آخر 10 مشاركات
على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          وَجْدّ (1) *مميزة** مكتملة* ... سلسة رُوحْ البَتلَاتْ (الكاتـب : البَتلَاتْ الموءوُدة - )           »          رغبات حائرة (168) للكاتبة Heidi Rice .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          لاجئ في سمائها... (الكاتـب : ألحان الربيع - )           »          بحر الأسود (1) .. * متميزة ومكتملة * سلسلة سِباع آل تميم تزأر (الكاتـب : Aurora - )           »          مهجورة في الجنة(162) للكاتبة:Susan Stephens (كاملة+الرابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          98 - النجمة والجليد - اليزابيث آشتون - ع.ق ( مكتبة زهران ) (الكاتـب : pink moon - )           »          دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هي اجمل قصة في الرواية؟ (اختار اكثر من قصة)
وليد-شيرين-معاذ 128 28.64%
مؤيد-رتيل 111 24.83%
مصعب-نورين 292 65.32%
مالك-سمية 123 27.52%
مازن-ياسمين 55 12.30%
قصي-سهر 54 12.08%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 447. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree7315Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-03-21, 06:58 PM   #431

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الرابع
في إحدى مقاهي المدينة حيث يمكن لزائريه التمتع بنكهة القهوة المميزة وبساطتها مع أجواء مريحة وهادئة.. جلست سهر مقابل شيرين تستمتع إلى ما في جعبتها من كلام..
زاد وجه سهر شحوبا أثناء الحديث وما إن أنهت شيرين ما عندها من كلام حتى سألتها جاحظة العينين بلا تصديق
((هل جننتِ؟ من أين جئتِ بمعاذ هذا؟))
حركت شيرين الثلج في كوبها وهي تقول مبتسمة أمام وجه صديقتها المذهول
((أنه الرائد معاذ الكانز.. لقد سبق وأخبرتك عنه في الماضي.. ذاك الذي توفيت زوجته منذ.. ربما ثمانية سنوات.. المهم كان هو من وقف بجانب عائلتي وأبي عندما تركني وليد في ذاك اليوم الكارثي.. ووالدي كان يقدره كثيرًا.. وفي أيام مرضه الأخيرة عاد تواصله معه والتقاه لعدة مرات))
أومأت سهر برأسها وهي تقول بصوتٍ خافت والصدمة أكبر من أن تصدقها
((نعم.. نعم تذكرته.. رأيته عدة مرات في بيتكم قبل وفاة والدك رحمه الله.. لكن لم تذكري لي أي شيء عن تطور علاقة بينكما.. أعني.. لا اصدق أن علاقتكما وصلت للزواج بدون أن تلمحي لي أو تذكري ولو عن طريق الخطأ شيء عنكما))
قالت شيرين بصوتٍ متحمس مبتهج
((حسنا سأخبرك التفاصيل))
أخذن نفسا عميقا تستعد لسرد ما حدث ثم أردفت
((أنتِ تذكرين أن والدي أوصاه أن يهتم بي قبل وفاته.. خاصة من أخوالي وأولادهم.. فقد كان يخاف أن تجبرني عائلة أمي على العودة والسكن معهم في القرية وتزويجي من أحد أولادهم الفاشلين رغما عني))
رفعت سهر احدى حاجبيها تقول بتهكم مرير
((وطبعا هو أخذته الحمية وعرض عليك الزواج فقط ليحميكِ من أخوالك الأشرار! وأنتِ وافقت على الفور غافلة عن أنه ابن عم وليد؟))
زمّت شيرين شفتيها تقول بحنق
((وماذا فيها لو كان ابن عم وليد؟))
سألتها سهر على الفور باستنكار
((وهل ستتقبل عائلته زواجه منك وقد كنتي مخطوبة بالماضي ولسنوات لابن عمه؟ بل هل تظنين أن وليد قد يلتزم الهدوء عندما يعرف بزواجه منك؟))
قالت شيرين باستهتار
((وماذا سيفعل وليد؟))
شدت سهر على كلماتها المغلفة بالغضب وهي تقول
((سيفعل الكثير))
قربت شيرين وجهها لصديقتها وهي تقول بتحدي سافر
((لن يفعل شيء عندما أصبح زوجة معاذ وأم أولاده))
كادت سهر أن تشل من صدمتها من كلامها فقالت لها
((أنتِ مجنونة شيرين.. وهل تظنين أن وليد سيسكت عندما يعرف بزواجه منك وينتظرك حتى ترزق بالأطفال منه؟))
ردت شيرين عليها بصوتٍ أجش مضطرب
((ولهذا سيكون زواجنا غير معلن لمدة))
ظلت سهر صامتة باهتة الوجه لدقائق تمعن النظر بوجهها علها تجد شيء يدل على مزاحها.. وعندما لم تجد تمتمت عاقدة الحاجبين
((ماذا يعني؟))
تنحنحت شيرين تجلي صوتها ثم تململت مكانها تعدل من جلستها وهي تقول بتيقظ
((ركزي معي يا سهر.. عائلة معاذ من المستحيل أن تقبل أن يتزوجهم ابنهم الرائد مني.. لأني كما قلتي خطيبة ابن عمه وليد وهم أول من شهدوا على زفافي الكارثي وما فعله ذاك البغيض بي.. لذلك زواجنا لن يعلن لعائلته ولا حتى لمن في القرية.. بل سيتزوجني في المحكمة وبعد أن أنجب سيعرف الجميع))
فغرت سهر شفتيها تحاول النطق بشيء دون أن تقدر..
لا تصدق أن شيرين المعروفة برزانتها وكياستها وحكمة تدبريها قد تدخل نفسها بهذه الدوامة!
لا تصدق بأنها هي التي كانت دائما ما توبخها على استهتارها وعدم جديتها في الحياة موافقة على ما تقوله!
نطقت سهر أخيرا متسائلة بجدية ورافضة أن تلتزم الصمت وهي ترى صديقتها تدمر نفسها
((وهل وافق أخوالك على هذا الهراء؟ هل وافقوا على زواجك منه بدون إعلانه؟))
أومأت شيرين برأسها وقالت بتلقائية
((نعم بالتأكيد وافقوا بدون نقاش وعلى الفور.. فبالنسبة لهم أنا في عمر حرج ولا يجب عليّ أن أبقى بلا زواج أكثر من ذلك.. مرة حاولوا إقناعي بقبول الزواج من رجل عجوز.. تخيلي؟))
لم ترد عليها سهر بل ظلت شاردة الذهن وكأن ما تقوله شديد الوطء عليها لتستوعبه!
غمغمت شيرين بعد لحظات متسائلة بمرارة
((ما بك يا سهر؟))
أجابتها بشتات وهي تهز كتفيها
((لست مرتاحة لهذا الرائد المدعو معاذ.. هل هو من أقنعك بأن زواجكما عليه ألا يكون معلن؟))
عضت شيرين شفتها السفلية وبدت مترددة إلا أنها قالت
((سهر.. ممممم.. في الحقيقة هناك شيء عليّ أن أقوله لك))
طالعتها سهر بتوجس ثم هدرت
((ماذا؟ هيا قولي أنتِ ترعبيني.. صرت أخاف على مستقبلك أكثر من مستقبلي وكأنني أمك أنتِ))
أجابتها بصوتٍ مخنوق وهي تعبث بأناملها بتوتر
((في الواقع أنا أخبرت معاذ بأن زواجنا سيكون على الورق))
اتسعت عينا سهر وهي تسألها
((ولماذا أخبرته بذلك وأنتِ لا تريدين هذا؟))
بدا الذنب جليا على ملامحها وهي تجيب
((لقد بالغت قليلا عندما اختلقت له معاناتي واضطهادي على يد عائلة أمي وأخوالي الأشرار ليتعاطف معي ويطلب يدي للزواج.. لكنه لم يفعل.. ربما بسبب عائق وليد.. فاضطررت أنا أن اقترح عليه أن يتزوجني فقط أمامهم حتى يمنعهم من التحكم بي))
مالت سهر برأسها وهي تسألها بحذر
((وهو وافق على أن يكون زواجكما صوري على الورق؟))
تنهدت شيرين قبل أن تجيب
((كان التردد ظاهرًا عليه في قبوله الزواج مني.. ولم يزل إلا بعدما أشعرته بأني لا أريد منه زواجا حقيقيا ولا أريد إعلانه لعائلته في القرية))
هزت سهر رأسها بيأس منها وقالت وهي تفتح يديها بضياع
((شيري أنتِ أكثر امرأة مجنونة في هذا العالم.. ما الذي يجبرك بالمرور في كل هذا الذل؟ عمرك ليس مشكلة.. أنا في الثانية والثلاثين من عمري ومع ذلك فأحيانا لا أرى أي ضرورة في تعجيل زواجي أنا وقصي حتى لو طالت فترة خطبتنا لسنين أخرى))
عقدت شيرين حاجبيها تقول
((عمري ليس مشكلتي الوحيدة.. المشكلة الحقيقية تكمن في ماضيي المخزي.. فمن سيقبل الزواج بفتاة لم يكتفي خطيبها بهجرها يوم زفافها بل وعمل هو وعائلته على تلويث سمعتها وأخلاقها!))
سألتها سهر بقنوط
((حسنا ولكن لماذا معاذ بالذات؟ ألا يوجد غير ابن عم وليد تستطيعين الزواج منه؟ ألا يمكنك أن تجدي رجلا أخر لا تحتاجين للمرور بكل هذا الذل في سبيل الزواج منه؟))
نكست شيرين رأسها تقول بيأس بالغ
((يا ليت كان أمامي خيار أفضل منه.. لكن من أين أجد رجلا مناسب لسني ومقتدر ماليا ولا يطمع في راتبي وصاحب شخصية وشكل مقبولين.. ومتفهم لماضي ويقبل بي؟ لو وجدتي أنتِ أخبريني وسأتزوجه على الفور))
رفعت سهر يدها تمسد بأناملها جبهتها وهي تقول بإجهاد
((رأسي يؤلمني من سلوكياتك وأفعالك التي تميل للجنون مؤخرًا))
حركت حلقها وهي تحاول التغلب على الغصة المؤلمة التي تسده وهي تدرك مقدار استهتارها وعبثها في قرارات مصيرية تخص حياتها.. ثم قالت لسهر
((لقد طلبني من أخوالي الأسبوع الماضي وأخبرهم بأنه لن يقيم لنا زفافا بسبب وفاة ابن عمه يحيى.. وأخبرهم بأنه لن يعلن زواجنا قبل أن ننجب حتى يضع عائلته تحت الأمر الواقع))
قالت سهر بغضب ولوم رغم هدوء نبرتها
((لا اصدق أنك تتبلين على أخوالك من اجل أن تتزوجي من معاذ))
قالت شيرين من بين أسنانها
((أنا لا اتبلّ عليهم تماما.. حسنا ربما أبالغ.. ولكن صدقيني أنا أتعرض لمضايقات منهم منذ وفاة أبي.. يريدون مني أن اترك العمل وأعود لأسكن عندهم ليزوجوني من أول رجل يطلب يدي.. كما أني لا ارتاح لأسئلتهم عن مدخراتي وراتبي بين الحين والأخر))
استنكرتها سهر هادرة
((لا افهم إذن سبب زواجك من معاذ إذا كان سيبقى زواجا صوريا ولن يعلنه حتى في القرية حتى لا تعلم عائلته))
أغمضت شيرين عينيها تحاول أخذ نفسٍ عميق قبل أن تتحدث مع سهر بلهجة شديدة وكأنها تتعامل مع طفلة صغيرة
((سهر.. سهر.. سهر أيتها الغبية وهل شبابنا العربي يستطيع أن يطبق الزواج الصوري؟))
ظهرت البلاهة على وجه سهر حرفيا وهي تتمتم
((لا أفهمك))
ابتسمت شيرين تلك الابتسامة الغير مريحة وهي تقر
((سيكون زواجا صوريا في البداية فقط.. لكن صدقيني أسبوع أو أسبوعين وبالكثير سأسحر معاذ وسيطلب مني بنفسه أن يصبح زواجا طبيعيا.. وستتحول تلك الخطة لواقع))
لم تستطع سهر منع نفسها من أن تشهق بصوتٍ عالي جذب شيء من انتباه الجالسين بجواره
((ماذا!))
قالت شيرين بإصرار
((نعم يا سهر الليالي.. وهل تظنين بأن أي رجل طبيعي يمكنه تحمل البقاء مع امرأة حلال له في نفس البيت بدون أن يلمسها أو يتقرب منها؟))
رغم تجمد ملامح سهر من الصدمة إلا أنها هزت راسها نافية
((بكل صراحة.. لا.. لا أظن أنه يمكن لرجل أن يفعلها))
عادت شيرين تبتسم وهي تقول مشيدة
((أحسنتِ))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-21, 06:59 PM   #432

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

جلست رتيل فوق سريرها الواسع الأنيق تلاعب شعرها الأسود بأنامل يدها وبيدها الأخرى تمسك الهاتف وتحدث صديقتها غنوة التي كانت تسألها
((وماذا فعلتي عندما عرفتي بخيانة الأستاذ "مانع"؟ ألا يكفي أنه يمنع عنك السعادة والحياة وكل شيء؟ وفوقها يخونك؟))
هزت رتيل كتفها تقول ببساطة
((لا شيء.. وماذا سأفعل يعني؟ صدمت وبهت في البداية بشكل مؤلم لكن تخطيت الأمر بظرف ساعات وها أنا أعيش وكأني لم اسمع شيء))
قالت لها غنوة بصدمة
((ألم تخبريه أنك سمعتي ما تحدث به مع أخيه؟))
همهمت لها رتيل نافية لتعاود غنوة نصحها
((حاولي أن تخبري عائلته))
قالت رتيل بنبرة باترة
((لا مستحيل.. هذا قد يعقد الموضوع بشكل أكبر ولن يأخذوا الموضوع بجدية.. سيلجئون إلى الكذب لأجل تغطية عمله المشين أو يأخذون صفه فهو ابنهم.. بل قد ينبهونه حتى يقوم بإخفاء وتغطيه فعلته))
((إذن عليك أن تخبري زوجك الأستاذ "مانع" أنك تعرفين عن خيانته.. وان عليه أن يتوقف عن فعل ذلك بحقك فورا.. وكلما كانت المواجهة معه أسرع كان ذلك أفضل))
ارتعشت شفتي رتيل بتفكير ثم سارعت تقول
((لا أريد أن أواجهه.. مهما شعرت بالألم فأنا الخاسرة بلا ريب في هذه الحالة وسأكون كمن يحرق أوراقه ويرمي بدفاعاته))
عادت غنوة تقول لها محذرة
((لكن عليك ألا تتجاهلي خيانته يا رتيل أو تتصرفي على أساس أنها غير موجودة.. فإدراكه أنك تعرفين ماذا يفعل هناك في المدينة وتتجاهلينه يكون بمثابة إعطائه الضوء الأخضر والموافقة الضمنية على استمراره فيما يفعله طالما أن الأمر يتم في الخفاء))
غمغمت رتيل بامتعاض
((اعرف.. لكن بكل الأحوال سيخون.. فليخن بالخفاء أفضل من العلن))
قالت غنوة بتحذير
((حسنا أنتِ حرة لكن تذكري كلما أجلتِ موضوع المواجهة كلما زاد تعلقه بمن يقابلها من وراء ظهرك.. ستتطور علاقته بها ويغدو أمر تركها أكثر صعوبة.. وفي النهاية ستزدهر وتنمو ثم تخرج للنور))
تنهدت رتيل بعجز وقلة حيلة ثم قالت ساخطة
((وماذا بيدي لأفعل يا غنوة؟ أنا لا املك أي دليل مادي وحقيقي على خيانته ولن أستطيع أن أجد واحدا بسهولة ومن دون دليل لن أقدر على مواجهته لأنه سيكذب بلا شك.. فالخائن هو كاذب بطبيعة الحال.. لا والأنكى تخيلي أن يعترف بلامبالاة بخيانته ويخبرني أن أتقبل الأمر بكل بساطة))
زفرت رتيل بضيق ورفعت يدها الأخرى تبعثر شعرها الأسود الناعم لتقول بجنون وقهر
((تبا له.. فليمت لأرتاح أنا.. إنه يلهو في المدينة طوال الأسبوع ويتركني هنا أحيى كامرأة بليدة ومتخلفة ونكديه))
تمتمت غنوة
((أمين.. أمين))
عقدت رتيل حاجبيها ولم يكن يعجبها ما تسمعه.. فهي لا تحب أن يشتم أو يدعو أحد على زوجها مؤيد.. غيرها هي..
عم الصمت للحظات ثم سألتها غنوة وهي تدخل في موضوعها الأساسي التي اتصلتِ بها من أجله
((إذن هل تحدثتِ مع السيد مانع بخصوص زيارة عائلتك؟))
((لا لم أتحدث معه.. إنه يرفض نهائيا خروجي من البيت.. ولولا أني احكم إخفاء وسرية زيارتي لك لقلت بانه عرف بحقيقة سري لذلك يمنعني من الخروج))
((حاولي أن تلحي عليه))
((لن ينجح صدقيني.. أنه عصبي عند الإلحاح عليه.. يصعب التفاهم معه أو إدارة أي نقاش ناجح))
((لا أدري بكل صراحة بماذا أدعو على الأستاذ مانع خاصتك فليس هناك أي إيجابية فيه.. أنه متسلط وشخصية مسيطرة.. عنيد.. قاسي القلب وحاد الطباع))
كانت ملامح رتيل تمتع مِمَّا تسمعه من صديقتها فقالت تنهي المكالمة
((حسنا.. تأخر الوقت يا غنوتي سأنام حتى استيقظ غدا باكرا لمدارس الولدين.. تصبحين على خير))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-21, 06:59 PM   #433

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

صباحا..
ارتبكت سمية وهي تفتح باب بيتها الصغير في ساعات الصباح الباكر ثم قالت بتردد
((رتيل.. صباح.. صباح الخير))
أجابتها الأخرى ببشاشة ابتسامتها التي زينت محياها على غير العادة
((صباح النور.. أين هو يزيد؟))
التفتت سمية بحيرة لابنها الذي كان يحمل حقيبته المدرسية ثم عادت تنظر بنفس ملامح الحيرة لرتيل تجيبها
((أنا أجهزه للمدرسة))
رفعت رتيل حاجبيها تسألها
((هل ستأخذينه للمدرسة مجددا؟))
أومأت سمية بوجهها وهي تجيبها باستغراب
((نعم.. أنا بالفعل منذ أكثر من أسبوع من أقوم بتوصيله لنصف طريق المدرسة وهو يكمله لوحده))
ظهرت تلك النظرات المتعجبة على رتيل وهي تسألها بمرح
((لماذا؟ ألا تستطيعين انتظار أولادي حتى يتجهزوا ويذهب معهم للمدرسة مع السائق؟))
تراخى فك سمية السفلي وهي لا تفهم ود رتيل أثناء حديثها معها وقد ظنت بأنها أكثر السعيدين والمرتاحين لأنها لم تريها وجهها الأيام الفائتة..
أجابت سمية بخفوت وهي تشيح بنظرها بعيدا
((لا داعي لا أرد إزعاجك يا سيدة رتيل))
زمّت رتيل شفتيها ثم قالت
((أنا لا افعل هذا إلا من أجل فهد وباسم لانهما يحبان رفقة يزيد))
مدت رتيل يدها ليزيد الذي كان يخرج رأسه من خلف الباب ويطالعها قائلة بود
((تعال يا يزيد هات يدك.. تناول الفطور معنا ولتذهبوا جميعكم مع السائق كما كنتم تفعلون من قبل))
قطب الصغير حاجبيه ونظر لأمه الصامتة بارتباك ليأخذ إذنها.. فأومأت له برأسها موافقة ثم نظرت لرتيل تخبرها
((لقد تناول فطوره بالفعل.. ولكن يمكنه الانتظار حتى يتجهز ولديك يا سيدة رتيل فهو الأخر يحب رفقتهما))
امسك يزيد بيد رتيل يذهب معها أمام أنظار سمية التي لم تكن تريد أبدًا جعله يختلط مع أولاد رتيل ولكنها أشفقت على الطريق الطويل الذي يسيره رغم صغر سنه للمدرسة البعيدة نسبيا عنهم..
.
.
دلفت رتيل للمطبخ وهي تمسك يد يزيد فسألتها منال باستنكار
((ما هذا! ماذا يفعل ابن البستانية هنا؟))
ابتسمت رتيل لها تعلمها بألا تهتم بوجود يزيد وهي تسألها
((هل وضعتم الفطور على منضدة الطعام؟))
أومأت لها نجوم قائلة وهي تدلف المطبخ بنشاط
((نعم يا سيدة رتيل.. لقد جهزناه))
ثم تقدمت من يزيد تضع يدها فوق شعره تبعثره وهي تخرج لسانها له بمشاغبة
((اشتقت لك أيها الشقي.. لماذا لم تعد تزورنا))
أخفض يزيد وجهه بخجل يداري ابتسامته.. في حين لكزت منال ابنتها نجوم تحدجها بغضب لودها معه..
وصلت رتيل للصالة وسحبت كرسيا لزيد ليجلس مقابلها عندما رفعت الحاجة زاهية الجالسة حول منضدة الطعام وجهها
تتساءل بحدة
((لماذا جاء هذا الولد هنا؟))
توترت رتيل من لهجة حماتها إلا أنها أجابتها دون أن تنحسر ابتسامتها الصباحية النادرة
((أنا أحضرته حتى يذهب مع ولديّ للمدرسة))
تطلعت زاهية لمدبرة المنزل نعمة التي كانت تقف بجانبها تسألها بصرامة
((ألم تنبهي على سمية يا نعمة ألا تُدخل ابنها هنا حتى إذا ما تكرر ما حدث سابقا لا يظن أحد به سوء الظن؟))
أومأت نعمة لها طائعة وهي تقول
((سأعيد التنبيه على سمية مجددا يا حاجة))
ثم حدجت نعمة بنبرة تحمل التحذير والتوبيخ كما نظراتها
((تعال فورا يا يزيد لنذهب للخارج))
لم يناقشها الصغير بشيء بل على الفور اعتدل واقفا من مقعده قبل أن يقطع تواصل نعمة النظري الحاد به صوت مالك الذي كان ينزل من الدرج الذي ينتصف الصالة مسرع الخطوات قائلًا بسخط لنعمة
((نعمة دعيه جالسا.. كيف تقعدينه عن مائدة الفطور؟))
أجفل يزيد قليلا على صوت مالك الذي انخفض بمستواه يسأله باهتمام
((كيف حالك يا يزيد لم أراك منذ أيام ولم تأتي لي))
أجابه يزيد بنبرة عادية دون أن ينظر له حتى
((أنا بخير))
بالكاد أخفى مالك استغرابه من طريقة حديث يزيد معه بملامحه الواجمة.. ثم تطلع نحو نعمة غير عابئا بنظراتهم جميعا إليه
((ماذا قلتي له يا نعمة؟))
اجابته نعمة تصحح له بصرامة
((لا يجوز يا سيد مالك له أن يظل هنا.. لكن الحق على أمه هي التي..))
قاطعها مالك هامسًا بعصبية وقد أكتفى حقا منها هي ومن كل العاملين في القصر الذين يعاملون يزيد وسمية بهذه الطريقة
((نعمة دعيه هنا وابتعدي))
رغم أن نعمة كانت تتحدث بصرامة وثقة تستمدها من وجود الحاجة زاهية لأن مالك يخشى إظهار اهتمامه وعطفه على يزيد أمامها إلا أن سخطه الظاهر الآن أخافها.. فأثرت أن تبتعد ولا تدخل بنقاش محتدم الآن معه فتمتمت له باقتضاب
((كما تريد يا سيد مالك))
تدخلت رتيل الجالسة معهم تقول لنعمة منتصرة له
((أنا من جلبته لهنا حتى يذهب مع ولديّ للمدرسة مع السائق فحاسبيني أنا لا هذا الصغير))
وسرعان ما أشاحت بعينيها جانبا عندما حدجتها زاهية بنظرات نارية محذرة..
امسك مالك بيد يزيد يجذبه ليجلس فوق كرسيه الذي كان يجلس عليه سابقا هادرا بحنو
((عد لمكانك))
دمدم الصغير بعناد ووجوم يحرضه ضعفه ومشاعره المتذبذبة التي ترهق روحه الطفولية من كل ما يلاقيه من أصحاب هذا البيت
((لست جائعا سأنتظر في الخارج))
إلا أن مالك أصر عليه وهو يقول بلهجة حاسمة بينما يجلسه عنوة ممزوجة بالرفق فوق الكرسي
((لا بل اجلس هنا))
اختلس يزيد النظر بطرف عينيه لأقرانه فهد وباسم اللذان كان يتطلعان للموقف بحيرة فاشتد ألمه لانهما يكونان شاهدان عليه وهو يهان من قبل عائلتهما.. فأخفض رأسه يقول بنبرة مختنقة عنادًا
((لا أريد أن اجلس))
خفتت نظرات زاهية المحتدة لرؤية هشاشة يزيد ونظراته التي تذيب وتفتت القلب..
لكن كرهها لوجوده كان رغما عنها.. إنها لا تطيقه..
قرب مالك منه واهتمامه بسمية يجعلها تتخيل وتظن الظنون..
فليس أحب أولادها على قلبها ومن أشبعته دلالا وعزا ستسمح له بأن يحب أو يتزوج من أي أمراه كانت.. فقالت بجفاء لابنها
((لا تضغط عليه إذا كان لا يريد الجلوس.. سأطلب أن يتم وضع الفطور له في المطبخ حتى يتناوله على راحته))
فأضاف يزيد على كلامها يقول بنبرة أشد اختناق تنذر بالبكاء
((لا أريد اكل شيء لا هنا ولا هناك.. لست جائع))
امسك مالك كف الصغير الغض يسأله بلهفة وقلق
((هل ستبكي؟ أخبرني ماذا حدث يا يزيد؟ هل أزعجك أحد؟ أجبني؟))
لوهلة تطلعت الحاجة زاهية خلفها تأخذ حذرا قبل وصول زوجها الذي لن يعجبه منظر مالك وهو يفيض في اهتمامه بيزيد..
في حين انزلقت عبرة صامتة من عين الصغير وهو يتمتم
((لا أحب الجلوس هناك معكم))
أغمض مالك عينيه يأخذ نفسا عميقا ثم فتحهما يسأله بألم
((لماذا لا تحب؟ هل أزعجك أحد؟))
وعندما لم يستطع يزيد أن يكبح المزيد من الدموع المتجمعة في عينيه غمغم بصوته المتهدج وهو ينفض يدي مالك عنه
((لا أحب فقط الجلوس معهم))
ثم هرول مبتعدا فوزع مالك نظره لكل المتجهمين الجالسين حول المنضدة لعله يفهم ما حدث قبل أن يستقيم واقفا ويسارع في اللحاق به..
دلف للمطبخ ليجد الصغير واقفا في منتصف المطبخ يجهش بالبكاء ويغطي وجهه براحة كفيه..
ومنال التي كانت واقفة تنظر له بوجوم وغير فهم بمجرد أن انتبهت لوجود مالك حتى سألته على الفور
((ما به هذا الشقي؟ بماذا يتعبك يا سيد مالك؟))
لم يجبها ومنظر يزيد يبكي بهذا الشكل جعل قلبه يهتز بين ضلوعه بغضب يعتليه فاقترب منها أكثر وخلع حقيبته الظهرية ثم حمله وهو يهدهد به ملهوفا عليه
((يزيد حبيبي.. ماذا هناك؟ ما سبب بكائك؟ فقط أخبرني وأعدك بأني سأتصرف))
حضرت الحاجة زاهية بعد دقائق للمطبخ تطلع بنظرات ممتعضة على ابنها وهو يقوم بترضية الصغير.. فدمدمت له مقتربة أكثر
((ستتأخر على عملك يا مالك.. دعه هنا ومنال سترى مشكلته فربما يكون مريضا))
كانت منال تناظر الموقف بنظرات مشمئزة وهي ترى أن الصغير ينحدر من أصل وضيع ولا يستحق اهتمام أصحاب هذا القصر.. ثم اقتربت مغمغمه من الحاجة زاهية
((لا اكذب أن قلت بأن السيد مالك لم يعد يدلف للمطبخ أبدًا منذ أن توقفت سمية عن الحضور))
جحظت عينا زاهية والتفتت لمنال تزجرها بصوتها الحازم
((إلى ماذا تلمحين يا منال؟ هل تقصدين بأن ابني عديم التربية ولعوب يلاحق النساء اللاتي يعلمن في المطبخ تحت ظل الحاج يعقوب؟))
بهت وجه منال وعرفت بأنها استثارت غضب سيدة هذا المكان فسارعت تصلح موقفها وتقول متراجعة
((لا معاذ الله أن ألمح لذلك.. لا أحد بمثل أخلاق ومروءة السيد مالك.. لكن ما قصدته..))
تلكأت منال متلعثمة في نهاية حديثها فقاطعتها زاهية على الفور وهي تأمرها بصرامة
((يكفي إلى هنا حديثا يا منال وابتعدي))
بنبرة مرتبكة تمتمت منال مجددا معتذرة واستأذنت منصرفة في حين كان مالك يتوعدها سرا بتسمعيها ما يليق بها هي وغيرها هنا واتخاذ الإجراء المناسب لهن..
وجهت الحاجة زاهية باقي كلامها له وهي ترشقه بنظرات ساخطة غير راضية
((وأنت يا مالك اترك الولد هنا ليذهب لامه واذهب إلى عملك أنتَ الأخر حتى لا تأخر نفسك وتؤخره على مدرسته الابتدائية))
لم يجد مالك بدا من الكلام فسارع يقول منهيا هذا الحديث بهدوء قاتم
((سأذهب أنا وهو معًا.. إلى اللقاء))
ثم أخفض جسده يضع يزيد أرضا وأمسك برسغه بيد وحقيبته الظهرية باليد الأخرى ثم مر من باب المطبخ الخارجي إلى الحديقة الخلفية..
اغلق مالك باب المطبخ وجلس فوق العشب الأخضر متكئا بظهره على الحائط وجذب يزيد الذي كان خاضعا تماما له من يده ليجلس فوق حجره..
وكأن الأخير أخذ راحته أخيرا بخروجه من هذا القصر وابتعاده عن أصحابه الذين يطبقون على صدره ويشعرونه بالاختناق والسوء من نفسه فأنفجر أخيرا في نحيب عالي..
اتسعت عينا مالك بوجوم وأحاطت ذراعه بكتف يزيد يضمه له فاستجاب الأخر له وهو يخفي ملامح وجهه المُدَمَرة وروحه المتعبة..
كان يتشبث بقميص مالك بيديه الاثنتين فقد مرّ أيام عليه من دون رؤيته أو التحدث معه كما هو معتاد..
وكان مالك هو الأخر يمرر يده على ظهره المختض من بكائه وهو يحدثه بريع من حاله العجيب
((يزيد بني لا تبكي.. أخبرني ماذا حدث معك؟ من أزعجك من أهل البيت؟))
أجابه من بين بكائه بصوتٍ متهدج يكاد يكون مفهوما
((لا أحد.. لكن لم اعد أحب الدخول إلى هنا))
أغمض مالك عينيه بألم وعويل يزيد بصدره يبكي بأسى.. وعندما مر دقائق طويلة عليهما وبعدما اكتفى الصغير من إفراغ كل الدموع الكامنة داخله ابتعد تدريجيا عنه يبحث بنظره المتشوش من إثر بكائه عن حقيبته..
فتحها وأخرج منديلا يمسح بنفسه وجهه المحتقن والملطخ بالدموع..
سأله مالك وهو يمرر يده فوق خده المشوب بحُمرة واضحة
((لماذا لم تعد تحب الدخول إلى هنا؟ أنا لم أتحدث معك منذ أيام طويلة.. حتى عندما ألقاك صدفة وألقي السلام عليك ترد بخفوت واختصار كأنك تتهرب مني وتتجنبني عن قصد.. وأنا مررت لك هذا فقط لأني كنت مشغول في أمور تخص المدرسة ولكن الآن قل لي بصدق ماذا حدث؟))
كان مالك يحدثه بعتاب وكأنه يخاطب رجلا كبير إلا طفلا في السادسة من عمره..
وكان كل ما تلقاه كإجابة هو صوت زفيره الواهن وصوته الخفيض وهو يجيب
((لم يحدث أي شيء قالت لي أمي بأنك مشغول وأنا عليّ أن أتوقف عن إزعاجك لمدة طويلة))
ابتلع مالك مرارة حنظلية بجوفه ثم قال بتأنيب رقيق أنعش أوردة الصغير
((لكنك لا تزعجني.. بل أنا المقصر بحقك من كل الجهات.. ومهما افعل فلن أوفيك شيء من حقوقك عليّ أو أكفر عن ذنبي تجاهك))
صمت الصغير لدقائق يحدق فيه ثم أشاح بنظره وقال متهربا
((قالت لي العمة رتيل أن اذهب اليوم مع السائق مع فهد وباسم.. اتركني الآن وإلا سأتأخر))
ضيق مالك عينيه يستدرك ما يقصه ثم سأله بصوتٍ خطير
((لم افهم.. ألم يكن يوصلك السائق كالعادة في الأيام السابقة؟))
تردد يزيد في الإجابة إلا أنه قال بخفوت
((لا أمي كانت توصلني))
احتدت عينا مالك بشعور صادم ثم تساءل بغضب وحمية
((كيف توصلك؟ مشيا على الأقدام؟ ولكن لماذا؟))
عادت الدموع تتجمع في عيني يزيد وتقوس ثغره الطفولي للأسفل ثم أجاب
((قالت لي ألا ادخل هنا وألا أتحدث معهم.. وحتى أنتَ قالت لي ألا أراك إلا خارج القصر))
شد مالك على ضروسه وتسأل بعجب يشوبه الغضب
((هي من قالت لك ذلك1))
استقام مالك واقفا وعاد يحمل حقيبة يزيد ويجره معه بيده الأخرى هادرًا وبريق عينيه الخضراوين يتوعد لسمية بالكثير
((تعالي معي يا يزيد))
تبعه الصغير متسائلا بحيرة بينما يراه يذهب في طريقٍ بعيد عن البوابة الخارجية
((إلى أين؟ أين سنذهب؟))
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-21, 07:00 PM   #434

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

عدلت سمية الوشاح على شعرها الأسود وفتحت الباب للطارق الغاضب الملح لتجد مالك يقف أمامها يرشقها بنظرات قاتمة بينما يحمل حقيبة يزيد ويمسك به بيده الأخرى.. فتساءلت بقلق وتعجب وهي توزع نظرها بين الاثنين
((مالك! ماذا تفعل هنا؟ ولماذا لم يذهب يزيد لمدرسته حتى الآن؟))
كانت تمعن النظر بملامح ابنها المحتقنة وعينيه المحمرتين بخفوت قبل أن تقطع نبرة مالك النارية تفكيرها وهو يسألها
((هل يمكن أن اعرف لماذا لم تجعلي يزيد يذهب مع سائقنا في الأيام السابقة كما هي العادة؟ هل جعلتيه يمشي على أقدامه كل تلك المسافة؟))
فهمت سمية سبب غضبه الثائر هذا لتكتف ذراعيها وترد بجمود له
((أكم مرة عليّ أن أخبرك فيها ألا تطرق بابي وتقف أمام بيتي! ستجلب لي الكلام ونظرات الأخرين))
ظل مالك على نفس وقفته وعاد يزجرها وعينيه بعينيها
((لا تغيري الموضوع.. لماذا جعلتِ يزيد يذهب لمدرسته مشيا على الأقدام وقد عينت السائق ليوصله مع فهد وباسم في كل مرة لا أقدر على إيصاله أنا بنفسي؟))
ردت عليه بقوة بنفس النبرة الثابتة التي تحمل حزماً وأمرا
((والله هذا ابني وأنا كأمه اعلم مصلحته أكثر من أي أحد أخر.. وبالتأكيد سأجعله يقوم بما يريحه أكثر.. أو يشقيه بشكل أقل))
شدت على كلماتها الأخيرة وفهم مالك مغزاها..
إلا أنه غمغم بصوتٍ يفيض غُلا
((لا ينقص إلا تحاولي بتر أي حبال تواصل متبقية لي مع يزيد!))
تصدعت خطوط دفاعها وتمتمت له بخواء صوتها
((أنا لست بهذه القسوة))
ثم أومأت بعينيها لابنها تأمره
((انتظرني يا يزيد سأغير ملابسي وأوصلك للمدرسة))
قال مالك بصوتٍ باتر
((أنا من سأوصله وابقي أنتِ هنا.. أساسا تأخر الوقت ولا وقت للمشي هناك))
تنهدت بنفاذ صبر ثم قالت بعناد
((لا أريد إتعابك.. أنا من سأوصله))
رفع احدى حاجبيه يقول بملامح متجهمة
((بل أنا من سأفعل))
علت نبرة صوتها قائلة وقد سئمت من تبادل الحديث العقيم بينهما
((لو سمحت لا تتدخل بقراراتي.. أنا من سأوصله))
أمال مالك وجهه قائلا بنبرة متسلطة خافتة
((اخفضي صوتكِ يا سمية أمامي.. من يقف أمامك هو رجل في السابعة والعشرين من عمره ولم يعد ذاك المراهق))
تراجعت بتلقائية خطوة للخلف تقول بنبرة أقل انفعالا
((أنا لم اقصد أن يعلو صوتي عليك ولكن لو سمحت توقف عن التحكم بيزيد فأنا أفعل ما أشعر حقا بأنه يريحه.. هو حقا لا يحب أن يذهب مع السائق..))
قاطع كلامها بحنق منها
((هذا هراء لن أجعله يمشي كل هذه الخطوات لأنه يمتلك أمً برأس صلب عنيد مثلك))
لم يحدثها يوما بهذه الطريقة وهذا الأسلوب ولم يقلل يوما من احترامها..
لكنها أخرجته من طوره هذه المرة وهو نال كفايته ونفذ صبره من كبريائها البغيض وتفكيرها العقيم وما يؤدي له من نتائج تؤثر على يزيد قبل أن تؤثر عليهما..
ثم إنه وبعد كل ما مر به وكل ما يعانيه بسببها يجعله متيقن من أن وصوله إلى كافي مصلحة الثلاثة لن يتم سوى بإيلامها وجعل نفسه المتحكم..
تنهد قبل يكمل كلامه بصوت المهدد
((أنتِ ستطيعين أوامري دون زيادة أو نقصان يا سمية.. وإياك أن تختبري صبري في مثل هذه الأمور حتى لا تري وجها أخر مني لن يعجبكِ صدقيني فأنا نفسي أخشى غضبي ولهذا تراني لطيفًا ومسالمًا إلى هذا الحد معك))
ارتجت خفقات قلبها بعنف ولا تعرف لماذا هابته..
ربما لأنها تعرف أنه يملك القدرة بل ويستطيع دون مجهود أن يسلبها اهم شيء في حياتها بل وكل شيء دون أن يحاسبه أحد!
إلا أنها تحلت بصلابة وهمية وهي تغمغم بخفوت
((توقف عن التهديد))
زجرها بنبرته المحذرة
((اختصري ولا تتعنتي فقط نكايتي بي.. اليوم سأوصل يزيد للمدرسة.. من الغد سيأخذه السائق كما الماضي فإياكِ أن تمنعيه))
ابتلعت ريقها وغضت بصرها بضيق تسري بوجهها حمرته من طريقة تسلطه في الحديث معها..
في حين شعر مالك بارتعاش يد يزيد التي يمسكها فالتفت له يواجه وجهه الصغير البريء الحائر..
فأدرك مالك أن المشهد هذا أربكه وهو يراه أول مرة يوبخ أمه ويتحدث باحتدام معها بهذا الشكل..
لقد أخطأ عندما غفل عن وجوده واستماعه لهما..
فابتسم له قليلا يفرج عن حدة ملامحه الواجمة..
ثم التفت لسمية التي كانت تهم بإغلاق الباب عليه فمنعها بوضع قدمه فوق العتبة يقول بصوتٍ فيه شيء من الخطورة
((لم اسمع كلمة موافقتك على كلامي يا سمية؟))
لم تجبه بل دخلت في صراع مع ترددها للحظات طويلة ليعاود الترديد عليها بصبر
((سمية أنا لا زلت انتظر ردك))
رمته ببغض وغيظ نظراتها وهي تقول
((لا تقلق لن امنعه))
بابتسامة متكلفة يواري بها رغبته السادية بلكمها قال وهو يبعد قدمه عن العتبة
((يمكنك الآن إغلاق الباب حتى لا يثير وقوفي هنا طويلًا الأقاويل.. وأنا من سأقوم بإيصال يزيد للمدرسة اليوم))
التفت يزيد إلى أمه كأنه يأخذ إذن الذهاب كما هو عادته لتومئ برأسها إليه مطمئنة..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-21, 07:01 PM   #435

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

طرقت نورين باب مجلس النساء وعندما جاءها الإذن دلفت للداخل بخطوات مترددة لتهدر بخفوت وهي تنظر للحاجة الزاهية التي كانت تجلس منحنية بشرود وبجانبها رتيل ترتشف من فنجان قهوتها
((مساء الخير يا عمتي))
نظرة واحدة من ملامح حماتها أخبرتها بأن ما طلبتها من أجله لا يبشر بالخير.. خاصة وهي ترد بعبوس وصرامة
((مساء النور.. ألم يخبرك مصعب متى سيعود؟))
فأجابتها متمتمه والشعور بالذنب يطفح على ملامحها
((هو فقط قال لي بأنه سيذهب وينام خارج المنزل لعدة أيام بدون أن يشرح أي تفاصيل أخرى))
عادت الحاجة زاهية تسألها بشك وهي تمعن النظر بملامحها لعلها تستشف شيئا
((هل هذا ما قاله فقط؟))
أومأت نورين برأسها بخشية ثم سألتها بنبرة بديهية
((نعم.. ألا تستطيعين الاتصال به؟))
لم تتجاوب في البداية ملامح الحاجة زاهية مع سؤالها البسيط العفوي إلا أنها قالت أخيرا بصوتٍ مهيب وهي تنظر أمامها
((لم يرد إلا على مكالمة واحدة وأخبرني بأنه مضطر أن يبتعد عن البيت لعدة أيام))
خفت بريق عيني نورين ثم سألتها بنبرة باهتة
((هل هذا فقط ما قاله؟))
قالت زاهية بنبرةٍ حذرة بطيئة وعينيها تبرقان تهديدًا
((أصدقيني القول.. هل فعلتِ أو قلتِ ما يزعج ابني؟))
اضطربت ملامح نورين عند هذا السؤال إلا أنها قالت بخفوت وارتباك
((لا لم افعل شيء.. هل أخبرك عني أي شيء؟))
ظلت الحاجة زاهية صامتة بعض الوقت وهي تمعن وتدقق النظر في عينيها بطريقةٍ سارعت في نبضات قلبها ثم قالت لها بقنوط
((إذا لم تكن منك أي فائدة مرجوة فعلى الأقل لا تفعلي أي شيء يعكر من مزاجه أو يثير ضيقه))
تصلب جسد نورين بالأرض للحظات وصمتت قليلاً بملامح متألمة وهي تذكر أخر ما حصل بينهما لكنها قالت مدافعة عن نفسها بشجاعة
((لم افعل أي شيء.. بل أنا أتحرى راحته ورضاه دائما))
كانت زاهية تشعر بقهر على مصعب وعلى زواجه بتلك الطريقة.. ألا يكفي انتهاء زواجه الأول بابنة عمه رشا رغم الحب الذي كان يكنه لها؟
هو الوحيد من أبنائها الذي تشعر بأنه لم يحظَ بالاهتمام الكافي بين إخوته..
ففي حين كل اهتمام زوجها في معاذ ومؤيد انصب اهتمامها هي في التؤام مالك ومازن..
ولا يهون عليها أن يفقد مصعب نفسه بهذا الشكل الذي آل إليه ويدفن أمانيه ورغابته لأجل مصلحة العشيرة..
نفضت زاهية عنها غبار الماضي وهي تنظر للتي أمامها مغمغمه بغضب مكتوم
((منذ زواجه منك اعتلت صحته وانعزل بنفسه وصار منغلقا.. كل حياته يمضيها من البيت للمشفى ومن المشفى للبيت.. أنه حرفيا لا يخرج من البيت إلا نادرا بل ويرتب احتياجاته حتى ينهيها في يوم واحد فقط.. لا أدري ما الذي فعلته بابني!))
ضاقت عينا نورين وقد اتقد فيهما سعيرٌ خطير وهي تنتبه على رتيل تسكب لها فنجان قهوة وترفعه لترتشف منه القليل باستمتاع بينما تشهد على حديثهما..
رتيل تلك الأفعى هي السبب في إفساد علاقتها مع والدة مصعب رغم أنها كانت طيبة معها في البداية..
أشاحت الحاجة زاهية بيدها وهي تقول من بين شفتين غاضبتين متصلبتين
((يمكنك الذهاب الآن.. اذهبي ونادي لي ياسمين لتشاركنا احتساء القهوة))
ازدردت نورين ريقها وأسرعت تخرج من مجلس النساء وتنفذ ما أمرتها به على الفور..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-21, 07:02 PM   #436

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


وكانت دقائق حتى عادت الحاجة زاهية تتكئ في مجلسها بصلابة عند دلوف ياسمين المجلس ملقية السلام..
أمرتها الحاجة زاهية برفق أن تجلس جانبها ففعلت وهي تجاملها بابتسامة..
سكبت رتيل لها فنجان قهوة فتناولته ياسمين منها مغمغة بالشكر ثم ارتشفت منه بهدوء بينما الهدوء يلف المكان..
كانت ياسمين تدرك أن حماتها طلبتها لحاجة تخص مازن إلا أنها أثرت الصمت حتى تبدأ هي الكلام..
استشعرت الحاجة زاهية تساؤلات ياسمين الغير منطوقة فقالت بهدوء لها
((لم انده عليك لشيء محدد.. نريد أن نجلس معك قليلا.. نكاد ننسى ملامح وجهك.. الجلوس وحيدة في غرفتك دون فعل شيء غير صحي بالنسبة لك))
أومأت ياسمين برأسها في صمت وعادت ترتشف من فنجان قهوتها لتسألها أخيرا الحاجة
((هل تتواصلين مع زوجك جيدا؟))
تجمدت عينا ياسمين كملامحها تماماً قبل أن تتبدل للحنق عند ذكر سيرته.. لكنها أجابت بهدوء قاتم
((نعم.. لا تقلقي هناك اتصال دائم بالهاتف بيننا ولساعات يوميا..))
قالت الحاجة زاهية بحزم مخفف
((جيد يا ياسمين.. يجب أن يكون هناك تواصل دائم بين الزوجين فهو يذيب الحواجز الجغرافية بينكما ويشعر كل طرف بأنه ليس بعيدا عن الأخر))
ضيق شاب روح ياسمين وهي تقول بطاعة كي تريح والدة زوجها
((لا تقلقي سأواصل ما افعله))
غمغمت لها بصوتٍ يلفه الحزن
((لا بد أن مازن يمر بظروف صعبة منذ ذهابه وحيدا إلى بلد غريب.. لذا حاولي دائما أن تخففي عنه وحدته وغربته وأن تشعريه بأنك تتمنى وجوده بجانبك واشركيه في كل أمور حياتك حتى لا يشعر وكأنه في معزل عن عنك وعن هدى))
بدت علامات التبلد والتجهم بادية على وجه ياسمين وهي تتمتم
((فليكن الله بعونه))
تنهيدة عميقة خرجت من صدر زاهية ثم ناظرت رتيل التي كانت تلتزم الصمت منذ وقت طويل فقالت لها وهي تتذكر مسألة الصباح
((رتيل لا أريد مما حدث صباحا أن يتكرر لو سمحتي))
ارتفع احدى حاجبي رتيل ببطء شديد ثم قالت متسائلة
((هل تقصدين مسألة يزيد؟ ولكن أولادي حقا يحبون رفقته))
رمقتها الحاجة زاهية شزرا وهي تقول بصوتٍ واجم
((لا أحب أن يدخل الصبيان داخل منزلنا هنا بلا حسيب أو رقيب.. لدينا حفيدتين يا رتيل))
همت رتيل بالتوضيح والاعتذار وهي تقول
((معك حق وانا أسفه.. لكنه صغير.. فقط في السادسة من عمره))
رفعت زاهية كف قاطع أمامها بشكل متصلب ثم غمغمت بنبرة باترة
((حتى ولو يظل محظورا عليه الدخول هنا.. يظل غريبا علينا))
بدأ ذاك الضيق الغريب الذي يستبد بها عند ذكر ابن تلك البستانية يتفشى في داخلها..
فثارت أنفاسها وتشتت أفكارها وبشكل تلقائي انزعجت ملامحها باختناق لتتمتم وهي تنظر بعيدا
((كم أكره وجود هذا الصغير بالذات هنا.. أكرهه هو وأمه.. وأكره اسمه))
ثم وضعت القهوة على المنضدة الصغيرة واعتدلت بهدوء واقفة تقول بينما تغادر
((سأذهب الآن للحاج لأرى إذا ما كان يحتاج لشيء))
أومأت كل من ياسمين ورتيل لمغادرتها وبمجرد أن أغلقت باب المجلس خلفها حتى رسمت ياسمين تلك الملامح المستغربة وهي تتمتم بخفوت كمن تحادث نفسها
((تكره اسم "يزيد".. عجيب أمرها!))
رفعت رتيل حاجبيها تسألها
((ما هو العجيب؟))
قالت ياسمين بنبرة عفوية
((أتذكر عندما كان حبلة بابنتي هدى قالت لي بأنه لو كان الجنين ذكرا فهي تريد أن تسميه يزيد على اسم والدها لأنها حلمت به))
عقدت رتيل حاجبيها ورفعت أناملها لذقنها لتقول مفكرة
((نعم أتذكر هذا.. لقد ولدت هدى ويزيد وفهد في نفس السنة.. أخبرتكِ أن تسمي ابنك يزيد لو كان ذكرا لأن مؤيد كان مصرا على تسمية كل أولادنا بأسماء أجداده من طرف أبيه))
هزت ياسمين كتفيها تقول ببساطة
((غريب أن تكره عمتي هذا الاسم وهو على اسم والدها))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-21, 07:02 PM   #437

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

اجتمعت سهر مع والديها حول سفرة الطعام في المنزل تجيب والدتها
((نعم يا أمي ستتزوج شيرين قريبا.. ولكن بدون أن تقيم أي احتفال بسبب حداد العريس على ابن عمه))
همهمت تمارا وهي ترفع الشوكة وتمضغ قطعة اللحم بهدوء.. وبجرد أن انتهت قالت بفضول
((هل حقا يعمل كرائد؟ متى تعرفت عليه وطلبها للزواج فجأة؟))
أجابتها سهر بنبرة عادية
((نعم أمي انه رائد رأيته عدة مرات في السابق عندما كان يزور منزل والدها.. انه من القرية التي كانت تسكن فيها في الماضي.. قرية أمها))
بدأ العبوس يتسلل لملامح تمارا فقالت بغبطة
((أوه حقا؟ هذا جميل.. صديقتك فجأة خطبت وستتزوج ونحن لا زلنا بانتظار الأستاذ خطيبك حتى يدفع المهر المكتوب بالعقد.. ويشتري فيلا لتسكني بها معه ويقيم زفافا أسطوريا يليق بك يا سهر))
وضعت سهر شوكتها فوق الطاولة وشبكت أناملها ببعضهما بارتباك تحاول استعادة رباطة جأشها وهي تواجه والدته بالقول
((أمي بخصوص هذا الأمر.. أعني.. ألا تعتقدين أن متطلباتك المالية تثقل كاهل قصي وسبب تأخير حفل الزفاف وزواجنا؟))
غطت تمارا عينيها بكفها وهي تطرق برأسها بغضب منبعه الحقيقي شدة التوتر المسيطرة عليها بهذا الموضوع.. ولا ينقصها دفاع ابنتها عنه الآن..
عادت ترفع وجهها هامسة من بين أسنانها كأن من أمامها عسيرة الفهم وهي تلوح يدها أمامها
((أيتها الغبية شخص استطاع شراء ساعة اليد الماسية هذه لي كهدية بلا مناسبة فهل سيكون عاجزا عن دفع مهر عالي لك؟))
قالت سهر متذمرة بحنق
((ولكن يا أمي رغم ذلك لا ينبغي أن تكوني أسيرةً وضحيَّةً للمادة.. فأنا لا أبيع نفسي لرجلٍ حتى أغالي في مهري ومتطلباتي.. إنما أبحث عن شراكة حقيقيةٍ في مؤسسة الزواج))
زجرتها والدتها بانزعاج
((أيتها الغبية أنا اضمن لك حقك بحياة مرفهة لا تختلف عن حياتك الآن معنا))
علا صوت سهر بإدراك جاد غاضب
((بل تريدين التفاخر والتباهي أمام كل صديقاتك من المجتمع الراقي))
قالت تمارا بلامبالاة
((نعم وهذا سبب أخر))
خرجت تنهيدة عميقة من والد سهر تدخل أخيرا والتفت لزوجته يقول بصوته الهادئ
((ابنتك محقة يا تمارا.. حتى لا تخسري هذا الرجلَ مستقبلًا أنصحك بتخفيف المهر عليه ومتطلباتك المالية والخيالية فيما يخص الزفاف والشقة وغير هذه الأمور.. حتى لا تثقلي عليه فيكون في نفسه شيءٌ فيما بعد عليك وحاولي أن تتنازلي عن بعض حظِّ ابنتك في سبيل إعانته والوقوف معه فهذا سيزيد مِن قيمتك في نفسه وتكبرين في عينه كحماة مراعية))
تاهت الكلمات على لسان تمارا وهي ترى زوجها وابنتها يهاجمانها فقالت ذاهلة لزوجها
((يا أبا سهر خطيب ابنتك يرأس الشركة التي تمتلكها عائلته خارج البلاد.. لقد عينت بنفسك مخبر يتفقد حاله.. أنه ثري.. وطلباتي المادية لا تنقص على ثروته شيء.. فلماذا قد اطلب من رجل ثري شروط أقل ثمن؟))
تكدرت ملامح والد سهر إلا أنه قال لزوجته بروية وحكمة
((نحن نعلم بأنه رجل ثري ولكن مع ذلك عليك ألا تُثقلي كاهله بما لا ينبغي))
صمتت سهر تهز رأسها بيأس من أمها وهي تضغط على جبهتها.. ثم عادت تمضغ طعامها بدون شهية وقد فقدت الأمل منها فهي لن تغير فجأة أفكارها التي اعتنقتها منذ عقود..
بينما لم ترد تمارا أن تعارض زوجها كثيرًا خاصة وهي تعرف بمرضه مؤخرا الذي يخص كبده المنهك خاصة وهي تسمعه يقول لها من جديد
((أنه أحب هذا الشاب ولا أريد أن أفقده كصهر لي بسببك.. فمن أين ستجدين شابا غيره يتمتع بالصفات التي يتمتع قصي بها من ثقة بالنفس ونضج في التصرفات وتستطيعين الفخر كصهر به بين مجتمع صديقاتك الراقي يا تمارا!))
تنهدت تمارا ببؤس..
فهي لن تنكر أنها معجبة بقصي كزوج لابنتها فهو شاب جذاب يحافظ على قواعد الإتيكيت والأخلاق.. لديه توازن مثالي بين كونه شخص يجيد الغزل وفي نفس الوقت محترم.. يعلم متى يعلق بطريقة مرحة ومتى يعبر عن حكمته.. هو شاب لطيف في كل الأحوال..
ولكنه هناك أمور هي غير راضية فيه عنه..
فهو لم يحضر والديه أو جاهة في الخطبة وادعى بأنهما لا يستطيعان العودة للبلاد..
وحتى الآن لم يستطع تحديد موعد الزفاف لأنه لم يوفر أي شيء من شروطها وطلباتها..
وهنا ذهبت ذاكرة تمارا هنا إلى أول يوم تعرفت فيه على قصي.. قبل سنتين..
كانت آنذاك قد انتهت هي وابنتها سهر من التسوق بينما يغمرها الندم لإنفاقها مبالغ مالية كبيرة على منتجات غير قيمة..
فقد تجاوزت الخمسين من عمرها بسنوات وما تزال غارقة في حبها للتسوق وتشتري أي شيء بمجرد أن يقع بصرها عليه وبدون أي تخطيط سابق..
ولكن ما حيلتها والتسوق إدمانها فلا تشعر إلا من خلاله بالمتعة والسعادة التي تشبه حالة النشوة التي يشعر بها مدمنو المخدرات!
ولم تجد أفضل طريقة للانتقام من ذاتها ووخز ضميرها والندم لإنفاقها هذه المبالغ إلا أن تذهب لمعرض المجوهرات..
فأمرت السائق هادرة
((أوقف السيارة أمام متجر المجوهرات الفخم مقابل النادي الذي اذهب له أنا وسهر بشكل منتظم لملاقاتي صديقاتنا من الطبقة الراقية))
ناظرت سهر والدتها بإحباط
((أوه لا أمي..))
ردت تمارا بإصرار ولامبالاة وهي تترجل من السيارة
((أوه نعم هيا اتبعيني))
تمتمت سهر بحنق
((ستنزلين لذلك المتجر لمعاقبة نفسك على هوسك الأنثوي في التسوق.. ولكن ما ذنبي أنا!))
تطلعت لها هامسة بامتعاض
((أنتِ ابنتي.. وأنا بحاجة لمؤازرتك بينما أرى ساعة الألماس تلك التي احلم منذ سنة بامتلاكها دون أن أستطيع ادخار المبلغ المطلوب لها.. أكاد أقسم بأني لم أرَ ساعة مرصعة بكمية ألماس أكثر منها في حياتي قط))
أطلقت سهر تنهيدة قبل أن تقول لامها
((اقسم يا أمي لو توقفتِ لسنة.. فقط لسنة عن التسوق تماما لكنت استطعتِ شراء هذه الساعة))
ثم بترت سهر كلامها عند باب متجر محل المجوهرات وهي تخبرها
((سأذهب لشراء بعض المرطبات حتى تنتهي من تحديقك الروتيني بها))
وضعت سهر يديها في جيبي سترتها وتركت أمها تدلف المتجر وحيدة..
وهناك وبمجرد أن رأى الموظف الذي يحفظ شكلها حتى سارع الاقتراب منها وإلقاء التحية عليها بتهذيب ثم قال باعتذار
((أنا اعتذر منك يا سيدة تمارا))
عقدت تمارا حاجبيها تسأله
((ماذا تقصد؟))
قال الموظف بابتسامة عملية وتهذيب
((أنتِ زبونة وعميلة مهمة وقديمة لمتجرنا بالتأكيد.. وتم وضع هذه الساعة في هذه الزاوية حتى تستطيع التحديق بها براحتك في كل مرة تأتي لمتجرنا.. لكن وللأسف فلم يعد متاحا لك فعل هذا بعد اليوم فقد تم بيعها الآن))
ظهرت الصدمة على ملامح تمارا وهي تقول
((ماذا؟ تم بيعها! ولكن من اشتراها!))
ثم اقتربت من الشاب الذي كان يرتدي حلة بيضاء ويقف أمام موظف أخر من خلف الرخام بينما يخبره وهو يفتح الزجاج ويلتقط بحذر الساعة المرصعة بالألماس
((مبارك يا سيد قصي.. سيتم فورًا وضع الساعة في مغلفها))
وبالفعل قام الموظف بإعطائه الكيس الورقي الفخم الذي يحتوي المغلف فالتقطه ذاك المدعو قصي واستدار لتتبين تقاسيم وجهه لها..
بدا شابا وسيما في أخر العشرين من عمره أو في بداية الثلاثين على أكثر تقدير..
وحينها جاءتها الجرأة لتقترب منه تسأله بعفوية وغرابة أطوار لا تتناسب مع وقار امرأة في سنها
((إذن أنتَ من اشتريت هذه الساعة الفاخرة يا سيد قصي! ولكنها ساعة نسائية.. هل أنتَ من هؤلاء الذي يشترون الألماس بهدف الاستثمار وتحقيق أرباح عالية.. أم اشتريت هذه القطعة لتستحوذ عليها بهدف الاقتناء وحسب! فكما تعلم الساعة التي ابتعتها فيها كمية كبيرة حقا من الماس))
بدت الصدمة المصطنعة ظاهرة على قصي من رؤيتها أمامه وكأنه لم يتوقع وجودها فتخشب مكانه للحظات قبل أن يرسم ابتسامة وهو يقول بنبرة مرحة
((الحقيقة المبلغ الذي دفعته هو لا شيء.. فهذا هو أسلوبي في الحياة.. أما عن هذه الساعة الفاخرة فقد اشتريتها كهدية من أجل سيدة مميزة وذات ذوق رفيع))
رفعت حاجبيها تقول بهدوء وتعجب
((هدية! وضعت مبلغ باهظ من اجل هدية! لا بد أنها سيدة مميزة جدًّا بحياتك لتستثمر فيها مبلغا كهذا))
قاطع حديثهما أحد الموظفين الذي اقترب منهما عارضا خدمة متاحة للعملاء المهمين للغاية
((هل نرسل حرسًا أمني من متجرنا مع حضرتك لإيصالك للمكان الذي تريده برفقة الساعة درءً لاي حالة سرقة أو ابتزاز لا سمح الله؟))
رد قصي عليه بلطف
((لا.. لا داعي.. حارسي الشخصي يقود سيارتي))
ثم ناظرها قصي يلقي عليها الوداع قبل أن يغادر المحل.. وبمجرد خروجه حتى سمعت هتاف ابنتها شاهقة
((أوه.. انتبه))
سارعت تمارا خطواتها للخارج بلهفة وقلق لترى سهر تغمغم بعصبية وهي تمسك قميصها الملطخ بالعصير في حين قصي يقف أمامها يعتذر بقلق واسف شديد
((أنا أسف يا أنسة.. أسف جدًّا.. لم اقصد الاصطدام بك وإيقاع العصير الذي كنتي تحملينه عليك))
قالت سهر متذمرة بحنق شديد وهي تمسك قميصها الملطخ
((يا إلهي.. كيف سأذهب الآن إلى النادي بهذا المنظر!))
قال قصي كمن كان ينتهز فرصة كان بانتظارها
((هناك محال تجاري مخصص للملابس.. أرجوكِ رافقيني واختاري أي ملابس أخرى تناسبك عوضا عن هذه التي أفسدتها يا أنسة))
رفعت سهر وجهها له بحيرة ثم قالت بابتسامة مرتبكة وهي تطلع للمتاجر العديدة في هذا الشارع
((أوه نعم هناك العديد منها.. سأذهب إلى إحداها الآن مع أمي.. لا داعي لمرافقتي))
أرخي قصي ربطة عنقه بتوتر وقال ملحا
((أرجوكِ يا أنسة أنا مصر أن اذهب لأدفع ثمن الملابس التي ستشترينها))
قالت سهر بإحراج واستحياء وهي تسترق النظر لوالدتها التي كانت تتابع الموقف باهتمام
((لا أظن بأنه من اللائق أن ترافقني))
رفع قصي يديه يفرك رقبته كأنه متردد في الشيء الذي يريد قوله
((أوه فعلا معك حق.. ولكن..))
قالت له بنبرة باترة بشيء من الحزم
((صدقني لا بأس.. لم يكن اصطدامك متعمدًا بي.. يمكنك الذهاب بدون أن تشعر بأي ذنب تجاهي))
وقبل أن تستدير سهر متوجهة نحو أمها سألها بصوتٍ خافت
((يا أنسة.. يا انسه هل يمكن أن تعطي لي رقم هاتفك؟))
تخضب وجه قصي بحمرة الخجل ونكس وجهه أرضًا عندما نظرت له من فوق كتفها تسأله بعدوانية
((ماذا تريد برقم هاتفي؟))
ازدرد قصي ريقه ثم قال متلعثما
((أنا.. اقصد.. أريد أن.. اقصد أني مصر على دفع الملابس التي ستشترينها))
فجأة ومن حيث لم تشعر وجدت سهر أمها تشبك يدها بيدها وتقول لها بابتسامة مدروسة ونظرها مصوب تجاه قصي
((إنه يبدو شابًا مهذبًا ومصر على إصلاح خطئه فلماذا لا تسمحين له بتعويضك على سهر؟))
تطلعت سهر لأمها متسعة العينين إلا أنها لم تعرها انتباها بل مدت راحة يدها تقول
((هات هاتفك يا سيد قصي))
رفرفت سهر بعينيها وهي تشتت نظرها بين الرجل مقابلها وأمها لتغمغم بتعجب وهي تشير بسبابتها له
((هل تعرفينه يا أمي؟))
ابتسامة لطيفة حرجة ارتسمت على وجه قصي وهو يخرج هاتفه على الفور ويفتحه ثم يعطيه لوالدة سهر بلباقة..
فتناولته تمارا وضغطت على أرقامه ثم أعادته له قائلة
((لقد كتبت رقمي هنا.. يمكنك التواصل معي متى ما شئت للتحدث عن خطئك الغير مقصود بحق ابنتي الجميلة سهر))
شعر بخيبة امل من حصوله على رقمها هي بدل ابنتها سهر.. إلا أنه قال لها مجاملا برقي وتهذيب
((أشكرك يا سيدة.. إلى اللقاء))
تحرك قصي مبتعدا ونظره لا زال مصوبا بسحر نحو سهر التي كانت لا تكاد تستوعب شيء مِمَّا حدث..
بمجرد أن استقل قصي سيارته حتى سارعت سهر تحدث أمها ممتعضة
((هل يمكن أن تشرحي لي ما حدث قبل قليل؟))
هزت والدتها كتفيها وأجابتها وهي تسير بخطوات متمهلة للأمام نحو النادي
((مظهره ينم عن شخص فاحش الثراء ومن عائلة ذات صيت فضلا عن أنه شديد الوسامة.... فما المانع من أخذ رقمه؟ ألم يعجبك؟))
رمقت سهر والدتها باشمئزاز وهي تغمغم من تحت أسنانها
((تتحدثين يا أمي وكأنك تنتقين نوع من الفاكهة من السوق))
وتكرر بعدها موقف أخر بأسبوع عندما خرجت تمارا من النادي وتفاجأت بسائقهم الذي وصل لهم بأن هناك عطل في السيارة سيمنعه من إكمال قيادتها..
حينها ومن حيث لا تدري تفاجأت بقصي يظهر من العدم يتطلع لسائق سيارتهم ويسألهم وهو يقف أمامهم بطوله الفارع ووجهه الوسيم
((مرحبا يا سيدة تمارا.. هل تواجهون أي مشكلة بالسيارة؟))
لف الذهول ملامح تمارا وهي تقول بصوتٍ متفجر الأسارير
((سيد قصي.. كيف حالك ها قد التقينا مجددا))
التفت قصي ينظر لسهر بطريقة أربكتها وجعلتها لا تعرف التصرف ولا الرد عليه عندما سألها عن حالها..
قالت تمارا مصطنعة الحزن
((سيارتنا لم تعد تعمل.. يقول السائق بأن البطارية على الأغلب قد فرغت.. الآن لا ندري كيف سنعود للمنزل وقد قاربت الشمس على الغروب.. هل نطلب سيارة أجرة يا سهر؟))
حينها تطوع بشهامة رجل نبيل
((هل تسمحين لي يا سيدة تمارا بإلقاء نظرة عليها؟))
أومأت له تمارا بتقرير ففتح قصي باب السيارة ودلف للداخل وكانت أقل من دقيقة حتى بدأت السيارة تعمل فتعجب السائق قائلًا بدهشة له
((ماذا فعلت بها يا سيد؟ كيف استطعت أن تجعلها تعمل؟))
التفت قصي بابتسامته الجذابة يقول بمزاح مشوب اfللباقة
((إنه سر لن أفشيه))
اقتربت تمارا منه تقول بانبهار
((لم تتح لي الفرصة حتى الآن أن أسألك يا سيد قصي عن مجال عملك؟))
فهم قصي بأن سؤالها هو الصيغة المؤدبة للسؤال الشهير الأخر "كم تجني من عملك؟".. فسعل يجلي صوته إلا أنه أظهر واجهة اللامبالاة وهو يقول ببطء وتروي يساعده على الاختلاق
((عملي ممل.. يتعلق بالإنترنت والإلكترونيات.. أدير شركة العائلة بنفسي.. وأيضا..))
كان لا زال بريق الانبهار يشع من عيني تمارا وهي تسأله
((ما هو اسم هذه الشركة؟))
ازدرد ريقه بصعوبة يقول مبتسما بشيء من الارتباك
((إنها في الخارج ولكن أديرها من هنا.. ربما أحدثك عنها في وقت لاحق))
شكرته تمارا وهي تستقل السيارة مع ابنتها..
بدأ السائق يقود السيارة ومرت دقائق على انطلاقه حتى علا رنين هاتف تمارا فأجابت على الفور على المتصل
((مرحبا قصي؟ هل هناك شيء؟))
((أردت فقط أن أتأكد من أن السائق لا يواجه أي مشكلة في القيادة))
تطلعت تمارا لسهر المتجهمة نظرة ذات مغزى ثم أجابته
((لا نواجه أي مشاكل.. وكل الشكر لك فما رأيك أن تأتي لمنزلنا في مساء اليوم لتقابل زوجي ويشكرك على المعروف الذي قدمته لنا؟))
وبدا قصي وأنه كان بانتظار هذه الدعوة منها فلباها على الفور..
وفي نفس ليلة هذا اليوم كان في استقبال والد السهر الذي جلس معه مطولا يتجاذب أطراف الحديث..
وقد حاول قصي حينها أن يثير إعجابه بكل إنجازاته ونجاحاته.. فبدأ بذكر أسماء معارفه وأخبره كم يعرف الكثير من المشاهير ورجال الأعمال في البلاد.. وعن سياراته وولعه فيهم..
ولم تنكر سهر أنها في هذه الجلسة بالذات شعرت بشي تجاه قصي بل كانت مشدوهة له وهي تراه يسترق النظر لها بين الفنية والأخرى بنظرات تخترقها وتأسرها تماما..
عادت تمارا للواقع وبريق ساعتها المرصعة بالألماس لا زال يخطف أنفاسها وكأنها تراها لأول مرة..
لا يمكن أن تشرح كيف كان شعورها عندما اكتشفت في ذاك اليوم أن قصي جلب هذه الساعة لها لتكون هدية مميزة لها في نفس يوم عقد قرانه على ابنتها سهر..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-21, 07:03 PM   #438

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي



عقب الفجر بوقت.. خرجت الحاجة زاهية ترتمي في حديقة منزلهم وتسرح فيها لا يرافقها شيء سوى صوت الطبيعة بينما تتأمل يقظتها ومجيء الصبح وشروق الشمس..
لطالما كان للصباح جمال جذاب بالنسبة لها ففيه تتجانس أنغام الطيور مع رائحة القطرات الندية فيجدد في نفسها من أمل وتفاؤل..
تناهى إلى سمعها فتح بوابة منزلهم الحديدية لتعرف أنه مصعب.. فهو الوحيد من يدلف للمنزل بهكذا وقت تبعا لطبيعة عمله في المشفى..
بهدوء وعلى مهل طالعته وهو يتقدم منها ثم يلقي السلام عليها لترده عليه قبل أن تسأله بهدوء
((أين كنت يا مصعب؟))
صوب مصعب عينيه في عيني والدته ليرى قلقاً عظيماً رغم ملامحها الصارمة وتعابيرها الحازمة ونبرة صوتها الجافة.. فاقترب منها يخبرها بابتسامة مطمئنة
((لا تقلقي أنا بخير))
فأوما رأسها قبل أن تخبرها بنفس هدوئها
((والدك مستيقظ يقرأ ورده اليومي وأخبرني إذا ما جئت الآن أن أخبرك لتأتي إليه))
هز رأسه ثم اقترب منها أكثر يلثم جبينها ليشفق قلبها ويتلاشى حنقها الأمومي من غيابه..
تمتمت له داعية بهداة الباب وهي تراه يبتعد ويدخل للقصر..
.
.
طرق مصعب الباب وأذن له والده في الدخول.. ألقى السلام وتقدم ليجلس بجانبه مباشرة..
عم صمت ثقيل بينهما لدقائق قبل أن يبتسم الحاج يعقوب بشجون وهو يناظره هادرا بصوته الرخيم
((كيف حالك يا بني؟))
تطلع لأبيه له بانشداه للحظات قبل أن يجيبه له بصوتٍ خافت وبهدوء متأصل فيه
((الحمدالله بألف خير أنا))
تمتم الحاج يعقوب بكلمات الحمد هو الأخر.. ثم عاد يسأله
((هل شعرت بالظلم عندما طلبنا منك أن تتزوج قريبة من قتل ابن عمك يحيى؟))
لف الذهول وجه مصعب كردة فعل على كلام والده الذي سري في مسامعه.. إلا أنه أجابه بصدق وعيناه تنطقان كلماته معه
((لا يا أبي.. لو كان يحيى رحمه الله على قيد الحياة لكان هو الأخر طلب أن يتم هذا الزواج أو أي شيء أخر على أن تراق الدماء ويقع بريء أخر لا ذنب له ضحية))
أخذ يعقوب يحدق في ملامح ابنه بنظرة عميقة غريبة بعض الشيء.. وكأنه يستكشف شيئاً ما.. ثم هزّ رأسه برضا.. مدمدمًا له
((وهذه كانت فكرتنا أنا وأخيك وكل من وافقنا من الوجهاء.. رغم رفضي في البداية اختيارك أنتَ لتتزوجها.. إلا أني لاحقا اقتنعت بك أنتَ دونا عن الباقي لعلمي بأنك خير من سترعى تلك الفتاة التي لا ذنب لها بما فعله أحد أبناء أقارب والدها.. أنتَ لن تظلمها حتى لو لم تحب عشرتها))
كان في مضمون كلام يعقوب رجاء من ابنه أن يؤكد كلامه.. فجاءها الرد منه بصدق منطفأ
((لا تقلق يا أبتي))
أمسكت يد الحاج كف ابنه وهو يخبره واضعا عينيه بعيني ابنه
((أنا أثق بك يا مصعب.. فعندما اقترحنا أن يتم الصلح عن طريق الفصيلة.. كنا نريده زواج فصيلة بالاسم فقط.. فلا إنسان في هذا العالم يستحق أن تهان كرامته))
كان مصعب يتطلع في أبيه.. صوته الوقور.. هيبة نظراته التي تضاعفت مع السنوات..
ثم شدّ على يده في إشارة ألا يقلق أبدًا.. فرقت ملامح والده باطمئنان..
ثم عاد يسأله باهتمام وقد تجلت على ملامحه تلك الابتسامة الخاصة بمشاعره الأبوية وهو يمسك دله القهوة ويسكب منها في فنجان فارغ
((أين كنت في الأيام السابقة يا مصعب؟))
أجابه وهو يلتقط منه فنجان القهوة
((كنت أنام في المشفى الأيام الفائتة.. أما في الأمس نمت في أرضنا البعيدة كما كنت معتاد أن افعل مع يحيى رحمه الله وبعض الأصدقاء))
قال أبيه بصوتٍ شجي مثقل بالشوق
((رحمه الله.. بعد أن أسعد الناس بروحه المرحة وشخصيته المحبوبة وقلبه الطيب رحل عن هذه الدنيا في عز شبابه غدرا.. بعد أن ترك أثره الطيب فينا جميعا.. وفراقه المؤلم أثرا أكبر.. ادعُ له يا مصعب دائما فقريبا يأتي دور كل واحد فينا))
تمتم مصعب داعيا وصوته يحمل بين أوتاره الرقيقة بعض الشجن
((لقد ترك مكانا لن يملئه أحد فاغفر له يا ﷲ واجزه عن الإحسان إحسانا واملأ قبره بالرضا والنور والسرور))
ارتشف مصعب قليلا من ضح القهوة واستمر الحوار الدافئ بينهما لدقائق بأريحية.. قبل أن يخبره والده
((اصعد لجناحك ونل قسطا من الراحة.. تبدو متعبا يا بني))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-21, 07:04 PM   #439

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي







في جناحه..
غير ملابسه ثم تمدد على السرير بجانب نورين التي كانت مستغرقة في نومها..
لم يمضِ الكثير من الوقت قبل أن يشعر بها تقترب منه وتلفه بيديه.. جفل لوهلة والتفت لها متجهما ظانا منه أنها مستيقظة وهو يراها تدفن رأسها في عنقه تتنفس عطره الرجولي المألوف لها متلذذة به بتأوه مهلك لرجولته رغم نفور منها الذي لم يفارقه حتى الآن..
بالكاد تماسك مصعب وهو يهزها ويبعدها قائلا بحزم زائف
((نورين لا تدعي النوم وابتعدي عني.. نورين.. نورين))
تراخت ذراعيها الملفوفتين حوله وفتحت عينيها المغمضتين تدريجيا وهي تتمتم بصوتٍ ناعس أجش
((ما.. ماذا يحدث؟ ما بك؟))
ثم سرعان ما فتحت عينيها على اتساعها شاهقة وهي تحرره وتبتعد للخلف.. لتسأله بصوتها الناعس المشوب بالدهشة
((متى جئت يا مصعب؟))
أجابها بنبرة اعتيادية
((قبل دقائق))
وبدون أن يعي ابتسمت شفتاه لعينيها وهو يقول
((لقد ارتحت منك في الأيام السابقة.. حقا))
لم ترد على مزاحه الثقيل.. ولم يرَ ابتسامتها في عينيها بل كان هناك تعبير دفين فيهما.. أقرب للحزن..
مما جعله يهمس سائلا بقلق
((هل حدث شيء أثناء غيابي يا نورين؟))
أومأت برأسها نافية دون أن ترسم على ملامحها العابسة بالفطرة شيء.. ثم نكست رأسها..
فمد يده يمسك بذقنها ليرفعه وهو ينظر لعينيها سائلاً بصوتٍ خفيض خشن
((هل أزعجتك أمي أو زوجة أخي؟ أو ربما إحدى الخدم؟))
لم ترد عليه بل سرحت تحدق به بدهشة غريبة في بعينيه المتجهمتين..
قبل أن ترسم أخيرا ابتسامة باهتة دون أن ينحسر تعبير الحزن عن عينيها
((هذه أول مرة تسألني عن حالي أو شيء يتعلق))
ضاقت عيناه وهو يرمقها بنظرة تهديد لتضحك بخفوت قبل أن تسعل قليلاً..
فازداد انعقاد حاجبيه قلقاً لإرهاقها الواضح وسألها بنبرة جدية
((أخبريني الحقيقة.. ماذا حدث لك؟ هل أنتِ مريضة؟ وجهك شاحب يا نورين))
حافظت على ابتسامتها لكن لف نبراتها نفس الحزن الموجود في عينيها بينما تجيبه بصراحة
((لست مريضة.. لكن مررت بوقت عصيب أثناء غيابك الأيام الماضية.. شعرت باتهامات غير منطوقة من قبل الجميع بأني سبب تركك البيت لأيام.. حتى وزنك علقوا عليه وقالوا بأنك فقدت الكثير من الكيلوغرامات منذ زواجك بي))
زفر بضيق ثم اسند بجسده ظهر السرير وهو يقول
((أنا بطبيعتي لا أحب الأكل كثيرًا وشهيتي دائما ضعيفة.. وزاد الأمر منذ وفاة ابن عمي تزامنا مع زواجي منك بنفس الأسبوع.. لا علاقة لك أنتِ في الأمر.. الجميع بعرف هذا))
راحة عجيبة تسللت إلى قلبها وروحها لسماعها اجابته التي بدت منطقية دون مجاملة..
ترددت إلا أنها مدت يدها تمسك كتفه وهي تسأله بحماس
((إذن دعني احضر لك الطعام الآن.. سأجلب لك فطورا خفيف ولذيذا ومن الأطباق التي تحبها))
اتسعت عيناه صدمة منها وهو يقول متعجبا
((هل أنتِ مجنونة؟ بالكاد طلعت الشمس.. هل هذا وقت الفطور؟))
هزت كتفها تقول ببساطة مثيرة للاستفزاز
((نعم في الأساس عائلتك وخاصة والديك معتادين على تناول الفطور في وقت مبكر جدًّا))
تغضن جبينه وهو يخبرها بنزق
((أنا اشعر بالنعاس وأريد النوم))
عبست وقربت وجهها منه ترجوه بصوتٍ متوسل
((أرجوك دعني احضر لك شيء سريعا.. صدقني أنا صرت أحفظ ما تحب وما تكره من مراقبتي لك في المرات القليلة التي كنت تأكل فيها في البيت))
قلب مصعب عينيه بالأعلى ثم زفر بسأم وهو يتمتم كمن يعيش وقتا عصيبا بسببها..
إلا أنها عقدت حاجبيها عابسة ثم ألحت في رجائها هادرة
((أرجوك يا مصعب.. فقط شيء خفيف.. أريد أن أغديك جيدا حتى يتوقفوا عن سوء ظنونهم بي))
ضيق عينيه يقول لها متهكما
((تتحدثين وكأنني فرخة تردينها حشوها قبل وضعها بالفرن))
اتسعتا عيناها ورفعت يديها تلوح أمامه نافية
((ماذا! لا أبدًا لم اقصد.. أنا فقط..))
رفع مصعب يديه يمسح وجهه المنهك ثم قال مستسلما على مضض
((فقط اذهبي واحضري أي شيء لأكله))
تفجرت أساريرها وهي تقول وعيناها تشعان بوميض المنتصرين
((حقا؟ هل اذهب لصنع الطعام لك؟))
تمتم من بين أسنانه بغيظ مصبوغ بالحنان
((لا تتأخري حتى لا أغير رأيي فأنا أكاد أموت تعبا وأريد النوم حالا))
قامت على الفور وتوجهت للمطبخ تصنع الفطور..
وضعت له الفطور وتناول منه بقدر ما استطاع تحت أنظارها المراقبة له حتى لا تحتج..
أمسك المنديل يمسح يديه مغمغما
((الحمدالله.. لقد شبعت.. والآن هل أنتِ راضية؟))
هزت رأسها تقول بسعادة
((نعم.. راضية جدًّا لقد نسيت كل ما مررت به الآن))
تنهد وهو يقول مستنتجا
((هذا جيد.. أنتِ سهلة المنال والإرضاء حقا يا نور.. فلا أسهل من مصالحتك))
بدأت ترتب الأطباق فوق المنضدة الصغيرة وتضعها فوق الصينية وهي تقول بشرود جميل
((معك حق.. أنا أبالغ في فرحي حتى في ابسط الأشياء في الحياة.. ربما لأني أريد أثأر من الأيام التي خذلتني ومن المرار الذي عشته))
حملت صينية واعتدلت واقفة تزمّ شفتيها فجأة بعبوس كمن تنبهت فقط الآن لما قاله فالتفتت تنظر له من فوق كتفها قائلة
((بالمناسبة لا تختصر اسمي.. أنا نورين لا نور.. إذا كان لا بد من الاختصار فناديني "ين" ولا تقل "نور"))
ثم غادرت الجناح متجهة نحو المطبخ في حين هو عاد يتمدد فوق سريره وثغره يرسم شبح ابتسامة متهكمة على كلامها السخيف..
إلا أنه كان من الجيد تحولها خلال دقائق وتعود الى تلك العفريتة ذات النشاط والعافية والممتلئة بطاقة لا تنضب بعيدا عن الضعف والبؤس الذي كان يلفها قبل قليل..
شعر بعودتها ثم بإغلاقها الستائر حتى لا تدخل أشعة الشمس وتؤرق عليه مضجعه..
وما إن تمددت تحت الغطاء حتى أمرها فقال محذرا قبل حتى أن تفكر بالاقتراب منه
((أريد أن أخذ راحتي في النوم يا نورين))
تنهدت في إشارة منها لتلبية رغبته.. ثم خرجت ضحكة خافتة منها وهي تطالع ظهره الذي يعطيه لها أثناء تمدده..
وعندما لم يستدير لها ولم يسألها عن سبب ضحكتها علت من ضحكتها الشقية تستفزه فأغمض عنينيه يكظم غيظه إلا أنه أراحها وسألها بنزق
((لماذا تضحكين؟))
قالت بصوتٍ منتشي من السعادة
((حرصك على رضاي وراحتي رغم أنك لم تخطئ من الأساس بحقي ولطفك معي يجعلني أظن بل أتأكد بأنك تحمل مشاعر لي مثلما أفعل أنا تماما))
هنا فقط التفت برأسه لها يحدجها بنظرات متجهمة وهو يرد عليها باختصار بنبرته الخشنة ألمألوفة
((هذه طبيعتي مع الجميع.. فلا تستفزيني على التعامل معك بعكسها بسبب.. بلاهة تفكيرك ولسانك الذي يفقدني أعصابي))
رفعت حاجبيها تقول وهي تزم شفتيها
((حسنا))
بتعابير هادئة لكن مرهقة بوضوح قال وهو يعود ليغمض عينيه
((اغلقي الستائر حتى لا تدخل أشعة الشمس))
فعلت ما طلبه وبابتسامة راضية غمغمت
((طابت ليلتك.. اقصد صباحك.. صباح الخير.. إنسَ.. فقط احظَ بنوم هانئ))
تمتم لها بهدوء وهو يغمض عينيه
((متى ما تسكتين سأفعل))
أغمضت عينيها ودثرت نفسها هي الأخرى شاعرة بالحسرة لارتدائها ثيابا صيفية رقيقة وقد كانت تمني نفسها بأنه لو عاد ستنام بين ذراعيه بعد هذا الغياب تحظى بدفئه وحنانه..
لو يعلم كم تحتاج لقربه حتى لو فقط لبضعة دقائق إضافية..
لكن لا بد أنه مجهد جدًّا.. فما إن وضع رأسه على الوسادة حتى غط في نوم عميق وانتظمت أنفاسه..
تنهدت ببؤس وبسمة مريرة ترتسم على وجهها.. قبل أن تتسع تلك الابتسامة وتزول منها غمامة المرارة..
وبدا أنها تذكرت أمرًا ما وهي تجتذب ذكرى من الماضي..
ذكرى مؤلمة.. وفي نفس الوقت جميلة.. للتقارب الذي حصل بينهما..
بدأت نورين تستعيد تلك الذكريات الخاصة بأول يوم زواج لهما.. قبل أشهر..
عندما كانت جالسة على السرير تدفن وجهها بين كلتا يديها من الشعور به.. وإذا فجأة تشعر بدلوف أحدهم لجناحها الزوجي بهدوء فرفعت نظرها لتتلاقي عينيها بعينين مصعب..
تحفزت لترفع وجهها الملطخ بالدموع له هامسة بخوف وتلعثم وهي تراه يحدجها بجمود مريب بينما يغلق الباب خلفه
((أين.. عمـــ.. عمتي؟))



Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-03-21, 07:05 PM   #440

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قلبك منفاي، في قلبك منفاي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:15 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.