنتِ؟
تلفتت بعينيها على المارة بإحراج من أن يلاحظهما أحد، مع تزايد ألم ذراعها أسفل قبضته، تنطق باسمه تستجديه:
-"مروان"!
حركة عينيها نبهته أنهما وسط الطريق، وقد بدأ بعض المارة الانتباه لما يحدث بينهما، خفض كفه القابضة متضررا، يأمرها بإشارة من رأسه للتحرك قائلا بضيق:
-هيا، أمامي.
دلفت لمسكن حماتها مدفوعا بقوة كادت أن تسقطها أرضا لولا تلقف "جميلة" لها، وقفت تنظر لعينيه المشتعلتين بنار تعرف جيدا معناها، نار تنبع من كره دفين لا خوف وهلع، شعرت بذراع حماتها يحيطها لصدرها والتي رمته بنظرة لائمة على تصرفه، متسائلة بصوتٍ منهك:
-أين كنتِ؟، لقد أكلني القلق عليكِ.
-عن أي قلق تتحدثين أمي؟
قالها مستنكرا لين والدته معها وتهاونها كأم لزوجها، ثم وجه حديثه لتلك الهادئة هدوء يقتله كأنها لم تقترف خطأ، يسأله بصراخه:
-اجيبي!، أين كنت كل تلك الفترة؟، ألم تسمعي سؤالها لكِ؟
لم يعجبها "هنا" سلوكه معها ولا حدة تعامله الدائمة الذي يعتادها الجميع، ولكنها لم تعتاد ذلك مع "مصطفى" كان دائما هادئا حنونا متفهما لها بدون أن تنطق، ولكنها شدت من أزر روحها فيجب عليها التكفير عن خطئها دائما، ذلك الخطأ الذي يقيد عنقهاويكبلها، فلا يوجد تكفير أفضل من ذلك، اقترب منها كفهد يقتنص فريسته ينتشلها من بين أحضان والدته فهذا الدلال لا يستسيغه مطلقا، ويجب عليها أن تعلم أن زمن دلالها مع شقيقه ولّى وانتهى، وحان الوقت ليريها من هو، صرخ بوجهه مع هزها بعنف لا يلائم جسدها النحيف:
-ألم تسمعي السؤال؟، أم ترغبين سماعه بطريقة أخرى لا تعجبك.
رفعت أنفها تخبره بهدوء:
-لا تخبرني أنك فجأة شعرت بانتفاضة روح الزوج الباسلة التي لا تقبل بالخطأ، ليركض سريعا يسأل زوجته أين كانت!
شهقة نبعت منها عندما هاجمها بنزع ما يقبع بين ذراعيها، يخرج ما بداخله بعنفٍ مبعثر أشيائها أرضا بإهمال متعمد لكنزها الثمين، فصدرت من حنجرته صوتا هازئا، يتبعه قوله الساخر:
-ما هذا الهراء؟، هل تغيبت كل تلك المدة لشراء تلك التفاهات فقط؟
ترقرقت الدموع الأبيّة بجوزتيها الجاحظتين، رافضة سخريته، رافضة للاستسلام، إذا كتب عليها محو ذنوبها ليكن بأي وسيلة أخرى إلا أن يتعدّ على خصوصيتها وهذا لن تقبل به أبدا مادام خافقها ينبض بالحياة، اندفعت أرضا تحتضن ما اشترته وتلملم أجزائه بحسرة، ليصلها صوته الخشن التي طالما قبض معدتها ألما:
-هذا البيت له أصحاب يجب استئذانهم قبل تحركك لأي مكان، وحتى لو سمحوا لكِ، يجب عليك الرجوع لزوجك قبل أي شيء.
انحنت "جميلة" تهدئ من انتفاضة جسدها الضعيف نتيجة شهقاتها المتقطعة، تربت فوق ظهرها تخفف عنها:
-لا عليك، سأعطيك المال، ولا تغضبي منه، فهو كان قلقا من غيابك.
رمقت ابنها نظرة لائمة عما بدر منه واجهها بعدم اهتمام، وبدأت "هنا" في جمع أقلام الفحم الخاصة بها ودفتر الأوراق الخاص بالرسم، وبعض الأقلام الخشبية بعقل تائه، وعندما وقع نظرها علي بعض الأقلام المحطمة لم تتمالك نفسها إلا وهي ترمقه بعينين كارهتين تبث بكلماتها مدى نقمتها على ما بدر منه:
-دوما كنت حقيرا، وستزال دوما.
لطمة قوية كانت من نصيب وجنتها ألقت بها أرضا يليها صراخ "جميلة" المرتعب، تنهره بقوة:
-ماذا فعلت؟ هل جننت؟
وصلها سبابه التي لم تدرك منه شيئا إلا أنه يتهمها باتهامات لن تتذكرها إن عادت لقوتها وكامل وعيها، طنين قوي ضرب أذنها، مع أصوات أقدام من حولها الأرض بدأ في دورانها لمَ لم يوقفوا حركتها؟، كيف متحملين اهتزازها؟، نداءات أخرى باسمها، بصوته؟، لا! لا أرغب بسماع صوته الكريه، متداخلا مع صوت "جميلة" كم هي تلك المرأة التي تمتلك من الحب والحنان ما يكفي العالم أجمع، كم تمنيت أن تتذكر والدتها ويشملها حنانها الصادق، ولا تذق مرارة الحرمان، فإنها دائرة تطوف بداخلها حرمان يتبعه حرمان، كف خشنة يربت فوق وجنتها المخدرة مع ندائه الخشن:
-"هنا"، أجيبي، "هنا"!
-عيونها مفتوحة، لمَ لم تجب علينا؟
كان هذا صوت "جميلة" الباكي، رددت بنفسها:ماذا يحدث؟ لم الجميع مرتعب؟
ذراعين دافئتين مررا أسفلها لتجد جسدها يطير بالهواء مستسلما لقدره، أراحها "مروان" فوق اقرب أريكة، وهو يأمر والدته بصوت مهتز جديد عليه:
-ماء، أجلبي الماء.
أقترب من وجهها يراقب حدقتيها الثابتتين فوق وجهه، يسألها بقلق من الوضع:
-"هنا" بماذا تشعرين؟، هل تسمعيني؟
ابتسامة شقت ثغرها تدريجيا صدمته، مع همسها بحروف يصعب على الجميع فهمها ولكنها وصلته بوضوح:
-"مص طف ى".
يتبعها إغماضها لعينيها باستسلام مؤلم لغيبوبتها المؤقتة.
x x xx *********

لقد انقضى الليل على الجميع لينأى كل محروم بنفسه، نفث دخان سجارته لأعلى وسط الظلام المحيط به إلا من هاتفه المضيء، بذهنٍ شارد في توابع ما حدث من نوبة ثورته عليها، لا يعرف كيف أثارت جنونه لضربها بهذا الشكل المهين، لينال بعدها وصلة عتاب ولوم لم تتوقف من والدته ووالده الذي انضم لهم بعد عودته من سوق الأقمشة، ليصرا عليه بقضاء تلك الليلة بشقتهما لا بشقته الخاصة، نظرة ألقاها على الباب المغلق نسبيا متسائلا:إلى متى؟، هل ستستمر حياته على ذلك المنوال دوما؟
تناول هاتفه المتنقل يقلب بين ملفاته حتى وصل لملف الصور الخاصة به مستعيدا ذكرياته مع حبيبته "همسة" يعترف أنه لم يستطع حتى الان إزالتها من هاتفه، لم يقدر قلبه على ذلك ، من بين صوره وقعت عينيه على إحدي الصور الذي التقطها لشقيقه الصغيرx منذ زمن، كان وقتها في عامه الثاني بكلية الصيدلة وهو كان بعامه الاخير بكلية الفنون الجميلة لقد تفاجأ وقتها بزيارة شقيقه له في كليته ليطلب منه التقاط له صورة خاصة مع إحدى اللوحات المعلقة، أغمض عينيه واراح رأسه للخلف يهمس لحاله:ليته لم يأت وقتها، ليته لم يراها، عاد بذاكرته للوراء كان وقتها ينهر صديقه المقرب قائلا وهما وسط ساحة الجامعة:
-تعقل قليلا، الذي يرى تصرفاتك الصبيانية لا يقول أنك بعد عدة أشهر ستلقب بخريج تلك الجامعة.
أجابه"عمار" وهو يتابع إحداهن بالتحديد:
-ماذا أفعل؟، إنها غير مهتمة بي على الاطلاق.
نظر"مروان" لمن تشغل بال صديقه المقرب ينهره:
-"عمار" اخرجها من رأسك فإنها طائشة، كثيرة الحركة هنا وهناك، لم يعجبني سلوكها.
اربد وجه"عمار" بالضيق يلومه:
-مابها إن كانت مرحة!، هذا لا يعيب أخلاقها بشيء، هل ستعجبك إن كانت كئيبة وواجمة مثلك؟
هل رأيت عليها شيئا؟ اصدقني القول.
زفر "مروان" بضيق من تعلق صديقه بها يهذا الشكل فبادر يدافع عن وجهة نظره:
-أنا لم اذكر أخلاقها، ولكن عند اختيارك لشريكة حياتك يجب عليك التمهل في اختيارك.
نظر "مروان" لها يقيمها مرة أخرى من أعلاها لأخمص قدمها بعدم رضا لا يعجبه تنقلها وحركتها ونشاطها الزائد، كفراشة تتنقل بين زهرات البستان مما يجعل الانظار تحيطها بكل اهتمام، لم يدرك أن صديقه قد انسحب منذ مدة، انتفض على صوت شقيقه الصغير الذي ربت على كتفه قائلا:
-بماذا تشرد أيها النمس؟
-"مصطفى"!، لمَ لم تخبرني بأنك ستمر اليوم يا "مصطفى".
رفع "مصطفى" سبابته يحذره بمزح:
-لاتنس دكتور "مصطفى" الا و"جميلة" ستقيم عليك الحد .
صدحت ضحكتهما وهما يتبادلان العناق، لم يدركا لمن انتبهت لصوتهما لترمق ذاك البالطو الأبيض المعلق بذراعه بتعجب واضح،تلاقت عيني"مصطفى"بخاصتيها وكانت هي النظرة التي ألقى خلالها كيوبيد سهمه بقلبه اتجاهها، أزاح عينيه بقوة عنها وظل يحدث شقيقه بأمور ثانوية وعقله وعينيه معلقين بشيء أخر ، انتبه "مروان" لشرود شقيقه وعينيه المسلطتين على من يبغضها، فأسرع يجذبه من ذراعه في محاولة فاشلة لجذب انتباهه عنها:
-هيا أمامي، لنتناول شيئا.
-من تلك الفتاة؟
اخفق "مروان" في مهمته ليسرع ينهره بقوة:
-إياك وما تفكر به!
-لم لا؟!
زفر بقوة يخبره كذبا حتى يبعده عن مصيدتها:
-لأنها تخص صديقي "عمار".
-كيف تخص صديقك؟
استمر في كذبته معتقدا بأنه بذلك يبعد تفكيره بها:
-أنهما مرتبطان بعلاقة عاطفية، هل ارتحت الآن.
عاد لحاضره يردد بأسى:ليتك لم تقع في شباكها يومها، لكان حالي أفضل الآن، انتبه لحركة أقدام خفيفة خلفه، ليتفاجأ بمن كان شاردا بها منذ لحظات تتحرك وسط الظلام، فضوله أكله ليعرف ماذا تفعل دوما بمنتصف الليل، لم ينبهها لوجوده وحافظ على هدوئه وسكونه بعينين يقظتين لها، راقبها وهي تخرج من باب الشقة بعد فتحه بسلاسة، دفع جسده يراقب وجهتها وهدفها تلك المرة، ليتفاجأ بصعودها درجات الدرج وبين أحضانها الحقيبة البلاستيكية المحتواه على مشترياتها، تحرك خلفها يخطو خطواته حافي القدمين حتى وجدها تصل لوجهتها تفتح بابه المغلق بمفتاحها الخاص، لتدلف بسلاسة مغلقة الباب خلفها غافلة عمن يراقبها بعيني صقر، منتظر لحظة انقضاضه على فريسته، ولكن على الرغم من عدم اهتمامه بشئونها إلا أن انفرادها دائما بمسكن المرحوم آثار ريبته، ليهمس من بين أسنانه:تُرى أي كارثة ستجلبيها لنا تلك المرة؟
x x xx *********
بعد عدة أيام
---------
جالسا خلف مكتبه منهمكا بعمله خلف حاسوبه الخاص، يقوم بعمله بروتينية عجيبة تاركا كل همومه خلف ظهره، فكثيرا يحسده الآخرين على قدرته العالية على الفصل بين مشاكله الشخصية وعمله، جذبه عنوة ضحكات رجولية صاخبة أحرقت أعصابه ودفعت الدماء الساخنة بأوردته فجأة، عندما علم بهوية الضاحك المؤكدة، إزداد غيظة حينما تأكد أنه لايضحك بمثل تلك الصورة إلا معها هي لا غيرها وكيف يوجد غيرها ولايعمل لديه إلا هما فقط؟، لم يخف عليه محاولة "علي" المضنية بالتقرب إليها بكثير من الأحاديث الجانبية رغم تأكده من سلوكها الأكثر حيطة في التعامل مع الآخرين، إلا أنه قلقا عليها دائما، دفع مقعده بضيقٍ ليتحرر منه واندفع يفتح الباب الفاصل بينهما ليجده ثابتا أمام مكتبها الخاص منغمسا في حديثه حتى لم يلاحظ خروجه ولا مراقبته لهما، فصدحت عبارته يشوبها بعض السخرية:
-خيرٌ، هل يمكنني مشاركتي معكما في ضحككما؟!
انتبهت هي لنبرته الساخرة التي يشوبها الكثير من الحدة الواضحة، ارتبكت لسؤاله إلا أنها سريعا وصلها إجابة زميلها الواثقة:
-أستاذ "عدي"!، من الجيد أنك حضرت الأن، لقد كنت للتوِّ أدعو "زينب" غدا للاحتفال بعيد مولد ابنتي الخامس.
وقف "عدي" بملامحه المتحفزة، ثم ألقى عليها نظرة معاتبة فهمتها سريعا سببها، فعندما دعاها هي وأولادها للغداء بعد إصرار والدته على دعوتها ردا لموقفها الطيب إتجاههم واستضافتها ل"رقية" ببيتها لأسبوعا كاملا رافضة التخلي عنها إلا بعد اكتمال شفاء والدته التام، ثم سأل باهتمام وهو مازال يرمقها بنفس نظراته:
-جيد، وهل وافقت؟
-كنتُ أتمنى ذلك ولكن للأسف، تحججت بمئة حجة وحجة كالعادة.
قالها "علي" بأسلوبه المرح كعادته منسحبا لحجرته المخصصة يتمم باقي أعماله فالتقط "عدي" أنفاسه براحة متعجبا منها، تبعها بهزة رأسه ثم أمرها برسمية شديدة:
-سيدة"زينب"، أرجو منك الإجابة على هاتفك، فالأستاذ "أبو بكر" يرغب في محادثتك.
هزت رأسها عدة مرات بتوتر مع رفع أناملها لتجذب نقابها للأسفل بحركتها الواهية، لا تعلم لمَ تغير سلوكه فجأة معها؟، لم أصبح أكثر حدة؟
x x x x x ***********
وقفت بتوتر منتظرة أن يمنّ عليها بنظرة اهتمام فمنذ ولوجها تستأذنه الحديث، أهمل إجابتها ليزيد من حيرتها فِمَ أخطأت لاتعلم؟، نطق بكلماته المختصرة دون أن يرفع عينيه عن حاسوبه:
-هل ستتمادين بصمتك؟، أم تبلغيني بما ترغبين؟!
توترت أكثر من لهجته الصارمة الجديدة عليها فأسرعت تخبره بصوتٍ مختنق:
-هل أخبرك السيد "أبو بكر" بشيءٍ يخصني؟.
رفع رأسه عندما وصله اهتزاز نبرتها فأشفق عليها كثيرا لموقفها ثم أخبرها:
-أعتقد أنه أمر خاص بدعوة الرؤية المرفوعة من طليقك، عليك التواصل معه.
رفعت أناملها المضطربة تضبط وضعية نقابها، ثم نطقت بخجل من موقفها:
-هاتفي نفذت طاقته، سأتواصل معه لاحقا.
أسرع في إيقافها قائلا عندما شعر بعزمها على المغادرة:
-انتظري، يمكنك التواصل معه عن طريق هاتفي.
نظرت لهاتفه المرفوع أمام وجهها بتردد وكادت ترفض دعوته بحرج إلا أنه أمرها بصرامة مرة أخرى لا تقبل المناقشة، فرضخت لطلبه بعد إلحاحٍ منه، ولن تكذب أن قلقها يدفعها للاطمئنان على حال أولادها وما يخصهم.
x x xx *********
-لا أصدق أن تم تحديد موعد رؤية الأولاد بمثل تلك السرعة.
إرتاح بمقعده من خلفه يخبرها بعملية واضحة:
-البتّ في أمور القضايا يتمثل يد القاضي نفسه، لا يد لنا كمحامين بتأخر الحكم أو تقدمه.
هزت رأسها بتفهم، ثم تابعت باهتمام واضح:
-ماذا عن حكم النفقة؟
-لا تقلقي قريبا جدا سيبت في أمر دعوتك لا تقلقي، ولكن طمأنيني هل تجدين الراحة بالعمل مع ذلك المجنون "عدي"، فأنا أعلمه جيدا كثير التقلب والتردد.
ابتسمت بخجل لا تعلم لمَ قفز ذلك النابض بتجويف صدرها فجأة على ذكر اسمه؟، فأشاحت بوجهها تتلاعب بأناملها البادرة، تجيبه بامتنان:
-الحمد لله، الحقيقة أحمد الله أنني لم أصادف جنونه حتى الأن، هذا من حسن حظي.
ألقت دعابتها الفطرية استحسانه، فتابع بمودة متناسيا رسميته، يجهل سبب راحته في التجاذب بالحديث معها، فأمرها جعلته مشفقا عليها من كاهل مسئولياتها، فقال بصدق واضح:
-"عدي" شخصية متفانية في عمله، وشخصيته لا غبار عليها.
-نعم، أنه بالفعل لايقبل بأي تقصيرٍ مهما كان صغيرا، يحب عمله وأسرته كثيرا.
هز رأسه يوافقها الرأي ويضيف ما سبب حيرتها:
-وصاحب رأسٍ يابسٍ.
فضولها دفعها لتستوضح جملته، ولكنها تراجعت عن ذلك في آخر لحظة حتى لا تظهر اهتمامها به غير المبرر.
x x x x x *********
عناق حار تبادله مع شقيقه بعد غياب دام لأربع سنوات، لا يصدق أنه أخيرا على أرض الوطن، بادله بكلمات صادقة تكشف عن مدى اشتياقه:
-كم اشتقت إليك"علي"، كيف حالك وحال أمي وزوجتك.
أجابه"علي" بمرحه المعتاد:
-كنا بخير، ولكن لن نصبح كذلك بعد وصولك، ستنقلب علينا الحاجة "كوكب" وسنصير بعد الآن أولاد البطة السوداء مادمت أنت موجود.
-ألن تكف عن مزاحك أبدا أيها الثقيل.
ثم أمره بخشونة مازحة:
-هيا احمل الحقائب عني، يا ابن البطة السوداء.
-أمرا وطاعة "عمار" باشا.
دفع "علي" حقائبه بعربة الحقائب حتي وصل لسيارته المصفوفة بابتسامة راضية وسعادة حقيقية نابعة من داخله لوصول شقيقه أخيرا، وأثناء قيادته تبادلا كلا منهما الحديث باهتمام جاد، ليسأله علي:
-هل تلك الرجعة دائمة أم زيارة سريعة.
همس "عمار" بروح شاردة:
-دائمة إن شاء الله.
-هل قررت ماذا ستفعل بعد بقائك هنا؟
هز رأسه برتابة يجيبه:
-نعم، في رأسي مشروع إن تم ستكون فتحة خير علينا جميعا.
زم "علي" شفتيه متعجبا من صيغة الجمع:
-علينا؟، كيف؟
ابتسم "عمار" له بتلاعب يرفض إرضاء فضوله، وظل شاردا بالطريق بعضا من الوقت بصمت غريب، يفكر هل بالفعل عودته لوطنه في ذلك التوقيت بالتحديد خيرا له أم العكس، انتبه للزاحم وتوقف الطريق لانغلاق الإشارة المرورية فاندفع يطلب منه باصرار:
-هل لي منك خدمة؟
-بالتأكيد!
تنهد "عمار" وزفر كمية الهواء من صدره ثم قال بتمهل وقد قرر ما يريده:
-لدي مشوارا هاما تأجل لسنوات، آن أوانه الأن.


x x x xx *********
نهاية الفصل السابع

وسام الأشقر 20-05-21 04:34 AM

ان شاء الله سيتم استئناف وقف الرواية ويتم نشرها من بعد غد ، اترككم مع اقتباس الفصل اا
 
اقتباس


-أتطلب منّا أن نترك من عانت من أجلنا وحملت همومنا لنعيش معك أنت وزوجتك الجديدة، لا أصدق أبي ما تطلبه.
قالتها "شهد" باستنكار واضح، هل يفترض أن يكون هذا هو شكل أول مقابلة بينهما بعد طيلة تلك الأيام، لم تتوقع ذلك الجفاء منه، أبدا!، راقبت عينيه المتابعة و التي لم تبرح والدتهم التي استقرت أمام الكافيتريا مع شقيقتها الصغرى على بُعدٍ ليس بالكبير بكثير من الاهتمام المتواري خلف قناع وجهه الجاد، لتلاحظ سريعا نظرة الاهتمام تتبدل بنظراته متحفزة -غاضبة- كأن أعصاير العالم كمنت بملامحه لتتحول لملامح مخيفة، لم تكد تلتفت بفضول خلفها، ليشعل "زيد" الأجواء بسؤاله الفطري الطفولي:
-أليس هذا العمّ "عدي"؟!
لمحة من عيني "شهد" لمكان أمها، لتكتشف سبب تجهم وجه والدها الذي أربد بالغضب، و أسرع في سؤاله بحنق:
-مَن هذا؟، أتعرفوه؟
تلبكت "شهد" و "عمر" للحظات خوفا من بطش والدهما، ليزيد "زيد" الطين بللا بكلماته الساذجة التي أشعلته:
-كيف لا نعرفه؟!، وقد أتى لمنزلنا من قبل.
قفز من مقعده ليصدر عن سقوطه خلفه دويا كقذيفة مدوية، متسائلا وقد كان يتمنى نفيهم لما وصل لذهنه من شكوك:
-من هذا الذي أتى لأمكم بالبيت، انطقوا!

وسام الأشقر 23-05-21 02:23 AM

الفصل الثامن
 
الفصل الثامن
———————-


(يا من رميتني بسهام عشقكَ، متى لقياك؟!)
****************
-هل أنا ممنوعة من الخروج؟
سألت"هنا" بضيق وضح بنبرتها، لقد لاحظت حرص"جميلة" مؤخرا على عدم السماح لها بالخروج لحالها، فولت الأخيرة كل اهتمامه لتلك المسكينة، تدافع عن سبب منعها:
-من قال ذلك؟، لا يجرؤ أحدا على منعك مادمنا نعلم وجهتك، كل و ما فيه أنني لا أرغب بإرهاقك يكفي طهيك للطعام يوميا، وتنظيفك للمسكن، حتى أنك رفضتي جلب تلك المرأة التي كانت تقوم بتنظيف الدرج والبناية من الداخل، لم كل هذا "هنا"؟
فركت "هنا" كفيها بتوتر تبث فيهما دفئا منشودا تحاول أن تبرر أفعالها التي لم تجد لها هي نفسها تفسيرا، فاندفعت تترجاها بصوت بائس:
-ارجوك لن يحدث شيئا إن ذهبت لجلب مشتريات البيت، ما عليك إلا كتابة احتياجاتك بورقةٍ وسأقوم بشرائها لكِ، ارجوك فأنا أشعر.. بالاختناق!
أشفقت على حالها فمنذ آخر اصطدام بينهاx بين بكريها وهي تتخذ مسكنهم حصنا لها، بالاضافة لتهربها الدائم من وجوده وعدم الاحتكاك به بعد أن تطاول عليها بلطمها لينتهي المشهد بسقوطها فاقدة الوعي، ليتفاجأوا اليوم التالي باستيقاظها تؤدي أعمالها المعتادة كما تفعل دوما بصمت أقلقهم حتي لم تحاول النظر لوجهه كأنها لم تراه، ترقرق الدمع الحبيس بمقلتيها، فأسرعت "هنا" تحتضنها وتعتذر شاعرة بالذنب:
-لقد ضايقتك، حسنا، لا يهم خروجي إن كان هذا سيحزنك، ولكن لا تبكي ارجوك!
x x x xx **********
جلس داخل سيارة شقيقة يمسح بعينيه البناية السكنية بفضول، ثمسأله باهتمام:
-هل أنت متأكد من ذلك العنوان؟
-نعم، متأكد، انتظرني، لن أغيب.
قالها "عمار" وهو يترجل من سيارة شقيقة قاصدا وجهته، بعد لحظات كان واقفا أمام الباب الخشبي يجول بعينيه بأنحاء البناية من الداخل، لم تتغير كثيرا طرأت بعد التغيرات البسيطة مثل تغيير طلاء الجدران، في نفس اللحظة كان هناك من يقف يجادل والدته ويميد غيظا من تصرفها ودلالها لزوجته، لقد فوجئ عند عودته مع والده من صلاة الجمعة بعدم وجودها بحجة شراء بعض طلبات المنزل، فنهر أمه بعدم رضا:
-هل أنا أو والدي نقصر معك يا أمي؟، لم سمحت لها بالخروج وتكسير كلمتي.
-لأنني أرى مالا تراه ابدا يا "مروان" ، ترفق بزوجتك يا ولدي، ولا تفتعل مشاكل معها، إن كنت تريد رضائي.
رنين الباب نبههما لحضور شخص ما، فاندفعت تربت فوق صدره بحنانها توصيه بكلماتها البسيطة:
-ها هي عادت، استحلفتك بالله لاتؤذيها.
تحرك بوجه غاضب وجسد متحفز لجرجرتها من خصلاتها، فاندفع يقبض على المقبض المعدني بوجه مشتعل يفتحه بعنفٍ، ليتوقف الزمن من حوله عند وقوع عينيه على أخر شخصا من الممكن أن يتوقع رؤيته بعد كل تلك السنوات، فاندفع الأخير يقطع ذلك الصمت الدائر بينهما بكلمات لها مغزى لا يفهمه إلا كلاهما:
-دارت بنا السنوات، ومازلت واجما متحفزا كما أنت لم تغيرك الأيام.
x x x x x - - - - - - - - - -
جلس يمرر عينيه من مجلسه، منتظرا مَن استأذن منه ليتخفي بالداخل منذ مدة ليست بقليلة بعد أن بادله بعناق طويل للحظات يبث فيه كلا منهما للآخر اشتياقه للثاني، رفع عينيه لتلك الصورة الفوتوغرافية التي تزيين وسط الحائط للمرحوم، فانتبه لدخول صديقه الظاهر عليه بعض التوتر الذي لا يعلم سببه، يرحب به ويجاور جلسته:
-حتي الآن لا أصدق تلك المفاجأة الطيبة.
اعتدل "عمار" بجلسته مستندا على ركبتيه بمرفقيه، يردف بصوته المتزن:
-أول شيء طرأ بعقلي زيارتك، عند عودتي.
رفع عينيه مرة أخرى لصورة مصطفى ليكمل بأسف:
-البقاء لله، أعلم أن واجب العزاء تأخر كثيرا، ولكنx أنت تعلم فاتصالاتنا مقطوعة منذ سنوات من قبل سفري.
فهم سريعا ما يرمي إليه صديقه القديم، ولم يرغب في الخوض في تفاصيل الماضي؛ حتي لا يؤذي كلا منهما الآخر بما كان، فأسرع يجيبه باختصار:
-ونعم بالله، عذرك معك.
ساد الصمت بينهما مرة أخرى ثم أسرع "مروان" يكسر الصمت بالاستفسار عن أخباره:
-ما أخر أخبارك؟، هل، هل.. تزوجت؟
-نعم، ولكن لم يدم طويلا.
أراد "عمار" السؤال عمن يرغب ولكن حرجه منعه، فوجد نفسه يسأله عن زواجه:
-وأنت، هل سعيد مع"همسة"؟
هرب "مروان" بعينيه عن مرمى صديقه المراقب لخلجاته بدقة، وقد لمس وترا حساسا بنابضه، وقبل أن يخبره بقصة انفصاله عن ابنة عمه، ولجت والدته بحامل القهوة ليسرع "مروان" في انتشاله منها وهي ترحب بضيفها ترحيبا صادقا:
-لك وحشة كبيرة ياولدي، ما تلك الغيبة؟
وقف"عمار" في استقبالها يتبعه تقبيل رأسها بحب خالص، يعتذر عن تأخره في واجب العزاء:
-اعذريني ما منعني إلا الغربة.
جلست أمامه بوجهٍ ملأه خطوط تقدم العمر، وقد اشفق على شعورها كأم مكلومة في ولدها، دوما كانت تلك المرأة نبعا لحنان يكفي العالم اجمع ولقد رأى بعينيه مدى تعلقها بفقيدها، كانا دوما هو و"مروان" يتخذان تلك حجة ليشاكسانه، طالما لقبوه"بقلب جميلة"، وأوقات أخرى ب"بمدلل جميلة" دمدم بدعاء خافت له لعله يكون من نصيبة، تناول قدح قهوته يرتشفها بتمهل يأكله الفضول والاشتياق للسؤال عنها، حث حاله على إلجام لسانه حتى لايظهر اهتمامه المبالغ فيه، وأول من سيكشفه ذلك الواجم الشارد القابع أمامه فوق مقعده، انتبه على صوت "جميلة" الرقيق تسأله بفضول:
-هل أعجبتك قهوتي؟، فأنا لست ماهرة بها، ليت "هنا" هُنا لتعد لك أجمل قدحا من القهوة ممكن أن تتناوله بحياتك.
رمق "مروان" أمه بنظرات تحذيرية لم تفهمها، وكادت تستوضح الأمر من ابنها قاطعها سؤاله المندفع لايصدق ما وصله:
-"هنا"؟، هل مازالت هُنا؟
-أمي هل لك أن تتصلي بوالدي لقد تأخر كثيرا.
أراد أن يقطع استرسال والدته ف فضح حقيقة زواجهما، فحتى الآن لا يعلم كيف سيواجهه هو الآخر بتلك الحقيقة؟
x x xx *********
وقفت للحظات فوق الرصيف الجانبي بالطريق تشاهد بعض الصبية من فريقين متنافسين، وهم يمررون الكرة المطاطية بين أقدامهم الصغيرة بحماس طفولي يتبعها صراخهم الحماسي، وابتسامة لم تدرك أنها قد شقت فوق ثغرها الوردي، متذكرة ذكرى بعيدة قد داعبت أوتار نبضها الخافق، عندما وقفت مثل تلك الوقفة بساحة كليتها تشاهده هو وحده يحارب بجسارة ليمتلك الكرة من خصمه ويدحرجها بمهارة هنا وهناك ليصدح من حولها صياح زملائها من حوله يهتفون باسمه "مصطفى"، حتى نجح في تسديد الضربة بجسارة لتطير بالهواء تبحث عن هدفها، ولكن لم يكن موطنها إلا وجهها وقتها؛ لتصرخ رعبا عندما رشقت الكرة بوجهها بدلا من المرمى، وتسرع بوضع كفيها فوق وجهها تحارب آلامها، للحظات أربكها ما حدث لتشعر بأيد تحاوطها و صديقتها المقربة "حسناء" تصرخ بأحدهم باستنكار:
-أيها الأعمى، ماذا فعلت؟
صدح صوته متوترا لاهثا لم تعلم وقتها سببا للهاثه هل بسبب فزعه أم بسبب ركضه المستمر أثناء المباراة؟، ليسألها بصوته الآسر بنبرته المهتزة:
-رِني وجهك، اعتذر بشدة عن هذا الخطأ، هل أصابك مكروه؟
هزت رأسها بحركات غير مفهومة، وقتها علمت من نبرته أنه هو من جذب ناظريها إليه، فضربها الارتباك بقوة، عندما أمرها بشدة يشوبها رجائه:

-ارجوك، علي أن أرى وجهك لاطمئن إن أصابك مكروه أم لا.
-أيها الأبله، من علمك التسديد بذلك الغباء.
كانت تلك عبارة صديقتها المقربة، ليسرع في نهرها:
-ألا ترين أن صمتك سيكون أفضل للجميع من ثرثرتك الهوجائية فأنا أحدثها هي وليس أنتِ.
كادت أن تتحفه بعبارات وقحة، فأسرعت "هنا" بالكشف عن وجهها تدريجيا وقد بدت أمامها الرؤية مهتزة ويغطي بصرها غشاوة بيضاء، وصلها شهقة كبيرة من أكثر من شخصٍ، لتسمع أحدهم يقول:
-لقد انتفخ وجهها.
فيجيبه الآخر:
-للأسف ستترك أثرا لأسابيع وستظهر كأنها خارجة من حلبة ملاكمة يا أخي.
تلفت "مصطفى" يرمق فريقه بنظرات تحذيرية لقد أربكه آثار الارتطام الذي نتج عنه بقعة حمراء كبيرة أسفل عينها اليسرى، فأقترب بسرعة منها ضامما كفيه لبعضهما يحدثه بتوسل:

-صدقيني، لم يكن خطأي، فقد كنت بالمكان الخطأ بالوقت الخطأ.
تشدقت "حسناء" بكلماتها اللازعة:
-هل الآن نحن المخطئين؟، من أنت فأنا لم أراك من قبل بكليتنا؟
أضاف آخر:
-إنه شقيق "مروان" صديقنا.
أجابته بنزق :
-قولت لي!، وارثا نفس سخافة شقيقه بالطبع، وهل نحن متحملين ثقل دمه ليأتي بشقيقه معه، هل هي روضة الأسرة وأنا لا أعلم.
شعر بالحرج الشديد من هجومها أمام الجميع، وكان كل ذلك على مسمع من تلك المصابة التي استطاعت أخيرا الارتكاز بوعيها المترنح، لتسرع مدافعة عنه، ولم تدرك وقتها أن دفاعها ذلك سيفتح بابا لن ينغلق أبدا:
-لم يحدث شيئا، فأنا المخطئة بوقوفي خلف المرمى بذلك الوضع، فهو لم يخطئ بشيء.
ابتسامة ساحرة تبادلتها معه لتعلم أنها سقطت في أعماق عشقه متخلية عن وسائل آمانها في سبيل لقياه.
عادت لواقعها على صيحات الصبية الحانقين لخسارتهم أمام الفريق المنتصر، لتردد بين شفتيها (يا من رميتني بسهام عشقك، متى لقياك؟).
تحركت أثناء ترديدها لعبارتها حاملة بين يديها أكياس محملة بالخضراوات، وعند أقترابها من مدخل البناية عاقها المرور تلك السيارة المصفوفة لتسد عليها الدخول فزفرت بغيظ، محدثة نفسها:
-ماهذا الغباء؟، كيف سأمر الآن؟
شاهدت أحدهم جالسا فوق مقدمتها يتلاعب بهاتفه، هتفت به صارخة:
-أنت يا سيد، يا أستاذ.
بدا له بأن طفلة تناديه، فرفع عينيه عن هاتفه ليجد من تناديه بوجه غاضب، فسألها ليتأكد أنها تقصده:
-أنا!
-نعم أنت، هل هناك من يسد مدخل البناية غيرك؟
تلفت ببلاهة من حوله ليكتشف أنه قام بصف سيارته أمام المدخل مباشرة، لكن لم يعجبه سلوكها ولا حدتها في الحديث، فرغب بغيظها أكثر واندفع يخبرها:
-لا أرى أي خطأ في الأمر، يمكنك المرور، هيا مرِّ!
-كيف أمُر؟، أقوم بالقفز مثلا، هيا حرك تلك البلوة من هنا، إلا جلبت لك ما يجبرك على إزاحتها عنوة.
أراد التقليل منها وقد أعجبه ثورتها وتهديدها الطفولي رغم ضآلة جسدها، فأشاح بكفه باهمال قائلا:
-من أنتِ حتى تنعتي سيارتي بالبلوة، ها؟!
-أنا صاحبة تلك البناية هل ارتحت؟
حاول كتم ضحته ليظهر أكثر جدية، فأسرع يظهر رعبه المزيف من معرفته لتلك المعلومة الخطيرة:
-لقد أخفتني كثيرا، سأتبول بملابسي من ذلك التهديد، ولكن دعينا نتفق اتفاقا أخبريني باسمك وسأفسح لك الطريق سريعا، ما رأيك؟
جحظت مقلتيها من وقاحته، وكادت أن تتحفه بعبارات وقحة، وصلها نداء باسمها بصوت تبغضه متهربة منه لأيام:
-"هنااا"!
إلتفتت سريعا تواجه"مروان" بتحفز ولكن سريعا ضاع ذلك التحفز ليحل محله الصدمة عندما تبينت هوية من معه، همست غير مصدقة وجوده:
-"عمّااار"!
انتبه "علي" لنطقها لاسم شقيقه متعجبا من معرفتها له، فوجد شقيقه يتقدم اتجاهها ماددا كفه للمصافحة، مردفا بتأثر:
-لقد مر وقت طويلا، لم أصدق عندما علمت بوجودك، كيف حالكِ "هنا"؟
مررت نظرها بين ذلك المتهرب بعينيه ارتباكا وبين كف الأخير الممتد لها، وعادت برأسها كل المشاهد القديمة التي جمعتهم من قبل دفعة واحدة، لتدفع قدميها هروبا من ذلك الموقف تودعها ثلاثة أجواز من الأعين، تاركة الجميع فوق رؤسهم تحلق الطير.
x x x x x ***********
لو شخصا أخبره أن ذلك اليوم يوم سعده سيكذبه، ولكن حقيقة الأمر ذلك اليوم المميز يوم عيد وأفراح، لم يمل ذلك النابض بالحياة من القفز كطفلٍ مشاكس منتظر الاحتفال، أخيرا سيمني عينيه برؤياها عن قرب بعد طول انتظار، معشما نفسه بنظرة رضا منها، لعلها تتجاوز عما حدث بينهما وتعود الحياة بينهما كما كانت دائما، ليس مطلوب منها سوى الاعتراف بجريمتها بسرقته ويتولى هو أمر تسوية أموره مع أسرته ليتغاضوا عن خطئها السابق، قطعت تركيزه زوجته الثانية، تلك العلقة الذي يجهل كيف سولت له نفسه للزواج منها، استمر في غلق أخر زر بأزرار قميصه الجديد الذي قام بابتياعه خصيصا من أجل ذلك اليوم ليظهر بأبهى صورة كما أعتادت، لتقول هي بغيظ يتملكها لم تقدر على إخفائه:
-كل تلك الوجاهة من أجل مقابلة أولادك اليوم؟!
رمقها بنظرة سريعة، قائلا ببرودٍ قصده معها فهو أكثر من متأكد من إشتعالها غيظا:
-ما رأيك أنتِ؟، تُرى ما سر أناقتي اليوم؟!
تخصرت بيديها وانطلقت تتهمه كعادتها مؤخرا بما ليس به، ولكن في الحقيقة أصابت تلك المرة في اتهامها:
-لا تراوغ أكثر من ذلك، فأنا أعلم جيدا سر ذلك للاهتمام والمزاج العالي على غير عادتك، كل ذلك لأنك سترى ست الحسنx الجمال أم أولادك.
-جيد جدا أنك أصبحت شديدة الملاحظة، ويجب عليك الاعتياد على ذلك وعدم حرق دمائك حتى لا تمرضين؛ لأن رؤيتي لأولادي وأم أولادي لن تتوقفx بعد اليوم.
أمسكته تديره إليها بعنف، تبثق كلماتها من بين أسنانها:
-ماذا تقصد بأفعالك معي مؤخرا، أتتخيل أن أكلّ من تلك المعاملة وأتركك بسهولة ويسر لتعود لأحضانها، لن يحدث أبدا؟
-من الواضح أن أعصابك تحتاج لراحة تلك الفترة، فكثرة تتبعك لأخبارها وسؤالك عما كان يحدث معها وهي سيدة ذلك البيت قديما أتعب أعصابك لرفضك لتلك المقارنة الغير منصفة لك، اخرجيها من رأسك لترتاحين.
انتهى من جملته تاركا إياها يتراقص فوق رأسها غربان حياتها، ثم توقف ليضيف ما جعل أخر دوافعها تتحطم:
-نصيحة مني لا تحاولين العبث مرةً أخرى بحاجياتها الخاصة، بالحجرة المغلقة وعدم ارتداء ما يخصها، لأن هذا كفيل أن يطلق عنان خيالي لتخيلها فيها بدلا منك.



***********************


رعبٌ تملك صغارها وتَملكها من تلك المقابلة الأولى بعد غياب عامين تقريبا، تعلم أن قلبها النابض الصغير لازال يكن له بعض المشاعر رغم كرهها الظاهر، رغم نقمتها على أفعاله في فترة زواجهما الأخيرة قبل انفصالهما، ألم إتهامها بسرقته رغم أمانتها معه طيلة فترة زواجهما كان ألما لا يوصف، شعرت بالضياع بعدها كيف يصدق أنها تفعلها؟، انتبهت من شرودها على جملته بكريتها "شهد":
-هل يمكن ألا يحضر اليوم؟، أتمنى كثيرا ذلك، فأنا أخاف من مقابلته؟
-وأنا أيضا!
تمم على جملتها شقيقها "عمر"، تنهدت "زينب" تهدئ من روع أطفالها وحتى لا يصلهم توترها أيضا، ثم انطلقت تطمئن روعهما:
-لا تقلقوا لن يقدر أحدا على انتزاعكما من أحضاني أبدا، وأيضا يجب عليهم اعتياد الوضع الجديد كل جمعةٍ من كل أسبوعٍ.
مررت نظرها تتفحص الموجودين حولهم فوق الطاولات المجاورة بعين مرتعبة من ذلك الوضع تحاول لمح وجوده وسط باقي الموجودين تتمنى من قلبها عدم حضوره فهى لا تأمن رد فعله لرؤيتها ولا تهوره، ظلت تناجي خالقها أن يمرر ذلك اليوم على خيرٍ:(يارب).
انتبهت مرة أخرى ل"زيد" الصغير الواجم شاحب الوجه بعيني زائغتين وهذا ما قلقها على طفلها الصغير فشخصية صغيرها تختلف كثيرا عن أخوته فهو صاحب شخصية مضطربة كتوم بطريقة تسبب لها الضيق أحيانا لا يفصح عما بدواخله، فرغبت في تحريره من صمته لتكشف عما يكنّه بصدره، فسألته بحنو أمومي:
-رجلي الصغير "زيد" لمَ كل ذلك الصمت؟، أترغب بأبلاغي بمَ يقلقك حبيبي؟
هز رأسه بالرفضِ و بفمٍ مقلوبٍ، زاد وضعه من ألم نابضها داخل تجويف صدرها على تأثره وخوفه مما يحدث، فجذبته من مقعده ليجلس فوق ساقيها تداعب خصلات شعره البنية الناعمة، تبعها قبلة فوق وجنته تهدئ من خوفه المضطرب تخبره بصدق:
-أتعلم؟!، أنك "زيزو" رجلي الصغير، يجب أن تعلم أنني دائما بقربك وبئر أسرارك، إذا أردت أن تبلغني بأي شيء يقلقك لن تجد إلا أمك لتبث لها شكواك، أتفقنا؟
-حقا؟، أي شيء؟!
أجابته "زينب" بصدق حقيقي:
-بالطبع، أتشك في ذلك "زيزو"؟
-إذا فهناك أمر أريد إبلاغك به منذ فترة، بخصوص...
قطع استرساله "عمر" عندما صرخ بهم فانتفضوا لصراخه عندنا باغتهم بقوله:
-إنه هناك، لقد رأيته ماذا نفعل الآن؟
انتفضت "شهد" تلتفت حولها برعب باحثة عنه بتوتر بالغ، سائلةً بصوت مضطرب:
-أين رأيته؟، لا لم أراه حتى الآن.
أخبرتهما "زينب" بصوتها الهادئ دائما تطمئنهم:
-لا تقلقا إنها مجرد مقابلة ليس إلا، ولا تنسوا أن واجب عليكم رؤية والدكم مهما بدرَ منه، حتى لا يصل الأمر بكم للعقوق وهذا أرفضه، حتى لو كان مقصرا في حقوقكم.
كادت أن تنتهي من إرشاداتها ونصائحها الثمينة رغم رفضها الداخلي وضيقها منه وتعلم جيدا أنه لا يستحق أن يملك مثل هؤلاء الأولاد النفيسون، فقاطعها اقتراب مسئول المراقبة منهم ليتحفذوا له بفضول، ليخبرهم بلباقة واجبة:
-سيدتي!، والدهم قد حضر و يطلب رؤيتهم.
في تلك اللحظة لمحته عن قربٍ بملامحه المتجهمة التي يغزوها التوتر، رغم وسامته وأناقته الَمقصودة إلا أنه به شيئا مختلفا لا تستطع تحديده، شيئا مختلفا عمّا عاهدته طيلة معاشرتها له، لقد اعتقدت أنها لن تتحمل تلك المواجهة ظننا منها أن ذلك النابض اللعين مازال يتراقص كطفلٍ مشاكسٍ داخل مساحته الخاصة، لم تكن تعلم أن القلبِ قد تقلّب وتمرد، وأعلن كلمته الأخيرة بالعصيان.
x x x x x x *********
في مكان آخر كانت هناك عينان مراقبتان -عاشقتان- لأنفعالاتها كانت ترغب في تسجيل إنفعالاتها والتأكد مما يضمره قلبها، لتختفي نظراته الحماسية لأخرى يائسة، فعند ولوجه للمكان منذ قليل لم يكن يعلم الهدف الذي جعله يمشط النادي باحثا عنها بعد تأكده من صديقه"أبا بكر" وجودها بنفس المكان التي تتم فيه مقابلة "رقية" بوالدها أيضا، لم يشعر بروح الحمية اتجاهها هي وأطفالها لا يعلم، هل عشقها لحد أن يقف خلسة يراقبها تتجاذب الحديث مع أطفالها؟، ليته يعلم الأن مايدور حول تلك الطاولة المستديرة التي تجمعهم، يشعر ببعض التوتر يطوف بأجوائهم وصلته ذبذبات قلقها وتوترها المتمثل في رعشة أناملها ويتبعها جذبها لصغيرها تحتضنه بعد أن حملته فوق ساقيها؛ تبثه من حنانها، انحنى به تفكيره الذي أصبح متطرفا بعض الشئ مؤخرا، لخاطرة منحرفة أنفرجت لها شفتيه بابتسامة متمنية، عندما تساءل ماذا لو أصبح هو بين ذراعيها الدافئتين تذيقه قطرات شهد جنتها، انتبه لكف "رقية" المستريح داخل كفه الذي قطع عليه تلاطم أفكاره العنيفة؛ تخبره كعادتها أن والدها قد حضر لرؤيتها كعادة كل أسبوعٍ منذ شهرٍ، رفع عينيه للذي كان صديق عمره يبادله نظراتٍ معاتبة كارهة، يخبره خلالها أن لا سلام بينهما بعد الآن،
فانحنى ليكون بمستوى طفلته يوصيها بقلب أبٍ بأن تحسن التصرف مع والدها.
x x x x xx *******
-لا تتحدث عن أمّي بذلك الأسلوب.
صرخت"شهد" بوجهه بكرهٍ واضح له، ترفض مجرد تبريره وإلقاء اللوم الدائم على كاهل والدتها، لم يتوقف منذ لقائهم عن التبرير والتحليل وإلقاء الخطأ كليا عليها، فبادر يدافع وقد تملك منه بعض الغضب من سلوك ابنته المتمرد:
-هذا ما علمته لكِ أنتِ وأخواتك، ولكن هذا خطأي، كان يجب عليّ عدم السماح لها بالاستحواذ عليكم.
-أنتَ من دفعتني لذلك، لن أسمح بأن تلقي عليها اتهماتك الباطلة، أنت تعلم جيدا أن أخلاق أمي لا يشوبها شائبة، يستحيل أن تسرق أموالك، لمَ مصرٌ على تشويهها أمامنا؟
نطق بكلماته يجيبها بدون وعيب:
-لقد سرقت أموالي، أستأمنتها وخانتني.
لا يعلم سبب اندفاعه لإلقاء الاتهامات على أمهم من أول مقابلة، هذا كان تبريه الداخلى قبل أن يكن تبريرا لهم عن سبب سرعة استبداله بغير أمهم، يلقي عليها جم اتهاماته لتكن هي السبب الرئيسي لكل ما حدث حتى يأمن دعم أولاده بعد ذلك في كل ما يخطط له مستقبلا، فسمع سؤال "عمر" المضطرب:
-هل هذا مبرر حتى لا تنفق علينا؟، لمَ قمت بنقلنا من مدرستنا، فنحن حتى الآن لم نعتاد على أي شخصٍ بتلك المدرسة.
-إن أردتم أموالي ليس عليكم إلا تركها والعيش معي، وقتها لن أبخل عليكم بمالي ومال جدكم، ولكم وعدي بأن أنقل أوراقكم لمدارسكم كما كنتم، ولكن ما عليكم بالمقابل أن تتركوها وتعودوا إليّ.
كان مبرره لهم كان أشبه بصفعة على وجوههم الشاحبة، كان رده أشبه بالمساومة الرخيصة، ولمَ لا إذا كانت تلك المساومة ستأتي بثمارها فلمَ لا؟، ستجعلها ترضخ له وتحكمه، كررت "شهد" كلماته بذهولٍ من شبح أبيها الماثل أمامها، يساومهم من أجل إنفاقه، - مراعاته-، من أجل أمانه، أين ذلك الأمان التي تنشده بين أحضانه؟، رجعت بذهنها تسترجع ملمس حضنه لها في أول اللقاء كانت تنشد الأمان فيه لتصطدم بالخوف، تنشد الدفء لتواجه برودة عاطفته، ليتحول الحضن بينهما كأحتواء روتيني لم يصلها مذاقه الحقيقي ولن يصلها مطلقا.
-أتطلب منّا أن نترك من عانت من أجلنا وحملت همومنا لنعيش معك أنت وزوجتك الجديدة، لا أصدق أبي ما تطلبه.
قالتها "شهد" باستنكار واضح، هل يفترض أن يكون هذا هو شكل أول مقابلة بينهما بعد طيلة تلك الأيام، لم تتوقع ذلك الجفاء منه، أبدا!، راقبت عينيه المتابعة و التي لم تبرح والدتهم التي استقرت أمام الكافيتريا مع شقيقتها الصغرى على بُعدٍ ليس بالكبير بكثير من الاهتمام المتواري خلف قناع وجهه الجاد، لتلاحظ سريعا نظرة الاهتمام تتبدل بنظراته متحفزة -غاضبة- كأن أعصاير العالم كمنت بملامحه لتتحول لملامح مخيفة، لم تكد تلتفت بفضول خلفها، ليشعل "زيد" الأجواء بسؤاله الفطري الطفولي:
-أليس هذا العمّ "عدي"؟!
لمحة من عيني "شهد" لمكان أمها، لتكتشف سبب تجهم وجه والدها الذي أربد بالغضب، و أسرع في سؤاله بحنق:
-مَن هذا؟، أتعرفوه؟
تلبكت "شهد" و "عمر" للحظات خوفا من بطش والدهما، ليزيد "زيد" الطين بللا بكلماته الساذجة التي أشعلته:
-كيف لا نعرفه؟!، وقد أتى لمنزلنا من قبل.
قفز من مقعده ليصدر عن سقوطه خلفه دويا كقذيفة مدوية، متسائلا وقد كان يتمنى نفيهم لما وصل لذهنه من شكوك:
-من هذا الذي أتى لأمكم بالبيت، انطقوا!
x x x x x x ************.x x x x x x x x xx
x x x x قبل دقائق اضطر "عُدي" بعد أن اطمئن على صغيرته -رقية- إنها في حوذة أبيها، التي وجدت في البداية بعض الغرابة في تقبل ما يسمى والدها كما ذكر لها خالها "عُدي"، تجلّت الرهبة على ملامحها بسببه رغم احتوائه لها بين ذراعيه أول المقابلة، ولكنها لم تعرفه ولم تتذكر حتي ذكرى بعيدة تجمعها مع ذلك الغريب المسمى والدها، فهي لم تعرف عن الأبوة إلا هو"عُدي"، "عُدي" الذي قرر التنحي بخلافاته وضغائنه مع زوج شقيقته الراحلة، حفاظا على نفسية طفلته الرقيقة، فلم يجد بُدًا إلا بالابتعاد عن حيزهما لترك لهما المساحة الخاصةx لعل الصدع يرأب وينتهي الأمر، تحرك مبتعدا يهيم على وجهه شاردا في القطعة الثانية النفيسة بهيئتها الهادئة السكينة، تداعب خياله من خلف نقابها ببندقتين براقتين سحرت لبّه، ذلك الستار الذي يبقى حاجزا بينهما يدفعه تهوره بنزعه عنها حتي لا يشعر بأي فواصل مقيتة بينهما، ناهيك عن نبرة صوتها التي تزلزل جدران صدره بسبب ذبذباته الناعمة الشجية، انتهى به الأمر أمام عامل الكافيتريا يخطفه من شروده بملكته الخاصة يسأله برسمية:
-هل يمكنني مساعدتك؟
تنحنح "عدي"، وجال بعينيه داخل المكان من خلال نافذة كبيرة يتواصل بها العمال مع زبائنهم، لا يعلم. ما الذي أتى به إلا هنا سوى شروده بخاطفته، فطلب أول ما طرأ ذهنه المنهك:
-قهوة سادة إذا سمحت.
بعد لحظات كان يرتشف مذاق قهوته بانتشاء، ناهرا نفسه عن التفكير بها، أغمض عينيه يتمنى لو يتمكن من مصارحتها بما يعتريه نبضاته الخافقة، ولكنه يخشى من رفضها لمشاعره فهو أكيدٍ أن مشاعره لا تحمل سواها، فتح عينيه على اتساعهما ثابتا كتمثال شمعي عندما وصل ذبذبات صوتها الشجية، للحظة ظن أن يهذي من كثرة انشغاله بها، ولكن عندما وصله سؤال العامل:هل تريدين شيئا آخر غير المياة الغازية!
لم يشعر بنفسه إلا هو يواجهها بوجه مذهول أراد التأكد من وجودها، هي أمامه بشحمها ولحمها لم يتخيل ولم يجن، لم يدرك من بدأ بالهمس باسم الأخر، ولكن كل ما عرفه إنه سمعها تهمس باسمه مجردا من الألقاب:
-عدي!
-زينب!
ازداد ارتباكها الواضح عندما تأكدت من وجوده كان على علم بوجودها بالنادي وبأي مكان تستقر تحديدا، لكن لم يخيل له صدفة اللقاء تلك، تلعثمت وهي تسأله بدوره:
-كيف حالك؟، هل أنت معتاد على ارتياد النادي؟
رمق خاصيتها المعذبتين بنظرة خاصة يجيبها بقلب أضناه شوقه:
-منذ شهر تقريبا، فوالد "رقية" يقابلها هنا.
-لقد اشتقت إليها كثيرا، كيف حالها، هل تبلي حسنا مع والدها.
اربد بوجه ببعض الضيق وراح يخبرها، وهو يداعب صغيرتها "حور" المتشبثة بعنقها من أرنبة أنفها:
-البنت حتى الآن لم تعتاد عليه، تشعر معه بالغربة.
هزت رأسها بتفهم بعد أن شردت قليلا عنه تحمل مشترياتها من العامل وتضبط وضعية طفلتها، التي لم تكل من العبث في نقابها، قائلة بصدق:
-لا تقلق، ستعتاد الأمر،x سلامي لها.
إلتفتت تغادر توليه ظهرها، كانت في حاجة ماسة لتهدئة توترها في وجوده الطاغي، والأصعب خوف من ملاحظة "حسن" لهما ولن تأمن رد فعله إن حدث، أوقفها بعد أن ألقى بكوب القهوة الورقية كأن لايريد شيئا آخر يشغله عنها:
-زينب!
مرة ثانية ينطق اسمها مجرد من الألقاب كأنه يستلذ نطقه، فانتبهت له يقول بارتباك استشعرته بنبرته:
-ولكنك لم تخبريني عن سبب وجودك؟
"ماكر"، أيها العابث أتسألها وأنت على علم مسبق من صديقك بموعد رؤية أطفالها، منذ متى وأنت بذلك المكر يا عفريت، حدث نفسه كأنه يوبخها على تهور سؤاله، فوجدها تجيبه بهدوئها المرتبك الذي يقتله، وهي تحاول منع صغيرتها من التلاعب بنقابها والكشف عن وجهها:
-الأولاد، أه، اليوم،!
بدت له مرتبكة من وضعها، فأكمل هو بلباقته، وهو يتمنى تهور الطفلة في رفع ذلك النقاب الفاصل بينهما:
_من المؤكد أنهم مع أبيهم، أليس كذلك؟
هزت رأسها تباعا بالموافقة غير مدركة كم مرة قامت بتحريكها، فطلب منها ما جعلها تفرغ فاها المغطى بنقابها ذاهلة:
-هل يمكنني حملها لدقائق؟، فإنها مصرة على كشف وجهك اليوم لي.
طلبه المتهور الذي باغتها به، مع ملاحظته البسيطة اربكتها، وهو لا يعلم سببه إلا أنه عاشقا للأطفال منذ صغره، ويالا الأسف أنه لن يتمكن من حمل أطفاله مطلقا، مدت ذراعيها بطفلتها ليسرع هو بحملها يغمرها بقبلاتها العشوائية مختزنا بعض من رائحتها برئتيه باستماع، تململت الصغيرة رفضا لقبلاته الشائكة المؤلمة أثر لحيته، فأسرع يدغدغها لتصدح ضحكاتها البهية قائلة:
-تتهربين أيتها الحلوة من لحيتي؟
راقبت "زينب" ضحكاتها المنطلقة متذكرة لقائها الأول بوالدها منذ قليل وكيف نفرت منه وانطلقت بصراخٍ مدوي بين يديه، لم تكد تحملها عنه، ليصلها صوت جعلها تنتفض رعبا لتتيقن أن ما هو آت ليس بالقليل، مزامنة مع جذبه للبنت بعنفٍ واضح، قال مستنكرا:
-ماذا يحدث هنا؟، من هذا؟
x xx

xx ***************.x x x x x x x x xx .
x x x x x x x x x x xx
ولج لشقته يبحث عنها بعيني فهد منتظر ظهور فريسته ليغتالها بأنيابه الحادة، قد اشتعل غيظا من رد فعلها مع صديقه "عمار"، لقد أهانته بتجاهلها المتعمد لهما، بحث عنها في حجرتها التي تتخذها مأوى لها فوجدها خالية، ليصله سريعا صوت الأوعية المعدنية من داخل مطبخه، فتتجهم ملامحه ويعدو بخطواته حتى وصل لوجهته يجدها منهمكة بغسل أحد الأوعية المتسخة، متحررة من حجابها فيظهر خلف ظهرها شعرها الغجري الطويل، فنطق بكلماته بحدة لعلها تنتبه لوجوده:
-ماذا تقصدين بفعلتك تلك؟
لم تجفل من صوته أو تلتفت لحديثه، ظن أنها تعانده، فأقترب وهو يميد غيظا بأفعالها ينوي تربيتها وتأديبها، ولكن أوقفته كلماتها عن تهوره:
-ماذا تراني أفعل، أنظف الوعاء بالطبع.
استشاط غيظا من ردود أفعالها الباردة، فأقترب يجذبها بقوة أجفلتها ليسقط عنها الوعاء أرضا مصدرا صوتا مدويا مخترقا السكون من حولهما، ظل يضغط علي ذراعها قاصدا ألمها، لتبادله هي بنظرات خاوية شاردة -ميتة-، فراح يهزها مع صراخه بوجهها:
-أنا أتحدث عما فعلتيه بالأسفل، كيف تحرجيه بهذا الشكل، لقد أحرجتنا جميعا.
-هل كل هذا لأنني لم أبادله التحية، لا تقلق المرة القادمة سألقي بجسدي بين أحضانه وأقبله من شفتيه إن هذا سيرضيك.
-اخرسي!
ثبتت مكانها تنظر لكفه المرفوع بقصد لطمها ولكنه تراجع عن فعلته في أخر لحظة، جاهلا سبب كرهه الذي يتفاقم يوما بعد يوم اتجاهها، ابتسامة ساخرة تشدقت بها تنظر لعينيه المتهربتين من مراقبتها كالطفل المذنب المنكر لذنبه، فهمست له بابتسامتها الهادئة:
-لمَ الغضب؟، كأنك لأول مرة تستمع لذلك، ألست من دفعه لفعلها من قبل؟!
جحظت عيناه لذكرها لتلك الذكرى السوداء، يلهث بقوة ككلب جرب تائها بوادي الذئاب، ابتلع غصة عرضية مريرة، يتساءل من بين لهاثه:
-لم أنتِ بالتحديد؟، ماذا تملكين عن غيرك ليقع كل الرجال بعشقك؟، أي سحر أسود تمارسينه لجذبهم، ما الذي يميزك عن غيرك؟
ختم أسئلته بهزها بقوة، فصارت كخرقة بالية تتقازفها الأقدام بلا رحمة، فأجابتها بثباتها المزيف:
-أملك نقاءً، نقاءً لايعرفه أمثالك"مروان".
-أنا أبغضكِ بشدة.
ابتسمت لما أردف به بثقة، لتمم على حديثه:
-وأنا أيضا، كما يقولون بالأمثال"القلوب لدى بعضها".
نفض قبضته عنها لتشعر هي براحة عجيبة لتحررها من لمساته المؤذية، يلهث بقوة من شدة غضبه كيف لها أن تثير غضبه بأبسط الكلمات، جاهلا سبب قدرتها العجيبة على استفزازه بأبسط إيماءة تصدرها، هيهات بين شعوره اتجاهها وشعوره اتجاه همسته، ألقى على مسامعها أخر كلماته يرسل لها ما يعتريه من بغضٍ:
-كم أتمنى عدم وجودك بتلك الحياة.
انصرف عنها ليتركها تراقب الفراغ بمشاعر ميتة، ظلت صامتة لبرهة قبل أن تهمس لنفسها:
-كم أتمنى أكثر منك!


***********************


نهاية الفصل الثامن


الساعة الآن 05:53 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.