آخر 10 مشاركات
178 - قيد الوفاء - سارة كريفن - روايات عبير القديمة(كامله)** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          كاثرين(137)للكاتبة:Lynne Graham (الجزء1من سلسلة الأخوات مارشال)كاملة+روابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          1112-الإستسلام - شارلوت لامب ج6 -د.ن (كتابة /كاملة )** (الكاتـب : Just Faith - )           »          الضحية البريئة (24) للكاتبة: Abby Green *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          وَرِيث موريتي(102) للكاتبة:Katherine Garbera(الجزء1 من سلسلة ميراث آل موريتي) كاملة (الكاتـب : Gege86 - )           »          1109 - شىء من الحقيقة - شارلوت لامب جزء 1- د.ن (كتابة فريق الروايات المكتوبة) كامله** (الكاتـب : essaerp - )           »          رواية بدوية الرحيل -[فصحى&عامية مصرية] -الكاتبة //ألاء محمود مكتملة (الكاتـب : Just Faith - )           »          طلب مساعدة لاشراف وحي الاعضاء (نرجو وضع تنبيه بنزول الفصول الجديدة للروايات) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي اجمل قصة في الرواية؟ (اختار اكثر من قصة)
وليد-شيرين-معاذ 128 28.64%
مؤيد-رتيل 111 24.83%
مصعب-نورين 292 65.32%
مالك-سمية 123 27.52%
مازن-ياسمين 55 12.30%
قصي-سهر 54 12.08%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 447. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree7315Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-10-21, 05:47 PM   #4591

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثامن والعشرون



بعدما أنهى وليد مكالمته ألقى بهاتفه فوق المكتب بقوة وقد اقترب حاجبيه من بعضهما.. كان يشعر بالتشوش يغزو عقله والغضب المستعر يشتعل في داخله كأنه بركان يستشيط بحممه..

لا يصدق إلى الآن أن شيرين كانت حامل! حامل! كان هناك طفل بأحشائها منه.. منه هو.. قبل أن تخسره أثناء وجودها بالسجن!

طفح الذنب وتأنيب الضمير على ملامحه المحتدة.. وبدا كأنه أكبر من عمره بعشر سنوات..

لقد كان هو المتسبب الأول بخسارتها إيَّاه.. فلو رفض السفر قبل تقديم براءتها وإخراجها فلم يكن لتبقى هناك مدة أطول خاصة وأنَّ محاميها فشل بكل الطرق الممكنة بالحصول على الفيديو الذي يؤكد براءتها..

احتدت الدماء في وجنتيه غضبا منها وتراقص اللهب في مقلتيه الداكنتين سخطا عليها..

لم يكن عليها معاندته والإصرار على تركه.. لم يكن عليها ذلك.. تبا لها..

ربــــــــــــــــــاه.. فقط لو كان يعلم أنها حامل.. يقسم بأنه لم يكن لينتظر ثانية أخرى قبل أن يبذل كل ما بوسعه لإخراجها.. كان ليخاطر ببقائه في البلاد لمدة أطول حتى تخرج سالمة من السجن حتى لو ترتب على الأمر أن يخسر حياته.. هذا فقط لو كان يعرف بأمر حملها!

لقد خسر طفل له مع جُمان في السابق قبل أن يصبح حملها مجددا صعب بل مستحيل.. والآن ها هو يخسر ابنا ثانيا له مع شيرين..

انهارت ملامحه وتراخت جلسته على كرسيه.. ارتعشت شفته السفلى باختلاج فؤاده المحروق ونزيف قلبه المنهمر بغزارة راجيا من الله أن يعوضه بابن ثاني من شيرين..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-10-21, 05:48 PM   #4592

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي




في غرفة المعيشة..

زفرت زاهية المشغولة بالتطريز وعلامات الضيق متجلية على وجهها.. ثم ناظرت ابنها الجالس بجانبها تنهاه عن عادته المستفزة لأعصابها

((توقف يا مالك عن هزّ ساقك بهذا الشكل، أنتَ توترني))

التفت مالك بوجهه المحتقن لأمه هادرًا دون أن يتوقف عن هز ساقه

((لن أفعل يا أمي فأنا أكاد أموت قهرا وكمدا، كل شيء منذ لحظة زواجي كان يسير بخير حتى عرفنا بطلاق مؤيد لزوجته، فمن وقتها سمية تنشغل عني لتعتني بأولاد أخي مؤيد بجانب يزيد خاصة وأن امتحاناتهم على الأبواب))

تطلعت زاهية له باستنكار هادرة

((وماذا أفعل لك أنا!؟))

بادل مالك مؤيد الجالس مقابله النظر بحنق ثم قال ببغض شديد

((أريدك أن تخبريها أن الاهتمام بولديْ مُؤيد هو أمر إنساني وتُشكر عليه، لكنه ليس من واجبها وعليها أن تهتم بزوجها فهو لا زال عريسا جديدا))

تجلى الامتعاض على وجه زاهية وقالت بترفع

((لسنا بحاجة لجميل زوجتك! اذهب وأخبرها أن تبتعد عن أولاد مؤيد وتتفرغ لك))

لف الإحباط مالك وقال لأمه بقلة حيلة

((أمي لن أفعل، ستظن أني أتصرف بتسلط معها وربما تأخذ على خاطرها مني، أخبريها أنتِ وتصرفي كأنك صاحبة هذا الكلام، أو سآخذها وأهجٌّ من هذا المكان إلى حيث لا يجدني أحد، وأترك يزيد عندكم أيضًا))

أطلقت عينا زاهية سهام الازدراء والاستخفاف برجولة ابنها مِمَّا جعل مالك يقول بدفاعية وهو يشيح بنظره عن نظرات أمه المتهمة

((أمي لا تناظريني بهذا الشكل، ليس لأن ابنك الآخر يريد أن يمشي على حلّ شعره ويتزوج مجددا عليّ أن أعاني من عواقب قراره وتتحمل زوجتي تربية أولاده!))

في هذه اللحظة فقط نطق مُؤيد متجهم الوجه ليقول بصوتٍ خطير

((اخرس يا مالك ولا دخل لك بي))

شددّ مالك على كلماته ليقول وهو يستشيط غضبا

((بل لي كل الدخل عندما تكون زوجتي مضطرة للاعتناء بأولادك، تزوج من طلقت زوجتك لأجلها واطلب منها هي أن تهتم بأولادك ودراستهم، نحن لسنا مضطرين لذلك))

ثم ناظر مالك والدته بطرف عينيه وهو يردف بنبرة ماكرة

((تذكري يا أمي كيف قام بتحريض أبي ضدي في السابق عند مسألة يزيد ولا تطلبي مني أن أقف بجانبه الآن))

اتقدت في عيني مُؤيد نيرانٌ متأججة وهو يقول

((ومن طلب منك أن تقف معي أو تصنع معروفا!))

هتفت زاهية بصوتٍ متحشرج قهرًا على حال أبنائها وعلاقتهم ببعضهم

((يكفي، يكفي أنتما الاثنين، ساق أخاك مكسورة يا مالك فلا تستقوى عليه.. الآن سأذهب لأخبر زوجتك أن تترك ابنا مؤيد وشأنهما، لا أريد معروفها))

وتوجهت زاهية إلى حيث تجلس سمية مع الأطفال وهتفت عاليا باسمها فتطلعت سمية على حماتها التي دخلت المكان فجأة وأجابتها بخفوت

((أقوم بمذاكرة امتحانات الأولاد، هل هناك شيء؟))

منحتها زاهية نظرة ممتعضة قبل أن تقول لها

((ومن طلب منك أن تذاكري لأحد منهم! انشغلي بابنك وزوجك فقط وغير مسموح لك بالتدخل بأولاد مُؤيد، تعلمي قليلا من ياسمين كيف لا تتدخل بشؤون أحد غيرها))

احتقنت الدماء في وجنتي سمية وتذرعت معترضة

((ولكن رتيل طلبت مني أهتم بابنيها جيدا أثناء غيابها خاصة بدراستهما))

عند ذكر تواصلها مع تلك الخائنة من وجهة نظرها انفلتت أعصاب زاهية لتصب جام غضبها عليها هاتفة

((قلت لك من الآن فصاعدا لا أريد منك أن تتدخلي بشؤون أولاد مُؤيد، سأدبر مربية لتهتم بدراستهما ورعايتهما ومن اللحظة))

لفَّ الحزن والعبوس الأطفال الثلاث لأمر جدتهم وحتى أن فهد أمسك ذراع سمية وشدَّ عليها لولا أن قامت زاهية بسحبه نحوها بحزم ملفوف بالرفق ومن ثم أخاه خارج الغرفة..

دلف مالك للداخل تزامنا مع خروجهم وجلس بجانب زوجته التي ارتسم الحزن والضيق عليها فحضنها من كتفها واجتذبها لصدره هامسا بحنو

((حبيبتي لا تحزني))

جمع يزيد كتب ودفاتر أولاد عمه فوق الطاولة التي كانوا يدرسون عليها ولحقهم..

أما سمية فتطلعت بعينيها لمالك وقالت بإحساس قاتل بالذنب

((لكن أنا أشعر بالسوء لأني لن أستطيع الاهتمام بإبني رتيل بغيابها، وهي أكثر من بذلت كل ما في وسعها للتخفيف عن يزيد بفترة ابتعاده عنا))

قرب مالك جبينه من جبين سمية وهمس لها مطمئنًا

((سمية أعرف أن ما سأقوله سيكون قاسيا على أبناء أخي ولكن لا تساعديه في الاعتناء بهم حتى يعرف حاجة أطفاله لأمهم ويعيدها لذمّته ويتراجع عن أمر زواجه بأخرى، دعيه يعاني حتى لا ينطق كلمة الطلاق بسهولة بعد أن تعود زوجته له))

اعترضت له هادرة بعاطفتها المتوهجة

((ولكن ما ذنب الصغار! لماذا عليهم أن يعانوا بسبب أخطاء الكبار مثلما عانى يزيد بسببنا!؟))

انخفضت عينا مالك لفمها قائلا بصوتٍ أجش وروح تواقة

((كم أنتِ رقيقة القلب، لو فقط تنسي كل من حولك وتركزي على زوجك المسكين))

بدأ العبث والشقاوة يتلاعبان بملامحه الحلوة فتسارعت دقات قلبها لتضخ الدم الى وجهها مباشرة فتشعر بخديها يلتهبان.. إلا أنها أظهرت تمنعا وهي تقول له

((مالك ليس هنا، قد يأتي أحد فجأة))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-10-21, 05:49 PM   #4593

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

تعلقت هدى برقبة أبيها تعانقه بقوة تناسب طفوليتها وغمغمت بانبهار لا يقل منذ شرائه بيت الدُمى الضخم لها

((أبي أنا أحبك))

ابتسم مازن بحنو وهو يبادل صغيرته العناق شاعرا بأساريرها المتفجرة من البهجة لمجرد اقتنائه لها بيت دُمى سمعها تقول مرة عن حلمها بامتلاك واحدا كبيرا مثله بدل الصغير الذي تمتلكه!

أبعدت هدى وجهها لتلثم وجنة والدها وذقنه الخشنة برقة وحب ليبعثر مازن شعرها بيده هادرا بمرح

((وانا أحبك أكثر ولكن يكفي، هل ستظلين تمطرينى بالقبلات كل دقيقة!))

عادت هدى تناظر بيت دماها الضخم وتقول بعفوية طفولية

((كنت آمل منذ زمن الحصول على بيت دمى مثل هذا، ولكن أمي كانت تقول بأنه غالي ومن العيب أن تطلب من جدي شرائه لي))

طالع مازن ياسمين التي تناظره بحنق كيف كسب قلب ابنته بسهولة وقلب حالها للنقيض معه لمجرد شراء بيت دمى باهظ الثمن لها.. ثم قال ببراءة مصطنعة

((بل العيب أن ألا أشتري لابنة أبيها مثل هذه اللعبة منذ وقت))

قطبت ياسمين حاجبيها بغيظ من مازن الذي يناكفها ثم قالت بشيء من الحزم لابنتها

((هيا يا هدى تعالي لأذاكر لك دروسك، واتركي بيت الدمى هذا ولا تكون لهفة عليه بهذا الشكل كمحرومة))

زمّت هدى شفتيها بإحباط لترك بيت الدُمى إذ لا تشعر أنها شبعت منه أبدًا، لكنها طالعت والدها وقالت بلهفة وهي بيديها الغضة تمسك كفه الضخمة وتحثه قائلة

((أبي تعال وذاكر لي مع أمي))

أمسك مازن وجنتيّ هدى وشدّهما برفق وقال

((حسنا يا ابنة أبيكِ سآتي لأذاكر لك، انتظريني نصف ساعة فقط لأن جدك طلب مني أمرا ما))

أومأت هدى له بلهفة وودعته قبل أن تغادر أما هو فتوجه حيث شقيقه مؤيد..

كان الآخر متكئا على أريكته مكتئبا فاقدا لكل أشكال الحياة.. لا يرد على اتصالاته وترك إدارة عمله كاملة للموظفين عنده..

إصابة قدمه تمنعه من الهروب لأبعد مكان في الكرة الأرضية حتى ينسى ولو مؤقتا ما حدث مؤخرا معه..

انتشله من خلوته هتاف مازن وهو يقول له بابتسامة عريضة لا تبشر بالخير

((مُؤيد تعال.. والدي يريدك بشكل ضروري جدًّا ويبدو غاضبا جدًّا ومعه مُعاذ))

ناظر مُؤيد المتجهم أخيه بطرف عينه متسائلا بتحذير

((هل تقول الصدق يا مازن؟))

رفع مازن حاجبيه ثم قال بشماتة

((نعم أقول الصدق، وليكن بعلمك أبي يبدو غاضبا أكثر من أي مرة رأيته في حياتي))

.

.

في مجلس الحاج يعقوب..

اتسعت عينا مُؤيد حتى كادتا أن تخرجا من محجريها بينما يسمع صوت أبيه يزمجر به

((هل هذه المحادثات الحميمية هي لك يا مُؤيد؟ قبل أن تنفي أن رسائل هذا الحساب لك أقسم لي بالله العظيم))

اضطربت ملامح مؤيد.. هو متأكد بأنه حذف كل هذه الرسائل من حسابه بعد أن أرسلها لدموع.. كيف وصلت.. ومطبوعة.. لوالده!

رفع عيناه بخزي وخجل لوالده الذي كان يرمقه بنظرات الخيبة الممزوجة بالغضب.. فقال بصوتٍ ثقيل

((أبي أنا لن أنكر، لكن أقسم لك بأنها كانت أول وآخر مرة أتحدث بمثل هذه المواضيع المخزية مع امرأة))

زعق به الحاج يعقوب

((ومن هذه المرأة المدعوة دموع؟))

ازدرد مُؤيد تلك الغصة المسننة في حلقه ثم رد

((دموع هذه.. عميلة عندي، وأقسم لك أن كل ما كان بيننا هي بضع خروجات لأماكن عامة ومحادثات عادية، ومرة واحدة فقط استطاعت استدراجي للحديث معها من حسابي الشخصي في مثل هذه الأمور المخزية، لكن قطعتُ علاقتي بها تماما وندمت والله ندمت وعاهدتُ نفسي ألا أتحدث أو أخرج مع امرأة أبد الدَّهر))

كان مازن يقف خلف مُؤيد مضيقا عينيه وهو يقرأ الرسائل بحوزة أخيه.. وما إن انتهى من قراءتها حتى استقام في وقفته وقال لوالده بنبرة ذات مغزى

((قالوا للسارق احلف، فماذا قال؟ قال "جاء الفرج".. أعني كثرة قسمه تعني أنه كاذب على الأغلب))

اتسعت عينا مُؤيد كأنه انتبه على وجود مازن فاستدار نصف استدارة له يقول مهددا بأعين تطلق شرارات مخيفة

((غادر يا مازن من هنا أو سأبرحك ضربا))

ابتسم مازن له باستفزاز وهو يهز رأسه بالنفي مِمَّا جعل مُعاذ يتنحنح يجلي صوته ثم يقول بصوتٍ حازم

((مازن غادر من هنا فهذا الأمر لا يخصك))

غادر مازن المجلس على مضض، بينما جلس يعقوب مكانه وقد شعر بارتفاع ضغطه.. مسح على وجهه بغمّ ثم قال بصوتٍ منهك وهو يمسك الأوراق

((لحظة يا مُؤيد دعني أستوعب، قلت بأنك ندمت وعاهدت نفسك ألا تخرج أو تتحدث مع امرأة! وهل كنت تفعل ذلك بالسابق؟))

كتَّف معاذ ذراعيه وقال لوالده بصوتٍ قوي خشن

((نعم يا أبي ابنك في المدينة لديه الكثير من الصديقات اللاتي يخرجن ويتحدثن معه بذريعة الصداقة، مستسهلا الحرام والتصاحب مع النساء، وحتى أني صدفة في المدينة رأيته جالسًا مع إحداهن))

ناظر مُؤيد أخاه الكبير بصدمة لا يصدق أنه أفشى سرّه لأبيه إلا أن مُعاذ لم يرف له جفن على ما قاله فما قرأه من محادثات بين مُؤيد ودموع نسفت أي تعاطف له تجاه أخيه..

قال يعقوب وهو يناظر وجه مُعاذ

((ولماذا قد يمتلك أخاك علاقات عاطفية مع نساء بصبغة حميمية؟ هل يفعل ذلك مثلا بنية الزواج الثاني؟))

عاد مُعاذ ينظر لأبيه ويرد بثبات

((لا يا أبي أي زواج هذا! الزواج ليس في قاموسه! لماذا يكلف نفسه الزواج وتبعياته وهناك بديل مجاني بدون التزامات يعوضه عما يرفض فعله مع زوجته كالخروج معها للسينما والمطاعم.. فزوجته مكانها فقط البيت وصديقاته من يفعل معهن ذلك.. هذا ما قاله حرفيًا لي في إحدى المرات))

تدخل مؤيد وقال بعنفوان مصطنع

((أبي أنا ليس لدي أي علاقات عاطفية، أي امرأة أخرج معها لا نذهب إلا لأماكن عامة غير مشبوهة ومن باب الصداقة.. صداقة بريئة ومنزهة عن كل غرض دنيء))

ضرب يعقوب بيده الأخرى فوق المنضدة وصرخ مستنكرا مفاهيم ابنه وحججه الواهنة

((هراء، فلا الآن أو في غابر الأزمان كان يسمح فيه لأي من الجنسين أن يستمتع بالآخر ومعه تحت أي شعار غير شعار الزواج لأنه مرفوض في ديننا ومجتمعنا بأسره))

قال مُعاذ متهكما بلا مرح

((المشكلة يا أبي أن ابنك المنافق الذي لا يرى أي مانع من إقامة صداقات "بريئة" مع النساء، يخلع عباءة التظاهر بالتحضر والتحرر عندما يعود الأمر لزوجته ويرفض حتى أن تحظى بصديقة من نفس جنسها!))

رفع مُؤيد كفه لوجهه يمسحه وهو يقول بغضب لا يدري من نفسه أم من أخيه

((لست منافقاً يا مُعاذ.. انتقي ألفاظك لو سمحت!))

هتف والده وهو يستشيط غضبا

((بل أنتَ منافق! كيف تدعي أنك متعلم ومتفتح وعادل أمام الناس وقد طلقت زوجتك بذريعة خروجها لعيادة عمتها دون أخذ إذنك!))

لم يرد مُؤيد عليه وابتلع ريقه كان الدليل الوحيد على تأثره، أمام ُمعاذ فأطلق زفرة طويلة محبطة..

طال الصمت في المجلس ورغم أن الحاج يعقوب كان محافظا على صمته إلا أن جسده كانت يهتز كأنه جبل بركاني يوشك على الانفجار.. فقال أخيرا وهو يلوح بالأوراق

((مُرسل هذه الرسائل هي زوجتك يا مؤيد، هذا ما استنتجته عندما رأيت بطرف عيني الصبي يستقل سيارة أخيها.. استنتج الآن أن سبب طلاقك الحقيقي لزوجة محبة ومخلصة مثلها هو اعتراضها على "صداقاتك البريئة"!))

أصدر مُؤيد صوتا ساخرا بمرارة من كلمة "مخلصة" التي نطقها والده بينما يكمل وهو يهز رأسه يمينا ويسارا بامتعاض

((خيبت ظني بك يا مُؤيد، بئس الرجل أنتَ، فما تفعله بمحادثة نساء أخريات أو الخروج معهن هو خيانة والخيانة عمل مشين لا علاقة له بمعتقد أو مجتمع أو دين.. هو ببساطة عمل لا تقبله الطبيعة الإنسانية التي جُبلت على الصدق والإخلاص))

دمدم مُعاذ بحزم وهو يرى أن أخاه وزوجته متعادلان الآن

((عليك يا مُؤيد أن تعيد النظر في قرار طلاقك، فأم ولديك لا تستحق منك ما تفعله بها.. ليست رتيل من تستحق أن تواجه هذا المصير، ألا يكفي حياة الانغلاق التي تجبرها على عيشها؟))

قال مُؤيد بحشرجة غاضبة

((أي حياة انغلاق يا أخي!؟ ألأني لا أنزهها أو أخرجها الى أماكن ترفيهيه أكون مقصرا؟ لم يسبق وأن سمعت من إحدى أصدقائي أنه يذهب بزوجته إلى تلك الأماكن ومع ذلك لم يواجهوا أية مشاكل))

أنبه معاذ هادرًا

((مُؤيد ليس عليك أن تستمع إلى أصدقائك لأنك لن تكون متأكدا من صدق كل ما يقولونه، ثم أنت أكثر من يعرف أنهم يغارون جميعا منك ويحسدونك على استقرار منزلك))

حاول الحاج يعقوب أن يأخذ نفسا عميقا يخفف من الدماء التي فارت فيه بغضب قبل أن يقول وهو يعتدل في مكانه بهدوء

((مُؤيد سأعتبر نفسي لم أرَ أو اقرأ أي شيء من هذه المحادثات المخزية، لكن وبدون يمين لو وصلني شيء مشابه له مستقبلا فلن ترَ خيرا.. اخجل على شيبتك يا مُؤيد فأنتَ في منتصف الثلاثين.. وتذكر بأن الرجل يظل مهيبا حتى يُمازح ويتلطف ويتصادق مع من لا يخصه من النساء بغير داع فتسقط هيبته.. هذا أولًا.. أما ثانيا فزوجتك ستعيدها اليوم قبل الغد))

ارتفع صوت مُؤيد المثقل بالقهر وهو يقول معترضا

((لا داعي لتهديدي يا أبي فسبق وقلت لك بأني عاهدت نفسي ألا أكرر ما فعلته خاصة وأن ما مررت به بسبب ذلك كان قاسيا جدًّا، لكن زوجتي لن أعيدها لي وهذا أمر لا رجعة فيه))

صرخ والده به وهو يلوح بسبابته بتهديد

((بل ستعيدها، وستعيش معك في نفس المكان الذي ستستقر فيه في المدينة حتى لا تتركك على حلّ شعرك))

مزّق الحاج يعقوب الرسائل من المنتصف ورماها على الطاولة ثم غادر حتى لا يسترسل أكثر في هذا الجدال العقيم وينفجر ضغطه ويفقد حياته بسبب أولاده الذين لا يريد أي واحد منهم أن يرسى على بر..

غادر مُعاذ خلف والده وبعد دقائق دلفت الحاجة زاهية للمجلس وتقدمت من ابنها تسأله بتوجس

((ما الذي كان يريده أباك منك يا مُؤيد؟))

غمغم مؤيد مجيبا وعيناه المحمرتان كالجمر تحدقان بالفراغ

((رتيل قامت بإرسال محادثات حميمية حصلت بيني وبين تلك المدعوة دموع وأرسلتها لأبي الذي استدعاني ووبخني بشدة معبرا عن خيبة أمله وظنه بي، ثم طلب مني أن أعيدها فهو لا يزال لا يعرف السبب حقا))

أمسكت زاهية كتف مؤيد بيدها تشد عليه وهي تسأله بصوتٍ مقهور

((لماذا لا تقول يا مؤيد الحقيقة؟ إخوتك ووالدك يظنون أنك خائن وأن امرأة أخرى لعبت بعقلك وجعلتك تطلقها))

رفع مؤيد وجهه لأمه وقال وهو يشد على كل كلمة

((أمي أنتِ لم تقرأي تلك الرسائل ولا أريد منك أن تفعلي ولكن أنا بالفعل خائن وبالفعل كنت أتسكع مع نساء أخريات لا يربطني بهم أي شيء..

خطأ رتيل لا ينفي حُرمة ما كنت أفعله بحق ربي وديني وعائلتي.. ونفسي))

لكن زاهية لم تكن تصغي لشيء مما يقوله إلا فيما يتعلق برتيل فعقبت باستنكار

((خطأ؟ هل ما فعلته تلك الفاجرة هو خطأ وحسب؟))

أمسك مؤيد عكازه بجانبه وضرب بها الأرض هادرا بانفلات أعصاب

((أمي يكفي إلى هنا.. لن أتحدث أكثر.. أنا لن أعود لرتيل لكن في نفس الوقت لن أسمح لأحد أن يعرف ما كانت تفعله))

بهُت وجه زاهية وتمتمت له باعتراض

((لكن هل يعقل أن تتحمل نظرة إخوتك ووالدك وكل من في..))

استعان مؤيد بالعكاز ليعتدل واقفا يهتف مقاطعا أمه

((أمي هل تريدين مني أن أفضح أم ولديَّ؟ كيف تريدين من فهد وباسم أن يقفا مرفوعا الرأس أمام أعمامهم وزوجاتهم وأولادهم إذا ما عرفوا بحقيقة أن أمهم كانت تكذب بشأن زياراتها لوالديها وتذهب لتبيت عند امرأة مشبوهة في أمرها لأيام والله أعلم ماذا كانت تفعل المرأة لها أثناء ذلك! ربما كانت تخدرها أو تصورها أو تدخل رجالا عند نومها بغير علمها!))

عند آخر جملة باح بها مُؤيد شعر بكل أوجاعه تصحو مهتاجة دفعة واحدة لتقسو عليه أكثر فغمغم بعذاب وهو يمسك رأسه بيديه

((كيف يعقل!؟ كيف استطاعت رتيل أن تذهب لتلك المرأة بغير علمي لسنوات دون أن أكتشف ذلك! كيف!؟ كيف!؟ كيف!؟ ألهذه الدرجة كنت ساذجا! يا الله ارحمني من هذا الجنون الذي أعيشه!))

أشفقت الحاجة زاهية على حاله لكن لم يكن بيدها شيء..

هدأت أنفاس مُؤيد اللاهثة ثم قبض على عكازه بشكل أقوى وتحامل متكئا عليها وهو يستقيم واقفا ليخرج من المجلس..

فأمسكت زاهية الأوراق الممزقة وبدأت تقرأهم قبل أن يبهُت وجهها مغمغمه وهي تجعدهم ثم ترميهم في السلة

((هداك الله يا مؤيد!، كلام يخجل حتى الأزواج أن يتحدثوا فيه))

ما إن دخل للصالة حتى وجد مازن يجلس فوق ذراع الأريكة بجانب والده يتابع الفتنة عليه

((المهم يا أبي جاء هذا اليوم الذي ترك فيه مؤيد هاتفه على الشاحن، وعندما أزلته من الشاحن لأضع هاتفي أنا صّدح هاتفه بصوت وصول رسائل له، ففتحتها من باب الفضول لأجد أنها مرسلة من رقم مسجل في هاتفه باسم أستاذته الجامعية، بلا طولٍ للسيرة فقد كان محتوى الرسالة اعتذار صادق منها مرفقا بقبلاتها الحارة له))

كان مازن يتحدث ويتحدث دون أن يأبه لحال أبيه والإعياء الظاهر عليه مما يسمعه، أو دارين ابنة أخيه المراهقة التي تصغي له باهتمام جليّ..

اضطربت ملامح مُؤيد مما يسمعه فصرخ من مكانه بصوتٍ قاصف

((مازن اخرس!))

جفل مازن على الصوت وتطلع حيث يقف مُؤيد لكنه لم يبالي وهو يقول متشمتا

((لا لن أفعل، عليك يا أبي أن تعرف أن ابنك ومنذ أيام الجامعة ليس رجلا بريئا ذو أخلاق عالية كما يحاول جعلك أن تتوهم))

زمجر مُؤيد بضراوة وهو يضرب الأرض بعكازه

((سأضربك بالعكاز إذا لم تخرس يا مازن!))

كتّف مازن ذارعيه بتحد سافر لمؤيد ثم قال متابعا لوالده

((إذا لم تصدق يا أبي هذا الأمر فاسأل مُصعب ومالك فقد جعلتهما يطلعان على الرسالة، الحقيقة كنت في ذلك اليوم أرغب بأن أخبر مشارق الأرض ومغاربها أن مُؤيد لديه أستاذة جامعية ترسل له قبلات حارة لكن أمسكت نفسي بصعوبة))

اهتزت حدقتي مُؤيد وقد عرف الآن كيف علم مُصعب بسر أستاذته الجامعية وباح به في أول شجار حصل بينهما!

لم يتمالك نفسه وهو يرمي العكاز بمنتصف الصالة وقد عجز أن يرميه باتجاه مازن خوفا من أن تصيب والده أو دارين..

غادر مازن وهو يقول بانتشاء وقد شعر بالتخمة من انتقامه

((إلى اللقاء يا أستاذ "قبلات حارة"))

أما الحاج يعقوب أعطى ابنه نظرة محتقرة أخيرة قبل أن يغادر المكان دون أن يتفوه بكلمة إضافية شاعرًا أنه لم يكن يعرف ابنه مُؤيد يومًا..

بل اتضح أن أفعال التوأمين لا شيء مقارنة بأفعاله..

على الأقل مالك لم يسلك طريق الحرام ولو بالكلام..

أما مازن فلم يكن ليجرأ على تطليق زوجته بغير الرجوع له أو قبوله..

لم يبقَ أحد في الصالة إلا دارين التي تطلعت لعمها بامتعاض طفولي وقالت ترميه بكلماتها اللاسعة

((لقد ظلمنا زوجة عمي المسكينة يا أستاذ "قبلات حارة"))

.

.

أغلق الحاج يعقوب باب جناحه خلفه قبل أن ينتشل هاتفه من جيب دشداشته عند رنينه ويتطلع للرقم باستغراب وهو يستدرك أنه رقم من الخارج!


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-10-21, 05:51 PM   #4594

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في مطعم الفريال..

كان قُصي منهمكا في تنظيف الأرض.. ساخطا على نفسه فهو يفترض أنه بدأ العمل هنا للتقرب من سهر أكثر لا للانهماك في هذا العمل المُذل أمام هؤلاء الزبائن الحمقى..

ورغم أنه فعلا يحاول الحفاظ على ضبط النفس مهما أغضبته تصرفات الزبائن حتى لا يكرر خطأه السابق في شركة القاني.. لكن هذا لا يمنع أن بعض تصرفاتهم تغضبه وتشعره أحيانا بالإهانة..

تنهد ببؤس وهو يستقيم في وقفته عندما انتبه لحضور زبون آخر إلى داخل المطعم..

سارع قُصي يرحب به ويجهز له الطاولة فيما بدا الزبون مشغولا بمكالمة أحدهم.. سأله قصي بابتسامة عريضة وهو يخرج دفتره وقلمه

((ما الذي تريده يا سيدي؟))

ظل الزبون يتحدث بتركيز مع الشخص في الهاتف وهو يشير لقصي بإبهامه وسبابته.. عقد قصي حاجبيه يقول ببلاهة

((ماذا تعني هذه الإشارة يا سيدي؟ هل تريد قهوة أو شاي؟))

ظل الزبون يتحدث على الهاتف غير متنازل للإجابة على قصي الذي

احتقن وجهه وتشنجت ملامحه ليقول بغضب مكتوم من بين أسنانه المطبقة

((سيدي إذا كنت مشغولا بالهاتف يمكنني أن آتي لاحقا لأخذ طلبك لا داعي لاستخدام لغة الإشارة معي فأنا لا أفهمها، والأمر لا يقتصر على بطء الخدمة على طاولتك فحسب، بل إلى الطاولات الأخرى في وقت الذروة هذا))

كان لا زال الزبون يتحدث بالهاتف فتوجه قصي نحو المطبخ ليسير نور بجانبه معقبا بشيء من التردد خوفا من غضبه

((بدا وكأنك ستنقض على الزبون وتضربه، عليك أن تعامله بتهذيب حتى لو لم يكن ودودا ومهتما بحديثك أثناء سؤالك له عن طلبه))

انتفض بدن نور عندما ضرب قصي يده فوق الرخام قبل أن يغمض عينيه مغمغما

((تبا لكل شيء..))

مرّت ساعات عليهم قبل أن يحل موعد إغلاق المطعم كاد قصي أن ينهي عمله في توضيب المطبخ عندما اقترب منه نور متسائلا بكثير من الارتباك وهو ينكس بوجهه أرضا

((قصي أريد أن أسألك سؤالا؟))

قال قصي بوجوم وهو مستمر بعمله

((ما الذي تريده يا نور؟))

زمّ نور شفتيه ثم قال بخفوت

((هناك زبونة دخلت عند سهر وهمست لها بأنها تمر بأيامها الشهرية وقامت سهر بإعطائها شيئا ما وقالت لها أنها تتفهم ما تريده فهي امرأة مثلها))

توقف قصي عما يقوم به فجأة ثم رفع وجهه بعينين خطيرتين لنور يقول بتوجس

((نعم وما الذي تريد الآن أن تسأل عنه؟))

قال نور ببراءة لقصي متسائلا

((هل يمكن أن تشرح لي عن ذاك الأمر أكثر؟))

غلا الدم ببدنه فهجم قصي على نور يمسكه من تلابيب قميصه

((أيها المنحرف كنت أعرف أنك كذلك، مظهرك المخنث لا يريحني أبدًا، أنا لا آمن على عمل سهر هنا أثناء وجودك، الذكور يبقون ذكورا مهما كانت أعمارهم))

احتقن وجه نور وقال بصوتٍ مختنق منذر بالبكاء وهو بالكاد يلتقط أنفاسه مع فرق الطول الهائل بينهما

((ابتعد عني.. ستخنقني ابتعد..))

قبل أن يزهق قصي روحه خفف من ضغطه ثم دفعه بقوة ليتراجع الآخر خطوات للخلف قبل أن يقع أرضا على ظهره متأوها بألم بينما يسمع قصي يقول بصوتٍ حازم محذر

((سأدفنك مكانك إذا سمعتك تقول أو تنظر لشيء يثير الشك، اعمل هنا بشكل محترم، هل فهمت يا هذا؟))

تغرغرت الدموع بعيني نور رغما عنه وبدأت تنزل كالأنهار على وجنتيه الناعمتين إلا أنه ناظر قُصي هادرا بصوتٍ متذبذب

((ولكن أنا محترم))

رمقه قُصي بازدراء وقال متهكما بلا مرح أو صوت

((لا لست محترمًا عندما تسأل مثل تلك الأسئلة.. ثم توقف عن البكاء والنحيب كالفتيات بهذا الشكل المثير للاشمئزاز))

كاد قُصي يستدير على عقبيه عندما وصله صوت نور

((ولكن أنا حقا بحاجة لأعرف))

اتسعت عينا قُصي واقترب من نور يرفع قبضته مهددا

((وأنا بحاجة لألكمك في منتصف وجهك))

على الفور رفع نور ذراعيه يحمي نفسه من هجوم قُصي الذي أنزل يده متراجعا عن لكمه.. فرغم انحراف عقل هذا المراهق إلا أنه هش.. وضعيف بشكل يثير إرباكه.. فتنحنح يجلي صوته ليقول بخشونة ونظرات متجهمة

((نور.. نور.. كم قلت لي عمرك؟))

أخفض نور ذراعيه وتطلع بخوف وتردد لقصي يجيبه

((أربعة عشر))

لفَّت الدهشة قُصي وهو يقول

((أربعة عشر!؟ إذن بغض النظر عن بنيتك الضعيفة وقصر قامتك فلماذا لا تظهر عليك مظاهر الرجولة؟ مثل بداية ظهور الشعر على وجهك، اخشوشان صوتك؟ ثم أتوقع بأنهم يعلمونك في المدرسة ولو بشكل سطحي عن ظرف الفتيات الشهري، اكتفي بما تعلمته ولا تسأل عن المزيد))

اعتدل نور جالسا من مكانه على الأرض ثم قال بحاجبين معقودين

((ولكن أنا خرجت من المدرسة منذ سنين حتى أعمل وأساعد أمي المريضة فوالدي متوفي، وأخجل أن أسأل أمي))

زمجر قصي به هاتفا

((الطبيعي هو أن تخجل، عد لعملك يا نور فأنا أمسك قبضتي عن لكمك بشق الأنفس، وإيَّاك ثم إيَّاك أيها المنحرف أن أراك تختلس النظر أو تقترب من خطيبتي))

مرت دقائق قبل أن يمسح نور وجهه ويعتدل واقفا على مهل حتى لا يؤلم مرفقه..

أما قُصي فأخذ نفسا عميقا يهدئ أعصابه ثم أخرج من محفظته حفنة من المال وقال بامتعاض وهو يمد يده بالنقود

((تعال يا نور وخذ هذه))

استغرب نور من المال الذي يقدمه قصي لكن سرعان ما ارتسمت ملامح الرفض على وجهه قائلا بوضوح

((أنا لست متسولا، لا أريد))

التقط قُصي يده بقوة وفرد أصابعه ووضع المال فيها ثم أغلقهم وشدَّ فوق قبضته بينما يخبره بنبرة غير ودودة

((أيها الأحمق هذه من البقشيش الذي أحصل عليه من الزبائن.. فليس عدلا أن آخذ البقشيش لوحدي لأني أتعامل مباشرة مع الزبائن بينما تبقى أنتَ في الداخل للتنظيف))

تطلع نور به بنظرة متأثرة وعينين بارقتين فازداد نفور قصي وابتعد عنه..

كان المبلغ الذي أعطاه له يفوق البقشيش فهو يعرف أن نور يعمل في هذا المطعم لأكثر من عشر ساعات ليؤمن حاجيات وأدوية لأمه.. ومعرفته أنه ترك المدرسة لأجل ذلك زاد من إشفاقه عليه..

بعدما انتهى قُصي من التنظيف توجه نحو خزانته بالمطعم حيث يضع ملابسه لكنه لم يفتحها بل جلس واضعا يده على معدته المضطربة منذ أيام وهي سبب ضيق صبره ومزاجه العكر..

أغمض عينيه وكان شبه يئن متألما عندما شعر بدخول أحدهم الغرفة هاتفا

((تبدو مريضا يا منقب الذهب))

فتح قُصي عينيه لسهر الواقفة أمامه وتحدث بامتعاض رغم إعيائه

((منذ أن سكنت في تلك الخرابة بجدرانها الرطبة ورائحتها القذرة، ومنذ أن عملت في هذا المطعم وأنا لم أرَ إلا المرض والبؤس وأشك بأني تناولت شيئا فاسدا فكل أكلي وشربي من هذا المطعم الشعبي المقرف))

رشقته سهر بنظرات الازدراء وقالت ساخرة

((تتحدث كأنك كنت تعمل كرئيس لشركة عائلة والدك ولم تكن تشغل وظيفة بسيطة في خدمة عملاء على الهاتف في شركة القاني))

ترققت ملامح قصي وقال بكآبة

((هل تعرفين ماذا؟ رغم أن عملي هناك في شركة القاني كموظف خدمة عملاء لم يكن عملا آدميا وبسببه أصبت بالكثير من الأمراض والمشاكل الصحية وإتلاف أعصابي وآلام في رقبتي وظهري وأذناي وحنجرتي إلا أنني اكتشفت بأني كنت مدللا هناك مقارنة بعملي هنا، حتى راتبي الزهيد الذي لا يناسب حجم المجهود الذي بذلته في شركة القاني كان بحجم ساعات عمل أقل من هنا.. شركة القاني كانت تبخس حق موظفيها ولكن ليس بمقدار صاحبة هذا المطعم))

ارتفع حاجبا سهر قليلا وهي تسمعه يتحدث أكثر جانبه المتحفظ وعمله الحقيقي.. لكنها لم تسترسل بالحديث معه حتى لا تتأثر.. وقالت متهكمة

((كان عليك أن تحافظ إذن على عملك السهل هناك، لا أن تشتم عميلا بأمه))

تغضَّن جبين قُصي بالغضب ورد

((عملي هناك من خلال سماعة هاتف لم يكن سهلا، كنت أتعرض فيه للكثير من البذاءة دون أن أستطيع أن أرد أو أواجه ما أتعرض له إلا بكلمات مثل "أستأذنك لنعد لموضوعنا الرئيسي سيدي" أو "لا تخرج يا سيدي عن موضوعنا" وأقصى شيء يمكن أن أفعله هو أن أغلق الخط عليه وبعد أن أستأذنه في ذلك أيضًا))

قلبت سهر عينيها بالسقف مدعية اللامبالاة ثم قالت معقبة على ما أخبرها به نور الذي كان يريد اقتسام ما حصل عليه من قصي معها

((بعيدا عن هذه السيرة، المبلغ الذي أعطيته لنور من أين حصلت عليه؟))

أجابها ببساطة ((من البقشيش))

ضيقت عيناها بشك ثم قالت

((هل أنتَ مجنون يا قصي؟ معظم عملاء هذا المطعم الشعبي يتقاضون أجور ورواتب أقل منا نحن فكيف يعطونك بقشيشًا؟))

رغم ألم معدته لكن مالت زاوية فمه بابتسامة وهو يرد

((هناك أشخاص آخرين أغنياء يعرفون أن العاملين في المطاعم تعتمد أجورهم على إكراميات الزبائن.. ولهذا يعطوني إياها بسخاء))

شردت سهر قليلا بنظرها قبل أن تقول بفطنة

((هل تقصد ذلك الرجل الأنيق الذي يُدعى يوسف؟ فلا أذكر شخصا بملابس متأنقة جاءنا غيره! أقسم يا قصي إن عرفت أنك تحاول الآن استمالة فتاة أخرى من عائلة غنية من خلال خداعها بمقدار ثروتك وطول يخوتك وشركة عائلتك التي تعمل بها وأساطيل سياراتك فلن أسكت وسأتسبب بسجنك))

وقف قُصي من مكانه وصرخ بها منفجرا بانفعال

((أنا لست سارقا! لم أكن لأتقرب من فتاة لأسرقها طمعا بما تملكه عائلتها، هل سبق وأن طلبت منك قرشا في السابق أيتها الباربي البلاستيكية؟))

مالت سهر أكثر منه ورفعت وجهها بشموخ وقالت

((لو لم تكتشف شيري حقيقتك الخادعة لكنت فعلت، فعلى ما يبدو كنت تنتظر فرصة كبيرة))

اهتزّت حدقتي قُصي بألم خفي لأن الوقت ليس مناسبا ليبوح لها بكل شيء يخصه.. وبالكاد تمالك نفسه وهو يهدر بثبات

((ذلك البقشيش الذي تقاسمته مع نور من يوسف فعلا..))

ظلت عينا سهر بعينيه قبل أن تقول أخيرا

((حتى لو كان هذا الأمر صحيح فمن الطبيعي ألّا آمن كاذب مثلك يا قصي على ود ولا أثق منك بعهد!))

غامت عينا قُصي بينما تكمل سهر بصوتٍ يبطن الكثير من الحرقة والألم.. والعتاب

((قُُصي هل تعرف معنى رجل؟ رجل تعني فحولة ورجولة وشهامة وقيم ومبادئ وأخلاق وكرامة.. وصدق..، فأين أنت من كل ذلك؟))

ظل قُصي محافظا على صمته فأمرته ببغض

((والآن هيا أوصلني إلى بيت صديقتي))

غادرت سهر من ناظره وبقي هو واقفا مكانه متجمد الملامح يغوص بالتفكير بمستقبل علاقته مع سهر..

ماذا لو قرر عمه اللعين ألا يسمح له بالعودة والعيش تحت ظله واستمر بقطع المصروف عنه وعدم إعطائه حقه المنهوب في ورثة أبيه؟

هل هذا يعني بأن كل الرفاهية التي كان يعيشها ستتلاشى نهائيا من حياته؟

إذا حدث هذا فعليه ألا يحلم بالزواج كنهاية لخطبته مع سهر حتى لو باح لها بكل أسراره ودوافع كذبه!

فما فائدة اسم عائلته وهو لا يكسب منها شيئا!

رباه! كم يخاف أن يعود هو وسهر غرباء.. ويختفي اسمها من قائمة اتصالاته ومحادثاته.. ويجد نفسه يعيش بعمر لا تكون هي فيه!


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-10-21, 05:52 PM   #4595

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

منزل مصعب..

دلف مصعب إلى المطبخ يشد ذيل شعر نورين الأشقر برفق ويتساءل

((لماذا تأخرت في صنع القهوة يا عفريتة؟ أمي تريد الرحيل الآن!))

بدأت نورين تسكب الغلة في القهوة بتعجل ببعض الحذر وهي تقول

((ألم تخبرك شيئا عن رتيل؟ أعني أنا أكره رتيل جدًّا.. أكثر مما قد يتصور أحد.. ولكنها وللحق فهي ليست مقصرة في حقوق زوجها بل هي لا تفرط في خدمته وخدمة والديك وفي كسب رضاهما وتتابع العاملين في القصر وجُلّ وقتها لهم جميعا.. حتى أنها تأخذ مكان الأب في حياة أولادها لأن أخاك مشغول في العيش وحيدًا في شقته في المدينة بينما يزورهم كضيف بضع أيام كل أسبوعين))

تنهد مصعب وقال نافيا

((لا لم تقل أمي أي شيء عنها بل شعرتُ بضيقها عندما فتحت لها سيرة مؤيد كأنها لا تريد التحدث عن أي شيء متعلق به أو بزوجته، ربما يعود مؤيد لزوجته وربما لا ولكن حتى ذلك لا أفضل أن نتدخل، فربما هناك أمور لا نعرفها)).

بعد بعض الوقت دخل مصعب لغرفة الضيوف وهو يحمل الصينية بينما نورين تسير بجانبه لتقول والدته له بعتاب رقيق

((أخبرتك يا مصعب بأني لا أريد منك إلا أن تجلب كأس ماء فلا تتعب زوجتك الحامل بصنع القهوة))

جلست نورين مبتسمة بجانب حماتها التي دعت لها أن تقوم بالسلامة بينما تساءل مصعب باستغراب

((أمي لماذا العجلة؟ أنا في إجازة أرجوكِ ابقي هنا قليلا))

تنهدت الحاجة زاهية قبل أن تقول بصراحة له

((أنا جئت يا مصعب فقط لأعلمك عن اتصال جاءنا أنا ووالدك قبل عدة أيام))

مال برأسه وتساءل بفضول

((اتصال!؟ أي اتصال ومن صاحبه!؟))

وسرعان ما اتسعت عيناه وتساءل بجدية

((إنه من رشا صحيح!؟ فقد سبق وأرسلت لي رسالة بأنها بالبلاد بالفعل مع أمها))

بهُت وجه نورين وفغرت شفتيها لتسأل حماتها

((ما بها رشا يا عمتي!؟))

شبكت زاهية أصابع يديها ببعضهما وقالت بهدوء

((اتصلت بنا وقالت بأنها كانت مريضة.. أصيبت بالمرض الخبيث عافانا الله، ولكنها بحمد الله تشافت منه.. لم تكن تريد إعلامنا بقدومها خوفًا من مُؤيد، زارت المقبرة مع والدتها لكن العاملين هناك فشلوا في إيجاد قبر يحيى، طلبت مني أن أخبرك لعلك تقبل أن تذهب بها إليه قبل أن تغادر مُجددا))

اتسعت عينا نورين لما تسمع بينما تجلت آثار الصدمة والقلق على وجه مُصعب وهو يقول بانشداه

((أصيبت بالمرض الخبيث وتعالجت منه!؟ كل هذا حدث لها من دون علمنا.. ولكن لماذا لم تخبرني!؟))

وقف مُصعب وأردف بنزق وارتباك وهو يخرج هاتفه ويهم بالخروج

((أنا بحاجة أن أتحدث معها، لا ترحلي أنا سأوصلك بسيارتي للبيت))

هتفت والدته عاليا له تقول

((لقد اتصلت بمالك بالفعل وهو في طريقه لأخذي، لا تتعب نفسك ودعنا نستفد منه بشيء فبعد زواجه لا يفعل شيئا إلا البقاء في جناحه كالنساء))

بدا أن مصعب غادر المكان قبل حتى أن يصغي لكلام أمه.. أما نورين فازدردت تلك الغصة المسننة وهي تشعر بالمكان يميد بها..

رفعت يدها إلى بطنها البارزة قليلا بحركة فطرية ونظرت لحماتها متسائلة بصوتٍ متحشرج

((عمتي ما هي قصة مصعب مع ابنة عمه؟ بالرغم من أنه قام بالنهو عليها، لكنه أكد لي بأنه لم يسبق وأن أحبها قبل أو بعد الزواج))

لفَّ الامتعاض زاهية وقالت

((هذا صحيح، أنا متأكدة من أن ابني لم يحبها فهي امرأة جامدة لا تستحق الحب، هو فقط أراد أن يغيظ والد يحيى لأنه رجل جشع))

عقدت نورين حاجبيها بحنق عندما صمتت والدة مصعب دون إعطائها مزيدا من التفاصيل بكل لباقة ودهاء.. إنها تثبت بأنها كتومة بامتياز ومناصرة لغموض مصعب بولاء منقطع النظير..

صدح رنين هاتف الحاجة زاهية فقالت بانتباه

((ها قد اتصل بي مالك لأخرج))

وقفت الحاجة زاهية من مكانها وهي تمسك محفظة يدها ثم قالت بصوتٍ مختلف

((نورين اذهبي مع مصعب عندما يصحب ابنة عمه للمقبرة ولا أريد أن أوصيك، عليك أن تثبتي لها أن ابني يعيش حياة جميلة معك بعد أن تركته وبأنه رُزق خيرا ببُعدها))

فغرت نورين شفتيها باستغراب ثم قالت بصوتٍ واهن

((ماذا تقصدين يا عمتي!؟))

قالت زاهية بصرامة

((أريد منك أن تستعرضي أمامها وتثيري غيرتها حتى تعرف أنها كانت غبية بترك رجل مثل مصعب، هل يجب أن أقولها بوضوح لك!؟ أليس لديك شيئا من كيد النساء!؟ لقد عشت مع رتيل سنة بحالها ولم تتعلمي شيئا منها!))

وغادرت الحاجة زاهية المكان تاركة تلك الشاحب وجهها وراءها!

إذن والدة مصعب تعمدت أن تفتح مثل هذا الموضوع أمامها لتثير غيرتها كامرأة وغريزتها في الدفاع عن زوجها وبيتها..

ولكن لماذا تريد منها أن تثير غيرة رشا إذا ما كانت رشا اختارت بنفسها أن تنفصل عنه؟

وهذه رشا الخرقاء إذا كان مصعب سبق وآذاها وتزوج منها رغما عنها فما الذي يجعلها بهذه البساطة تتحدث وتتراسل معه بل وتطلب لقاءه هو بالذَّات من بين الجميع من أجل مرافقتها إلى قبر أخيها؟

لا والأنكى أن مصعب كان يخفي عنها أمر رشا ولا يخبرها عن مراسلاتها معه..

وقبل قليل عندما عرف بمرض ابنة عمه سارع يختفي من أمامها خشية ألا يتمالك نفسه وينهار أمامها وهو يبكيها..

أساسًا كانت شاعرة أنّ حاله متغير بالفترة الأخيرة.. فمعظم الوقت شارد الذهن.. ملتزم الصمت.. يبقى بالغرفة منفردا لوقت طويل..

هزت نورين رأسها بنفي شاعرة أنها لا تفهمه.. أو أنه هو لا يريد منها أن تفهمه..

لكن ما هي متأكدة منه أنه لا يريد أن يخسرها هي زوجته..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-10-21, 05:53 PM   #4596

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


أسندت ياسمين المنهمكة بالتطريز جسدها على ظهر السرير وهتفت بامتعاض بالغ

((مازن أخفض صوت ألعابك، هدى اجلبي لي الخيط الأحمر))

رمت هدى أداة التحكم بلعبة البلايستيشن أرضا بحنق وقالت غاضبة لوالدها

((لم أعد أريد اللعب معك فأنتَ لا تتنازل أبدًا وتسمح لي بالفوز عليك ولو مرة))

اتجهت هدى ملبية طلب أمها وسحبت كرسيا إلى المنضدة.. تسلقته لتفتح الدرج تفتش به عن ضالتها وبعد عدّة محاولات وجدت الخيط الأحمر.. ثم رمته لأمها التي ابتسمت لها بامتنان..

ظل مازن يلعب بالبلايستيشن الخاص به قبل أن يتفاجأ بطرقات على باب جناحه..

سمح للطارق بالدخول ليتفاجأ بنجوم تدلف على استحياء وهي تحمل صينية

((لقد جلبت لك كوب قمر الدين يا سيد مازن))

ابتسم مازن لها تلك الابتسامة الجذابة وعقب بلطف

((ما هذه "سيد" الذي تظلين تناديني بها.. قولي مازن فقط))

تلونت وجنتها بالاحمرار وهي تقول له بينما تضع الكأس فوق المنضدة التي بجانبه

((حسنا يا سيد مازن))

تمتم مازن وهو يهز رأسه بيأس ((عدنا!))

رفعت ياسمين وجهها لنجوم تسألها باستغراب غير مألوف فيها

((لماذا دائما تجلبين له كل هذه المشروبات والأطعمة الخفيفة!؟))

ردت نجوم عليها بصوتها الناعم

((أمي دائما تطلب مني أن أقدمها له، وقالت بأنه كان يعشق قمر الدين بصغره))

لفت الدهشة مازن وقال بشجن الماضي

((قمر الدين! ياااااه...! متى آخر مرة ارتشفت منه! نعم قولي لمنال أن تعده لي، بصغري لم تكن تناديني أمي إلا "قمر الدين"))

ورغم الإعياء والتعب الداخلي والخارجي الذي كانت تشعر به نجوم إلا أن ابتسامتها اتسعت للسعادة الصبيانية المرتسمة على وجهه لمجرد إحضارها قمر الدين له..

هتف مازن وهو يناظر هدى الجالسة بجانب أمها

((هيا يا هدى تعالي لنتبارى مرة أخرى))

نفخت هدى أوداجها وقالت

((لا أريد أن ألعب معك، أمي اذهبي تباري معه وفوزي عليه كما المرة الماضية))

قالت ياسمين ببرود

((لا أحب اللعب معه، اطلب من نجوم أن تباريك))

ذهلت نجوم وتطلعت لمازن هادرة

((هل أتبارى معك أنا؟))

ارتبكت ملامح مازن ونظر نحو الباب.. ولم يعرف إذا كان عليه الموافقة!

فماذا لو مرَّ والده الى هنا من قبيل صدفة وطلب الدخول ورأى نجوم تشاركه ألعاب الفيديو!

لكن شعر بالخجل منها فأومأ لها موافقا في حين قفزت هدى من السرير وهرولت باتجاه نجوم تعلمها كيفية اللعب..

.

.

بعد نصف ساعة..

اصطنع مازن الذهول والغضب وهو يقول

((كيف استطعتِ يا نجوم هزيمتي للمرة الثالثة على التوالي! أنتِ مذهلة))

ابتسامة منه أذابت قلبها لترد عليه بصوتٍ أجش

((إنها لعبة ممتعة))

رغم ابتسامة مازن المتشنجة إلا أنه لم يكن أبدًا مرتاحًا بداخله..

وعندما قرع الباب فزع مكانه خوفا من أن يكون والده لكن جاءه الصوت الأنثوي رغم غلاظته

((نجوم! نجوم! لماذا تأخرتِ؟))

هدأ روعه عندما عرف هوية الطارق وهتف عاليًا

((إنها هنا يا منال تقف بصف هدى ضد مبارزتي، ادخلي))

فتحت منال الباب ودلفت في حين انتفضت نجوم واقفة تقول

((سآتي حالا يا أمي))

وزعت منال أنظارها على مازن ونجوم وياسمين المنزوية لوحدها تقوم بالتطريز ثم مدت يديها تلوح بها هادرة بلهفة وحسم

((لا، لا حاجة لأن تأتي، لست بحاجتك.. استمتعي بوقتك))

تكدّر حال مازن لأن نجوم لم تغادر المكان تابع مباراتها لتشعر هي بفرحة عامرة تتسلل لتطغى على روحها المكللة بالهموم ولو مؤقتا..

أما هدى فتوجهت عند أمها تهمس بأذنها بحنق طفولي

((أمي لقد جعل نجوم تفوز عليه ثلاث مرات عن قصد، وأنا لا يسمح لي بالفوز عليه))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-10-21, 05:54 PM   #4597

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

سجن النساء..

فتحت الحارسة باب السجن الحديدي لشيرين وأحاطت الأصفاد الحديدية بيديها..

طالعت شيرين وجه الحارسة المتجهمة والتي تحقد عليها لسبب لا تعرفه فقالت لها

((أنا بحاجة أن أذهب للطبيب فرأسي يعاني من الدوار، أنتِ تعرفين أني كنت بالمشفى قبل وقت ليس بطويل))

ساقت الحارسة شيرين إلى حيث مكان طبيب السجن دون أن ترد عليها..

مرت شيرين أمام باب العيادة حيث يقف هناك طوابير المسجونات الجدد اللائي ينتظرن الفحص الطبي..

انتظرت الحارسة في الخارج ودلفت شيرين للداخل لتفاجئ من وجود ذلك الطبيب الملقب بالجزار..

شتتت نظرها بأرجاء المكان لعلها تجد ذاك الطبيب الثاني الذي أخبرها قُصي أنه يكون شقيق يوسف الأكبر ويمكنه مساعدتها إذا ما احتاجت لشيء.. إذ أنها تشعر بالإعياء الدائم ولا تتجرأ لطلب طبيب إلا بعد أن سمعت عن قدوم الطبيب الثاني..

تطلع ذلك الطبيب الجزار بشيرين بعبوس فطري وتساءل بوجوم

((ما الذي تعاني منه أيتها النزيلة؟ أنا مستعجل))

جفلت لسؤاله وتلعثمت لدقيقة قبل أن ترد

((سمعت أن الطبيب الجديد وصل، هل يمكن أن يعاينني هو؟))

ثبت الطبيب الجزار نظراته عليها وقال لها مزمجرا

((وهل تظنين نفسك بإحدى المشافي الخاصة الباهظة! أنتِ في السجن يا مدام بحالة أنك نسيتِ))

انكمشت شيرين على نفسها من صراخه عليها تزامنا مع دخول أحد الأطباء يقول بصوتٍ هادئ

((أنا هو الطبيب الجديد زياد، هل هناك سبب معين لتختاري أن أعاينك شخصيا؟))

استدارت شيرين إلى الرجل الذي دلف للداخل حيث خرج منه الصوت..

وبدأت تحدق فيه بانشداه.. شاهق طويل.. بمنكبين عريضين.. يرتدي ملابس عسكرية رغم أنه طبيب..

توقف نظرها عند عينيه..

خضرة عينيه بنفس درجة عينا يوسف بالضبط..

إذن هو زياد غزوان.. شقيق يوسف..

هذا هو الطبيب الذي على علاقة بقُصي!

أشرق وجه شيرين ولم تستطع أن تخفي فرحتها وهي تقول

((مرحبا دكتور زياد أنا شيرين))

ظل زياد الذي يقف مقابلها يطالعها بوجه غير مقروء قبل أن يشمخ برأسه ويقول

((هل أعرفك أيتها النزيلة شيرين؟))

تلاشت تعابيرها كلها لتتسع عينيها وتفغر شفتيها.. ألم يخبره قُصي عنها بعد؟

تلّبك كل ما فيها وقالت بإحراج وهي تشيح بنظرها عنها

((لا أنا فقط.. أعني.. أقصد..))

ظلَّ زياد على صمته ثم قال بهدوء

((بما أن زميلي هنا سيقوم بعمله فلا حاجة لوجودي))

تناول زياد من على مكتبه الملفات التي جاء من أجلها ثم همّ أن يغادر قبل أن يمنعه الطبيب الملقب بالجزار ويقول على عجل

((دكتور زياد أنا مضطر أن أغادر لأمر ضروري فتولى أمرها لو سمحت))

كاد زياد أن يعترض لكن الطبيب الآخر غادر بالفعل مما جعله يأخذ نفسا عميقا يكتم غضبه ثم لم يلبث أن سألها بجلافة وهو يتقدم منها

((تفضلي اشرحي لي ما خطبك؟))

وقفت شيرين مكانها لدقيقة محتارة.. مترددة.. تفكر هل تسأله أم تتراجع؟ ربما لم يتحدث قبل قليل عن قُصي لأن الطبيب الآخر كان متواجدا! فأخذت نفسا قبل أن تقول بصوتٍ خفيض متلعثم وهي بالكاد تخرج جملا مفهومة

((هل.. أعني قُصي سامح.. أو قُصي القاني أخبرني عنك القليل.. قال بأنك شقيق يوسف.. أأنتَ الدكتور زياد غزوان؟ أقصد أظن بأنه لم يختلط الأمر عليّ بينك وبين أحد آخر.. لأن قُصي القاني أخبرني بأنك ستكون..))

رفع حاجبيْ زياد الطفيف هو فقط التغير الوحيد في ملامحه وما دلَّ بأنه عرفها أخيرا إذ سبق وأخبره يوسف عن طلب قُصي القاني..

فتح زياد معداته بينما يقول بهدوء رزين

((أيتها النزيلة شيرين بعد أن عرفت بأنك تخصين قصي القاني سأحاول التعامل معك بكل حيادية وإنسانية دون أن أسمح لحقدي الدفين لأولاد القاني أن يتحكم بي))

اتسعت عينا شيرين لتتمتم بارتباك متسائل

((ما الذي تقصده!؟ ألست صديقا لقصي القاني؟))

تمتم زياد بنبرة عادية ونظره ويداه مشغولتان بإخراج أوراق لشيرين

((ما هي تلك الجملة التي تقال عندما تعبر عن كرهك لأحد! أوه نعم.. لو كان أحد من أولاد القاني يحترق أمامي وكان معي دلو ماء لسكبت الدلو بمائه في البحر))

ازدردت شيرين ريقها وبدت علامات الصدمة متجلية عليها وهي تقول

((ولكن يا زياد!))

التفت ينظر لها بتعابيره الجامدة قائلا بكبرياء وغطرسة

((اسمي الدكتور زياد أيتها النزيلة))

شعّ وجه شيرين بالحمرة وأغمضت عينيها تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها بينما تهمس بصوتٍ خافت لا يكاد يكون مسموع

((تبا لك يا قصي، هل هذا هو الرجل الذي أستطيع أن أطلب منه معالجتي دون أن أخاف شيئا!))

وقف زياد أمامها يقول بجمود ملامحه وعيناه تنطقان بنظرات تعكس كلماته

((لا تقلقي فأنا لن أقوم بشيء لك يتعارض مع القسم الذي أقسمته على نفسي أمام الأطباء ولن أخرق قواعد نقابة الأطباء وقانون مهنة الطب وقانون الإنسانية لأجل شيء فأنا أعرف كيف أفرق بين أموري الشخصية وأمور عملي.. والآن ما هو خطبك؟))

عضَّت شيرين طرف شفتها السفلى ثم تمتمت بحنق عفوي

((أفضل أن أنتظر الطبيب الجزار حتى يعالجني بدلا منك))

قال زياد لها ببرود

((كما سبق وقال لك "الطبيب الجزار" لا تتمتعين هنا برفاهية الاختيار.. أخبريني ما هي مشكلتك؟))

شعرت شيرين بالخجل وهي تقول

((رأسي يؤلمني قليلا))

أجرى زياد لها بعض الفحوصات الاعتيادية قبل أن يكتب لها وصفة ويعطيها قرصين من الدواء وكأس ماء..

عقدت شيرين حاجبيها وهي تمسك إحدى الأقراص وتقول مستهجنة

((هذه الأقراص بلون أبيض وبدون اسم))

امتقعت ملامحه من اتهامها المبطن فسارعت تقول له بصراحة

((لا تنظر لي بهذا الشكل فأنا أعرف أن الأطباء هنا مهمتهم هي أن يخدعونا، لا رعاية صحتنا.. كما أني أعرف سبب فصل الطبيب الطيب الذي كان قبلك))

كان يطالعها باستغراب دون أن ينطق بحرف لتكمل له

((ذنبه الوحيد أنه أفصح لنزيلة هنا عن حقيقة مرضها ولم يكذب عليها ويقول لها أنها مجرد حساسية موسمية كما طُلب منه حتى لا يُحاسب المسؤولين في هذا السجن عن إهمالهم ويُقال عن سجنهم موبوء))

قالت شيرين ما لديها وبقي زياد يحدق بها لدقيقة قبل أن يقول أخيرا ببرود لاذع

((ابتلعي حبة الدواء ثم الماء وبعدها يمكنك المغادرة أيتها النزيلة شيرين من هنا))

غادر زياد المكان ليعلم الحارسة أن تأخذ شيرين لزنزانتها..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-10-21, 05:54 PM   #4598

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

لم تجد منال أن تطلع أحد بما حصل لابنتها إلا أختها الأخرى التي جلست معها هي ونجوم تقول بجدية

((القانون يا منال يجرم الإجهاض وينزل العقوبة بالفاعل وكل من ساهم بإتمام العملية دون استكمال الأوراق المطلوبة من الطب الشرعي وهذا ما لا نريده حتى لا يعلم أحد بما تعرضت له نجوم))



ارتجف بدن نجوم وهي تسمعهن يتكلمن عنها كأنها زانية تريد إخفاء خطيئتها لا تحمل بثمرة انتهاكها..

قالت منال بإحباط والهموم تطغى على روحها المكللة بالتعب منذ ما أصاب ابنتها

((إذن سنلجأ قهريا لإجراء الإجهاض بسرية))

أمسكت نجوم ثوب والدتها كطفلة مذعورة وهدرت بصوتها المتهدج

((ولكن يا أمي حتى لو كان هذا الجنين نتاج اغتصاب، ألا يظل روحا يُحرم قتلها؟))

توحشت ملامح منال وهي تقول

((اصمتي يا نجوم فأنا لا أهتم لا بالشرع ولا بالقانون ولا أعتبر الحمل بشهوره الأولى روحا، وإنما عبئ غير مرغوب فيه يجب التخلص منه قبل أن تستأنفي حياتك من بعده))

لم يبدُ على نجوم الاقتناع فقالت أخت منال لها برفق

((أمك محقة يا نجوم عليك أن تجهضي الجنين وإلا سيأتي للحياة كطفل مجهول النسب معيدا لك ذكرى انتهاكك الأليمة كلما نظرتي له.. ثم أنا وجدت عيادة خاصة غير مرخصة قد تجري لك الإجهاض..))

ثم ترددت أخت منال وقالت بارتباك

((لكن تكلفتها ستصل لثلاثة آلاف دينار ومخاطرها كبيرة فتلك العيادات ليست مجهزة وغير آمنة، وسمعت عن حالات كثيرة ماتت أثناء العملية.. آه تؤلمينني..))

بترت الأخت كلماتها وهي تدفع يد منال عنها مكملة بانزعاج

((لا تقرصيني يا منال علينا أن نصارح ابنتك حتى نخرج من خطيئتها.. لقد سمعت أن تلك العيادة تستخدم أدوات وآلات وغرف غير معقمة تسبب عدوى خطيرة تؤدي إلى الموت أحيانا، وأن الأطباء فيها أشخاص غير اختصاصيين يتسببون بنزيف وتلف في الرحم وصولا إلى العقم الأبدي أحيانا أخرى))

تجلت علامات الذعر والرفض على نجوم من إجراء الإجهاض فقالت منال بحنق كأن الأمر لا يستدعي التراجع أو الخوف

((إنها عيادة غير مرخصة بالتأكيد هذا ما يحدث فيها وماذا تتوقعين غير ذلك؟))

ثم تطلعت لأختها تقول بإصرار

((علينا الذهاب للعيادة شاءت أم أبت فقد لجأت معها لكل الطرق التقليدية الشعبية من أعشاب خلطتها ببعضها ومن أكياس أسمنت أجبرتها على رفعها ولم تنجح كلها))

اتسعت عينا نجوم المترقرقين بالعبرات الغاشمة لتهز رأسها برفض هادرة كمن تهذي

((أمي لقد قررت.. أنا لن أجري تلك العملية أبدًا.. أبدًا))

أظلمت ملامح منال بتهديد سوداوي لتهتف بقسوة واحتدام

((حسنا أفضل لا تجريها ستوفرين عليّ أجرة العملية، لكن تعالي معي فوق فرن الخبز واصعدي فوق الطوب الذي يصل ارتفاعه إلى متر ونصف عن الأرض واقفزي منه عدة مرات))

أمسكت منال ذراع نجوم تجعلها تقف رغما عنها وتجرها نحو الخارج غير آبهة لصوتها من بين نحيبها المكتوم

((لا لن أفعل.. لن أفعل يا أمي، لأن هذه الطرق لن تقتل جنيني بل ستقتلني أنا ويعيش الجنين بتشوهات يحملها معه طوال حياته))

أبعدت الأخت منال عن ابنتها وهي تقول

((منال لا تفعلي ذلك، ابنتك محقه، إذا ماتت أثناء تلك المحاولات سيتم ملاحقتك قانونيا ليقتادوك للسجن.. الحل الوحيد هو أن تبلغي عن ابن اختنا))

أخذت منال نفسا عميقا تحاول استعادة رباط جأشها ثم قالت بنبرة حاسمة

((لا لن أبلغ، مستحيل، فابنتي هي من ستسوء سمعتها لو بلغت وهي من ستواجه جحيم هذا المجتمع))

هزت الأخت كتفيها بلامبالاة قبل أن تستأذن للمغادرة..

أما منال فظلت تذرع الغرفة ذهابا وإيابا بجسد متصلب ومتشنج لدقائق طويلة قبل أن تقف أمام نجوم تقول وعيناها تنفثان اللهب

((نجوم هناك حل لمشكلتنا.. مازن))

فغرت نجوم شفتيها بحيرة شديدة قبل أن تقول

((لا أفهمك يا أمي))

تمالكت منال نفسها لتنفث غضبها.. لتقول بحذر

((ألا تريدين أن نحل الكارثة التي حصلت لك؟ إذن علينا أن نضع مازن صوب هدفنا.. افعلي مثلما فعلت زوجة مازن لتتزوجه))

انهارت ملامح نجوم وهي تدرك عظم الذنب والخطيئة الذي تريد والدتها منها الإقدام عليه دون خوف عليها من عقاب الله أو عذاب الآخرة لتقول بصوتٍ مبحوح

((هل تريدين مني أن أتصرف ك-ع-ا-ه-ر-ة؟ هل جننت يا أمي؟))

لم تتراجع منال قيد أنملة وهي تقول بنفس الشراسة

((حسنًا ابقي على حالك ودعيهم يظنون أنك زانية وحامل بدون زواج))

جحظت عينا نجوم وهزت رأسها نافية يمينا ويسارا لتقول بعذاب ((لست كذلك.. والله قام بتخديري وانتهاكي.. لم أستسلم له بإرادتي))

أمسكتها أمها بقسوة من كتفيها تشد عليهما وتحركها وهي تنفث فيها كالشيطان توسوس بأذنها وتحاول إقناعها

((ليلة.. فقط ليلة واحدة يا نجوم.. استدرجيه لينام معك ليلة فيتزوجك وتبليه بما في جنينك، وهكذا تضمنين لطفلك المسكين الذي لا ذنب له بانتهاك والدته، والد غني ابن عائلة معروفة وسيتم تربيته كحفيد للحاج يعقوب الكانز.. هل تتصورين كيف ستنقلب محنة انتهاكك لمنحة!))

فلوحت نجوم بيديها تقول مستنكرة

((لكن يا أمي ما أفعله اسمه زنا.. ألا تعلمين حرمته؟ ألا تعلمين أنه من أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل؟))

همست منال بوجوم وعيناها متوهجتين بالشر

((شش، شش.. لا تشغلي تفكيرك بهذه الأمور.. افعلي ما آمرك به ثم ستتوبين إلى الله وكان الله غفورا رحيما..))

سرعان ما تحول حال منال للنقيض لترتسم تلك الابتسامة والتي تجعلها تحاكى الشيطان في شره وخبثه وهي تكمل هامسة

((مازن بالفعل يشعر بانجذاب لك، لا تقلقي، فقط أعطي له الضوء الأخضر وهو من سيخطط للنوم معك، سأعطيه في ذلك اليوم مخدر فعال ليشربه حتى لا يعرف بأنك لست عذراء، بعدها سأخبرك ماذا سنفعل ليتزوج منك سواء بالسر أو العلن))

ابتلعت نجوم ريقها وقد استشفت الجدية في كلام أمها فوضعت يديها على أذنيها تسد مجرى السمع عندها عن كلامها وهي تهذي كالمحمومة

((لن أفعل.. مستحيل أن أفعلها.. الأمر لن يكون بهذه البساطة والسهولة بل قد يقومون بفحص أبوة وحينها سيظهر زيف كذبنا ولن يجني الخزي والفضيحة أحد غيري.. لن أفعلها))

انفلتت أعصاب منال فلم تجد أمامها إلا أن تركلها بقسوة وتدفعها أرضا لعل ضربتها هذه تكون سببا في إجهاضها.. ثم عادت تنتشلها من شعرها من جديد جاذبة جسدها من على الأرض قائلة

((بل ستفعلينها))

استكانت نجوم ولم ترد عليها فتركتها منال منهكة من بين أنفاسها اللاهثة.. ثم اندفعت للخارج كالطوفان وغادرت المكان لتتركها وحدها في بادرة رحمة منها..

انهار جسد نجوم أرضا ودموعها تتابع السيلان بصمت قاتل..

رفعت أصابع مرتعشة لبطنها وبكاؤها يتحول الى ثغاء نعجة جريحة يريدون جزّ عنقها دون رحمة..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-10-21, 05:55 PM   #4599

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي




في إحدى مطاعم المولات التجارية..

جلس مازن بجانب ياسمين ثم وضع هدى فوق حجره ولثمها بحنو ثم لثم وجنة ياسمين الشاردة منذ خروجهم وهو يقول

((هذه القبلة لابنة أبيها هدى.. وهذه القبلة لابنة قلبي ياسو))

تململت ياسمين مكانها ثم مسحت براحة كفها أثر قبلته الوهمي لتقول بازدراء

((مازن تحلى ببعض الاحترام نحن في مكان عام، وإلا لن أذهب معك لأي مكان مهما توسلت هدى لي))

رفع مازن يده يمسد فوق شعر ابنته المجعد ليقول

((بماذا كنت شاردة يا لوح الجليد؟))

تنهدت ياسمين ولف الحزن ملامحها وهي تقول

((لقد كانت رتيل مكتئبة في الفترة الأخيرة.. لم تقل لي بلسانها بشكل مباشر ولكنها بدأت تشك بأن أخاك يحمل مشاعر لامرأة غيرها ولذلك طلقها))

تغضّن ما بين حاجبي مازن بالضيق وقال

((الساقط كان يخونها، لا بد أن المرأة الأخرى أقنعته أن يطلقها، لقد قرأت كلامه البذيء معها))

ترققت ملامح ياسمين بحزن زعقت له نبضات قلبه بينما تقول

((اتصلت بي عدة مرات وطلبت مني أنادي خفية على أولادها وأدعهم يتحدثون معها، طوال المكالمة كانوا ثلاثتهم يبكون.. إنها مسكينة..))

أومأ مازن لها ولم يجد ما يقوله مواساة لياسمين التي يراها لأول مرة على هذا الحال..

أحضر النادل الطعام لهم وبدأوا الأكل وهدى لا تزال جالسة فوق حجر والدها بينما يقسم قطعة اللحم لها..

ودون أن يشعر هو كان يلقم الحنان والاهتمام لها لقمة.. لقمة.. ببطء.. بدأت تعتاد عليه منه وتدمنه في الأيام الأخيرة..

شعر مازن بياسمين تتوقف عن الأكل وتحدق بأحد ما فعقد حاجبيه وهو يتطلع لموضع نظرها قائلا

((ما بك ياسمين؟ هل تعرفين هذه المرأة التي تنظرين لها؟))

لم تجبه ياسمين التي كانت متجمدة الملامح بصدمة.. قبل أن تقف من مكانها بغتة وتسرع الخطوات نحو المرأة الجالسة على الطاولة المقابلة لهم..

أمسكت ياسمين ذقن المرأة ترفع رأسها لها لتتمعن بملامحها مما جعل المرة تدفع يدها عنها مستنكرة

((من أنتِ يا هذه؟))

أفرجت ياسمين عن ابتسامة ضاحكة وهي تقول بعينين لامعتين

((أنا ياسمين.. ياسمين.. هل تذكرتني؟))

اتسعت عينا المرأة التي أمامها وسرعان ما أكملتا التمعن ببعضهما.. ورغم مرور السنوات استطاعتا الاثنتين معرفة بعضهما.. وفي آن واحد صرخت كل واحدة منهما باسم الثانية.. لكن ياسمين كانت صرختها لهفة مشتاقة.. أما الأخرى فكانت صرختها متعجبة وغاضبة..

كل من حولهم التفت ليتابع المشهد بينما تقف المرأة من مكانها تقول مذهولة

((ياسمين هل هذه أنتِ؟ صديقة طفولتي؟ ماذا تفعلين هنا؟))

تغرغرت الدموع المشتاقة بعيني ياسمين وقالت

((أنا هنا لأتناول الطعام مع زوجي وابنتي، لقد مرَّ على آخر مرة رأيتك فيها سبع سنين، لقد تغيرت وصرت أجمل كثيرا))

عقدت صديقتها حاجبيها وقالت بنبرة باردة

((أما أنتِ فصرت أقبح كثيرًا، قبيحة بشخصيتك وغدرك))

اختضت ياسمين من تحول ملامح صديقتها لتكمل الأخرى

((تزوجت فجأة ولم تدعيني أنا أو أي واحدة من صديقاتنا لحفل زفافك أو لمنزلك بعد الزواج وغيرت رقم هاتفك وطلبت من عائلتك ألا يعلمونا شيئا عن أخبارك))

بهُت وجه ياسمين وهي تقول بصوتٍ متذبذب

((ماذا تقصدين!؟))

قست نبرة صديقتها وهي تقول بينما ترمي نظراتها لمازن الذي أشاح بنظره جانبا بحرج

((لقد أفصحت أمك لي بكل شيء بعد أن صرعتها من شدة سؤالي لها عنك بعد الزواج وأخبرتني بأنك طلبت منها ألا تخبرنا عن سكنك الزوجي خوفا من أن نسرق منك زوجك فهو ابن عائلة غنية وأخضر العينين))

اضطربت ياسمين ولم تعرف ماذا تجيبها..

يفترض أن تكون الصدفة التي جمعتها بصديقة طفولتها في هذا المطعم بعد افتراق طويل لقاء يثلج الصدر لا أن يجري على هذا النحو!

بينما تابعت صديقتها تقول بغل

((والآن ما الذي تغير يا ياسمين الغدارة حتى ترحبين بي بهذا الكم الهائل من الشوق والحرارة؟ ألا تخافين أن نسرق منك زوجك!))

ثم أشارت صديقتها للرجل الذي هو جالس أمامها تمسك ذراعه وتقول

((فليكن بعلمك تزوجت من هو أوسم وأفضل من هذا الصعلوك الذي قطعت كل علاقتك بالعالم من أجله))

بدا أن هذه الصدفة أفسدت عليها وقتها معه وقد سحبت صديقتها زوجها من ذراعه لخارج المطعم تاركة ياسمين واقفة أمامها والدنيا تدور وتكاد تميد بها.. اقترب منها مازن هامسا بتهكم

((هل نعتتني صديقتك قبل قليل بالصعلوك؟))

أغمضت ياسمين عينيها تذرف دموعها المريرة مما جعل مازن يجوب بنظره كل الوجوه المحدقة بهما ويقرب ياسمين منه قائلا

((كل الأنظار علينا يا ياسو فابكي بصوتٍ خافت.. أو ما رأيك أن نكمل طعامنا في السيارة؟))

دفع مازن فاتورة المطعم وطلب أن يوظبوا باقي الطعام الذي لم يمس ليأخذه معه للبيت..

أجلس مازن هدى في المقعد الخلفي بالسيارة وثبت حزام أمانها ثم قال منبها وهو يستقل المقعد الأول خلف المقود

((هدى كلي مثلجاتك بحذر فبالكاد سمح لي مالك أن آخذ سيارته))

بدأ مازن يقود السيارة نحو القرية والهدوء يعم الأجواء لا يسمع إلا صوت المحرك الخافت ونشيج ياسمين المكبوت إذ لم تتوقف دموعها عن الجريان ونظرها عن الشرود.. حتى قالت أخيرا بصوتها المتهدج

((كنا نتبادل نحن الاثنتين مشاعر صداقة أخوية، نرتاح لبعضنا البعض.. كانت ملاذي وملجأي وعلاقتي بها أعمق من أي علاقة قرابة عندي.. هي لم تكن مجرد صديقة بل أخت تجمعني بها أجمل الذكريات والمغامرات.. ولا أصدق بأن هذا ما قالته أمي لها ولغيرها من أقاربي وصديقاتي لتبرر زواجي المفاجئ منك، الآن كل من كان لي معه علاقة طيبة يظنني أنا من أردت ألا يحضروا زفافي أو منزلي بعد الزواج))

كان مازن يصغي لها باهتمام وكل لحظة والأخرى ينحي نظره عن الطريق للحظات ليرميها بنظراته الحزينة..

وهي كانت مصدومة من نفسها كيف تبوح له عن علاقتها بصديقتها وبدون أن يسألها! إذ أنها أسرفت في الكتمان حتى نست ما معنى أن تبوح لأحد بما يثقل كاهلها أو يقبع في مكنون قلبها!

تنهد مازن قبل أن يقول بصراحة

((أمك مخطئة، لم يكن عليها أن تبرر سبب زواجنا المفاجئ الذي لم ندعو له أحد بهذا الشكل))

سحبت ياسمين مناديل ورقية لتمسح وجهها الملطخ بالدموع وهي تقول

((أمي توفيت ولا يصح أن نذكرها الآن إلا بكل خير))

اتسعت عينا مازن بل جحظتا بنظرة قوية رهيبة حتى أنه أوقف السيارة فجأة ليطالعها بلا تصديق ويقول

((هل توفيت!؟ متى توفت أمك رحمها الله!؟ لماذا لم يعلمني أحد بذلك من قبل؟))

تمتمت ياسمين بسخرية قاتمة

((لم تطلب مني يوما أن أعلمك بأخبار هدى حتى أفكر أنك قد ترغب أن تعرف أخبار عائلتي!))

طالع بغضب وجهها المحتقن بالألم وقال بعتاب شديد

((حتى ولو، كان يجب عليك إخباري يا ياسو..))

تطلعت له هاتفة بعنف وهي تكابد الألم

((أنا بنفسي لم أعلم بوفاتها إلا بعد ثلاثة أيام من انتهاء العزاء، والدك علم بوفاتها بمحض الصدفة ونقل الخبر لي))

عاد يشغل محرك السيارة وتابع القيادة.. وقد ترققت ملامحه لما سمعه وعاد قلبه ينخره بالحزن على حالها.. فلقاؤه بأصدقائه بعد غربة سنوات على عكس لقاء ياسمين البائس هذا، كان مبهجا وتصاحبه نشوة حقيقية أعادت لقلبه ضياءه وحياته وفرحته، وشعر بنفسه كأنه ولد من جديد..

ربما سبب حال ياسمين هذا البائس هو أنها ليس عندها أي علاقات أو صداقات..

عندما وصلت للبيت أول شيء فعلته ياسمين أن تحررت من وشاح رأسها وتمددت شاردة الذهن فوق السرير.. قبل أن يجلس مازن بجانبها ويغمر أنامله الرجولية في شعرها مما جعلها تعبس وتنفر منه قائلة

((اترك شعري يا مازن بحاله.. حتى في أوقات بؤسي لا تفكر إلا في هذا))

شدَّ شعرها برفق ليقول بعبوس

((لقد كانت مجرد لمسات بريئة، لا تبالغي يا لوح الثلج))

تسلقت هدى السرير بعد أن اغتسلت وغيرت ملابسها ثم جلست أمام والدها تعرض عليه شعرها الفوضوي ومشط خشبي وتقول مترفعة

((أبي بما أنك أخرجتني اليوم في نزهة ممتعة سأعرض عليك تجديل شعري.. خذ))

اصطنع مازن الازدراء وهو يقول

((شكرا ولكن لا يبدو من الممتع صنع ضفيرة بشعرك القصير المجعد))

تجهمت ملامح الصغيرة بطفولية وطلَّ حزن من عينيها مما جعل مازن يسارع برسم ابتسامة واسعة ويقول وهو يمسك المشط

((أمازحك يا ابنة أبيكِ..))

بدأ مازن رحلة جهاده في تمشيط شعر هدى دون أن يؤلمها قدر الإمكان.. فراقبته ياسمين بهدوء شديد وابتسامة غير محسوبة ترتسم على شفتيها قبل أن تتبدد عندما قال لها بغتة

((ياسو.. لماذا لا تكملين تعليمك؟))

ردت عليه ببساطة ((لا أريد))

قال لها مستنكرا

((لماذا؟ ألست ناقمة لأن ما حدث منعك من إكمال تعليمك وطموحك!))

ردت عليه بصوتٍ واجم

((نعم ناقمة وسأظل كذلك.. لكن هذا لا يعني أني سأعود للجامعة بعد أن صرت أما وهرمت في العمر))

توقف مازن عما يفعله ثم قال مستهجنا

((ألا ترين بأنه قد طال أمد نزيف ذلك الجرح الذي استنزف روحك؟ متى ستفوقين أخيرا من غيبوبتك الاختيارية؟ حان وقت التعافي.. ثم أنتِ لست هرمة يا ياسو بل في منتصف العشرين من عمرك.. عندما كنت أدرس في الغرب، كان هناك شاب يافع يأخذ محاضراته معي برفقة والده الذي كان بضعف عمره.. وكانا الاثنين يدرسان نفس التخصص في الجامعة.. إكمال التعليم بعد الزواج وإنجاب الأطفال وبعد تخطي سن الثلاثين والأربعين هو أمر شائع في كل مكان في العالم.. فما بالك..))

عبست بوجهه ثم قاطعته بحنق

((لا تلح عليّ، قلت لك لا رغبة لدي في إكمال تعليمي.. لا أشعر أن بؤسي الذي أعيشه سيتبدد لو أكملت.. ثم أنا لن أعمل فما فائدة التعليم؟))

تشتت نظر مازن وهو يجيب

((هناك غايات عديدة للشهادة غير العمل.. مثل انخراطك مع فئات مختلفة من الطلاب في دفعات مختلفة))

غمغمت مستخفة بما تسمعه

((هراء.. معظم الدفعات ستكون عبارة عن فتيات يصغرنني على الأقل بسبع سنين.. لن أحب أن أنخرط أو أكون صداقات مع فتيات بعمرهن..))

ردَّ مازن مستفيضا

((ولكن أنا أيضًا كان معظم زملائي يصغرونني بالعمر بالغرب ومع ذلك..))

قاطعته باقتضاب وهي تخرج مشغولات خياطتها من الجرار

((يكفي يا مازن دعني أركز في القماشة التي بيدي..))

تمتم مازن بامتعاض وهو يعيد التركيز على شعر ابنته

((أنا فقط أحاول جعلك سعيدة وتعويضك شيئا عما خسرته في الماضي))

أمّا ياسمين فكانت تجاهد في وضع قناع من السيطرة واللامبالاة.. تعافر حتى لا تظهر حريق روحها له بعد لقائها المضني بصديقتها اليوم.. حتى لا يستضعفها مازن.. فقد اكتفت استضعافا لسنوات من قبل وإن سمحت لمازن فلن يقصر أبدًا في أن يكون مثلهم..


******






في شركة القاني..

استقام معتز من مكانه يقول برهبة وكأن الشخص الذي أمامه صاحب مركز مخيف في الشركة وقال بلهفة

((أهلا بك أهلا يا سيد قصي))

تساءل قُصي ببراءة وهو يجلس أمامه

((الآن صرت فجأة سيد قُصي!))

ازدرد معتز ريقه قبل أن يقول بشيء من التوتر

((سبق وطلبني نائب المدير التنفيذي السيد يوسف غزوان، استغربت كيف يعرفني شخص بمنصبه لكنه باح لي بكل شيء وأخبرني عنك))

أومأ قصي برأسه ثم قال بهدوء

((نعم طلبك من أجل مراجعة شهادتك، وهو أيضًا سبب قدومي عندك.. الحقيقة بعد لقاءات قليلة لي مع شيرين وبعد استقالتي من هنا عرفت أنها مختلفة كثيرًا عن شيرين المشرفة.. ففي العمل هي إنسانة صارمة وجدية بشكل بالغ))

أكد معتز له بلهفة

((معك حق وذكاؤها الإداري والتزامها هو ما جعلها تصل إلى ما وصلت له من منصب بدون أي وساطات))

ضيَّق قصي عينيه ثم عقب بنفس الهدوء

((هل تعرف يا معتز أن شهادتك كانت دليلا قويا لإدانتها وتوقيفها بالسجن عندما أنكرت ادعاءها بأن فائق هو من دفع طه من الشرفة؟))

طفح الذنب على وجه معتز وهو يقول بضيق

((نعم أعرف يا سيد قصي وواثق من أن شيرين لا يمكن أن تقوم بمثل هكذا فعل شنيع، لكن في نفس الوقت هي اتهمت فائق، وفائق كان متواجد في الكافتيريا طوال وقت الحادثة ولم يغادرها وعلى مرأى عيني كان يجلس ويعطيني ظهره وعندما سمعنا صوت الارتطام على الأرض وجئنا كانت شيرين على الشرفة تنظر لنا))

مال قصي برأسه نحوه يقول باتهام

((هل رشاك أحد يا معتز لتشهد ضد شيرين؟))

لوح معتز بيديه يقول بذعر مؤكدا

((لا لم يفعل أحد، أقول فقط ما رأيته، بالكافتيريا كان فائق يجلس على الطاولة ويعطيني ظهره طول الوقت.. أنا قلت بشهادتي بأني أعرف شيرين منذ عملي في الشركة ومتأكد من أنها من المستحيل أن تفعل شيئا كهذا، لكن في نفس الوقت كان عليّ أن أقول بالتفصيل ما حدث فقد أقسمت فوق المصحف الشريف ألا أقول إلا الحقيقة والحقيقة فقط))

أطلق قصي نفسا طويلا منهكا مما جعل معتز يتساءل بخفوت

((ألن تخرج شيرين وتظهر براءتها؟))

هزَّ قُصي كتفه ثم قال يصارحه

((وجدنا شاهدة ويقول المحامي أنه استطاع الحصول على مكالمة أجرتها شيرين مع شخص ما لكنه لم يستطع الحصول عليها إلا صوت بلا صورة، على كلٍ كنْ متاح دائما فقد يطلبك المحامي بأي لحظة ليستمع مرة أخرى لأقوالك أو يطرح عليك أسئلة))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-10-21, 05:57 PM   #4600

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي




ليلا حيث الجناح غارق بالظلام الدامس..

تململت سمية بفراشها وهي تشعر بكف تتسلل إلى داخل ثوبها ففتحت عينيها تشهق بذعر قبل أن تشعر بمالك يسلب منها شهقتها بقبلة عميقة.. ليهمس لها مطمئنا

((لا تقلقي هذا أنا، لماذا سبقتني للنوم في هذا الوقت المبكر جدًّا من الليل!))

حاولت أن تبتعد قليلا عنه وهي تفرك عينيها ثم قالت بصوتٍ أجش ناعس

((لا اذكر متى نمت أساسا فأنا لم أغير ملابسي حتى!))

أخذ يقبل كل جزء من وجهها بنهم فأغمضت عينيها وقلبها يقرع هادرًا لكنها حاولت مجددا إبعاده هامسة

((مالك انتظر قليلا حبيبي))

دفن مالك وجهه بعنقها غامرا يده بشعرها الأسود هامسا باعتراض

((لن افعل، ألا تلاحظين بأنك بت تتهربين مني في الآونة الأخيرة كثيرًا بسبب انشغالك بأولاد أخي..))

تراخت ذراعا سمية بتأنيب ضمير وشعور بالذنب وهي تجد نفسها عالقة بمبادلة عرفان رتيل من جهة والقيام بكل واجبات مالك من جهة أخرى..

لكن عندنا حاول بسطها على السرير واعتلائها عادت تدفعه برفق هادرة

((أنا أسفه يا مالك اعرف بأني أقصر بحقك ولكن انتظر فقط حتى أتأكد من أنهم قد ناموا ثم سأعود لك))

اعترض لها متذمرا عند تصلب جسدها

((ولكن ألم تجلب لهم أمي مربية..))

عادت تقول بإصرار خافت ترجو تفهمه

((نعم ولكن دعني أولًا أتفقدهم.. أرجوك..))

توقف مالك عما يقوم به فجأة وهو يبتعد عنها نحو مفتاح الإنارة ليشعله ثم يطلق شتيمة بذيئة..

بهتت ملامح سمية ثم رفعت وجهها له بارتباك وانخطفت خفقات قلبها..

ارتجفت شفتاها وهي تراقب وجهه المتكدر بينما يدور حول نفسه متخصر اليدين فسارعت تقول له باعتذار متحشرج

((أنا أسفه يا مالك لم اقصد أن أتهرب، أرجوك لا تغضب ولا تغادر فأنا لم اقصد..))

تطلع مالك متجهما للأرض وقال بغضب

((ماذا يفعل فهد نائما هنا، لقد خطوت فوق ساقة دون أن اشعر))

حدقت سمية به ببلاهة لا تفهم ما يقصده وما شأن فهد بما حدث.. لكنها لاحقت نظراته نحو الأرض وسرعان ما شهقت بذهول

((منذ متى كان هنا؟))

انتفضت بجزع على الأرض نحو فهد تطبطب بلطف فوق كتفه وهي تقول باضطراب

((اذكر بأني دخلت لجناحي لأريح ظهري قليلا ولكن لم اشعر به يأتي إلى هنا))

حمل مالك جسد فهد الهزيل بين ذراعيه وهز كتفه ليتململ الصغير النائم فقالت سمية له برجاء رقيق

((تعامل برفق معه يا مالك فقد بكى اليوم حتى جف دمعه، المربية التي جلبتها والدتك له تتعامل معه بقسوة وصرخت عليه أكثر من مرة))

تجلت ملامح الصدمة على مالك وقال مستنكرا

((صرخت عليه أكثر من مرة وتعامله بقسوة! أين أمي من هذا الكلام! يجب أن تسرحها إذا لم تعرف كيف تتعامل مع صغير مثله))

وعلى الفور غادر جناحه إلى حيث كانت أمه جالسة في غرفة المعيشة ومستيقظة على مشغولات الخياطة بين يديها وقال هاتفا وهو لا يزال يحمل فهد

((أمي انظري لحالة فهد المزرية بسبب المربية التي جلبتيها له، ألا تراقبيها كيف تتعامل مع أولاد أخي؟))

عبست زاهية ثم استقامت واقفة تقول

((بلى أراقبها جيدا كيف تتعامل مع الولدين.. وهي بنفسها تطلعني على كل كلمة أو فعل تقوم به لكن المشكلة بأولاد أخيك أنفسهم، الأسبوع الماضي عندما شكيا لي من المربية الأولى غيرتها على الفور لأجدهم يكررون نفس الشكوة ضد هذه المربية، الولدين لا يريدان أن يدرسان أو يأكلان فلا حل للمربية إلا أن تلجأ لبعض الشدة والصرامة))

ثم ناظرت زاهية حفيدتها تقول له آمرة

((دارين من الآن وصاعدا أنتِ مسؤولة عن أولاد عمك الصغار، ذاكري دروسك في نفس الغرفة مع المربية وظلي برفقتهم لنطمئن عليهم أكثر))

تذمرت دارين بغيظ

((نعم وكأن لا شغل ولا مشغلة لدي إلا أولاد عمي مؤيد أنا!))

أما مالك فناول أمه فهد الحزين الذي لا تزال أثار الدموع على وجنتيه..

توجه مالك نحو المطبخ الذي كان فارغا من أحد وفتح الثلاجة.. أخرج منها عدة أطباق يأكل منها لتدخل سمية الباب خلفه هادرة بابتسامة رغم ارتباكها مما حدث

((اصعد فوق يا مالك وسأعد لنا عشاء نحن الاثنين))

قال بهدوء ((لا داعي، سأكل من الموجود هنا في المطبخ))

ازدرت ريقها بتوتر ثم ذهبت لتعد الشاي له..

جلست بجانبه أمام الطاولة الرخامية ولثمت جبينه بخفة قبل أن تقتسم الرغيف الذي بيده وتأخذه نصف..

طالعها مالك بملامح متجهة

((هل تسمين هذه قبلة؟))

أصدرت صوت ضحكة خافتة قبل أن تنفرج ملامحه هو الأخر عن ابتسامة ويرفع يده ليحيط كتفها بها ويجتذبها له..

اعد لها لقمة ورفعها لثغرها لتأكلها منه وهي ترمقه بنظرات حب جارف.. مما جعل ابتسامته تتسع ويشدد من ذراعه التي تحتضنها..

لكن قال بغتة عندما وقع نظره على احمرار فوق يدها

((هناك توهج طفيف على يدك.. هل قربت أو أمسكت بيد عارية أي نوع من أنواع المنظفات الكيميائية؟))

أجابته وهي تطالع التوهج الأحمر على يدها

((لا تقلق أنا حذرة بارتداء القفازات إذا ما استخدمت أي منظفات، لكنه ربما من تأثير أحد العطور..))

لثم يدها برقة ثم قال

((حافظي على ترطيب بشرتك بانتظام))

قالت له بنعومة وامتنان

((لا قلق عليّ بوجودك فأنتَ تضع مرطب اليد بجوار كل مغسلة في البيت حتى تذكرني باستعماله))

عقب قائلا ونظرات شغوفة تطل من عينيه

((ومن لي غيرك لأوليها الاهتمام!))

.

.

دلف مؤيد بعكازه لغرفة المعيشة ليجد ولديه جالسين ببؤس بجانب جدتهم المشغولة بقطعة قماشها هي وياسمين..

عندما شعر كل من فهد وباسم بدخول والدهم رموه بتلك النظرة الحاقدة مما جعل مؤيد يتساءل بصوتٍ واجم

((ما بهم ولديّ يا أمي؟))

تطلع فهد بتمرد نحو أبيه يقول بوجهه

((نحن نكرهك ونريد من أمنا أن تعود))

جحظت عينا مؤيد في ابنه وهتف به باحتدام أثار ذعره

((تكره من يا ولد؟ كيف تقولها بمنتهى الوقاحة أمامي بهذا الشكل؟))

أما زاهية فعبست في الصغير وقالت باستياء

((هل هذه هي تربية والدتك لك يا فهد؟))

دمدم مؤيد بلا تصديق

((أمي أنا اعرف ولديّ الاثنين جيدا ومثل هذا الكلام لا يخرج منهما أبدًا، هل تحدثتما مع أمكما؟))

ورغم أن قدم مؤيد لا زالت مجبرة إلا أنه اندفع ليجلس بجانب فهد الذي انكمش برعب على نفسه ثم قال وهو يمسك كتفيه بخشونة ويهزه

((هيا اجب يا فهد حالا))

تلبكت ملامح زاهية وهدرت في ابنها ناهية وهي ترى مقدار الرعب المرتسم على ابنه بسبب صراخه

((على رسلك على الطفل يا مؤيد))

لكن ظلت ملامح مؤيد الشرسة على حاله وهو يقول باستنكار

((ابني ضعيف شخصية يا أمي ومن المستحيل أن يخرج منه هذا الكلام إلا لو تم تلقينه إياه من قبل أمه، من التي أعطته الهاتف ليتحدث بها؟))

في نهاية حديثه حانت منه نظره باتجاه ياسمين التي قالت له ببرود دون أن يرف لها جفن

((اتصلت رتيل مرتين بي وطلبت التحدث معهما، كانت تتحدث معهم أمامي ولم تحرضهما أبدًا ضد أحد ولم تذكر سيرتك أصلا.. كانت فقط تسألهم عن مذاكرتهم ومواعيد النوم))

احمر وجه مؤيد بشكل خطير كأنه سينفجر كله كقنبلة! ليقول بنبرة أخطر

((أول وأخر مرة تسمحي لهم بالتحدث مع أمهما.. أنا طلقتها ولا سبيل لعودتنا معنا))

شمخت ياسمين بذقنها وقالت تتشبث برأيها

((لا يا سلفي لن افعل هذا.. إذا ما اتصلت رتيل بي للاطمئنان على فهد وباسم فلن أقول لها "لا"))

نبهتها زاهية باستهجان

((ياسمين انهما أولاده فلا تتدخلي بقرارته))

عقدت ياسمين حاجبيه وقالت لحماتها بعناد

((لا يهمني ولكن أنا لن أساعدكما في حرم أم من أطفالها حتى لا يعاقبني الله واحرم من طفلتي))

قصف صوت مؤيد عاليا وهو يقول مهددا إياها بعينين تطالعان الشرر

((لا تدعيني اقسم يمينا عظيما أن اكسر هاتفك إذا ما علمت أنك سمحت لولديّ بالحديث مع أمهما))

كان صوت مؤيد عاليا إلى الحد الذي جعل مازن في الخارج يصل له ويدخل الغرفة ليقف أمام أخيه قائلًا باحتدام

((اكسر يدك ورأسك إذا تحدثت مع زوجتي بهذا الشكل مجددا يا مؤيد))

فزعت ملامح زاهية وهي ترى ولديها بمواجهة بعضهما فوقفت أمام مازن تبعده هادرة بقلق

((ابتعد يا مازن عن أخيك، ألا يكفي كُسر قدمه!))

امتقعت ملامح مؤيد وهو يجد نفسه وبكل رجولته الساحقة عاجز عن مواجهة أخيه بسب إصابة قدمه.. بينما يسمعه يكمل بنبرة مهددة مزرديه

((إذا صرخ في وجه امرأتي بهذا الشكل فلن أتوانى عن تنفيذ تهديدي))

كزّ مؤيد على أسنانه وتقبضت يداه دون أن يجرؤ على التهور ومواجهته وهو يعرف مسبقا لمن الغلبة..

برح مازن الغرفة وهو يسحب ياسمين خلفه أما زاهية فقالت وهي تنهار جالسة

((لا اصدق هذا الكابوس الذي أعيشه.. أولادي يختلفون مع بعضهم ويتعاركون من اجل زوجاتهم.. لم يكن عشمي هذا بكم))

بالكاد كتم فهد شهقاته ثم اندفع على والده يمسك بيديه الصغيرتين كفه الضخم ويقول بصوتٍ مرتجف يقطع نياط القلب

((أبي لن أرجوك أنا وأخي أن تعود من المدينة هنا لتخرجنا وتنزهنا في أوقات عملك، ولكن اطلب من أمي العودة لنا))

سانده أخاه الصغير باسم وهو يقول برجاء ألم أباه هادرا

((أرجوك يا أبي إذا أردت فلا تعد هنا أبدًا ولكن اطلب من أمي العودة فقد اشتقنا لها))

أشاح مؤيد بوجهه بضيق بعيدا عن بصر ابنه يمنع تلك المشاعر المقيتة من اجتياحه جراء ما سمعه دون أن يقول أي شيء..





****





سجن النساء..

في العنبر الجديد.. فوق أحد الأسرة الموجودة على جانبيه تململت شيرين فوق سريرها ثم اعتدلت واقفة وتوجهت نحو الباب الفولاذي لتنادي على الحارسة التي جاءتها بعد دقائق وتطلعت لها من الفتحة المستطيلة لتقول شيرين لها بتهذيب مبتسمة

((هل يمكن أن تخبري المأمور أني أريد أن أجري اتصالا مهما))

قالت الحارسة لها بعبوس

((نعم سأضعك على دور، وربما يحين هذا الدور بعد أربع أو خمس أيام))

وقبل أن تغادر الحارسة عادت أدراجها تتساءل وهي تضيق عينيها

((ما هو اسمك؟ هل أنتِ شيرين!))

أومأت شيرين لها بهدوء مما جعل الحارسة تتذكر أنها هي نفسها النزيلة التي طلب منها أحد الضباط الذين يعلونها رتبة، أن تسيء معاملتها وأعطاها رشوة لتفعل ذلك، فتنحنحت تجلي صوتها ثم قالت بخشونة وازدراء

((وبالمناسبة أيتها النزيلة شيرين عقابا لك على إزعاجنا بضربات الباب لن أضعك على الدور على الهاتف، وإذا قمت بقرع الباب مرة أخرى سأكتب فيك محضر إزعاج ليضعوك في الانفرادي لأسبوع آخر))

بهُت وجه شيرين وتراجعت خطوة للخلف لتقول

((لا أريد أجراء أي اتصال من الأساس))

مضت شيرين عائدة إلى حيث سريرها تجلس فوقه وهي تسرح بتفكيرها مع تنهيدة طويلة بائسة..

بعد مضي فترة من الوقت.. تناولت شيرين بيدها المبيد الذي جلبت سهر لها منه علبا بكثرة ثم رشته على زاويتها لتقول لها إحدى النزيلات متسائلة

((هل تخشين من الحشرات؟))

أظهرت شيرين الاشمئزاز وهي تجيب

((نعم وبالمناسبة، لقد رأيت في هذا العنبر أعدادا من مستوطنات الحشرات لم أتخيل أنني من المُمكن أن أراها بهذه الأعداد اللامتناهية في مكان واحد))

أنهت شيرين الرش ثم استلقت فوق سريرها زافرة بضيق..

كانت ليلة صيفية بكل المقاييس المتعارف عليها في البلاد..

رطوبة شديدة وحر يذيب القلب مع وجود تلك الجدران السميكة والباب الفولاذي وانعدام فتحات التهوية..

ظلت على هذا الحال حتى حان وقت النوم وقرعت الأجراس وانتشر الظلام الدامس في العنبر..

عدلت من طريقة استلقائها على السرير تتقلب يمنى ويسرى..

لا نوم.. لا هواء.. هذه الليلة أيضًا لن يزور النوم جفنيها..

كل يوم يمر عليها في هذا السجن هو أسوء من الذي قبله..

والأنكى أن إدارة السجن تضيق الخناق عليها كما الباقي.. من عدم صلاحية الطعام الذي يقدم لهم وقصر فترات الزيارات ومصادرة كتبهم ومتعلقاتهم الشخصية وغياب منطقة لممارسة النشاط البدني..

تمددت شيرين على ظهرها تطالع سقف العنبر المرتفع بشكل شاهق..

على الأقل عنبرها السابق كان فيه مروحة هوائية وأسفله مجموعة كبيرة من النوافذ الحديدية التي تسمح بدخول الهواء والتهوية.. وتلفاز يذيع بعض القنوات تتغلب من خلاله على الوقت بمشاهدة المسلسلات والبرامج المختلفة..

على عكس الضغط الذي تعيشه هنا حيث يتواجد اثنين وثلاثين نزيلة بمكان مخصص لعشرين نزيلة وفي بيئة غير صحية تفتقر بشدة للتهوية ولنظافة الوحدات الصحية داخل غرفة الإدخال..

عند قدوم الصباح جاءت الحارسة المعنية بتفقد الحضور وتم تقديم الفطور..

وقفت إحدى النزيلات في نهاية العنبر تناظر شيرين بنظرات شريرة ثم تتمتم للنزيلات اللاتي يقفن بجانبها

((إذن متى سنبدأ أول خطواتنا تجاه تلك المدعوة شيرين؟ لقد أمرنا الضابط أن نقوم معها اليوم ومنذ الصباح بجلبة))

أظهرت النزيلة الأخرى الإصرار وهي تقول بينما تتقدم نحو شيرين

((انتظرن يا نساء، سأذهب لها أولًا))

انتبهت شيرين لهؤلاء النسوة اللاتي يرمقنها بنظراتهن التي لا تنبؤ عن خير قبل أن تتقدم إحداهن منها ونظرات الشر تتجلى على وجهها..

كتفت شيرين المتكئة على الحائط ذراعيها بثبات تستعيد رباطة جأشها.. بينما تقول النزيلة لها بلهجة آمرة

((يا أستاذة.. أعيدي لي الغطاء الذي أعرته لك في الأمس مع أجرة الاستخدام))

لوهلة شعرت شيرين أنها تعيش في إحدى الأعمال الدرامية التي تتناول مشهد عن سجن النساء حيث هناك امرأة من بينهن بلطجية تسيطر على باقي النزيلات وبأنها الآن المستهدفة بما أنها آخر نزيلة دخلت هنا..

أخذت تتأمل النزيلة التي تقف أمامها مشدودة الجسد ولاحظت أنها تضم في قبضتها شيء معدني له حافة لامعة تشبه حافة السكين وتتعمد أن تحركها لتثير الذعر والجزع فيها..

ببرود صقيعي ظاهري أمسكت شيرين يد النزيلة التي تمسك غطائها ووقفت بهدوء أمامها قائلة

((لا بد أنك مخطئة فهذا هو غطاء سريري ولم أستعره منك أو من أحد آخر.. إذا أردتِ يمكن أن أعيره لك الآن لأن الجو خانق ولا حاجة له ولكن عليك أن تعيديه لي لاحقا))

كشرت النزيلة ملامحها وأمسكت ذراع شيرين مهددة بصوتٍ خطير

((لقت قلتُ بأنك أخذتيه مني فهل تكذبينني؟))

قالت شيرين بهدوء وإصرار عنيد وهي تناظر يد النزيلة التي تمسك ذراعها بخشونة

((اتركيني الآن أو سأكسر يدك وأجعلك عبرة لمن لا يعتبر))

طالعت النزيلة رفيقاتها الأربعة هناك وقالت بصوتٍ يعلن الحرب

((إنها تهددنا يا رفيقات هيا لنعلمها درسا لا يُنسى هنا))

اتسعت عينا شيرين وهي تجد نفسها وحيدة بينما أربع نساء بأجساد ضخمة يقتربن منها ويمسكنها ثم يبدأن في إبراحها ضربًا رغم مقاومتها الشرسة وصراخها مثيرة ذعر باقي النزيلات في العنبر..

في هذه اللحظة فتح باب العنبر الفولاذي ودخلت الحارسة تصرخ بهن ومن خلفها ضابطات

((ما الذي يحدث هنا؟))

صرخت شيرين بصوتٍ متألم

((إنهن يعتدين عليَّ بطريقة متوحشة، اطلبي منهن أن يفلتنني))

حدجت الحارسة النزيلات وقالت من بين أسنانها المطبقة

((أفلتنها أيتها النزيلات))

ثم أردفت بصوتٍ مغتاظ هامس لإحدى النزيلات

((ألم تعرفي أن تكممي فمها حتى لا تصرخ ويصلنا صوتها؟ سيأتي سيادة الرائد إلى هنا فقد وصله الصوت))

اقتربت الحارسة أكثر منهن فقامت النزيلة التي كانت تمسك ذراعيّ شيرين وتثبتها بدفعها نحو الحارسة مما جعلها تسقط الميكرفون أرضا وتكسره..

رفعت شيرين التي وقعت أرضا وجهها المليء بالرضوض والخدوش هاتفة بقهر

((لقد تعرضن لي حتى بدون أن أفعل شيئا إنهن متوحشات))

ادّعت الحارسة الصدمة والغضب لتقول وهي تخرج الأصفاد الحديدية

((هل قمت بكسر الميكروفون أيتها النزيلة! ستحاسبين بشدة!))

اعتدلت شيرين من مكانها واقفة قبل أن يُسمع وقع أقدام شديد الوطأة إلى داخل العنبر بعد أن أصدرت الضابطة تنبيها بأن رائدًا صاحب مركز كبير في السجن يريد الدخول إلى هنا..

كانت شيرين منكسة وجهها من ثقل القهر عندما تناهى إلى سمعها صوت صارم جاف متسائل له وقع هيبة.. مألوف

((ما هذا الذي يحدث هنا؟))

اتسعت عينا شيرين وهي ترفع وجهها الشاحب كالرخام ليتضح لها أن صاحب هذا الصوت ما هو إلا.. مُعاذ! مُعاذ! نفسه الذي تعرفه وسبق وعرضت عليه نفسها للزواج بذل وهوان!

كان يقف مقابلها بشموخ وهيبة.. بطوله الممشوق ومنكبيه العريضين.. وبنيته الصلبة.. وملابسه العسكرية التي لها مهابة فخمة..

واصلت بحدقتيها المهتزين التحديق بملامح وجهه الغاضب حيث هو يبادلها النظر بعدم رضى واستياء.. أقرب للقلق غير ظاهر عليه..

قالت الحارسة للرائد مُعاذ وهي تجيبه بصوتٍ مرتبك بينما تشير إلى شيرين

((لقد قامت هذه النزيلة بكسر الميكروفون الذي من خلاله نصدر التعليمات للنزيلات!))

انتفضت شيرين مكانها عندما سألها الرائد ُمعاذ بصوتٍ فظ صارم ممزوج بالغضب

((لماذا قمت بكسره أيتها النزيلة؟))

احمرت عينيها الصلبتين وسارعت تنكس وجهها المحتقن بألم وقد

شعرت بنظرات مُعاذ نحوها كالسهام في قلبها وهو يناظرها مقيدة اليدين..

لا بد أن علامات الازدراء والاحتقار تتجلى على وجهه تجاهها وهي بثياب السجن..

******

انتهى الفصل.




هذا الفصل 28 نزل اليوم الاحد لانه في الغد هنشغل بسبب ظروف السفر..
قراءة سعيدة وبانتظار انطباعكم عن الفصل..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قلبك منفاي، في قلبك منفاي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:38 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.