آخر 10 مشاركات
415 - لن أعود إليه - ماغي كوكس (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          442 - وضاعت الكلمات - آن ميثر ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          انتقام عديم الرحمة(80)للكاتبة:كارول مورتيمور (الجزء الأول من سلسلة لعنة جامبرلي)كاملة (الكاتـب : *ايمي* - )           »          410 - عائد من الضباب - ساندرا فيلد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي اجمل قصة في الرواية؟ (اختار اكثر من قصة)
وليد-شيرين-معاذ 128 28.64%
مؤيد-رتيل 111 24.83%
مصعب-نورين 292 65.32%
مالك-سمية 123 27.52%
مازن-ياسمين 55 12.30%
قصي-سهر 54 12.08%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 447. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree7315Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-11-21, 06:57 PM   #5041

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثاني والثلاثون

داخل الخيمة التي نصبت في الشارع المقابل لمنزل والد ياسمين لاحتضان المعزِّين الذين جاؤوا لتقديم واجب العزاء وقف الحاج يعقوب وتلقائيا معه أولاده الذين قدِموا معه يستعدون للمغادرة أيضا مع آخر المعزين بالمكان وقد أسدل الليل ستاره.. لكنه مال نحو مازن يهمس له
((لا داعي للمغادرة معنا يا مازن، سيترك مالك لك سيارته، انتظر حتى ينتهي العزاء عند النساء واصطحب معك زوجتك فالليلة هي الأخيرة للعزاء وربما لن تحب أن تنفرد مع أخيها في بيت واحد فدعها تغادر معك))
تحرك الحاج يعقوب وباقي أولاده تاركين خلفهم مازن الذي كان ممتنا لما فعله والده.. فقد حاول قدر استطاعته أن يقوم بواجب التعزية على أكمل وجه وتأمين احتياجات بيت العزاء إكرامًا لزوجته ياسمين ومن باب الواجب الأخلاقي خاصة وأنه ليس لدى عائلتها الكثير من المعارف..
بمجرد أن غادر آخر فرد من المُعزين خيمة العزاء حتى توجه مازن إلى البناية التي يتواجد فيها بيت ياسمين قبل أن يصله صوت خافت من خلفه هادرا
((مازن إلى أين تذهب؟))
التفت مازن إلى مجيد شقيق ياسمين الأصغر بينما يجيبه
((اتصلت بياسمين وطلبت منها أن تتجهز حتى نغادر))
ازدرد مجيد ريقه ثم قال بتوتر
((إذن ياسمين لن تنام في بيتنا الليلة؟))
ابتسم له مازن بملامح ودودة رغم شحوبها ثم قال
((لقد باتت طوال الأيام الثلاثة السابقة في بيتكم وآن أوان عودتها كما وعدت ابنتي هدى فهي لم تراها منذ بداية العزاء))
ردّ مجيد له الابتسامة وأومأ برأسه متفهما.. بينما يسير بجانب مازن إلى شقتهم..
كانت هذه هي أول مرة يتعامل بل يرى مازن بعد زواجه من أخته لكن خلال الأيام الثلاثة السابقة تعاملا مع بعضهما بأريحية وكأنه يعرفه منذ سنوات إلى الحد الذي اعتبر فيه مازن أخاه الأكبر الذي لم يمتلكه يومًا..
كان ممتنا لعائلة مازن رغم أنهم لا يعرفونه فقد كانوا في مقدمة الحضور الذين تواجدوا في كافة إجراءات الجنازة من دفن وصلاة على جثمان والده في المقبرة وقبول التعازي.. إذ أنه بالكاد تحمّل تبعة نفقات احتياجات المعزِّين الذين تجاوزت أعدادهم المئات، جاؤوا من كل حدبٍ وصوب للقيام بواجب العزاء..
عند وصولهما للشقة تقدمه مجيد وفتح الباب فاسحًا له الطريق للدخول.. ثم قال له بود
((يمكنك الدخول، لقد غادرت كل النسوة باستثناء عمتي ستغادر الآن فطائرتها ستقلع بعد ساعات))
دلف مازن للشقة وبينما كان يتأملها جفل قليلا على صوت عمة ياسمين تتقدم منه وتقول من دون مقدمات بوجهها المحتقن
((لقد كنت لا تسمح لياسمين بزيارة أهلها أو أقاربها منذ زواجك منها، ولكن الآن بعد أن فجعت بوفاة والدها لا يجب عليك أن تستمر بتعنتك هذا، اسمح لها بزيارة أخيها فهو آخر ما تبقى لها من عائلتها.. هل فهمت؟))
شعر مجيد بالحرج منها، فوالدته قبل وفاتها كانت دائما تبرر للأقارب والجيران عدم زيارة ياسمين لهم هو تعنت زوجها القرويّ وتسلطه..
لكن لأن مازن يعلم حقيقة موقف عائلتها تجاه زواجهما وقطيعتهم لابنتهم، اكتفى بوعده الخافت للعمة أن يتغير هذا الحال قبل أن يودعها ويتمنى لها السلامة في سفرها..
في الوقت الذي كان مازن جالسا على أريكة بانتظار ياسمين أن تجهز نفسها شعر بمجيد ينظم إليه بجانبه بادٍ عليه التردد وهو يشبك أصابع يديه مرتبكًا
((مازن ما رأيك أن تبيت هذه الليلة هنا أنتَ وياسمين!؟ فكما ترى البيت سيكون فارغا إلا مني، لا تشغل بالك بأمر هدى فيمكنني إحضارها من بيتكم إلى هنا لو أعطيتني العنوان))
تطلع إليه مازن باندهاش للحظات يستوعب ما قاله، وقد آلم قلبه عندما استشعر من كلامه فكرة البقاء وحيدا في شقته لأول مرة.. فمظهره يدعو للشفقة كطفل شريد يأمل من أحد أن يأخذ بيده ليوصله لوالديه..
فهذا الفتي اليافع لا يشابه والده لا في هيئته الخارجية القاسية ولا في شخصيته الصارمة التي عرفها قبلا عنه..
فسارع يستحسن فكرته كي يطمئنه قائلا
((حسنا.. الأمر يستحق، سيارتي معي يمكنني العودة وأخذ هدى لنبيت جميعا هنا))
تهللت أسارير مجيد ملامحه رغم محاولته المحافظة على إخفاء رعشة جسده للرد غير المتوقع.. لكن صدح صوت ياسمين عاليا بحزم وهي تتقدم منهما
((بل سنعود للبيت الآن))
تهدلت كتفا مجيد وغامت عيناه بخيبة أمل وهو يتطلع الى أخته كأنه يتوسل لها العدول عن قولها لكن رأى نظرة الجفاء والجمود تصوبها نحوه من دون رحمة..
في أثناء ذلك وقف مازن يقترب من ياسمين يخفف من حدة الأجواء هامسا في أذنها
((يبدو أن أخاك يستوحش فكرة النوم وحيدا في المنزل بعد وفاة والدك، دعينا نبيت هنا لعدة أيام.. حتى يعتاد الأمر))
هتفت ياسمين ونظرها لا زال مصوبا على أخيها
((ليس مراهقا صغيرا حتى نخاف عليه، إنه في العشرين من عمره، سيتدبر أمره))
بعد محاولات يائسة من مازن يستعطفها لإرجاع علاقة الأخوة بينهما بالتودد اللطيف.. ظَّلت على موقفها الجاف لتهتف فيه بصلافة
((قلت.. لا.. لن أفعل يا مازن))
فمضت تسير نحو باب الشقة قبل أن يوقفها صوت مجيد مكانها هادرا
((ياسمين.. أختي))
استدارت ياسمين على عقبيها تكتف ذراعيها أمام صدرها هادرة بتهكم يشوبه برود قاتم
((نعم.. يا حبيب أختك))
استقام مجيد من مكانه هادرا بصوتٍ خفيض متردد يحمل توسلا ورجاء بين طياته
((أنا لم يسبق وأن رأيت هدى، هل يمكن أن أطلب من مازن أن يجلبها ونبيت جميعا هنا أرجوكِ))
لم يتغير شيء في ملامح ياسمين الجامدة وهي ترد بجفاء
((لم يسبق وأن طلبت رؤية هدى طوال سنوات عمرها السبعة كما لم يسبق وأن طلبت رؤية أمها، فماذا تغير بعد وفاة والدي؟))
ثم مضت قدما نحو خارج المنزل ولحقها مازن بعد أن ربت على كتف مجيد ومع بضع كلمات يحثه فيها على أن يتشجع مؤكدا أنه سيواصل الحديث معها في هذا الموضوع.. ليزرع ابتسامة باهتة على وجهه البائس..
سبقها مازن في الخروج من البناية بخطوات سريعة ظنا بأنها تسير بجانبه لأنها تخاف الظلام إلا أنها كانت شاردة ولم تنتبه الى بركة صغيرة تشكلت بفعل المطر الذي كان يمطر بخفوت...
تعثرت قدمها داخلها وسقطت رغم محاولتها الاتزان دون جدوى.. انتبه مازن لصوت الارتطام فسارع متراجعا نحوها يقف أمامها بقلق بالغ
((ماذا! هل أنتِ بخير؟))
حاولت ياسمين أن تعتدل بثقل معطفها المشبع بالماء لتقف بصعوبة قبل أن تكتم تأوها وهي تغمغم
((آه.. يا إلهي! قدمي عادت تؤلمني))
أصدر مازن صوتا محبطا فأطبقت ياسمين شفتيها تطالع وجهه بعينين لامعتين دعا تحامل على نفسها للسير.. حلّ مازن أزرار معطفه الطويل ثم ناولها إياه وساعدها في ارتدائه وهي تناظره كطفله معاقبة بينما يهتف فيها بحنق
((عليك بارتدائه فإذا جلست على مقعد سيارة مالك بهذا القميص المتسخ، لن يعيرني إياها أبد الدهر))
لبّت ياسمين أمره بهدوء وخطت خطوة مترددة بها فانكمشت ملامحها بسبب الألم الحاد الذي اجتاحها فجأة وقالت
((بدأت تؤلمني قدمي..))
شهقت بغتته عندما مال مازن بجسده يمرر ذراعه أسفل ركبتيها ثم اعتدل واقفا.. ليحملها مكملا الطريق نحو السيارة وقد دبت الربكة في كامل جسدها..
راقبها وهي تحاول الصمود بين ذراعيه، رغم ذلك آلمه عبوس وجهها بسبب شعورها بالألم فقال بلطافة
((لطيف أن تكوني هادئة كطفله صغيرة بل كابنتي التي تنظر عقابي))
ثم قال باستمتاع ((ما رأيك في إنجاب طفل آخر؟؟))
كادت أن تتفوه باعتراض إلا أنها تمتمت بكلمات خفيضة وهي تشيح بوجهها عنه عندما رمقها بعينين جادتين..
تمسكت برقبته جيدا في أثناء سيره مما ساهم في تسلل شعور لذيذ لم يرغب بمقاومته.. قبل أن تنحسر هذه الابتسامة ويتنهد بعمق ويهمس
((ياسو حبيبتي..))
همهمت له ياسمين ليكمل فقال
((لماذا كنت قاسية معه! بالتأكيد هو لم يكن يستطيع في السابق أن يتواصل معك خوفا من والدك، فهو وأمك مخيفان، رأيتهما مرات معدودة في حياتي لكن بقيت لأسابيع أحلم بكوابيس عنهما وعن صدق تهديدهما لي.. ثم مجيد كان مراهقا عندما حدث ما حدث..))
قاطعته باحتدام هادرة
((وأنا كنت مراهقة عندما حدث لي ما حدث، ثم كان بإمكانه أن يتواصل معي أو يزورني ولو خفية دون أن يعلم أبي لكنه لم يفعل! عندما دخلت على حسابات أقاربي كانت آخر منشوراتهم عن تكثيف الدعاء لوالدي، إضافة إلى الدعاء له بالشفاء من مرضه الذي اشتد عليه، أي أن أخي أخبر الجميع بمرض والدي إلا أنا.. لم يخبرني ولو من باب الإنسانية، الأفضل أن نقطع صلتنا ببعض وننسى أننا كنا أخوة، أساسا لم أراه منذ ثمانية سنوات وكنت سأنسى شكله فقد كبر وتغير))
تحشرج صوت ياسمين لتسترسل بينما هو لا يزال يسير بها
((زيارة أقاربنا وجيراننا ومعاتبتهن لي على عدم سؤالي عنهم جعلتني أشعر بالحرج الشديد، لذا أريد أن أواظب على زيارة أقاربنا بين الحين والآخر معك))
بعدما أنهت ياسمين كلامها ألقت برأسها على كتفه مسترخية تلفح عنقه بأنفاسها الحارّة المتسارعة تزيد من تسارع نبضات قلبه مما جعل مازن يزدرد ريقه بشعور.. لذيذ! فتمتم بصوتٍ أجش ثقيل
((هذا جيد))
عمّ الصمت بينهما لدقائق ومازن لا يزال يحملها ليسمعها فجأة تقول وتكسر الصمت بصوتٍ غريب عنها
((ما أصعب أن يقوم من أحببتهم أكثر من نفسي وتربطني بهم رابطة الدم أن يهجروني ويقتلوني وأنا على قيد الحياة.. حتى أخي هذا أنا من علمته كيف يتهجَّأ الحروف وأنا من كنت أذاكر له وأوصله لمدرسته.. لكن في النهاية كان هو من اتفق معهم عليّ))
زفر مازن أنفاسا محتدة كانت تجيش في صدره وقد شعر بألم يتضاعف من أجلها.. ما مرّ به مقارنة بها لا شيء.. إذ أن إخوته الأربعة لطالما كانوا يساندونه متى ما احتاجهم.. رغم قسوة معاذ معه أحيانا.. ولؤم مؤيد معه في أحيانٍ أخرى إلا أنه يعرف أنهما لن يتخليا عنه وقت الحاجة والضيق..
بمجرد أن وصل إلى السيارة ساندها بالوقوف حارصا ألا تضغط على قدمها المتألمة وفتح باب المقعد الأمامي ثم ساعدها بالجلوس في المقعد، بعدها جلس هو خلف المقود غير آبه لملابسهما الملوثة بالوحل..
هم بتشغيل السيارة قبل أن يهتف بإحباط عاليا
((مالك العبقري كيف أعطاني السيارة بهذا الحال!))
نظرت ياسمين باستغراب له ليردف
((ادعي الله يا ياسو أن يكفينا الوقود طوال طريقنا للقرية))
أشارت له بعفوية
((اذهب فقط لمحطة الوقود لتعبئها))
((لكن حاليا لا أملك مالا.. أنتِ تعرفين أن والدي امتنع عن إعطائي المصروف وكل ما معي قارب على الانتهاء))
أمسكت ياسمين حقيبتها وأخرجت من المحفظة حفنة من النقود وقالت
((خذ النقود واذهب لتعبئة الخزان بالوقود.. هيا لقد تأخرنا))
تغضن جبينه بالضيق وقال ممتنعا
((يستحيل أن آخذ نقودا من زوجتي))
هتفت به مستنكرة وهي تناوله النقود عنوة
((ولكن تقبل أن تقود سيارة شبه فارغة من الوقود يمكن أن تتوقف بنا في منتصف الطريق!))
استجاب لها على مضض وتناول منها النقود بينما تتابع قائلة وهي تدس مالا في جيب قميصه بقوة لا تقبل أي اعتراض منه
((خذ هذا المال الإضافي لحالة طوارئ تمر بها.. مالي هو مالك، فوالدك من يعطيني مصروفي، لا تعترض))
عندما وصلا ترجلت ياسمين من السيارة وهي تعرج إلا أن مازن حملها مرة أخرى يصعد بها درجات السلم رغم اعتراضها الواهن بالتعب..
بمجرد أن فتح باب جناحهما حتى شهقت بخوف وتراجعت خطوتين للخلف ترفض الدخول والظلام الدامس يعم المكان مما جعل مازن يسارع لإدراكها وفتح الإنارة ثم أمسك يدها ودفعها للدخول
((لا داع للخوف.. أنا معك..))
أومأت له ياسمين بتفهم ثم بدأت تتحرر من ملابسها المتسخة مما جعل مازن يقول بشقاوة يقصد بها التخفيف عنها
((إذن هل أساعدك في الاستحمام؟))
تضرجت وجنتيها بالحمرة وقالت باقتضاب وهي تتحاشى النظر له
((فقط قدمي هي ما تؤلمني ولست مشلولة))
دخلت للحمام لتغتسل، أثناء ذلك تفقد مازن ابنته هدى ليعود بعدها يأخذ حماما ينزع عنه إرهاق اليوم..
ما إن خرج مازن وهو يرتدي مئزره حتى تفاجأ بجسد ياسمين مكوم على السرير وقد دفنت وجهها في الوسادة تصدر شهقات مكتومة..
لا بد أنها تبكي على أبيها رغم ادعائها بتجاوز موته بعد مرور أيام على وفاته..
تنهد مخرجًا بعضا من حرارة صدره قبل أن يرتدي ملابسه ثم يقترب بخطوات صامتة لم تشعر بها من المكومة في دوامة حزنها..
مد راحة يده نحو كتفها الرقيق يتلمسها فانتفضت ورفعت وجهها المتورم نحوه.. اضطرب قلبه في صدره متألما على هيئتها، انتفاخ عينيها الحمراء وذبول وجهها وذاك التشتت والضياع الساكن في عينها..
رفعها بتريث ووضعها فوق حجره.. وهي لم تتمنع حضنه كأنها كانت تنتظر ذلك.. أسندت رأسها لتريحه فوق صدره الصلب وهي تنتحب بصوت خفيض متألم..
شُل لسانه للحظات عاجزا عن الإتيان بأي كلمة مواساة..
لكن صدمه تشبثها به هكذا وقد قررت أخيرا أن تشاركه أحزانها!
اكتفى أن حاوطها برقة بين ذراعيه وأخذ يمسح على شعرها المُبتل وهو يهدهدها بهمس خفيف قرب أذنها
((هشش يا ياسو.. اهدئي.. كل شيء سيكون بخير.. أعدك))
أخذت تتشبث بملابسه بكفيها بقوة وهي تنوح بالألم والبكاء تهمس
((لقد مات أبي يا مازن.. لقد مات ولم يراني أو يتحدث معي منذ زواجي! رغم أني لم أخطأ بشيء يستدعي سخطه عليّ وعدم رضاه طوال تلك السنوات! أي ظلم مجحف هذا!))
ضمها أكثر تجاه صدره وأخذ يرد بهمس
((لقد توفاه الله وانتهى الأمر فلا داعي للتحّسر، ادعي لوالدك بالرحمة وتصدقي باسمه فهذا واجبك أن تبري به وبأمك مهما فعلا))
ظل يربت على ظهرها بيد حانية بمؤازرة حتى أنهكها النحيب والحزن.. فتراخت عيناها وسكنت تماما فنامت بين أحضانه إلا من شهقات صغيرة مازالت تتدافع من فمها في غمرة سكونها..
وعندما ثقل جسدها بأكمله عليه وتراخى مؤكدًا نومها التام رفعها بتروي من ذراعيه ومددها فوق جانبها من فراشهما ببطء ثم دثرها جيدًا..
أغلق الإنارة وأضاء الأباجورة كما العادة ثم تمدد بجانبها وهو يشعر بدغدغة تسري في وجدانه، مشاعر غريبة ولكن محببة، راقية تطفو به تجاه ياسمين..
أمضى دقائق يمرر ظاهر كفة برقة شديدة على وجهها الرقيق يرسم نعومته قبل أن يغفو هو أيضا ويغرق في النوم بفعل الإرهاق..
.
.
صباحا..
فتحت ياسمين جفنيها بتثاقل تأخذ نفسًا عميقًا سرعان ما بترته حينما شعرت بجسد دافئ يحتضنها بحنان وأنفاسه الساخنة تلفح عنقها وخدها المقابل له!
اختض جسدها بعُنف وهي تهمس بإعياء
((ماذا حدث؟))
شدَّد مازن على احتضانها وهو يمرر يده على ظهرها قائلًا
((هذا أنا يا ياسو، ما الذي جعلك تستيقظين الآن!))
دبت القشعريرة في أطرافها وهي تعض على شفتها ما إن تذكرت بكاءها ليلة الأمس فوق صدره فحاولت أن تنسلَّ بقوة من أحضانه تقول بتوتر
((سأذهب.. كي.. أجهز هدى لمدرستها))
بعد مدة جلسوا على مائدة الفطور حيث العائلة مجتمعة قبل أن ينضم مازن لهم..
تطلع الحاج يعقوب له باستغراب من استيقاظه بهذا الوقت هاتفا بفضول
((إلى أين ذاهب وأنت ترتدي ملابسك يا مازن في هذا الصباح الباكر؟ هل بدأت عملا لا سمح الله؟))
أجاب مازن وهو يزيح الكرسي ليجلس عليه
((سأذهب لأشتري هدية لصديقي الذي سأزوره مع باقي رفاقي فقد رزقه الله بمولود جديد))
عقد يعقوب حاجبيه بحنق وتساءل يناظر زوجته
((ومن أين لك بالمال ثمنا لشراء الهدية!؟ ألم ينفذ المال الذي أعطاه معاذ لك في البطاقة بعد؟))
سارعت زاهية تنفي التهمة عنها مما جعل مازن يعقب بانزعاج
((أبي لا تنظر لأمي بهذا الشكل، أنا لم أطلب منها فلسا بعد أن استحلفتها بالله ألا تعطيني، ياسمين هي من فعلت))
وجه الحاج يعقوب أنظاره لياسمين بسخط وقال
((أرى أن عليّ التوقف عن إعطاء ياسمين هي الأخرى مصروفا بما أن زوجها عاد من السفر وصار ملزما بها))
نكست ياسمين رأسها حرجا لكن تابع يعقوب كلامه بخشونة
((ياسمين نحن نؤويك ونطعمك بالمجان أنتِ وابنتك، أما باقي نفقاتك فاعتمدي بها على زوجك))
اعترض مازن بضيق
((أبي لا تتصرف بهذا الشكل، أنتَ تعرف أنى بحاجة لدعم مالي منك حتى أجد عملا))
هتف به الحاج بامتعاض
((لن تجد عملا أبدًا طالما تجد من ينفق عليك، وهذا ما لن أقبله بعد أن دفعت دم قلبي واستثمرته فيك أنتَ وحدك دون إخوتك في الغربة من نفقات جامعية ومعيشية))
ثم عاد يعقوب يناظر ياسمين ويهتف بها بجدية
((ألا تحبين المشغولات اليدوية وصنعها وتعليمها! إذن اجعلي من هذه الهواية كمهنة لك لتعيلي بها ابنتك وزوجك ما دمت لا تحثينه على إيجاد عمل))
غمغم مازن حانقا
((أبي هل تعرف ماذا!؟ أنا أتمنى أن أعود للخارج حيثما كنت، مقابل أن تعود للإنفاق عليّ فالوضع بات لا يُحتمل هنا))
ردَّ عليه يعقوب بحزم لا يحمل المرح
((لا تحلم أن أعيدك للخارج، وإذا ما صدر عنك أي تصرف غير مقبول ببساطة سألقيك في الشارع!))
فجأة همست هدى لأمها بصوتٍ خائف مسموع
((أمي هل سيغادر أبي!؟ أنا لا أريده أن يبتعد عنا أبدًا))
تغرغرت الدموع بعيني هدى وتركت الملعقة من يدها ثم اندفعت تحضن والدها هاتفة
((أبي.. لا تسافر.. لا أريدك أن تبتعد عنا))
كان تعانق مازن بشدة مِمَّا جعله يربت فوق ظهرها ويقول مطمئنا
((لا تقلقي يا ابنة أبيكِ، أنا لن أغادر لأي مكان بدونك، كيف أعيش بمكان لا تتواجد فيه هدى!))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 06:58 PM   #5042

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 06:59 PM   #5043

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 06:59 PM   #5044

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 07:00 PM   #5045

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 07:14 PM   #5046

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 07:14 PM   #5047

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 07:15 PM   #5048

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 07:16 PM   #5049

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 07:17 PM   #5050

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي



في قصر القاني..
تركت روزانا الجهاز اللوحي الذي كانت تتصفح عليه آخر صيحات الموضة قبل مجيء ابنها المفاجئ..
كان يتحدث بوجه متعب كل ما يعانيه بحياته الحالية كمتشرد فبدأت روزانا تبكي وتعقب بصوتٍ باكي متحسر
((حبيبي قصي.. لا أصدق كيف وصل بك الحال لتعيش كالمتشردين وتسمح ليوسف جرو عمك المخلص أن يتصدق عليك))
رفع قُصي وجهه الشاحب وهالات داكنة تحيط بعينيه حتى أنه بدا أمامها رجلا آخر وجه نحيف ملتحي.. يعيش أياما تزخر بالألم.. ثم أكمل قوله بإعياء
((وضعي سيئ يا أمي، لحسن الحظ أني استطعت أخذ راتبي الأسبوعي مبكرا بيومين حتى أدفع الأجرة لصاحب الخرابة التي أعيش فيها ولا يرميني بالشارع))
وضعت روزانا يدها على خدها متحسرة لتقول بصوتٍ متذبذب
((آه يا وليدي الحبيب.. لقد أقسم عليّ عمك ألا أعطيك فلسا واحدا وإلا سيتوقف عن تمويل جمعياتي الخيرية للأبد، مضطرة أن أخضع لأوامره، إذ عرف كيف يمسكني من اليد التي توجعني))
كان قصي يضع يده فوق معدته من فرط ألمه الملازم له وهو يقول
((إذن أمي هل يمكن أن تجد لي مكانا في إحدى جمعياتك الخيرية لتتباني وتوفر لي سكنًا وعملًا لائقًا؟ ريثما على الأقل يتراجع عمي عن عقابه ويعود لإعطائي مصروفا والسماح لي بالعيش معكم مجددًا!))
تمعنت روزانا بقصي للحظات ثم انفجرت باكية لتقول
((ابني الحبيب صار كالمشردين يبحث عن جمعية تتبناه وتنفق عليه، ليتني مت قبل أن أشهد ما يتعرض له بكري))
ضرب قصي الأرض بإحدى قدميه وهو يقول بعصبية
((أمي توقفي عن النحيب واطلبي إحدى جمعياتك أن تتكفل بي فأنا لا أملك أي فلس لإيجار الأسبوع هذا وسيطردني المالك بلا رحمة))
رفعت روزانا منديلها القماشي تمسح دمعاتها المتساقطة بحذر حتى لا تفسد كحلها بينما تقول بأسف
((أنا أعتذر منك يا بني، ولكنك لا تحقق شروط الجمعية التي تتيح لك الانتفاع من خدماتها))
رفع قصي حاجباه بصدمة وقال معترضا
((ماذا! ولكن إذا لم أجد دعما سأصبح مشردا بالمعنى الحرفي للكلمة، بل وأيضا معدتي تعاني آلاما حادة وكله بسبب الأكل في المطعم الذي اشتغل فيه..))
شبكت روزانا أصابعها ببعضهم تأخذ واجهة سيدة الأعمال الحازمة التي تفصل عملها عن عائلتها وقالت بحزم
((جمعياتي يا قُصي كلها مختصة لمساعدة النساء فقط، قد نساعد الرجال تحت ظروف استثنائية كأن تكون زوجته حامل أو أن تكون من ذوي الاحتياجات الخاصة وكلاهما غير متوفران بك، أنت لست متزوجا من الأساس))
اتسعت عينا قصي حتى كادتا أن تخرجا من محجريها ثم صرخ بانفلات أعصاب معترضا
((ولكني ابنك.. ابنك... ابنــــــــــــــــــــــ ك.. هل هناك سبب أكبر من هذا لأخذ استثناء من جمعياتك يا أمي بما أنك لا تردين على اتصالاتي الملحة بك!))
عقدت روزانا حاجبيها وقالت بحزم صوتها المرتجف
((أنا آسفة مجددا، لكن لا استثناءات أخرى حتى لو كنت ابني.. كما أن مساعدتك تعني استخدام طرق ملتوية وغير شريفة لنقضي وعدي لعمك الذي جعلني أقسم أني لن أساعدك حتى لو نفسيا))
تجهمت ملامح قصي وتقبض كفه بعجز وهو يرد عليها ويحدق في عينيها بلوم صريح
((والآن ماذا سأفعل يا أمي.. لقد أوصى عمي كل أصدقائي بعدم مساعدتي ولو بتدبير مكان للنوم، ماذا أفعل بنفسي وقد تخليت أنتِ وإخوتي وأصدقائي عني؟ أنا لا أملك شيئا إلا سيارتي والتي أؤجل فكرة بيعها لوقت الحاجة الشديدة.. عليك أن تخبري عمي أن يسامحني ويعيد لي كل ما سلبه مني من مال وكل ما هو حق لي لأني بحاجة أن أخبر خطيبتي بحقيقتي قبل أن أخسرها للأبد.. الوقت يداهمني))
فتحت روزانا شفتاها وكانت تهم بقول شيء لكنها انتفضت واقفة مكانها تشهق عاليا ما إن شعرت باقتراب دخول أحدهم الغرفة الكبيرة التي تجلس فيها..
أمسكت قميص قصي تحثه على الوقوف والمغادرة قائلة بلهفة قلقة
((رباه، رباه.. أرجوكَ غادر يا قصي حالا.. أرجوكَ غادر ولا تدعه يراك.. مستقبل جمعياتي الخيرية والنساء اللواتي أساعدهن برقبتك))
شعر قُصي أنه بركان يغلي ولا يتحمل ذلك والغضب يشتعل من عينيه هادرا بوجهها
((أمي فقط اطلبي منه أن يعيد مصروفي ووظيفتي بالشركة ويعيدني لأسكن هنا حتى أتمكن من إخبار خطيبتي بكل شيء متعلق بي ولا أخسرها))
فتح فارس القاني باب الغرفة ودلف للدخل بهيبته المتأصلة فيه ومن خلفه حارسه الشخصي ثم قال بصوتٍ رخيم هادئ
((دعيه يا روزانا هنا))
أبعد قُصي يده عن معدته واستقام واقفا مكانه يضع عينيه في عيني عمه ويقول بصلابة
((عمي أنتَ أمام حلين.. الأسهل لك هو أن تعيدني لأعيش تحت جناحك مع وظيفة محترمة وراتب عالي.. أما الآخر هو أن تراني أخرج للإعلام وأفضح نهبك وسرقتك لورثة أبناء إخوتك حتى لو انتهى الأمر بي في السجن لإفساد سمعتك دون دليل! المهم أن أدمر سمعتك وسمعة كل شركات القاني!))
جلس فارس على أريكة مقابلة له بكبرياء وشموخ ثم قال بهدوء متأصل فيه
((لنترك جانبا كلامك السخيف هذا ولأخبرك ما كنت أتحدث به مع أمك مؤخرا..))
ضيق قصي عينيه وكله آذان صاغية لعمه الذي أكمل بحنكة وعقلية رجل الأعمال الذي يسعى لصفقة رابحة
((أنا لدي ملفات خاصة بك أنت وأخيك سامر أضع فيها وصل وسند كل قرش دفعته عليكم.. من مصاريف مدارس دولية وجامعات عالمية ونوادي رياضية وسفريات ومخيمات ومصاريف شخصية وسيارات حديثة بين الحين والآخر.. حتى ثمن المجوهرات والهدايا الباهظة التي كنت تطلب مني ثمنها من أجل والدة خطيبتك الشجعة لا أزال أملك فواتيرها))
تجلت أمارات الذهول وعدم التصديق على وجه قصي الذي مال به اتجاه عمه وقال
((ما هذا الذي تقوله؟ هل جنّنت؟))
ازدردت روزانا ريقها تحاول استعادة رباطة جأشها ثم قالت لابنها بثبات
((ما يقوله صحيح ومنطقي، فعمك منذ ما يزيد عن عشرين عاما وهو المسؤول عن الإنفاق عنك وعن أخيك، بعيدا عن أننا لا نملك أوراقا قانونية تثبت حقكم بأسهم شركة القاني، فاحسب كل قرش أنفقه عمك عليكما وسيكون المجموع أكثر بكثير من ثمن الأسهم التي كانت لوالدك يوما..))
طالع قصي أمه بشفاه منفرجة ونظرات مشدوهة! هل تمازحه أم أصابها الخبل! هتف بها وهو يفك اللجام عن أي ذرة صبر فيه
((ولكن يا أمي هذه ليست مقارنة منصفة، فلو كنت حصلت على ورثتي بأسهم أبي لكانت بمثابة أموال جارية متجدده شهريا وتضاعف باستمرار ولا تنتهي مهما أنفقت منها، ثم أنا كنت أنفق بإسراف أموال عمي لأني كنت أحسب أن هذه الأموال له لا لي، ألم يكن يتفاخر أمام باقي رجال الأعمال أنه هو من يتكفل من أمواله الخاصةبمصروف أولاد إخوته اليتامى؟))
هزَّ فارس رأسه وقال بمراوغته الخبيثة
((نعم كنت أقول ذلك كما كنت أقول بأن والدك المرحوم باعني كل أسهمه بالشركة قبل وفاته))
زاد ذهول قصي من جشع هذا الرجل الذي هو من نفس عائلته!
فتصفح وجهه بعينيه اللامعتين بشرر مريب.. ثم تنحنح جامعًا ما تفتت في نفسه من صدمة ما سمع
((إذن في النهاية أنا سأصبح في منتصف الثلاثين من عمري ولا املك عملا ولا شقة ولا سيولة بالبنك.. هي فقط سيارة واحدة سجلتها بإسمي))
قال فارس بهدوء قاتم
((هذا صحيح يا قُصي.. ليست مشكلتي بأنك إنسان غير ناضج لا يفكر إلا في حدود متعة ورفاهية يومه ولم يسبق وأن حاول في السنين الماضية والمال بين يديه أن ينشأ مشروعا ولو كان بسيطا ليدر عليه دخلا مستقبلا))
أطبق قُصي على أسنانه بغضب مستعر وقال
((إذن نحن أولاد أخوك تخصم كل قرش أنفقته علينا من أموال ورثة أبي في حين أن الأموال الطائلة التي استثمرتها في يوسف وإخوته الذين يقربوك بشيء لا تطالبهم بها!))
احتدَّ لون عيني فارس الفاتح إلا أنه رد بنبرة هادئة قاطعة بصوته المهيب
((قُصي لا تفكر بالعودة إلى هنا وطلب شيء مني! فأنا لن أستقبل مجددا ناكر جميل مثلك يظل يتهمني بسرقة ورثته من أبيه، فمثلك لا يستحق إحساني وجميلي!))
اهتزت حدقتي قصي وهو يقول بقهر الرجال
((هل تود مني أن أتوسل منك وأجثو أمام قدميك ذليلا لأعود للعيش هنا واستئناف مصروفي؟ لا لن أفعل يا عمي،على جثتي))
ثم نظر لأمه هاتفا بحُرقة ومرارة يرجو فيها دعمه ولو لمرة واحدة
((أمي تصرفي مع هرائه هذا! الآن))
أشاحت روزانا ببصرها عن ابنها وهي تدمدم بتوتر
((وماذا بيدي لأفعله؟))
قال قُصي مستنكرا وهو يفتح كلتا يديه بضغط عصبي رهيب
((الكل يعرف أن عمي يكرهك كما لم يكره امرأة بحياته ولم يكن ليبقى معك كل تلك السنين إلا لو كنت تملكين ضده ما يدينه، وقد حان الوقت لإظهار أوراقك المخفية والوقوف معًا ضده))
توجع قلبها بحرقة شاعرة أنها بين نارين.. ابنها وزوجها..
لكن محاربة زوجها وفقدانها كل ما تنعم به كانت نارا أكثر حرقة..
فتجلت أمارات رفض مطلب قُصي على وجهها ولاحت له كل الإشارات التي تظهر خيارها، مما جعله يغمغم أخيرا بصوتٍ لا حياة فيه
((هكذا إذن..انسِ يا أمي أن لك ابن اسمه قصي..))
تأوه قصي في نهاية حديثه ورفع يده تلقائيا إلى معدته يتألم مما جعلها تسأله بأمومية
((قصي ماذا هناك!؟ هل حقا أمر معدتك بهذه الخطورة؟))
قال قصي بإعياء وبؤس
((نعم يبدو خطيرا))
وقبل أن يسمع كلمات تعاطف أو بكاء من أمه لن تهوِّن عليه من محنته خرج يائسا من الغرفة ثم من القصر قبل أن يقرر أن يستظل تحت إحدى الأشجار.. ينتظر حتى يخفت جحيم ألم معدته قبل المغادرة..
لقد خسر كل شيء..لا مال،لا عائلة، لا جاه! وبالتالي سينفصل عن سهر دون حتى أن يخبرها حقيقته!
فماذا سيخبرها وهو مفلس تماما ومشرد بالمعنى الحرفي!
ظل على هذا الحال لساعة قبل أن يجفل على صوت هادئ يقترب منه بخطوات ثابتة
((قُصي استقل سيارتي سآخذك إلى إحدى المشافي لنجري التحليلات اللازمة))
فتح قُصي عينيه ليجد يوسف يطل عليه من واقفا..
وسرعان ما استمع له وركبا السيارة وفي أثناء ذلك سأل يوسف
((كيف تسير قضية شيرين؟ ألا زلت تتابع أمورها مع المحامي؟))
أجابه بهدوء
((لا تقلق كل شيء يسير على نحو جيد بل ممتاز))
شرد قُصي بنظره في زجاج نافذة السيارة ثم عقب
((المسكينة الوقت عندها رتيبفالأيام هناك سواء، فهي ممنوعة من أي وسيلة اتصال بالعالم الخارجي، وزيارتنا المحدودة لها تعتبرها مكسبا عظيما وتمتن لها))
شهق يوسف بخفوت كمن تذكر شيئا ثم قال ببشاشة
((بالمناسبة ذهبت إلى نقابة المهندسين وأعطيتهم أوراقا تثبت أن اسمك مسجل على المشروع الهندسي.. وخلال أسبوعين تم الاتصال بي من مكتب العمل وتم الاتصال بالشركة لدفع الرواتب المتأخرة لك خلال فترة أربع أيام أو تهديدهم ليتم تحويل مشكلتك للمدعي العام))
تألقت ابتسامة أشرقت على وجه قصي وقال بتحفز
((هذا يعني أني سوف أتلقى راتبا شهريا منهم حتى بدون أن أعمل، لمجرد استخدامهم شهادتي دون اذني!))
أبعد يوسف نظره عن الطريق للحظات ليقول بنفس البشاشة
((في الحقيقة تخلت عن شهادتك، فقدمت ضدهم شكوى أخرى بطردك تعسفيا وتم تسوية الأمر بإنهاء عملك فيها مع دفع كل مستحقاتك.. سأرسل مالك المُستحق على رقم حسابك المالي))
ابتعد قصي كثيرًا عن مقعده وهو يقول بفرط حماس
((هل المبلغ الذي حصلت عليه كبير؟))








****




مساء..
توجهت رتيل بخطوات رتيبة نحو الباب الذي يتم طرقه بقوة وفتحته دون أن تسأل معتقدة أنه مُؤيد الذي قال لفهد أنه سيخرج ويجلس في الحديقة الصغيرة المقابلة للشقة بعد أن ملّ جلوس البيت المفروض عليه بسبب إصابة ساقه..
لكن ما أن رأت الطارق حتى شحب وجهها وتراجعت خطوات للخلف..
رمتها الحاجة زاهية بنظرات ازدراء مُحتقرة قبل أن تدلف للداخل إلى الصالة حيث يجلس حفيداها أمام التلفاز..
فقالت لرتيل بنبرة جفاء وهي تتوجه للغرفة الأخرى
((تعالي لوحدك ونبهي على الصغيرين أن يبقيا بعيدا عنا))
دبت قشعريرة بجسدها فازدردت ريقها ثم اغتصبت ابتسامة أمام ابنه حتى لا يصله ارتباكها قائلة
((فهد خذ النقود من محفظتي ستجدها بغرفة النوم واذهب للبقالة المقابلة للمنزل لتشتري الحلوى، باسم رافق أخاك ولا تتحدثا مع الغرباء))
ثم توجهت بخوف إلى حيث حماتها جالسة ووقفت أمامها منكسة الرأس..
قالت زاهية الجالسة على الأريكة باسترخاء ظاهري وهي تتطلع لرتيل التي بدت أمامها كالأرنب المذعور
((إذن نجحتِ بجعله يعيدك بعد انكشاف مصائبك المستورة))
بدأت رتيل تذرف الدموع وهي تقول بارتعاد
((اقسم لك يا عمتي أني كنت أذهب عند غنوة ولا أفعل شيئا إلا المبيت في بيتها والخروج لبعض الأماكن العادية كالمتاحف والسينما والمطاعم))
كان عدم التصديق جليا في عيني زاهية وهي تقول ساخرة برعونة
((صادقة، حاشاك الكذب، وهل تذهب امرأة من خلف عائلتها وزوجها لتبيت عند صديقتها المنحلة إلا من أجل هذه الأمور!))
ظلت رتيل تحاول إفهامها.. فأقسمت، وتوسلت، وبررت، وأكدت بأنها لم تكن تفعل أكثر من هذا.. دون جدوى..
لترفع أخيرا زاهية سبابتها تحذرها بسخط
((يكفي لا تقسمي، ويا ويلك أن أعرف أن قدمك خطت خارج عتبة هذا المكان دون علم زوجك))
أخذت رتيل تمسح دموعها بانفعال قلق لتتمتم بطاعة كي تفر من نظرات حماتها وكلماتها الساخطة
((لن أفعل، أقسم لك))
حذرتها زاهية مجددًا بحزم
((ولا تخبري مُؤيد عن زيارتي هذه وما سأقوله لك والا..))
ولم تزد زاهية على هذا لتقاطعها رتيل في استسلام خاضع
((لن أفعل))
في هذه الأثناء فُتح باب المنزل من قبل مُؤيد وبتلقائية توجه لغرفته وهناك تطلع باستغراب لرتيل واقفة في المنتصف بحالة منهارة.. دلف لغرفته ليُفاجئ بوجود أمه تقابلها جالسة فهتف فيها
((ماذا تفعلين هنا في غرفتي.. أمي؟ متى جئتِ!))
التفتت رتيل إليه شاهقة كأنها وجدت نجاتها فيه.. فانتفضت زاهية واقفة من مكانها تقول
((لقد أرجعتها يا مؤيد إذن رغما عني!))
ارتعد مؤيد غضبا من تدخل أمه! فاقترب منها مستعينا بعكازه ليهمس لها من بين أسنانه
((أمي رأيت بنفسك أنه لم يأتي مثلها ليسد مكانها في حياة أولادي ولم يطيقا غيرها! كيف تريدين مني أن أطلقها مرة ثانية أو أتزوج بأخرى!))
هتفت الحاجة زاهية به بامتعاض وعبوس
((هذا لأن ا-ل-ح-ق-ي-ر-ة عرفت كيف تحبكها وتجعل ولديك الاثنين يكرهانك حتى لا تتزوج بأخرى))
ابتلع مؤيد ريقه بصعوبة وقد غلبته قلة حيلته بالرد ليتمتم بلوم
((أمي هذا ليس وقته))
كانت زاهية تغلي في داخلها لكنها ردت بغموض لا تقبل تهربه
((بل وقته يا مؤيد، ستذهب بنفسك الأسبوع القادم عند بيت أم أحمد التي حددت معها موعدا، وستخبرها أنك ترغب بطلب ابنتها صبر لك، ستفاجئ أم أحمد عندما تعرف أنك أعدت زوجتك لذا ستخبرها أن علاقتك مع زوجتك منتهية ولن يكون هناك أي زوجة أخرى لك سوى صبر))
قاطعها مؤيد مذهولًا
((الأسبوع القادم! أمي كيف تحددين معها موعدا دون إخباري؟ أنا لن أذهب هناك، إصابة قدمي حتى لم تُشفى))
مرت لحظة أو اثنتان قبل أن تقول بزاهية بنبرة هادئة مبطنة تحذيرا ضمنيا وتنذر بعواصف مروعة قد تهب في الأيام القادمة
((إن لم توافق على الزواج يا مُؤيد قد أخبر والدك بكل ما حدث، كما فضحتك أمامه بالكلام المخزي الذي كتبته للمرأة الأخرى، فمن العدل أن يعرف ما كانت تفعله الهانم من وراء ظهورنا))
برق في خضرة عيناها الغضب وهي تكمل بحزم لرتيل الشاحب وجهها من تهديد حماتها
((أنا أتيت لأقول لك أني سأتغاضى عن إرجاعكِ من أجل الولدين فقط، لكنه سيتزوج قريبا من امرأة عفيفة تخاف الله فيه وتتقيه))
وقفت زاهية من مكانها بعد أن مرغت بكرامتها الأرض ثم لملمت عباءتها وهي تغادر المكان بعنجهية ووجع عبوس..
بقي مؤيد واقفا مكانه يفور بالغضب من كلام أمه وهو يرخي أجفانه ويداه تتقبضان إلى جوار جسده.. قبل أن يخرج صوت رتيل المرتجف له متسائلا
((هل ستتزوج حقا؟))
أشاح مؤيد بوجهه عنها فاقتربت رتيل منه تمسك بيده تقول بضعف وانكسار
((هل ستتزوج مجددا يا مؤيد وتطلقني؟))
نظر مُؤيد إليها وهي ترفع عينيها الداكنتين الهائمتين لطوله المهيمن تنظر له باستجداء ودموعها ترسم خطوطا على خديها..
ظل يحدق في ملامحها المتألمة التي توجعه فتجعله لا يفكر إلا في مد أنامله ماسحًا كل هذا الحزن الساكن في عينيها.. إلا أنه قال ببرود ظاهري
((من جلب سيرة الطلاق؟ لن يحدث بيننا طلاق مجددا، الأمر فقط أنه من المستحيل أن نعود كما كنا بالماضي، هذا ما يجب أن تدركيه))
انعصرت عيناها بأنين متألم لتقول
((كما أخطأتُ بمبيتي عند غنوة من دون علمك، لقد أخطأت أنتَ الآخر بحقي))
رد عليها بصوتٍ جامد لا يحمل أي تعبير
((معك حق نحن الاثنين مخطئين، وخاصة أنا، ولكن مهما أحاول لا أستطيع تجاوز ذنبك أبدًا أو أتقبلك كزوجة لي في حياتي..))
لم تستطع أن تواجهه أكثر وأن ترى عينيه الفاتحتين الذابحتين لأدميتها فنكست رأسها أمامه بانكسار وتهدلت كتفيها وقد خارت روح المجابهة..
تراجعت خطوة للوراء مفلتة يدها منه لتقول بغل نابع من حرقتها
((إذن يحق لي أنا أيضًا ألا أتقبلك بحياتي بعد خطأك ذاك لأني أراه أعظم من ذنبي))
تطاير الشرر من مقلتيه من الكلمات التي وجهتها له فقال بجمود قاصدا أن يؤلمها بالصميم
((حقك ولن اعترض، لذا أفضل شيء أن نعيش معا لكن منفصلين من أجل الولدين فقط، وأتزوج أنا كما تريد أمي، بما أني تعلمت من أخطائي، سأحاول قدر الإمكان أن أكون شخصا أفضل مع زوجتي الجديدة))
ارتجفت شفتا رتيل مما قاله..
هل يظن أن الأمر بهذه البساطة؟
يظلمها ثم يأمل أن يتزوج مرة أخرى ويحاول أن يكون شخصا أفضل مع زوجته الجديدة!
إن كان الأمر كذلك أليس من الأولى أن يبادر بإصلاح نفسه معها هي من تعاشرا عيش وملح سنوات طوال؟؟
أسرعت رتيل تبارح المكان نحو غرفتها قبل أن تنهار تماما.. توسدت الفراش تغادر واقعها المؤلم لتجد في النوم بعض الراحة لتلك المعاناة ولو لمدة قصيرة لعل الألم يتخدر..
بعد وقت.. توجه مؤيد نحو الصالة الصغيرة وهو يتكئ على عكازه.. وقف قليلا عند الغرفة التي تنام فيها رتيل يسمع فهد يناديها
((أمي ها قد عدنا، استيقظي، لقد جلبنا الحلوى))
ردعه باسم هامسا بحذر
((أشش.. إنها نائمة، ضع الحلوى لها في هذا الجرار، إن شاءت تأكلها عند استقاظها))
خرج الولدان من الغرفة لكن جفلا الاثنان على صوت مؤيد الخشن العالي
((وأين حصتي من الحلوى؟))
خبأ فهد حلواه خلف ظهره حتى لا يراها والده ثم دمدم بخفوتمتهربا
((أي حلوى هذه التي تتحدث عنها يا أبي!))
أما باسم قال لوالده بإباء طفولي دون أن يرف له جفن
((لقد أعطيتُ الحلوى الكبيرة لأمي ولم يتبقَ إلا حلواي الصغيرة وبالكاد ستكفيني، فلا تطمع بها))
انفلتت أعصاب مؤيد فصرخ به وهو يمد يده له
((لا يهمني حلوى من هذه التي ظلت معك، أريد الآن أن تعطيني ولو نصف المقدار الذي أعطيته لأمك قبل قليل))
تشنجت ملامح باسم بالرفض للحظات قبل أن ينتفض راكضا للداخل ويغلق الباب خلفه رافضا منحه حصته..
.
.
صباحا..
فتحت رتيل عينيها ببطء ثم اعتدلت واقفة من مكانها ووقفت تناظر نفسها بالمرآة..
وأول ما خطر على بالها عندما طالعت هذا الوجه الذابل والملامح المكسورة هو أن تغير من طريقة تفكيرها وذلك بالعيش لنفسها فقط ولولديها ولا تضيع ثانية في الحسرة والبكاء.. ولا للاستسلام والمشاعر السلبية..
عليها أن تتخلص من عباءة الضعف والحزن على ما فات لقد تعلمت الدرس..
لطالما وضعت مؤيد فوق رأسها لهذا لم يراها يوما.. بل اعتبرها أنها أقل من مستواه..
لكن كل هذا سيتغير.. من الآن فصاعدا..






*****




أتم الطبيب إجراء آخر الفحوصات اللازمة لقصي ليتبين أن سبب ألم معدته الملازم له منذ أشهر هو جرثومة بسبب الطعام والمكان الرديء الذي يعيش فيه.. كما كان يعتقد فعلا..
أعطاه بعض الحبوب المسكنة للألم وأدوية أخرى للعلاج وطلب منه أن يعود لأسلوب حياته ونظام غذائه القديم..
وبطريقته الخاصة أوصل يوسف ما جرى لقُصي إلى والدته التي رقَّ قلبها أخيرا على ما حدث لبكرها وأجرت اتصالًا معه تخبره أنها أقنعت عمه أخيرا أن يسامحه ويعيده ليسكن معهم، بل وقد تقنعه أن يسجل بعضا من الأملاك باسمه حتى يستطيع أن يبوح لخطيبته بكل حقيقته ويتمم زواجه منها!
تهللت أسارير قصي وقد لاح الفرج على حياته أخيرا!
وأول ما فكر بفعله هو أن يهرع للمطعم كي يخبر سهر بكل شيء بعد أن يدعوها هي ونور لأحد المطاعم بالمال الذي حصل عليه من تلك الشركة المحتالة..
وبالفعل ما إن حطت قدمه عليه حتى قدم استقالته لفريال.. ثم توجه إلى المطبخ حيث سهر بالداخل ليهتف بلهفة
((باربي يا باربي إلى أين تريدين أن أدعوك اليوم أنتِ ونور فمعي الكثير من المال؟ كما أن هناك أمر بالغ الأهمية يجب أن أعلمك به))
ناظرته سهر بعبوس ثم قالت بعدوانية
((أنا إلى الآن لا أدري كيف تتعامل معي بأريحية دون أن تشعر ولو بلحظة خجل أو حياء أو حتّى ندم على خداعك لي! نحن انتهينا وسنفسخ كل شيء بيننا بمجرد عودة أمي ولن تنال قرشا واحدا من عائلتي! هل تفهم!))
لم تنحسر ابتسامته العريضة وهو يقول
((أنا أعرف أني جرحتك بكذبي يا باربي ولكن صدقيني لدي قليل من الأعذار قد تبرر بعض هذه الأكاذيب، لذا اقبلي دعوتي لأخبرك بها))
قاطع نور عليهما حوارهما وهي تقول وبجانبها موظف حكومي
((قُصي هناك من يريد توقعيك، ينتظرك من مدة))
تجهمت ملامح قُصي وهو يتناول الأوراق من الموظف وسرعان ما قال بعصبية واستنكار
((طلب طلاق لفسخ خطوبة!))
طالع سهر على الفور والتي سارعت تقول نافية وهي تلوح بيدها
((لا تنظر لي بهذا الشكل، أنا لم أرفعها، كنت أنتظر عودة والديّ من الخارج حتى افعل ذلك ولكن لم أرفعها حتى الآن، لا أعرف أصلا كيف رُفعت دون توقيعي وهويتي المدنية))
هنا فقط وجدت تمارا الفرصة سانحة لها لتدلف لهم مع صوت طرقات كعبها العالي الرفيع.. لتقول بابتسامة واثقة جانبيه تشق وجهها الأرستقراطي
((أنا من رفعتها يا سهر بطرقي الخاصة نيابة عنك))
لفت الدهشة سهر وهي تقول بلا تصديق
((أمي متى عدتِ؟ أين أبي! قال بأنه لن يستطيع العودة قبل أيام من الآن..))
ضيقت تمارا عينيها وهي تناظر قُصي المتجهم الناقم عليها ثم قالت مخاطبة ابنتها
((هذا صحيح لكن جاءتني أخبار أنك تعملين مع هذا الكاذب المخادع في نفس المكان وكان لزاما عليّ أن أعود قبل والدك كي أتصرف))
ثم اكتسبت نبرتها الازدراء وهي تكمل بغضب مكتوم
((وأنت يا منقب الذهب كما ترى هذه دعوة فسخ خطوبة، لصالحك عليك أن تطلقها بسرعة لأنك لو تعنتَّ سأطالبك بتعويض عن الثلاث سنوات التي أضعتها من حياة ابنتي باحتيالك وكذبك))
جعد قصي الأوراق التي يمسكها بغل وهو يقول بصلابة ونبرة مشحونة
((لن أفسخ خطبتنا، سهر لا تزال تريدني فلا يمكنك أن تفرقينا))
انفلتت أعصاب تمارا فاندفعت تقول هاتفة بسخط
((أيها الأحمق هل تظن حقا أنى سأزوجك من ابنتي وأقبل أن تعيش في مستوى مختلف عن الذي كانت تنعم فيه عند والدها!))
اختلجت ملامح سهر وقد أصاب قُصي في كلامه!
لا تزال تحبه كما لم تحب أحدًا غيره.. هو وحده من وصل لقلبها ومن جعل لحياتها طعما ولونا..
لكنها لن تسمح لحبها أن يجعلها تنظر لعلاقتها مع قصي الذي خدعها لثلاث سنوات بمنظور العاطفة دون تحكيم عقلها في ذلك، فقالت بنبرة جاهدت أن تخرج كالبرد القارص
((أمي محقة يا قُصي علينا الانفصال حتى لو كنت لا زلت أحبك، لكن لن أسمح لهذا الحب أن يبعدني عن التحكيم العقلاني والواضح لعلاقتنا..))
خفتت أنفاس تمارا العنيفة وعادت لها الابتسامة الواثقة وهي تقول مشيدة
((هذه هي ابنتي الرائعة سهر..))
تمتم قصي بازدراء وهو يهز رأسه
((هذا لأنك لم تكوني مخلصة لي بحبك ومشاعرك، علاقتنا ما هي إلا علاقة تجارية ومصلحة وليست عاطفية..))
زجرته سهر مقاطعة إياه بقهر وألم مبرح يطل من عينيها
((لا تتحدث كأنك الضحية هنا، فأنتَ من هدمت كل أحلامي معك، أنتَ لم تحبني لذاتي بل لما قد تجنيه من مصالح بعد الزواج بي تتيح لك الارتقاء بنفسك))
اغترت تمارا وافتخرت أمام قصي بابنتها التي خشيت أن تضعف أمام مخادع ومنقب للذهب مثله..
كتفت تمارا ذراعيها ورفعت إحدى حاجبيها تقول وهي تطالع قصي بتشمت
((هل صُدمت من جواب سهر؟ وهل كنت تظنها إحدى الفتيات اللواتي قد تكون فريسة سهلة الوقوع في شباك رجل يحترف الصيد بمعسول الكلام والتباهي بالثراء؟ ابنتي تسمع بعقلها لا بقلبها))
ثم طالعت ابنتها تسترسل
((صدقيني يا سهر لقد تعمد التقرب منك أنتِ دونا عن باقي الفتيات لأنه علم ابنة من تكونين، لقد أمضيتُ وقتا طويلا أفكر بالماضي وبسقطات لسانه واتضح لي أنه ذئب ماكر ومخادع، لكن جشعي بالثروة التي ظل يتفاخر أنه يملكها هي ما جعلتني مأسورة فيه كصهر ولا أبحث جيدا عن خلفيته))
ثم أمسكت ذراع سهر المتسمرة في مكانها وهي تحثها على الخروج من المطبخ
((هيا يا سهر حان وقت انتهاء فترة تمردك والعودة للمنزل، لقد تحدثت مع السيدة فريال وأخبرتها عن استقالتك))
كانت تمارا تجذب سهر التي لا تبارح أبدًا عينيها عن عيني قصي بصعوبة.. مِمَّا جعلها تهتف به بتهكم مرير قاسي وهي تزيد من قوة جذب سهر للخارج
((اذهب يا منقب الذهب وحاول أن تنسى سهر في اليخت الخاص بك مع أصدقائك الأثرياء أو خلال التجول في سيارتك الفريدة من نوعها أو الذهاب في زيارة سريعة إلى باريس!))
أخيرا قطعت سهر تواصلها البصري مع قصي بعد أن استجابت لوعيها في أن تدير ظهرها له فما هو إلا مخادع وكاذب..




*****


انتهى الفصل.



Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قلبك منفاي، في قلبك منفاي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:15 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.