آخر 10 مشاركات
والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          [تحميل] عاشق يريد الانتقام،بقلم/ *نجاح السيد*،مصريه (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          At First Sight - Nicholas Sparks (الكاتـب : Dalyia - )           »          [تحميل] مهلاً يا قدر ،للكاتبة/ أقدار (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          مهلاُ يا قدر / للكاتبة أقدار ، مكتملة (الكاتـب : لامارا - )           »          وكانت زلة حياتي(111)-قلوب شرقية[حصريا]للكاتبةفاطمةالزهراء عزوز*الفصل14ج1**مميزة* (الكاتـب : Fatima Zahrae Azouz - )           »          عروس دراكون الهاربة(157)للكاتبة:Tara Pammi(ج3من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          إِفْكُ نَبْض (2) *مميزة & مكتمله* .. سلسلة عِجَافُ الهوى (الكاتـب : أمة الله - )           »          Wed for the Spaniard's Redemption by Chantelle Shaw (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          صدمة الحمل(32)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء الأول من سلسلة طفل دراكوس) *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي اجمل قصة في الرواية؟ (اختار اكثر من قصة)
وليد-شيرين-معاذ 128 28.64%
مؤيد-رتيل 111 24.83%
مصعب-نورين 292 65.32%
مالك-سمية 123 27.52%
مازن-ياسمين 55 12.30%
قصي-سهر 54 12.08%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 447. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree7315Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-01-22, 12:31 AM   #5851

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الأربعون (الأخير)..

**انتظروا الخاتمة هنحدد لها وقت قريب..
**لا تنسو التصويت بأعلى الصفحة لأكثر من خيار..





في الغرفة الصيفية..

مسح مالك على صفحة وجهه يحاول دفع الإجهاد عنه ونسيان ما حدث بينه وبين سمية مُؤخرا والتركيز في إعطاء مقرر المادة التي يُدَرسها للطلاب..

بدأ يكتب على السبورة الأسئلة قبل أن يشعر بوخزة على ظهره ناتجة عن ضربة قلم ألقيت عليه من الخلف.. تلاها مباشرة سماع صوت ضحكات مكتومة من الطلاب!

عضَّ مالك على شفتيه بغيظ وهو يشد قبضته الممسكة بالقلم اللوحي!

حسنا.. لا ينكر أنه بسبب ما يمر به من مشاكل عاطفية كان نزقًا في الحصة الصيفية وعصبيًا ويرهقهم بالواجبات المنزلية والتمارين كلما أزعجه أحد بكلمة! لكن أبدًا لا يحق لأحد منهم أن يقلل من احترامه ويرميه بالقلم كما حدث منذ لحظات، خاصة أنهم بالمرحلة الثانوية ولم يعودوا أطفالًا..

جحُظت عينا مالك بخطورة واستدار للطلاب الذين سارعوا بمسح علامات الشماتة والسخرية من وجوهم وادعاء البراء..

ابتسم مالك بتشنج لهم ابتسامة ما قبل العاصفة.. وقرر أن يتظاهر أنه لم يأبه أن أحدهم ألقى بقوة القلم على ظهره.. فأظهر هدوءً بالغا دون انفعال.. ثم فاجئ طلابه

((كنت أريد كتابة أسئلة مهمة لامتحان الغد للتسهيل عليكم، لكن قررت أن أتراجع وأكلفكم الآن بامتحان مفاجئ آخر غير امتحان الغد.. هيا أخرجوا أوراقكم..))

أصدر جميع الطلاب شهقة مذهولة غير مصدقة، وهمهمات امتعاض وحنق وقبل أن يعترض أحدهم، قال مالك دون أن تنحسر ابتسامته الشريرة

((هيا يا أعزائي أخرجوا الورقة، كل دقيقة تمر في النقاش أو الصدمة ستخصم من وقت الامتحان))

أخرج الطلاب بقهر وإحباط أوراقًا فارغة بينما جميعهم يتطلعون في وجه الطالب الذي ألقى القلم على مالك بعدوانية ولوم، فعرف مالك هوية الطالب المذنب ليصدر صوتا متهكمًا.. لكن لم تكن عنده أي نية لعقابه هو دون الباقي.. فقد كان البقية يغطون فعلته..

حتى أن واحدًا من الطلاب نبهه بفظاظة حانقا

((أستاذ ألم تقل بأنك ستخصم علامة لأي شخص يتحدث لأكثر من دقيقتين باللغة العربية بدلا من الإنجليزية! هيا اخصم علامات لنفسك))

ازدادت ابتسامة مالك السمجة المستفزة اتساعا وهو يقول

((لا أملك دفتر علاماتي، لكن ربما قد أعلم المدير أن يخصم من راتبي دينارا واحدا فقط))

استدار مالك للسبورة وبدأ يكمل كتابة الأسئلة على السبورة بينما يكتب من خلفه باقي الطلاب بوجوه متكدرة قبل أن يجد نفسه يغمض عينيه وهو يشد على أسنانه معيدا التفكير بما يفعله..

رغم أن الطلاب جميعهم يعرفون أنه لا يتردد في إنزال عقوبات جادة على المخطئ منهم ولا يتهاون في ذلك، إلا أنه لم يكن أبدًا أستاذا لئيمًا.. بل على العكس دائما يحدثهم ككبار ويخبرهم أنه يحترمهم ويثق أنهم مجتهدين ويسمح لهم بما يرفضه باقي المعلمون من حرية تناول الطعام والشراب ويحرص على الاستماع لآرائهم فيما يخص أمور الدراسة أو المدرسة.. ولا يريد الآن أن يفرغ عليهم غضبه بسبب مشاكله العاطفية مع زوجته أو ما مر به من وقت عصيب أثناء احتجاز مازن.. أطلق نفسًا عميقًا مستغفرًا ثم قال لهم بهدوء وحنو

((هذه هي الأسئلة التي سنناقشها في حصة اليوم من أجل امتحان الغد.. لقد تراجعت عن الامتحان المفاجئ من أجلكم..))

*****

وقفت ياسمين أمام المرآة صامتة، الإعياء واضح عليها، عينيها أحيطت بهالات تعب، العذاب غشي على وجهها الذابل لتظهر كوردة مكسورة..

لم ترهقها أي مخاصمة أو مقاطعة لمازن لها في حياتها بقدر هذه المرة.. ربما لأنها تعرف أنها ستؤدي للفراق لا محالة..

ضجت ملامحها بوجع لا يطاق وآلمها قلبها لفكرة الفراق بل شعرت به يذوب اكتواءً بنيرانه..

رباه كيف ستتكيف مع ألم الاشتياق له وفقده عندما ينفصلا! كيف ستبتعد عنه وهي تشعر أنها مشدودة له وجدانيًا وموصولة بشرايينه كيانيًا..

فليلة الأمس كانت ليلة أخرى لم تحتضن أهدابها مقلتيها وهي تراه ينام على الأريكة تاركًا إياها تتجرع جراح الوحدة وقسوة العتاب تحكي دموعها على مخدتها قصة هجران حبيبها وزوجها..

اتجهت ياسمين نحو الخزانة وألقت رأسها داخل رفوف ملابسه كما تفعل بالعادة عندما تتعلل ببحثها عن شيء داخلها ولكن تكون في حقيقة الأمر تستنشق بقايا عطر رائحته تتسول مسكنا لبقاياه الحاضرة في ذلك الألم بين طيات روحها..

صفعها صوت فتح الباب وانتزعها من هواجسها فالتفتت لتجده مازن يغلق الباب خلفه ونظراته تنطق بالغضب والحنق..

عضت شفتيها تجلي حنجرتها بحثا عن كلمات تسعفها لمحاورته

((هل تريد شيئا قبل الذهاب لعملك يا مازن؟))

طالعها باستنكار وتصغير لسؤالها المهتم فتابعت تقول وارتجاف صوتها يعكس تخبطها

((والدك أخبرني أن أسألك ماذا تحب أن تتناول على الغداء نهار اليوم من أجلك لحين عودتك))

رسم ابتسامة صغيرة يقول كمن يكلم نفسه

((لا أصدق أن والدي هو من أرسلك، لقد تغير))

ازدردت ريقها لتغير دفة الحديث ثم اقتربت منه معقبة

((ربما أساعدهم في صنع الغداء، ماذا تحب أن تأكل؟))

عقد مازن حاجبيه ومال بوجهه إليها هاتفا بصوتٍ ممتعض رغم انخفاض نبرته

((أتعرفين؟ لم تعد تطاق محاولاتك للتحدث معي كأن لا شيء بيننا..))

نغزها شعور الألم البالغ معاودًا الخيبة على هيئتها لأن بالنسبة لها مفاد كلامه أن صبره نفذ وحان موعد الفراق.. ومع ذلك نظرت بعينين معذبتين إلى وجهه تحاول التحلي بالصمود، أما هو فازداد تجهم وجهه بغضب بارد مشيحا بنظره عنها حتى لا يصب عليها جام غضبه المستعر بداخله أكثر.. لكن ولأنه ليس كل يوم يتم أخذ رأيه عما يفضل على وجبة الغداء.. سارع يجيبها بحزم ما إن همت تغادر مسرعة من أمامه

((ياسمين، أخبريهم أن يصنعوا لي على الغداء ورق عنب لعلي أتسمم منه وأموت))

تمتمت له بلهفة حارقة عليه

((كفى الله أي شر عنك))

لكنه عاد ينظر لها بنظرات استهانة وترفع آذّت قلبها ثم جهر بصوت أعلى

((ولا تنسي أن تعدي مشروبًا مسموما أيضًا، حتى أخلص من هذه الحياة معك، أريده مثلجا وكثير السكر))

غاص قلبها في صدرها وخفت تسارع نبضاته فانسابت شكواها الهامسة على كلامه

((لا تدعي على نفسك بهذا الشكل، فهذا يؤلمني، وسيؤلم هدى أو عائلتك لو سمعوك))

قاطعها زاجرا إياها بفضاضة

((وما شأنك أنتِ بما أدعو به! هل نسيتِ ما فعلتيه بحقي؟ إذا كنتي نسيتِ فسأذكرك..))

ثم اقترب منها بخطوات متسرعة، يبعد غطاء رأسها بيد ويده الأخرى يمسك شعرها القصير بخفة لا تخلو من الازدراء هادرا بحرقة

((ها.. شعرك الذي لا يتعدى كتفك هو خير دليل عليه))

ثم نظر في عينيها بانفعال مكملا

ثم هوى بكفه يضرب شعرها القصير بخفة لا تخلو من الازدراء هادرا بحرقة

((إلى الآن لا أصدق عمق الغدر الذي تلقيته منك يا ياسمين.. شعرك! شعرك! حرام.. حرام وموجع ما أعيشه.. ابتعدي عني الآن لأني لا أعرف كيف أستطيع تقبلك بشعرك القصير البشع هذا!))

ساد الصمت بينهما طويلًا ثقيلًا وهو يحدق في رأسها المنكس وتهدل كتفيها خزيا عسيرا وذنبا كبيرا ولسان حاله ينطق بيأس.. فغادر الغرفة كعاصفة هوجاء دون انتظارِ ردٍ منها صافقا خلفه الباب بعنف ارتجت له الجدران.. لتهوى بعنف أرضا تتحصن بذراعيها المحتضنتين لجسدها.. تذرف الدموع المرار لتتحول لنحيب مرير.. تصارع الاختناق الذي يكتم أنفاسها بعد كل عتاب جارح يرميه عليها..

أما هو فظل في الخارج واقفًا عند الباب متجهم الوجه، غاضب منها حدًّ الجحيم.. إنها حقا تتعامل معه كما لو أنها لم تخطئ بحقه وتحرق قلبه على شعرها بدون حتى أن تحاول أن تسترضيه وتطلب السماح منه مع وعد تضمن له فيه عدم تقريبها المقص -مجرد تقريب -من شعرها!

حسنا ربما حاولت مرة أو مرتين بمحاولات باهتة أن تطلب السماح منه لكنه صدها.. لكن لو كانت حقا آسفة ونادمة على قصها شعرها لم تكن لتستسلم من أول مرة يتعنت فيها.. لقد خيبت ظنه فيها.. هي لا تحبه.. لو أحبته لبذلت كل جهدها لتحاول أن تستسمحه.. فلم يكن قليل ما فعلته.. لقد قصت شعرها! شعرها الذي توسل لها كثيرا ألا تمسه بأي سوء..

ضيق عينيه جنونًا للحظةٍ قبل أن يهمس بحقد

((لا الأفضل ألا تطلبي السماح، فعندما يصل يا ياسمين الأمر لشعرك فلا وألف لا، لا شيء قادر على جعلي أسامحك ولا أظن أن الزمن قادر على شفاء جرحي من خيانتك..))

*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-22, 12:32 AM   #5852

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

أخذ مؤيد رتيل إلى أحد الأراضي الصحراوية تلك التي اعتاد الذهاب لها مع مصعب أحيانا ومع أصدقائه أحيانا أخرى لتناول عشاء عربي تراثي والقيادة بدراجاتهم على الكثبان الرملية لإتاحة المكان الحرية لهم في طرقه المفتوحة.. وتوفيره إطلالات مذهلة على المنحدرات والواحات الصحراوية، حيث أنه لا يحتوي على أي قضبان مترو أو مواسير صرف صحي أو حفر قد تمزق إطارات الدراجة..

كان مؤيد قد استغل فترة ما قبل الظهيرة التي يتأكد من قلة توافد الناس إليها ثم أوقف سيارته ليترجل منها ودعا رتيل لتنضم له.. فأغلقت السيارة منفرجة الأسارير وقالت وهي تتمعن النظر فيما حولها وصوت الهواء العليل ينعشها

((هل هنا سنقود دراجتك يا مؤيد؟))

أخرج مؤيد من صندوق السيارة الخلفي دراجته الضخمة ووضعها أرضا مجيبا

((نعم هنا، هيا اعتليها))

لكن وقبل أن تفعل تفاجأت به يلبسها الخوذة ثم يطلب منها أن تخلع الحذاء الذي تنتعله.. رفرفت عينيها باستغراب وفعلت ما طلبه لتجده ينخفض وينكب على ركبته ليلبس قدمها الحذاء الثقيل الخاص بالدراجين بنفسه.. تخضبت الدماء بوجنتيها من تصرفه الرقيق اللبق واهتمامه بسلامتها.. صعد مؤيد على الدراجة وارتدى خوذته هو ثم شد ظهره بينما يشعر برتيل من الخلف تحتضن عضلاته القوية بذراعيها، لتريح رأسها على ظهره.. شغل محرك الدراجة لبعض الوقت وقد علا الصوت بزمجرة في الأجواء كمن يثبت وجود مصدره، ثم بدأ يقودها بينما رتيل تدريجيا ترخي من نفسها حتى تسرح في درب الاستمتاع أكثر، شاعرة أنها جزء من كل شيء من حولها، كما هو يشعر تماما، فهو الإحساس بالحرية الذي يشعر به أثناء القيادة الدراجة في الهواء الطلق فقط على عكس قيادة السيارة التي يجد نفسه محتجزًا داخل غرفة معدنية.. وهذا ما جعله أثناء تعرضه لذاك الحادث المؤلم مرتين وإصابة كسر قدمه على إثره ينتظر شفاءه بنفاذ الصبر فقط حتى يعود لقيادة دراجته هوايته التي يعشقها..

لكن وللحق يقول فهو لم يشعر بمقدار هذه السعادة التي تختلج كيانه وروحه وقلبه على حد سواء قبل هذه المرة.. والسبب يعود لأن رتيل معه الآن.. لطالما تمنى أن يقود دراجته مع فتاة أحلامه وتشاركه لشغفه في مثل هذا المكان الذي شكل له قصة عشق، وتنبض تفاصيله بالحياة والإلهام حيث قضى فيه أجمل أوقات حياته..

أما رتيل فقد كان يغمر قلبها في هذه اللحظة لذة البهجة، وروعة الاكتشاف، وبدأت تعي أن مؤيد ليس أبدًا كما كانت تظن عنه، بل مختلف تماما، ومميز في اختلافه، خاصة وقد تحرر من تلك الصفات المتزمتة والمتحجرة التي تسكنه.. لقد اكتشفت عالمه لأول مرة وشعرت أنها قريبة منه وشغوفة به.. وبطريقة رهيبة شعرت أنه ليس زوجها وحسب، بل صديقها منذ الطفولة، وعشيقها منذ الأزل..

طوقته أكثر بذراعيها بينما تسمعه يحكي لها عن بعض مغامراته مع أصدقائه هنا عندما كانوا يتسابقون لتشعر بنفسها تسبح أكثر وأكثر في غمرة الأحاسيس المتصاعدة داخلها، ولم يسبق لها أن اختبرتها، رغم أنها صعدت فوق الدراجة مع غنوة عشرات المرات..

همس مؤيد لها بعاطفة وهو مستمتع بتطويق ذراعيها حوله من الخلف بقوة

((مستمتع أنا بالوقت الذي أقضيه معك ومشاركتك لي الشغف يا فتاة أحلامي))

ذهلت رتيل بأنفاس متقطعة من كلماته في هذه الأجواء المثيرة للدهشة، ثم همست له بصوتٍ سكنه الشغف والحب لأول مرة

((وأنا أكثر أحبك، يا فتى أحلامي..))

ظلا يثرثران.. يتغازلان.. كبطلين أطلا من كتاب للقصص الأسطورية.. لقد تغير كليا معها بمجرد أن سمح لها أن تدخل عالمه الخاص المنغلق عنها.. وقد فتح لها غرفه المغلقة في عقله وكشف لها عن رغباته الخفية.. بعد أن شجعته أن يخبرها بكل ما يحدث في خياله الجامح ويشاركها إياه..

تنفست رتيل الصعداء وتراخت ذراعيها من حول مؤيد وتدريجيا فردتهم حتى صاروا على مستوى أفقي، ثم أغمضت عينيها كالطير الذي يحلق في الأفق ويطير في الأجواء بجناحين مبتعدا عن كل ما حوله.. رباه ما أحلاه شعور الحرية وبعض خصلات الشعر الشاردة من حجابها تتطاير في الهواء الطلق.. وما إن فتحتهما بعد لحظات حتى خلعت الخوذة عنها ليقطع عليها مؤيد هذه الحالة الحالمة هاتفا

((لا أريد أن أفسد عليك تجربتك لحالة الفروسية الرومانسية الهوليوودية، ولكن أعيدي الخوذة فوق رأسك))

اعترضت له بدلال

((هل هي ضرورية يا مؤيد؟ لأني كنت أجربها مع غنوة متحررة من السترات الواقية والخوذ))

نطقت رتيل أمر غنوة عفويا بلا شعور أو انتباه منها، وبوضع آخر كانت سيرة غنوة لتكدر الأجواء بينهما وتفسد سعادتهما، ويبدأ الاثنين باستحضار ذكريات من سيرة الماضي وإعادة صفحات العتاب والمواجهات والاتهامات والشكوك لبعضهما.. لذا ارتأى مؤيد الآن أن يتقبل فقط حقيقة أن غنوة كانت جزء من حياة زوجته ولسنوات أحب ذلك أو لا.. فانتزع نفسه من صخب أفكاره وهتف فيها بحزم وهو يقلل من سرعة الدراجة

((لا يا رتيل، عندما تعتلين الدراجة النارية يجب عليك أن تسيري وفق معايير الأمن والسلامة، فإن لم نلم بهذه النصائح والمعايير سوف تتحول هذه الدراجة لنا من هواية إلى وحش يحصد أرواحنا ويؤذينا))

أوقف دراجته تدريجيا ثم نظر للخلف من فوق كتفه يناظر وجهها الذي يستبد الاستغراب به لكلماته..

فمالا تعرفه رتيل أنه وإن كان معروف عنه الرعونة التهور إلا أنه في مسألة الدراجة يتعامل معها بحكمة وتروي، فلا يقودها إلا بطرق مفتوحة بعيدا عن الأزمات المرورية أو مزاحمة سائقين غيره.. فتنحنح يجلي صوته ثم سألها بخشونة

((هل سبق لكِ أن قدتِ الدراجة بنفسك أنتِ؟))

اندهشت بالنظر في عينيه وقالت فورا

((لا دائما غنوة من كانت تقودها وأنا أجلس خلفها، مثل الآن))

لوح برأسه لها وترجل من دراجته هادرا

((حسنا جربي الآن أنتِ القيادة وأنا سأجلس خلفك))

صدمت رتيل من دعوته وفي نفس الوقت التمع في عينيها المتسعتين حماسٍ لم يظهر على محياها قبلًا، تكاد تختنق من فرط السعادة الخالصة التي تلتمسها وهي تجد نفسها تقوم لتجلس على المقعد الأمامي..

ازدردت ريقها من فرط الانفعال وكومة المشاعر المتخمة التي تغشاها وهي تمسك بذراعي الدراجة.. ولا تدري من أين جاءها المزاج لتناكفه من بين ضحكاتها

((لماذا ستجعلني أقود بك! ما الذي حصل معك ليجعلك يائسا من الحياة وراغبا في التخلص منها!))

إلا أن مؤيد على ما يبدو أخذ مزاحها بجدية وتجهم وجهه حتى أنه صمت للحظات طوال وقال بصوتٍ واجم

((حسنا معك حق، ترجلي منها واجلسي في الخلف))

صرخت رتيل وتشبثت بكل ما أوتيت قوة بمكانها على القيادة معترضة بلهفة ومتوسلة ألا يتراجع عن كلامه

((لا، لا، لا كنت أمزح دعني أجرب قيادتها..))

وقف مؤيد متخصرا يتنحنح مجددا قبل أن يتنازل ويوافق، لكن قبلا علمها كيفية تشغيلها، فأمسك بيدها وضغط بأصابعها فوق الأزرار يشرح لها..

وهي بلهفة ممزوجة بالتركيز كانت تصغي لإرشاداته حتى تعلمت.. أحكمت وضع الخوذة فوق رأسها.. ثم ازدردت ريقها وشغلت محرك الدراجة كيفما قال.. ارتج جسدها بشعور منتشي عندما ضج صوت المحرك وبدأت الدراجة تهتز.. كانت الدراجة تتحرك ببطء في البداية، ثم انطلقت، وزادت سرعتها شيئًا فشيئًا، حتى أنها لا إراديا من فرط الحماس صرخت عاليا ويديها الممسكتان بارتجاف بالدراجة

((إنها تعمل، سأتحرك.. يــــــــاه))

وأثناء القيادة تحكمت بارتجافها أكثر واستجمعت قوتها من جديد وهي تحافظ على وتيرة سرعة الدراجة التي بدأت تشق طريقها لتسأله كطفلة بانبهارها وشغفها

((فقط عليّ أن أقود هكذا صحيح؟ كيف أميل للاتجاه الأخر))

برشاقة وقف مؤيد خلفها من مكانه ومال فوقها يمسك بكلتا ذراعيه الدراجة فوق كفيها الناعمتين منبها

((أديري المقود في هذا الاتجاه، أرأيتِ بكل سهولة ويسر!))

تصاعد منحنى الإثارة عندما صارت تتمايل بها والهواء المنعش يتطاير حولها ويضربها من كل جانب في تجربة لا تقدر فيها على وصف مشاعرها، فاحتضنها مؤيد من الخلف يقول من بين ضحكاته عليها

((هل أحببت ذلك؟))

صرخت عاليا بملء صوتها

((نعم أنا سعيدة جدًّا..))

عقد مؤيد حاجبيه قليلا عندما تنبه لوجود رجال أخرين في المنطقة فهدر فيها بشيء من الخشونة

((اخفضي صوتك، هناك أناس غيرنا في هذا المكان.))

تشدقت فيه بصوتٍ عالي بنشوة لا تزال تتلبسها

((لا أستطيع السيطرة على نفسي، أنا سعيدة كما لم أسعد يوما))

طبطب فوق كتفها يزمجر بها

((إذن أوقفي الدراجة سنعود للبيت..))

همست له ملهوفة باعتراض

((لا، لا، لا عودة الآن، سأسكت تماما))

ثم رفعت إحدى يديها عن ذراع الدراجة واستدارت بجسدها نصف استدارة له تشير بأصابعها فوق ثغرها إلى إشارة "إغلاق سحاب الفم" مما جعل الدراجة تميل للجهة الأخرى بغتة..

صرخ الاثنان ومال مؤيد للأمام يمسكها بدلا عنها بيده، وما إن استعادا توازنهما وهما يلهثان، حتى صدح من الاثنين ضحكة صاخبة من القلب..

عادت رتيل تأخذ زمام القيادة تزيد من سرعة الدراجة النارية هادرة

((رباه كم هو شعور منعش ولذيذ قيادة هذه الدراجة))

مال مؤيد إلى أذنها هادرا حتى تسمعه من بين صوت المحرك العالي ومشاعره تتدفق من أعماق قلبه

((هل تظنين أن ركوب هذه الدراجة رائع؟ إنها لا شيء مقارنة بالتزلج على الرمال الحمراء، أو قيادة السيارات ذات الدفع الرباعي فوق الكثبان الرملية..))

كان الانبهار لا زال مسيطرا عليها وهي تهدر فيه

((إذن همتك في أن تجعلني أجرب كل شيء))

وهو لم يتوانى عن وعدها بتجريب كل شيء معه قبل أن يلثم كتفها.. فرتيل.. هي فتاة أحلامه.. هي قطار العمر الذي لحقه بآخر اللحظات.. هي حبيبته وعشيقته وزوجته وأم أولاده ومن يخاف عليها من أي عيون تسترق لمحات من جمال أنوثتها الوحشي..

أما هي فكانت ترسم له مكانا في قلبها الذي خفق له أخيرا بصوته ورائحته وكلماته وفي دفئ احتضانه لها.. هو المستحيل والأحلام التي باتت الآن واقعها..

*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-22, 12:34 AM   #5853

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في غرفة المعيشة.. حيث العائلة كلها مجتمعة حول مائدة الطعام..

راقبت زاهية كنتها ياسمين وانتبهت كيف تجلس متباعدة عن مازن فاجتاحها الضيق.. هل هي متخاصمة معه بسبب صراخها عليها في ذلك اليوم واتهامها بقسوة أنها سبب ما يتعرض له ابنها؟

قطبت زاهية حاجبيها مؤكدة على نفسها أن عليها استرضاءها، لا لشيء إلا من أجل سعادة مازن فعند غضب أو حزن ياسمين لا تصب غضبها على أحد إلا هو..

أما يعقوب فلم يكف بفعل غير معهود به مع جميع أولاده بين الثانية والأخرى عن وضع الطعام في طبق مازن وحثه على تناول المزيد بحنو تجلى على ملامح وجهه التي أنهكها العمر وما حدث مؤخرا.. فالأيام السابقة كانت عصيبة عليه وهو يتذكر فيها كل ماضيه مع أبنائه، وبالذات مازن فيجد نفسه مثقلا بالذنب تجاهه.. إذ أنه مع مازن لا يذكر بأنه كان له ولو مرة الحضن الدافئ الذي يشع حبا وعفوية وأصالة.. على عكس والدته التي كانت له الملجأ إذا قسى هو أو الحياة عليه، فأفرطت في تدليله وسعت لتلبية كل مطالبه، وإذا ما أخطأ وحاول هو معاقبته كانت أول المبادرين للدفاع عنه وحمايته من العقاب.. فكانت علاقتهما كأب وابن مليئة بالتشنجات والصدامات خاصة فيما يتعلق بصراع الأجيال واختلاف الأفكار والطباع.. والان لا يجد أمامه أن يفعله تجاه مازن إلا أن يعوضه ولو أن ما بقي لا يكفي لتعويض أي شيء!

وفى غمرة اهتمامه بمازن انتبه لمصعب ينتهي من طبقه فحثه بحزم أن يعبئه مرة أخرى.. حاول مصعب بلطف وتهذيب الرفض معللا شبعه لكن هنا انتفضت والدته بلهفة تقوم هي بتعبئة طبقه وطبق لنورين أيضًا.. فهي وزوجها يصران على عائلة مصعب منذ إعلان سفرهم تناول الغداء والعشاء في بيتهم كل يوم مهما كانت الظروف..

ضج هاتف مالك فأمسكه ليجد أنها رسالة من سمية..

عقد حاجبيه مستغربا انسحابها قبل قليل من مائدة الطعام وصعودها لجناحهم قبل أن تأكل بشكل كافي وطلبها من نعمة الاهتمام بعبد الله.. وفكر بأن عليه أن يحاول أن تعود علاقته بها كالسابق، يكفي أنه للآن لم يشكرها على صنعيها مع توأمه فكما أخبرته أمه سمية كانت من حثت نجوم على الاعتراف بكل شيء وتسريع خروج مازن قبل صدور نتيجة التحليل..

تبدد استغراب مالك بفتح الرسالة وسرعان ما تلونت ملامحه بالصدمة لمحتوى هذه الرسالة الجريئة التي تطالبه فيها بالصعود إلى فوق.. كان محتواها حقا جريء ووقح حتى أنه يشك أن هناك من سرق هاتف زوجته!

تجرع من كوب الماء دفعة واحدة ثم تمتم بكلمات واهية مفادها أنه شبع وبحاجة إلى الصعود لجناحه للراحة والنوم..

.

.

زينت سمية جزءً من شعرها اللامع بحلية فضية من فوق وتركته ينسدل بحرية على كتفيها.. وضعت أحمر شفاه بلون أحمر قانٍ كلمسة أخيرة على وجهها.. ثم وقفت أمام المرآة تناظر نفسها، ووجهها متألق بنضارته الطبيعية وتبرجها المتقن..

ما حدث لمازن أجّل ما كانت تخطط لفعله أمام مالك.. زوجها الذي لطالما رأته جذاب المظهر وكامل الرجولة.. والآن حان الوقت لترى نفسها هي فاتنة ومغرية ورائعة..

ظلت تردد هذه الكلمات على نفسها حتى تصدقها.. ثم عادت بذهن متيقظ لتذكر كل ما لمّح به مالك من قبل ولم تلتقطه لتقرر بأنها ستتحرر من كل تلك الأدوار المكررة والمفاهيم الخاطئة التي تلبستها سابقا.. وستغوص في أعماقه وما يرغب به لكن لا يتجرأ على مشاركته كله لها..

إنه يريد منها أن تكون مندفعة في الحب وجريئة وهذا ما ستكونه من أجله هو! عليها أن تجعله يرى أن روحها تهفو إلى حميميته.. فهو لن يشعر بالسعادة بوصالها إلا إذا شعرت هي بالسعادة..

فتح مالك باب جناحه وخلع معطفه مغمغما بتجهم

((ما هذه الرسالة التي أرسلتها لي؟))

خرجت سمية له من الحمام المرفق للغرفة بمظهرها الذي أخذت وقتا طويلا وهي تتأنق فيه.. مِمَّا جعل ذهوله يتفجر من أعماقه لمرآها، وجاهد ليلتقط أنفاسه وأفلتت عيناه من سيطرته فهامتا بحرارة من وجهها لعنقها ثم لامست جمال قدها تحت الغلالة.. نظراته كانت مسلطة بنهم داخلي عليها وتوق رجولي حاد لم يراوده منذ مدة.. ومع ذلك تمالك نفسه وحرارته المشتعلة التي تقارعه، وحاول أن يظل متباعدا في مشاعره..

ما إن أحست سمية به يهم بالاستدارة عنها كأنه يريد أن يبعد تأثيرها عنه.. حتى اندفعت نحوه وطوقته بذراعيها من الخلف ثم شبكت أصابع يديها هامسة بشجاعة وصلابة

((مجرد رسالة عبرت فيها عن حبي لك يا مالك))

ابتلعت ريقها بصعوبة بينما يلتزم هو بوقفته المتوترة المتحفزة معترضا.. فلا يقدر على جزم مشاعره وما يجب عليه أن يشعر نحوها الآن وبين الضعف والغضب، كانت مشاعره تغلي على مرجل مشتعل.. وبالكاد يحافظ على الباقي من سلامه العقلي..

بشق الأنفس وضع قناعا محنكا لرجل صبور وقال بصوتٍ مبحوح

((ما هذا الذي تفعلينه يا سمية! أخبرتك سابقا أني لا أريد أن تتصنعي حبا أو شيئا لا تشعرين بالرغبة به))

لكنها تابعت تقول له بنفس الهمس مبتسمة فحبها له يستحق المحاولة حتى إن صدّها أو جرحها

((أحبك بحجم حبك لي بل أكثر، سأتمسك بك ولن أرضخ لابتعادك ولن أستسلم له))

تشنج كله وتسمرت قدماه بمكانهما ورغم أن كل ذرة في جسده كانت تصرخ بعد غزلها هذا أن يستسلم لها إلا أنه أغمض عينيه للحظات ثم قال بصوتٍ متشنج

((سمية أنا جاد، توقفي عما تفعلينه، لم تصرين على إغضابي بفعل أشياء تكرهيها أنتِ..))

تحرر منها بقوة واستدار لها يناظر تلك البشاشة التي لازمتها خلال الوقت المنصرم تحديدا وبشكل مدمر لأعصابه

((سمية أنا جاد..))

مالت نحوه وارتفعت فوق مشط قدميها ثم احتجزت وجهه بكفيها هامسة بتسلية مشوبة بعاطفة ثقيلة

((لا أريد التوقف، أحب أن أقوم بأشياء أكرهها ولا أرغب بها، مثل التغزل بك.. ومثل تقبيلك..))

ثم بترت كلامها فجأة عندما واعدت شفتيها ثغره بقبلة أودعتها كل قلبها..

فاجأه الأمر، لكن حرارة لمساتها وقبلتها أفقدته السيطرة، ولم تمضي لحظات حتى بدأ يطوقها.. إذ أنها استعبدته بصوتها وأسرته كالمخمور..

عندما حررته أسندت جبينها على جبينه وعيناها في عينيه تدرسان استجابته لما أبدته.. ثم همست له بتسلية رغم أنفاسهما المقطوعة

((أنا جادة بحبي لفعل أشياء أكرهها ولا أطيقها معك))

مزاحها الغريب وتره وحفز كل خلاياه إليها خاصة عندما أفرجت عن ضحكة مبحوحة في نهاية حديثها على دعابتها له وحمرة تلبستها من رأسها إلى أخمص قدميها..

غمغم لها بصوتٍ خافت ورغبته فيها تشتعل بجنون

((سمية ما الذي تريدينه الآن؟))

كانت كلها تهفو إليه، وكأنها تريد أن تقتطع من روحها وتبثها لروحه..

ابتلعت ريقها وهي ترفع عينيها الحاملة لظل من الرغبة الصارخ من عينيه.. وهتفت بتعثر

((أريد لحظات من الحب الجنوني والعاطفة المتقدة))

تسارعت أنفاسها وتسارعت دقات فؤادها لتسترسل لمرأى الدماء الهادرة في عروقه البارزة

((لا أريد منك أن تفعل شيئا واترك لي أن أبدأ الأمر وأنهيه، اترك نفسك لي لأكتشفك..))

ذابت مقاومته لحرارة عاطفتها ليهمس باسمها باعتراض واهٍ وسط أنفاسه اللاهثة

((سمية.. ليس.. الآن..))

تكسرت كل حواجز خجلها بفعل عشقها له لتتحرر من أوهامها باندفاع عاطفي موجه له حتى ينال كل الدلال الذي كان يطالب به بطريقة أطاحت بقلبه وعقله.. تُردد على مسامعه بلهفة وحرارة مشاعرها ما يؤكد له مدى حاجتها إلى وجوده في حياتها.. حريصة هي على أن تُشعِرهُ بحماسها وبقبولها نحوه دون تحفظ أو قلق مما لا تجيده وتفعله لأول مرة..

وكرجل مثله محروم منها من سنوات أثناء فترة طلاقهما كان يتطلع إلى مثل هذه اللحظة ويريدها هي أن تكون المبادرة.. من تقرر.. وتخطط.. أن تغويه.. أن تثير جنونه وتفقده آخر ذرات عقله.. ولا يظمأ من الإرتشاف من كأس غنجها..

*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-22, 12:39 AM   #5854

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في غرفة المعيشة.. وبعد انتهاء وجبة الطعام غادر الجميع وبقيت ياسمين تجلس على الأريكة تقوم بحياكة الصوف وفي نفس الوقت تطلع بعينين تفضي تأثرا إلى حماها الجالس أمام التلفاز بينما يسمح لمازن أن يريح رأسه على حجره رغم أن هذه الحركة لم يكن يقوم بها مازن إلا مع أمه وكان والده دائما ما يزجره ويخبره أن يتوقف عن إتعابها وعن تراهقه ويتصرف كراشد مسؤول..

لكن تبدل هذا الشعور إلى بؤس.. إنها منذ أيام تتحاشي التحدث معه أو البقاء مطولًا وإيًّاه في مكان واحد معا، ربما حتى لا ينتبه لوجودها ويتذكر أن عليه التخلص منها.. لكن في نفس الوقت تجد نفسها مسيرة لا مخيرة التواجد في أي مكان يمكث فيه، حتى تتأكد إذا ما كان يحتاج شيئا منها، أو ربما حتى تشبع عينيها وقلبها من حضوره قبل الانفصال عنه بقدر الإمكان..

تركت ما بين يديها ما إن رأت نفاذ رقائق البطاطا من الكيس الذي يحمله، وسارعت تمسك كيس رقائق بطاطا آخر من فوق المائدة التي تتوسط الغرفة، تمده له بلهفة..

رفع مازن عينين واجمتين لها ثم سحب الكيس منها بفظاظة لم يلاحظها والده حيث كان مُصوبا نظره على التلفاز ففاضت عينا ياسمين بالدموع..

تهدل كتفاها متراجعة فأخذت سلة مشغولاتها لتغادر ململمة بقاياها الجريحة الغرفة بخطوات مستعجلة، بعد خروجها أطفأ الحاج يعقوب التلفاز من جهاز التحكم عن بعد مما جعل مازن ينتصب جالسا وينظر لوالده شاعرا أنه يريد الحديث معه، وما إن فعلت حتى أغلق يعقوب التلفاز من جهاز التحكم عن بعد مما جعل مازن ينتصب جالسا وينظر لوالده شاعرا أنه يريد الحديث معه..

أخذ يعقوب نفسا عميقا ثم وضع عينيه المتعبتين بعيني ولده يبادره بعتاب حاني تأخر وقته

((مازن يا بني لماذا لم تخبرني بما كانت تحاول منال فعله لك مع ابنتها قبل أشهر!))

ازدرد مازن ريقه لذكر سيرة نجوم ومنال تلك التي يريد بعد ما حدث أن تندثر تماما من ذهنه، ثم أجاب بهدوء

((لم أشأ فضحها، وظننت أنها ستندم ولن تتجرأ على فعلها مرة أخرى، لم أكن أعرف شيئا بشأن ذاك المخطط الإجرامي، بل وحتى أنها حامل))

تغضن جبين يعقوب واعترض بصرامة

((ولكنك أخبرت توأمك، فلماذا لم تخبرني أنا والدك! لم أكن لأسكت على تواجد امرأة فاسقة ومجرمة مثلها تحت سقف منزلي))

كان هناك امتعاض بالغ في نفس يعقوب تجاه ابنه، ليس لأنه أخبر توأمه عن محاولات منال الدنيئة فقط.. بل لأن زوجته في الأمس أخبرته أنها فتحت موضوع السوار الذهبي أيضًا مع مازن وأخبرها أن هذا السوار أهداه لمنال لا ابنتها مقابل تعبها في تحضير دعوة أصدقائه، ولم يخبره هو..

رد مازن بصوتٍ فيه بحة

((لم أظن أنك ستصدقني، بل خشيت أن تثور عليّ متهما إياي أني أقذف عرض فتاة بريئة، فأنا لا احمل أي دليل على كلامي))

انكسرت نظرات يعقوب وهو يرى بوضوح كيف أنه لم يمثل لابنه أي أمان عاطفي أو شعور بالحماية وكأنه سور يمكنه الاتكاء عليه.. فقال بصوتٍ مجهد يثقله ذنبه بحق ابنه

((حسنا أعترف أني لم أكن لأتقبل ما تقوله بسهولة، لكن مع ذلك لم يكن عليك إخفاء مثل هكذا أمر عني يا مازن، لأنك لو فعلت ذلك كنت على الأقل لأحكم عقلي وأربط الأمور ببعضها لأصل للحقيقة بعدما أخذك الضابط من بيتنا))

ظل الهدوء يكتنف ملامح مازن والصمت يعم المكان حتى قال أخيرا وهو يهز كتفيه ببساطة

((حسنا معك حق، لقد أخطأت، كان عليّ إخبارك))

ازداد الألم المتجلي من ملامح يعقوب وتحرك بؤبؤي عينيه.. فأرخى أجفانه الساخنة بدموع أبية ثم أطبقهما بقوة ليقول بصوت ضعيف معذب ولسانه يتعجل كي لا يوقفه صوت تمزق وألم قلبه

((مازن لا أحد هنا مخطئ بحق الآخر غيري أنا، لقد ضربت أسوء مثال للأبوة معك))

اتسعت عينا مازن ليسارع النفي

((لا يا أبي لا تقل ذلك، أنا المخطئ دائما..))

أغمض يعقوب عينيه.. ودوامات عقله تتصارع بإحساس الأبوة المعذب..

كان دائما يلوم زوجته على تدليل مازن ومنعه من معاقبته وبالتالي

إفساد منظومته التربوية بدلالها الزائد واغداقه بمشاعرها وكسر قواعده كأب.. ورغم عدم اتفاقه تماما مع زوجته إلا أنه الآن فقط عرف أن العلاقة التي تأتي بإطار عاطفي كبير، هي التي تظفر وتعلق في قلوب الأبناء.. ربما لو كان أرق بمعاملته لمازن ولم تحمل في طياتها توبيخا أو تهديدا، لكان قبلها منه طالما الأسلوب يظهر بمودة وحب أكثر، وهكذا سيمنحه الأمان والحنان بل وكان صمامه..

فتح يعقوب عينيه يحاول استعادة شيئا من رباطة جأشه ثم وضع يده الأخرى فوق كف مازن يحتجزها هادرا

((حبي لك يا مازن أنتَ وإخوتك هو حب غير مشروط، وكان يجدر بي أن أفعل تجاهك أنتَ خاصة ما يجعلك تشعره دون أن أخبرك بهذا!))

ابتسم مازن بدفء لوالده ثم وضع يده خلف رقبته، كعادته حينما ينتابه الإحراج، كطفل صغير أضاع الكلمات.. قبل أن يجد والده يسحبه له ويضمه بكل قوته التي لا زال يحتفظ بها حتى أن مازن أنّ من الضغط على عظامه، لكن قلب يعقوب كان في صحوة نبضاته وحمية الأبوة وهو يهدر فيه

((أريدك أن تعرف من الآن أنك لست ابني وامتداد طبيعي لاسمي وحسب، بل أيضًا مصدر سعادتي وفخر حياتي، وبالمقابل أريد أن أشعر أني أمثل لك الحضن الذي يعطيك الإحساس بالأمان والانتماء))

ورغم أن مازن كان يشعر بالاختناق من ضم والده له بقوة إلا أن ابتسامة جميلة تسللت لشفتيه فأغمض عينيه مستمتعا ومتأثرا بعلاقة الابن والوالد التي يحظى بها في هذه اللحظة مشوبة بالاطمئنان.. قبل أن يبتعد والده ويبدأ سؤاله عن أحواله في وظيفته الجديدة..
******



Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-22, 12:40 AM   #5855

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

بعد مدة شدد مالك من ذراعيه المحكمتين حول سمية ثم لثم مقدمة رأسها مرة بعد مرة.. كأنه ما يزال لا يصدق ما حدث قبل قليل.. لا أبدًا لم يكن مجرد حدث بل أكثر من ذلك بما ظفره منها من مشاعر وعاطفة.. لقد عرضت نفسها عليه، دون أي كلمات مبطنة أو تلميحات مرتبكة.. فحتى في أحلامه الأكثر جموحا ما كان ليتصورها أن تكون بكل هذا الجموح والدفء في آن واحد..

أراحت هي رأسها على صدره تلاعب خصلات شعره المموجة نزولا إلى ندبة رقبته والأحاسيس تغمرها.. فما وصلت له اختصر سنوات عذابها الطويلة سواء بزواجها الأول أو الثاني وجعلها تصل للرضا..

عادت لواقعها وصوت خفقات قلبه كان صاخبا.. متناغما مع أنفاسه الغير مستقرة.. بينما يهمس لها وملامحه الوسيمة تفيض رقة

((ألهذه الدرجة تحبيني، أين كان هذا الحب من أعوام!))

ارتعشت خفقات قلبها بقوة وهي تهدر له بعاطفة متدفقة

((لطالما كنت حبيبتي وأغلى من سكن حبه في صميم قلبي وعزف بحروفه أوتار روحي وعقلي، وحتى الآن لا زلت أراك أجمل نور تلألأ وأنار ظلمة دربي وحياتي..))

تأوه أحاط بقلبه جراء سماعه غزلها بجرأة لم يعهدها بها، فزاد من تطويقها هادرا

((أريد أن تستمري بهذا الانفتاح والصراحة والثقة التي من شأنها جلب مزيد من الرضا لكلانا، أحبك أن تبادري أنتِ بالكلام، أن تتبعيني وتطلبيني وتجعليني مثار اهتمامك، وتعبري عن جُلَّ رغباتك دون خجل))

رفعت عينيها له تقول بصوتٍ عذب

((مالك..))

قطب حاجبيه برقه هامسا

((يا عيون مالك..))

تعلقت نظرته بنظراتها بطريقة جعلته يصمت لتجيبه باختناق وطيف من الحزن يزور عينيها

((قد يخيل لأي أحد كوني امرأة ناضجة وكبيرة أتمتع بالخبرة ولا أخشى أن أطلب من رجلي ما أريد، لكن هذا غير صحيح، أنتَ لا تعرف ما بذلته من جهد لأتحرر من خجلي الذي يعيق ما تريده، وأتعامل معك بهذا الانفتاح))

رفعت يديها تتشبث بكتفيه ترتجي منه التفهم وتستطرد بصوتٍ مجروح

((أريد أن تكون معي مستقبلا أكثر صبرا وصراحة، فأنا بحكم تربيتي وثقافتي المحدودة وقلة اطلاعي لم أعرف كيف أرضيك، لكني أحبك كما لم أحب أحدا من قبل.. وأنت.. أنتَ تعاملت معي بقسوة وسوء ظن بدل أن تمسك بيدي وتقودني إلى ما تريده.. لم تكن أبدًا مراعيا لي..))

انخلع قلبه من مكانه وأثقله تأنيب الضمير خاصة وهو يواجه لمعان عينيها بنظرة شبه محطمة موجوعة.. لا يصدق كيف تعامل بمنتهى القسوة رغم أن ما يضيرها يضيره، وما يبكيها يؤذيه ويؤذي روحه!

وهي لم ترحم قلبه بينما تتابع عتابها الحزين الرقيق له

((أنا ترعرعت يا مالك على الصمت والحياء والخوف والتردد بهذه الأمور، وأنت تعرف ذلك))

أحس مالك بالغصة تسد حلقه فسعل قبل أن يتحشرج صوته وهو يخبرها

((إذن تدربي الآن على تعبيرك عن حبي، فكري بي دائما واجعليني احتل قلبك وعقلك وضعيني في مقدمة أولوياتك كما أفعل بالضبط معك، والا فكبريائي الذي لم أكن أعلم بوجوده في علاقتنا سيتلاشى إن بقيت من أبادر بكل شيء ومن أعبر عن مكنوناتي تجاهك..))

رسمت ابتسامة حلوة وسط دموعها المتعلقة بعينيها مهمهمه

((حسنا سأفعل، سأكون دوما جنيتك الساحرة هكذا))

كانت ابتسامتها بمثابة شعلة أنارت قلبه فوجد نفسه يبادلها الابتسامة رغم تذبذبها ثم يغير دفة الحديث هادرا بشيء من التلاعب

((ولكن.. ما الذي غيرك هكذا فجأة؟ من أين الجرأة لك لتقولي مثل هذه الكلمات!))

توردت في خجل لا يليق بسنها لكن مع ذلك هدرت وهي تميل بوجهها له بدلال رقيق وفرح غامر

((جاذبيتك هي ما جعلتني أذوب بك!))

رفع حاجبيه بذهول حقيقي يأسره منها ليتمتم

((ليالي بسيطة غيرتك يا سمية! وهناك سر..))

تعلقت برقبته وقالت مبدية عذوبة ونبرة موشحة بالشجن

((لا أمزح إن قلت بأني قررت أن أستثمر جاذبيتك تلك في تطوير مشاعري نحوك))

رفع إحدى حاجبيه هامسا بذهول لا ينتهي من أجوبتها الليلة

((أنا هكذا سأغتر..))

ضحكا الاثنان ضحكة مدوية ودفن وجهه في شعرها مستنشقًا عطرها بشغف

((أنتِ جميلة.. جدًّا..))

ثم ابتعد قليلا.. ليعقب أخيرا وهو يلامس غلالتها

((ما ترتدينه يخطف الأنفاس، ولكن لا أذكر أني جلبته لك))

أسبلت أهدابها قليلا واتسعت ابتسامتها برضا أنثى ممتلئة بالثقة من إعجاب زوجها بها.. ثم طالعته بابتهاج واضح ورفعت كتفيها تقول

((لقد اشتريت اليوم من السوق عشر غلالات حريرية، وكل قطعة لا تشبه سابقتها بشيء..))

اتسعت عيناه بشكل أثار ضحكها وسرعان ما قال بترقب حقيقي يشوبه التلاعب

((إذن دعيني أراهم وأقيمهم، الآن))

عادت للخلف تميل رأسها برقة تتلاعب بنظراتها ما بين تبختر وشقاوة وشعرها الأسود اللامع يتأرجح بدلال ثم قالت

((لا، غير مسموح لك أن ترى أكثر من قميص واحد في الليلة الواحدة، لأعيش معك ليالي من قصص ألف ليلة وليلة))

ثم أعقبت بضحكة عذبه تدلل عليه فزمّ شفتيه بحنق واضح ثم همهم لها محذرا وهو يلامس ظاهر يدها

((هكذا سيظل تفكيري طوال اليوم منحصر فضولا بما هو شكل الغلالة الذي سترتدينها لي في الليل!))

قالت وهي ترمش بعينيها بإغراء مفتعل

((وهذا هو المطلوب! لا أريد أن أخرج من تفكيرك أنا أيضًا))

مال ناحية خدها يلثمه قبل أن يهمس قرب أذنها بشغف

((ما جاء هذا اليوم الذي تخرجين فيه من تفكيري، مهما حدث لم أكن لأقدر على التباعد أكثر عنك))

ثم عاد يطوقها فهي لطالما كانت كندبته الظاهرة في رقبته، قد تؤلمه أحيانا وقد تغضبه أحيانا أخرى لكن مهما يحدث تظل جزء منه لا يتلاشى رغم مرور السنين عليها.. هي من سكنت قلبه، وهي من رجف لها كل كيانه، وهي من تشتاق لها كل خفقة من قلبه!

أما سمية فكانت سعيدة أن تحررت تماما من كل مخاوفها وقلقها في خوفها وشكها بنوايا مالك مستقبلا.. إذ لطالما بالماضي كانت تفكر ألا تقبل فيه كقرار من خلاله تحفظ فيه قلبها وكرامتها وكبريائها، إذ كانت تظن أنه سينبذها في النهاية لا محالة، ويتركها امرأة مجروحة منحته قلبها وجسدها.. وسلمته ثقتها الكاملة.. فتخلى عنها..

لكن لاحقا.. كل هذا تلاشى تماما..

*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-22, 12:41 AM   #5856

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

في إحدى القرى القابعة في إحدى الدول الأفريقية المعروفة بمناخها الجاف والحار، الذي يساهم في قلة المياه وزيادة انتشار تلوث المياه وقلتها.. كان قصي يتواجد مع سهر وتحديدا بأعالي جبال ريف القرية.. تتراءى أمامه الأجساد الصغيرة عن بعد وهي تتحرّك بنشاط، شبيهة بنقاط قاتمة تتنقّل على رقعة ناصعة..

حانت منه نظرة إلى سهر التي كانت تمسك الجهاز اللوحي بينما تتألق ابتسامة دافئة على وجهها وهي تقرأ رسالة وصلتها منذ وقت والآن فقط استطاعت أن تفتحها بعد أن وصلت لمكان فيه إشارة إنترنت..

ما إن تحركت سهر بالشاشة للأسفل وظهرت صورة المرسل حتى اتسعت عينا قصي ببريق وغمغم

((يا إلهي هل هذه نور! كيف حالها لم أتحدث معها منذ وقت طويل))

أعادت سهر الجهاز اللوحي لحقيبتها وقالت بابتسامة حلوة

((لقد أرسلت لي رسالة تخبرني فيها عن أحوالها في مدرستها التي عادت للدراسة على مقاعدها وعن عملها في المكتبة، إنها تحبه جدًّا))

أطلق قصي تنهيدة طويلة ودمدم بابتسامة تتناقض مع ما يلفّ المشهد حوله من عبوس

((أتمنى الأفضل لها))

ثم مال برأسه لسهر يقول وهو يدقق النظر لها ليستشف حقيقة شعورها

((هل أنتِ سعيدة يا سهر الآن؟ كانت هذه هي أول إجازة طويلة آخذها منذ زواجنا ليتسنى لنا فيها السفر، وأشعر أنه لم يكن عليّها أن تكون إلى هنا مع أخي سامر))

أراحت قلبه عندما ردت بصوتٍ دافئ صادق رغم ما يشوبه من حزن

((لا على العكس، رغم أن هذه هي أول مرة أسافر مع أحد للتطوع إلا أني أشعر بسعادة لم أشعرها يوما))

أومأ قصي لها، إذ كانت هذه هي المرة الأولى له أيضًا في سفر من هذا النوع.. حيث أخيه الذي يصغره سامر ألح عليه عند قدوم إجازته أن يرافقه هو وزوجته بسفره المعتاد إلى أفريقيا، وهو تحت وطأة ضغوطه خضع له من باب التغيير على شرط موافقة سهر، فيكفي أنه لم يفِ بكلامه لها بتخصيص مال ووقت لسفر دائم بعد زواجهما ولم يتمكن قبل اليوم من السفر به..

وهكذا انطلقوا منذ عدة أيام في سفر برفقة سامر ومتطوعين أخرين في حملة أقامتها هيئة الإغاثة الإنسانية لحفر عدة آبار في هذه القرية النائية لحصول الساكنين هنا على فرص استعمال المياه الصالحة للشرب والاستعمال..

للآن لا يصدق أن الناس هنا يكافحون للبقاء على قيد الحياة حيث

يضطرون لقطع مئات الكيلومترات من أجل الحصول على الماء والذي قد يحتوي على الطين والأوبئة التي تسببها الميكروبات المختلفة وتؤدي إلى وفاة مئات الألاف منهم بنسبة تفوق الوفيات للأسباب الأخرى هنا بما فيها الحروب والنزاعات..

ازداد الحزن المتجلي على ملامحه وداهمه إحساس بالاختناق وهو يعاود النظر للأسفل لتلك الظهور المقوّسة والسواعد النحيلة التي تعمل على آلات الحفر والتكسير ومعظمهن من النساء والفتيات الصغار.. حيث يضطررن للعمل لكسب بضع فرنكات لاقتناء ما يحتجنه مقابل تحويل الحجارة الصلبة إلى حصى صغيرة.. رغم أن هذه المهنة شاقة ومضنية لا تليق بتلك الأجساد الصغيرة التي تنوء تحت ثقل الحجارة، في عمل يعتبر حكرا على الرجال..

وجد نفسه يتمتم بمأساة تقبض على قلبه لحالهن

((لم أتحمل أنا الرجل صاحب العضلات الذي عاش معظم حياته في النوادي الرياضية العمل كعامل البناء إلا لستة أشهر، وكنت سأتركه في كل الأحوال حتى لو لم أجد فرصة لديهم في شهادة تخصصي كمهندس.. فكيف بحال هؤلاء النساء والأطفال!))

اتكأت سهر بوجنتها فوق قبضتها تشاركه الحزن والقهر على حال الناس هنا

((جميع الأشخاص هنا بغض النظر عن جنسهم يجبرهم موسم الجفاف على التوجه إلى الهضاب والجبال المنتشرة ليقتلعن الكتل الصخرية والحجارة ويفتّتنها، لتحصيل رزقهم))

عمّ صمت كئيب بينهما لدقائق أثناءه غام تفكير قصي في أموال عمه فارس القاني.. لقد قام هو وسهر بالمساهمة بالتبرع للحملة من أجل آبار جديدة لكن يظل هذا المبلغ لا شيء.. أما عمه فلو أخرج زكاة أمواله أو تنازل وتبرع بالمال الذي بحوزته وقدم به مشروعات تنموية صغيرة مثل فتح بقالات أو تقديم مكائن خياطة أو إقامة مزارع سمكية تدر دخلًا للناس لما بقي فقير هنا في هذه القرى الأفريقية ولإنتشلهم من البؤس..

انزلقت شفتاه بابتسامة ساخرة.. لم الابتعاد كثيرًا؟ فعمه لم يفكر يوما أن يقوم بالتبرع لفقراء بلاده قط حتى يتبرع لفقراء غير بلاده..

وهنا شعر قصي بالشفقة لا النقمة على عمه الذي اختار زينة الحياة الدنيا التي صرفت أبصاره عن اللذة الحقيقية التي تحف بها المشاق والمكاره.. فأكل حق يتيم في الماضي، والآن يأكل حق الموظفين الذين يقدر عددهم بالآلاف في شركاته.. ولم يرتدع مع أنه في منتصف الستين من عمره..

انتشلته سهر من جب أفكاره هادرة

((عائلتك المتمثلة بأمك أو أخيك مهووسون بالقيام بالأمور الخيرية سواء داخل البلاد أو خارجها))

أخرج قصي صوتا ساخرا قبل أن يعقب

((لكن شتان بين أمي التي تعشق الوقوف أمام فلاشات آلات التصوير، والجلوس خلف شاشات الإعلام وإلقاء خطب الاستهلاك الإعلامي.. وبين سامر الذي يعشق حفنات الغبار وهي تتطاير في لحظة حفر بئر ارتوازي لفقراء يحتضرون بسبب شربة ماء! فهو يعمل بصمت وإتقان واستمرار من أجل أجر الله تعالى، وعلى عكس أمي لم يفكر ولو مرة بتصوير نفسه بأعماله الخيرية ونشرها لحظة بلحظة، أمي لو أهدت محتاجا قطعة خبز لأهانت إنسانيته بالتصوير معه ومع عائلته وجيران الحي حتى تبرز وتظهر تريندًا إعلاميًا!))

قطبت سهر حاجبيها تتساءل

((إذا كان مغرم بالتطوع فلماذا لم يدعوك قبل هذه المرة لمشاركة الأشخاص الذي يذهبون معهم هنا، خاصة أنكما الاثنان تشتركان بحب السفر تماما))

ضحك قليلا قبل أن يرد بشرود

((هو بالفعل كان دائما ما يلح عليّ السفر معه للتطوع، ولكن أنا من كنت أرفض رفضا قطعيا معللا أني لا أملك إلا حياة واحدة أرفض تضييعها على التطوع في قرى نائية في أفريقيا وبدلا من ذلك أساهم في تبرعات مالية بحسب قدرتي.. ولكن أنا الآن نادم.. بشدة))

نعم هو نادم بشدة، فهو الآن وسط هذه القرية والبشر الذين يقتلهم الجوع والفقر والجهل يشعر بسعادة ما كان ليشعرها لو سافر مع سهر إلى إحدى الدول الأوروبية لغاية الاستجمام.. ولو عاد الزمن به قبل سنوات طوال عندما جاءه سامر قائلا بأن حب الاستطلاع قاده لزيارة قرية نائية في إفريقيا ومن ثم تأثر بأحوالهم وبأنه لن يتوانى في كل فرصة تسمح له بالتطوع والسفر هناك ويريد مرافقته فلم يكن ليرفض أبدًا..

*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-22, 12:48 AM   #5857

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

فتح معاذ عينيه صباحا ببطء يتمطى بجسده بحذر حتى لا يوقظ شيرين النائمة على صدره بوداعة واستكانة وشعرها الليلي مبعثرا من خلفها، فجال بعينيه إليها يتأملها مليا وهو يمرر أصابعه على شعرها يبعدها عن وجهها ويلمسه بظهر أصابعه بنعومة بالغة..

أحست شيرين بلمساته التي تعشقها لترفرف بعينيها متكاسلة، فاعتدل جالسا على السرير بجذعه العاري ثم همس بصوت مبحوح وعيناه تمران عليها

((كم هي الساعة الآن؟ متى وقت صلاة الظهر؟))

همست بصوتٍ ناعس وهي تتثاءب

((ربما أكثر من ساعة، دعنا ننام أكثر))

كانت شيرين تشعر أنها قابعة في جنته.. إذ أنها بعد أن عاشت أشهر في علاقة جسدية مشوهة مع وليد، حيث كل مرة يقترب منها ينتقص من أنوثتها.. لم تتوقع أن تنجح علاقتها مع معاذ.. هذا الرجل الذي عرفت فقط الاكتمال معه وهو يغرقها دائما في فيض متدفق من الحنان الخالص والعاطفة..

تمتم بصوت أجش وقد تلاشى تثاؤبه وارتحل نعاسه

((كنت أستيقظ باكرًا حتى في أيام العطل ومناوباتي الليلة، لكن منذ زواجي بك وقد أدمنت النوم لما قبل الظهيرة بقليل))

ردت بإشراق ابتسامتها وهي تفرك إحدى عينيها تزيل أثر النوم

((وحتى أنا كنت معتادة على الاستيقاظ باكرا في أيام عملي، لكن ما عدا ذلك في العطل أحب قضاء جل وقتي على السرير))

اتسعت ابتسامة شيرين برضا أنثوي وهي تراه يبعد بأصابعه شعرها المتناثر حول وجهها هامسا بغرام

((تبدين جميلة))

تضرجت وجنتيها بحمرة الخجل فضحك معاذ قليلًا فتاهت في ضحكته ثم في عينيه ونظرته.. وتلقائيا انحنت بوجهها لتلثم باطن كفه بحركة ارتعش له قلبه..

ردت شيرين له كلمات حب شغوفة بنفس الهمس ليشعر بالنعيم حقًا وقد أنارت قلبه تماما منذ زواجهما..

فعادت أصابعه لتطول وجنتها وتلامسها بنعومة، فتسحرها.. فأغمضت شيرين عينيها وغرقت في مشاعرها ولم يقطع هذا المشهد العاطفي إلا هاتفه الذي ضج رنينا عاليا.. التقطه معاذ ورفع حاجبيه باستغراب لمرأى اسم امه يعلو شاشة هاتفه.. فرد معا على مكالمتها ووضع الهاتف بجانب أذنه هادرًا

((مرحبا يا أمي، كيف حالك؟ الآن؟))

خرج سؤال معاذ مذهولا فكست الحيرة وجه شيرين عن سبب اتصال أم معاذ بهذا الوقت المبكر من اليوم واعتدلت جالسة بينما يتابع معاذ بعجب

((ولماذا لم تخبريني لأصحبك بنفسي هنا، هل لا زال السائق يتذكر عنوان شقتي أم يجب عليّ النزول؟ حسنًا سأرتدي ثيابي وأتي فورا))

أغلق معاذ هاتفه ووضعه جانبا بينما يتجه ملهوفا للخزانة يخلع ملابس منامته معلما شيرين

((أمي ستأتي لزيارتنا، هي تريد رؤيتك أنتِ بالذات لتبارك لك، سأذهب لإحضارها إلى هنا))

ارتدى معاذ ثيابه بأسرع ما أمكنه، حشر قدميه في حذائه وهمَّ بالرحيل في حين استوعبت شيرين الآن فقط ما يقوله وشهقت لهذه الزيارة الغير متوقعة.. قفزت من السرير مهرولة لغرفة دارين تطرق الباب عليها بحدة وعندما لم تجد منها أي رد دلفت للداخل وأشعلت الأنوار ثم جلست على السرير بجانبها وحركت كتفها تناديها بإلحاح بمحاولة إيقاظها

((دارين استيقظي، دارين استيقظي))

تضايقت دارين بنومها وتشبثت بغطائها لتداريه فوق رأسها هامسة بصوتٍ متثاقل ناعس

((أريد النوم..))

كانت شيرين متفهمة نعاسها فهي لم تنم في الأمس إلا فجرا بسبب سهرة الفيلم التي أعدتها لهم مع الفشار.. ومع ذلك أمسكت غطاءها تبعده عنها بكل قوتها هاتفة بصوتٍ مضطرب

((دارين لا وقت للنوم، هيا استيقظي وأعدي طعام الغداء))

انتفضت دارين مستيقظة عند أخر كلمات خرجت من شيرين عاليا وفركت عينيها تستوعب ما يحدث وسرعان ما عبست ملامحها كليا وقطبت حاجبيها هادرة

((لا! أليس من المبكر أن نبدأ من الآن بلعبة سندريلا وزوجة الأب الشريرة!))

كانت ملامح شيرين في اضطراب متزايد خاصة وأن معاذ غادر المنزل بالفعل بسرعة صاروخية للذهاب لإحضار أمه فهتفت لها بعجز تطلب عونها

((لم أحب أن أخيب ظنك بسرعة، ولكنني مضطرة أن أبدأ بها من الآن، فجدتك قادمة على الطريق، وانا لا أعرف إعداد أي وجبة غداء دسمة إلا تلك سريعة التحضير كالباستا))

اتسعت عينا دارين بذهول وانتصبت جالسة تهتف

((جدتي قادمة؟ وغداء؟ نحن لم نفطر بعد))

تنفست شيرين بصعوبة وتماسكت بالقدر الذي يجعلها تقلل من ارتباكها بينما تتشدق وهي تشير نحو الساعة الجدارية

((الساعة تقارب الحادية عشر والنصف، إياك أن تقولي أمام جدتك المعروفة بصرامتها أننا لم نفطر للآن، ستقتلني بما ستفكره عني بأني امرأة متكاسلة وخاملة))

لامست دارين بعضا من اضطرابها وتوترها الداخلي فهذا هو لقاؤها الأول بجدتها، فقالت لها وهي تغادر مضجعها

((حسنا سأغتسل بسرعة وألحقك للمطبخ لأصنع وجبة ستعجب جدتي))

في المطبخ كانت شيرين تتحرك محمومة تضع هذا وتحضر ذاك هاتفة بلهفة يشوبها الارتباك

((سأعد بعض المقبلات لأقدمها لها، أعدي على الغداء شيئا صعبا ولذيذا يجعلها تشيد كثيرا بمن صنعه))

زمّت دارين التي وضعت الدجاج في الماء المغلي على النار شفتيها وهتفت بصراحة متأصلة فيها

((ألا تعرفين شيئا في الطبخ! عندنا تتعلم الفتيات كل شيء عن مهارات وفنون الطبخ منذ سن الرابعة عشر، حتى لو كان هناك طاهيات في المنزل، لتكون عروس مرغوبة وزوجة تأسر قلب زوجها تيمنًا بمقولة "أقصر طريق إلى قلب الرجل معدته"، ألم تترعرعي في طفولتك في نفس قريتنا!))

حبست شيرين أنفاسها بين جنباتها ثوانٍ حتى لفظتها كلهيبٍ حار ثم أغمضت عينيها للحظات.. يبدو أنه حتى دارين مصدومة منها.. فبالنسبة للبيئة التي عاشت فيها دارين لا بد أنها حقا تراها كامرأة لا تعرف الطهي امرأة معاقة بإعاقة غير مقبولة في المجتمع، ومصنفة في خانة الزوجات الغير الصالحات.. ولا تلومها في ذلك، فلا بد أن جميع زوجات أعمامها ماهرات في الطبخ إلى الحد الذي جعلن فيه أزواجهن يكرهن الطعام من الخارج.. ولكن ستعرف الحاجة زاهية أن في قلب معاذ أنثى لا تعرف الطبخ! وسيكون وقتها حكمها عليها قاسيا وأنيابها ستنهش فيها بل وربما ستوبخ ابنها على سوء اختياره!

فتحت عينيها ثم قالت مبررة قلة حيلتها في المطبخ وهي تتعجل في تقشير البطاطا

((أمي لم تكن تسمح لي فعل أي شيء متعلق بتدبير المنزل وتطلب مني التركيز فقط على دراستي، وبعد وفاتها تولى أبي أمور البيت والمطبخ لأني من كنت أعمل في الخارج، وبعد وفاته عشت في بيت صديقتي سهر وكانت تعمل عندهم عاملتين منزليتين وطاهية، فلم تتح لي حتى الآن تعلم أي من هذه الأمور..))

وكأن دارين أرادت أن تضغط عليها أكثر فقالت بصراحتها المستفزة البريئة التي لا تستطيع أن تتخلى عنها وهي تنقع الأرز بالماء

((أبي يعمل في وظيفة صعبة وحساسة ومع ذلك يعرف كيف يطهو..))

توقفت شيرين عما تفعله فجأة ثم عضت شفتها للحظات ثم هتفت وهي تكاد تفقد أعصابها

((حسنا، حسنا سأتعلم، أقسم بذلك، ولكن على هذا اليوم أن يمضي على خير))

انتبهت دارين أن الاضطراب مسيطر على شيرين بشكل متفاقم حتى أنها بدت على وشك الإغماء من شدتها، بل أنها ردت بنبرة خافتة وكأن صوتها لا يُعينها من شدة شعورها بالخزي والعار، وكأن عدم إلمام امرأة في الثلاثين من العمر بأمور الطبخ من الكبائر والمحرمات.. فشعرت دارين أنها بالغت بما قالته.. فيا ترى ماذا قالوا لها عنها لتخشى حكمها؟ هل بالغوا ووصفوها لها أنها حماة ذات نظرة بين طياتها قسوة كبيرة وديكتاتورية عصيبة؟

ما إن فُتح الباب الخارجي للمنزل بإشارة وصول معاذ ووالدته حتى شهقت شيرين دون صوت وهي تكتم أنفاسها واهتزت حدقتاها! ثم قالت بصوتٍ مخنوق

((أوه يا إلهي لقد وصلت جدتك ويجب عليك أن تستقبليها وتجلسي معها طوال الوقت، أو ستعرف أنك من صنعتي الطعام وأني لا أصلح أن أكون ربة منزل))

رفعت دارين عينيها إلى عيني شيرين الدامعتين بدهشة وللحظةٍ مس حالها قلبها وأشفقت عليها ولو أن ردة فعلها مبالغ بها! فليس وكأن عائلتها تصارع في بعض المعتقدات الاجتماعية التي لم تجعلها ترى النور.. وليس وكأن شهوة بطن والدها لها القدرة الكافية بإزالة قدرة حبه لزوجته!

ترقرقت الدموع بمآقي شيرين وكانت تتحرك بتيه وتشوش تخاف أن تفعل شيئا قد يفسد صورتها الأولى لدى حماتها، فقطبت دارين حاجبيها ولكزت كتفها هادرة فيها بحزم طفولي

((توقفي عن البكاء واذهبي لتغيري ملابسك، ارتدي أخرى خاصة بعروس جديدة..))

حاولت شيرين كتم دموعها وأومأت لها ثم هرولت نحو غرفة نومها في حين غسلت دارين يدها جيدا قبل أن تندفع للخارج عند جدتها تحتضنها فتبادلها زاهية الاحتضان بحرارة..

جلست دارين مقابل جدتها هاتفة بلهفة ضاحكة الوجه

((جدتي الحبيبة لقد اشتقت لك))

وضعت زاهية قدما فوق الأخرى متسائلة بتحفظ

((أين هي العروس يا دارين؟ هل أحسنت معاملتك منذ زواجها بأبيكِ؟))

اتسعت ابتسامة دارين تألقا وردت بحيوية مفرطة لتوحي بالتأكيد

((تعاملني وكأني ابنتها، بالضبط يا جدتي، لطيفة جدًّا))

توتر معاذ قليلا وفرك يديه بخشونة قبل أن يقول مبتعدا

((سأذهب لأنادي شيرين يا أمي))

تمتمت زاهية بخفوت وامتعاض ما إن ذهب معاذ

((أدعو الله ليل نهار يا دارين أن تكون زوجة والدك أما حنونة عليك ويغمر قلبها الرحمة والإيمان على أقل تقدير، ولا تكون مكّارة ظالمة وشّاية، فمعظم زوجات الأب متسلطات ويلعبن دور المكر لدى الزوج من أجل الظفر بحبه واهتمامه بها وأطفالها فقط))

أمسكت دارين كفى جدتها تطمئنها

((لا تقلقي يا جدتي شيرين عكس ذلك تماما، اليوم ستطهو لنا غداء لذيذا وسأساعدها فيه بما أن اليوم عطلة))

حضر معاذ وشيرين معًا بينما تمسك الأخرى صينية فوقها كؤوس العصير لتضع إحداها أمام حماتها وتلقي التحية عليها ببشاشة.. جلست بجانبها وهي ترسم لها ابتسامة باهتمام خاص لتوحي بالثقة والهدوء.. ثم قالت بكياسة

((كيف حالك يا عمة! أتمنى أن تكوني بأفضل حال))

أومأت لها زاهية وردت بهدوء وقارها المهيب

((الحمدالله، كيف حالك أنتِ يا شيرين؟ جئت الآن مخصوصا بما أن الفرصة لم تسمح لرؤيتك وقت عقد قرانك))

ثم أعطتها إحدى أكياس الهدايا المغلفة بأناقة وفخامة فردت عليها شيرين بذوق وتهذيب وهي تتناولها منها

((لماذا أتعبت نفسك بهذه الهدايا، لم نرد منك إلا أن تنورينا في زيارة))

بدأ الجميع يرتشف من العصير المقدم لهم بينما اعتذرت دارين طالبة الانصراف قليلا، فعرفت شيرين أنها ستذهب لمتابعة الطهي على النار وارتاح قلبها لذلك.. أما الحاجة زاهية فظلت مركزة مع شيرين تسألها وتثرثر معها باهتمام وعينين متفحصتين، فتحاول الحفاظ على التوازن وابتسامتها الهادئة وهي تجيبها فيما معاذ يحاول بين الحين والآخر التعقيب حتى لا تتوتر شيرين.. حتى حرك معاذ الثلج في كأسه وقال مغيرا دفة الموضوع بصوته الرخيم

((إذن يا أمي هل ذهب مازن للعمل؟ سأتصل به بعد عودته لأتأكد كيف كان يوم عمله هناك))

رفعت شيرين حاجبيها عند ذكر سيرة الشركة التي بدأ يعمل فيها شقيق معاذ كما أخبرها سابقا وعقبت

((أتذكر أنه قبل عملي في شركة القاني قدمت كثيرًا لتلك الشركة، لكن كانت شروطها ومراحل مقابلتها صعبة ولم أوفق بالقبول، لا بد أن أخاك شاب مجتهد ولهذا نجح في العمل بها))

مرر معاذ يده على ذراع شيرين بحنو ورد عليها متفاخرا بشقيقه

((مازن درس الأدب الإنجليزي في الخارج ولكنته مثل أصحاب اللغة، وهذا ساعده في أن يتم قبوله هناك))

أما زاهية فأبدت اهتماما أكبر بشيرين متسائلة ببطء

((غريب! قلت بأنك درستِ المحاماة فكيف قدمت لنفس شركة ابني المختصة بإدارة الأعمال!))

ازدردت شيرين ريقها وردت دون أن تنحسر ابتسامتها

((نعم ولكن لم أعمل يوما في مجال المحاماة، معي شهادات متقدمة في اللغات والحاسوب مكنتني العمل لسنوات في شركة القاني في مجالات الاتصالات، كما مكنتني مؤخرا نيل وظيفة معلمة في مدرسة دولية..))

وضعت شيرين كأسها على الطاولة وأردفت معتذرة

((سأذهب لأتأكد من الطعام على النار))

بمجرد أن ابتعدت شيرين حتى طرحت عينا زاهية التساؤلات لمعاذ قبل لسانها بصوتٍ ممتعض

((وهل ستبدأ زوجتك حقا يا معاذ في عملها؟))

لف الحنق ملامح معاذ من المواعظ التي تنتظره من أمه إلا أنه رد بدفاعية

((نعم يا أمي إنها تحب العمل ومعتادة عليه منذ صغرها))

غامت عينا زاهية وأظلم توهجهما وهي تقول بصرامة

((لأن وضع عائلتها المادي آنذاك لم يكن ميسورا، لكن اختلف الآن بزواجها منك، دعها تتوقف عن عملها وتهتم بك وبابنتك وبالأطفال الذين ستنجبونهم))

قطب معاذ حاجبيه هادرًا

((أمي أنا ضد هذا الرأي تماما، فالعمل مهم للرجال والنساء على حد سواء، ليس للحاجة المادية، ولكن لتحقيق الذات، والصحة النفسية، ثم هي اشترطت عليّ العمل قبل الزواج ولا أقدر أن اخلف وعدي))

لاكت زاهية فمها باقتضاب لكن ردت مختصرة

((حسنا كما تريد، أنا لن أتدخل أبدًا))

عندما تصاعد فجأة طرقات عنيفة فوق باب الشقة اعتدل معاذ واقفا وقال مغادرا باتجاه الباب

((سأذهب لأرى الطارق في هذا الوقت))

لكن اتسعت عيناه ما إن فتح الباب وعرف هوية المرأة الكبيرة في السن والتي قالت بصوتها المستاء متأففة

((هل تعرف منذ متى وانا أطرق الباب يا سيادة الرائد!))

وعلى الفور تجاوزت معاذ تدلف للداخل وكأن البيت بيتها لتجلس أمام زاهية بترفع وهي ترفع إحدى حاجبيها متفاجئة من حضورها.. قبل أن تفاجئ بدارين تندفع إليها هاتفة

((جدتي هل هذا أنتِ! لقد اشتقت لك جدًّا))

تغيرت ملامح جدة دارين من جهة الأم إلى أخرى تظهر البؤس والغضب وهي تحتضن بيديها وجه حفيدتها

((دارين المسكينة انظري لوجهك الشاحب، ألا يهتم والدك بإطعامك! حتى بعد زواجه لا يبدو أن زوجته توليك اهتماما!))

أغمض معاذ عينيه يحث نفسه أن يلتزم الصمت للحظات ثم ارتدى قناع البشاشة وهو يلقي السلام على حماته هادرًا بتهذيب واحترام

((نورت منزلي يا حماتي.. أهلا بك))

ذهب معاذ بوجه مكفهر نحو المطبخ ليجد شيرين تتساءل وهي تقطع السلطة

((من كان القادم يا معاذ؟ سمعت شيرين تناديها "جدتي"؟))

تكدرت نبرة معاذ وهو يرد عليها

((إنها والدة زوجتي سناء المتوفاة))

ازداد توتر شيرين، فهي بالكاد تحاول أن تتماسك أمام والدة معاذ ولا تريد حماة أخرى أمامها لكن مع ذلك رسمت ابتسامة لمعاذ وقالت بوداعة

((حقا سأذهب للترحيب بها))

لكن ما إن همت أن تغادر أمسك معاذ مرفقها هامسا بخشونة مازجا عدة مواضيع بحديثه

((الحقيقة هي لا تحبني! وكانت مصرة أن تأخذ حضانة دارين من أمي لولا مرضها الذي اشتد، تعتقد أني السبب بموت ابنتها لأني لم أمنعها من الحمل رغم أني لم أعرف به إلا بعد أشهر..))

هز معاذ وجهه يمينا وشمالا يحاول استعادة توازنه ثم رد رافعا كفه

((حسنا ليس الوقت الآن لأفتح هذه المواضيع لكن شيرين إذا كنت تشعرين بالضيق فاذهبي لغرفة النوم وأنا سأقول لجدة دارين أنك متعبة قليلا))

استعادت شيرين رباطة جأشها ثم شدت ظهرها وقالت بثقة تلقائية وعفوية

((لا على العكس سأذهب لأجلس معها وألقي التحية))

لكن سرعان ما بدأ ذلك الارتياح يتلاشى عند دخولها الصالة على حديث جدة دارين وهي تثرثر بحسرة مفتعلة

((الرجال يا دارين كلهم ناكرين للمعروف، لا يعرفون كيف يحفظون عهدهم مع نسائهم، انظري إلى والدك كيف تورد وجهه بعد عودته من شهر عسله وذبل وجهك أنتِ، نسي ذكر ابنتي وانشغل مع زوجته الجديدة.. حسبي الله ونعم الوكيل))

تنحنحت شيرين تعلمها بوجودها فصمتت جدة دارين ثم مدت شيرين يدها إليها تلقي التحية عليها.. بينما غصت دارين في قلبها من كلام جدتها عن والدها المجحف.. واستشعرت زاهية حزن دارين فخيم التوتر على الجميع لكنها تدخلت لتقول لأم سناء دون أن تفقد شيئا من وقارها

((أنتِ تعرفين أن ابني لم يكن يريد الزواج بعد وفاة أم دارين، ولكن لقد مر ما يزيد عن عشر سنوات وأخذ الحزن مداه ليصطدم أخيرا بواقع الحياة وصعوباتها التي لا تنتهي، وهو كأب ملزم بتأمين المال اللازم له ولابنته، لكن كان عاجزا عن رعاية شؤون ابنته وتدبير أمورها داخل البيت والحل فقط زواجه.. أم كنتي تريدين من دارين أن تظل تعيش عندنا بعيدة عن والدها!))

امتعضت والدة سناء من كلام زاهية وتطاير الشرر من عينيها في حين حاولت شيرين تلطيف الجو سائلة عن حالها فتطلعت لها قائلة بابتسامة غاضبة

((أنا بخير أيتها العروس الجميلة))

ثم همست في أذن دارين تردف بعبوس

((عيناها خضراوان لكن ملامحها لا تكسوها أي جاذبية مثل ابنتي سناء رحمها الله))

زفرت زاهية بضيق وشعرت بالاختناق من التواجد في نفس المكان مع حماة ابنها فغادرت للمطبخ حيث يتواجد معاذ فيه متكئا على الرخام يغطي وجهه بكفه وكأنه يتضرع لله أن يمر هذا اليوم على خير دون مشاكل خاصة وأنه ما زال عريسا.. فغمغمت بضيق

((جدة دارين تلك لا تفهم بالذوق أبدًا، أظن أنها ستتفوه ببعض الكلام الفارغ أمام زوجتك))

أبعد معاذ يده عن وجهه هادرًا بحكمة نابعة من أصله

((أمي أعرف أنها لم تتغير ولن تفعل يوما، لكن رغم كل شيء عليّ أن أحرص دائما على إصلاح علاقتي بها وإكرامها؛ إذ لا أظن أن هناك أعظم وفاء لامرأة أحببتَها إلا أن أحسن إلى من أنجبتها، بالنهاية هي أمها وجدة دارين، وعلينا أن نستعمل الحكمة والشفقة في تعاملنا معها، سناء كانت ابنتها الغالية على قلبها)

ثم عاد للصالة لا يريد أن يترك شيرين مع حماته التي كانت تخبر دارين بلهجة ذات مغزى أثار اقتضابه

((ما شاء الله تبدو زوجة أبيك لطيفة يا دارين، لكن لو أزعجتك بكلمة يا دارين أو ضايقتك بحرف أعلميني، والله أهد البيت عليها وعلى والدك وأخذك عندي))

.

.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-22, 12:50 AM   #5858

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

بعد ساعات من رحيل جدتيّ دارين وانتهاء تلك الزيارة المشحونة التي تتعب الأعصاب أخيرا، خرج معاذ بزوجته وابنته للخارج يدعوهما على عشاء لطيف ثم عادوا للمنزل ليخلدوا للنوم..

لكن أقلق مضجع معاذ في الليل شاعرا بصوتٍ جلبة في المطبخ مِمَّا جعله يذهب هناك ليجد شيرين تتواجد فيه تضع قدرا على النار وتناظر باهتمام هاتفها الذي يشغل إحدى فيديوهات الطهو التعليمية لوصفة عربية مميزة وفي يديها قلم وورقة تسجل وتدون..

اقترب معاذ ملامسا شعرها الذي تعقصه في الخلف مِمَّا جعل شيرين تشهق بفزع مرتعبة.. بدأ صدرها يهبط ويرتفع من إثر صدمتها ليبتسم مداعبا أمام وجهها هادرا بحنو

((ماذا تفعلين يا حبي! ألم نتفق أن نبدأ بتصحيح نومنا ونعتاد على النوم المبكر من أجل عملنا نحن الاثنين في الغد؟))

أخذت نفسا عميقا ثم قالت بلطف

((معاذ اذهب أنتَ للنوم، وسألحقك بعد ساعتين))

طالع الأدوات والأطباق التي تضعها على رخام المطبخ استعدادا للطعام واستنكر

((ولكن هل هذا هو موعد طهو الطعام؟ بحق الله إنها الثانية عشر صباحا!))

تقوست شفتاها للأسفل ثم قالت وأناملها تمسد رقبتها من الخلف

((بعد العودة غدا من عملي لن أجد وقتا إلا لتسخين الطعام، لذا سأعتاد يوميا في الفجر طهي وجبة الغداء، لكن لأن هذه المرة هي الأولى لي سأبدأ من الآن لأنه قد يأخذ معي إعداده وقتا أطول))

ثم مر طيف حزن بعينيها وقالت بما مفاده اعتذار ضمني

((أعرف أنه كان عليّ أن أضع تعلم الطبخ نصب عيني قبل دخولي بيت الزوجية، آسفة لهذا الأمر))

ترققت نظرة معاذ الموجهة لها وهو يراها تعود للنظر للفيديو.. فالأكل ضروري ولكن الحياة لا يجب أن تؤخذ على أنها أكل ونوم، بل هناك فيها أشياء كبيرة وجميلة غيرها..

طوقها معاذ من الخلف يحيط كتفيها بذراعيه هامسا بما يشبه الدعابة

((سأرغب أن آكل من يدك، لكن ليس من ضمن شروطي أن تكون زوجة المستقبل على علم ودراية بفنون الطبخ، أما اعتذارك كان سخيفا فبالنهاية الطبخ مجرد وسيلة ممكن يتعلمها أي شخص حتى الرجل.. ثم لماذا هذا الاجتهاد! يمكننا الانتظار أن تعدي الغداء بعودتك من العمل!))

تخاذل كتفيها واعترضت

((لا، لا، دارين تعود من مدرستها متعبة وجائعة وليس من المعقول أن تنتظر أن يعد الغداء في وقت متأخر))

ثم حاولت التحرر منه قليلا بما يسمح لها أن تستدير وتناظر وجهه بعبوس قائلة

((شعرت أن أمك عرفت أن الغداء الذي تم إعداده اليوم من صنع دارين، لا كما ادعت أني من صنعته!))

شيئا فشيء اتسع فم معاذ بابتسامة مِمَّا جعلها تعرف الإجابة مسبقا وتتخضب وجنتيها بحمرة الحرج وتتمتم

((يا للعار زوجي وابنته يعرفون الطهي على عكسي تماما!))

رفع إحدى حاجبيه يخفف عنها مُلاطفًا

((ثلاث أصناف أو أربعة فقط هي ما أعرف إعداده بحكم عيشي كعازب لمدة طويلة!))

وبارتباك استدارت وأمسكت السكين تفرم بتخبط فقرر أن يساعدها وأحتضن يدها الممسكة بالسكين وبدأ يحركها ليفرم هو عوضا عنها بحرفية دون خجل أو تبجح مِمَّا جعلها تشاهده فاغرة الفم مذهولة.. بمجرد أن انتهى حانت منه نظرة لها لينظر في عمق عينيها المتفاجئتين وكأنه يقوم بعمل خارق رغم أنها تعرف بخبرته في المطبخ وإعداد الطعام الكافية، وسرعان ما التمعت عيناه بضحك من القلب لا يحتاج لصوت القهقهة..

هزت رأسها تنتبه لفمها الذي تركته مفتوح ثم ابتسمت وهي تقرأ الضحكة في عينيه وتناغشه

((هل تنقم على حظك العاثر الذي أوقعك بي؟))

هنا حقا كتم ضحكة عالية بصعوبة وهو يقبض على خصرها بيديه برفق متذمرًا

((بل أفكر في صنع شيء بسعرات عالية حتى تزيدين وزنًا))

رفعت حاجبيها معقبة بذهول

((أزيد وزنا! وأنا التي كنت أجوع نفسي في الأيام السابقة حتى أعجبك!))

انفلت لجام سيطرته وانطلقت من فمه ضحكات بصوتٍ مبحوح أجش سلبت لب عقلها ليتابع الطبخ وهو يناظر الفيديو التعليمي خاصتها بينما هي تلتصق به لتطالع ما يعده بمهارة تناظره بتدقيق لتتعلم وتسأله وقت الحاجة..

وبعد نحو ساعة ونصف كان الطعام قد أصبح جاهزا وتتصاعد منه الرائحة الشهية، فأخذ هو يسكب جزء منه في أطباق التقديم ثم يضعهم على المائدة تباعا فقطبت حاجبيها معترضة

((لحظة! علينا نضعه في الثلاجة، وفي الغد نسخنه ونأكله))

رد بحماس يخفي بين طياته تلاعبا ماكرا

((سنأكل القليل فقط، لا لشيء إلا حتى نعوض تلك الكيلوجرامات التي فقدتيها، فأكل ما بعد منتصف الليل هو أقصر طريق للسمنة))

تراقص حاجبيها لتقول

((إذن دعني أعد القليل من السلطة بتتبيله مميزة حتى نأكلها، علمتني سهر مشكورة صنعها))

هز معاذ رأسه بيأس قبل أن يهمس لذكرى سهر التي كانت معها في خطط زواجه الأول من شيرين

((صديقتك تلك المندفعة!))

جلست شيرين معه على الطاولة وهي تمسك وعاء السلطة ثم رفعت ملعقة له ليذوقها فأمسك يدها ومال برأسه ليلثمها بشفتيه قبل أن يسمح لها بدس الملعقة في فمه.. ورغم أن السلطة لم تكن بتتبيله بمذاق متفرد لكنه رآها كذلك لأنها من صنعتها..

بدأت شيرين تأكل الطعام، ومرة هي من تطعمه اللقمة ومرة هو من يفعلها..

بعدما انتهوا من الطعام مد معاذ أصابعه يمسح بعض ذرات الأرز عن فمها وهو يناظرها بشغف بصمت، مِمَّا جعلها ترتبك ويغزو الخجل وجنتيها لتهمس وهي تدفع صدره بقبضتيها

((سأوظب المكان اسبقني للداخل))

انتصب واقفا وبدأ يساعدها بالتوضيب هادرا

((لا سأساعدك وعندما ننتهي سأحملك بنفسي للداخل، لا زلتي عروسا ولم تحملي بما فيه الكفاية!))

قهقهت على دعابته هادرة

((يكفي جنونا))

لكن ما أن أنهوا التنظيف حتى انطلقت منها شهقة مباغتة وهي تراه يرفعها عاليا، وتلقائيا تعلقت بعنقه لتتركه يدور بها كالمجانين بينما تصرخ به من بين ضحكاتهما العالية

((معاذ.. لا معاذ.. أنزلني أرجوكَ..))

ولم ينتبه كلاهما للوجه العابس الطفولي لدارين التي فتحت باب غرفتها وهي تفرك إحدى عينيها.. إذ وصلها صوت السكين التي تفرم الخضار بعنف إلى غرفتها حتى خرمت أذنها.. لكن ما أن انتبهت لوالدها يحمل ويدور بشيرين حتى ازداد عبوسها، إذ أنها لا تذكر أنه حملها ودار بها ولو مرة واحدة في سنوات عمرها الأربعة عشر والنصف! وكانت تهم بمقاطعتهما لمعاتبة والدها لكن سمعت شيرين تقول فجأة

((سأستيقظ في وقت أبكر غدا حتى أصنع صندوق لدارين لمدرستها قبل أن أذهب لعملي، هناك أفكار مبهرة رأيتها قبل قليل عن صناديق الطعام))

تسمرت دارين مكانها.. ثم تبسمت.. اتسعت ابتسامتها وتراقصت عينيها.. لطالما تمنت أن تذهب للمدرسة بصندوق غداء بدلا من الشطيرة الكئيبة التي تأخذها معها كل صباح لأنها تستيقظ متأخرا ولا يظل من الوقت ما يسعفها لتصنع صندوق الغداء..

زمّت دارين شفتيها مستحسنة لفكرة أن تترك والدها وشيرين على راحتهما واهتمامها بها ثم عادت لغرفتها وهي تطلق تثاؤبا ناعسا..

*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-22, 12:50 AM   #5859

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

دلفت مازن لجناحه ليفاجئ بصغيرته تبحث بجد داخل الخزانة عن شيء ما وما انتبهت لتحديقه بها حتى التفتت كليا له وبدلا من أن تبدد فضوله عما تفعله قالت بوجوم تستعطفه

((أبي أريد بلايستيشن كبيرة كتلك التي كانت عندنا قبل زمن، فالتي اشتريتها لي الشهر الماضي صغيرة جدًّا))

اهتزً قلبه لطلبها فلو بيده يبيع الدنيا بما فيها ليمحي الحزن بعينيها لكنه حاول أن يتحلى بشيء من الحزم وهو يخبرها برفق وحنو بينما يتقدم منها

((صغيرتي، البلايستيشن الكبيرة ثمنها باهظ، وحتى لو تمكنت من شرائها ستلهيني عن عملي وباقي واجباتي))

جلس متربعا أمامها ورفع يده يمسد فوق ضفيرتها التي صنعها لها في الصباح لتتنهد وتقول بحزن طفولي

((ولكن أشعر أنه ليس هناك طعم لحياتنا منذ أن كسرت البلايستيشن خاصتك الثانية))

ثم عادت تدفن نفسها بالخزانة تحديدا الجزء الخاص بأمها وتقلب ملابسها تعاود البحث عن شيء ما يجهله.. فاستفهم مستغربًا منها

((ماذا تفعلين؟ ما الذي تبحثين عنه في الخزانة؟))

تغيرت ملامحها المنطفئة إلى أخرى حماسية وهي تستدير وتطالعه قائلة بصوت يتغنى بالكلمات

((سمعت أمي تقول لجدتي عند وصول مندوب توصيل لطرد أنه لها، فقد ابتاعت من الإنترنت آخر إصدار من البلايستيشن لك، ولكن لا أستطيع أن أجدها مهما بحثت عنها))

شهق مازن بذهول متمتما

((أمك طلبت بلايستيشن..))

وآخر إصدار؟

لم يكن يعرف إذا كان عليه أن يغضب عليها لأنها بددت كل مدخراتها على لعبة من أجله، أم يفرح لأنها لو لم تشتريها له لما كان حصل على أخرى مجددا، خاصة وهو يقسو على نفسه ويرفض إحضار واحدة له حتى لا يعود ويضيع يومه كاملا عليها، فبصعوبة تمكن من التخلص من إدمان البلايستيشن ولو عاد للعلب ولو لدقيقة أخرى سيعود الإدمان له!

وهنا على الفور كان يبعد هدى خارج الخزانة ويفرغ رفوفها تباعا من ملابس ياسمين مغمغما بصوتٍ يكتنفه الجدية

((هل أنتِ متأكدة أنها خبأتها هنا؟ دعيني أبحث معك))

في غمرة بحثهما وتقليب رفوف ملابسها وأغراضها استرعى انتباه مازن سلة مليئة بأدوات متنوعة تخص احتفالا.. فأعتصر عقله يتذكر إذا كان هناك مناسبة نسيها أم لا، لكن لم يطل تفكيره حتى فُتح باب الجناح مرة أخرى من قبل ياسمين على حين غرة.. وهنا تفاجأت هي بزوجها وابنتها يعبثان في أغراضها بالخزانة فتساءلت وقد أسرتها الدهشة لمرأى مازن يخرج ملابسها من رفوف خزانتها

((ما الذي تفعلانه؟))

وعندما انتبهت هدى لنظرات أمها جفلت وخشيت أن تغضب عليها إذا عرفت أنها من وشيت بسر البلايستيشن لوالدها فانتصبت واقفة وقبل أن تغادر همست في أذن والدها المنهك في البحث

((سآتي بوقت لاحق لنبحث عن البلايستيشن في مكان آخر))

وهرولت منصرفة للخارج في حين دمدمت ياسمين بملامح مقهورة تعاتبه وقد تبادر الى ذهنها بأنه يريد منها أن يحزم حقيبة ملابسها لتستعد للرحيل

((لماذا تقوم بإخراج ملابسي من الخزانة! وأمام هدى!))

توقف مازن عن إفراغ الخزانة من أغراضها والتفت لها يناظرها ببرود وشيء من الترفع.. ورغم حرقة قلبها إلا أنها نصبت جذعها أمامه لمواجهة محتومة وتصلبت لتقول بهدوء رغم تذبذب صوتها

((حسنا أعرف أنك تنتظر مني أن أحزم أمتعتي وأغادر بدون أي مماطلة، ولكن كنت أنتظر أن تنطق بالطلاق أولا..))

مجددا لم يرد عليها، وتحملت ياسمين صمته ونظراته لها لعدة ثوان أخرى موجعة ثم آلمها أكثر تظاهرها بالتماسك فهدرت فيه بدموع أبية ترفض الانهمار

((حسنا ابتعد من أمام الخزانة، أنا من سأخرج ملابسي))

اقتربت بخطواتٍ متثاقلة منه ووقفت أمامه تنتظر أن يبتعد عن الخزانة ويسمح لها هي أن تفرغ ملابسها التي تبقت لكنه ظل ينظر إليها طويلًا بلا تعبير كان بإمكانه سماع صوت أنفاسها الغير ثابتة، ويراقب انحناء كتفيها المثقلين وكأنها تحاول تسوية حمل الحزن فوقهما.. لكن بالنسبة لها كان جمود تعبيره ذاك أبلغ تعبير في حد ذاته لما أراد قوله وفعله بها.. حتى تكلم أخيرًا بنبرة قاسية لا تناسب سؤاله

((أين هي البلايستيشن التي اشتريتها؟))

لفها الذهول من سؤاله المباغت والمغاير لما يتحدثان عنه.. هي بالفعل اشترت له البلايستيشن كهدية فراق واعتذار عن ذنبها المعنوي في حقه، رغم تغلب اعتقادها أنه لن يقبله منها.. لأنها كانت متأكدة أنه صار أكثر مسؤولية وسينظم وقته ولن يسمح للبلايستيشن أن تستهلك كل وقته كما في الماضي حيث كان ما إن يبدأ لعبة عليها لا يتركها قبل خمسة وعشرين ساعة متواصلة في اليوم الواحد.. فتمتمت بحاجبين مرفوعين

((كيف عرفت بشأنها؟))

تحركت شفتاه في التواء ابتسامة ساخرة قاسية وقال بصوتٍ فاتر أجوف

((عرفت وانتهى الأمر، لقد اشتريتها لي صحيح؟ حسنا الآن عرفت كيف تمشين على الطريق الصحيح لمصالحتي بعد قصك شعرك..))

ازداد ارتفاع حاجبها ذهولا، لوهلة لم تعرف ما ترد عليه فاحتدت نبرته مكررا بجدية ونزق

((أخبريني أين خبأتي البلايستيشن؟ داخل الخزانة؟))

انتابها التوتر لتقول بخفوت وتلعثم

((لا لم اخبأها داخل الخزانة.. ولكن.. ولكن.. ماذا قلت؟ مصالحة؟ هل تعني أن جلبي البلايستيشن هو مبادرة صحيحة نجحت في طريق مصالحتي لك يا مازن؟ ألن يكون هناك أي طلاق أو فراق؟))

ضاقت عيناه وهما تتأملانها بطريقة غامضة غريبة، قبل أن يرد بنبرةٍ باهتة

((ألم نتفق مهما يحدث لن يرد على لسان أحدنا كلمة "طلاق"! أنتِ لا تلتزمين أبدًا بالاتفاقات))

رفرفت بعينيها حائرة من كلامه وتبعثرت الكلمات في داخلها لكن كان هناك وميض سعادة ينطلق من عينيها البارقتين وقبل أن تكتمل ابتسامتها على ثغرها سارعت تزيلها وتقول متمسكة بالمبادئ

((لكن لن أقبل أن نتصالح ببلايستيشن، أريد أن تنزل عقاب قاسي عليّ، حتى أغفر لنفسي شيئا من ذنبي في سوء ظني بك))

مر طيف متهكم بوجهه من كلامها، وللغريب أنه لم يكن غاضبا عليها أبدًا لسوء ظنها فيه كما لم يلم والده بل لقصها شعرها.. فهو المخطئ الذي لم يتوقف عن وضع نفسه موضع الشبهات أمامهم ويصر على اللهو والمزاح بما لا يليق..

قطبت ياسمين حاجبيها تقول بحزم

((ها أخبرني ماذا تريد أن يكون عقابك؟))

رد مستدعيا ابتسامة غير مرحة

((عشر جلدات على الظهر))

لم تتجاوب معه وهي تقول

((أنا جادة يا مازن))

زم شفتيه بلامبالاة ثم قال بفتور يصاحبه استفهام

((ماذا تقصدين؟))

أخفضت وجهها متعمدة فرك أصابعها بتوتر ثم همست

((أنزل عليّ أي عقاب لأنه الطريقة الوحيدة التي ستنجح في أن تبدد شيئا من غضبك عليّ وألمك من سوء ظني))

مالت شفتاه مرة أخرى في ابتسامة باهتة وهو يسألها ببلادة

((لا تقلقي على آلامي وأحزاني فأنا يمكنني أن أحولها إلى مزحة وأبددها في لحظة..))

بدأت ياسمين تشعر بالدوار وقد أمسكت رأسها بيدها.. لم يأبه مازن رغم استغرابه من انكماش ملامحها وكأنها تتألم.. أعطاها ظهره يستدير نحو الخزانة يخرج آخر ما فيها هادرا

((الآن، قولي لي أين فقط تضعين البلايستيشن؟ كم ثمنها؟ سأدفعه لك، فلا بد أنها التهمت كل مدخراتك))

لم تستطيع الوقوف أكثر فمدت يدها نحوه تهمس باسمه شاعرة بوجع رهيب يكتسحها

((مازن.. ما.. زن))

لم يأبه مازن في البداية لكن لمسة يدها بظهره سرت كتيار ينبئه بأمر ما، فألتفت نحوها وإدا به يراها تتراخى في وقفتها حتى بدأ جسده يتهاوى.. لا يبدو أنها تدعي ذلك.. فأسرع يتلقاها بين ذراعيه وقد استسلمت للإغماء.. هاله ما رأى وبدأ يناديها بصوتٍ يشوبه خوف حقيقي متجردا من أي برود

((ياسمين؟ هل تسمعينني؟ ياسمين ما بك؟))

حملها بين ذراعيه مسرعا نحو السرير ليضعها برفق فيه وأسرع نحو منضدة الزينة ليجلب عطرًا نفاذًا ويتجه به نحوها ويقربه بتوتر نحو فتحتي انفها كي تعود لوعيها وهو يهمس لها بعد ان وضع قارورة العطر على منضدة ملاصقة للسرير ((ياسمين استيقظي))

بقي جالسا بجانبها للحظات بعد أن لاحظ أنها ترفرف بعينيها وهي تحرك رأسها.. آلمه قلبه لحالها وقد رأى شحوب وجهها.. كانت تهمهم بكلمات التقطتها أذناه

((مازن.. لا تتركيني.. مازن.. أرجوك))

مد يده يلمس وجهها برقة.. فبدأت تفيق وقد فتحت عيناها ليقابلها وجهه المحبب لها.. ابتسمت لرؤيته وهي تلتفت من حولها.. فتكلم بخفوت نابع من توتره

((لقد أغمي عليك، بآخذك للطبيب))

استندت بذراعيها كي تستقيم بجسدها تجلس قبالته.. فمال نحوها يساعدها في وضع الوسادة من خلفها كي تتكئ عليها.. اقشعرت باقترابه الشديد منها، إلا أنها أجلت صوتها تخبره

((لا داعي لذلك، اعرف سبب الإغماء))

نظر إليها مستريبًا

((تعرفين.. ماذا تقصدين يا ياسمين؟))

وضعت يدها على بطنها تمررها بحنو وهي تنظر له بعينين شغوفتين.. نظر مازن لها بغير استيعاب مجفلًا كالمنحوتة الحجرية يطالعها بعدم تصديق كأنما ألقت عليه كرةً ثلجية.. ثم ما لبث أن جحظت عيناه هاتفًا فيها وقد وضع يده على بطنها

((هل تقصدين ما فهمته؟))

تجمدت ياسمين وبقيت على حالها لوهلة، وكأنها تنتظر منه تفاعلا أو إبداءً لردة فعله أو رأيه عن حملها لترى إذا ما كان عليها أن تؤكد عليه أو تكتمه داخلها بغصة..

أغمض مازن عينيه وهو يهز رأسه محاولًا أن يجلي تفكيره المشوش ثم ما لبث أن سأل باستهجان عنيف وهو يقبض على أعلى كتفيها

((هل أنتَ حامل يا ياسو؟))

اجتاحها الخوف حقا من ملامحه لكنها اضطرت أن تجيبه، هزت رأسها له بإيجاب فشهق عاليا وتبدلت ملامحه لأخرى تتهلل بالسعادة ليقول مبتهجا وهو يهز كتفيها

((أنتِ حامل يا ياسو أخيرا، أنا لا أصدق أبدًا، أخيرا سنحظى بابن ثاني))

نظرت إليه بعينين كبيرتين بريئتين وهي ترى البهجة تكلل محياه بخبر حملها لتسأله بتردد

((هل أنتَ سعيد بخبر حملي؟ ولكن هكذا ستربط نفسك بي!))

تجاهل مازن كلامها وقبًل كلتا وجنتيها هاتفا والفرح يشع من عينيه

((أكاد أنفجر من السعادة التي تكتسحني في هذه اللحظة، بأي شهر الآن أنتِ؟))

بدأ يرتجف جسدها فرحة مماثلة له فهزت رأسها بضحكةٍ صغيرة

((في الشهر الثالث))

السعادة المجنونة التي اجتاحته أبقت القليل من عقله ليفكر بحوار لهما من الماضي ثم يعاتبها بحنو

((إذن كنت تعرفين بحملك ذاك اليوم، لما لم تخبريني!؟))

نكست وجهها بذنب واعتذرت هادرة

((نعم، ومنذ وقتها كنت أخطط لأفاجئك به بطريقة مميزة لا بمثل هذه الظروف السيئة، جلبت زينة وبالونات لأعد حفلا صغيرا بيننا الاثنين أعلمك فيه بحملي..))

لم تكمل كلامها وقد شهقت فجأة لحملها بين ذراعيه يدور بها بسعادة عارمة بها في الغرفة، وقلبه قد هزته الفرحة بالخبر المفاجئ.. لم يطل بدورانه بها مراعاة لحالها حتى جلس على السرير وأجلسها على حجره يمطرها بقبلات صغيرة تغرق وجهها الذي عادت له حيويته، كتعبير عما يضمره صدره من كلمات حتى أحست بنفسها تطير من السعادة مما تشعر به داخلها وتنفرج عنها ضحكات من القلب قبل أن يخبرها وهو يضمها لصدره

((دعينا ننسى كل شيء ونحتفل بقدوم هذا الطفل، ومعنا وقت طويل سيستطيل شعرك فيه وينسيني ألم قصك له))

ألصقت أنفها في تجويف عنقه تستنشق رائحته التي كانت تتخيلها طوال الأسبوع، فالفتات الذي تجود به ملابسه عليها لم تكن تكفيها.. لترد دون أن تقاوم دموعها المتجمعة في عينيها شاعرة بوهن وضعف رهيبين

((حبيبي.. لن أفعل أمرا أندم عليه مرة أخرى ويخص ملكيتك))

ثم انهمرت دموعها لتردف بأنفاس متقطعة

((هل سامحتني حقا؟))

كانت تتنفس بصعوبة بل تشعر بألم في صدرها لشدة ما تركت لمشاعرها العنان دون قيود، وحتى أنها عندما حاولت دفعه بكفها برفق لتناظر وجهه المحبب لقلبها.. احتضن وجهها بكفه وراح يتلمس عبراتها بإبهامه هامسا بشجن

((ساعات الخوف التي عشتها والذعر من دخول السجن جعلتني أفكر أني لا أريد شيئا من الحياة إلا أن أعود لأحضان عائلتي))

تمتمت له مبتسمة وعيناها تذوبان حبًا له وتعلقًا به

((سأكون لك يا مازن قلبا يحبك وعقلا يفهمك))

ابتسم لها بحب جارف من عينيه وهدر بمرح

((يسلم لي قلبك وعقلك حبيبتي.. فقط دلليني، وعوضيني، ولا تتوقفي عن ذلك))

ردت على الفور بلهفة

((أبدًا، أبدًا، أبدًا لن أتوقف عن تدليلك))

كانت تهز رأسها نفيًا ببطء والدموع تنساب على وجنتيها بنعومةٍ دون أن تفقد ابتسامتها فوق ثغرها.. وسرعان ما عاد يبثها عاطفته الثائرة بعد جفاء مرير وتحل محل الكلمات الأفعال واللمسات.. فتستجيب بكل الحب الذي تضمره في قلبها له.. وفقط هنا عرفت أن حياتها مع مازن هي من تجعلها أنثى وامرأة قوية وهو من تريد قضاء عمرها معه بسبب إدراكه السليم وكثير من تسامحه ومرحه..

*****

في مجلس النساء.. ارتشفت زاهية من فنجان قهوة ثم قالت لرتيل بنبرة رائقة ودودة

((أنا سعيدة يا رتيل أن علاقتنا عادت كالسابق، ولو أني أعتب عليك لقلة زيارتك لنا، لا تأتين هنا إلا مرة في الشهر! لا تتحجي بمؤيد فهو يأتي لزيارتنا دائما بلا انقطاع))

لم يكن عتاب زاهية مبالغا به في حديثها فرغم أنها تصالحت مع رتيل وعادت تزورها وتجلس معها إلا أن الأخرى تغيرت تمامًا معها، فمثلا عندما تحدثها بشيء تتظاهر بعدم الانتباه لها، وعندما توجه تعليماتها نحو أمر معين تتجاهله تماما وتفعل عكسه وتقول بأنها لم تسمعها جيدًا حينما قالت ذلك، وعندما تخبرها بالشيء تقول لها بعد فترة أنها نسيت ذاك الأمر، وعندما تنصحها بنصيحة تقول بأنها لا تتبع إلا أمر الأطباء، وهكذا.. بل حتى أنها عندما تستقبلها في بيتها لا يكون الاستقبال بحفاوة، ومرة تركتها جالسة مع مؤيد وتعذرت بحاجتها للنوم.. وكأنها تخبرها أنها دخيلة حتى إن كان هذا بيت ابنها فإنه ليس بيتها وهي هنا مجرد ضيفة مهما بلغت مكانتها حتى وإن كانت أم زوجها..

لكن مع ذلك ارتأت تمريره ومعاملة رتيل وكأن لا شيء اختلف.. ربما.. ربما يعود كل شيء كسابق عهده بعد مرور وقت أطول.. وهي تريد أن تكون علاقتها دافئة مع جميع زوجات أبنائها..

كتمت رتيل زفرة في داخلها وقالت متصنعة البشاشة لحماتها

((سأحاول عندما يأتي لزيارتكم أن أرافقه أكثر))

أمسكت زاهية علبة مشغولات الخياطة الباهظة التي اشترتها لياسمين لتهديها لها اليوم ثم عبرت لرتيل بما يجول بخاطرها

((سأذهب لرؤية ياسمين، لقد كنت قاسية معها جدًّا بفترة القبض على مازن، وحملتها الذنب كاملا، عليّ أن أصحح موقفي حتى لا تنكد على ابني، خاصة وأنها حامل))

تطاير شرر خافت من عينا رتيل وهي ترى حرص حماتها على استرضاء ياسمين.. إنها لا تذكر يوما أنها أساءت لواحدة من زوجات أولادها كما أساءت لها عندما علمت بخطئها بزيارات غنوة رغم أنها الوحيدة من بينهن جميعا من خدمتها طوال سنوات زواجها بكل تفاني وإخلاص.. وهنا قررت رتيل أنها ستظل باردة في تعاملها مع حماتها المتسلطة.. التي لم تنسى للآن كيف في الماضي لم يهدأ لها سر أو أغمض لها جفن إلا عندما نغصت عليها حياتها وضغطت على مؤيد من أجل مسألة الزواج.. بالتأكيد هي لا تحاول اتخاذها كند، فهي أولا وأخيرا والدة زوجها وينبغي احترامها، لكن أبدًا لن تتهاون بعد الآن معها، ولن تعود لتعاملها بنفس التفاني والمحبة كما الماضي بل ستدافع بكل ما تملكه عن منزلها وبيتها وهدوء سرها مع عائلتها الصغيرة.. ولن تفكر أبدًا أن تحكي لها خصوصياتها مع مؤيد أو تشكي لها حاله إذا ما أخط، ليس لأن حماة كزاهية لن تقف معها إلى صفها فحسب بل لأنها ستقوم بإلقاء اللوم عليها أيضًا وستثبت الخطأ عليها هي فقط، وستكون بمثابة الثغرة التي ستنفذ منها إلى حياتها في المدينة ويصبح لها الصلاحيات للتحكم فيها مثلما تشاء، فمهما بدت لها حنونة وودودة وتريد مصلحتها كما تزعم، إلا امرأة كالحاجة زاهية لا يمكن أن تؤثر مصلحة زوجة ابنها على مصلحة ابنها أو تنصرها عليه مهما فعل أحد أبنائها..

جاء فهد بغتة لغرفة المعيشة وبدا وكأنه يريد سؤال أمه عن شيء لكن ما إن رأى جدته حتى تجهم وجهه الطفولي واستدار ليعود أدراجه لولا أن أوقفه صوت جدته المستاء الذاهل

((فهد، توقف مكانك))

قطب حاجبيه والتفت لها بينما تعاتبه بقلب مجروح

((كيف تدخل هنا وتخرج من دون أن تسلم على جدتك))

حدجته رتيل بغضب موبخه

((عيب عليك يا فهد، أين احترامك لجدتك؟))

ازدادت تقطيبه حاجبي فهد واقترب من جدته هادرا بوجوم

((أنا آسف، السلام عليكم يا جدتي))

تحشرج صوت زاهية وقالت بألم

((ما هذا السلام البارد واللهجة الفاترة، حتى أخاك مثلك لا يسلم عليّ بحرارة في كل مرة تأتون إلى هنا))

ازدادت وتيرة تنفس فهد وبدا غاضبا وهو يميل هامسا لأمه

((أمي هل نسيت ما فعلته جدتي بنا في غيابك عنا؟ إذا نَسِيت فنحن لم ننسى))

اتسعت عينا رتيل لذكره موضوعا لا يصح في هكذا وقت ومكان.. بينما كان الألم يشعُّ من كل جلد زاهية في هذه اللحظة وهي تردد بحشرجة الألم

((رباه هل تحقد عليّ يا فهد أنتَ وأخيك؟ أحفادي يا رتيل يحقدون عليّ))

كانت نبرة زاهية المعذبة لا تشبه شيئا من هدوئها أو وقارها، بل كانت في الواقع نبرة ترتجف بالكثير من المشاعر المتداخلة المتألمة.. حتى أنها ندمت كثيرًا على تلك الأيام العصيبة التي جعلتها تمر على أحفادها بسبب ضغطها على مؤيد الزواج بفترة انفصاله عن رتيل..

بينما رتيل لكزت ابنها هامسة بتهديد

((فهد أيها الشقي كم مرة سنتحدث بهذا الموضوع؟ كيف تتجرأ أن تقول هكذا أمامها! سيقولون بأني من حرضتك عليها ولم أحسن تربيتك))

ظلت تعابير فهد المتجهمة في حالة تشنج بينما تتابع رتيل هزه وتوبيخه

((تبقى جدتك مهما فعلت آنذاك، جدتك ليست الوحيدة كذلك فجميع كبار السن على هذا الحال))

ثم تطلعت رتيل بهيئة معتذرة لحماتها

((عمتي إنه مجرد طفل، لا يعرف ما يقوله))

لكن ولأن زاهية تعرف براءة الأطفال وصراحتهم وأن ما في قلبهم على لسانهم آلمها أكثر فشعرت بغصة مسننة تحوم في حلقها! لكن مع ذلك تحاملت على الألم الذي يجتاحها وأخرجت من إحدى أجرار الطاولة بقربها مغلفات حلوى لتقول له بحنو فياض

((تعال يا فهد، خبئ هذه الحلوى في جيبك، حصتك وحصة باسم))

كانت زاهية تعبئ جيوب فهد بسخاء وحنانٍ لم يعهده بها معه ثم رفعت كلتا يديها الدافئتين تحتضن وجهه الصغير وتقول بنبرة أقرب للرجاء بملامحها المتألمة

((أنتَ حفيدي الحبيب فلا أتحمل أن تكُّن لي أي مشاعر بغض))

ساوره شيء من تأنيب الضمير فنكس عينيه هامسا

((أنا أعتذر لما قلته يا جدتي، لم أقصد ذلك..))

لثمت زاهية جبين فهد عدة مرات قبل أن ينصرف من الغرفة وذهب إلى حيث يزيد وفهد يأخذون قسط راحة من اللعب بكرة القدم..

أعطى فهد حصة باسم من الحلوى له، وعندما عرض على يزيد أن يأخذ من حصته رفض الآخر بلطف هادرا بعفوية

((جدتي تعطيني دائما من هذه الحلوى حتى صرت أشعر بالتخمة من مجرد رؤيتها))

ضيق فهد عينيه بحنق، لا يصدق أن جدته تعطي يزيد كما هائلا من الحلوى دائما له بل وحصص تساوي ضعف حصته هو وباسم معا منها.. لكنه تنهد بعمق، فليس وكأن يزيد له ذنب أنه الحفيد المفضل لجدته، وحاول أن يؤكد على نفسه أن سبب غرامها به إخفاء حقيقته في الماضي عنها لا لأنه ابن عمه مالك.. بدد كل هذه الأفكار والنظرات من وجهه وطالع بعينيه الفاتحتين الصافيتين ابن عمه المشتاق له منذ آخر زيارة لهم، ليشعر بشيء من صفاء ونقاء منسابًا بالسعادة والسلام يمنحه له ليقول له يناكفه

((إذن أمك ستنجب أخًا آخر لك بعد عبد الله! أنا أغبطك))

مسد يزيد مؤخرة عنقه بشيء من الخجل واحمرار يكسو وجنتيه

((لا أدري قد تكون بنتا، لكن سأكون سعيدا بكل الأحوال))

ثم لم يستطع منع الحماس أن يستفيض من وجهه الذي تغمره السعادة والفرحة وهو يشجعه

((لماذا لا تخبر والدك أن تعود للسكن هنا، بعد أن اعتدت رؤيتك في المدرسة وهنا لم أعد أراك لا أنتَ ولا باسم إلا بضع مرات بالشهر))

هنا تدخل باسم ليقول بنبرة قاطعة

((السكن هناك في المدينة أفضل من هنا بكثير، كلنا مرتاحون وخاصة أمي، أخبر أنتَ والدك أن يستأجر بيت بقرب بيتنا هناك))

تراجع وجه يزيد للخلف غير مستحسنا هذه الفكرة ليهدر

((لا، لا أريد، أحب قريتنا كثيرًا ولا أتمنى أن أغادرها في يوم من الأيام..))

أمسك فهد كتفي يزيد يعاود الاقتراح عليه بلهفة

((إذن انضم لنفس النادي الذي نذهب له أنا وباسم أسبوعيا))

اتسعت عينا يزيد المتلألئتين معقبا

((أتحمس جدًّا عندما تخبرني ماذا تفعل في النادي))

ابتسم فهد له وتابع يخبره

((هناك الكثير من الأولاد الذين يسكنون في القرى يذهبون إليه، الحافلة تقلهم إلى بيوتهم ولا يواجهون أي مشاكل بالمواصلات))

رد عليه يزيد بتصميم يشوبه الفرح

((سأخبر أبي إذن أن يسجلني به، هكذا سأراك في نهاية كل أسبوع))

.

.

بعد ساعتين.. وبعد أن عادت رتيل مع زوجها لبيتهم ارتدت له بنطالا بسيطا وقميصا بحمالات عريضة تظهر بطنها كلما رفعت يديها قليلًا.. صففت شعرها على جانب واحد، ووضعت زينة وجه خفيفة جدًا.. على مظهرها أن يكون بسيطا وغير متكلف إذ أنها لا تريد أن تظهر أمامه كامرأة فجة أو سافرة بطريقة يمقتها..

على هذه الليلة أن تكون لطيفة على قلب مؤيد وعواطفه.. فرغم كل شيء عليها أن تتقبل طبيعة مؤيد وتناقضاته وطباعه وغضبه وغيرته ومزاجه في المرأة! وهو لا يحب منها أن تتصرف بإغراء وجرأة أو ترتدي ملابس فاضحة أمامه حتى لو أعجبه الأمر بمرات قليلة.. هذا طبعه وعليها تقبله ومحاولة أن يكون هو في الغالب المبادر وتكتفي من جهتها أن تظهر له الاهتمام والتجاوب.. ثم هي تعرف بثقتها العالية بنفسها أنها ودون جهد وعفوية تكون امرأة مغوية، ولا تحتاج لما يزيدها..

حينما دخل مؤيد إلى غرفته سارعت تطفئ الإنارة ولم تترك إلا الأباجور مشتعلا بنوره الساحر دون أن تنظر إليه.. بدأ مؤيد يغير ملابسه وهو ينظر لها باكتراث إذ أنها تنجح في إبقائه دائما في حالة ترقب وتحفز كيف ستبدو له في كل يوم وليلة.. ثم سألها بعفوية

((هل العشاء جاهز؟))

ردت عليه وهي تقترب منه بتريث حتى تساعده في خلع ملابسه

((سأضعه بعد أن يستيقظ الولدان من قيلولتهم!))

استلقى مؤيد على السرير وهو لا يزال يطالع زوجته بمزيجها الأخاذ من الأنوثة الطاغية والقوة الجذابة ثم طبطب بيده على المكان القريب منه يدعوها للجلوس.. فابتسمت بنعومة له واستلقت بجانبه فشدها له وهو يحاوط كتفها بذراعه.. بدأت بمداعبة كفه بإبهامها كما يحب وتتحدث وتطلعه على ما يجري من حوله وتسرد عليه ما يهمه من الأخبار التي وصلتها.. وهو فقط يستمع لها في وقتهم الخاص الذي خصصاه لهما لساعة أو اثنتين في كل يوم.. فيعيشان فيه بعالم مختلف ومميز حيث يتعامل فيه معها كحبيبة وصديقة يتبادلان الضحك والكلام وتتحرر علاقتهما من أي قيود تقليدية تثقل كاهلها! حتى قالت له بغتة

((أخبرني عن عملك قليلا، كيف هو هذه الأيام؟))

هز كتفيه وهو يقول ببعض الملل

((عملي طويل ولا تغير فيه))

مالت نحوه على مهل دون أن تحيد بعينيها عنه وقبلت وجنته هادرة برقة ونعومة

((لدي طريقة تزيل تعبك؟))

ثم ما لبثت ان أكملت بعبث

((ها.. ماذا قلت؟))

برقت عيناه بتجاوب واضح وانحدرت عيناه إلى شفتيها واستطاعت أن تلمح اهتزاز حدقتيه واحتقان اللون انفعالًا.. فضحكت ضحكة قصيرة عذبة وهي تخفض وجهها، لكن مؤيد لم يتجاوب مع ضحكتها بل غير دفة الحديث هادرًا بهدوء مخادع

((لقد عرفت أن كلتا زوجتا أخي مالك ومازن حاملان))

أومأت له رتيل وعقبت بتكاسل

((كنت أعرف سابقا بشأن سمية، مبارك لهما))

انقلبت ملامحه للاستياء واحتج

((مبارك! فقط مبارك! ولماذا لا تحملين أنتِ أيضًا يا مدام؟ ماذا ينقصك؟ والله عيب في حقي أن يكون لشقيقي أطفال أكثر مني، كم بات عمر باسم؟ ألم يحن الوقت لابن ثالث!))

تصلبت عينيها قائلة وهي تعتدل جالسة على السرير

((مؤيد إنجاب الأطفال ليس وسيلة لإثبات الرجولة والفحولة، وإذا كانت هذه هي فكرتك عن الأطفال فأنا لست مسؤولة عن تحقيق أحلامك))

قطب حاجبيه بقوة وتساءل

((ما الذي تقصدينه؟))

كتفت رتيل ذراعيها وقالت دون مواراة

((أقصد أني الوحيدة التي أتولى شؤون أولادي من كل النواحي، وبصراحة قدراتي لا تسمح بطفل ثالث، هذه حدود طاقتي، لو كنت تساعدني في تربيتهم لما اعترضت))

سخر مؤيد بتهكم ساخط

((أساعدك؟ كيف أساعدك؟ هل تريدين أن أترك عملي واجلس أنا لأذاكر للأطفال وأطعمهم وألبسهم وأتسوق لهم!))

صححت له وهي ترفع إحدى حاجبيها

((كنت أقصد أن تساعدني في تربيتهم أيضا.. يعني صرت تقبل وتسمح لباسم وفهد الاختلاط بأولاد الجيران والذهاب للنوادي، وتصحبهم معك للخارج، ولكن لا أراك تحاول أن تعتبرهما كأصدقاء لك فتحاورهم وتستفسر عن مشاغلهم سواء في الدراسة أم ما يهتمون بفعله والمشاكل التي يتعرضان لها))

زمّت شفتيها ثم غمغمت مردفه

((يزيد شخصيته أقوى من شخصية ابنك لأن له أب يعتبره كصديق يستمد القوة والأزر منه))

شد خصلة من شعرها هاتفًا وعيناه تبرقان بالغضب

((لا تقارنيني بمالك! أنا لم أخفي وجود أولادي على الأقل سبع سنوات!))

هزت كتفيها وقالت

((نعم أعرف أنه ليس مثالًا لأب مثالي يحتذى به، ولكن خذ يا أخي منه الأمور الجيدة..))

لوى فمه بابتسامة وسخر ((حسنًا يا أختي))

تغنجت رتيل بكتفها لترمي شعرها الطويل على وجهها وكانت راضية تماما عما جرت عليه محادثتهما..

*****


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-22, 12:54 AM   #5860

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي








في منزل عائلة نورين..

كانت ريحانة والدة نورين في المطبخ بينما مصعب وابنتها وحفيدتها على طاولة الطعام يأكلون من الأطباق الشهية التي أعدتها لهم، لا تصدق أنه هذه هي آخر دعوة قبل سفرهم، حتى لو كان سفرهم قصيرا ومؤقتا، لكن يظل ابتعادهم أمرا مؤلما ومحزنا، خاصة وهي الآن تستذكر كل الذكريات الجميلة التي عاشتها منذ قدومهم للبيت.. إنها منذ الأيام السابقة وهي تبتهل وتناجي الله من أعماق قلبها أن يحفظهم في سفرهم في كُل خطوةِ يخطوها، ويعودوا إلى البلاد سالمين بلا أي شر..

رفعت نورين وجهها تراقب تحركات والدتها في أرجاء المطبخ، تصنع من هذا وتضع ذاك رغم أنهم جميعا يكادون يختنقون من فرط ما ألحت بإصرار ميؤوس منه عليهم أن يأكلوه.. فانتصبت واقفة ثم اتجهت لأمها تجبرها على الجلوس معهم على الطاولة

((أمي يكفي، لقد امتلأت بطوننا رغم أننا سنذهب بعد قليل لعائلة مصعب وهناك سيجبروننا أيضًا على الأكل في الحفلة الصغيرة التي سيقيمونها))

ابتسمت ريحانة بضعف وطبطبت فوق يد ابنتها وشرعت تأكل من الطعام الذي أعدته، ولكن لم يمنعها هذا أكثر من مرة من إعداد لقمة ومدها أمام فم ابنتها لتأكلها فلم يكن من نورين إلا أن تأكلها مبتسمة برقة..

لكن ريحانة لم تتوقف بل بدأت بين اللحظة والأخرى تقوم بغمس الخبز في الطبق وإعداد لقمة أخرى بأناملها ولكن لمصعب الذي لم يقدر إلا أن يطيعها ويفتح فمه لينار وجهها بالفرحة، وتسرع في إعداد قطعة أخرى تناوله إياها ثم تتبعها بأخرى حتى أوقف أناملها الممتدة بقطعة أخرى أمام فمه هامسا برجاء وتهذيب

((أنا أشعر بالتخمة يا عمتي، يكفي، لم تأكلي شيئا))

لكن ريحانة لم تستسلم بل ظلت تمد أناملها له وهي تقول بلهفة ممزوجة بالدفء

((بل أكلت يا بني، المهم أنتَ))

أطاعها مرة أخرى تحت إلحاحها أيضًا لكنه أسرع يوقف حركتها حين وجد أنها تستعد لإعداد قطعة أخرى له معترضا بما يشبه البكاء الدرامي

((والله شبعت يا عمة وأشعر بالتخمة، يكفي!))

ضمت ريحانة شفتيها أسفا تتوقف حركة أناملها بإحباط لم يحتمله هو ليشرع فورا فى إعداد قطعة من الطعام يقربها إلى فمها هادرا برقة

((كلي شيئا أنتِ يا عمة، أنتِ بمقام أمي))

التمعت عينا نورين بسعادة وغبطة، إذ لم تتخيل يوما أن تكون علاقة من ستتزوجه متينة لهذا الحد مع والديها، حتى والدها لم يكن يريد الخروج لعمله والبقاء هنا لتودعيهم فهي ومصعب يعزان عليه لولا أن استحلفه مصعب ألا يتوانى عن الذهاب لعمله من أجلهم!

انتبهت نورين لأمها تتوسل مصعب بصوتٍ باكي وهي تتشبث بذراعه

((أرجوك اهتم يا مصعب بابنتي وحفيدتي وضعهم في عينيك هناك، ليس لدي ابنة غيرها))

ضم مصعب كلتا يدا أمها بكفه وهو يخبرها مبتسما بدفء

((لا تقلقي يا حماتي العزيزة))

ثم لثم جبينها يزيد في بث الطمأنينة فيها، بينما أمها تمسك ملك الصغيرة وتداعبها للمرة الأخيرة قبل السفر..

لقد زار مصعب سابقا أصدقائه وزملائه ليكون آخر العهد بينهم كلمة طيبة ودعوة صادقة، وهناك من أقاربه البعيدين من اتصل للسلام عليهم وإعلامهم بسفره، لأن مثل هكذا أمر له تأثير مهم على نفسيته.. والان اجتمعوا في قصر الكانز حيث أصر إخوته أن يقوموا بحفل صغير قبل مغادرتهم.. حيث غمر الجميع مصعب بالحب والعاطفة ومشاعر الإخوة الصادقة حتى تحشرج صوته من فرط التأثر..

وفي نهاية الحفل ودع مصعب كل إخوته وذهب يوصله معاذ برفقة والديه فقط للمطار.. وعندما حان وقت حضور طائرته رفعت نورين حقيبتها خلف ظهرها وحملت ملك جيدا بينما وضع مصعب الحقيبتين فوق أرضية المطار المصقولة يستعد لجرهم هادرا بابتسامة بشوشة

((ها قد حان وقت طيارتي، إلى اللقاء جميعا))

ولكن قبل أن يستدير مصعب هتفت أمه فيه بصوتٍ متحشرج

((انتظر يا مصعب، عانقني قبل أن تغادر))

ازدادت ابتسامة مصعب حنانا ودفئ وهو يتقدم من والدته ويعانقها فيما يعقب معاذ فيما يشبه الدعابة

((أمي هذا العناق العاشر الذي تغمريه لمصعب))

أغمضت زاهية عينيها بقوة وتطويقها له كان قويا للغاية.. ترتعد لا تتحمل فكرة غيابه.. طال الأمر بهما لدقائق حتى خشيت نورين رغم تأثرها بالمشهد أن يفوتهم موعد الرحلة التي بدأ الركاب الصعود للطائرة بالفعل..

حاول يعقوب ردع زوجته بصوتٍ مبحوح وقد تأثر لرؤيتها في هذا الحزن الموجوع

((يكفي يا زاهية، يكفي عناقا))

أخذت دموع زاهية تهطل وتسيل وهي تهمس بشهقات أقرب للأنين يكاد وجعها على سفر مصعب ينحر قلبها

((دعني يا حاج، دعني أودعه في لحظاته الأخيرة قبل السفر))

ونفس الشيء كان مصعب يشدد من احتضانها مغمغما لوالده

((دعني يا أبي أشبع منها قبل أن تقلع الطائرة، سأشتاق لك يا أمي))

وبصعوبة أبعد مصعب وجهه قليلا عنها وطبع شفتيه على جبهتها برفق ثم أحاط وجهها المبلل بكفه وهو يقول مدللًا وكأنما يحادث ابنته الصغيرة لا أمه العجوز

((سيمر الوقت سريعا وسأعود يا أمي أنا وزوجتي وملك))

همست زاهية بصوتٍ مختنق وهي تريح يدها فوق قلبها الخافق بجنون كي يهدئ من خفقاته المتوجعة

((الكلام سهل يا مصعب، لكن ماذا سأفعل به عندما تغادر وتبتعد عنا لسنين!))

أوشكت زاهية أن يغمى عليها من فرط حزنها على سفر مصعب، وانعقد لسان يعقوب من حال زوجته لكنه تحامل وقال يحثها على تحرير مصعب رغم ألم قلبه

((قلت لك يا زاهية سأفرض عليه القدوم هنا كل سنة))

تطلعت زاهية لزوجها ودموعها تنحدر دون توقف، ثم فقدت السيطرة على نفسها ليتأجج صوتها شاعرة أن لا أحد يشعر بأمومتها

((وهل ستغني هذه الأيام القليلة عنه طوال باقي أيام السنة يا حاج، افرض عليه إلغاء السفر وحسب))

عقد معاذ حاجبيه وهو يرى أن هذا الموقف يأخذ منحنى آخر غير متوقع خاصة وأن النداء على ركوب الطائرة التي اقترب موعد إقلاعها يصدح حاليا..

أمسك مصعب ذراع والدته يستنكر كلامها برفق ولين

((أمي ماذا تقولين! كيف ألغي رحلتي فجأة..))

لكن زاهية ألحت عليه بنبرة تقطّع القلب

((أنا جادة يا مصعب، لن أتحمل البقاء بعيدة عن ملك أيضًا، يوجد هنا الكثير من الجامعات التي ستتيح لك إكمال الماجستير هنا في البلاد، لا تغادر، بالكاد أتحمل مكوثك في بيت غير بيتنا فكيف سأستوعب فكرة سفرك لسنوات))

اهتزت حدقتا مصعب ونكس وجهه المتألم بينما زاهية ترفع يدها لتلامس وجنته تكرر رجائها عليه

((يا حبيبي ألغي فكرة السفر وأبقى هنا، أرجوك يا ابني الغالي))

حاول الحاج يعقوب أن يبعد يدها عن مصعب يحثها برفق وتعاطف

((زاهية لا تضغطي على الولد، حان وقت إقلاع طيارته، ألم توافقي على سفره!))

ردت عليه هاتفة بوجيعة متأكدة من أن لا أحد فيهم شاعرا بعذابها

((بالله عليك يا حاج أقنعه أن يلغي فكرة السفر، بالله عليك..))

أغمض يعقوب عينيه وارتجاف صوت زوجته يذبح قلبه، إذ أنه كان السبب بعيشها فترة مؤلمة عندما شجع مازن للسفر للخارج ثم ألزمه البقاء هناك، وها هو يجعل زوجته تعيش الألم مرة ثانية بالسماح لمصعب بالمغادرة.. ففتح عينيه يهتف بحزم لمصعب رغم تذبذب صوته

((حسنا يا مصعب ابقي هنا، لن ينتهي العالم لو درست هنا بدلا من الخارج، وزوجتك دعها تبحث عن تخصص آخر متاح هنا لتدرسه ووعد عليّ أن أتكلف بكل قرش ستدفعونه، نحن بلغنا من العمر ما لا يسمح لنا بافتقادك كثيرًا))

جحظت عينا نورين وأسرتها الصدمة كما معاذ، أما مصعب ففغر شفتيه ثم اعترض بعدم استحسان لما قاله والده

((ولكن يا أبي..))

أطبق يعقوب جفنيه يستحي من دمعة أبت أن تغفله وتهطل من التأثر وألم لحظة الفراق ثم لوح بيده يغمغم بصوتٍ محتقن

((اعذرني يا مصعب، لا يهون عليّنا ابتعادك، يمكنك السكن ببيتك بدلا من السكن عندنا ولكن بدون سفر للخارج..))

تأثر مصعب بصوتٍ والده النادر والغير مألوف فيه وعاطفته فوجد نفسه يبتسم بشحوب واقعا تحت تأثير العدول عن السفر، بسبب ضعفه أمام دمعة والديه ويقول مؤكدا بصوتٍ متحشرج

((حسنا أبي، لن نسافر سنبقى هنا))

ازدادت الصدمة على وجهي نورين ومعاذ، وما إن صدح صوت النداء الأخير لطائرة مصعب وعائلته حتى لكزه معاذ هاتفا بخشونة

((هل جننت يا مصعب! اسكت، اسكت، طيارتك ستقلع هيا معي..))

رد مصعب معترضا بصوته المتحشرج

((ولكني لا أتحمل دموع أمي وأبي..))

قاطعه معاذ ناهرًا إياه وهو يمسكه من مرفقه ويجره مبتعدا

((امشي، امشي، ستدعي علينا جميعا عند غياب تأثرك من هذا المشهد العاطفي بعدما تفوتك الطائرة))

تطلع مصعب عاقد الحاجبين بوجع لوالدته المتألمة التي لا تزال دموعها تهطل بينما يسحبه معاذ للخلف وهو يجر الحقيبتين ونورين تحمل الطفلة وتحاول إدراكهما حتى توقفت أمه مكانها وانفصلت يديها المتعلقة بكف مصعب شيئا فشيئا.. مسحت بالمنديل دموعها ولأنها لم تكن تريد أن يكون المشهد الأخير بينها وبين مصعب مشبعا بالألم وجدت نفسها تبتسم رغم الوجع وترفع يدها مودعة إياه هاتفة

((سأستمر بالدعاء تضرعا لربي يحفظك يا مصعب ويردك لحضني سالم غانما معافا، أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه))

وشيئا فشيئا بدأ ثغر مصعب يرسم ابتسامة ثم يلوح لها مبتدعا قبل أن يستدير للخلف ويساعد معاذ في مسك حقائبه..

مالت نورين بصغيرتها نحو معاذ التي شعرت أنه يريد تقبيلها ففعل ثم قال لأخيه مربتا فوق ظهره بخشونة

((اهتم بعائلتك الصغيرة جيدا يا مصعب، إلى اللقاء))

تنحنح مصعب يجلي صوته المبحوح ثم ودع أخيه بامتنان.. فعاد معاذ لوالديه متمنيا أنه لم يحضرهما معه فلحظات الوداع قبل السفر صعبة، وجعلت الجميع ينتابه مشاعر متضاربة ومتشحة بالدموع والرجاء بإلغاء السفر.. وهناك وقف بجانب أمه التي عادت للبكاء بينما يطبطب على ظهرها زوجها ويحثها برفق على التوقف، فلفتها معاذ بعتاب رقيق على أنَّه لم يكن عليها أن تودع مصعب بالدموع، بل بالابتسامة والبشاشة وتهوين الأمر عليه وإشعاره أنَّه سيعود لهم سالمًا مُعافى، مبينا أن ذلك من شأنه أن يرفع معنوياته، وبالتالي يغادر وقلبه مليء بالإيمان والأمل..

فأومأت زاهية له مستشعرة خطأها لتقول بصوتٍ متهدج من البكاء ورافعة يديها للسماء

((حرسه الله ورعاه وكلل مسيرته العلمية والأدبية بالنجاح الدائم والمستمر))

لثم معاذ جبين أمها هادرا

((أحسنت يا أمي، هذا هو قلب الأم الكبير يتحمل الكثير من أجل أولادها ومستقبلهم))

*****

انتهى.

وباقي خاتمة للرواية نحددها بوقت لاحق ^_^

اتتظر تعليقاتكم على هذا الفصل والرواية ككل على أحر من الجمر.. الفصل الاخير أخذ معي ما يقارب الخمسة عشرة كلمة وهو اطول فصله اكتبه من بداية الرواية..


وايضا عندي سؤال.. اتمنى الاجابة من الجميع:

**من هي الشخصية الرجالية المفضلة بالرواية ولماذا بالتعليق؟😁❤️❤️
بالنسبة لي انا هو قصي.. واقل شخصية أحببتها هو مؤيد..


**من هي الشخصية النسائية المفضلة بالرواية ولماذا بالتعليق؟😁❤️❤️
بالنسبة لي هي نورين..


**ما هي أكثر حبكة نالت إعجابكم أحداثها بالرواية ولماذا بالتعليق؟😁❤️❤️
بالنسبة لي حبكة سمية ومالك..


**عنوان "قلبك منفاي" وتحديدا كلمة "منفاي" عائدة لأي قصة من قصص الابطال؟ وهل كلمة "منفاي" ثواب ام عقاب؟



شكرا لكل أحد دعم وقدر وتفاعل باستمرار..
دمتم دايمًا بود.. ولا تنسوا الخاتمة الي أكيد هنحدد لها موعد..





Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قلبك منفاي، في قلبك منفاي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:43 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.