آخر 10 مشاركات
دموع تبتسم (38) للكاتبة: شارلوت ... كاملة ... (الكاتـب : najima - )           »          عيون الغزلان (60) ~Deers eyes ~ للكاتبة لامارا ~ *متميزة* ((كاملة)). (الكاتـب : لامارا - )           »          93- رجل من ورق - كارول مورتمر - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          خلاص اليوناني (154) للكاتبة: Kate Hewitt *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          شريكها المثالي (50) للكاتبة: Day Leclaire *كاملة* (الكاتـب : Andalus - )           »          حقد امرأة عاشقة *مميزه ومكتملة* (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          عزيزتى لينا (61) للكاتبةK.L. Donn الجزء4من سلسلة رسائل حبLove Letters كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          عزيزى مافريك(60)للكاتبةK.L. Donn الجزء3من سلسلة رسائل حب Love Letters .. كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 85 88.54%
جيد 11 11.46%
سيء 0 0%
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9707Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-08-22, 10:34 AM   #1041

سكون ليلة
 
الصورة الرمزية سكون ليلة

? العضوٌ??? » 483780
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 142
?  نُقآطِيْ » سكون ليلة is on a distinguished road
افتراضي


انا لله وانا اليه راجعون
الله يرحمه ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله الصبر والسلوان


سكون ليلة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-08-22, 06:41 AM   #1042

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,559
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألحان الربيع مشاهدة المشاركة
السلام عليكم...

لا يوجد فصل الليلة بسبب وفاة شاب من اقربائي والجنازة اليوم....لا اراكم الله مكروه..
مرحبا.صباح الخير حبيبة قلبي

اللهم ارحمه رحمة واسعة
اللهم إجعل قبره روضة من رياض الجنة
اللهم إجعل من فوقه نورا ومن تحته نورا
اللهم إجعل الجنان داره وقراره
اللهم أظله في ظلك يوم لا ظل آلا ظلك

لا تحزنى حبيبتى لكل اجل كتاب
وانتم تعيشون مع الموت نفسه
الموت لا خيار لنا به هو آجالا محسومة
ولكن المؤلم حقا هو الفراق
ربنا يصبر أهله ويلهمهم السلوان


shezo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-08-22, 11:38 AM   #1043

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم..

بارك الله فيكن وحفظ لكن أهلكن ولا اراكن مكروه بعزيز وقريب....

شكرا جزيلا على الدعوات ...الله يتقبل منكن
🌷🌷


ألحان الربيع متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 21-08-22, 02:09 AM   #1044

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا أخواتي الغاليات...


سأحاول باذن الله انزال الفصل الأحد مساءً وإن لم يكن كما رغبت..... فالله يعلم كيف نقلته بسبب ظروف قاهرة أليمة على مدار أسبوع كامل عشناها لكنها قضاء الله فالحمد لله على كل حال....ولأني أخجل منكن قررت نشره ان شاء الله كيفما يكون..!!....أطمع بطيبة قلوبكن وكرمكن لتعذرني على تقصيري في الموعد والفحوى!....

دمتن خير سند من بعد الله... 💐


ألحان الربيع متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 21-08-22, 02:33 AM   #1045

nmnooomh

? العضوٌ??? » 314998
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 486
?  نُقآطِيْ » nmnooomh is on a distinguished road
افتراضي

عظم الله اجرك عزيزتي
درب كلنا ماشين فيه
ربي يحسن خاتمتنا ويرزقنا الصلاح في حياتنا
وربي يرحم ميتكم ويغفر له ويوسع مدخلها


nmnooomh غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-08-22, 02:49 AM   #1046

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nmnooomh مشاهدة المشاركة
عظم الله اجرك عزيزتي
درب كلنا ماشين فيه
ربي يحسن خاتمتنا ويرزقنا الصلاح في حياتنا
وربي يرحم ميتكم ويغفر له ويوسع مدخلها
شكر الله سعيكم وبارك في أعماركم ولا أراكم مكروه....

آميين يا رب ....


الأعمار بيد الله طبعا وسبحانه قاهر عباده بالموت....لكن عندما يكون الموت ليس بسبب مرض أو حادث إنما جريمة ق.تل متعمّدة فيكون حينها أشد ألماً وقهراً...


تقبّل الله دعائكم اختي ...


ألحان الربيع متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 21-08-22, 04:07 PM   #1047

نورهان الشاعر
 
الصورة الرمزية نورهان الشاعر

? العضوٌ??? » 477398
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,761
?  نُقآطِيْ » نورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألحان الربيع مشاهدة المشاركة
شكر الله سعيكم وبارك في أعماركم ولا أراكم مكروه....

آميين يا رب ....


الأعمار بيد الله طبعا وسبحانه قاهر عباده بالموت....لكن عندما يكون الموت ليس بسبب مرض أو حادث إنما جريمة ق.تل متعمّدة فيكون حينها أشد ألماً وقهراً...


تقبّل الله دعائكم اختي ...





حبيبتي رزقكم الله الصبر و السلوان، إن شاء الله شهيد في بلد الشهداء، الروح عظيمة عند الله و وحده من يملك الحق في وضع نهاية لها. حقا ألمني الألم الذي أراه فيك غاليتي الجميلة دائمة الإبتسامة و الروح المعطاءة، قدر الله و ما شاء فعل، عله خير له.
و لا تضغطي على نفسك بالفصل.نحن أسرتك قبل أن نكون قراءا لك، نحن في بيتك و نتقبل منك غاليتي كل شيء، فتح الله عليك من خيره.
نتمنى عودتك باسمة متفائلة كعادتك، يا ألحان الحب و الدفئ عندنا


نورهان الشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-08-22, 06:25 PM   #1048

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورهان الشاعر مشاهدة المشاركة
حبيبتي رزقكم الله الصبر و السلوان، إن شاء الله شهيد في بلد الشهداء، الروح عظيمة عند الله و وحده من يملك الحق في وضع نهاية لها. حقا ألمني الألم الذي أراه فيك غاليتي الجميلة دائمة الإبتسامة و الروح المعطاءة، قدر الله و ما شاء فعل، عله خير له.
و لا تضغطي على نفسك بالفصل.نحن أسرتك قبل أن نكون قراءا لك، نحن في بيتك و نتقبل منك غاليتي كل شيء، فتح الله عليك من خيره.
نتمنى عودتك باسمة متفائلة كعادتك، يا ألحان الحب و الدفئ عندنا
بارك الله فيكِ أختي الجميلة نورهان...

ليته شهيداً على يد (....).....إنما مع الأسف ق.تل بدمٍ بارد وهو خارج للعمل صباحاً في ساحة بيته الجديد على أيدي كلاب عرب من العصابات وكأننا في فيلم أمريكي .... تزوج منذ شهرين وكانت جنبه في السيارة زوجته ليوصلها لبيت أهلها وفجاة انهال الرصاص عليهم فحضن زوجته عشان يحميها وأصيب بالرصاص هو لكنهم لم يكتفوا فقرّبوا منه اكثر ولما شافوه بعده عايش بتنفس قال واحد للثاني اقتله بعده عايش فاطلق رصاصة على رأسه على بعد صفر من التي تتفجر في الجسم وتفتت العظام كاللتي استخدمت في ق.تل شيرين ابو عاقلة....والكارثة الكبرى كل هذا قدام مرته ....وما يعلم بحالها الا الله....نسينا الميت ونبكي الى اليوم عليها.....دخلتْ في صدمة نفسية ....يعطوها مهدئات ولما تصحى تكسر وتضرب ابوها وامها ولا تتكلم ولا تبكي وبتعمل حركات على شكل مسدس بايديها وجابولها في بيت العزاء اللي كان ببيت اهله شتلة مانجو اشترتها هي وجوزها ليزرعوها بحديقة بيتهم وبتضل حاضنتها مثل الولد الصغير......بنت مثل القمر مثل الباربي 20 سنة عمرها و5 سنين خطبة بعد حب منذ الطفولة مع زوجها اللي هو ابن عمها وابن خالتها رمّلوها ودمروا حياتها وهي لساتها عروس الله ينتقم منهم .....الله يصبرها ويعوضها عوض خير....ما في ابشع من هيك جريمة....وصل الحال بامها من وجعها عليها تقلها يا ريتهم قتلوك معه ولا عملوا فيك هيك..

فعشان هيك النفسية في الحضيض الحمد لله ....

وشكرا الك على دعواتك الطيبة وكلماتك المنعشة....جزاك الله خيرا..


ألحان الربيع متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 21-08-22, 11:42 PM   #1049

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا...

سأنزل الفصل حالاً ان شاء الله....


ألحان الربيع متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 21-08-22, 11:55 PM   #1050

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثلاثون (( قلوب متمرّدة ))




لحظات من الصمت مرّت على كليهما .....هو يسبح من بعيد في البحر وهي تسبح بالكلمات التي سمعتها من ابنة خالته!!....تنهّدت بعمق مغمضة عينيها ,مسترخية بكافة ملامحها ثم طردت أنفاسها ببطء لتتخذ قرارها ....يبدو أنها رجّحت كفة الاستماع اليه لينتهي هذا اليوم!!....مسكت حقيبتها بقبضتيها تشدّ عليها وهي ناظرة إليها وتبسمل تريد أن تشجّع نفسها على النزول!!.وتمتمت بخفوت:
" يا رب...قوّني!.."

...كاذبة إن قالت أنها لا تودّ الهجوم عليه وفعل العجائب به انتقاماً منه ومن ثم احتضانه بقوة لدرجة أن تحبس نفسها داخل قفصه الصدري قُرب قلبه ...مشاعرها ليست بيدها .. عاشقة حد الإدمان و حانقة حد الجنون.....ألا تغار عندما سمعت تلك الشقراء تخبرها أنهما كانا لبعضهما ؟!...ألا تغضب وهي تُسمعها أنها وأخيها السبب بتغيير سير حياته؟؟!!.....أجل ستنزل الآن وتصفعه بما سمعت!!.....أضاع فرصة الوثوق به عندما لم يصغِ لها لحظتها ....لو فقط ردّ على الهاتف أو انتظر لتخبره بما جرى لدعمت قلبها الذي كذّب أقاويل قريبته!!.....صدمتها بوقاحتها وهي في عقر بيتها .!...لم تتوقع اطلاقاً أن تصل بها الجرأة لتشعرها أنها معجبة بزوجها أو تحبه حتى لو أصبح من الماضي....غيرتها لم تكن عبثاً منها فقد كانت تشعر بميل قلبها لمن ليس لها فقط من نظراتها وحركاتها معه !! ....حاولت ايقافها بأدب عن كلامها لكن كيد تلك وحسدها وصل أقصاه فألقت عليها كلماتها الأخيرة لتخرسها وهي تخبرها أن (سامي) لم يخترها بإرادته إنما أنا شقيقها من أحرجته وطلبت منه الزواج بها !!...أخذت تحلل الكلمات الرهيبة في عقلها وحاولت ربط الأحداث ولكنها قطعت لها حبل أفكارها عندما أكملت بمشهد تمثيلي درامي فور رؤيتها لشقيقة صديقي تدخل إليهما الغرفة فادّعت مستضعفة أنها قامت بطردها .....لم تعد تدري أتفكر بما قالته أم تنكر الاتهام آنذاك؟! ....لم تعلم من الأهم عندها تلك اللحظة ؟!...صمتت دون رغبة منها وهي سارحة في عالم بعيدة عن اسئلة (رزان) التي نزلت عليها كزخّ المطر.....ولمّا بدأت تعود الى الواقع كانتا قد ذهبتا كلتاهما فقررت الاتصال بزوجها لإعلامه ما جرى واثقة به وأنه سيكون صريحاً معها وستأخذ صدق القول منه وحده وستحكي له عن الكلام الذي صدر منها ايضاً كي لا يلومها ولكنه هدم كل شيء بردة فعله الدفاعية عنهما ضدها !!.....فهنا قصف احساس قلبها وساند ونصر الوساوس في عقلها ..!!.....وبينما كانت هي الآن تشجّع نفسها للنزول والمواجهة كان قد وصلها بطلاقة ودمه يغلي في عروقه من قسمها الذي أقرّت به بمعنى أنها لا تريده ولا تريد قربه ...لم يخفف هواء البحر من وطأة جملتها عليه.....لم تنتبه له الّا لمّا فتح الباب بغل وأمر بنبرة مرتفعة مجروحة مشيراً بسبابته ارضاً:
" انزلي حالاً....لن أعيدك الى بيتك قبل أن تخبريني بما حدث حتى لو بقينا أياماً هنا...!!..."

أجفل قلبها من حركته ونبرته ...أتنكر أنها خائفة من وجهه هذا ؟!...إنها خائفة من الجدّية المرسومة على ملامحه....هربت البشاشة وحلّت القسوة !!....في النهاية هي امرأة رقيقة لا تقوى على مجابهة جبل مثله !!....نزلت وأنزلت معها كبرياءها ...أجادت في رسم العزّة والأنفة على تعابير وجهها...أنفٌ شامخ وذقنٌ مرتفع وحاجبان احدهما مستقيم والآخر مرفوع الزاوية.!!..وكتفان مستويان!!....ستتحداه رغم الرهبة التي تسللت إليها ...مشت خطوات واثقة اختلقتها وهي تقنع نفسها أنها صاحبة حق وصاحب الحق هو الأقوى!!....صفع الباب من خلفها واجتازها ولم ينظر إليها ....لن تنفعه رقته معها ولا ينفعه حبه هذه الساعة....فهي أصدرت القرار وحكمت بإعدام قلبه!!.....دخلا الشاليه...اقفل الباب ووضع مفتاحه في جيبه !.....تسارعت نبضاتها لعظمة المكان....كيف لا يكون عظيماً وهو الذي يشهد على ارتباط جسديهما وانسجام روحيهما ؟!...أيوجد أعظم من هكذا علاقة تسحق كل الخصوصيات بينهما ليكونا كتلة واحدة ونفسٍ واحدة يجتمعان على المحبة ومرضاة الله..؟!...سنداً وعوناً لبعضهما في السراء والضراء يرسمان بريشة حبهما لوحة عشقهما الأزليّ ....يزرعان بذرة الغرام وينتظران قطاف ثمارها !!....مكان مميز وخاص... فيه بصمة لا تُمحى!!....
سارت خطوات قليلة واتخذت كرسياً في المطبخ المفتوح ليكون مأوىً لها ثم وضعت حقيبتها على الطاولة امامها ونظرت جانباً منعاً لالتقاء شهديها بعينيه الثاقبتين!!...خلع هو جاكيته البني والبسه لظهر الكرسي الآخر وأشار لها بإصبعه وهو منتصب القامة بينما يده الأخرى حرّكها لظهره ليأخذ مسدسه قائلاً بجدية:
" اتصلي بوالدتك او ابعثي رسالة واخبريها بها اننا خارج المدينة وغداً صباحاً سنعود ان شاء الله....كي لا تقلق!!..."

هبّت واقفة مستنكرة وهي تسحب حقيبتها هاتفة:
" أيّ غداً تتحدث عنه؟!.."

جرّ الكرسي من رجلها يبعدها بطرف قدمه وجلس عليها بهدوء وتراخي ثم وضع مسدسه امامه واتكأ بذراعه على سطح الطاولة بينما بالآخر كان يحك بإبهامه وسبابته زاويتيّ عينيه الداخليتين علّه يعيد اتزانه لشعوره بعدم الراحة من قلة النوم والقلق والارهاق وقال بتأكيد بارد وهو على حركته:
" غداً يعني غداً...لا معنى آخر له......اجلسي وابعثي رسالة هيا....لن آكلك....أنا متعب لا يمكنني القيادة اليوم.....من حقي أن ارتاح اظن!!.."

" ومن منعك من الراحة؟!....ثم مستحيل لن ابقى معك في مكان واحد ليلة كاملة!.....وستعيدني اليوم وحالاً الى بيتي!..."

صرخت بكلماتها وهي تعود للجلوس دون ادراك فقال بهدوء:
" ننتهي من حديثنا.....تدخلين الغرفة.....وتغلقين على نفسك كي لا يعتدي عليك المجرم الذي امامك!....أرأيتِ ما أسهلها ؟!....انا منهك فعلاً ولا تزيدي عليّ!..."

اخرج هاتفه وبعث رسالة سريعة لحماته ليطمئنها عليهما ...فالضفدعة لم تستجب لطلبه...!!..ثم اسند ظهره للكرسي وكتّف ذراعيه على صدره وقال:
" هيا اخبريني بكل ما جرى !.."

صفقت بكفيها على الطاولة وصاحت بألم:
" عن ماذا اخبرك قل لي ؟!.."
" أأخبرك عن وقاحة قريبتك أم اخبرك عن جرح قلبي منك ؟!..."
" اتصلت لأشرح لك كل شيء كي تقف معي وتشد أزري كي لا أنهار!.....كنتُ احتاجك تلك اللحظة...وبشدة!!....احتجت أن اسمع نفياً لكلامها على لسانك لكنك اغلقت كل السبل في وجهي كما اغلقت اذنيك عن الاستماع لي.....لقد اخترت الاستماع لكبريائك فقط!.....ليتك استمعت لنداء قلبي.....ليتك يا سامي!!.....صدّقني لم يعد أهمية للكلام الآن....!!...أتعلم لمَ؟!...."

ذاق الألم بنبرتها ورأى الأسى على وجهها....تأكد كم كان قاسياً بتجاهله لها وترْكِها خلفه!!... لفت انتباهه سؤالها يريد أن يعلم مقصدها فقال بخفوت:
" لمَ؟!.."

بصوت جاهدت على اخفاء حشرجته:
" لأنك بإدبارك عني وقسوتك معي يومها أكدت لي ما قالت!!...لم ترَ اشمئزازك مني وأنت تصرخ ولم ترَ حرقتك عليها لمعرفتك أنني طردتها !!...."

وعلت نبرتها مشيرة لغرفة النوم في الشاليه دون ان تعطيه الفرصة لمقاطعتها:
" عندما سلّمتك نفسي بكل حب.. وثقت بك وظننت أنه حتى لن يكون مكان للتفكير بالكرامة بيننا ...لن نسمح لكبريائنا بأن يؤذي علاقتنا....أنت قلت أننا واحد....كرامتي من كرامتك ....ما يحزنني يحزنك!....جروحي تؤلمك!....لكن كان مجرد كلام في كلام....عند أول مشكلة شعرت بانتقاص كرامتك ودون ان تتأكد فرقت بيننا واصبحتُ أنا أنا وأنت أنت ....ما عدنا نحنُ عندما شعرت بشيء مسّ رجولتك!...وجئتني تتشدق بعزة نفسك مهدداً...."

بنغمات مهتزّة وجعاً وخيبة ظاهرة أكملت وهي تطرق رأسها لحجرها تنظر لأناملها العابثة بحزام حقيبتها المتدلي:
" قلت لي يوماً أنك تريدني أماً واختاً وصديقة وابنة ..وحبيبة...لكني عندما احتجتك لتكون فقط أخي سندي لا غير في هذا الموقف... لم أجدك....لو كان أخي الحقيقي لاستمع لي على الأقل دون أن يحكم عليّ من بعيد....لما اعطاني ظهره يا سيادة العقيد!.."

هي تحكي وهو يعتصره الألم من الداخل.!!...ضربته بكلامه ذاته وجعلت كل ضلع يئن في جسده كأنه سقط من علوّ!...كيف لم يعطها ما اراده منها ؟!...." صادقة لأبعد الحدود لا خلاف."....اعترف بهذا في نفسه !....وبضعف دخيل عليه قال:
" انا مخطئ واعترفت.....الله يعفو عن اخطائنا!....ما أنا بفاعل ؟!....احكمي أنتِ!...وسأرضى بأي حكم تريدينه!!....."

بابتسامة مكلومة ونظرة مكسورة هتفت بسخرية:
" أي حكم سترضى به..؟!!.."

خفق قلبه بوجل...أنسيَ أنها مجنونة ومتطرفة بقراراتها الغبية ؟!...كيف فاته ذلك ؟!..." سحقا.!!."....شتم في سرِّه خائفاً من سماع شيء لا يسرّه .!!.....تنحنح وأجاب واثقاً ظاهرياً ومعركة توتر تجري في باطنه:
" سأرضى.....أنا واثق بحكمك العادل.....بشرط!.....أن تحكي لي كل ما دار بينكما !!...."

كانت كسيرة الفؤاد ودامعة العينين وهي تستحضر الموقف وبدأت تروي له من البداية.....وصلت لوصف تلك للعلاقة بينها وبين اقاربهم!....ارتجف قلبه كلما غاصت اكثر بالكلام عنها ....يعلم جرأة ابنة خالته الّا أنه يستبعد أن تصل بها الوقاحة لتتكلم عن نفسها بشكل مباشر!...."... أيا ترى هل لمّحت لها أنها تحبني؟!.."....مرّ السؤال في اروقة عقله.!....كيف لا يمر وهو ما زال لم ينسَ بكاءها وتوسلها واعترافها بحبها له عندما انتشر خبر طلبه لـ(دنيا) في عائلتهم...!!......انتظرت موعد زيارتها هي ووالدتها لهم وجاءته كالمجنونة لتعترف بما اخفته من مشاعر اتجاهه داخل صدرها لسنوات عسى أن يرّق قلبه ويحنّ عليها....تفاجأ حينها وشحب وجهه من هول الصدمة .....استغلت اجتماع الجميع في حديقة بيتهم وتسللت الى غرفته بقلة حياء ولمّا سألته وأكد لها الخبر ادلت باعترافها ولكنه صدّها عنه وقال لها بصريح العبارة أنه لا يراها الا شقيقة كـ ( بيان ورزان) وحتى أنه أزاح باحتقار وسخط يديها اللتين وضعتهما على صدره كمحاولة للعبث بمشاعره الذكورية ثم طردها من غرفته بكل خفوت ليستر عليها قائلا..*....سأدّعي أن كل هذا لم يحصل وسأدفنه هنا...إياك أن تعيديها وتدخلي غرفتي....اصلحي تصرفاتك والتفتي لحياتك واتركيني لحياتي....صدقيني لو كنتِ آخر امرأة على الأرض لن أتزوجك....ليس بعيبٍ فيك......إنما أنتِ بنظري بيان ورزان لا أكثر!...والآن وثقتُ أكثر وأكثر باختياري....هيا اخرجي حالاً...".........وصلت للجملة التي اخبرتها بها أنها وابن خالتها لبعضهما وأن خالتها لطالما ارادتها له ولحقت جملتها من فورها بأنني أنا من الصقتها به ليساعدني بمهمتي فاتسعت عيناه المحمرتان غضباً وتعباً بذهول وضيق احتل صدره وشيئاً فشيئاً صعدت الدماء الى رأسه حتى برزت عروق عنقه وصدغيه صارخاً منكراً باستهجان مبالغ به :
" الحقيرة الكاذبة.....تفتري علينا!....هذا في احلامها ...سأريها تلك الدنيئة...سأحول حلمها الى كابوس تلك العقربة خاربة البيوت...أنا اعرف كيف سألقّنها درساً لا ينسى.....لكن أنتِ...أنتِ كيف صدّقتِ هذا وانا اخبرتك بقصة ارتباطنا؟!..."

تسلّحت بالقوة وقالت بامتعاض:
" مثلما صدّقتها أنت تماماً...."

قال محتجاً باحتدام:
" لم اصدقها هي....انا صدقت اختي....أنت بنفسك تعرفين رزان وطيبتها يا دنيا ....وثِقتْ بكلام العقربة واخبرتني بناءً عليه فاعتقدتُ أن حدث هذا أمام عينيها ولم استفسر....الشيطان زلّني والغضب أعمى بصيرتي...!!...أما أنتِ منذ متى تهتمي لكلامها وتصدّقينها ؟!..."

"... في البداية لم اصدقها لكن ردة فعلك أثبتت عندي صحة كلامها ....رأيت خوفك على مشاعرها الغالية!....رأيت نظراتك وأنت غاضب كأنني عالة عليك.....اتهَمَتني بأنني طردتها وأنا أقسى وأقصى ما قلته لها ...*....لو لم تكوني ضيفتي وفي بيتي تدوسين بساطي لكان لي معك كلام وتصرف آخر واغلقي الموضوع قبل أن اشكوك لرزان...*.....أنا لم اذكر بيتي وبيتك وهي من قالت انك هدرت كرامتك وتنازلت عن مبادئك عند سكنك معنا ثم قلبت الكلام ضدي.!!...وفي الحقيقة بعد افترائها عليّ ندمتُ.... ندمتُ كثيراً أنني لم اسحبها من شعرها والقيها خارج البيت كالكلبة.!!...."

زفرت أنفاسها لتعيد تنظيمها واستأنفت:
"..وأخيرا والأهم الذي اوصلنا لهذه النقطة ليس سموم قريبتك إنما هو تخلّيك عني....توسلتك لتبقى ولم تعرني أي اهتمام ....علمت كم أن قسوتك قاتلة....قاتلة لقلبي.....لا أتحمل ولا استحق هذا يا سامي.....والآن لا شأن لي بما ستفعله..."

نهضت عن كرسيها وتابعت بحزن متأثرة والدموع تنحدر على وجنتيها :
" هيا اعدني الى حضن أمي وأخي....لا أوفى ولا أصدق من حضنيهما.....مهما قيل من شعارات.....يبقى رباط الدم هو الأغلى!....هما من وقفا معي وتألما لآلامي...كيف أنسى خوف أمي عليّ ودعائها لي؟...كيف أنسى دمعة شادي وحنانه عليّ؟....كيف أنسى عدم استماعك لي ودفعي الى الحائط بفظاظة وتوبيخي أمام أخي؟!...مِن أجل مَن كل هذا ومِن أجل ماذا؟؟....أكان الموقف يستحق فعلاً ؟!......لكني عرفت...هل تسمعني؟!......عرفت قيمتي عندك وابنة خالتك لم تكن الا سبباً لأرى من يهمك أمره..!!.."

طال الانتظار وهو ساكن وجلبة تزعج أفكاره.....أخرسه بوحها بما أحسّت....لم يعد يعرف أيعاقب نفسه أم من ؟.....مقت غليل يتعاظم داخله....اهتزّت حدقتاه بنقمة من كل شيء وهتف متشبثاً بخيط رفيع :
" تعلمين علم اليقين أنك أنتِ من تهمينني......خطئي كان عدم الاستماع لكِ.....لا تجعليه مصيبة!!.....أُحرجت وأنا أسمع أن شريكة عمري ابنة الكرام تطرد ضيوفها.....قُهرت عندما وصلني أنك تمنين عليّ في بيتك!!.....أنا رجل يا دنيا ....ولا أي رجل حقيقي يرضى بهذا الذل لنفسه أو أن يسمع انتقاداً لاذعاً عن تصرفات زوجته التي تحمل اسمه!!....انفعلت وتسرّعت ...عُدت واعتذرت!!..."

مسحت دموعها بحركة عنيفة عن وجهها وأجلت صوتها قائلة:
" لا شيء مضمون!!.....موقف آخر وحكاية اخرى تسمعها عني ستنفجر بي مجدداً....لأنك بينك وبين نفسك تعلم أن دنيا لا تصمت ولسانها طويل كما تقول!...وستجعلني دوماً في وجه المدفع!!.....ماذا لو أن تعنيفك الذي احزنني وآلمني كان سبباً في فقدان ابنك لا قدّر الله؟.."

قاطعها بحزم:
" لا قدّر الله.....لا تقوليها!!.."

" كنتَ ايضاً ستتهمني أنني السبب!....أليس كذلك؟!..."

غضن جبينه باستنكار وأجاب:
" الى أين وصلتِ؟...كيف تفكرين بهذا ؟!....هل ترينني ضعيف ايمان أو معتوهاً أو ظالماً لهذه الدرجة ؟؟!.....ألم تعودي تعرفين سامي ؟!..."

تنهّدت وكأنها ضجرت النقاش وقامت عن كرسيها وهي تعلّق حزام حقيبتها على كتفها وتجاهلته كأنه لم يوجه اليها أي سؤال ثم سارت حتى وصلت الباب وهتفت بجمود وهي تستدير نحوه نصف استدارة:
" اعتقد انتهى الكلام ويمكننا الانصراف.....لو سمحت أنا لديّ ما افعله....عليّ مراجعة دروسي أهم من المكوث هنا لأضيّع وقتي في حديث يتمحور عن انسانة وضيعة لا تعنيني شيئاً..."

وصلها صوته المنخفض الذي تخللته بحة غريبة وهو ما زال جالساً يوليها ظهره ولم يستدِر بوجهه اليها :
" قلت...سنعود صباحاً....ادخلي الى الغرفة!.."

كابرت بعناد وعلت نبرتها بجفاء:
" لن أبقى....سأعود في سيارة اجرة ويمكنك المكوث هنا على راحتك...."

وأضافت بحماقة تريد استفزازه وما كان هذا الّا هيجان من غيرتها وهي تتذكر الشقراء امامها بميوعتها واسئلتها المشبوهة عنه:
" وإن شعرت بالملل....ابعث لها عنوانك لتسلّيك.....حرام!!.. ربما هي تحترق لتكون معك!....من يدري؟.....ها أنا سأخلي لكما الأجواء سيادة العقيد!..."

انتفضت مكانها تشدّ الحقيبة وتحتضنها كردة فعل توحي بالخوف عندما ضرب سطح الطاولة بقبضته غاضباً تزامناً مع دفعه للكرسي من تحته التي سقطت للخلف لحظة وقوفه وهتف بصلابة وهو يدنو نحوها:
" الا تلاحظين أنك تخطّيتِ حدودك؟!..."

صمت برهة وأكمل مكررا بنفس الاسلوب:
" لاحظتِ أم لم تلاحظي هذا؟...ها؟؟....اجيبيني!.."

كانت قد التصقت بالباب وأصبحت كالقطة المحشورة عندما حاصرها من جانبيها بذراعيه الطويلتين المسنودتين على الباب وتابع بهمس خافت قاسي:
" اقولها مجدداً....أجل اخطأت....أجل أنتِ محقة بكل ما قلتِ...!!.."

وصفق الباب بكفّ يمناه بغتةً قرب أذنها وعلا صوته متابعاً بينما هي كانت ترمش بتلاحق مرعوبة ودقاتها تخوض سباقاً ضارياً:
" أمّا أن تتهميني بتلك القباحة أو تخوضي بكلام ولو مزاحاً لن يرضا به الله لن أسمح لكِ.....أتسمعين؟!.."

وانتصب واقفاً يفك أسرها لتسمح بأنفاسها المكبوتة مهابةً منه أن تعدو الى الحرية وقال بصوت عاديّ جاد مشيراً للداخل:
" ادخلي وارتاحي .....سنذهب في الصباح ان شاء الله.."

سرطت ريقها ورفعت حاجبيها رافضة وهمست بصوت بدا مختنقاً وهي تتحداه وتعاند:
" لن أدخل...اريد ان اذهب حالاً..."

تأفف ومسح شعره القصير للخلف مستغفراً ثم مسكها من كف يدها بقوة رقيقة وسحبها خلفه بسرعة حذرة وادخلها الى الغرفة وهي تصيح:
" اترك يدي ....أقسمتُ أنني لن اسمح لك بأن تلمسني.....اتركني...!!.."

ببرود أجابها:
" أقسمتِ لحظة غضب وبجنونك المعهود.....أي ستطعمين عشرة مساكين كفارة لقسمك وقرارك الأحمق!!...ولا تعودي عليه مرة أخرى..."

مع وصولهما لباب الغرفة حررها وقال:
" مع الأسف أنتِ مجبرة على أن تتحمليني لأنك لن تخرجي من الشاليه الّا صباحاً بإذن الله....يعني غسّلي وجهك واسترخي...لدينا ساعات طوال يا حرمي المصون...!!..."

اجتازته غاضبة الى أن وصلت الباب مجدداً وشرعت بالطرق عليه مع تحريك قبضته كمحاولة لفتحه قائلة:
" لا أريد ان ابقى معك.....ارجعني حالاً.."

ببطء ووهن التفت وهو مكانه هاتفاً:
" بربك دنيا....ارحميني... انا حقاً منهكاً.. لم انم ليلاً ولا نهاراً...ابقي في الغرفة كي لا تريني....سأتصل بخدمة التوصيل لطلب الطعام لنا.."

استشاطت غيظاً لظنّها أن كلامه البارد هو استفزاز وعدم اهتمام لطلبها.... ....كانت ملامحها متجهمة تنذر بالشر والشرر يتطاير من عينيها وصورتها توحي كمن تلبّسه الشيطان....غضب يولّد غضباً ونار تنفث لهباً وبدأت بإحداث فوضى في المكان الذي آواهم وهي بحركاتها العنيفة تلقي الأشياء من حولها مع صراخها الباكي:
" لا اريد أن أتسمم ....اريد الذهاب لأمي....لمَ لا تفهم؟!..."

بعد أن أنتهت من قصف المكان وبعثرة الأغراض القليلة تابعت وهي تقف لاهثة:
"لا ارغب بالبقاء معك تحت سقف واحد الآن.....من حقي أن اقرر عن نفسي ...انا لا اشعر بالراحة هنا...."
"منذ متى اصبحت جلموداً ومستبدّاً.؟؟!...!!"

كان كلامها يصله كإبر تنخز كل جزء في جسده ....يشعر أن قواه خارت ولا تسعفه أي كلمة أو جهد !!.....لمَ كل شيء تكاتف ضده ؟!....مرهق جداً!!...ما به ؟!....لم يستطع تشخيص حالته!....أنهكه التعب فسار يجرّ قدميه جرّاً حتى تهالك على أقرب كرسي وصلها وهتف بصوت مبحوح خافت ووجهه بدا شاحباً وعيناه ذابلتان ينظر بهما الى الأرض:
" حسناً...كما تشائين!....لكن اسمحي لي بالنوم ساعة فقط لأتمكّن من القيادة..!!..."

ولمّا لم يصله الّا صوت تهدّج أنفاسها اضطر لرفع حدقتيه ناظراً إليها وأضاف بنبرة حزينة فيها الرجاء:
" ليس من أجلي....إنما من أجلِ.... سُلَيْمان !!....لطفاً.."

سرت رعشة في عروقها وازداد تعاقب أنفاسها وهي تطالعه بذهول متفاجئة وهمست باستغراب:
" سُلَيْمان؟!!.."

" أجل سُلَيْمان!......ألم ترغبي بتسمية ابننا بهذا الاسم ؟!.."

قالت مدهوشة:
" لكنك أصرّيتَ على اسم جدك... مصباح...!!.."

أجاب:
" مصباح لم يخرج منه الّا سامي الجلمود المستبد الغليظ الكريه!!.....أما سُلَيمان....اهداني أغلى هدية بفضل الله ...الدُنيا بأكملها ..."

احمرت وجنتاها ورفّ قلبها ....تنحنحت بعد أن بثّ فيها عبق الفرح ونشوة عارمة اجتاحتها الّا أنها لن تُظهر له ما تعيش داخلها فهمست بصوت جديّ:
" ساعة فقط!....من أجلِ سُلَيمان..!!..."

تبسّم وعيناه تشعّان أسى وألم ثم استند بكفيه على الطاولة لتساعده على النهوض وسار خطوات واهية مارّاً من أمامها بعد أن حمل مسدسه معه وهمس بخفوت بابتسامة جريحة دون النظر اليها:
" شكرا لكِ.."

تطلّعت عليه من الخلف وهو يسير ورائحة عطره تلفحها حتى وصل أريكة الحب يلقي جسده عليها ووضع مسدسه على الطاولة الصغيرة جواره وكانت مشاعرها متضاربة!!.....حزينة لما وصلا إليه من حال وسعيدة لموافقته على الاسم اخيراً ....كم ليلة كانا يختلفان عليه وحتى قبل معرفتهم بنوع الجنين ؟!...كانت تعاند وهو يعاند وهي تعرف أن القرار في النهاية سيكون له وخاصة أن عائلته باتت تعرف بأن (سامي) سيسمّي على اسم جده (مصباح)!!....
سُلَيمان!!.....اسم لا يُنسى عندي وعندها مهما طال الزمن!!....بعد هجرتنا مباشرة منذ سنوات وما عانيناه في حياتنا آنذاك كنتُ أسهر لوحدي في أحد الليالي حتى وقت متأخر باب الخيمة وأهلي نيام وفجأة سمعتُ بكاء شقيقتي يصاحبه الأنين....ففززتُ من مكاني لأتفقّدها ورأيتها تكوّر نفسها وترتجف مرعوبة وتهذي بكلمات غير مفهومة !! ....علمتُ أنها ترى كابوساً فأيقظتها بصعوبة ولمّا نهضتْ حضنتني بشدّة وأكملت ببكائها وأنا أقرأ عليها آيات متفرقة لتستكين ثم سألتها عن حالتها وإذ بها ترى في أحلامها مشهد القاء العجوزين لنفسيهما في البحر أثناء رحلتنا وكانت متأثرة وحزينة لأقصى درجة عليهما وتسألني لمَ فعلا هذا ؟ وخافت عليهما من عذاب الله وأرادت أن تقدّم لهما شيئاً عسى أن يخفف الله عنهما ولعلمها أنهما ضحّيا بحياتهما من أجلنا....أي نحن مَن كنا على متن القارب فقلت لها كي يرتاح ضميرها أننا عندما نكبر ونتزوج .!!..إذا رُزقت هي بولد ستسمّيه (سُلَيمان) على اسم الرجل وستربّيه تربية صالحة اسلامية بإذن الله وتكون عوناً له في حفظ القرآن ولتهب كل أجر تحصده من خلفه لروح العجوز وكذلك أنا سأسمّي ابنتي بـ(أمل) على اسم زوجته لأهب أجر صلاحها بإذن الله لروحها ...فهما أنهيا حياتهما ليهبانا الحياة من بعد الله ويستحقان أن نخلّد اسميهما سائلين الله أن يغفر لهما ويرفعهما درجات عنده..!!..ومنذ ذالك اليوم تعاهدنا على هذا !!..(سُلَيْمان وأمل) ابناء المستقبل ان شاء الله..!!...


~~~~~~~~~~~~~~~~~


بيتٌ كبير عصري...تحيطه جدران شاهقة ....ساحته واسعة وحديقته مليئة بالأشجار المثمرة والأزهار....يقف على مدخله المرتفع عن مستوى الأرض بشموخ وبجسده الضخم الذي لم يتأثر من الزمن وبهيبة لا تليق الّا بأحد أكبر مؤسسي كتيبة (الفهد الأسود) وبرئيس حزب الثوار السيد (سليم الأسمر) وتقف جانبه زوجته عمتي (لبنى) الرقيقة.....يستعدان لاستقبالنا فور معرفتهم لحظة وصولنا ..!!.....نزلنا وتقدّمنا نحوهما ...القيتُ السلام وصافحتهما مع القبلات العائلية أما المدللة لم تنطق أي كلمة وكانت تنكس رأسها أرضاً ووجهها ملثّم لتضليل هويتها في الطريق فبادرت عمتي بتحيتها قائلة برقيّ وحنان:
" أهلاً بزوجة ابننا أهلاً بكِ بيننا..."

رفعت رأسها تتعرّف على صاحبة الصوت وكنتُ ما زلت لم أخبرها عن صلتهم بي فوكزتها بمرفقي برفق وقلت بضحكة مصطنعة:
" هذه عمتي لبنى وزوجها السيد سليم الأسمر..."

ثم مددتُ يدي لأزيح اللثام عن فمها فهمست بجفاء رغم حيائها وهي تمد يدها لتصافح على مضض:
" أهلاً بك..."

ردّت عمتي بانبهار تمدحها رغم الارهاق البادي عليها لحظة الكشف عن وجهها بالكامل وهي تمسك يدها:
" بسم الله ما شاء الله....منذ متى نزل القمر على الأرض لينير بيتنا؟!...ما هذا الوجه وهاتين العينين ؟!...تبارك الله احسن الخالقين..!!"

اوف!!.....ما بها تتغزّل بزوجتي أمام زوجها؟!....ألا ترى الحائط الغيور الذي يقف أمامها ؟!.....انزعجتُ بداخلي وتترجم هذا على ملامح وجهي ليصبح قاطباً متجهّماً !...ليس بيدي!...أغار عليها....واحترق من غيرتي!!...حتى لو كان سيعتبرها مثل بناته وهذا مستبعد لأن كرهه لهم ولدمائهم أضعاف مضاعفة فهو من عاش كل دقيقة بقرب أبي وذاق معه اسوأ الخيانات التي تعرضوا لها من الأوغاد أمثال أبيها وأعوانه...!!.....السيد (سليم) رجل مستقيم لديه مبادئه الخاصة التي لا يحيد عنها!!....من الخارج يتسلّح بالجمود والقسوة وخاصة مع الأعداء وداخله محب مخلص لكل مَن يخصه !!...هيأتُ نفسي بأي وجه جاف وخشن سأجده بسبب ألمتي!...فتجاربي معه بما يخصها أظهرت لي أنه لن يتقبّلها اطلاقاً والآن يتحمّلها مجبراً من أجلي.!!....ارتسم شبح ابتسامة على وجهها كمجاملة لكلام عمتي أما هو رحّب بها بصوته الجهوري الصلب وباقتضاب:
" أهلاً....تفضلي!.."

لمّا دخلنا بهو المنزل أشارت عمتي على غرفة للضيوف وهي توزّع ابتساماتها الصادقة علينا قائلة:
" تفضلا عزيزي هادي الى تلك الغرفة....مجهّزة بالكامل لكما مع الحمام وكذلك يوجد تشكيلة ملابس على السرير كما طلبتَ منا....خذا راحتكما!!.."

شكرتها وتوجهنا حيث اشارت ....لم تلقِ المدللة العابسة بالاً لأي شيء ولا يحرّكها فضولها لتتعرف على زوايا الغرفة ...كانت مسيّرة وفق توجيهاتنا ...اغلقتُ الباب وقلت:
" هل ستدخلين الحمام اولاً أم أنا ؟!.."

دون ان تعيرني أي اهتمام خطت خطواتها الى الحمام كإجابة صامتة واغلقت الباب....لا بأس يا قطة !!....التزمي الصمت أفضل من قذفي بجنونك الأحمق!!.... انتبهتُ لملابسها الداخلية الجديدة الموضوعة على السرير تناولتها ولحقت بها منادياً لتأخذها....فتحت وسحبتها من يدي دون ان تتكرّم عليّ بنظرة ثم صفعت الباب بوجهي!! ....تنهدّتُ بعمق لأخفف ضغطاً قبيحاً يحتل صدري ثم خرجتُ من الغرفة اسأل عمتي عن شاحن يناسب هاتفي ولمّا اعطتني عدتُ ووضعته بالمقبس وجلست على طرف السرير انتظر سمو الملكة ....خرجت بعد قليل ترتدي روب الحمام الطويل فهمستُ لها:
" نعيماً يا حلوة..!"

وكأنني كلمتُ نفسي!!.... لم تحرّك أي شيء بها كعلامة أنها سمعتني ودنت من السرير تنظر الى الملابس بعدم اهتمام فتصنّعتُ اللا مبالاة وقلت لأدير حديثاً معها:
" هذه عمتي الوحيدة لبنى ...لديها ثلاث بنات متزوجات....وزو..."

قاطعتني دون النظر اليّ وهي ترفع قطع الملابس بلا هدف:
" اتساءل!!...كم يقبضون كممثلين ثانويين (كومبارس) ليؤدوا أدوارهم باحترافية بمسرحيتك اللعينة ؟!...اوه... نسيت!!....اولئك ايضاً ابراهيم ومريم...يا ترى اعطيتهما أجرهما أم انهما ما زالا ينتظران ؟!..."

وحركت يدها بحركة تؤكد انبهارها بالتمثيل:
" حقاً لقد أديا دوريهما باحترافية!.....زد من نقودهما.....يستحقان ذلك!....فأنا انطلى عليّ الأمر... صدّقتهما واحببتهما كأهلي......أرجو أن يجدا فرصة للعالمية!.."

وتابعت ضاحكة بسخرية:
" يعني ما أعنيه هو أن توفر مجهودك بالشرح.....لا أهتم من يكون هذا وتكون تلك.....فأنا بالطبع لن اتابع مسلسلكم الممل..!!.."

اجبت بضيق:
" أبي ابراهيم هو صديق ابي الحقيقي ....مؤكد لا تودين ان تسمعي مني كيف فقد عائلته !....هو من كفلني ورباني في السنوات الاخيرة....وخالتي مريم خالتي الحقيقية وزوجته فعلاً ويحبّانك بصدق وهذا بيت عمتي الوحيدة شقيقة ابي!..."

تأففت وسحبت المنامة الكحلية الدافئة التي كانت بين القطع وقالت مثقلة بتجافٍ غير مهتمة بصدق قولي:
" اخرج...سأرتدي ملابسي!.."

نظرتُ إليها جانباً مع ارتفاع زاوية فمي بابتسامة ساخرة وصوت ضحكة هازئة وقلت:
" منذُ متى من يوم اتمام زواجنا أخرُج أنا لتلبسي...يا حبيبتي ؟!.."

بيدها الممسكة ببلوزة المنامة أشهرت سبابتها مجيبة بقسوة:
" ذاك الزمن ولّى سيد يامن!...الآن ليس لك حق بأي شيء!.."

وثبتُ من مكاني مقترباً منها امسك ذراعها منحنياً بجذعي قائلاً باستنكار:
" نعم؟!....من اخبرك بهذا؟!....ثم لمَ الآن اصبحت يامن؟!...أين اسم هادي الذي خرج كسمفونية من بين شفتيك صباحاً ؟!..."

حدّجتني بنظرة بغيضة مصطنعة ترسم على ملامح وجهها الاشمئزاز ونظرت الى يدي وبيدها الاخرى انزلتها عنها قائلة بعتوّ وخيلاء:
" إياك أن تلمسني مجدداً...!..."

تطلّعتُ عليها بعينين ضيقتين وحاجبين مقطوبين وقلت بصدمة:
" إياك أن تلمسني؟!..."

ثم اطلقت شبه ضحكة وسألتُ ساخراً ومقهوراً :
" ماذا تغير منذ الصباح حتى الآن؟!....ألم تتجاوبي معي بالقبلة بكل حُب يا زوجتي ؟!..."

بكل برود قاتل قالت وهي توليني وجهها هاربة من نظراتي:
" دَيْن....وسددته!!.."

مسكتها من كتفها أديرها نحوي هاتفاً بجدية وقلبي يهدر بغباء:
" انظري اليّ واشرحي ماذا تقصدين؟...!!.."

ألقت ما بيدها على السرير....اهتزت حدقتاها ولمعت عيناها بوهج حارق وهتفت متألمة بغلظة!!..:
" القبلة كانت دين وسددته لك.....لا تحلم بغيرها!....كنتُ احتاج لهذا وليس لكَ طبعاً....ليالي وسنين وحضنك يرافقني في نومي وصحوتي....اخذته معي في كل مكان وسفّرته الى كندا وجسّدته في قلمك ورائحتك.......كنتُ أنام كل ليلة في غربتي والقلم مضموم الى صدري على أمل اللقاء.......هل لكَ أن تتخيل فتاة صغيرة ترى أمانها بالقلم؟!......وفقط لأنه منك ويحمل دفء حضنك......أنت قدمتَ لي حضنك في أوج احتياجي له ولم انساه لسنوات.....وأنا في الصباح شعرتُ بشغفك لقبلة حقيقية فأعطيتك إياها كي لا تنساها لسنوات !...كانت من حقك كونك هادي صاحب ادفأ حضن آواني......أنا لا انكر المعروف ابداً "

امسكتُ طرفيّ كتفيها هاتفاً بخفوت بينما نيران هائلة تحرقني من كلامها :
" كاذبة!.. وأنتِ أردتِ القبلة مثلي تماماً.... أردتِ أن تستشعري حُب الهادي وتتذوقيه ....هادي الذي أحببته منذ أعوام وليس فقط لتسدي ديناً كما تزعمين!.."

سحقتني ببرودها وحسمت قرارها بإقصائي عنها هامسة:
" حسناً....لطالما تمنيتُ قبلة الهادي وها أنا وهبتُكَ ونفسي اياها...والآن تصافينا .....تصافينا يا هادي......ومن تلك اللحظة لم يعد حضنك لي كما لم اعد انا لك..."

بقهر أليم هززتها بخفة من كتفيها هامساً بثقة:
" حضني لكِ ولن تطأه غيرك وأنتِ لي ولن يقربك غيري!!..."

كزّت على اسنانها وحاولت ابعادي عنها وعيناها تزدادان توهّجاً بغضب مجيبة:
" لن يهمني حضنك من بعد الآن....ابتعد عني!.."

حاولتُ ضمّها لي قسراً وقلت بأسى مصرّاً:
" لن ابتعد ...أنتِ تهمينني بكل ذرة تملكينها !!.."

دفعتني من صدري ولم استجب لها وانا متشبثٌ بأعلى ذراعيها ثم هتفتْ:
" أنا لم يبقَ بي شيءٌ لأعطيه لغيري......وحتى سأقتل بقايا الاحاسيس اتجاهكم كما قتلتموني....أخذتم روحي وتركتم لي الحروف وحدها من اسمي!.....حتى اشك في ذلك.....من سيتذكر ألمى الساذجة من ؟!...سأدفن نفسي أفضل من أن يسمع أحد عن اكبر حمقاء عرفها التاريخ...!!..."

" لستِ حمقاء....أنتِ أجمل وأطهر وأنقى وأطيب فتاة في الوجود!!....لم يقتلك أحد..."

قلتها بحرقة كاتماً صوتي وأنا أهزّها فردّت بقهر وحسرة والعبرات تسكب على وجنتيها وانقلب وجهها للأحمر:
" كذبتم علي وانتم تنظرون لعينيّ بكل صفاقة....كم مرة استهزأتم بي من خلفي ؟....كم مرة كنتُ موضوع حديثكم الساخر؟.....بماذا كنتم تنعتونني؟!....غبية؟ حمقاء ؟ ساذجة ؟..بلهاء ؟....أي صفات سميتموني بها ؟!.....كيف استطعتم كيف ؟!....ألا قلب لكم؟ ...ألا رحمة عندكم ؟!...هل كنتم تتلذذون بخداعي ؟!....حباً بالله اخبرني ماذا فعلتُ أنا لكم لتفعلوا هذا بي وتتآزرون عليّ؟!....."

أرجعتها لتجلس على السرير وجسدي مشدود من انفعالاتي واشعر بوحوش تنهش رئتيّ وتمزّق قلبي عليها وقلت لأبرئ أنفسنا باستماتة:
" كلنا نحبك ألمى ولم نتعاون عليكِ ابداً....أنتِ الآن غاضبة ولا ترين الحقائق.....فعلنا المستحيل كي لا تتأذي.....أعلم أن الأمر صعب لا أنكر ذلك....الله وحده يعلم ما كنت اعاني وأنا انظر اليك!!...أتظنين أنني كنتُ مسروراً؟؟!.....لو كان هدفي الوصول لوالدك فقط لما اهديتك قلبي وروحي وعمري وأنفاسي.....لما لمستُك ....تذكرين ابتعادي عنك وجفائي معك!!.....ما كان هذا الّا لأحميكِ مني لكن عشقي لكِ فاق قدرة تحملي على بعدك .....أردتكِ لي ثانية بثانية ونبضة بأخرى .....أنا كنتُ وما زلتُ أتنفس عشقك...عشق الألمى....."

همست بأنفاس كارهة وجعاً وندماً:
" ليتكَ لم تلمسني....ليتكَ لم تفعلها...ليتني لم أسمح لك..."

انقبض قلبي والألم اعتصر معدتي...صمتُّ موجوعاً واستقمتُ واقفاً ناظراً إليها ..ابتلعتُ ريقي وقلت بتأنّي:
" هل أنتِ... نادمة... على تلك ....الليلة.......ألمى؟!..."

هربت بعينيها لثواني قليلة وازدردت لعابها وتجلّدت بالقوة قائلة بعد أن رفعت بصرها إليّ :
" ولن أندم بحياتي كندمي عليها ..!!.."

استغربتُ قدرتها على هذه القسوة وهي تضرب قلبي بها وضحكت ضحكة مقطوعة تسرّبت مني تنذر عن الأنين الذي أعيشه في باطني...وَقع كلماتها كاد يصهر نابضي!!...قلت:
" أنا لم أجبرك عليها وخيّرتكِ وأخبرتك أن تحت بحري براكين على شفا الانفجار في أي وقت!!...."

أصرّت على قسوتها مجيبة غير مكترثة لحالي:
" أجل...لم أتهمك بهذا....أنا أؤنب نفسي.....ليتني لم أمسك يدك حينها!..."

لو أطلقتُ العنان لمشاعري هذه الساعة لخرجت مني بصراخ جارح وبكاء شديد...لكني سأحرمها رؤية دمعتي....سأحرمها تذوق وجعي....اتخذتُ الهروب وسيلة لردعي عن كشف ضعفي!!.....سحبتُ ملابسي وقصدتُ الحمام مولّيها ظهري قائلاً بجمود آيل للذوبان والاختفاء:
" يمكنك ارتداء ملابسك براحة....سأستحم!..."

ظلّت تنظر لطيفي وكل خلية فيها تبكي حالنا ...تبكي حُبنا الموبوء...وأفكار وأفكار تطوف في عقلها.....دمعة ساخنة انسابت على وجنتها كقطرة دم من قلبها ...مسحتها وهبّت واقفة وشرعت بارتداء ملابسها على عجلة قبل خروجي ولمّا انتهيتُ من استحمامي وجدتها تجلس على السرير تشرد بالفراغ فقلت أُذكّرها بجدية...علّ الذكرى تنفعها:
" لا تنسي قضاء الصلوات التي فاتتكِ...!!.."

اطلقت قهقهة بغيضة وهي ترجع ظهرها للوراء وتدعمه بكفها الموضوع على السرير ترمقني بتعالي وتلعب بخصلات شعرها بغرور وكل هذا لتعذّبني وتقهرني وتسمّ بدني:
" أصلّي ؟؟!!......ألم تنتهي المسرحية ؟؟!....ألم يكن تعليمك لي للصلاة من ضمن السيناريو خاصتك وأنت تدّعي خوفك عليّ من الآخرة؟؟!....أي جحيم سيكون اسوأ من الذي اتلظى بناره الآن؟؟"

وعدّلت جلستها بثبات مشهرة اصبعها بتهديد هامسة بلؤم بينما كان حبها المكلوم ينزف من أدقّ شرايينها ويثبت لها خداعها لنفسها:
" لا شأن لكَ بي أصلّي أو لا.....هذا بيني وبين ربي....ابقِ اوامرك وتوجيهاتك لنفسك !!......انقطعت صلتنا ببعض !!..."

لعبت بإعدادات صبري وسمومها انتصرت على تحمّلي فبحركة مني أرجعتُ ظهرها للفراش أثبّتها وأنا أعتليها ووجهي المصعوق غضباً يقابل وجهها وقلت من بين أسناني:
" تقارنين جحيم الدنيا بالآخرة ؟...ماذا تعرفين عنها ؟....أمثالك في يوم صيفٍ حار يصبحون كقطعة قماش بالية وتظنين أنك الآن تعيشين الأسوأ..؟؟!..مسكينة!...استعيذ? ? بالله منها أفضل لكِ...أنتِ لا تصلّين لي!..وذنبك على جانبك!...لا تتبجحي بسفاهة بكلام لا تقدرين عليه!!..."

ثم نظرتُ ليدها اليمنى بازدراء وألمي على الذكرى يعتصرني كما ألمها وتحديداً لآثار حروقها وهي طفلة وكان ذلك ازدراءً من تبجّحها وتلوّث فكرها ومسكتها واضعاً إياها أمام ناظرها وتابعت مع أنني ادرك قسوة خطابي:
" مرّت سنين وأثر الحروق لم يمحَ لا عن يدك ولا من عقلك.....أنا أعلم قصتك ألمى بحذافيرها!!.....ما زلت تذكرين الآلم النفسي الى الآن أنا واثق!!....ما تكون هذه عند نار جهنم ؟!.....احترقتِ وظلت دمغة الحرق موسومة على جلدك الّا أن احساسك بالألم الحقيقي كان لمرة واحدة واختفى أما في الآخرة التي فضّلتِ نارها ستتذوقين الألم كل مرة دون توقف كما قال الله تعالى..."
ثم جوّدتُ بصوتٍ شجيّ بعد البسملة :
"..{{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }}.."

وأكملتُ اشرح لها عسى أن يهديها الله جلّ في علاه:
" موقع الاحساس بالألم موجود في الجلد وخاصة الناتج عن الحريق لذا يبدّل الله جلود الذين كفروا بآياته بجلود أخرى غير التي نضجت كي يذوقوا العذاب!!.....تخيّلي هذا واستعيذي بالله من نار جهنم.....اللهم أجرنا منها..!!..."

واستأنفتُ وغصة تختلج صدري:
"... صلّي أو لا تصلّي أنتِ حرة!!......كنتُ أظنك بريئة لا يعرف قلبك للحقد طريقاً....خيبت ظني....لم أرَ كراهية بحياتي كالتي أراها منكِ الآن!!....من اين أتيتِ بتلك العداوة والنفور؟؟!.."

تململت تحاول الانفلات من تحتي بعد أن ازدردت ريقها لسماعها شرحي ولكنها كابرت تُكمل وتجيب على السؤال الأخير دون أن تزحزح عينيها عن عينيّ بسخط وشحناء:
" منكَ أنت....من عداوتك مع أبي!...ابتعد عني!...أنت تخنقني!..."

هي لا تدري ما تفعل بي بأسلوبها القاهر المستفز ...لم ترَ كيف تحولتُ الى أشلاء من قسوتها معي واشمئزازها مني ومن الغشاوة التي تحيط قلبها وبصيرتها.... ضغطتُ عليها وهمست بهمس خافت قاسي ليباري قسوتها خرج من جوف الانتقام:
" تتكلمين وكأن والدك بريء....اقول لكِ أنه قتل أبي غدراً واستمتع بأنين احتضاره.....أتعين ماذا يعني قتل أبي وبأحقر الطرق؟؟!! ....كوني ممنونة أنني لم اقتله بيديّ....شهور تحمّلتُ رؤيته ووجوده بحياتي وهو ألد أعدائي....لا تعلمين أي عذاب كنتُ أعيش في كل مرة أقابله....قدراتي فاقت قدرات البشر !!....أي انسان يتحمل الجلوس والكلام مع شخص حرمه كل حياته ؟!...من يفعلها غيري أنا ؟!...أحببتك قبل أن أعرف حقيقة والدك وبعد معرفتي استمرّيتُ بحبي لكِ...لم اظلمك وكنتُ منصفاً ....ألم أكن استطيع ضربه بك لو أردت؟؟!....وربي استطيع ما لا يمكنك تصوّره....لكني أحببتك في الماضي وأحبك بالحاضر فلا تقتلي حب المستقبل.....كوني منصفة كما انصفتك!!....أتعاقبينني بحرماني منك ؟!.."

بدأت دموعها تنهمر على جانبيها وتسقط على السرير وتهمس همساً حزيناً وهي مقتنعة وواثقة بكلامها :
" أنتم مخطئون....أبي لا يفعلها....ليس أبي من قتل والدك...لمَ ليقتله؟!.."

اكملتُ وأنا ثابتٌ فوقها ووجهي متوهّج انفعالاً وأنفاسي شبه لاهثة:
" قتله لأن أبي كشف خيانته للثوار والدولة وهدده بها !!....قتله من أجل مصالحه!!.."

" وما أدراك أن والدك لم يكذب ويفتري عليه آنذاك ؟!...."

بصوت صلب وصارم قلت:
" أبي لا يكذب....فهمتِ؟؟؟؟..أبي الشريف ناصر الحق وحامي الوطن!!.."

بعناد غبي ردّت:
" وأبي محترم لا يقتل ولا يخون....!"

بنبرة خشنة كلها شجى هتفت:
" بلى....والدك باع الوطن وقتل أبي والعشرات بل المئات!!.."

بتحدّي وغلّ ونبرة اكثر ارتفاعا قالت:
" أبي ليس قاتلاً...ليس قاتلاً....أنتم الظالمون..!!.."

ثم أكملت بتمتمة بعد أن اختفت جرأتها وجسارتها:
" سأثبت لكم.....سترون...أبي بريء من اتهاماتكم!!..."

رفعتُ جذعي عنها وبيمناي مسحتُ شعري للوراء نافثاً أنفاسي وقلت بقنوط:
" لن يجدي معك شيئاً.....لن تقتنعي أن دفاعك عنه هو مجرد أوهام حتى لو رأيت بأمّ عينيك....يؤسفني ذلك....فيوجد حقيقة وإن كانت موجعة...والدك خائن وقاتل....والأدلة بحوزتنا لا خلاف عليها!!.....لكِ الحرية تريدين تصديق ذلك أم لا..!!....سئمت من اقناعك!..."

ومع انتهاء جملتي واستقامتي على الأرض نظرتُ الى يسراي فور سماعي طرقات على الباب ثم قصدته وفتحته وكانت عمتي...ضحكت بحنوٍ ومحبة تشع من عينيها وقالت:
" تعالا بنيّ لتتناولا الفطور قبل أن ترتاحا..."

التفتُّ للخلف للتي تجلس على السرير ترتب منامتها وخصلات شعرها ثم أعدتُ وجهي لعمتي مبتسماً وهامساً:
" سلمتِ عمتي....اسبقينا.....سنأتي بالحال!.."

بعد أن اغلقت الباب دنوتُ منها هاتفاً بهدوء وكأننا لم نكن نخوض معركة لسانية قبل لحظات:
" ارتدي العباءة او ذاك الفستان مع الحجاب لنخرج إليهم..!!....ينتظروننا على الفطور!..."

تطلّعت عليّ بنظرات استصغار لطلبي وقالت بتمرّد وعصيان:
" أنت تعلم أنني لستُ محجبة ...لمَ لأرتدي كل هذا اذاً؟!.."

تبسّمت مرغماً وأجبت:
" حسناً أعرف.....لكن نحن هنا في بيت رجل ملتزم.....له قوانينه ....لا يقبل أن يكون في مجلسه امرأة متبرجة ......عليكِ احترام هذا فنحن لن نقيم العمر كله هنا !!..."

استقامت واقفة بشموخ وعيناها تفيضان عناداً ومشت الى أن وصلت الباب وفتحته لتخرج كما هي فأمسكتُ بها مسرعاً وصفعت الباب وقلت بخشونة:
" ألم تسمعي ما قلت من توّي؟!...أتتحدينني وتكسرين كلامي؟؟!..."

رفعت كتفها ولوت شفتيها مع إمالة رأسها جانباً بعدم اكتراث واجابت:
" فليتقبلني هكذا أو يطردني لا أهتم....!!.."

سحبتها بغل حتى وصلنا جانب السرير قائلاً بنبرة صارمة:
" اتختبرين صبري عليك ؟!....لا تتواقحي ألمى واحترمي البيت الذي أنتِ فيه !!..."

ردّت بإصرار بينما أنا أوشك على الانفجار:
" وأنت احترم حريتي الشخصية ورأيي... هذه أنا وإن لم أعجبك اتركني لأعود الى بيت أبي..!!.."

ثم نفضت يدي عنها ورفعت حاجبها بغطرسة مردفة:
" اخرج هكذا أو لن آتي ولن آكل..!!.."

بخفة دفعتها للسرير وقلت بازدراء مغتاظاً وأنا كلي يقين أن محاولاتها هذه ما الّا لأضجر واسأم منها ثم استسلم وأحررها :
" اذاً ابقي هنا ولا تريني وجهك خارج الغرفة.....أنتِ أدرى بمصلحتك!.....تفعلين كل هذا فقط لتقهرينني وتعاندينني أنا اعلم..!!...إياك الخروج حتى ننصرف من هنا!..."

وتركتها خارجاً بخطوات مزلزلة حنقاً وسخطاً ولما وصلت مائدة الطعام سألتني عمتي:
" أين زوجتك بني؟؟!.."

القيت نظرة سريعة للجالس على رأس الطاولة ثم أعدتُ بصري إليها حيث تقف وأجبت وأنا اتخذ مقعدي:
" لا تريد أن تأكل..!!.."

استنكرت مستاءة فهي تريد أن تكرم ضيفتها كما أنها استشفت الغضب بملامحي ثم ولّتني ظهرها ذاهبة إليها وهامسة:
" ضيفة تدخل بيتي ولا تأكل من طعامي؟!....مؤكد لن أقبل بهذا وخاصة أعلم ما عانيتما من مشقة لساعات في الطريق!!.....لا بد أنك أزعلتها....انا أعرف عقول الرجال الصلبة اليابسة..!!"

واختفت عن انظارنا ..!!.....طرقت الباب بهدوء لما وصلت الغرفة وهي تقرب أذنها له لتسمع الإذن.....كانت (ألمى) جالسة على السرير تبكي بصمت ومع تكرار الطرق كفكفت دموعها بيديها وشهقت قهراً وهي تأذن للطارق برقة صوتها:
" أدخل ..!.."

فتحت الباب وتوقفت لثواني ترمقها بنظرات حانية واعجاب بجمالها مع ابتسامة بشوشة على محيّاها ثم زلفت منها وهمست برقة:
" هيا يا ابنتي لنتناول الفطور معاً..."

مسحت أنفها دون النظر إليها وهمست بحياء:
" صحة وعافية....لا رغبة لي!...شكرا..."

جلست جوارها ومسكت يدها بحنان ووضعتها في حجرها وبيدها الأخرى مسّدت عليها هامسة لتغريها:
" لا يمكنك تفويت فطارنا.....ستنبهرين بالأصناف وتحتارين بماذا تبدئين!!...ثقي بما تصنع يدي..."

ظلّت صامتة لثواني والحزن يخيّم على ملامحها وكانت عمتي تعلم بكل ما جرى ويجري ورأت آثار دموعها فأردفت برزانة:
" لا شيء في الحياة يستحق أن نهمل صحتنا من أجله...!"

ثم ضحكت وهمست بمزاح وهي تقرصها من خدها:
" حتى ذلك المغرور هادي...!!.....هل أزعلك ذو الرأس الصوّان ؟!..."

تمتمت بصوت مهزوز كئيب:
" لا أريد أن ارتدي الحجاب ..أنا لستُ محجبة....لمَ يرغمني على ذلك؟!..."

تنحنحت وأجابت بلطف بعد أن اتضحت الصورة لها:
" الحجاب شرع الله يا صغيرتي..."

عند كلمة صغيرتي وقبل ان تتابع جملتها.. قشعريرة هزّت بدنها....الكلمة الأقرب على قلبها ممن كانت حبيبة قلبها....خالتها!!....شعرت أنها ستبكي وتصرخ لتهز جبالاً بصوتها .....صراخ نتيجة قهر كبير ألمّ بروحها وجوارحها.....يا الله كم كانت تحبها من بين شفتيها.؟!!...كانت حروف هذه الكلمة وحدها تغرقها في الحنان وتواسيها وتعطيها الأمان......هي واثقة بمحبة خالتها لها وخوفها عليها.....لكن لمَ...لمَ باعتها وخدعتها؟!....من أجل ماذا؟!....الكلمة جعلتها تتوق لحضنها ولمداعبتها لشعرها ولقصصها....ترغب بشدة سماع صوتها هذه اللحظة....رغبة اجتاحتها رغم عنها كانت أقوى من قهرها....الّا أنها مع سماع صوت التي تجلس جوارها وهي تتابع كلامها أعادها الى الواقع المرّ الذي تعيشه.....واقع يثبت أنها ليست سوى....مغفلة ومخدوعة!!.....:
" أما هادي لا بد أنه يخشى عليكِ أولاً من عقاب الله...ثانياً هو يغار عليكِ من عيون الرجال الأغراب.....أنتِ زوجته....غيرته من حقه!.."

حرّكت وجهها نحوها والدموع متكدسة بعينيها وقالت بصوت خفيض:
" كلا....لا يغار عليّ....فهناك لم أكن محجبة ولم يكن يجبرني....ما تغير الآن؟؟!.."

تبسمت واجابتها لتعطيها تبريرات لطلبي:
" ربما لأنه يعلم أن عمك سليم أي زوجي هو رجل ملتزم وشديد....لم تجلس في مجلسه يوماً امرأة."

تنحنحت وتابعت:
" عفواً....يعني متبرجة لا تستر شعرها وجسدها !.....أي طلبه هو احتراماً له."

وضحكت بحنو وأضافت:
" حتى بناته...ما إن وصلن سن البلوغ جعلهن يرتدين الحجاب!.. تقريباً في سن الثانية عشر"

بدهشة وبراءة همست متناسية مشكلتها:
" مسكينات!!....وما فعلن؟!..."

أجابت برقة متفهّمة أفكارها المغلوطة بسبب بيئتها البعيدة عن الدين:
" لم يرغمهن أبداً بنيتي!....لم يستعمل معهن اسلوب الترهيب اطلاقاً.....ربما يبدو من عندك رجل قاسي حسب كلامي عنه ومظهره الرجولي الخشن الصارخ.....الّا أنه يمتلك في قلبه حنان الكون للبنات .... لم يعاملهن يوماً الّا بكل لطافة وعطف!!....يخاف عليهن من النسمات.....كان يجلبهن للدين والمسار الصحيح عن طريق الترغيب وبطرق تحببية! .....كان يحكي لهن قصص الصحابيات رضي الله عنهن ليكنّ قدوتهنّ وكان يجعلهن يتنافسن في حفظ الآيات والاحاديث الى أن تعلقن بشرع الله وتشبثن به برضا ومحبة.....الشكر لله..!!.."

مدّت يدها بحنوّ تمسد على وجنتها وأكملت بهمس عطوف :
" هناك قوانين وشرع الله... فرض علينا القيام بها... لا جدال.... لكن لن يرغمك أحد على ما لا تريدينه!...فيجب أن يكون هذا نابع من قلبك وبإرادتك ....هداكِ وإيانا الله..!!......فالأولى أن يكون حجابك وسترك لنفسك من أجل مرضاة الله لا من أجل البشر!...."

ثم وقفت واخفضت رأسها إليها ووضعت يدها على كتفها وقالت بحماس:
" هيا بنيتي....عليك أن تدخلي شيئاً لمعدتك كي لا تنهاري......تعالي معي وسنأكل سوياً في المطبخ!.....لن نجلس معهما!..."

برهبة وريب طالعتها وهمست:
" لكنه وبخني وهددني...لن يسمح بخروجي!...سيغضب!.."

بابتسامة زيّنت ثغرها هتفت:
" أنتِ معي.... لن يفعل شيء!..."

واطلقت ضحكة مضيفة بمرح وهي ترفع ذراعها بحركة تعرض عضلها:
" لا تخافي.... سأضربه إن لزم الأمر!.."

ارتسمت ابتسامة حقيقية على ثغرها ..طردتها عن وجهها وسألت بتوجس:
" وزوجك؟!!."

" زوجي لا سلطة له عليك بنيتي !!....هيا معي!..."

كنتُ أجلسُ على يمين السيد (سليم) ونتبادل اطراف الاحاديث وكان هو يتناول فطوره وأنا أجامله ببعض اللقيمات إذ أن هنالك من سدّت شهيتي بعنادها وقلقي عليها وبينما نحن في خضم النقاش مرّت من أمامنا ملتصقة بعمتي دون أن تنظر نحونا !..أثارت حفيظتي فضغطتُ على الشوكة لدرجة شعرتُ بها ستطوى بيدي من غلّي وأنا اراها خارجة بالمنامة التي ترسم منحنيات جسدها الفاتن مُهلكي وليل شعرها معذبي.!! وبينما كنتُ مسلّطاً بصري عليها وأطحن ضروسي قاطعني آمراً بصوت جهوري يرن في اركان بيته وهو يفزّ من مكانه:
" إنهِ فطارك واتبعني الى المكتب.....يوجد لديّ ما علينا التحدث عنه !!.."

لمّا غاب عن عيني القيت الشوكة على الطبق واسندتُ ظهري للخلف بتراخي وحدقتايَ موجهتان الى باب المطبخ شارداً بالتي اوصلتني لدرجة الغليان...!!.....آه منكِ يا ألمى!.....لمَ عليّ أن أعيش الحسرة في حبك؟!....ألا تعين أن الدنيا قصيرة وستقذفنا بأي لحظة الى تحت الأرض؟!.....آه يا حبيبتي.....عذبيني وزيدي بعذابي إن كان هذا سيخفف من الآمك وسيسعد قلبك!!......قمتُ من مكاني بوهن فيبدو أن جسدي نفذت قوته !!....قررتُ تجاهل العنيدة فلا طاقة لديّ وكذلك المكان لا يلائم للمناوشات الآن.......لحقتُ بالسيد(سليم)....أخرج خارطة متوسطة الحجم من درج مكتبه واستدار ليجلس على الكرسي المقابل لمكتبه ثم أشار لي بالجلوس قبالته ولما فعلت فرَدَ ما بيده على الطاولة الصغيرة أمامنا وبدأ يشير ويشرح قائلاً:
" تلك البقعة التي سيتم الدفاع منها....ومن هنا سيهاجموننا!!......ثلاثة كتائب منا ستشترك في هذه الهجمة !!.....اسمعني رأيك رغم أن الخطة الاستراتيجية شبه جاهزة"

" كم عددهم؟!.."

" مئتا وخمسون جندي !.."

" والمخربون؟!....كم عددهم؟!.."

" ستصل المعلومات المؤكدة مساءً إلينا من الاستخبارات ان شاء الله !!....لكن كمعلومات أولية يبدو انهم لن يجتازوا المئة وخمسون مقاتل!..."

" اذاً لا داعي لخط الدفاع....إن كنا نفوقهم عدداً علينا الهجوم..!!.."

" حسب خطتنا العسكرية رأينا أن نكثّف جهودنا للدفاع لمنعهم من الوصول الى الحدود كي لا يتكاتفوا مع حلفائهم في تلك البلاد رغم أن ثوارنا هناك سيحاربون في عدة جبهات ايضاً.....هدفنا هو تشتيتهم عن بعضهم قبل أن يصبحوا قوة موحدة!!..."

" تأكد من العدد!....إن كنا نتقدّم عليهم بعشرات اضافية اذاً يكون الهجوم في هذه الحالة أولى وأقوى.....سنباغتهم بهجمة غير متوقعة!!....الدفاع والمراوغة ومحاولة تشتيتهم يكون إن تغلّبوا علينا عدداً سيد سليم!..."

أخذنا الحديث عن الخطط العسكرية حوالي نصف ساعة من الزمن مع فنجان قهوة من يد عمتي وبعد انتهائنا من المهم جاء الموضوع الأهم فسند ظهره للخلف بأريحية وقال بصوت جهوري يشوبه السخرية قهراً مني:
" وأنتَ ما خطتك بشأن ما وصل إليه حالك سيد هادي وما هي خطوتك القادمة؟؟!...."

نظرت جانباً سارحاً باللا شيء ولويت فمي بحيرة مع ايماءة برأسي وأجبت:
" لا أعرف صدقاً!......كان عليّ اولاً منعها من الوصول إليه!!.....سأذهب الى بيتي باذن الله وارتاح وأفكر بهدوء....لا يمكنني أن أقرر قرارات عاجلة متهورة!..."

" الآن الخطة تغيرت!...لا يمكننا انتظار موعد قدومه إلى البلاد....تعلم أم لا تعلم سيد هادي؟!.."

قالها ناظراً إليّ وداخل عينيه بحور من العتاب ....كم يرغب بتأنيبي وتذكيري بتقاعسي وقلة حذري لكنه اختار أن يدفن كل هذا داخله فقلت بهدوء وايجاز:
" أعلم سيد سليم!!..."

تنحنح وقال يدلي اقتراحه:
" برأيي يمكننا استخدامها لصالحنا!.....لتكون الصورة أنها اختطفت من قِبَل كتيبة الفهد الأسود أكبر اعدائه!!.....إما رأسها أو يسلم نفسه!!....مع شريط مصوّر نبعثه له...فهو يعي أن لا مزاح بيننا...وسيستعين بك وستستدرجه بأسلوبك.....ما رأيك؟!.."

أيقول أن استخدم حبيبتي بمهمتنا ؟!...لا وماذا ؟..نصورها ايضاً ؟؟!.....أيراني فقدتُ عقلي وقلبي ؟؟!...شعرتُ في الدماء تغلي في عروقي!....بركان هائج يوشك على الانفجار يجتاح صدري.....عيناي تقدح شرراً وقبل أن أهدر به لأعطيه رأيي التفتنا بذات اللحظة نحو الباب للتي أقبلت علينا ثائرة وتصرخ بهمجية ونشيج بعد أن سمعت حديثنا متعمدّة التجسس وحتى أن ثورتها منعتها من انتظار اجابتي:
" أيها الأوغاد الحقيرين!!.....هل ستجعلون مني بيدقاً أو رهينة بين أيديكم لتضربوا أبي بي ؟؟!....أقتل نفسي قبل أن تفعلوها نكاية بكم !!...."

وطالعتني بنظرة كراهية مضيفة:
" هل وصلتَ الى هذه الدناءة لاستخدام من تدّعي أنها زوجتك لأعمالك المقرفة الخسيسة ؟؟!.....لا وبل تجلبني الى بيت وتطعمني مِن طعام مَن يخطط لتدمير أبي بكل وضاعة!؟..."

" أصمتـــــــي!!.."

البركان الذي كان يوشك على الانفجار قبل قليل كانت هي من تلقّته مني ليكون من نصيبها بصوتي الذي زلزل الأرض السابعة من تحتنا حتى أجفلت مني وتوقفت عن شتائهما بينما الذي كان يجلس يشاهد بصمت قبل ثواني.. هدَرَ بها موبخاً:
" ما هذه الوقاحة وقلة الأدب يا فتاة.؟.....هل تتجسسين علينا وترفعين صوتك بحضور زوجك؟؟!....عديمة تربية..."

وما إن أنهى جملته حتى اختفت برمشة عين هاربة لتعتكف في الغرفة خاصتنا لتواصل نحيبها لوحدها عندما ألقى عليها كلماته القاسية الجارحة وقد اجتازت عمتي التي كانت تقف مبهمة عند الباب بعد مجيئها لسماعها الجلبة التي قامت بها الجاسوسة الصغيرة فوثبتُ من مكاني وغضب الدنيا تملّكني ثم رفعتُ صوتي بجدية وشدّة مقهوراً موجهاً كلامي إليه وأنا اكوّر قبضتي وأرفعها بصلابة مع انحناءة خفيفة بجذعي:
" سيد سليم....كلامك معي ليس معها !...ليس من حقك أن تنعتها بهذه الكلمات النابية.!....هي لم تخطئ.....من الطبيعي أن ترى والدها مظلوماً وتحاول أن تدافع عنه وتبحث عن أدلة لصالحه بشتّى الطرق سواء كانت طرق نزيهة او لا..."

واستطردتُ بتحدّي وعينيّ بعينيه رافعاً سبابتي بتأكيد:
" مثلما نفعل نحن تماماً...!!...لذا لو سمحت لا تعيدها مجدداً !!....كُن أكيداً أنني لن اسمح بها وبإهانتها مهما كانت ومهما قالت!!..."

ثم استدرتُ لأخطو متجهاً الى الباب وتوقفتُ عنده مع التفاتة صغيرة وهتفت بصوت أكثر هدوءاً:
" سأتصل بسامي ليأتي ويأخذنا!!....لا استطيع البقاء هنا وعليّ التفكير بطريقة سليمة تخرجنا من هذا المأزق.....فبالطبع اقتراحك مستحيل أن انفذه....زوجتي ليست كرة بملعبكم ولا أريد أن اسمع ذكرها بمجالسكم!!...."

لم يحرّك ساكناً مع علمي أن داخله نيران تشتعل يود احراقي واحراقها بها من قهره فأنا أتيتُ مخالفاً لتوقعاته عند ارتباطي بها !!...وقبل أن اتابع سيري استوقفني قائلاً مغيّراً الموضوع الأساسي:
" ستعود مع أحمد!!.."

تطلّعت عليه بلا مغزى فأكمل:
" ذاك العنيد سينهي حياته في أرض المعركة!!...اتصل بي بلال وبعض القادة ليشكوا منه!!....منذ وصوله البارحة الى الميدان لم يترك سلاحه وهو يقاتل بشراسة....ظلّ حوالي ستة عشر ساعة يطلق النار على نفسٍ واحدٍ وحتى انه كان يصلّي وسلاحه على ظهره وذخيرته على خصره...لم يرتح دقيقة واحدة واستمر دون ان يضع لقمة بفمه وحتى أنه لم ينفذ اوامر قادته عندما طالبوه بالتنحّي ليأخذ مكانه احد زملائه .....ما له جنّ لا أدري ؟!.....يقول لهم بتصميم ..*...إما النصر او الشهادة !...*...."

اصاب وجهي الوجوم قلقاً عليه فعدّلت وقفتي لأصغي براحة وقلت بفضول:
" وما فعلتم ؟!.."

تنهّد وهزّ رأسه معترضاً على أفعال صديقي واجاب:
"بصعوبة اوصلوني به ولجأت لتهديده بأكثر شيء يؤلمه قائلاً ..*... إن لم تعد أدراجك سأقصيك من الكتيبة بأكملها!...*...فاضطر للاستجابة كارهاً!!....لنفسه عليه حق !...وكذلك لا يمكنني بسبب جنونه وتهوره أن أخسره....فأنت تعلم! ....أحمد هو أفضل قناص على مستوى كتائبنا بغض النظر عن دوره في تسيير العلاقات مع الحلفاء !!.....حفظه الله وأراح باله !!..."

أمّنتُ خلفه وسألت:
" اذاً اين هو الآن؟!.."

" في طريقه إلينا...أوشك على الوصول ان شاء الله!!...لقد اخبرته رؤوس أقلام عن وضعك!!....اما بلال سيبقى هناك لأنهم يحتاجونه ايضاً لبعض العلاجات التقنية بما يخص الرادارات !!..."

أومأتُ برأسي موافقاً على كلامه وهمستُ وأنا اوليه ظهري:
" حسناً...سنجهّز أنفسنا في الحال!.."

عندما عدتُ الى غرفتنا وسمائي كنتُ أقل انفعالاً وأكثر سكوناً أما هي كانت تستلقي على السرير وتكوّر نفسها وظهرها للباب وصوت شهقات خفيفة تصدر منها مخلّفات من نحيبها ....دنوتُ منها بحنّية وجلستُ على طرف السرير جانبها ثم مددتُ يمناي ومسّدت شلالها الليليّ فهبّت تعدل جلستها مبتعدة عني للطرف الآخر وقد هالني الاحمر القاتم الذي يغطي وجهها وقالت بهمس خافت:
" لا تقترب مني!.."

أغمضتُ عينيّ بألم وتنفستُ بهدوء....فتحتهما وهمست بلطف:
" حبيبتي أنا لن أؤذيك......هيا تجهّزي للذهاب من هنا !!....ارتدي الفستان والحجاب دون افتعال مشاكل!..."

" هل ستسلّمني لكتيبتكم لتستدرجوا والدي ؟!.."

سألت سؤالها والغصة تلازم صوتها فأجبت معترضاً بجدية:
" ما هذا الهراء؟!...طبعا لا"

" لكنه اقترح عليك هذا وسألك عن رأيك!!."

" وأنتِ تهورتِ دون أن تسمعي رأيي.....قلت لكِ في السابق أنت خارج المهمة والمعادلة..... حتى لو فديتك بنفسي !..."

أشاحت وجهها وأصدرت صوت ضحكة هازئة وقالت:
" كأني سأثق بك!....اتركني لأعود ولا حاجة لأن تفديني بنفسك!.."

تمتمتُ مستغفراً ومحوقلاً ثم نهضتُ مكرراً:
" هيا قومي وجهّزي نفسك!...سيصل صديقي بعد قليل ان شاء الله!.."

×
×
×

بعد أن التقينا بصديقي (أحمد) ورأيتُ على ملامحه علامات الاجهاد ورغم أنني لم أكن أحسنُ حالاً الّا أنني تطوّعت بالقيادة لكنه كابر ورفض اقتراحي وبينما كنا قد سحقنا ربع المسافة وفي لحظة سكون ممل وبكل جرأة وفظاظة بل قمة الحماقة هتفت موجهة كلامها للذي يجلس خلف المقود تقصد الفتك به ساخرة وساخطة وكأنها تتسلّى في ايلام من حولها ليشاركوها مصابها في الألم:
" هل علمتَ سيد أحمد أن صديقتي ميار تمّ عقد قرانها في الأمس؟!.."

وألحقت سؤالها على الفور متمتمة باستهزاء دون أن نفهمها:
" ما شاء الله...إكتملت العصابة وطاقم التمثيل!!.."

لاحظت ابيضاض مفاصل أناملة القابضة على عجلة القيادة وشدّ فكيه بكُره وجموح فنهرتها وأنا التفت إليها من خلفنا:
" ألمى.!!....احفظي كلامك لنفسك!.."

الّا أنه فاجأني قائلاً بصوت ثابت مغاير لاضطراب ملامحه المتأثرة من كلامها:
" مبارك....نسأل الله لها السعادة في حياتها الجديدة!....ها أنا أعلم منك....لكن لو سمحتِ لا أفضّل الاستماع لأخبار أو كلام عمّا يخص الغير وخاصة الغرباء..."

غبية وحاقدة!....وصلت بحقدها حد السماء وإجابته لم تشفي غليلها.... تريد أن تستلذ وهي تتذوق آلام الآخرين وتشمت بهم.....لقد فقدت عقلها وقلبها في آنٍ واحد!!....لذا استطردت تلقي كلماتها بتلاحق كي لا اوقفها وكأنني لم أنهرها قبل دقيقة...دقيقة فقط !..:
" طبعاً ستكون سعيدة مع ابن عمها لأنه لن يكون نذلاً معها...وعندما أراها سأخبرها بأن الله يحبها وكم أنها محظوظة لأنها تخلّصت من أمثالكم أيها المخادعون... بعكسي تماماً.....مع أنني قريباً سأفعل المستحيل لأرتاح منكم .....أخبر صديقك بألّا يستهين بي!!"

صككتُ فكيّ بغيظ لكني تركتُ له الميدان مستمعاً دون تعليق بينما كان هو يتسلّح بالبرود والجمود رغم أن كلماتها كانت على فؤاده الجريح كطلقات البارود ورسم ابتسامته الوسيمة مجيباً مع تحاشيه النظر إليها بالمرآة الأمامية:
" تفعلين طيّباً ونفعاً بإخبارها كي لا يؤنبها ضميرها يوماً!!..أما أنتِ سيدة ألمى ثقي جيداً أنك لا تدركين قيمة الكنز الذي بيدك !!...لو جُلتِ في أنحاء العالم لن تجدي مثل صديقي !!...."

والتفتَ الى يمناه نحوي يهديني صدق الابتسامة ونظرة دافئة والإعياء يلوّن وجهه وأنا أبادله بمثلهما ثم ربّت على كتفي بوفاء مردفاً يتفاخر بي وزاهداً بنفسه وهو يعيد بصره للشارع ويده للمقود :
" وليس لأنه صديقي بل لأنه سيد الرجال وبطل الأبطال.... لذا فكّري بحكمة ورَشاد قبل أن تخسري....وكوني أكيدة أنك لا تدري ما هو الخير الوفير الذي يخبئه الله لك خلف ما ترينه مصيبة وكارثة أو ظلم!!..واسأليه دوماً أن يختار لكِ ولا يخيّرك....فالخيرة بما يختاره الله...."

بعد كلامه لاذت بالصمت وعمّ الهدوء داخل السيارة الّا من تطفل الأصوات الخارجية في الشارع!!....استغربتُ صمتها...ليست عادتها...يجب أن تواصل بين الصد والرد....لا تقبل الانهزام بسهولة وهي في حالة فوران وكيد يملأ قلبها!!... نظرتُ بالمرآة وإذ بوجهها شاحب وتحجب فمها بيدها وتقطب حاجبيها ودموع خفيفة تترقرق بمقلتيها.....عرفت!...يبدو أنها ستستفرغ!!...ما الذي اصابها؟!....الشيء زاد عن حده !!...من فوري طلبتُ من صديقي التوقف جانباً ثم نزلتُ مسرعاً وفتحتُ لها الباب لتهرول الى قارعة الطريق وهي تفك مشبك الحجاب الذي يخنقها ولمّا انتهت مِن استفراغ ما حوى جوفها ...اقتربتُ منها هاتفاً بقلق وجديّة:
" سآخذك في الحال الى الطبيب!!...حالتُك تقلقني ....هيا اركبي لنجد أقرب عيادة.."

قلتها وأنا استدير لأسبقها وظننتُ انها لحقتني الّا أنها كانت متسمّرة مكانها وهتفت تنهاني وتردّ على كلامي وهي تعدّل الحجاب قبل أن أخطو:
" لا حاجة للطبيب.....أعتقد أنك تعلم حالتي بما يخص دورتي الشهرية.....هذا طبيعي عندي يبدو أنه حان ميعادها!...وفّر قلقك وحنانك ...أنا أدرى بصحتي..!!.."

صحيح!!....ما بالي نسيتُ هذا؟؟!....أساساً هل أبقت عندي عقل لأفكر؟!....الحمد لله!...قلقتُ عليها عبثاً....خشيتُ أن تكون فيروسات أصابتها وما الى ذلك !!....تابعتُ خطاي ذاهباً الى السيارة وصديقي بعد أن همست لها باقتضاب:
" جيد!!..هيا الحقي بي"

بعد أكثر من منتصف الطريق تبدلنا أنا و(أحمد) القيادة من كثرة الحاحي عليه لرؤيتي تقاسيم وجهه المنهكة وارتخاء عضلاته بضعف وكنتُ قد سرقتُ غفوة لساعة زمنية أجدد بها نشاطي وطاقتي أما المدللة لجأت الى عالم النوم الجميل معظم الطريق وكانت البراءة التي أعشق تشع من وجهها الحسن بخلاف شراستها اثناء يقظتها ....!!..كم أحبها وكم أذوب في هواها!!.......يا ويل قلبي .....ما أنا فاعل إن أقصتني من حياتها وحرمتني قربها بعد أن أذاقتني حلاوة الرحيق المختوم من شفتيها.....ويلٌ لقلبي ثم ويل... فأنا حقاً أدمنتها!....!!


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


تململت في السرير!!....فتحت عينيها بنعاس....تمطّت في مكانها ناظرة للسقف....هبّت مستنفرة ترفع جذعها....تطلّعت ذات اليمين وذات الشمال!!...."..يا الهي كيف نمت؟!..."....سألت نفسها.!....تذكر أنها استلقت لتمدّ ساقيها المتعبتين على السرير وكانت لم تنوي النوم بعد أن صلّت الظهر الّا أنه قد غافلها ....سحبت حقيبتها عن المنضدة جوارها وأخرجت هاتفها لترى كم الوقت الآن..؟!....صفعت جبهتها متمتمة :
" ايعقل أنني نمت لثلاث ساعات متواصلة دون أن أحس ؟!.."

حرّكت رأسها تغضن جبينها ترنو نحو باب الغرفة وهزّت رأسها بوعيد وأكملت تمتمتها:
" اذاً سيد سامي أخلّيت باتفاقنا؟!...مرّت ثلاث ساعات وليست ساعة فقط!!...استغليت نومتي لتبقيني أكثر وقت!!.....سنرى الى اين وصلنا بمعركتنا؟!.."

قالتها وقامت من مكانها....سارت خطوات قليلة فلمحت على المرآة الفوضى التي احلّت على ملابسها..!!....فستان مبعثر وحجاب كاد أن يصبح عاليه سافله....زلفت منها وبدأت ترتب نفسها !!....حسناً هي لن ترتب نفسها لتعجبه .....تفعل ذلك لأجلها فقط!!.....تحب أن تهتم بمظهرها!....فتحت الباب بحذر وأرهفت السمع....خطت على رؤوس اصابعها لتراقبه .....وجدته نائماً على الأريكة....وما إن لبثت أن تبتسم بحنان جارف لنومته البريئة حتى عادت وقطبت ملامحها بجدية تنهر ذاتها ! ....نظرت نظرة وجهتها الى باب الشاليه والثانية للمستلقي ....اعطته ساعة واستغل سباتها !!....لن تقوى على فتح مناورات جديدة!!....حقيبتها معها وبحوزتها ما يكفي من المال لتستقل سيارة أجرة حتى المدينة الجبلية!!....ربما هو وافقها ليسكتها لكن نيته الغدر بها لتبيت معه في الشاليه.." هذا في حلمه سيادة العقيد.!!..."...سخرت منه بعقلها ....تذكرت أن المفتاح قد وضعه بجيبه..!!...بما أنه لم ينم اذاً سيكون نومه ثقيلاً هذه الساعة وليس كعادته كالجنود المستعدين دوماً لأي نَفَس ممكن أن يوقظهم!!....استرجعت بمخيلتها أي جيب وضعه...!!..
" اللعنة.!!."

شتمت بخفوت لمّا وصلت بعقلها أن المفتاح بجيبه الايسر أي المحشور بظهر الأريكة!!.....كيف ستصل إليه ؟!...انحنت اتجاهه وحرّكت يدها ازاء عينيه لتختبره!!...لم يحرك ساكناً....مذهل!!...هي تعرف سباته الذي يقضيه بعد أن يُحرم النوم اكثر من ليلتين !!.....حاولت دسّ يدها في جيبه لكنها لم تفلح!...المكان ضيق ومؤكد حركتها ستوقظه في النهاية وسيعودان لنقطة البداية بين البقاء والذهاب..!!....استقامت بوقفتها وزفرت أنفاسها المحبطة!!...اتسعت ابتسامتها فور رؤيتها للشيء الموجود على الطاولة الصغيرة أمامه !!....فلتجرب حظها!!....المهم هو فتح الباب ....إن نجحت لا يستطيع ادخالها وستصرخ وتضعه في مأزق وستفضحه كما انه لن يتمكن من اغلاق الباب عليها مجدداً بعد أن تخربه!!...بسلاسة سحبته وخطت الى الوراء بكل حيطة وحذر...ولمّا وصلت هدفها ...شدّت عضلاتها لتستمد القوة ....هي تجيد فعلها حتى لو لم تجرب في السابق!...يبدو ان الدروس النظرية اثناء المراقبة وخاصه عند تنظيفه نفعتها !!...ورغم ضعفها كأنثى الّا أنها نجحت بسحب زلّاقته كالخبيرة ...سمّت بالله ...اغمضت عينيها بعد أن صوبت على الدائرة الحديدية لموضع المفتاح و....طلقة واحدة كانت كفيلة بفرتكتها عن بكرة أبيها!!....ألقت ما بيدها أرضاً وألقت عينيها على ذاك النائم الذي لم يتزحزح بينما كانت أنفاسها متعاقبة من الإثارة التي عاشتها وقلبها يضرب اضلاعها وجلاً من ردة فعل صاحبه وأي عقاب سيطولها منه وخاصة أنه ليس سلاحه الخاص به إنما التابع لعمله !! ...عجيب!!...لم يتحرك قيد أنملة !!....كانت مدهوشة من عدم تحرّكه ....ترى وجهه الساكن!!....أيا ترى راقبها بخباثة كالتمساح الذي يفتح فكيه ويدّعي نومه ؟؟!...هل هو من أعطاها الفرصة لتفعلها ؟!....أكيد لن تقع في فخه!!...لا حاجة أن تقترب منه وتتأكد من صمته فهو سيغدرها كذاك البرمائي المفترس الخبيث!!....انتقت الفرار على المجازفة بمجابهته !....ذرعت الرمال الرطبة من الأمطار بعد أن نزلت الدرجات الخشبية للشاليه وقطعت مسافة لا بأس بها بعد اجتيازها سيارته!....كانت تهرول في مشيتها وبين الفينة والأخرى تلتفت خلفها لترى إن لحق بها !!...ولما وصلت نهاية المساحة الخاصة بالشاليه خاصتهما وكانت ستبدأ في الشارع الاسفلتي ولم يظهر لها الأشقر الى الآن....انتابتها الهواجس لدرجة اهتزاز قوي شعرته بنابضها بين أضلعها....امتقع وجهها ودبّ الخوف في كامل بدنها !!..."...ليس سامي الطبيعي من لم يلحق بي؟!....هناك شيء!....يا الله....ما به؟!.."....تساءلت في سرها ثم استدارت لتعود خطاها بتباطؤ وما إن وصلت داخل الشاليه هالها لقياه على حاله مغمض العينين وبنفس الوضعية ....سقط قلبها الى قدميها وهمّت راكضة لتجثو قربه وهي تضع يدها على خدّه لتربّت وتوقظه لكن حرارته المرتفعة أحرقتها.....يغلي كالماء على النار !!....ببكاء ورعب نادت وهي تطبطب بيديها على وجنتيه :
" سامي ...سامي...اصحى!...ما بك سامي؟!.."
" أرجوك انهض.... حَـ.....ـبيبي!!.."
" سامي...ردّ عليّ!.."

يبدو أنه كان بين الوعي واللا وعي وهو نائم ....فتح عينيه بتثاقل وكانتا كالجمر الملتهب..مرر لسانه على شفتيه يشعر بجفاف أحلّ بهما وبحلقه...بصعوبة تمتم وهو يحرّك رأسه جانباً نحوها:
" دُنْـ...ـيا!!.."

دمعات تنساب من عينيها وأخرى ترافقها من قلبها وهمست بوجل:
" حرارتك مرتفعة سامي !!...يجب أن نجد طبيباً لك في الحال...يا الهي ماذا سأفعل؟!.."

ابتسامة مريضة زارت ثغره وهمس بكلالة وعناء:
" لا... تخافي...دُنـْ...ـيتي....اتركين ي أنام قليلاً وسأتحسّن ان ...شاء الله..."

" كلا سامي...السخونة ستؤذيك...علينا اخفاضها بالحال!!.."

قالتها بارتباك وهي تجول بعينيها في الأرجاء باحثة عن لا شيء يساعدها!!فهي لم تهتدي لحل!.....انتصبت واقفة ثم انحنت اتجاهه وشرعت بفك أزرار قميصه لتخفف من ملابسه وتساعده على تبريد جسده!!....ولمّا فكّت ألازرار الأولى رفع يده يمسك يدها التي لامست صدره وهمس ناظراً إليها بعينيه الحنونتين المشتاقتين الذابلتين:
" اشـتقتُ ...لكِ....يا عينيّ الشهد.."

" وأنا أكثر يا أشقري...حبيبي يا أبا سُلَيمان.."

كم ودّت النطق بها فالسعادة بموافقته على الاسم لا تسعها لكنها اختارت عصيان قلبها المتلهف لكل ذرة فيه وغضنت جبينها منزعجة واشاحت وجهها وهي تفلت يدها من يده تنهره:
" ليس وقته سامي!.."

ثم اتجهت الى قدميه الممدودتين على الأريكة وخلعت جوربيه عنهما وقد لسعتها حرارتهما ثم بعجلة هرولت للمطبخ وملأت إناء بماء فاتر وأخرجت فوطة صغيرة وعادت إليه تغمس الفوطة بالماء وتضعها على جبينه ثم تعود وتغمسها مرة ومرة كلما امتصت حرارته وهو كان بين اليقظة والنوم ....تركته وذهبت تبحث عن دواء مناسب يخفض الحرارة ومسكّن آلام في علبة الاسعاف الأولي الموجودة في مطبخ الشاليه !!...تبسّمت فرحانة وكأنها رأت كنزاً بعدما وجدت غايتها ....بحماس أخذته واتجهت لزوجها ومعها كأس ماء ....وضعته بفمه وأسقته بحنية وحذر ثم تابعت مهمتها بالفوطة وهي تجلس على طرف الأريكة جواره وكان القلق يساورها ودقات قلبها في حالة استنفار ثم همست وهي تركّز شهديها على الفوطة التي تنقلها تارة الى طرفيّ عنقه وتارة لجبهته :
" ستنزل الحرارة إن شاء الله....لا تقلق.."

مسك يدها مرة أخرى وقرّبها لشفتيه وقبّلها هامساً:
" سلمتِ ..حُبي!....لن أقلق وأنتِ معي!!.....هل عليّ شكر المرض لأنه قرّبك مني وجعلك تهتمين بي؟!"

سحبتها كالسابق ووضعتها على حجرها وهي تنظر جانباً تتملّص من نظراته الثاقبة رغم مرضه وقالت بجدّية مزيفة :
" لا تظن فعلتها من أجلك!....أنا أهتم كي نعود الى مدينتنا في أسرع وقت!!..."

استمع لها باسماً بينما حدقتيه تلمعان بحزن وكان خائر القوى لا يستطيع فتح جبهات معها..!!...مرت دقائق فساعة كانت قد تركته ليأخذ الدواء مفعوله !!...بدأ ينتعش الّا أن جسده ما زال ضعيفاً....دنت منه لتجس نبضه ...أي أنها تريد أن تختبر إذا عاد لطبيعته واسترجع قواه أم أنه على حاله...فقالت بحزم:
" اعتقد انه يمكننا الذهاب ألآن....أليس كذلك؟!.."

أمال زاوية فمه مغتصباً شبه ابتسامة ثم حاول تعديل جلسته بتراخٍ وهو ينزل قدميه أرضاً....لاحظت الضعف الذي يعتريه وكان الحر قد لفح وجهه فأصبح متورّداً...رفعت حاجبها بريب وحيرة واقتربت تتفحص حرارته واضعة ظهر يمناها على جبينه فوجدتها قد نزلت قليلاً فقط فهمست باستغراب:
" غريب!!....لمَ حرارتك ما زالت مرتفعة؟!."

رفع وجهه يتطلّع عليها بوهن ثم ابتسم قائلاً بخفوت راجياً :
" لأن الحرارة تخرج من روحي وليس من جسدي...روحي المريضة وعلاجها بين يديك وبهمسة من شفتيك يا عينيّ الشهد !!...سامحيني!....قولي سامحتك وأعدك أن أكون كالأسد!....ليتك يا دنيا تعتنين بروحي كما اعتنيتِ بجسدي..!!"

حتى لو كان قلبها وكل جوارحها تصرخ بالمسامحة والشوق له الّا أنها لن تنطقها!!...لم تنسَ وجعها حين تركها وأدبر عنها ...قررت الابتعاد عنه قليلاً لتأخذ مساحة بينها وبين نفسها ...لتعيد حساباتها وتعالج روحها الجريحة وتضمد جرح الفؤاد!!....عند انتهاء جملته انحنت لتلتقط حقيبتها عن الأرض ثم قالت بجدية:
" كلامك يوحي أنك أصبحت بخير....من فضلك هيا تأخرنا!!.."

هزّ رأسه بـ حسناً والألم بروحه لم يفارقه ...استقام واقفاً وأغلق قميصه ثم رتبه بعشوائية....انحنى ليرتدي جواربه ثم انتعل حذاءه...ضيّق عينيه وحرك رأسه لعدة جهات باحثاً عن غرضه هامساً:
" أين مسدسي؟!.."

انقبض قلبها بارتياع من فعلتها وهربت بعينيها أرضاً....رفع رأسه ناظراً إليها بتشكك مكرراً سؤاله:
" أين مسدسي دنيا؟!.."

تنحنحت ولم تجرؤ على التطلع عليه وأجابت بصوت مختنق مهابة وهي تشير للخلف بيدها بهشاشة :
" هناك....على الأرض!.."

مشى خطوات واسعة واصلاً إليه هاتفاً بدهشة وهو يحمله:
" ماذا يفعل هـُ...ـنا ؟!.."

قطع كلمته الأخيرة بعدما سقط نظره على الباب وقال بصرامة وصدمة:
" كيف فعلتِها ومتى؟!.."

قطب حاجبيه بضيق ودنا منها متمهّلاً بثبات بينما هي كانت ترجع للخلف حتى التصقت بالحائط الخشبي وسأل اسئلة متتابعة بجدية وصلابة يؤنبها :
" كيف تجرأتِ على هذا ؟!..من أين تعلمين طريقة استخدامه؟!...ماذا لو آذيت نفسك ؟!..."

ابتلعت ريقها وحاولت التركيز على استجماع حصانتها وشجاعتها وهو يحشرها على الحائط ثم أجابت :
" ظننتُ أنك خدعتني عندما مرّت ساعات دون أن نذهب....فأردتُ العودة وحدي وكان المفتاح في جيبك "

رفع المسدس أمام وجهها وسأل بإصرار واستنكار:
" قولي كيف تجرأتِ على استخدامه وكيف استطعتِ ؟!...أمجنونة أنت؟!..."

أعجبه قربها ولفحته أنفاسها المتهدجة وأبهره توهّج وجنتيها ارتباكاً وكاد يسمع ضربات القابع خلف أضلاعها فأراد الاستمتاع بلعبته قليلاً فأكمل مهدداً بجدية كلها خباثة ومكر وهو يمرر برقة وحركة مغوية فوهة مسدسه ابتداءً من أعلى رأسها نزولاً الى خديها ووصولاً الى شفتيها وذقنها وهو هائم بالنظر لتقاسيمها:
" أتعلمين عقوبة من حاول سرقة سلاح شرطي ؟..وكيف إن استخدمه وبصماته عليه ؟!!.....أتدركين أن من هذه اللحظة وبكل سهولة يمكنني تكبيلك بالأصفاد وجرّك للمركز سيدة دنيا ؟!..."

وأخفض نبرته مردفاً ومؤكداً على سؤاله بهمس خافت وهو يقترب من وجهها أكثر بحركة لعوبة وأنفاسه ورائحة عطره تعبث بأحاسيسها وهرموناتها:
" تدركين ذلك ام لا تدركين ....حبيبتي ؟!....قولي...كيف تمكنتِ من اطلاق النار؟!...ها؟!..."

ازدردت ريقها برهبة وأحست أن نابضها أضاع نبضاته لكنها لن تشعره بحالة الرعب التي انتابتها فنصبت كتفيها بإباء وجلت صوتها بتفاخر:
" أنسيت أن أبي محيي الدين وأخي هادي...؟!.."

لم تتغير ملامحه وبقي كما هو فاستدركت نفسها من فورها لتضيف كرشوة وهي تستخدم كيدها الأنثوي علّه يشفع لها عند سيادة العقيد فلمعت عينيها ببريق ماكر وهي تتبع بحدقتيها مرور المسدس على بشرة وجهها الّا أنه وصله كبريق العسل تحت الشمس وهذا أكثر ما يعشق ويجعله ذائباً بشهديها وبحركة عفوية عضّت جانب شفتها فبدت مثل الفراولة الشهية وبصورة مغرية وهدمت حصون ما تبقّى من ثباته عندما همست تتابع اجابتها بغنج لتداعب رجولته الفذّة التي تعشقها:
" وأن زوجي حضرة العقيد سامي الأنيـ.. ..!!.."

ليبتلع آخر حرف لجوفه بعدما أطبق شفتيه على شفتيها بوَلَه بقبلة لم تستمر غير ثواني معدودة عندما دفعته عنها بغيظ رافضة إذ أنها شعرت بخنوعها واستسلامها كأسيرة لعشقه الذي يضعفها وهتفت بحزم :
" لا تكررها رجاءً..!....أنا لم أقرر مسامحتك!...علينا الابتعاد قليلاً لنفكر بحكمة وأنت قلت سترضى بحكمي...هذا هو حكمي..... ثم .....ثم إنني أرغب بإخبار أخي هادي بكل ما جرى...يكفي أن عائلتكم بأكملها أصبحت تعلم قصتي المفبركة...دنيا الوقحة التي تهين ضيوفها وتستصغر زوجها.!!...أعتقد أن من حقي الاستعانة بمن أثق به وأعتمد عليه فهو شقيقي الكبير ومسؤول عني ولستُ مقطوعة من شجرة وعليه أن يعلم ما حدث مع شقيقته من قِبَل أعز صديق له."

رجت صدمته بها كيانه...انتصب بوقفته مذهولاً ومصعوقاً...آلمه الحال الجاف الذي وصلا إليه....وشمّ رائحة تهديد من وراء كلامها فأجاب بعد أن استرّد صوته واثقاً من نفسه وبكبرياء:
" كما تشائين .......افعلي ما يريحك.....واعلمي أن اخبارك له لن يزعزع صداقتنا أنا وهو مهما حدث بيننا ....من حقك هذا بالطبع لكن لا تستعملي أسلوب التهديد معي مجدداً.!!..تعلمين أنني لا أخاف الّا من خالقي..!!"

أنهى قوله ودسّ المسدس خلف ظهره وبهمّة تبدر عن انزعاجه استلّ جاكيته عن ظهر الكرسي وقال بجدية دون التطلع عليها :
" هيا لنذهب من هنا.."

ثم خرج يسبقها وهي تراقبه بصمت للحظات قبل أن تلحق به !!...

×
×
×

وإن كانت ساعة ونصف من الزمن مخللة بسكون الألسن أثناء الطريق الّا أن ضجيج الهموم في الصدور والأفكار في العقول لازمهما وكان صاخباً مزعجاً يعكر صفوهما.....التزما الصمت رفيقاً لهما....لا كلام تقوله له ولا كلام عنده!!....بينها وبين نفسها ترجو أن يحاول محاولة أخيرة بملاطفتها واصلاح ذات البين بينهما.....مال القلب العاشق لمسامحته ....ألا يفترض أن يكون هذا يوماً مميزاً ويحتفلان به ؟!...اعطاه الله ما تمنّى....ولد سليم....واعطاها ما شاءت ....وافقها أخيراً على اسم (سُلَيْمان)....عند اقترابهما لبيتنا الجبليّ بدأت تتسارع دقاتها ....جاءت اللحظة الحاسمة.....إما ينزل ويبشّر عيوش بالهدية التي وهبه اياها الله وستكون فاتحة خير لتعود المياه لمجاريها وإما....
" تفضلي إنزلي .."

أجفلت خارجة من أمنياتها بعدما قالها باقتضاب جاف لحظة وصولها الى خارج بوابة المنزل ووجهه موجه للشارع...لا عليها ولا نحو الساحة!!....لاحظت الاستياء على ملامحه وصوته الأجش ...يبدو جاد جداً!!....أتتنازل قليلاً وتبدأ بتليين الوضع وفتح باب المحادثة ؟!...تنحنحت لتطرد اهتزاز صوتها المختنق وهمست بتردد:
" أ...ألن تنزل لإخبار...والدتي....بنوع الجنين..لـِ ...لتأخذ مباركتها ؟!؟!.."

ظلّ على حاله وعلى نفس نبرة صوته وأجاب في فتور:
" لا يهم....اخبريها أنتِ...يكفي!.."

أطالت النظر إلى جانب وجهه ...لامست انطفاء حماسه للخبر الذي ترصّده ساعات وأيام !!... وطال انتظاره لنزولها فالتفت إليها بحدّة وسأل مستغرباً بجفاء :
" أهناك شيء؟!..."

هزّت رأسها بـ لا ونزلت ببطء تشعر أن شيئاً يخنقها ويضغط على أنفاسها ومشت قاصدة بيتها تضع يدها على صدرها ودمعات قهر تتسابق على وجنتيها من عظم الألم الذي يعتصر روحها ثم استدارت بتلقائية عند سماعها صوت عادم السيارة الهادر الذي نتج عن ضغطه بغل على الوقود ليختفي عن أنظارها بلمح البصر....وتابعت بقدميها السير للداخل لكن قلبها ذهب بالاتجاه المعاكس ليلحق بحبيب عمرها ..!!


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


تستلقي على سرير المشفى وقد حطّم المرض قواها وأنهكها....ملامحها ذابلة ...شاحبة الوجه...وغائرة العينين...بدت متقدّمة في السن....يداهمها السعال بين حين وحين فيهتز سائر جسدها الذي غدا أكثر نحولاً....حلقها يابس .....تفيق قليلاً وتعود الى نومها الشبيه بالإغماء بينما مرافقتها تعتكف في ركن الغرفة وتراقب تطوراتها مفزوعة بلا حول ولا قوة منها ....نفسيتها كئيبة وحالها يرثى له.....كيف سيكون حالها وأعز صديقة وحبيبة على مشارف النهاية حسب ما قدّر الأطباء وضعها ؟!...أيوجد اصعب من انتظار فقدان شخص عزيز ؟!....ما بيدها حيلة لكن لسانها لم ينفك عن اللهج بالدعاء الخارج من صميم فؤادها...!!...جحظت عيناها لحظة رؤيتها للمستلقية تحرّك وجهها نحوها وتومئ بيدها لتقترب منها !!...قبل ساعات قاموا بسحب المياه عن رئتيها!!.....يبدو أن في جعبتها كلاماً !!....نهضت عن كرسيها وزلفت إليها....وضعت يد المريضة بين يديها بحركة دافئة تدعمها واغتصبت ابتسامة ترفع معنوياتها ثم همست ولوعة تئن في كافة خلاياها وتعذّبها :
" اؤمريني عزيزتي فتون..!"

ابتلعت شفتيها لترطّبهما وهمست بصوت خافت فاتر ضعيف ومتاّنٍ:
" هل... أخبرت...صغيرتي...عن حالي؟!...هل ..اتصلت لتكلمني؟!..."

هربت بعينيها للسرير الفارغ جانبها وأجابت بتلكؤ:
"ممم.. لم ..تُتِح لي.. الفرصة... بعد !!.."

استشعرت هروبها وأن هناك ما تخبئه عنها فقالت بارتياب:
" في ....عينيك ...كلام....إيمان!...لا تخبئي عني شيئاً!...أحدث مكروه ؟!...."

أعادت حدقتيها اللامعة بوجع لوجه صاحبتها فاستطردت الأخيرة تشجّعها:
" لا تخافي....أنا أقوى مما تتخيلي....اخبريني!..."

ازدردت لعابها وطبطبت على ظهر كف صديقها المحبوس بين يديها وافتتحت الكلام قائلة:
" ألمى....عرفت كل شيء.... عنا..."

اهتز جسدها بعفوية متأهباً بتصلّب مع ارتفاع رأسها عن المخدة كردة فعل للخبر ثم عادت وأرخت كل شيء فيها وضغطت على شفتيها وهي تبتلع لعابها وتنظر جانباً بعيداً عن نظرات الواقفة وهتفت بقوة تخفي الانهيارات التي تحدث داخلها:
" إذاً حان.. وقت ..انتهاء اللعبة!!...فهذا اليوم.... كان سيأتي.... حتماً....."

أرجعت وجهها للواقفة وأردفت:
" وما ردة فعلها بشأني ؟!.."

صمتت برهة تفكر وأجابت بحذر رغم معرفتها بقوة تحمّل صديقتها:
" لم تعطني المجال لأبرر لها ...حانقة على الجميع وتتوعد بعدم المسامحة ....حتى كنتُ سأخبرها عن حالتك ليرق قلبها الّا انها صدتني واغلقت الهاتف في وجهي قبل ان تسمعني..!!....لكن لا تقلقي....هادي سيقوم باللازم....سأخبره لاحقاً....لقد اصطحبها للوطن وسيبقيها عند والدته ليتابع مهمته!.....اطمئني!...ستذهب لبيت الحنونة .....دعوة المريض مستجابة ...ادعي لها بالهداية وأن ينير بصيرتها للحق ولا تهدم حياتها الجميلة التي تنتظرها معهم هناك بإذن الله...."

شبه ابتسامة ارتسمت على محيّاها وهي شاردة بالفراغ مصغية لصديقتها ثم قالت:
" ستسامحنا الطيبة ابنة الطيبة.....لكن لا تنسي المكتوب اعطها إياه ما دام كشف الأمر...حتى....حتى...لو بعد وفاتي....لأرقد بسلام تحت الأرض !!..."

" ليبعد الشر عنك....أطال الله في عمرك....ستسامحك وأنتما تحتضنان بعضكما بأرض الوطن وستحملين ابناءها....فقط شدّي الهمّة لتتحسني ونعود بإذن الله ..."

قالتها بغصة وحرقة فجاء دور المستلقية لتواسيها فرفعت يمناها المربوطة بأسلاك الأجهزة الطبية وهي ترتجف من عجزها ورخاوتها ووضعتها فوق كفها العليا وشدّدتا معاً على أيديهم لتتبادل الأعين نظرات من نظرات الوداع وهمست:
" لن نخدع أنفسنا...عزيزتي إيمان.....صحيح الأعمار بيد الله ومتى يشاء يقبض أرواحنا ولكن يوجد أيضاً حقيقة طبيّة هنا.....لن نقف ونبكي مكاننا...علينا التقدّم ...المهم لا تنسي المكتوب...!!.."

كانت تشعر السيدة (ايمان) بتدهور حالتها لذا فعلت اللازم قبل يومين!!....فأجابت تطمئنها:
" بعثت المكتوب للعنوان الأمين البديل لي مثلما اتفقنا سابقاً إن حدث أي طارئ! ....لا بد أنه وصل الى تلك البلاد ..."

" وهل تأكدتِ من العنوان ؟!.."

" أجل....كلّمتُ ابنة شقيقها وأكدته لي وستعلمني في حال أصبح في حوزتها !!..."

" ان شاء الله خير....اسأل الله أن يعوضك بما تستحقين على كل دقيقة امضيتها معي غاليتي .......إن تجسدت أعظم صداقة في شخص ستكونين أنتِ يا إيمان صورتها بكل جوارحك! .....تعلمين كم أحبك!....صغيرتي هي أمانتكم!.....لا تغضبوا منها مهما فعلت ...ترفّقوا بها واغدقوا عليها بالحنان والأمان.....لا تتركوها وتعاقبوها بسبب تخبطاتها....يعلم الله ما حالها الآن....اوصيك بأن توصلي لها سلامي وحبي بعد موتي وقولي لها خالتك تحبك أكثر من عمرها وفعلت كل هذا لأجلك....سامحيها ..لو كان بيدها ما تركتك دقيقة لكنها ذهبت لتلقى الأحبة ولتكن جنة الله ملتقانا في الآخرة...فهلمّي وكوني من السابقين السابقين لنجتمع سويّاً عند عرش الرحمن ..!!.."

ختمت كلامها بدمعة فارقتها لترافقها مثلها من الواقفة جوارها....!!


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


" بنيّ!!...ما بك؟!...ما هذه الطرقات على الباب؟!...أهناك شيء؟!.."

قالتها والدته المرعوبة من شدة الطرق على الباب وقد هالها منظر ابنها متجهم الملامح والذي تراه نادراً في حالة غضب....كان الشرر يتطاير من عينيه وعروق رقبته نافرة وعضلاته متصلبة.....ألقى السلام بخشونة واجتازها دالفاً متجهاً الى غرفة العائلة فوجد شقيقتيه عندهم وثلاثة من اخوته مع والدهم.....وقف على باب الغرفة وتطلّع ليمينه بعدما لمح والدته قادمة إليهم ثم قال بصوت غليظ يوجّه كلامه لشقيقته (رزان):
" جيد أنك هنا...."

نظر إليه جميعهم بعدم فهم ثم تبادلوا فيما بينهم نظرات مبهمة فرفع صوته مشيراً لشقيقيه اللذين يمتلكان رخصة قيادة:
" ليذهب أحدكما الى القرية حالاً ويأتي بخالتي وابنتها العقربة الى هنا....هيا بسرعة!!.."

اقتربت منه والدته بتوجس ووضعت يد على صدره وأخرى على ظهره وهمست تهدئه:
" اهدأ بنيّ....خير ان شاء الله؟!....لمَ تتكلم هكذا ؟؟!.."

مسك يد أمه الموضوعة على صدره وقبّل ظهر كفها وقال بصوت اقل ارتفاعاً فيه حنية جمّة وبِرّ خالص :
" ستعرفين أمي حالما تأتيان ان شاء الله...اعتذر منك عن طريقة طرقي للباب إن أخافك!...."

لبّى أحد اشقائه طلبه في الحال وأخبره بأن لا يذكر أي شيء لهما ولأن الطريق معه ستستغرق ساعة الا ربع ذهاباً وإياباً فتوجّه صديقي الى غرفته ليستحم بعد رحلته المرضية في الشاليه وليصلي العصر ولم يقبل بوضع شيء في فمه رغم الحاح امه عليه فقلبها أخبرها أنه جائع ولكن لا شهية عنده هذه اللحظة!!....كان الفضول يفتك بالجالسين بما فيهم والده الذي اتخذ الصمت حليفاً له ولم يسأل او يتدخّل ليس ضعفاً او إهمالاً إنما لأنه أدرك نوايا ابنه الأحب الى قلبه وعلم بما يفكر والذي يثق بقراراته وتصرفاته الصائبة دوماً....!!


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


توقفتُ بسيارة صديقي عند بوابة بيتنا الجبليّ...ترجلتُ منها وفعل صديقي بالمثل ليتخذ عجلة القيادة....أما التي تجلس في المقعد الخلفي بدأت تتململ وهي تحرّك رأسها وتدلّك عنقها المتيبس من نومتها الغير مريحة ....فتحتُ لها الباب لتنزل فنزلت بحيطة واستغراب وهي تجول بنظرها على المكان الغريب عليها... لو كان الوضع مستتباً بيننا لأبدت انبهارها بالمنطقة المرتفعة التي نسكن بها بطبيعتها الخلّابة وهوائها النقي ولأشادت بهندسة قصرنا العريق الشبيه بقلعة من القرون الوسطى الذي تحيطه غابات من اشجار الصنوبر العالية!! ....تركنا (أحمد) وتابع في طريقه ....بقيتُ واقفاً أمام بوابتنا الكبيرة المفتوحة ...تبسّمتُ بعطف وعشق جارف محدّقاً بها ثم بسطت يدي أمامي هامساً بسعادة حقيقية أشعر بها بقلبي لأنها ستزيّن داري بقدومها :
" تفضلي حبيبتي....أنرتِ بيتك الحقيقي...!!.."

انتظرتها لثواني حتى تكرّمت عليّ بمشيتها دون أي تعليق لما تفوهت به فسرتُ مجاوراً لها ولمّا وصلنا منتصف الساحة لمحتُ شقيقي يحمل خرطوم المياه ويغسل دراجته الهوائية المليئة بالوحل فأطلقت صفيراً من شفتيّ ليلتفت إليّ فأجفل متفاجئاً وألقى ما بيده ليتراقص كالأفعى تارة بالهواء وتارة يخبط بالأرض حتى بدأ يبللنا برذاذه المنتشر وأقبل مسرعاً يرتمي في احضاني ويتشبث بي صارخاً:
" اخي هااااادي.."

كانت تتأمّلنا وهي تمسح بعض حبيبات الماء عن وجهها وعلى أثرِ صراخ أخي خرجت شقيقتي تركض بحذر ولم ترَ سواي لتتبلل معنا تحت رشقات الماء وهي تصرخ باسمي ففتحت ذراعي الآخر هاتفاً:
" دنيانااا....تعالي غاليتي!!.."

انضمت الينا ثم تعانقنا ثلاثتنا وفرحة الكون لم تسعنا وبعد لحظات قليلة وقع نظري على نبض الحياة الواقفة على مدخل البيت فهتفتُ منادياً وانا اتقدم نحوها ببطء وعلى جانبي احيط بذراعيّ شقيقيّ:
" أماااه..."

اتسع فمها بضحكة حنونة ونزلت درجات المدخل بتمهّل لا تصدق ما ترى عيناها وكان شوق كبير يقتلها وحلم جميل يراودها وهي تنتظر هذه اللحظة ....نتقدّم وتتقدّم فاتحة ذراعيها بلهفة وعند نقطة الالتقاء تسمّرتُ مكاني لحظة اجتيازها لنا....يا ربي...هل باعتني أمي أم يهيأ لي؟!!....لتصل في خطواتها للتي كانت تقف وراءنا صامتة وحزن أليم يُرسم على وجهها وقهر قاتل يفتت ويسحق روحها بعد رؤيتها سعادتنا الأخوية بلمتنا العائلية الحقيقية المحرومة منها وقد عاد بها الزمن الى سنوات كثيرة عندما شعرت بالغبطة منا آنذاك اثناء زيارتها لمخيمنا ورؤيتها ترابطنا المتين ببعضنا والدفء الأُسري الذي لم تعشه في حياتها...!!....وصلتها أمي ومشاعر أمومة جياشة تفيض منها بسخاء لتستقبلها هامسة برقة صوتها الحنون وهي تضمّها عنوة لحضنها:
" أهلاً بابنتي....أهلاً بكنّتي زوجة الغالي ابن الغالي ....أهلاً بمن ستنير لنا بيتنا وتُكمِل فرحتنا...!!..."

نطقتها من قلبها بحبور وحماس بينما كنا ثلاثتنا ننظر ببلاهة مصدومين لأنها فضّلت استقبالها اولاً على استقبالي.....وكانت هذه أول مرة أشعُر بها بالغيرة منها لا عليها..!.....فتلك الساحرة الصغيرة....سحرت أمي وسرقت مكاني!!...



**********( انتهى الفصل الثلاثون )**********





قراءة ممتعة بإذن الله....


حسبنا الله لا اله الا هو عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم....


ألحان الربيع متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:03 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.