آخر 10 مشاركات
جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          رسائل من سراب (6) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          116 - أريد سجنك ! - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : angel08 - )           »          91-صعود من الهاوية - بيتي جوردن - ع.ج ( إعادة تصوير )** (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          [تحميل] حصون من جليد للكاتبه المتألقه / برد المشاعر (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          كوب العدالة (الكاتـب : اسفة - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree4112Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-02-22, 08:10 PM   #1711

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل السابع والثلاثون

يقولون أن الحٌب في الصغر كالنقش على جدار القلب وهو نٌقش على جدار قلبه حب فطري لأبيه منذ أن شب.
ولكن ماذا عن عاطفة الأبوة حين تصحو فجأة من مكمنها بعد أن هيأ الرجل نفسه على أنه جذر دون فرع ؟
بعد أن اختار طوعا أن يٌكمِل ما تبقى من عمره في سلام نفسي وطمأنينة فطغت حاجته للأمان على حاجته الفطرية للأبوة خاصة بعد أن فتح الله له طاقة نور أضائت عتمة أيامه بدخول نوارة في حياته.
قبل آذان الظهر بساعة ....
كان معتصم يتململ في نومته بعد أن غفى رغما عنه وحين رفرف بأهدابه غشى عينيه ضوء النهار الذي يغمُر المسجد ونظر حوله ليجد نفسه راقداً فوق فخذي والده الذي يستند برأسه على الحائط يغط في النوم،ظل معتصم مٌستلقيا لثوانِ ينظر حوله فيتأكد أن كل ما علق في ذاكرته من أحداث ومشاعر منذ الأمس واقع ملموس وأنه لا يهلوس خاصة وهو يستند برأسه على فخذي أبيه كطفلِ في الثانية فيشعر بصلابة عظامه وملمس ثوبه وتتسلل إلى أنفه رائحة مٌحببة مألوفة رغم أنه فعليا لأول مرة يشمها ...
اعتدل معتصم أخيراً وجلس بجوار أبيه ينظر إلي ملامحه بتمعن وابتسم، فتح محمود عينيه على وجه ابنه المبتسم فبادله الابتسامة بمثيلتها وإن كانت مصحوبة بتأثر عينيه وانفطار قلبه على سنوات الفراق ...
ثم أردف محمود ببشاشة:"كم الساعة؟لا أعرف كيف نمت هكذا؟"
نظر معتصم في ساعة يده قائلاً:"الحادية عشرة ،ثم تمتم بابتسامة عذبة :وأعتقد أنني نمت قبلك"
فقال محمود وهو يرفع حاجبيه:"حدث بالفعل"
طرأت في ذهن معتصم فكرة فأردف:"ما رأيك لو نخرج ونتناول الإفطار في أي مكان ؟"
رحب محمود قائلاً:"أنا بالفعل أشعر بالجوع"
استقام كلاهما وسارا متجاورين حتى خرجا إلى ساحة المسجد فوضع معتصم يده في جيب سترته وأخرج هاتفه الذي يضعه منذ الأمس على الوضع الصامت واتسعت عيناه وتوقف فجأة وهو ينظر في شاشته فوقف محمود بجواره متسائلاً:"ماذا حدث لم توقفت؟"
فأردف معتصم:"لدي فوق الخمسون مكالمة لم يتم الرد عليها ما بين أمي غالية وأمي يمنة ولكن الأكثر عنان"
قهقه محمود ضاحكا وأردف:"يبدو أن عنان مُسيطرة بشدة يا حضرة الضابط"
ابتسم مٌعتصم قائلاً :"كما حكيت لك فهي مٌسيطرة على القلب منذ زمن طويل"
ناظره محمود بنظرة دافئة وأردف وهو يربت على كتفه بحنان:"بارك الله لكما ورزقكما من فضله"
شعر معتصم بالسكينة تغمر قلبه من هذه الدعوة الصادقة التي خرجت من القلب وأردف وهو يدعو والده للسير:"هيا لنذهب وسأحدثها ونحن في الطريق"
لم يحب معتصم أن يستقل السيارة المصفوفة عند القسم بل فضل أن يسير مع والده وكأنه يريد أن يراهما جميع الناس معا،اتصل بعنان التي كانت تغلي انفعالا ولا تستطع الجلوس في مكان بعد أن عرفت الخبر الذي انتشر بالبيت ما إن حدث صالح غالية ،اتصلت به عشرات المرات ولم يرد فأرسلت له رسائل عديدة أن يحدثها
وحين اتصل كانت بالحديقة الخلفية تحاول أن تشغل نفسها بأي شيء فردت بسرعة قائلة بانفعال:"معتصم أين أنت ولم لا ترد عليّ هل صحيح عاد والدك؟..."
أمام سيل الأسئلة المنهمرة أبعد الهاتف قليلاً عن أذنه فكان صوتها جليا لمحمود الذي يسير بجواره فقهقه ضاحكا وضحك معه معتصم الذي أعاد الهاتف على أذنه قائلا بصوتِ تتقاطر السعادة منه فتصيبها عدوى السعادة وتغمر قلبها فرحا لفرحه:"الحمد لله عنان عاد أبي بالفعل بالأمس،حين أراكِ سأحكي لكِ كل التفاصيل ،أنا منذ الأمس و حتى الآن معه أشعر أنني أريد أن أظل أتحدث معه بمفردي شهر كامل قبل أن نعود إلى البلدة"
غامت عيناها بالدموع وارتجف صوتها فوصله تأثرها وهي تقول:"اللهم لك الحمد،لا تعرف مقدار سعادتي معتصم كنت أدعو لك دائما أن يسعد قلبك ولكن لم أكن أعرف أن حٌلمك سيتحقق بهذه الصورة"
تنهد قائلاً:"الله حين يريد "
رغم اشتياقها إليه وإلى رؤياه خاصة وقد أصبح يقضي في عمله معظم الوقت ويأتيها زائرا إلا أنها تعلم أنه يحتاج أن يأخذ وقته كاملا مع أبيه فأردفت بمحبة:"حسنا حبيبي سأنتظركما معا حين يشبع كل منكما من الآخر"
قال معتصم وهو يسير ببطء بجوار أبيه يتنفس هواءا منعشا:"حسنا عنان بإذن الله نعود في أقرب وقت أراكِ على خير"
قالت بسرعة قبل أن يٌغلِق:"معتصم ... اشتقت إليك كثيرا وأحبك كثيرا"
فيض من المشاعر الحلوة غمر قلبه وهو يستمع إلى كلماتها التي تخرج من قلبها وينظر على يمينه يرى والده بجواره تنطق عيناه بمشاعر حلوة تجاهه فيشعر أن في قبضتيه أعز وأغلى أمنياته فماذا يريد أكثر من ذلك؟...
أغلق معها وكان أمامه على بُعد عدة امتار مطعم يعد الإفطار الشعبي فأردف لوالده:"ما رأيك في أن نفطر افطارا شعبيا أصيلا؟"
فأسرع محمود قائلا:"اشتقت إليه بالفعل"
دقائق قليلة وكان كلاهما يجلسان متقابلان على منضدة من مقعدين فقط يتحدثان بحميمية في أحوالهما تارة ثم يتحول مسار الحديث بكلمة واحدة فيتحدثان في أمور الدين تارة والسياسة تارة حتى بعد أن وٌضِع الطعام الشهي أمامهما ظلا يأكلان وهما يتحدثان إلى أن انتهيا من الطعام وقد شبع كلاهما حد التخمة وأُذِن لصلاة الظهر فأردف محمود:"هيا لنلحق الصلاة"
"هيا"
وحين حاول الأخير دفع حساب الطعام منعه محمود قائلا بنظرة متأثرة:"دعني أفعلها وأشعر بشعور الأب يكفي تقصيري في حقك عمرا كاملاً"
فشعر معتصم بوخزة في قلبه من نبرة والده الحزينة وأومأ له برأسه وهو يعيد حافظته في جيبه ويترك والده هو من يدفع الحساب
********
ما إن أخذت رحاب قرارها بترك المطعم للجمعية وأخذ نسبتها المحددة حتى سارت الأمور بسرعة ،وَقَعَت أوراق التنازل الخاصة بها وبأمها واستلمت النقود وها هي تقوم بإخلاء المكان ...
ورغم كل شيء .. رغم التعب من العمل والإرهاق والإحباط أحيانا إلا أن الحزن كان سيد الموقف
وقف كل من محمد ورحاب وزهراء في وسط المطعم الخالي بعد أن تم بيع كل الأجهزة والأثاث وكل منهم يٌلقي نظرة أخيرة مودعة على المكان
قالت زهراء بتأثر:"سأشتاق إلى كل شيء هنا"
فأردفت رحاب وهي تلقي نظرة مودعة:"وأنا أيضا"
فأردفت زهراء:"ما رأيكم لو نضع المبلغ الذي أخذناه من بيع محتويات المطعم كرأس مال في مشروع جديد؟"
قال محمد:"حاتم حدثني بالأمس وأخبرني انه يريدني معه في المصنع وصراحة أجد أن وظيفة ثابتة بدخل ثابت ستكون أفضل لي"
اتسعت عيني زهراء قائلة:"حقا فعل هذا؟"
أومأ برأسه قائلا :"نعم"
فقالت له رحاب:"جيد جدا ثم نظرت إلى زهراء قائلة:كما قلت لكِ نحن الأفضل لنا العمل من البيت هذا اتجاه سائد ومنتشر حاليا العمل من البيت دون الالتزام بمواعيد أو دفع ايجار مكان ومرافقه "
صمتت زهراء قليلا وأردفت:"حسنا رحاب لابد أن نناقش الأمر باستفاضة"
خرجوا جميعا من المطعم الخالي بعد أن القوا نظرة أخيرة وأغلقته رحاب وسار ثلاثتهم معا وفي الطريق كان مقر الجمعية المسئولة عن المحلات فأعطت الرجل المفتاح وشكرته وأكمل ثلاثتهم حتى تفرقوا وذهب كل منهم إلى وجهته
********
حين وصلت زهراء إلى البيت طرقت أولا على شقة الشيخ عزت ففتح الرجل الباب لها مرحبا وأردف:"أهلا فاطمة تفضلي يا ابنتي"
فأخرجت من حقيبتها مبلغا وأردفت وهي تمد يدها له:"شكرا لك أنا جئت فقط لأعطيك ايجار الشهر الذي اتفقنا عليه"
زجرها الرجل بنظره قائلا:"استهدي بالله يا فاطمة لن آخذ منكِ شيء يا ابنتي"
فأردفت بنبرة حازمة:"ونحن لن نبقى إن لم تأخذ هذا كان اتفاقنا من البداية"
جادلها قائلا:"كنت آخذكِ على قدر عقلك حتى تجلسي وتستقري"
ابتسمت قائلة:"صدقني لن نبقى دون أن ندفع وهو من الأساس المبلغ قليل فلا تحرجني"
أخذ الرجل النقود منها على مضض فهو يعرف أنها لن تتنازل
وهي عادت إلى الشقة المقابلة لشقته وفتحت الباب فكانت أمها ترتب بعض الأغراض فأردفت زهراء وهي تتقدم منها:"ألم أقل لكِ لا تفعلي شيء حتى آتي؟"
قالت أمها:"كنت أشغل نفسي عوضا عن الجلوس"
فانضمت لها زهراء لتساعدها فأردفت أمها:"الحمد لله الشقة دهانها جديد وأرضيتها كذلك ،ريحها حلو ولكن الأثاث بسيط أخشى ألا يٌشرفنا أمام أهل حاتم حين يأتون"
قالت زهراء:"الأثاث بسيط ولكنه ليس متهالك للدرجة كما أن الانسان لا يتم تقييمه بقطع الأثاث التي يملكها بل يتم تقييمه بعقله ومبادئه بأخلاقه والمثل التي يسير عليها "
فقالت أمها على مضض:"معكِ حق ولكن هذا ليس تفكير كل الناس "
قالت زهراء وهي تٌسَلِم أمرها لله:"الأفضل أمي أن يروننا على طبيعتنا وكل شيء بإرادة الله سواء إن تيسر الأمر أم لا"
صمتت المرأة وهي تدعو الله في سرها أن يجبر بخاطر ابنتها أما زهراء فما إن انتهت من مساعدة أمها واقترب موعد خروج فرح من الحضانة حتى دلفت إلى الحمام لتأخذ حماما منعشا وما إن انتهت وبينما كانت تقف أمام المرآة تصفف شعرها اتصل بها حاتم وما إن ردت عليه حتى قال :"كيف حالك اليوم؟"
أردفت وهي تتأمل ملامحها في المرآة:"بخير ،للتو أتيت من الخارج ،تلونت نبرتها بالاحباط وهي تقول:أنهينا أمر المطعم"

كان يتنقل بين العمال في المصنع يتابع العمل ويضع سماعات الهاتف على أذنيه فأردف وهو يشعر بنبرة الحزن تتسلل من بين حروف كلماتها:"ولمٓ الحزن الان؟"

وضعت الفرشاة من يدها وظلت على حالها تدقق النظر في ملامحها وصوته الرجولي واهتمامه يثيران فيها مشاعر قد ماتت منذ زمن فأحياها هو،انه الشعور الذي يراود المرأة حين تظل لسنوات تقوم بدور الاب والأم معا فتنسى في غفلة منها انها امرأة

حين طال صمتها سألها بقلق:"زهراء ما بكِ حبيبتي؟"
ابتسامة حلوة ارتسمت فوق شفتيها وتمتمت:"ابدا تأثرت قليلا حين رحلنا عن المكان فقد ارتبطت به نفسيا إلى جانب أنني افكر انا ورحاب في فكرة لمشروع جديد"

صمت قليلا وعقله يعمل بسرعة ،يعرفها رأسها يابسة ولن تلين بسهولة لفكرة أن تصبح زوجة وتتقبل أن يتكفل هو بوالدتها وابنتها فخطرت على ذهنه فكرة ولكنه نحاها جانبا وأردف بهدوء:"لا يفعل الله أمرا إلا لخير فلا تحملي الهم"
تمتمت بخفوتِ:"ونعم بالله"
فأردف:"هل انتهيتم من ترتيب الشقة وفرشها؟"
قالت وهي تنظر حولها إلى الكراتين التي لم يتم افراغها بعد:"لا أمامي عدة أيام بالظبط حتى تكون الشقة بشكل لائق"
قال والفكرة التي راودته تعاوده وتتبلور بشكل أكبر :"حسنا حبيبتي اترككِ الآن واحدثك حين انهي عملي بإذن الله"
أغلقت معه وشعور شديد الحلاوة يغمرها وقد أصبحت كل كلمة حلوة ينطق بها تنزل على قلبها كالبلسم وقد وصلت إلى نهاية المطاف في تحمل سنوات الحرمان
*******
العمر لحظة...
لا يُقاس العمر بعدد السنوات فكم منا عاش سنوات ذاكرته فيها خاوية فتأتي لحظات نعيش فيها ما لم نعشه العمر كله حتى إذا حان أجلنا كنا على تمام الرضا أن لحظاتنا الحلوة كانت عوضا لنا عن سنوات عجاف

ومعتصم الذي قضى ليالٍ طويلة في حيرة وشك قضى ليلة واحدة بالعمر كله ساهرا بجوار أبيه يستمع إليه تارة ويحكي له تارة ،ناما قليلا ومن بعدها وهما يجوبان شوارع المدينة سيرا على الأقدام فبعد أن تناولا الإفطار وصليا معا الظهر ظلا يجوبان شوارع المدينة يتعرف محمود على المكان بعد أن تغير كليا
وقبل غروب الشمس بقليلِ جلس كلاهما في أحد الميادين الرئيسية على أريكة خشبية وأمامهما نافورة مياه فأردف محمود وهو يتطلع حوله بابتسامة حانية:"المكان تغير تماما،حين تركته كان الحال مختلف"
قال معتصم بفخر لمسه والده وأسعده:"مدينتنا من أجمل المدن أبي وتطورت بشكل مٌلفت في السنوات الماضية ،صدقني لقد أصبحنا لا نفرق عن أي مكان في شيء،كل الخدمات أصبحت متوفرة"
ابتسم محمود قائلا:"الحمد لله"
قال معتصم وهو ينظر إلى جانب وجه والده الذي يتابع قرص الشمس الذي يميل للغروب:"أمي غالية سعيدة جدا بعودتك وتريد أن تراك"
ابتسم قائلا:"وأنا أيضا مشتاق لرؤيتها"
قال معتصم:"وعنان أيضا "
اتسعت ابتسامة محمود والتفت إلى معتصم قائلا:"وعنان أيضا،أشتاق حقا إلى رؤية من أثرت فيك بهذا الشكل"
فقال معتصم متسائلا:"نذهب الآن؟"
تذكر محمود مكالمة عثمان الذي أخبره أن الحضور يسألون عنه وقد تعلقوا بصوته فلابد أن يذهب إلى المسجد اليوم خاصة أن هذا هو اليوم الأخير لهم بالمحافظة وبعدها سينتقلون إلى محافظة أخرى فأردف لمعتصم:"هل ممكن أن نؤجلها للغد لأن المفترض أن أتواجد الليلة في المسجد"
قال معتصم بسرعة:"لا يوجد مشكلة أنا أيضا لدي عمل هام في الصباح ولكن لن أتأخر بإذن الله أحضر معك الليلة وأنهي عملي الصباحي بعدها نذهب معا إلى البلدة"
قال محمود:"اتفقنا"
فأردف معتصم بحماس:"ما رأيك أن أدعوك على الغذاء الآن ؟"
فأردف محمود وهو يغوص في ملامحه يرى الكثير فيها من ملامحه والكثير من ملامح أبيه أبوبكر رحمه الله ثم تمتم:"هيا بنا ولكن أنا من سأدفع لا أنت"
فضحك معتصم قائلا:"أنت هكذا لن تترك لي الفرصة لفعلها"
فأردف محمود بصوت خرج من أعماق قلبه:"ادع الله فقط أن يمد في عمري وأسدد ولو جزءا من الدين "
"أي دين؟" قالها معتصم مستفهما
فأردف محمود بعينين غائمتين بسحابة حزينة:"غيابي عنك يا ولدي طوال سنوات عمرك"
فأردف معتصم بتفاؤل:"مازال أمامنا الكثير بإذن الله"
دقائق قليلة ثم استقاما يتجهان إلى أحد المطاعم ليتناولا غدائهما يسير كل منهما بجوار الآخر فيبدوان دون أي توضيح أنهما أب وابنه ومعتصم يشعر بالفخر وهو يسير بجواره يود لو يهتف للجميع أن هذا الرجل هو أبيه ومحمود رغم سعادته ولكن لازال عقله لا يستوعب هذه المشاعر الجديدة فيشعر أنه في حلم ...حلم جميل
*******
في المساء
اجتمع حاتم ويوسف ومعهما عمرو وذهبوا جميعا إلى المسجد ليكونوا مع معتصم الذي لا يستطع أحد الوصول إليه منذ أن رأى والده،شعروا أنه رغم انشغاله ولكنه يحتاجهم ،كانوا جميعا يجلسون في ساحة المجمع وفرقة الإنشاد تستعد لبدء ليلتها الأخيرة في هذه المحافظة ومعتصم بالمسجد مع أبيه

رن هاتف عمرو وكان بهاء فرد عليه قائلا ببشاشة:"أهلا يا عريس كيف الحال؟"
قال بهاء الذي لايزال في إجازة زواجه:"بخير الحمد لله،ثم تمتم :رأيت الرسالة التي أرسلتها بمواعيد الرحلات غالبا رحلة الأسبوع القادم ستكون مناسبة"
قال عمرو بجدية:"حسنا سأقوم بالحجز بإذن الله"
في نفس الوقت خرج رجلان كبيران وانضم كل منهما إلى فريق الانشاد وخلفهما معتصم فنظر عمرو إلى الرجلين وهو يشعر بأن ملامحهما ليست غريبة عليه ولكنه لا يتذكر أين رأهما

قال بهاء:"هل تعرف أن عم رهف وزوج عمتها عندكم في نفس المحافظة؟"
انتبه عمرو إلى صاحبه قائلا:"حقا؟ في إجازة أيضا؟"
قال بهاء:"لا عمل ،الشيخ عثمان والشيخ أبوبكر لديهما عدة حفلات إنشاد في عدة محافظات لديكم"

اتسعت عيني عمرو عن آخرهما وهو يربط بين الشخصين الماثلين أمامه وبين أسماءهما وهوياتهما بما يقوله بهاء فأردف بخفوت:"ما اسم زوج عمة رهف بالضبط بهاء؟"
فقال بهاء:"محمود أبوبكر الرحماني ثم تمتم باهتمام: لمَ تسأل؟"
كان معتصم قد أقبل عليهم بابتسامة فاستقام يوسف وحاتم ليصافحانه بينما غمغم عمرو وهو لا يصدق:"نحن بهذا الوضع لم نعد أصدقاء فقط لقد اتضح أن بيننا أيضا صلة قرابة"

أخذ عمرو يقص التفاصيل على بهاء بعد أن صافح معتصم بحرارة وبارك له وكان بهاء مذهول مما يسمع وحين انتهت المكالمة كان معتصم ويوسف وحاتم وعمرو يجلسون متجاورين يستمعون إلى فرقة الإنشاد التي كانت بالفعل مميزة وأكثر ما يميزها صوت الشيخ محمود الرحماني الذي كان ينشد متأثرا وعيناه لا تفارقان عيني ابنه الذي كان نظره مُعلقا به طوال الوقت بارتباط عجيب
.....
طالت السهرة وكانت ممتعة وانضم إليهم صالح حتى بعد منتصف الليل ثم عاد كل منهم إلى بيته لتتكرر نفس تفاصيل الليلة الماضية مع معتصم ومحمود فسهرا معا حتى صلاة الفجر وبعد الصلاة مباشرة ذهبا معا إلى شقة معتصم وغفى كل منهما عدة ساعات
*******
في الصباح
حين دلف معتصم إلى القسم كان وجهه مٌشرقا والفرحة تتقافز من عينيه كطفلِ صغير ولاحظ الجميع ذلك وقد عرفوا بعودة أبيه فكان يتلقى المباركات وهو يشعر بأنه يطفو على سطح البحر لا يسير بقدميه على الأرض،كان قد أوصل أبيه إلى بيت خاله صالح الذي كان يلح لاستضافته على أن يعود معتصم بعد ساعتين يكون قد قدم على إجازة
دلف إلى حجرة خالد الذي استقبله ببشاشة واستقام لاستقباله واحتضنه بحرارة قائلا:"مبارك عودة والدك معتصم"

فأردف معتصم بزفرة ارتياح:"بارك الله فيك،ثم غمغم برضا تام:الحمد لله..ثم أردف بحماس:سأقدم على إجازة أتمنى أن يقبلها السيد هشام"

قال خالد:"ننتهي فقط من أمر ترحيل حامد العشري"
قال معتصم باهتمام:"هل تم انهاء كل الإجراءات؟"
فتمتم خالد:"نعم تم تحرير المحضر وتحريز البضاعة والسيارات واليوم سيٌعرض على النيابة"

تمتم معتصم وهو يوليه ظهره للخروج:"على خير إن شاء الله"
فوجد سعيد يمر من أمامه ولمح نظرة اهتمام وترقب في عينيه وكأنه كان يستمع إليهما فناظره معتصم بنظرة صلبة فابتسم سعيد ابتسامة رأها معتصم صفراء وأكمل طريقه فتبادل كل من معتصم وخالد نظرة خاصة
فمعتصم منذ ما حدث في بداية المهمة الخاصة بحامد العشري وهو يشك في سعيد ولكن لم يمسك أي دليل ملموس ضده
...........
بعد قليل
كان القسم بضباطه في وضع الاستعداد لنقل حامد العشري ومن معه إلى النيابة المختصة وسط حالة استنفار أمني داخل القسم وخارجه حيث تنتظر سيارة الترحيل ...
خرج حامد ومن معه مقيدين بصحبة أفراد الأمن وكان معتصم وخالد ووائل وسامح أمام باب القسم يطمئنون على الأوضاع وما إن خطى حامد من باب القسم ونزل عدة درجات حتى بدأت الأجواء التي كانت من الأساس مٌلبدة بالغيوم بالتحول حين لمح معتصم وخالد في آن واحد اقتراب عدة سيارات دفع رباعي تشكل نصف دائرة حول القسم وفي لمح البصر تبادل كل منهما نظرة خاصة وفي رد فعل سريع من معتصم سحب حامد العشري من مؤخرة ملابسه ليعيده إلى داخل القسم وكان مقيدا معه أحد رجال الأمن فساعد معتصم وهو يدفع حامد للداخل بينما صاح خالد في زملاؤه ينبههم بإشارة خاصة بينهم

حاول حامد الذي كان يعرف أن هناك من سيأتون لإنقاذه مقاومة معتصم ولكن قيده كان عائقا كبيرا رغم بنيته الجسدية القوية فصاح معتصم بصوتِ عالٍ منفعل لفرد الأمن المقيد معه:"انزل به إلى الأسفل يا حمدي ضعه في الزنزانة ولا تدع أحد يصل إليه إلا على جثتك"

فأردف حمدي بصوت صلب وهو يدفع حامد بغلظة وينضم إليه زميل آخر يساعده:"حسنا يا سيادة الرائد "

وما إن فعلها حتى بدأت أصوات إطلاق النار تدوي بالخارج فأسرع كل من بالقسم لتنفيذ حالة الطوارئ

وأول ما فعلوه هو الإبلاغ وطلب امداد وقوى اضافية ثم انضموا إلى زملاؤهم الذين يحمون القسم من الخارج يمنعون دخول أي شخص بعد أن أحكموا اغلاق سيارة الترحيلات على رجال حامد الذين لم يكونوا هم الهدف الأساسي لتهريبهم بل كان قائدهم حامد هو الهدف

تبادل الطرفان إطلاق النار وطوقت قوات الأمن القسم حتى لا يتم اختراقه فبدأ الأشخاص الملثمون في النزول من السيارات فقد كانت أمامهم مهمة واحدة أن يخلصوا حامد العشري في اللحظة التي يصل فيها إلى سيارة الترحيلات ولكن رؤية معتصم وخالد لهم مبكرا واعادة حامد للداخل جعل الخطة تتغير فلم يكن أمامهم سوى اقتحام القسم لتخليصه وفراره إلى خارج البلاد

بدأوا في الزحف في اتجاه القسم مهاجمين والرجال يتصدون لهم ببسالة من خلف حواجز وبدأ معتصم وزملاؤه في الدفاع من النوافذ وقد كانوا في موضع قوة وهم يرون المشهد كاملاً ويصطادون بطلقاتهم كل من يقترب ولكن ما زاد الأجواء اشتعالا هو بدء سقوط قوات من الأمن المنتشرون بالخارج فبدأ الشباب الصغار في الاضطراب فصاح وائل بانفعالِ:"لقد بدأ رجالنا يتساقطون وهم بدأوا في الاقتراب"

التقط معتصم نبرة القلق في صوته وكان يقف خلف النافذة المجاورة له يسدد الطلقات فيتقهقر بعض المهاجمون للخلف فهدر فيه:"مادمت تمسك سلاحك فلن يستطع أحد الاقتراب ثم أردف وضربات قلبه تتسارع:عار علينا جميعا إن نجحوا في اخراجه "
فشحنهم جميعا بالحماسة وشحن نفسه قبلهم

دقائق مشحونة الصوت المٌهيمن فيها هو صوت اطلاق النار،ورائحة البارود تغلف الأجواء فتزكم الأنوف ،يتبادل الطرفان إطلاق النار ورغم سيطرة قوات الأمن ولكن الاصرار على تهريب حامد كان باستماتة قابلتها استماتة جميع ضباط القسم في الدفاع وقد صاروا كتلة واحدة وكيان واحد يفهمون بعض من اشارة أو كلمة فيسيطرون أكثر على الوضع ورغم شجاعتهم إلا أن كل منهم مر في ذهنه ومضة خاطفة ورائحة الموت والشعور بالخطر يحفهم من كل جهة

فومضت في ذهن خالد صورة زوجته التي على وشك الولادة وصورة صغيره الذي لم يراه سوى على جهاز السونار فسرت رجفة في جسده وعقله ينبئه بأنه ربما لا يراه

ووائل الذي تحدد موعد زفافه بعد اسبوعين مر طيف زوجته التي عقد قرانه عليها منذ أيام وخاطرة تمر على ذهنه أن هذا الزفاف لن يتم فيؤلمه قلبه

وسامح الذي توفى والده منذ فترة تاركا له أمه التي ليس لها سواه تهدجت أنفاسه رغم تماسكه الظاهري وهو يفكر من سيكون لها بعده

أما معتصم الذي كان يبدو أمام الجميع متماسكا ففي الثواني التي كان يبدل فيها ذخيرة سلاحه وجد ومضات تومض في ذهنه بصور سريعة
غالية التي لا تتحمل عليه شيء فيخفق قلبه بعنف متألما على حزنها إن حدث له شيء
ثم صورة يمنة التي اكتشف بعد سنوات أنها لم تكن الفاعل في كل ما نسبه إليها بل كانت المفعول به وكان ينوي فتح صفحة جديدة معها
وأبوه الذي للتو عاد بعد غياب طويل مرير أيتركه هو بعد أن وجده ؟ لم يتخيل أبدا أن يكون اللقاء لساعات قليلة ثم يأتي الفراق ...
أما صورة عنان فاحتلت مخيلته وأشفق عليها إن حدث له شيء وشعر بالاشتياق إليها من الآن وود لو يكون في العمر متسعا ليحيا معها ولو دقائق إضافية
ولكن الصورة اهتزت وتشوشت حين سمع صوت تأوه يصدر من الجوار ليجد خالد يضع يده على صدره وقد أصابته رصاصة وينزف وفي نفس اللحظة لمح سعيد يتراجع دون أن يلحظه أحد فينزل الدرجات المؤدية إلى الزنازين فأسرع بخفة خلفه وترك زملاؤه يدافعون ويتعاملون وآخرون يسعفون خالد

وحين نزل خلف سعيد تأكد من ظنونه حين وجده يفتح الزنزانة الخاصة بحامد العشري ولم ينتبه إليه أحد وسط حالة الهرج وتدافع الجميع للتصدي للهجوم وسمعه يقول له بانفعال:"هيا يا حامد باشا سأحاول اخراجك والجميع منشغلون"
خرج حامد بسرعة وكانت يداه مازالتا في القيد الحديدي قائلا بحدة:"وهذا القيد ماذا أفعل به؟"
فأردف سعيد بسرعة:"سأتصرف لا تقلق"
في هذه اللحظة ظهر معتصم أمامهما وأشهر سلاحه في وجهيهما قائلا بغلظة:"كنت أشك فيك منذ فترة ولكني كنت أكذب نفسي"
اندفعت الدماء في جسد سعيد وعرف في هذه اللحظة أنه هالك لا محالة وقد كٌشِف أمره وهو الذي له سنوات يعيش في خير حامد وفي المقابل يساعده وييسر له كل ما يستطع تيسيره ولم ينتبه إليه أحد ولو مرة نظرا لحرصه الشديد

أما حامد فكان يعرف أنه لو لم يٌهربه سعيد فلن يستطيع الهرب ثانية فأردف بأنفاس متسارعة:"خلصني سعيد وسآخذك معي إلى الدولة التي سأهرب إليها فتعيش هناك ملكا"

فتلمع عيني سعيد ببريق وهو الذي طوال عمره في بلده لا يشعر أحد بقيمته وذاق أنواعا من الفشل بداية بضياع فرصته للالتحاق بكلية الشرطة ليصبح ضابطا فيؤل إليه الحال إلى عمله الحالي المتواضع من وجهة نظره يرى كل يوم من يحققون حلمه الذي لم يستطع الوصول إليه كمعتصم وزملاؤه فيمتليء قلبه بالكره لهم والنقمة على حاله وعلى كل شيء حوله

ثوان قليلة حسم فيها أمره ورفع سلاحه في وجه معتصم وقبل أن يضغط على زناده كان معتصم الأسرع وهو يصيبه برصاصة في يده صرخ سعيد على أثرها فانقض عليه معتصم بعد أن سقط سلاحه وضربه بكعب سلاحه على مؤخرة رأسه ليفقد وعيه في التو فدفع حامد الذي كان القيد يكبله عن فعل شيء إلى داخل الزنزانة بحدة قائلا بصوت منفعل شديد العلو والخشونة:"تملأ البلد بالسموم وتقتل شباب في عمر الزهور وتريد الفرار خارجها لتحيا حياة رغدة !"

دفعة معتصم أسقطت حامد أرضا فارتطمت رأسه في الأرضية بعنف فسحب سعيد من ملابسه ودفعه ليسقط فوقه وأغلق الزنزانة بإحكام ثم تناول سلاح سعيد من على الأرض وأسرع عائدا إلى الأعلى بأنفاس لاهثة وقلب خافق بعنف ليتفاجأ أن وائل هو الآخر أٌصيب ومُلقى أرضا وهناك من يسعفه وحين اقترب من النافذة وجد رجال حامد المتبقون يواصلون معركتهم مع رجال الأمن ولاح له من بعيد وصول سيارات شرطة كثيرة فعرف أن التعزيزات الأمنية وصلت ولكن رجال حامد كانوا لازالوا يحاولون فاخترقت عشرات الرصاصات في آن واحد النوافذ المفتوحة فتهشمت عن أكملها وتناثرت الرصاصات بالداخل وتساقطت حبات الزجاج كالرمال الناعمة المختلطة بالدماء
*******


Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-02-22, 08:13 PM   #1712

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

كان صالح يجلس في البيت بصحبة محمود الذي أتى استجابة لدعوة الأول على أن يذهبوا معا إلى البلدة بعد عودة معتصم وكانت ليلة تضيفهم وحاتم يجلس معهم هو ويسر ويوسف ومريم وصغارهما يرحبون به بحفاوة في الوقت الذي كان يوسف يتصفح هاتفه فيقرأ الخبر الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بمحاولة اقتحام قسم شرطة ***** ووقوع الكثير من الضحايا والمصابين فأردف بانفعال وقلبه يهوى بين قدميه:"يقولون أنه كان هناك محاولة لاقتحام قسم ***** "
فتركزت عليه كل العيون والخوف والقلق يرتسم عليهم وأردف صالح بصوت متوتر:"متى وكيف وهل هناك اصابات؟"

ففتح يوسف أحد فيديوهات البث المباشر التي تبث الحدث وكان حاتم بجواره فاقترب منه وأنفاسه تتسارع فكان يظهر القسم الذي تبدو عليه آثار الهجوم وقوات الأمن المكثفة المتواجدة ووحدات الإسعاف التي تحمل المصابين فيبدو أن الهجوم كان عنيفا والقنوات الإخبارية التي انتقلت مباشرة إلى موقع الحدث بعد سيطرة قوات الأمن على الموقف
قال محمود الذي رأى آثار الصدمة في عيون الجميع:"لا حول ولا قوة إلا بالله ،أي قسم هذا الذي تتحدثون عنه؟"
فيقول يوسف وهو يشعر بثقل في لسانه وخدر في أطرافه:"القسم الذي يعمل به معتصم" وتتجمد جميع العيون على نظرة واحدة
نظرة الهلع والسيناريو القديم الخاص بإصابة معتصم من قبل يلوح أمام الأعين
*******
كانت عنان تقف في المطبخ في بيت جدتها هي وأمها تساعدان أم أيمن في إعداد وليمة احتفالا بعودة محمود الرحماني في الوقت الذي رن فيه هاتف عنان وكانت مودة التي سمعت وهي في الكلية بالهجوم الذي حدث فأردفت بأنفاس لاهثة:"عنان أين معتصم؟"
قالت عنان بارتياب:"في العمل ماذا حدث؟"
فقالت مودة وقد تجمعت الدموع في عينيها:"اطمئني عليه إذن هناك هجوما حدث على القسم الذي يعمل به "
دخلت كلمات مودة من أذني عنان ووصلت إلى عقلها ولكن دون استيعاب لمعني ما قيل فظلت لدقائق متسعة العينين تحاول ترجمة ما سمعته وحين وصل المعنى ارتجفت شفتيها وتمتمت بصوت مختنق:"أي قسم؟"
فقالت مودة وقد أدركت حالة الصدمة التي ألمت بأختها:"القسم الذي يعمل به معتصم"
دون رد أغلقت مع مودة وبأنامل مرتجفة اتصلت بمعتصم ولكن هاتفه كان مغلقا وأمها خلفها تسألها بقلق:"ماذا حدث عنان؟"
فتهذي بكلمات غير مرتبة وصدرها يعلو ويهبط انفعالا وأنفاسها تتلاحق وهي تحاول الاتصال به مرارا وتجيب أمها:"معتصم .. القسم .. حدث هجوم"
فوضعت حليمة يدها فوق صدرها واتسعت عينيها هلعا أما عنان فأول من جاء في ذهنها يوسف فاتصلت به وكان للتو هو وصالح وحاتم ومحمود قد غادروا القسم فرد عليها بصوت محتقن:"نعم عنان "
تمتمت بحلق جاف وهي تجلس على أول مقعد أمامها بعد أن خانتها قدماها:"أين معتصم يا يوسف؟"
عرف أن الخبر وصلها فأردف بنبرة متوترة وقد جفت الدماء في جسده كله وهو يستقل السيارة بجوار حاتم بينما صالح ومحمود بالخلف:"ذهبنا إلى القسم ولكننا لم نجده ونحن الآن في طريقنا إلى المشفى لنتحرى إن كان من المصابين"
انطلق حاتم بالسيارة بسرعة وارتجفت أنامل عنان التي تمسك بها الهاتف وكانت كلماتها أقرب إلى الهذيان :"أي مصابين؟ معتصم كان بخير،منذ قليل حدثني وقال لي أعد الطعام لاستقبال أبيه "
لم يرد يوسف والدموع تلمع في عينيه وكل ذرة في جسده تئن انفعالا وخوفا على أخيه الذي كان يأمل أن يجده بين رجال الأمن ولكن حين وصلوا كانوا بالفعل قد نقلوا المصابين إلى المشفى
انهمرت دموع عنان قائلة بصدمة وصوت مرتجف:"أنت لم تراه ؟ لم تطمئن عليه؟"
قال يوسف بصوت متحشرج:"لا لم نجده بعد ولكن ما إن نطمئن عليه حتى أطمئنك"
سقط الهاتف من يدها على المنضدة وأخذت تنظر إلى أمها ودموعها تغرق وجهها الذي صار في شحوب الموتى وتهذي:"يوسف لم يجده بعد وهاتفه مغلق ...شعرت بأنفاسها تخفت وروحها تغادرها وهي تتمتم بصوت مختنق فلم يفهم منها أحد شيء:أنا لم أشبع منه بعد ...لم أقل له كل شيء بعد...أنا حتى لم أقل له أنني غرقت في حبه"
كان يوسف يسمع صوتها المختنق فلم يتحمل وأغلق الهاتف أما ليلة وأم أيمن فكلتاهما حاولتا تهدئتها ولكنها كانت قد دخلت في حالة من الإنكار فلجأ العقل إلى الهروب ففقدت وعيها بين يدي أمها
*******
دائما كان يؤمن أن الله لا يفعل شيء إلا لخير،لا يقدم ولا يؤخر إلا لخير حتى لو لم تتجلى لنا حكمة الله طوال حياتنا ومنذ أن سمع الخبر وفشل في الوصول إلى ابنه وهو يمسك سبحته يذكر الله ويَدَعي الهدوء ولكنه من الداخل يرتجف وترتعد فرائصه وكان صالح الجالس بجواره في السيارة يشعر به فأردف وهو يتحكم في انفعالاته:"لا تقلق بإذن الله سيكون بخير"

فنظر إليه محمود وعيناه قد صارتا بلون الدماء وتمتم بخفوت:"هل تعرف أنني منذ أن رأيت معتصم وأنا أحاول أن أقنع نفسي بأن ابتعادي عنه طوال السنوات الماضية كان لخير،تحشرج صوته وهو يقول:أقنعت نفسي بأن سجني لحكمة لا يعرفها إلا الله عز وجل وأنني إن كنت عدت بعد خروجي من السجن بحالتي السيئة التي كنت عليها لم أكن الأب الذي كان يتمناه معتصم ،كان تأثيري عليه وقتها سيكون بالسلب لا الإيجاب ،دمعت عيناه تأثرا وهو يقول بحشرجة بكاءه:ولكن مالحكمة يا صالح إن أخذه الله مني بعد أن وجدته أيكون اختبارا لقوة إيماني؟"

سالت دموعه وقد عجز عن كبت انفعالاته فأردف صالح رغم أنه هو الآخر بحالة صعبة ولكنه يحاول التماسك:"بإذن الله سيكون بخير ربما يريد لك الله أن تختبر احساسك به فتدرك معزته"
فأردف محمود من أعماق قلبه:"يا ليتها تكون كذلك ...لن أكذب عليك أنا شعرت بالحنان تجاهه ما إن رأيته وكنت أحاول في اليومين الماضيين اختبار مشاعر أبوتي تجاهه ولكن الآن في هذه اللحظة أشعر بالخوف عليه كأنني أعرفه منذ زمن أشعر بغلاوته وقد وضعها الله في قلبي...حزنت من أعماقي أنني لم أراه وهو طفل وأحمله بين يدي ولم تمر أمام عيني كل مراحل حياته ،تحشرج صوته بالبكاء قائلا:ولكن الآن في هذه اللحظة أشعر بالخوف عليه كأنه طفل صغير"

لم يستطع صالح التحكم في انفعالاته فسالت دموعه هو الآخر وعم الصمت المطبق إلى أن وصلوا إلى المشفى
.........
أسرع يوسف وحاتم إلى الداخل وخلفهما صالح ومحمود الذي شعر بثقل في قدميه ... فكان يوسف يسأل كل من يقابله عن مكان المصابين ويُسرع حيث يشيرون إليه ومعه حاتم وخلفهما صالح الذي يرتجف قلبه خوفا ومحمود الذي تكاد أنفاسه تتوقف وتتراجع قدماه خوفا من سماع ما يسؤه يتمسك بسبحته بين أنامله المرتجفة ويذكر الله وحين وصلوا إلى الطابق الثاني كان هناك غرف للإسعافات وفي أخر الممر غرف العمليات وزحام أمامها وما إن نطق يوسف بصوت مضطرب باسم معتصم يسأل عن اسمه بين المصابين حتى ظهر الأخير من خلفه يخرج من بين الجموع قائلا بصوت مرتفع:"يوسف"

التفت يوسف خلفه ليجد معتصم واقفا أمامه فأغمض عينيه وأخذ نفسا عميقا فأقبل عليه معتصم الذي رأى الذعر باديا على وجهه قائلا:"أنا بخير لا تقلق "

وقبل أن يتقدم منه يوسف كان صالح ومحمود يتقدمان وما إن رأى محمود ابنه يقف أمامه بكامل هيئته حتى شعر أن الروح قد عادت إليه واندفع نحوه واحتضنه بقوة فاحتضنه معتصم وسيل من المشاعر يغمرهما بشعور جديد مختلف عن شعورهما في الأيام الماضية فقد شعر محمود بغلاوة هذا الابن وبحاجته إليه ليستند عليه وشعر معتصم بمشاعر أبيه من خوف عليه ومحبة نسج الله خيوطها بينهما وحين ابتعد محمود قليلا عن معتصم لمح بقعة دماء كبيرة على قميصه فأردف بذعر:"ما هذا ؟"

فأردف معتصم الذي كان وجهه وعينيه عبارة عن خريطة لكل الانفعالات الغضب مما حدث والخوف على رفاقه المصابين،السعادة لمشاعر والده :"كنت أساعد رفاقي المصابين فتلطخ قميصي بالدماء"
فتحسس محمود كتفيه وصدره قائلا بارتياب:"ولكنك ليس بك شيء؟"
قال معتصم يطمئنه:"لا ليس بي شيء"
قال حاتم وهو يستند بظهره على الحائط:"حمدا لله "
فأردف صالح وهو يشد على كتف معتصم :"مالذي حدث بالضبط؟"
فأردف معتصم بحاجبين معقودين ووجه متغضن:"كانوا يريدون تهريب حامد العشري الذي كان يزرع السموم ويقدمها للشباب،حامد الذي بسببه مات شباب كثيرون وأدمن وضل طريقه الكثيرون"

جلسوا جميعا في استراحة المشفى وأخذ معتصم يقص عليهم ما حدث ويستمعون إليه بقلوب خافقة وحالة الطوارىء في المشفى توحي بعظم ما حدث فأردف معتصم في النهاية وهو يشعر رغم كل ما حدث بالظفر:"ولكن حمدا لله سيطرنا حتى النهاية ولم يخرجوا به بل تم القبض على كل من هاجموا ومات منهم الكثيرون"

قال يوسف وهو يتذكر عنان وحالتها:"ولم تبقى هنا هيا لتُطمئن الجميع فعنان حالتها صعبة وبالطبع وصل الأمر لماما غالية "

فاتسعت عيني معتصم بقلق وهو يتحسس جيوبه فلا يجد هاتفه ثم أردف وهو ينظر إلى نهاية الممر حيث غرف العمليات:"لن أستطيع الرحيل قبل أن أطمئن على زملائي ثم تمتم بنظرة غائمة بسحابة الحزن والقلق:"خالد ووائل بالعمليات وحالتهما حرجة"
*******
حين فتحت عنان عينيها كانت ترقد في فراش معتصم في بيت غالية فنظرت حولها لتبصر والديها على جانبيها وجدتها ونعمة وهاجر بالجوار وفي ثوان استرجعت ما حدث وتمتمت بضياع:"معتصم"
فأردفت حليمة بسرعة:"معتصم بخير لم يصبه شيء اطمئننا بأنفسنا "
فغمغمت بصوت متهدج وهي لا تقوى على الاعتدال:"هل تقولين الصدق؟"
فاقتربت غالية منها وجلست على طرف الفراش قائلة بهدوء:"وإن كان به شيء هل تعتقدين كانت ستكون هذه حالتي؟"
انتبهت عنان إلى نبرة صوت غالية وملامح وجهها ،بالفعل إن كان حدث له شيء فلن تكون هكذا حالتها،حاولت الاعتدال فساعدتها أمها فأردفت وهي تنظر حولها بعينين ضائعتين:"أين هاتفي أريد أن أحدثه"
قال يونس وهو يربت على كتفها ولا يزال توتر اللحظات الماضية قبل الاطمئنان على معتصم يؤثر فيه:"هاتفه غالبا ضاع نحن نحدثه على هاتف يوسف "
قالها وهو يُخرِج هاتفه ويتصل بيوسف لتحدث زوجها وتطمئن وحين رد يوسف أخبره أن معتصم ليس بجواره الآن فازداد قلق عنان رغم أن الجميع يطمئنها فهي لن تطمئن حتى تراه أمامها
********
قبل غروب الشمس بساعة
كان معتصم ووالده في طريقهما إلى البلدة في سيارة صالح ومعهم حاتم وقد تهشمت كليا سيارة معتصم كحال كل السيارات التي كانت في محيط القسم
وفي السيارة خلفهم يوسف الذي أحضر أمه ويسر ومريم والأولاد بناءا على طلب غالية

أما بالبيت فكان هارون قد وصل بزوجته وأولاده بعد أن علم بوصول محمود وحادث معتصم فكان وجوده حتميا ومعه يحيى الذي عاد إلى نفس الاسباب مضافا إليهم السبب الرئيسي وهو حسم أمره مع يسر ....
كان الجميع يجلسون ببهو البيت في انتظار وصول معتصم يفتحون التلفاز يتابعون التغطية الإعلامية لحادث اقتحام القسم الذي تبث تفاصيله كل القنوات الإخبارية،الجميع يطمئنون على معتصم بعد أن حدث غالية وطمأنهم صالح أنه رأه بنفسه إلا عنان التي كان القلق يأكل قلبها وتوخز الدموع عينيها وكل ذرة في كيانها تحترق لا تسمع من حديثهم شيء فقط كلماته وصوته يدويان في أذنيها
جملة قصيرة فقط اخترقت أذنيها حين هتف عمرو وهو يستقيم واقفا:"لقد وصلوا "
سمعت بعدها صوت بوق سيارة بالخارج فاعتدلت بسرعة وهرولت إلى الخارج ترفع طرف ثوبها الطويل حتى لا تقع وحين خرجت عند باب البيت الداخلي كان معتصم يفتح بوابة البيت الخارجية ويخطو بقدميه داعيا والده للدخول وخلفهما صالح وحاتم ولكنها لم ترى أي منهم ،لم ترى سوى معتصم فانتفض قلبها انفعالا واندفعت نحوه تقفز على درجات السلم كطفلة صغيرة دون شعور بمن حولها وألقت نفسها عليه قائلة بأنفاس لاهثة:"معتصم"
استقبلها بين ذراعيه وكانت تنتفض فقدر شعورها وخوفها وضمها إليه بحنو قائلا:"أنا بخير لا تخافي"
وحمد الله أنه بدل القميص الملطخ بالدماء بعد أن أحضر له حاتم غيره وإلا لكانت أصيبت بالفزع،أخذت تتحسس ذراعيه قائلة بجزع:"هل أصابك شيء؟"
فيردد وهو يربت على ظهرها:"اطلاقا"
كان محمود يقف بجواره مبتسما ودلف صالح وحاتم فأبعدها معتصم قليلا قائلا للفت انتباهها:"عنان ... جاء أبي "

انتبهت إلى من يقف بجواره واتسعت عيناها لثانية وهي تلمح التشابه بينهما في الطول والهيئة ونظرة العين ولونهما مع الاختلاف أن محمود يٌطلق ذقنه طويلة فأردفت وعينيها تنطقان بالدهشة وهي تمد يدها له مصافحة:"أهلا بك عمي حمدا لله على سلامتك "
صافحها محمود بابتسامة حلوة وإن كان لا يزال من دخله لم يهدأ قلبه من الخوف الذي أصابه باكرا وأردف بنبرة تختلط بها لهجة بلدها مع لهجة البلد التي عاش بها:"أهلا بكِ يا ابنتي" وتأمل ملامحها قليلا وشعر بتهدج أنفاسها وهي لا تزال تلتصق بمعتصم

دخل البقية يوسف وأمه وزوجته وأخته ونزل من البيت هارون ويونس وزكريا وأبنائهم يطمئنون على معتصم ويستقبلون محمود بحفاوة بالغة فتحولت ساحة البيت في هذا الوقت إلى تجمع أسري جميل والشمس من فوقهم تلقي بظلال ذهبية دافئة وهي تستعد للغروب،وحدها غالية من كانت تقف على أول درجة من درجات السلم لا تقوى على النزول،كانت تدعي الثبات طوال اليوم بعد أن سمعت صوت معتصم واطمانت أنه بخير ولكن قلب الأم ظل يؤلمها وصوت بداخلها يدوي ماذا لو كان حدث له مكروه؟ وسؤال يتردد في ذهنها لمَ يدفع أبناء الوطن دماؤهم ويفقدون حياتهم وهم لا يفعلون شيء سوى حمايته ؟ ومن يفعل بهم ما يفعل أليس لديه قلب ليحرق قلوب أمهات على أبناءهم وزوجات على أزواجهم وأبناء على آبائهم ؟
فكانت الإجابة حاضرة ... بالطبع ليس لديهم قلب يشعر ولا ضمير يؤنب

قطع عليها شرودها معتصم الذي رغم تجمع جميع أخواله حوله هو وأبيه إلا أنه لاحظها من وقفتها بالأعلى ولمح نظرة عينيها الغائرتين الممتلئتين بالدموع فربت على كتف عنان وهو يبتعد عنها قليلا رغم أنه لا يزال يشعر برجفة جسدها وهي تقف بجواره لا تستطع الابتعاد
ونظر إلى غالية ورفع ذراعيه للأعلى يشير إليها أنه ليس به شيء قائلا بنبرة حاول أن تكون مرحة:"أنا بخير غاليتي وأبي معي "
فتمتمت بصوت مختنق بالبكاء:"اصعد لي أنت وأبوك بني"
فنظر محمود إلى الأعلى وناظرها بابتسامة واسعة وهو يراها وقد مر العمر عليها كما مر على الجميع
ولكنه لم يرى يمنة التي كانت تقف خلف أمها عند باب البيت تنظر إلى ابنها أولا فيطمئن قلبها أنه بخير وتنظر من بعده إلى أبوه فتشعر بالسنوات تعود للخلف كأنه شريط مسجل تراه، يوم أن تقدم لها ويوم أن تزوجها ،ترى صورته وهو يحاول بكافة الطرق اكتشاف سر حالتها الغير مستقرة وفي النهاية تتذكر ملامحه يوم الفراق ...
وحين صعد معتصم ومعه أبوه أقبل محمود جهة غالية مقبلا يدها قائلا بمودة:"اشتقت إليكِ يا حاجة"
ففتحت ذراعيها قائلة بعينين دامعتين:"وأنا أيضا حبيبي"
احتضنته كابن لها قد طال غيابه وشعر بمشاعرها الصادقة وحين ابتعد قليلا احتضنت غالية معتصم بقوة دون كلام وقلبها ينتفض داخل صدرها
ومن خلف غالية لمح معتصم يمنة التي تقف خلف الباب دموعها في عينيها وعلى وجنتيها فقد ذاقت هي الأخرى طوال اليوم قلقا رهيبا عليه فابتعد معتصم عن غالية وتقدم من يمنة التي فتحت ذراعيها له متمتمة بحروف اسمه بين شفتيها فاقترب منها وابتسم قائلا والكلمة تخرج من بين شفتيه عفوية دون جهد أو تصنع:"أنا بخير أمي ها أنا أمامك"

فتحت ذراعيها بقلب يرفرف من وقع كلمة (أمي) التي حُرِمت منها طويلا واحتضنته بقوة وهو ذاب بين ذراعيها يشعر بمشاعرها الطاغية تغمره فتشبعه

قالت غالية وهي تنظر إلى الجميع:"هيا إلى الداخل هل ستقفون هكذا كثيرا "
فربت معتصم على كتف يمنة وقال لأبيه وهو يبسط يده أمامه:"تفضل أبي"
فخطى محمود إلى الداخل وكانت في استقباله يمنة... تلاقت العيون لثوان كانت كالسنوات،ثوان مر شريط حياتهما القصير معا أمام أعينهما وكل منهما يرى آثار الزمن على وجه الآخر رغم أن الملامح لم تتغير،وكان بينهما معتصم الذي كان يلاحظ نظرات العيون التي قطعها محمود وهو يُخفض نظره قائلا :"السلام عليكم أم معتصم كيف حالك؟"
فتجيب يمنة بتوتر :"بخير حال حمدا لله على سلامتك"
فيتمتم ب:"سلمك الله "وهو يدخل إلى البيت وخلفه معتصم وخلفهما باقي أفراد الأسرة
........
استقبل الجميع محمود بحفاوة لم يتعجب لها وهم جميعا أهلا للكرم والذوق والخٌلٌق الحسن وعلى طاولة السفرة الكبيرة جلس بجوار ابنه الذي كان يشعر وهو يجاور أبيه بفرحة يوم العيد،ينظر إلى صالح وبجواره يوسف وحاتم وزكريا وبجواره يحيى وعمرو وهارون وبجواره أحمد وآسر فينظر إلى أبيه الذي يجاوره فيشعر بالاكتمال .....
أشهى أصناف الطعام وٌضِعت على المائدة وأكل الجميع بشهية مفتوحة فتمتم محمود بتأثر:"الجلسة ينقصها الحاج عمران رحمه الله"
فيتمتم الجميع بالدعاء له بالرحمة ويقرأون الفاتحة على روحه أما النساء فتجمعن في غرفة المعيشة ليأكلن معا ولكن عنان لم تكن لديها اي شهية للطعام ومشاعرها المتضاربة تموج بصدرها وجسدها كله لازال القلق ينهشه رغم أنه أمامها ويبدو أن الخوف عليه سيظل يسكن قلبها ومثلها كانت يسر التي ازداد شحوب وجهها وهزالها ،ترى يحيى يتحرك أمامها دون أن يبدى اهتمام بها ولا حتى بنظرة وتعرف أن مواجهتهما قادمة وتخشى الصدام معه وهو لا يبدو أمامها أبدا ك يحيى
*******
مساءا في المندرة
بعد أن تناولوا الغداء قبل المغرب بقليلِ وجلسوا جميعا جلسة حميمية مع محمود تعرف فيها على الجيل الثالث كاملا وحكى الكثير مما حدث له في رحلته الطويلة فكان جميعهم يستمعون إليه بأنفاس محبوسة وكأنه ليس ماضيا ولى خرج جميع الرجال والشباب إلى المندرة يشربون الشاي الساخن ويكملون حديثهم وكان معتصم لايزال مشغول البال ويبدو هذا في نظرة عينيه القلقة،يبدو أمام الجميع متماسكا يمزح ويتحدث بانطلاق وكأنه لم يحدث شيء ولكنه بداخله غاضب مما حدث وحزين على زملاؤه الذين أُصيبوا ولاحظ محمود شروده فمال عليه قائلا بصوت خافت:"ماذا بك حبيبي؟"
فدقق معتصم النظر في عينيه قائلا بهدوء:"أشعر بالقلق على زملائي"
فقال محمود :"ألم تطمئن قبل رحيلنا؟"
"إلى حد ما ولكن هناك بعض الحالات الغير مستقرة"
فغمغم محمود:"شفاهم الله جميعا"ومن داخله يحمد الله أن ابنه ليس منهم وإلا كان عقله قد طار
أُذِن لصلاة العشاء فأردف صالح :"هيا لنصلي في المسجد ويرى محمود أهل البلدة ونخبرهم بعودته "
فشعر محمود بالحنين المقرون بالخوف من ألا يتذكره أحد أو أن تخونه ذاكرته ولا يتذكر هو أحد ولكنه خرج مع صالح واخوته وجميع أبناءهم وبجواره معتصم الذي يشعر بالزهو وهو يسير في البلدة كتفه بكتف والده
******
يبدو أن النبش في الماضي سيظل ملازما له في الفترة المقبلة فبعد الصلاة كان محمود يجلس في المسجد وبجواره معتصم الذي لا يفارقه كظله يتجمع أهل البلدة حول محمود ومعظمهم ممن كانوا يعرفونه قديما حتى لو كانت المعرفة سطحية ولكنهم يتذكرون قصة الرجل الذي ذهب ولم يعد وحين رأوه اشتعل فضولهم لمعرفة القصة فجلس يقص عليهم مختصر رحلته يحذف ما يسؤه وما يأزمه نفسيا ويحكي ما يراه مناسبا
انسحب صالح خارج المسجد وهو يشير إلى يحيى وحين خرجا معا وقف صالح أمام يحيى قائلا بجدية:"كما اتفقنا يحيى أريدك أن تجلس مع يُسر تنهيان الخلاف بينكما بأي صورة"
قال يحيى بوجه متجهم:"حسنا عمي"
نظر صالح جهة المسجد قائلا:"أعتقد جلسة محمود في المسجد ستطول هيا بنا نحن إلى البيت إلى أن ينتهوا "
أومأ يحيى برأسه وإن كانت عيناه تحمل الكثير من الانفعالات الصامتة
وحين دلفا معا من باب البيت كانت جميع النساء والبنات يجلسن حول غالية حول المدفأة جلسة دافئة يشربن مشروبا دافئا فصعد يحيى للأعلى كما اتفق مع عمه وأشار صالح ليسر قائلا:"يسر أريدك"
اتجهت يسر نحو والدها الواقف عند باب البيت فأردف حين اقتربت بهدوء شديد وإن كانت تلمح نبرة محذرة في صوته:"يسر اصعدي إلى شقتك واجلسي مع يحيى تناقشا بالعقل واحكي له عن كل ما يغضبك منه وشدد على حروف كلماته قائلا بنظرة خاصة:واستمعي له وإلى مبرراته وأسبابه وحاولي التقدير كامرأة ناضجة عاقلة تخاف على بيتها ،مط شفتيه ثم أردف باستسلام:فإن فشلتي فانزلي إليّ لأنهي الأمر إلى الأبد ...تهدجت أنفاسها وازداد شحوب وجهها وترقب عينيها فأكمل بهدوء:ستجدينني دائما جوارك وإن كنت أتمنى ألا يٌهدم بيت بٌني على المودة والرحمة والحب"
لم تجد كلمات وقد جف حلقها فأومأت برأسها ايجابا وولته ظهرها صاعدة السٌلم بخطوات رغما عنها كانت بطيئة ،رأتهما ليلة وفطنت لما يحدث فشعر قلبها بالقلق من القادم ولكنها ظلت في مكانها تدعو الله أن ييسر الخير


Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-02-22, 08:17 PM   #1713

Heba aly g

كاتبة بقسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية Heba aly g

? العضوٌ??? » 459277
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,500
?  نُقآطِيْ » Heba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond reputeHeba aly g has a reputation beyond repute
افتراضي

حين وصلت يسر إلى باب الشقة كان مواربا فدلفت إلى الداخل وأغلقت الباب خلفها وكانت أضواء غرفة المعيشة الخافتة مضاءة وأول شعور راودها تجاه بيتها هو الحنين لكل ركن فيه،وقفت في منتصف الغرفة تنظر حولها ولا تعرف أين يحيى إلى أن خرج من غرفة النوم متجها نحوها وهو يقول بنبرة محايدة:"أهلا بكِ في بيتك"
فتمتمت بخفوتِ وخجل:"أهلا يحيى"
وقف أمامها وهو لا يعرف ماذا يقول وهي تقف أمامه تتأمل ملامح وجهه وهيئته كلها باشتياق رغم كل ما كان وعم الصمت وكل منهما ينتظر الآخر أن يبدأ ويخشى أن يبدأ هو فيقول ما لا يجب أن يُقال ... حواجز اقامها الهجر ...أسوار بناها الغياب الطويل
بدأت في الشعور بالتوتر وأخذت تفرك كفيها فأردف بهدوء مصطنع:"اجلسي لنتحدث فالحديث لا مفر منه "
جلست على الأريكة المجاورة فجلس بجوارها وأردف بنبرة لا هي جافة كالمرة الماضية ولا ودودة كحاله سابقا:"هل مازلتِ غاضبة وتشعرين أنكِ لا تستطيعين تجاوز ما حدث؟"
فأردفت بوجه شاحب وصوت خفيض وعينان تصارعان الضياع:"لست غاضبة قل الغضب كثيرا ولكني حزينة "
شعر برغبة في احتواء كفيها التي توحي حركتهما بتوترها ولكنه صمد حتى لا يضغط عليها بأي شكل وأردف بنظرة ثاقبة:"حزينة من ماذا؟"
وجدت أن أقصر طريق فعليا للحل هو أن تفتح قلبها خاصة وأنه يبدو هادئا ظاهريا عكس المرة الماضية فأردفت بصوت مختنق:"حزينة أننا وصلنا إلى هذه المرحلة،حزينة أننا لم نحقق حلمنا ولم نعيش حياة سوية،حزينة أنك فكرت ولو مجرد تفكير في غيري،تغضنت ملامحه فأكملت بسرعة:وحزينة أنني لم أكن أمتلك الحكمة للتعامل مع الأمر حتى أصبح بهذا السوء"
صمتت فأردف يحيى وهو يميل في جلسته للأمام ويشبك أنامل كفيه معا يحتوي انفعاله:"أكملي ،أريدك أن تخرجي كل ما في قلبك"
تمتمت بنبرة ونظرة ينضح منهما الألم:"حين سمعت ما سمعته شعرت أنك ذبحتني،أنا كنت دائما أستند على حبك كنت تبعث بداخلي الأمان أنك غير كل الرجال،حين اكتشفت عنان زواج رماح قلت في نفسي يحيى أبدا لا يفعلها وحين اكتشفت مريم أن يوسف يعرف أخرى قلت بكل ثقة يحيى لا يفعلها فحين فعلتها شعرت أن حائط الأمان الذي كنت أستند عليه انهار فوق رأسي ورأيتك رجل عادي مثلك مثل كل الرجال ولم أجد بك تميز يحيى"
آلمته كلماتها وطعنته في الصميم ،حزين أن تصلها هذه المشاعر ويشعر أن الفراق آتيا لا محالة،التوت عضلة في فكه وصمت قليلا ونظر في عمق عينيها الغائمتين بالدموع وتمتم بصوت صلب:"حسنا يسر أنا فهمت جدا مشاعرك وحزين أن تصلك هذه المشاعر بسببي ،أنتِ بنيتِ لي تمثالا بمواصفات ملائكية وهدمته أنا لأنني ببساطة بشر ...مسح على وجهه براحته ثم أردف بقنوط:هذا بالنسبة لمشاعركِ أنتِ أما أنا فكنت أتمنى أن تكوني أكثر صبرا وتفهما ومراعاة ...كنت أتمنى أن ترجح كفة حبك على كفة عنادك "
قالت نافية:"ليس عنادا ولكن لأني كنت أحبك جدا لم أكن أتصور أن يصدر منك هذا"
مط شفتيه ثم أردف بدهشة:"كنت.أحبك.جدا ،ثم زفر زفرة حارة وهو يمارس أقصى درجات ضبط النفس قائلا:أعتقد أننا وضعنا النقاط فوق الحروف أنتِ ترين أنني لم أكن أهلا لثقتك الكبيرة وأنا أرى أنكِ لم تكوني بالنضج الكافي لاحتواء الأزمة والآن أحب أن تعرفي أن ما قلته لكِ المرة السابقة عن رفضي للطلاق كان تحت تأثير غضبي فقط فإن اخترتِ الطلاق وطلبته بلسانك سأفعلها رغم صعوبة ذلك على نفسي ولكني لن أغادر البلاد وأتركك معلقة"
كانت تغلي انفعالا وكلماته الأخيرة كانت كعود ثقاب أشعلها ،اتسعت عيناها دهشة وتمتمت بشفتين مرتجفتين وبصوت هارب:"ولم ستسافر؟"
أشاح بوجهه بعيدا وأردف بقنوط:"لا أجد شيء يدعوني للبقاء،ربما أريد البدء من جديد في أرض جديدة ،ربما لا أريد البقاء في نفس المكان الذي شهد مشاكلنا الأخيرة ،عاد بعينيه إليها قائلا وهو يتأمل ملامحها التي توحي بالضياع وصدرها الذي يعلو ويهبط من كثرة الانفعال:والآن اطلبي ما يرضيكِ واعتبريه تم"
التقت عيناها بعينيه في نظرة طويلة بألف معنى واولهم الاشتياق وسالت دموعها رغم أنها أوصت نفسها بالتماسك أمامه فأردف بصوت مختنق:"لمَ البكاء؟"
في هذه اللحظة انزاحت غشاوة من فوق عينيها،شعرت بالمستقبل يتجلى أمام عينيها فترى يحيى وقد ابتعد عنها،تقدم بهما العمر وكل منهما بعيد عن الآخر،تخيلت أن تراه يوما ببيت العائلة كاليوم فيقفا أمام بعضهما كالغرباء فترى اللون الأسود يغشى عينيها تماما كما كان يغشى عينيها الفترة الماضية وأدركت أنها ليست حمل الفراق،ارتجفت شفتيها وتمتمت بصوت مختنق:"لأني لا أستطيع أن أبتعد عنك وحين ابتعدت لم يكن جفاءا مني ولا قسوة قلب بل لأني على قدر حبي لك كان غضبي منك"
اختزل المسافة القليلة الفاصلة بينهما وتمتم وملامحه لا تزال على جمودها:"وهل هذا الحب لا يزال موجودا بنفس الدرجة أم تأثر بكل ما حدث؟"
قالت بنظرة حرقت قلبه وصدرها يعلو ويهبط انفعالا"موجود ولم يتزحزح من مكانه ولكن سكن بجواره الخوف حين رأيت وجه أخر غريب لك الفترة الماضية ،ازداد اختناق صوتها وهي تقول:حتى الآن أراك مختلفا ،أرى ملامحك متغيرة ،صوتك وطريقتك،أنا بالفعل غضبت منك وانفعلت عليك ومازالت في قلبي غصة أنك فكرت مجرد تفكير في غيري ولولا حبي لك لما استطعت أن أكمل معك حتى أنني الان تناسيت كل ما حدث وكل ما يطلبه قلبي أن تعيد لي يحيى الذي أعرفه ولا أريد شيء آخر"
رغم كل ما حدث بينهما ولكنه كان يشعر أن نهاية المطاف ستكون عند هذه النقطة رغم أن الأزمة هذه المرة غير كل مرة ولكنه كان يعرف مقدار حبه في قلبها فأردف بنظرة لانت قليلا عن ذي قبل:"تريدين يحيى الذي تعرفينه ولا تريدين شيء آخر؟"
أومأت برأسها ايجابا بنظرة مترجية وعينين لامعتين بالدموع دون أن تجد صوتها وهي تنظر في عينيه تبحث عن نظرة واحدة تطمئنها فابتسم أخيرا نصف ابتسامة وفتح ذراعيه عن آخرهما قائلا بنظرة حانية مشتاقة ونبرة دافئة:"ها هو يحيى لازال موجودا"
وحين فتح لها ذراعيه بهذه النظرة وهذه النبرة شعرت أن أبواب الحياة فٌتحت أمامها فألقت نفسها في حضنه واحتواها بعناق حار وهو يتحسس عظامها الهشة وقد نحف جسدها كثيرا فيشعر بالشفقة عليها وهي كانت كالعطشى في صحراء قاحلة وبقربه وجدت الماء فتعلقت في رقبته وهي تتخلل بأناملها خصلات شعره الغزير وهي تبكي
فتمتم في أذنها بهمس حار:"اشتقت إليك حبيبتي،اشتقت بشدة"
لم يجد كلمات أخرى مٌعبرة فشدد من احتضانها والشعور بها بين ذراعيه يقبل رأسها فتغمر وجهها في صدره وقد أقرت بأنها مهما حدث لن تلجأ إلا له ولن تسكن إلا بحضنه ،ظلا لدقائق كل منهما يستكين في حضن الآخر إلى أن أزاح الوشاح من فوق رأسها مقبلا شعرها ثم رفع وجهها نحوه مقبلا عينيها المبللتين بالدموع بنظرة غامرة بالعشق من عينيه فرفعت أناملها تتحسس ذقنه التي استطالت في غيابها فأردف وهو يغرز أنامله في خصلات شعرها:"يبدو أن ذقني الطويلة لا تروق لكِ"
فأردفت وهي تملأ عينيها بملامحه التي اشتاقت إلى سكونها :"أنت تروق لي في كل الأحوال"
كلمات تخرج من بين شفتيها الورديتين بيسر تخرج من صميم القلب فلم يعد بعد كلماتها كلام وقد تحالفت النظرة مع الكلمة ليجذبانه فيغرق في بحر غرق فيه منذ سنوات راضيا وكانت النجاة من الغرق فيها الموت عوضا عن الحياة
*******
بعد أن فرغ محمود من صلاة العشاء مع معتصم وأبناء وأحفاد عمران وجلس في المسجد طويلا يصافح جميع أهل البلدة ويحكي لهم عن قصته خرج إلى البلدة يتجول في شوارعها وطرقاتها والحنين يغمره إليها فيبدو اللهف في عينيه على كل شبر رغم تغير البلدة وتطورها كليا عن ذي قبل وعند بيته القديم توقف وهو ينظر إليه من أعلى لأسفل يتذكر في ثوان كل ذكرياته مع والديه فيه ثم تمتم وهو يلتفت إلى معتصم بدهشة:"قبل أن أسافر كانوا يريدون ازالة جميع البيوت المجاورة للترعة وظننت أن البيت هٌدِم ولم يعد له أثر"
فأردف معتصم بعد تنهيدة قصيرة وقد شعر بالمشاعر التي يموج بها صدر والده:"بل رٌدِمت الترعة وظلت البيوت كما هي"
تجمعت الدموع في عيني محمود،دموع الحنين للماضي والندم على الفراق حتى وإن كان رغما عنه فأردف معتصم ليحتوي ضعف أبيه البادي في عينيه:"تعال لندخل"
فقال محمود وهو ينظر إلى الباب المغلق باحكام:"بالطبع ليس معي مفتاحه"
فأردف معتصم وهو يخرج سلسلة مفاتيحه من جيبه ويرفع منها مفتاحا:"ولكنه معي"
ابتسم محمود ابتسامة حانية وهو يحمد الله على الكنز الثمين الذي ادخره له ربه في كبره وهو هذا الولد الذي رباه له الله وعلمه وقدمه له كهدية
فتح معتصم الباب فخطى محمود خطوة واحدة للداخل وخلفه معتصم الذي مد يده ليفتح الضوء وحين أضاء المكان نظر محمود حوله فكان البيت عبارة عن جدران يراها تماما كما تركها رغم أن اللون بهت فيعود للخلف سنوات وسنوات
*******
منذ أن صعدت يسر إلى يحيى وصالح يجلس بالأسفل يكبت قلقه وتوتره من انتظار القادم،يتمنى من كل قلبه ألا ينفرط العقد الذي عقدته غالية لأنه حتما ستحدث فرقة إن انفصل أبناء العم عن بعضهما ولم يكن حال ليلة وغالية مختلفا عن حاله،حتى نعمة فرغم ثباتها المدعى وعدم نطقها بشيء إلا أنها كانت تتمنى من قلبها أن يصلح ذات بينهما من أجل ابنها الذي ذاقت فراقه ولم تكن لتذقه لو لم يبتعد يسر ويحيى عن بعضهما ولأنها تعرف أن ابنها روحه معلقة بزوجته وهي في النهاية لا تريد خرابا للبيت كل ما كانت تريده ولدا يملأ قلبها بالفرح
فكانت كل من غالية وليلة ونعمة يجلسن بين النساء بذهن شارد وحين طال الوقت استقامت ليلة متجهة إلى زوجها الذي يجلس في ساحة البيت بمفرده وقد غاب الرجال مع محمود ومعتصم بالخارج فاقتربت منه قائلة بتوتر:"يسر ويحيى تأخرا بالأعلى ماذا تعتقد هل كل هذا الوقت يتناقشان؟"
ابتسم قائلا وقد بدأ الأمل يتسلل إلى قلبه أن يكون طول الوقت مؤشرا جيدا:"أو يتصافيان"
جلست بجواره قائلة بحرارة:"ياااارب"
فتمتم وهو يتأمل جانب وجهها في الضوء الخافت والظلام يحاوطهما:"ألا تلاحظين أن مشاكل أبناءك ازدادت وأصبحنا لا نتحدث إلا عنهم؟"
ابتسمت وقد راقت لها نظرته قائلة:"ألاحظ ولكن عن ماذا تريد الحديث يا أبا يوسف؟"
رفع حاجبا واحدا قائلا باستنكار:"أبو يوسف يريد أن يترك الجميع ويأخذ فسحة من الوقت لنفسه "
لامست أنامله بأناملها وهي تعرف أنه بالفعل تحمل كثيرا وأردفت بمحبة:"خذ الوقت الذي تريده صالح يحق لك بعد توتر الفترة الماضية"
فغمز بعينه قائلا:"هكذا يكون الكلام ،صالح لا أبا يوسف فتشعريني أنني بلغت من الكبر عتيا"
ارتفعت ضحكتها ودوت في ساحة البيت قائلة بخفوت:"مهما تكبر ستظل في عيني سيد الرجال يا صالح"
فشعر ببعض السكينة تغمر قلبه وتداعب حواسه وقد تعب بالفعل ويريد أن يرتاح
.........
أما بالداخل فمالت غالية على يمنة في جلستها بجوارها قائلة بخفوت:"أين تمام ألن يأتي ليأخذك؟"
قالت يمنة:"هو بالفعل في الطريق ليبارك لمعتصم على عودة والده"
قالت غالية بنفس الخفوت:"حسنا حبيبتي وتذهبين إلى بيتك لا يصح أن تبقي خاصة أن محمود سيبيت هنا"
لا تعرف يمنة لما نغزها قلبها من كلمات أمها فشعرت بنفسها غريبة عليها الرحيل من بيت أبيها
..........
حين عاد معتصم مع والده من الخارج بصحبة أخواله وأبناءهم كان العَشاء قد وٌضِع على طاولة السفرة وكانت يمنة قد رحلت وعاد تمام ثانية ليبارك لأخيه فجلس معهم لتناول العشاء
وحين انتهوا قالت غالية لصالح:"أريدك في الصباح أن تذبح عجلين وتدعو أهل البلدة جميعا حمدا لله على سلامة محمود من غربته ومعتصم من أزمة اليوم
شعر محمود بكرم غالية يغمره كالعادة وعجز عن الرد بينما قَبَل معتصم يدها ممتنا فأكملت:"وأنت محمود لا أحتاج أن أقول لك أن البيت بيتك وستبقى هنا"
شعر بالحرج فأردف:"أشكرك يا أم صالح ولكني سأعود إلى الفندق الذي كنت فيه إلى أن أرتب أحوالي"
قاطعته قائلة بحزم:"أبدا لن يحدث،كل هذا البيت وتذهب إلى فندق!"
وقال معتصم بجدية:"أبي أنا شقتي بالأعلى جاهزة لك"
فشعر بالحرج أكثر وأردف :"لا بني لن أرتاح هكذا "
فأردف صالح الذي يعرف مدى حساسيته:"المندرة بها حجرة الضيوف أعتقد ستناسبك أكثر محمود"
فأردف محمود صاغرا:"بالفعل ستكون الأفضل"
وبعد أن جلسوا قليلا بعد العشاء دلف محمود مع معتصم إلى المندرة ومنها إلى حجرة الضيوف النظيفة التي بها سريرين فجلس محمود على أحدهما وجلس معتصم على الآخر فأردف محمود:"اصعد أنت إلى زوجتك يبدو أنها تشتاق إليك كثيرا لم تنزل عينيها من عليك طوال الوقت"
ابتسم معتصم قائلا :"سأبيت معك هنا"
لم يستطع محمود المعارضة وقلبه لا يزال ينغزه خوفا عليه فاستلقى على الفراش وهو يشعر بتعب اليوم والأيام الماضية يحل عليه وفعل مثله معتصم الذي كانت رأسه تدور كأنه في لعبة خطرة من ألعاب الملاهي تتقافز لأعلى وأسفل يمينا ويسارا بلا هوادة وبينما كان محمود يتحدث إليه غفى هو ولم يأخذ ثوان حتى جذبته دوامة عميقة فترك محمود فراشه ودثره جيدا ثم خلد هو الآخر إلى النوم ولم يشعر أي منهما بالتي تقف فوق سطح البيت تنظر إلى المندرة تنتظر أن يخرج معتصم وطال بها الانتظار وقلبها يؤلمها بشدة شوقا ووجعا وخوفا عليه رغم أنه فعليا في أمان
******
وفي شقة صالح دلف هو وليلة إلى غرفتهما ويوسف ومريم وأبنائهما الغرفة الأخرى وحاتم الى غرفته
دخل صالح إلى فراشه واستلقى فجلست ليلة بجواره قلبها يأكلها على ابنتها قائلة:"صالح أريد أن أطمئن على يسر أتصل بها على الأقل"
استنكر قائلا:"لا لا تتصلي ليلة المفترض ابنتك هي من كانت اتصلت حين تراضت معه ولكن كما تقول أمي في الحزن مدعون وفي الفرح منسيون"
قهقهت ضاحكة فأردف بابتسامة حلوة:"المهم أن تكون بخير لا اريد غير ذلك "
لم يكادا ينتهيان من حديثهما حتى رن هاتف ليلة فالتقطته وردت مباشرة حين رأت اسم يسر (التي ألهاها اشتياقها ليحيى وشوقه إليها عن محادثة أمها لتطمئنها وحين ذهبت السكرة وجاءت الفكرة أمسكت بهاتفها لتطمئنها على استحياء) فتطلع صالح في ملامح وجهها وهي تسألها:"كيف الحال حبيبتي طمأنيني؟"
فترد يسر بخفوت حتى لا تزعج يحيى الذي غفى ولا يزال يطوق خصرها بذراعه :"بخير أمي،ثم تمتمت بحرج:تصالحنا"
فتمتت ليلة بزفرة ارتياح:"الحمد لله"
أغلقت معها ثم قالت لصالح:"اطمئن هما بخير"
غمر الاطمئنان قلبه وتمتم بالحمد لله ثم أردف بنظرة خاصة :اغلقي الباب والضوء ليلتي فأنا متعب جسمانيا وذهنيا وأريد الاستجمام"
فابتسمت ابتسامة حلوة ولبت دعوته تزيح عنه بعضا من همومه
******
منذ الصباح وبيت عمران يعمل على قدم وساق استعدادا لمأدبة اليوم احتفالا بعودة محمود وسلامة معتصم ،وكان جميع الرجال في المندرة والنساء بالبيت جميعهن منشغلات باعداد الطعام وبإشارة عين بين الثلاث بنات خرجن خلف بعضهن من المطبخ
وفي بهو البيت جلسن متجاورات فأردفت مريم ليسر بفضول:"ماذا حدث بالأمس مع يحيى احكي لنا كل شيء؟"
كان وجه يسر متوردا كما شفتيها وعينيها تبرقان وقد عادت إليهما الحياة فأردفت بابتسامة شقية:"ماذا أقول تعاتبنا وتصافينا"
قرصتها مريم من ذراعها فتأوهت وتمتمت الأولى:"اختصرتي الموقف كله في كلمتين؟"
فصاحت فيها عنان قائلة:"مريم اعطني هاتفك ما دخلنا نحن بما حدث بين زوج وزوجته"
رفعت مريم حاجبا واحدا قائلة:"ماذا تريدين من هاتفي؟"
قالت بتوتر:"معتصم ليس معه هاتف أريد أن أحدثه "
فهمت مريم مقصدها فاتصلت بيوسف وأخبرته أن يعطي الهاتف لمعتصم وحين سمعت عنان صوته ابتعدت حتى باب البيت قائلة :"معتصم أنا لا أستطيع الوصول لك منذ الأمس"
قال وهو يبتعد قليلا عن مجلس الرجال:"أعرف حبيبتي تقصيري معكِ ولكن تعرفين أن أبي يشعر بالحرج فلابد أن أرافقه"
شعرت بالخجل من نفسها ومن مشاعرها الطاغية فأردفت بتوتر:"ادخل البيت لثوان أراك"
أغلق معها وأعطى الهاتف ليوسف وحين خرج من باب المندرة وجدها تقف على باب البيت فصعد درجات السلم في خطوتين بوجه مبتسم وحين أقبل عليها تمتمت وهي تُقَبِل ملامحه بعينيها:"لا أستطيع أن أراك منذ الأمس "
لامس ذراعها بأنامله فسرى دفئا في أوردتها فأردفت باشتياق تجلى في عينيها:"سأنتظرك اليوم بالأعلى بعد انتهاء تجمعكم "
ابتسم قائلا وهو يربت على ذراعها:"حسنا حبيبتي " ثم استأذنها عائدا إلى المندرة
*******
بعد قليل
وصل طارق ووصال إلى بيت العائلة في أول زيارة لهما منذ زواجهما فأردف طارق لوصال وهو يربت على ذراعها:"ادخلي أنتِ وصال وأنا سأدخل المندرة"
قالت له بابتسامة حلوة:"حسنا"
ودلف هو الى الداخل وحين رأه معتصم أقبل عليه بابتسامة واسعة فاحتضنه طارق قائلا بقلق حقيقي:"حمدا لله على سلامتك قلقنا عليك للغاية"
فقال معتصم وهو يشعر بمشاعر أخوة قوية تجاه طارق:"الحمد لله قدر ولطف،ثم غمغم بلمعة عينين:تعال لأعرفك بأبي"
وبالداخل حين دخلت وصال إلى بيت العائلة شعرت باشتياق شديد لكل ركن فيه وحين رأت البنات اندفعت نحوهن في حضن جماعي والجميع يشعر بالاشتياق إليها ويسألها عن أخبارها
******
في المساء
يقف معتصم ومعه والده يباشران أهل البلدة المتجمعون بالمندرة يتناولون الطعام ويضايفونهم وأبناء عمران جميعا وأحفاده يباشرون البقية ،أضواء المندرة العالية مضاءة والفرح يعم الأجواء والقلوب ،كثيرون من معارف محمود قديما توافدوا للسلام والاطمئنان ومعظم أهل البلدة كانوا حاضرين ومعتصم يقف بينهم بزهو بوالده، يرتدي مثله الجلباب والعباءة بنفس اللون الأسود الأنيق والنساء بالداخل حالهن كحال الرجال من سعادة وفرح يعم الأرجاء

حين رأى رجال المزمار الشعبي الذين يمرون بالشوارع أضواء المندرة اللامعة من بعيد أقبلوا ودخلوا تسبقهم أصوات المزامير التي أضفت على الأجواء فوق البهجة بهجة فانتشى معتصم بشعور غامر بالسعادة خاصة وقد اطمئن على أصحابه أنهم أصبحوا بخير،وحين سمعن بالداخل أصوات المزامير هرعت كل البنات إلى النافذة ليشاهدن الفرقة الشعبية ،تحمس يوسف من أصوات المزامير التي تبث الحماسة فجذب معتصم من يده ليرقصان أمام بعضهما فألقى إليهم رجال الفرقة العصا ليمسك كل منهما عصا ويرقص أمام الآخر بسعادة غامرة وجميع أبناء العم يحيطون بهم،أما معتصم فكان في دنيا غير الدنيا،ضربات قلبه متسارعة وحماسة تغشاه،الفرح ينطق من بين نظراته ،يضرب عصاه في عصا يوسف فيشعر الأخير بعزمه وحماسته وحين تراجع يوسف وأخلى الساحة له ظل يدور محركا العصا يمينا ويسارا كأنه يعزف بها على أوتار القلوب وأولهم قلب عنان الذي كان هائما خارج صدرها من فرط السعادة التي مستها لمرأى السعادة تتجلى على ملامحه وفي نظرة عينيه

وحين انتهى أسرعت هي للأعلى فأخذت حماما سريعا وارتدت ثوبا حريريا باللون الأبيض الذي يعشقه عليها وتزينت كعروس ليلة عرسها وتعطرت بالعطر العتيق الذي يحمل عبق سنوات مرت من حياتها في بعده فيغمرها العطر بمشاعر تجعل قلبها ينتفض وكانت لم تخلع الخلخال الذهبي منذ أن ارتدته ووقفت تنظر إلى نفسها في المرآة بصدر خافق وانفاس متسارعة،كانت تشتاقه بشدة وتريده بشدة وكان أكثر منها ولكن وجود والده يٌحَجِمه ولكن من أجلها ترك والده اليوم على مضض على أن يبيت معه صالح في المندرة
.......
حين دلف من باب الشقة وأغلقه خلفه أسرعت هي للخارج وحين رأته أمامها كان بهيا جذابا بالجلباب والعباءة وهو قليلا ما يرتديهم فأقبلت عليه بلهفة وكانت في عينيه كحورية من الجنة بثوبها الابيض الحريري الطويل
أقبلت ومع اقترابها هفت رائحة العطر تملأ خلاياه فينتشي قلبه وتنفرج شفتيه عن ابتسامة حلوة وهي مع اقترابها لم تجد كلمات فأحاطت جذعه بذراعيها وضمته إليها ضمة قوية حانية فضمها بالمثل ضمة أقوى أذابت عظامها الهشة فدفنت وجهها في صدره تسحب إلى صدرها رائحته المحببة وجادت عيناها بالدموع الغزيرة فشدد من احتوائها قائلا بجزع:"ماذا حدث عنان؟"
تمتمت بحشرجة باكية وهي تبسط كفيها فوق ظهره:"وتسألني ماذا حدث؟لقد كدت أن أموت خوفا عليك ومازلت أشعر بروحي هاربة مني رغم وجودك بجواري ،معتصم أنا لا أتحمل عليك شيء وطلبتها منك من قبل أن تترك هذا العمل"
زفر زفرة طويلة وكان يُقدر حالتها فأردف وهو يمسد بأنامله على ظهرها وشعرها:"وهل هذا العمل فقط من يشكل خطورة على الحياة؟أي عمل عنان يحمل نسبة خطر،الشخص يموت وهو آمنا في بيته والجنين يموت في رحم أمه كلها أقدار والله فقط يسبب الأسباب"
ابتعدت قليلا وأردفت وهي تواجهه بعينيها الخائفتين ولا تزال تحيطه بذراعيها خوفا عليه:"ونعم بالله ولكني معتصم أحبك جدا ولن أتحمل فراقك أو أن يمسك سوء،هل تعلم أنني حين سمعت الخبر مت وحييت مرة أخرى"
بدى تأثره على حالتها في عينيه وشعر بالشفقة عليها فتخلل بأنامله خصلات شعرها وبيده الأخرى أحكم ضمها قائلا بأنفاس حارة لفحت وجهها:"أنا حزين أن تشعري بهذه المشاعر بسببي وسعيد لأنني أرى كل هذا الحب في عينيكِ"
فأسرعت بالقول وعينيها تنطقان بمكنون قلبها قبل لسانها:"يا حبيبي أنت لا ترى شيء،ما بداخلي تجاهك لا أستطع وصفه انا منذ فترة وأنا أريد أن أقول لك الكثير ولكنك كنت تتسلل من بين يدي ،كنت أنام وأصحو لا أجدك جواري ،أنا يا معتصم غرقت في حبك كما تمنيت ،وصلت إلى هذا الشعور منذ وقت طويل وكنت أشتاق للوقوف أمامك ونطقها وعيني في عينيك"
فغر شفتيه واتسعت عيناه وهو يرى في عينيها أمارات عشق من الدرجة الأولى ويتابع انهمار الكلمات من بين شفتيها وهي تردد بلهف وشغف لا قبل له بهما:"هل تتذكر يوم أن قلت لي أن هناك مثلثا للعشق لا تقبل دونه وهو القلب والعقل والروح؟لم تنتظر رده وقد علمتها تجربتها معه أن تبوح بمشاعرها ولا تنتظر للغد عسى أن يكون للقدر كلمة أخرى فأردفت وهي تتحسس بأناملها موضع القلب الحبيب فتضغط بلمستها على شغاف قلبه فتمسه وهو الممسوس بحبها منذ القدم:أنا يا معتصم أحببتك بعقلي فملكته وبقلبي فأسرته وبروحي فغمرتها ،اكتمل المثلث حبيبي ولا أجد لحياتي معنى دونك لذلك حتى عملك أصبحت أبغضه لأنه يأخذك مني وأنا الأولى بك ما تبقى لي من عمر"
رغم طلاقة لسانه وفصاحته المعهودة وحسن اختيار الكلمات عجز اللسان عن النطق وهو يرى أغلى أحلامه يتجلى أمام عينيه فيسمع بأذنيه ما تمناه القلب ويرى بعينيه هوسا لذيذا يتجسد في كلمات تخرج من شغاف القلب فتصيب القلب ونظرات بها افتتان ولهف
كانت بين يديه كعصفور واهن وهو يسمع وجيب قلبها وسرعة انفاسها فضمها بقوة دون كلمات مغمضا عينيه مقبلا شعرها قبلة طويلة وكلاهما تتسارع أنفاسه كمن يجري في ماراثون وحين أبعدها قليلا ليرى وجهها تمتم ببريق عينين وهو يلتهمها بنظراته:"ومن محاسن الصدف أن يكتمل المثلث عندك في نفس توقيت اكتمال المثلث عندي"
تمتمت بأنين خافت:"ماذا تقصد؟"
أغمض عينيه وهو يستند بجبهته فوق جبهتها مكتفيا فقط بنعومة ملمسها بين يديه وأنفاسهما المتقاربة وصوتها الذي يخترق القلب متمتما:"مثلث السعادة عنان، سعادتي كانت متوقفة،كانت ترتكن على ثلاث أضلاع مفقودين قمة المثلث الحب الذي أراه الآن في عينيكِ وقاعدتيه الانتماء لأبي وصفو نفسي تجاه أمي ،الآن أشعر أن الحياة تعطيني ببذخ فلا يضاهيني أحد في السعادة"
تمتمت وهي تحيط عنقه بأناملها تلامس منابت الشعر في مؤخرة رأسه:"أدام عليك السعادة التي تتمناها وأطال في عمرك حتى نشيب معا"
ابتسم وهو يشعر بفيض من السعادة والسكينة يشملانه فيغمرانه ويغرقانه وهو يسمع من بين شفتيها ترانيم عشق أما هي فبلغ شوقها وهيامها مداهما فسكتت عن الكلام المباح واقتربت بشدة وَهَمَّت به وَهَمَّ بها واختلج قلبه لفيض كرمها وسيل عطاءها وجرأتها واقدامها فكانت امرأته التي زرع بداخلها بذرة حب منذ أن تلاقت الطرق وها هي البذرة نمت وأثمرت وكان رجلها وحبيبها وهدية السماء لها

نهاية الفصل

وأتمنى يكون عجبكم وفي انتظار انطباعاتكم عن الفصل والرواية ككل









Heba aly g غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-02-22, 09:17 PM   #1714

نجلاء الصغير

? العضوٌ??? » 489818
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 135
?  نُقآطِيْ » نجلاء الصغير is on a distinguished road
افتراضي

والله مش لاقية كلام يوصف كم المشاعر اللى حاسة بيها كأنهم عيلتى اللى عايشة معاها
فرحانة جدا جدا ليسر ويحيى وانتصار حبهم
وفرحة معتصم ووالده اللى خلت عنيا دمعت
تسلم ايدك يا فنانة


نجلاء الصغير غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-02-22, 09:24 PM   #1715

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 196 ( الأعضاء 35 والزوار 161)
‏موضى و راكان, ‏NoOoShy, ‏نجلاء الصغير, ‏بدره م, ‏Heba aly g, ‏مازن ممدوح, ‏فاطمة زعرور, ‏أميرةالدموع, ‏زهرة جبال سوس, ‏Kemojad, ‏remokoko, ‏احسان مروان, ‏OsamaRageh, ‏samah ibrahem, ‏jehan, ‏رضوة محمد, ‏وسام عبد السميع, ‏بوسي موني, ‏لارا لي لي, ‏سهى قيسيه, ‏Nesry, ‏Solly m, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏طوطم الخطيب, ‏ولاء مطاوع, ‏ميمو٧٧, ‏سوهي(زهور الربيع), ‏إشراقة الشمس, ‏دانة أمها, ‏سيفينا, ‏نمنومة, ‏غمزة نظر, ‏لولو73, ‏Nora372, ‏halloul


الله يسعدك يا هبة كما اسعدتينا فصل رائع وجميل


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-02-22, 09:31 PM   #1716

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
Chirolp Krackr

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 214 ( الأعضاء 36 والزوار 178)
‏موضى و راكان, ‏Heba aly g, ‏mina10, ‏NoOoShy, ‏نجلاء الصغير, ‏بدره م, ‏مازن ممدوح, ‏فاطمة زعرور, ‏أميرةالدموع, ‏زهرة جبال سوس, ‏Kemojad, ‏remokoko, ‏احسان مروان, ‏OsamaRageh, ‏samah ibrahem, ‏jehan, ‏رضوة محمد, ‏وسام عبد السميع, ‏بوسي موني, ‏لارا لي لي, ‏سهى قيسيه, ‏Nesry, ‏Solly m, ‏ميادة عبدالعزيز, ‏طوطم الخطيب, ‏ولاء مطاوع, ‏ميمو٧٧, ‏سوهي(زهور الربيع), ‏إشراقة الشمس, ‏دانة أمها, ‏سيفينا, ‏نمنومة, ‏غمزة نظر, ‏لولو73, ‏Nora372, ‏halloula



في إنتظار الفصل القادم لنطمئن على زهراء و حاتم و نسرين و تمام

و إعدام حامد العشرى و القضاء على أمثاله

تسلم إيديك يا مبدعة


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-02-22, 09:58 PM   #1717

وسام عبد السميع

? العضوٌ??? » 386250
?  التسِجيلٌ » Nov 2016
? مشَارَ?اتْي » 269
?  نُقآطِيْ » وسام عبد السميع is on a distinguished road
افتراضي

بصراحة مشفقة عليك جدا من الفصل و المجهود اللي بذلتيه فيه
سلمو ايديك و قلمك و فكرك
مشاهد معتصم و ابوه ووصف مشاعر كل واحد منهم كانت بسيطة وعلي الرغم من كده وصلت بسهولة و سلاسة
مشاهد اقتحام القسم كانت رهيبة و كأن باشوفها صوت و صورة مجسمة و حية
المواجهة بين يحيي و يسر بتبين مانتوقعش المثالية و الكمال للطرف التاني وعدم رفع سقف التوقعات ليه وانه بشر بيمر بلحظات ضعف و اخطاء و ان رصيد المشاعر الجميلة و الحب و الود تشفع له ان نسامح و نغفر
مشاهد التجمع العائلي واجواء الاحتفال جميلة جدا....فرحت لاكتمال فرحة معتصم اخيرا و انه رسي ع البر اخيرا
تسلم ايديك يا جميلة و الف الف شكر ع الفصل الجميل❤❤❤


وسام عبد السميع غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-02-22, 10:36 PM   #1718

ولاء مطاوع

? العضوٌ??? » 463351
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 155
?  نُقآطِيْ » ولاء مطاوع is on a distinguished road
افتراضي

هو زرع يا بيبو وان شاء الله الحصاد كمان تسع شهور نجيب مزغوده صغيره او محمود صغير
انا أقسم بالله العظيم ببكي من اول جزء يحيى ويسر وانا ببكى لحد نهايه الفصل
سالمت انامك بيبو ♥️❤️♥️❤️♥️


ولاء مطاوع غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-02-22, 11:12 PM   #1719

سوهي(زهور الربيع)

? العضوٌ??? » 491859
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » سوهي(زهور الربيع) is on a distinguished road
افتراضي

الفصل من أجمل ما يكون أقسم بالله رووووعه رووووعه يا هوبا تسلم ايدك ويسلم قلمك 😍😍

مشاعر كتير خلتيني اعيشها بسهولة والتنقلات ما بين المشاهد كانت سلسله
التفاصيل والهجوم اللي حصل ولمة العيلة وأجواء الاحتفال خلتيني اشوفهم متصورين قدامي

الرواية باحداثها ليها مكانة كبيرة في قلبي وحقيقي الابطال هيوحشوني🥺♥️♥️


سوهي(زهور الربيع) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-02-22, 11:18 PM   #1720

شموخي ثمن صمتي

? العضوٌ??? » 179150
?  التسِجيلٌ » May 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,118
?  نُقآطِيْ » شموخي ثمن صمتي has a reputation beyond reputeشموخي ثمن صمتي has a reputation beyond reputeشموخي ثمن صمتي has a reputation beyond reputeشموخي ثمن صمتي has a reputation beyond reputeشموخي ثمن صمتي has a reputation beyond reputeشموخي ثمن صمتي has a reputation beyond reputeشموخي ثمن صمتي has a reputation beyond reputeشموخي ثمن صمتي has a reputation beyond reputeشموخي ثمن صمتي has a reputation beyond reputeشموخي ثمن صمتي has a reputation beyond reputeشموخي ثمن صمتي has a reputation beyond repute
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

شموخي ثمن صمتي غير متواجد حالياً  
التوقيع
[SIGPIC][/SIGPIC]
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:18 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.