آخر 10 مشاركات
وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          492 - حبيبها - كارول مارينيلي (عدد جديد) (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          ومازلنا عالقون *مكتملة* (الكاتـب : ررمد - )           »          أغلى من الياقوت: الجزء الأول من سلسلة أحجار كريمة. (الكاتـب : سيلينان - )           »          93 - زواج العمر - منى منصور (الكاتـب : meshomasray - )           »          حب غير متوقع (2) للكاتبة: Mary Rock *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 85 88.54%
جيد 11 11.46%
سيء 0 0%
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9699Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-03-23, 10:19 PM   #2401

nourden

? العضوٌ??? » 404601
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 198
?  نُقآطِيْ » nourden is on a distinguished road
Icon16e


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألحان الربيع مشاهدة المشاركة
السلام عليكم جميعا.....


نلتقي اذا أراد الله لنا ذلك يوم السبت في ساعات الليل مع الفصل 37....💖💖

عذرا على كل تأخير ودمتم بخير...🌺🌺
احلى خبر ده و لا ايه منتظرينك يا جميله


nourden غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-03-23, 12:32 AM   #2402

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمر وليد مشاهدة المشاركة
روايه رووووعه جداااا
اهلا بك💖...انت الرائعة.... تسلميلي😍


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 10-03-23, 12:34 AM   #2403

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nourden مشاهدة المشاركة
احلى خبر ده و لا ايه منتظرينك يا جميله
الله يسعدك ..يا رب يكون عند حسن ظنكم😘💖


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 10-03-23, 12:34 AM   #2404

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألحان الربيع مشاهدة المشاركة
السلام عليكم جميعا.....


نلتقي اذا أراد الله لنا ذلك يوم السبت في ساعات الليل مع الفصل 37....💖💖

عذرا على كل تأخير ودمتم بخير...🌺🌺
................


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 10-03-23, 01:31 AM   #2405

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس صغير من تصميم الغالية أحلام للفصل (( 37 ))🥰




ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 11-03-23, 12:21 AM   #2406

shimaamesery

? العضوٌ??? » 441745
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 82
?  نُقآطِيْ » shimaamesery is on a distinguished road
افتراضي رواية لاجئ في سمائها

جميله جدا جدا بداية وصفك للشخصيات ومعاناة الحرب وانتقالك بين الشخصيات فوق الروعه بالتوفيق ان شاءالله

shimaamesery غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-05-23, 03:25 PM   #2407

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
Icon26

السلام عليكم...

سأقوم بإعادة تنزيل الفصل 37 ان شاء الله

shezo and ام جواد like this.

ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 09-05-23, 10:52 AM   #2408

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع والثلاثون (( القرار ))


رافقتني مخلفات جنون غضبي أثناء طريق العودة!!....ظننتُ أن المسافة ستكون كفيلة لإطفاء النار التي أتلظى بها.....لم أنفك عن استرجاع الموقف الذي عشته مع......تبا!!....مع الغدارة!!....يا لها من وقحة....لو كانت رجلاً لأصبح اسمها في سجلّ الوفيات!!....أتضربني وأنا الذي لم يجرؤ أحد على فعلها بي سابقا؟!!......أبي وبكل اخطائي لم يلمس وجهي يوماً ليصفعني!!...حتى تأتي ابنة النجس وتهينني بأسوأ طريقة أتلقّاها ورغم كل شيء جميل حملته معي بذهابي إليها!!.....مخيلتي أبت أن تترك ما عشتُ بسببها في العاصمة وهذا جعل ضغطي يرتفع مما يشعرني بلهيب يكوي وجنتي !!...آه من حماقتي !......كنتُ أعيش دوامتي أما صديقي جاهد ليخرجني من حالتي وهو يخوض شتّى الأحاديث لكني عزلتُ نفسي جاعلاً هالة من الصمت تحيط بي!!.....كأنها حصنا تمنع أي شيء من اختراق دواخلي وغياهب فكري !!.....كنتُ كالأبكم والأصمّ معه بينما هياج أنفاسي يشي عن حالي الثائر !!......التزم الصمت من كان بجواري بعدما وصلته رسالتي بأن لا مزاج لي للخوض بأي حديث وإن كان يخص مصلحة وطني!!......فتح المذياع على صوت الوطن يستمع لمنوعات بين برامج ترفيهية واخرى اخبارية بينما أنا فككتُ زرّيْن من قميصي الذي يخنقني وارجعتُ ظهر الكرسي للخلف بزاوية منفرجة علّني أرخي جسدي المشدود قليلاً وتوسّدت ذراعيّ شارداً بسقف السيارة لأفكر باللا شيء وفقط اللا شيء ....لأن لا شيء يستحق التفكير!!

×
×
×

بعد ما يقارب الثلاث ساعات وصلنا الى مدينتنا الحبيبة وبيتنا الجبليّ فترجّلت من السيارة لحظة وقوفها وجملة مختصرة طرحتها بنبرة آمرة مع انحنائي لداخل السيارة:
" اجلب لي سيارتك الخاصة حالاً...!!..."

ثم سبقته عاصفاً كريحٍ خريفية هائجة ودّت لو تقتلع كل ما يواجهها ولحق بي ليأخذ زوجته التي كانت بانتظاره عندنا !....فتحت أمي الباب تستقبلنا بعدما وصلها صوت اصطفاف السيارة في ساحة بيتنا فدخلت ملقيا السلام بوجهٍ متجهم لم استطع اخفاءه رغم أنني لا أحب أن تراني نبض الحياة به وواصلتُ خطواتي واضعاً قدمي اليمنى بهمة على الدرجة الثانية لأصعد الى غرفتي فاستوقفتني بعد أن ساورها القلق من حالي قائلة:
" حمدا لله على سلامتكما!.....ما هذا الحال بنيّ؟!"

ظللتُ على وضعي لم التفت إليها هروباً وبأنفاسي الساخنة أجبت باقتضاب:
" لاحقاً أمي.....عن إذنك!!..."

وتابعت صعودي السلالم الدائرية بقفزات واسعة بينما التي تركتها خلفي استدارت للذي دخل من توّه لحظة اختفائي قائلة بلهجة متوجسة:
" ما به هادي؟....ماذا حدث معه؟.."

تبسّم مرغماً ليضفي بعضاً من الطمأنينة وأجاب:
" لا تقلقي عيوش......سيكون بخير!..."

وتطلع على المقبلة نحوهما مردفاً:
" لم تسر الأمور كما أراد....لذا انزعج قليلاً....اتركوه سيهدأ!"

ثم وجّه كلامه لزوجته هاتفاً بنبرة متعبة فهو لم يرتح منذ الصباح ضائعا بين العمل والسفر:
" هيا دنيا احضري اغراضك لنعود الى بيتنا...كذلك عليّ احضار سيارتي الخاصة لهادي !.."

غضنت حماته جبينها باستفهام هاتفة:
"خير!!....إلى أين العزم ونحن شارفنا على منتصف الليل وقد عدتما لتوكما ؟!.."

رفع كتفه وهز رأسه ولوى فمه بحيرة وقال:
" لا أعلم...لم يخبرني ....فقد طلبها مني عند وصولنا !!..."

ارتفع صدره عند خروج تنهيدة منه وأكمل:
" أظن أنه سيذهب للمدينة الساحلية!!....فأنتم تعلمون البحر منفسه الوحيد عند غضبه!!"

اعترضت هاتفة:
" ما هذا الهراء؟...هل سيذهب في هذا الوقت من الليل كما أننا ما زلنا في بداية الربيع والجو غير مستقر ومؤكد الأمواج عالية الآن.....لن أسمح له!!..."

دنا منها أكثر راسما ابتسامته اللطيفة ثم همس وهو يضع يديه برفق على كتفيها :
" أمي....أرجوك لا تقفي في طريقه الآن .....اتركيه يفرغ غضبه كما يحب لأنه إن لم يفعلها سينفجر بأماكن خاطئة.....هو معتاد على ذلك في تلك البلاد وأنت تعلمين هذا ....وهو والبحر صديقان متفاهمان لا تقلقي واستودعيه الله ..!!..."

تمتمت مستغفرة ثم صمتت برهة قبل أن تناظره بريب هامسة بفضول أم يغشاها القلق على ابنها:
" اخبرني ماذا حدث معه ليقلب سحنته هكذا وقد خرجتما في النهار وهو متفائل والضحكة لم تفارقه؟."

لم يردّ إنما أزاح حدقتيه جانبا نحو التي هتفت تسأل بنبرة جافة:
" هل تشاجر مع ابنة عاصي؟"

شدّ على شفتيه ورفع حاجبيه مع اتساع عينيه كأنه يقول هذا ما حصل ثم ردّ بصوت هادئ:
" ربما هو من يخبركما لاحقاً ما حصل أما أنا ليس من حقي التفوّه بأي شيء"

وتابع ينهي الحديث بجدية وملامحه مرهقة:
"هيا حبيبتي احضري اغراضك ....سأجلب السيارة وأعود لأنام ....أكاد أسقط مكاني .....غداً سأخرج باكراً للمحافظة الشرقية من أجل مؤتمر مغلق وعليّ أن آخذ كفايتي من الراحة!..."

أومأت برأسها توافقه محوقلة وأدبرت ذاهبة لغايتها وهو يراقبها بنظراته ثم أعاد عينيه لحماته هامساً بحنوٍ:
" وأنت أمي اذهبي ونامي مطمئنة ....سيكون بخير بإذن الله......لا تسألينه شيئاً ومؤكد سيخبرك عندما يجد نفسه مستعدا للكلام......اتفقنا؟"

لم تتغير تقاسيم وجهها البائسة الا انها أرغمت نفسها على الاستسلام فهي تثق بصهرها واكتفت هامسة:
"إن شاء الله بنيّ.."
×
×
×

دلفتُ الى غرفتي ولم أطق صبرا حتى أفك أزرار قميصي الأبيض الناصع واحدا تلو الآخر بل أمسكته من طرفيّ ياقته وفتحته بغل لتتناثر أزراره متساقطة ارضاً ثم نزعته بخفة وأنا أشد على فكيّ ساخطاً من حالي وكمشته بعصبية ثم ألقيته على سريري فلم أعد أرى به إلا سواد كراهيتها وفعلتها معي وكأن بياضه شرب كل هذا شاتما من بين أسناني تلك الحقودة وحظي العاثر معها ...." من تكونين لتفعلي بي هذا ؟!...تباً يا ابنة الحقير! ...عليّ أن أنساك وأنسى عمري الذي ضاع معك ولك...."...اخرجت كلماتي النافرة وصرتُ أصول وأجول في الغرفة دون هدى وبعد دقيقتين اتجهتُ الى خزانتي وارتديتُ بلوزة ضيقة دون أكتاف بلونٍ أزرق رغم أن الطقس ما زال بارداً لكن نيراني حولت ربيعي الى صيف شديد الحرارة ثم خلعت بنطالي وارتديت آخراً رياضيا قصيرا بدرجات أغمق من البلوزة كي لا اضطر لتبديل ملابسي هناك فطاقتي ثائرة من اجل الغوص وكأني أريد أن استغل كل ثانية ثم لحقته بارتداء آخر طويل لونه أسود استر به نفسي لحين وصولي وأخرجت حقيبة صغيرة وضعتُ بها منشفة وعطري وملابس أخرى بديلة ومحفظتي......نزلتُ بعد أن سمعتُ صوت محرك سيارة صديقي رباعية الدفع عند دخوله الى ساحة منزلنا !!.....استأذنتُ أمي التي استودعتني الله دون أن تسألني شيئاً...مؤكد صديقي(سامي) وضّح لها بعض الأمور فهو توأمي الذي يفهمني دون النطق بكلمة..!!......ركبت خلف المقود وأوصلته إلى بيته وكان قد أوصاني بتوخي الحذر واستودعني الله هو الآخر ثم انطلقت في مهب الريح لحبي وغايتي علّني أجد راحتي بمصدر سعادتي....صديقي الوفيّ ...بحر بلادي!! ......
الطريق كان شبه خالي من السيارات ولم اكن اشعر بقوة ضغطي على الوقود لذا وصلت المدينة الساحلية بسرعة قياسية بوقت أقل من الطبيعي فدائما سرعتي مضاعفة عندما يكون هو غايتي لأن غضبي المتولّد بي هو من يتحكّم بالدوّاسة تحت قدمي!! ....
للبحر شواطئ مختلفة لكل منها مدخله الخاص....كنت معتاداً على واحد منذ طفولتي وقبل وصولي إليه تذكرتُ أنه المكان الذي تعرفت به على العم (حافظ الصياد) عندما أتينا لمهمة رحلة شهر العسل لوطننا الغالي!! ...اشتقتُ له ولكلامه ...لا أنكر!....لكنا تواعدنا أن يكون لقاؤنا الثاني هو احضاري للمدللة معي بعد أن تنصلح علاقتنا!.....أملتُ زاوية فمي بابتسامة مصدراً صوت ضحكة مبتورة ساخراً من الفكرة......يا له من متوهّم عمي الصياد !!.....لا يعلم أن الوضع ازداد سوءاً.....يا الله إن التقيتُ به ماذا سأقول وماذا سأحكي وعما سأشكي؟؟.....أأقول له انظر الى خدي لترى خيبتي وخذلاني منها؟؟!...بل أنظر الى جرح قلبي!!......كلا لن أفضح نفسي !!......أدرتُ المقود قاصداً وجهةً أخرى وشاطئاً آخراً قريبا هروبا من مواجهته!!......أركنتُ السيارة بمكان مناسب وخلعتُ بنطالي الطويل وبقيتُ بالقصير .....وضعتُ منشفتي حول عنقي وترجلتُ مجتازاً الأرض المبلطة وصولاً للرمال .....توقفتُ اتأمل البحر وانعكاس القمر عليه......كانت رياح بين المتوسطة والخفيفة تحرّك مراكب الصيد المربوطة جانباً على سطح الماء!!.....ومصابيح عامودية بإضاءات خافتة توزّع بالمكان!!..........دنوتُ من المياه ووضعت ُ منشفتي على حافة قارب قريب وخلعت بلوزتي ووضعتها فوقها....وقفتُ لثواني اراقب الأمواج القادمة من الأعماق فينتهي بها المطاف مرتطمة بالقوارب أو على الرمال!!....تنفستُ الصعداء مستعدّا لمغامرتي مع بحر غرامي الأبديّ......أنا أثق به لن يخذلني كالبعض من معشر النساء ذوات القلب المتحجر والعقل الصغير!!.....سحقاً لها سحقاً!!...سأجبرُ نفسي على نسيانها!!....ماذا أتاني منها غير العذاب والإهانة؟!....عليّ أن أنساكِ ...اخرجي من حياتي اخرجي أيتها الحقودة!!....بقلبٍ هادرٍ وجرحٍ غائرٍ حركتُ يدي تمرّناً للسباحة ولأشد عضلي.....توكلتُ على الله وسرتُ نحوه حتى غمرني ماؤه الى خاصرتي وبعدها غصتُ مختفياً عن سطحه ذاهباً الى اعماقه متحدياً أمواجه ببراكين الغضب المتفجرة في احشائي .....سبحتُ وسبحتُ حتى تفككت عظامي وارتخت عضلاتي!.....خرجتُ بعد ساعتين وجففتُ حالي ثم ارتديتُ بلوزتي وصعدتُ الى قارب رث مهجور بلون أخضر باهت واستلقيتُ داخله متوسداً شبكة صيد مهترئة وغطيتُ منطقة بطني بمنشفتي وسرحتُ بالسماء الظلماء أعد النجوم وأفكر بالهموم لبعض الوقت وعند دلوف الفجر ذهبتُ الى الحمامات وتوضأتُ وارتديت بنطالي الطويل وصليتُ جنب السيارة ثم عدتُ مجدداً لأدغدغ جسدي بين أمواج حبي حتى شقشقة الضوء ...!!.....
في وقتٍ متأخر من الضحى قبل الظهر بدقائق عديدة استيقظتُ من نومي بعد عودتي إليه عقب الشروق على صوت رجل غاضب قريب مني..!!....جلستُ اتفحص الوضع فوجدته يوبخ فتىً أسمراً ببنية ليست نحيلة ولا ضخمة ،...وعلامات الفقر المدقع مرسومة عليه من رأسه لقدميه....يبدو أنه طالب في المرحلة الثانوية!!...كان يصرخ به بعد أن سحب دفتراً كان بيده ومزّقه بغل:
" قلت لك ألف مرة نحن لسنا بمدرسة هنا....ألا يستوعب عقلك الغبي الكلام؟!.."

طرق رأسه أرضاً رهبةً!!....أكانت رهبة أم إنها الحاجة!؟...لم أميز ماهيتها!!..ثم رد بصوت مهتز..:
" آسف يا معلمي.....لكني نقلتُ الصناديق كلها من القارب الى الغرفة الباردة وأنت طلبت مني أن انتظر ريثما تأتي الحمولة الأخرى..!!....."

وأكمل وهو يشير لتحت على دفتر آخر:
" لذا في هذا الوقت أردتُ أن أنقل مادة العلوم عن دفتر صديقي لأني سأعيده له عند عودته من المدرسة..!! "

دفعه بيده ببغضاء من كتفه وعلامات الاشمئزاز منه تحتل ملامحه وقال:
" هيا اذهب واسأل عاهد إن كان يحتاج لمساعدة بدلاً من مضيعة الوقت بدراسة لا جدوى منها......قلت لك في السابق تعلّم صنعة أضمن لك من الدراسة التي لن تفيدك يا ابن الغريبة..!!....أولاد بلدنا وبصعوبة حتى يحصلون على وظيفة!....أتظن أنت الذي لا خير بك ولا اصل لك ستحصل عليها ؟!...."

ثبت مكانه وأجاب بحرقة يشوبها الاعتزاز برأسٍ شبه منخفض احتراماً:
" لي أصل يا معلم ....إن كنتُ غريباً في بلادك لا يعني أن لا أصل لي!!.....ثم هذه بلاد الله الواسعة!!..."

قفزتُ من القارب وشددتُ بلوزتي من طرفها لأرتبها بسبب فوضى النوم وبدأتُ أتقدّم نحوهما بتمهّل عكس ما يختلجني من انفعالات استعداداً للهجوم على عديم المروءة والانسانية...لقد أثار حفيظتي...تنهدتُ تنهيدة حارة وتابعت سيري!... فجأة توقفتُ مكاني ناظراً ليسراي عند قدوم فتى آخر نظيف الهيأة يبدو في مرحلة الاعدادية حاملاً ورقة بيده يلوّح بها متفاخراً ومنادياً:
" أبي...أبي....لقد حصلتُ على المرتبة الأولى بامتحان اللغة الانجليزية ......وزعوه علينا ثم حررونا من المدرسة حصة رابعة فجئتُ على الفور عندك لأبشرك قبل ذهابي لبيتنا.."

استدار ناحيته وظهرت أسنانه المتآكلة من تحت شاربه وقال وهو يفتح ذراعيه:
" تعال يا فخر أبيك تعال.....تعال يا طبيب عائلتنا المستقبليّ"

لما وصله احتضنه بقوة بينما كان الفتى يراقبهما بصمت وأنا أقابله من الجهة الأخرى أراقبهما كذلك عن كثب فربّت على ظهره وهو يشدّ عليه مردفاً:
" هكذا أريدك دوماً أن ترفع رأسي.....أنا واثق أنك ستحقق أمانينا بدراستك بنيّ.!!...."

ضحك بعنجهية واستطرد:
"اليوم سأُصْمِت أبا فرج المتباهي بابنه الأبله لحصوله على المرتبة الثالثة بامتحان العربي!...."

وانقطعت ضحكته مع التفاته صوب من كان مستمعاً لهما عندما قال بغصة:
" لماذا؟!....لماذا تشجّع ابنك على الدراسة بينما أنا تحطم لي طموحي وتخبرني أنها لا تجدي نفعاً ؟!.....يمكنني أن أكون بمستوى ابنك واحصل على ما حصل يا معلمي..."

دفعه باستصغار وقال هازئاً:
" أتقارن نفسك يا ابن الغريبة بابن المعلم عاطف رئيس الصيادين؟!.."

ردّ بإباء بعد أن شمخ بهامته:
" كلنا سواسية يا معلم خلقنا الله من طين!....لم يخلق أحدنا من ذهب!.."

لقد استفزني هذا الناقص حامل داء العنصرية !!.....كيف لا يتمزق نسيجنا الاجتماعي وأمثال هؤلاء يعيشون بيننا ؟!....ما هذه الكراهية وهذا التعالي اللذيْن يحملونهما في جنباتهم ؟!....لمَ يظنون نفسهم أفضل من غيرهم؟!......ألا يعرف هذا المتعجرف أنه يصنع بتمييزه العنصري إما مجرماً ناقماً على من حوله أو رجلاً مهزوز الشخصية يعيش حياة بائسة ؟!....تباً لعجرفتك أيها الأرعن ..!!

" أحسنتَ يا بطل!!.."

قلتها معتزاً به بعد أن صرتُ ملاصقاً لهم واضعاً كفي على كتفه فناظروني بغرابة لثواني لأقطع نظراتهم موجّهاً كلامي للرجل الفظ بهدوء راسماً ابتسامة ماكرة:
" أسمعت يا معلم ؟!....كلنا سواسية!!..."

قطب حاجبيه وفتل شاربه وهو يتفحصني من تحت لفوق وقال:
" تبدو لي أنك غريب عن منطقتنا..!!.."

وأكمل وهو يتابع بنظراته المتفحصة:
" وأرى أنك ابن ناس....أم أنني مخطئ؟!.."

" بالطبع مخطئ!!... بدايةً بالنسبة لقولك ابن ناس فكلنا أبناء ناس لا فرق بيننا.....فنحن في النهاية أبناء آدم وحواء....الا اذا كان لك رأيٌ آخرٌ بما يخصك!!..أما غريب فما غريب الا الشيطان.!!.....لأن الأرض هي أرض الجميع من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب ومن شرقها الى غربها....وكل قدم داست هذا التراب ستصبح تابعة لهذه الأرض مهما كان المكان الذي أتت منه ....فأرضنا كريمة تحتضن من أوى إليها دون أن تلفظه أياً كان عرقه ودينه وقوميته وميوله...خاصة اذا احترمها واحترم أهلها!....يا معلم!!..."

لم يعجبه كلامي وتهكّمي بين الحروف فأمال زاوية فمه بضحكة ساخرة وقال:
" اترك كلام الشعراء وشعاراتهم الوهمية وعش الحقيقة .....كل واحد منا له أرضه ومكانته وهذا لاجئ مشرّد جاءنا هاربا من الجنوب الغربي منذ خمس سنوات.....أي ليس له شبرٌ هنا وعليه احترام اسياد هذه الأرض الذين اعطوه المأوى والطعام والعمل بدلاً من رد الكلام بوقاحة أو رفع سقف طموحاته الذي سينهار عليه يوماً ما عندما يدرك من يكون ومن أين أتى!!...."

بدأت اعصابي بالانفلات .....أرسل لي الصبر والفرج من عندك يا الله !!.....ما بهم الوقحون يتهافتون عليّ بالآونة الأخيرة؟!.....جئتُ الى هنا لأطفئ ناري من ابنة (عاصي) فوجدتُ نسخاً أخرى من أمثال أبيها وإن اختلفت مساعيهم !!...استغفرتُ في سري محاولاً التحكّم بانفعالي فأنهى كلامه مستديراً وصدم الفتى صارخاً بدناءة يحثّه على التحرك:
" هيا امشِ أمامي يا ابن الغريبة......هذه الدقائق تحسب من وقتك ....لذا لكيّ تتعلّم بألّا تهدر اوقاتك بأشياء لن تفيدك سيكون عقابك عدم استلام راتبك لهذا اليوم ....هيا تحرك أو طردتك من غير عودة ..!!.."

رغم أن النيران التهبت بأحشائي الا أنني ما زلتُ مسيطرا على نفسي وارتأيت أن اراقب بصمت ردة فعل الفتى متعمداً لأرى مقوّماته لغاية في داخلي !!...وبينما كنتُ أقاوم ثباتي انتفخت اوداج الفتى بقهر والتمعت عيناه بأسى الا أنه رد من بين أسنانه بجسارة:
" الرزاق هو الله وهو من يوزع ارزاقه علينا.....أنت ليس سوى وسيلة يا معلم .....ربما اعطاك المال وحرمك شيئا آخراً وربما حرمني المال والأب وخبأ لي شيئاً أعظم سيأتي بوقته......"

وخلع مريول النايلون الذي كان يرتديه للعمل وألقاه أرضاً هاتفا بعز وشموخ:
" كل يوم كل يوم تُسمعني الاهانات وأنا صابرٌ ادعو لك بالهداية ...تنعتني ابن الغريبة وأنا صامت ....الى هنا و كفى......أنا لم أعد أرغب بالعمل لديك وسيتولاني الله...."

استشاط غضباً منه وانقض عليه يمسكه من تلابيبه وهو يزعق:
" من أنت لتقرر وحدك ترك العمل ؟!...لن تتركه الا اذا اردت أنا ذلك !!.....أتظن أنك ستجد عملاً آخراً ؟!..."

وضحك بعنجهية ساخراً ثم تابع بغضب وهو ما زال يمسكه ويهزّه:
" أنسيت أنكم منبوذون من الجميع هنا ؟!.....فأنت تعلم لو كان بكم خيرا لما رماكم الطير .....وفهمك كفاية يا ابن الغريبة!..."

هالني تصرفه هذا الخسيس باستصغاره وثارت دمائي بعد أن سحق آخر ذرة صبر كنت اتكئ عليها فهجمتُ عليه وسحبته عن الفتى ممسكاً قميصه من صدره بقبضة واحدة غاضناً جبيني وعروقي تكاد تنفجر من غضبي ثم نظرتُ ليميني سائلاً:
" ما اسمك يا بطل ؟!..."

أجاب وهو يرتب بلوزته المهترئة:
" شُجاع..!!.."

" ووالدك وكنيتك؟!.."

" حسن الراقي !.."

عدتُ بحدقتيّ المشتعلتين بجمر الغضب للذي في قبضتي وصرختُ به وأنا اجذبه تارة نحوي وتارة ابعده :
" صبرت عليك علّك ترتجع لأنك رجل كبير وإذ بك لا تمت للرجولة بصلة ....ضع في دماغك ولا تنسى.....هذا البطل....اسمه شجاع حسن الراقي ....أعدك بإذن الله بإذن الله اذا اراد الله لنا الحياة ثلاثتنا أنك عند سماع اسمه في المستقبل القريب سترتجف رهبةً وستبكي ندماً وستركع عند قدميه متوسلاً إن لم تعتذر منه وتنعته باسمه الشخصي باحترام ولن أكون هادي ابن محيي الدين الشامي إن لم انفذ وعدي في حال رفضت الاعتذار الذي يليق به .!!..."

أفلتّه بكراهية حاملاً نخوتي حتى ارتد قليلاً للخلف ووازن نفسه يصلح هندامه ثم أردفت رافعاً سبابتي بوجهه:
" احذر من غرورك وعنصريتك اللذين سيأخذانك الى الهاوية ...."

وحرّكتُ رأسي ناظراً للفتى لأسأله:
" ما طموحك والى اين تريد أن تصل ان شاء الله بدراستك ؟!.."

تبسّم ابتسامة تشع أملاً وأجاب بحالمية:
" طبيب......جرّاح قلب ان شاء الله !.."

عدتُ مرة أخرى للرجل وقلت:
" هذا الشاب سيدرس في افضل المدارس والجامعات بمشيئة الله.... فكّر أنك ربما تحتاجه يوما لك أو لشخص يخصك ...فالصحة والعافية ملك لله وحده وليست بقوتنا....تخيّل أن تتوقف حياة ابنك لا قدّر الله على عملية لا غيره يمكنه اجراءها له... وقرّر إن أردت الاستمرار بعنصريتك وعدم الاعتذار أم أنك ستعتدل..."

ثم دنوتُ من الفتى (شجاع) ممسكا بذراعه اوجهه ليسير معي والتفتُّ للخلف بنظراتي الحادة النارية هاتفاً لذاك الناقص بنبرة يفوح منها الوعيد :
" أظن أنك تعلم عنوان بيته ....عجّل باعتذارك قبل أن يغلق الباب امامك!.."

وسرنا معاً متجهين الى السيارة لأن عملي لم ينتهِ معه بعد....فأنا رسمتُ عليه أشياء كثيرة وأرجو أن لا تخيب آمالي...!!
×
×
×
عند اقترابنا من السيارة تبسّمتُ بوقار وأشرتُ له قائلاً بعد ضغطي على المفتاح:
" هيا اركب معي ..!!.."

تنحنح مشيحاً رأسه جانباً وهو ثابتٌ مكانه ثم اداره نحوي مجيباً:
" اشكرك سيدي على وقوفك معي....لكن لم أفهم....لمَ لأركب معك ؟!.."

وضعتُ ذراعي على سقف السيارة متكئاً بذقني عليه ناظراً للجهة الأخرى حيث يقف وقلت:
" لم أفعل شيئاً لتشكرني.....وأنا رغبتُ بالتعرف عليك....لذا أريد دعوتك لنتناول غداءنا معاً وندردش....ما رأيك ؟!.."

قطب حاجبيه وقال وهو يمعن النظر بوجهي:
" لا نحتاج لغداء كي نتعرف على بعضنا.!!.....ثم يبدو أنك ليس من سكان هذه المنطقة أي اصبح من واجبي ضيافتك..!!"

واستدار برأسه للخلف يمد ساعده هاتفاً وهو يشير بسبابته لبقعة فيها بعض البيوت المتهالكة المبنية من المعادن الصدئة والأخشاب تقع بالطرف الآخر من الشارع :
" تفضل لتشرب كأساً من الشاي في بيتنا المتواضع إن أردت!!.."

انتصبتُ بوقفتي رافعاً حاجبي مدققاً بالبقعة التي اشار إليها ثم عدتُ بعيني إليه وقلت بعدما لمحتُ عزة نفسه الأبية:
" بكل سرور!.....لا أفضل من كأس شاي والبحر أمامي ورائحته تعطر أنفاسي !!.."

أقفلتُ السيارة مرةً أخرى بعد أن فتحتها وأقبلتُ نحوه ثم بسطتُ يدي هاتفاً بابتسامة:
" إذاً تفضل أيها الشجاع لنتذوق شايكم.."

كنا نسيرُ على مهل فسألته بهدوء:
" ألا يفترض أن تكون بهذا الوقت في المدرسة ؟!.."

نظر إلى موضع قدميه حيث حذاؤه الممزق وأجاب بغصة:
"أنا أدرس لوحدي....المعلم عاطف اختار أن أعمل في الوردية الصباحية ونحن نحتاج لهذا العمل لا استطيع رفضه ....لذا آخذ المواد المهمة من صديق طيب لي وأراجع عليها بنفسي وقد وضع الله بطريقي مدرس كريم كان يحبني فتواسط لي عند المدير لأقدم الامتحانات مع زملائي الحمد لله..!!.."

" منذ متى تعمل عنده ؟!.."

" منذ ستة شهور!!...لا أنكر فضله عليّ من بعد الله لكني سئمت من اهاناته .....ابتداءً من الغد سأبدأ بالبحث عن عمل جديد ان شاء الله .....لا يمكنني البقاء من غير دخل لبيتنا..!!.."

وضعتُ قبضتي أمام فمي ساعلاً ونظرتُ إليه بعد اجتيازنا الشارع:
" لا تؤاخذني بسؤالي!.....لمَ يناديك بابن الغريبة ؟!....أين والدك؟!.."

لاذ بالصمت فشعرتُ كأنني تخطيت حدودي بالسؤال فبدلتُ الموضوع مستفسراً:
" أي البيوت بيتكم؟!.."

" أبي أسير في سجون النظام السابق الظالم منذ خمسة أعوام....تبدّلت الحكومات والأنظمة ولم يتبدّل الظلم.....كل نظام يأتي اسوأ من الذي قبله..."

أجابني بنبرة مجروحة على سؤالي الأول فاقداً الأمل ومحبطاً فسألته بفضول:
" أتعلم ما تهمته ؟!..."

تطلعنا كلينا نحو الطفل القادم مسرعاً , مقبلاً نحونا صارخاً بسعادة قبل أن يجيبني:
"جاء أخي شجاع....جاء أخي شجاع... جاء وجلب لي الحلوى..."

يا الله...عاد بي الزمن وعادت معه أوجاعي....!!...كأنني أرى أمامي مشهداً معاداً بطلاه (هادي)و(شادي).....هذا الفتى يذكرني بنفسي!!....انحنى يحتضنه بحب وحنان أبوي فتأكدتُ أنني لستُ وحدي من أصبح رجلاً قبل اوانه.....كان طفلاً في السابعة من عمره ولمّا أفلتا بعضهما تطلع على يديّ شقيقه الفارغتين وقال بخيبة وبراءة:
" أين الحلوى خاصتي؟.."

تنحنح ورمقني بنظرة جانبية سريعة ثم عض على شفتيه يسكته ورد وهو يمسّد خده:
" غداً ان شاء الله سأجلبها لك....الآن معنا ضيف لا يجوز ابقاءه واقفاً ....اذهب الآن يا حمزة والعب مع فطين صديقك!!..."

طرق رأسه أرضا ومطّ شفتيه حزناً واستدار يخطو خطواته المكسورة فناديته في الحال:
" حمزة..."

تطلّع عليّ فأردفتُ:
" ألن تصافحني وأنا ضيفكم ؟!.."

وقبل أن يصلني نقلتُ حدقتيّ إلى (شجاع) وقلت:
" هيا اغلي الماء للشاي سأنتظرك هنا ..!.."

اومأ برأسه ايجاباً ودخل غرفتهم المتهالكة المسمّاة بيتاً فعدتُ لأنادي الطفل ولما وصلني صافحته وداعبته قليلاً ثم أخرجت ورقة من المال وقلت له مشيراً لبقالة بسيطة موجودة على مدخل حيهم الصغير:
" اذهب أنت وصديقك فطين واشتريا لكما ولباقي الأطفال الحلوى.!!.."

سحبها من يدي بحماس ضاحكاً واختفى عن الأنظار فأطلّ (شجاع) هاتفاً:
" تفضل الى الداخل..."

دلفتُ بعد أن استأذنتُ أهل البيت وألقيتُ السلام ....ما هذا الحال ؟!...تصلّبتُ مكاني برهةً من الزمن!..بيت يفتقر لأدنى مقومات المعيشة !!....حتى خيمتنا في بلاد اللجوء كانت أكثر صحيّة ...ربّاه ربّاه....اعتصرني الألم على حالهم وغمرتني موجة ذات بأس شديد!!....كان مفروشاً بحصير متآكل وجلسة أرضية هي ذاتها للنوم....احدى زواياه عبارة عن مطبخ توضع الأواني القليلة بوعاء بلاستيكي كبير على الأرض وبالون غاز صغير عبارة عن موقد يوضع عليه ابريق قديم كان ذهبي اللون قبل أن يُقشر طلاؤه خاصاً للشاي!!....والحمام في زاوية أخرى بابه من ستارة لم استطع تحديد لونها والدش عبارة عن اناء بلاستيكي لصب الماء ووعاء كبير كحوض استحمام!!....مستوى حياة أصعب من الحياة البدائية!!.....يعيش داخل هذا البيت عجوز كان يجلس مكانه ويتمتم وهو يلتفت يمنة ويسرة كأنه يكلم أناساً من عالم آخر لا نراهم...وخطوط لهموم جزيلة ترسم كخرائط على بشرته و(أم شجاع )كانت تفرم البصل لتقلّبه بالزيت كوجبة غداء دسمة لهم... وعلى جانبيها يجلس فتيان تتراوح أعمارهما بين التاسعة والعاشرة... أحدهما يحمل كسرة خبز شبه يابسة يقضم منها بصعوبة !.....نهضت المرأة من مكانها حال دخولي حيث كانت تقرفص ومسحت جبينها بذراعها ثم انزلت كميها هامسة بقوة فيها الحياء:
" تفضل أخي...."

شكرتها خافضاً بصري احتراما ثم قعدتُ مجاوراً للعجوز ووضعتُ يدي على فخذه هاتفاً بنبرة مرحة:
" كيف حالك يا عم ؟!.."

تطلّع عليّ وقال:
" كيف حالك يا عم ؟!..لا اله الا الله"

رفعتُ حاجبي بريب صامتاً لبرهة ثم استأنفت:
"محمد رسول الله ... الحمد لله أنا بخير ما دمتَ أنت بخير..!!"

رفع حاجبه مثلي وكرر نفس جملتي مع اضافة لا اله الا الله!!....لم أفهم حالته بعد!!.....أما المرأة وابنها البكر (شجاع) حدّجا ببعضهما صامتين ثم اقترب الأخير منا وقعد على الجانب الآخر ومدّ يده لذقن جده يصوب وجهه نحوه وقال برفق :
" جدي....انظر إليّ....هذا رجلٌ طيب !!...لا داعي لتكرار كلامه.....إنه ليس من هؤلاء.....يُدعى..!!.."

وحدّق بي لأعرّف عن نفسي بنفسي فقلت مبتسماً:
" هادي الشامي!.....من المدينة الجبلية!!.."

اتسعت عيناه مذهولاً وهبّ واقفاً من فوره هاتفاً باعجاب:
" مدينة الثوار؟؟!!.."

رفعتُ رأسي ناظراً إليه لأقرأ مقصده وأجبتُه بسؤال:
" ما الذي تعرفه عنها ؟!!."

عاد لمكانه وشقت ثغره ابتسامة صادقة فأصبح وجهه أكثر بشاشة وقال:
" قبل خمسة سنوات عندما كنا بقريتنا على الحدود الجنوبية الغربية عند حدوث (معركة العزّة ) حين انتصر الثوّار الأحرار بكافة الكتائب على عصابات الدولة الخونة قالوا لنا أن أبطال هذه المعركة معظمهم من المدينة الجبلية!!...لم أنسَ ذاك اليوم...كان عمري أحد عشر سنة.....تمنيتُ أن أزورها يومـَ....."

وقطع جملته ملتفتاً للتي صرخت به وهي تجول بعينيها لأنحاء البيت وعلى المدخل بحرصٍ شديد كأنها تخشى أن يسمعه احد :
" شجاع....أصمت...."

أجابها بتحدي:
" أمي....أنت تعلمين أن المدينة الجبلية اشتهرت بإخلاص ووفاء أهلها للوطن وهي رحم ولادة الثوار...المدينة الوحيدة التي لم يجدوا بها خائناً واحداً.. وأبطالها من وقفوا معنا وضَحّوا بدمائهم حماية لنا..!!..."

ونظر إلي ثم أرجع عينيه نحوها مكملاً:
" حدسي أخبرني أن أخي هادي ابن أصل من موقف صغير وإلّا لم أكن لأدخله بيتنا أمي...وها هو تبيّن أنه ابن مدينة الأبطال...أي لا خوف منه!!.....ثم ما الذي نخشاه وقد خسرنا حياتنا الكريمة ؟!..."

بنبرة مكلومة تفيض أنهاراً من الوجع قالت:
" يكفي ما خسرنا.....لا أريد خسارتك ولا خسارة مأوانا!....بالكاد استقرينا هنا بنيّ....فكّر بي لو أخذوك ماذا سيكون مصيري !...."

يا الله....شبيهة أمي!!...ذكّرتني بها عندما كانت في البداية تخشى عليّ من كل شيء.....نفس الكلام ونفس القلق سبحان الله !!......آآه من تلك الأيام يا نبض الحياة....!!

تدخلت بأدب ورزانة مشتركاً بحديثهما:
" أختي من فضلك لمَ تصمتينه ؟!.....أرجوكِ لا تصمتيه....نحن نحتاج لأمثاله من هذا الجيل الصاعد !.....نريدهم أن يقولوا الحق دون مهابة ودون أن يخشوا لومة لائم.!!.....إن سعى كل أم وأب لإخراس ابنائهم عند قول كلمة الحق سيضيع الوطن وسيتم التلاعب بالدين وسيهون العرض وستسلب الأرض!!....شجاع اسمٌ على مسمّى حفظه الله ورعاه وأنت ستفخرين به ولن تخسريه بإذن الله.....لا أعلم لمَ تتعاملون كأن النظام السابق ما زال يسيطر الى الآن على الدولة وشعبها ؟!!....ذاك الزمن ولّى والنظام في طريقه الى الزوال ....قطعناه وبقي ذيله يتحرك كذيل الأفعى المبتورة عندما تتحرك دون أن تؤذي !!...اقترب بإذن الله اليوم الذي سندفن به هذه الذيل لنمسح آثارهم عن بكرة أبيهم !!....استبشري خيراً..."

تربّعت على الحصير وشدّت ثوبها المرقّع عن جسدها بعد التصاقه بها وهتفت بأسى وقهر:
" من سيمسح آثار ما فعلوه بنا ؟!....من سيعيد لنا ما ضاع منا ؟!....من سيثأر لسمعتي وشرفي ؟!....أي أثر ستمسح لهم بالضبط ؟!...."

انقبض قلبي وشعرتُ أن شيئاً قاسياً عانته ووجع شديد ألمّ بها ولمحتُ بكلامها جروحاً عميقة لم ولن تندمل بينما قام ابنها ليحضّر الشاي بعد رؤيته لغطاء الابريق يتحرك فوق النار من شدة غليانه!!.....
كانت امرأة في نهاية العقد الثالث, متوسطة الجمال..!!.. سألتها وعيناي أرضاً:
" اخبريني ما فعلوا بكم علّني استطيع المساعدة أختي....ثقي بي رجاءً....أنا معكم....أنا هادي ابن المدينة الجبلية ...مدينة المجاهدين ألتي أنجبت القادة والشهداء!....هادي محيي الدين عبد الهادي الشامي!!..."

" القائد محيي الدين الشامي ؟!.."

هتف بها العجوز ناصباً كتفيه اللذين كانا متهدلين بانكسار فنظرتُ إليه على الفور مؤكدا:
" أجل.....القائد محيي الدين الشامي....هل سمعتَ به ؟!.."

" هل سمعتَ به؟. لا اله الا الله.. هل سمعت به ؟!.لا اله الا الله."

كرر كلامي مجدداً وهو يطوف بحدقتيه الضعيفتين على الحصير كأنه يبحث عن ضالته واستمر بتكرار آخر كلامي فأمالت زاوية فمها (أم شجاع) بابتسامة ساخرة ورفعت يدها مشيرة بلا مبالاة كأن الأحاسيس قتلت داخلها من شدة ما تحمل من اليأس وهتفت:
" انظر ...هذا عمي...حماي !!....أول الضحايا!...اسمع لقصتنا التي سأحكيها لأول مرة كاملة لغير عائلتي!.....لكن عدني أنك ستوصل كلامي للعالم الصامت عن الظلم....لمدّعيي حقوق الانسان....لمن يبنون امجادهم على اشلائنا...لمن يستخدموننا كسلعة لجلب مشاهدات وأموال لم نرَ قرشاً واحداً منها.....للصحافة التي تزين صفحاتها بصورنا.....لكل من اولئك غاية ونحن أضعنا غايتنا...!!...."

تململتُ مكاني أعدّل جلستي ...نظرتُ إليها قائلاً قبل أن أعود لأخفض بصري :
" اسمعك أختي.....سأفعل ما أقدر عليه بإذن الله...أعدك!.."

زفرت أنفاسها الممزوجة بالآهات والحسرات وحاولت المحافظة على نبرة صوتها :
" في يومٍ ككل يوم من أيام الحرب على الحدود قبل خمسة سنوات زارنا قائد من الثوار مطلوب للدولة طالباً الحماية ريثما يأتي اصدقاؤه ويأخذونه الى مكان آخر.....فتح له زوجي بيتنا وأكرمه....يشهد الله أنه كان رجلاً شهماً شجاعاً فخراً للوطن وأثناء مكوثه في بيتنا ورده اتصال ممن ينتظرهم فاقترح عليه زوجي بأن يوصله لمكان معين في ساعات الليل بدلاً من قدوم رجال غرباء إلينا كي يبعد الشبهات عنا ومنعاً لأي خطر نحن بغنى عنه....فالجواسيس كثر وإن رأوا سيارة غريبة في حينا سيبيعوننا ..!!....كان كل ما فعله زوجي أنه قام بإيصاله لأطراف القرية أي الى منطقة غير مأهولة!!....ولم نكن ندرك أن أحد الجيران الخونة يعمل لصالح الدولة مقابل بضع قروش كان يراقب تحرّكات زوجي في غفلة منا !....حاصرت بيتنا القوات المسلحة وأصروا أننا نتعاون مع الثوار وأن لدينا معلومات حساسة تخصهم...لم يصدقوننا أبداً رغم قسمنا لهم بأننا لا نعرف شيئاً عنهم!!.....بطريقة ما عرف زوجي بحصارهم لنا وأنه مطلوب فلم يعد للبيت ظناً أنهم سيسأمون ويتركوننا في حالنا .....ظن الخير بسلالة الشياطين!!...."

ابتلعت ريقها تبتلع غصاتها واستطردت بصوت بدا ضعيفاً وهي تنظر للعجوز:
" كان عمي يصلي قيام الليل آنذاك....سحبوه عن سجادة الصلاة قبل أن يسلّم من صلاته بعد ثلاث ساعات من الحصار...لم يحترموا المعبود فهل سيحترموا العابد ؟!... لم يأبهوا لتعثر خطواته وسقوطه وقالوا لي وهم ينظرون بصفاقة ودناءة * قولي للديوث زوجك أن يسلم نفسه لنا قبل أن نلبس والده خلخال ونتسامر على رقصه *.. وأخذوه من أمامنا وسط استنكارنا وبكاء أطفالي....كان شجاع في الحادية عشر من عمره!!...مرّت الأيام ولم يظهر زوجي ولم يتواصل معنا وكان بعض الشرفاء يطمئنونا أنه بحماية الثوار!!.....أما عمي ذاق من العذاب ألوان في سجون النظام....كانوا يتركونه عارٍ في عز البرد ويسكبون الماء البارد عليه !!.."

ضحكت هازئة وقالت:
" طبعاً هذا الكلام أخبرنا به زملاؤه في السجن ممن أنعم الله عليهم بالحرية فهو منذ فك اعتقاله وهو على هذا الحال!....يعيد الكلام الذي يسمعه متشبثاً بـ لا اله الا الله......"

ثارت دمائي في منابعي وصككتُ فكيّ بغيظ رغم أن هذه القصص أعلمها لكن أن أخالط وجهاً لوجه أناس عاشوها كان وقعه كبيراً عليّ ولم يتحمله قلبي....شعرت بضيق يجثم على صدري يزيد من قهري إلا أنني رغبت بسماع القصة كاملة فقلت بهدوء مزيف وأنا أمد يدي لأتناول كأس الشاي من الصينية التي يحملها (شجاع):
" أسمعك أختي...تابعي!.."

مسحت بظهر كف يدها دمعة يتيمة خانتها وتابعت:
" كانوا يصلبونه في احدى الغرف الباردة وهو عاري وكل نصف ساعة يدخلون إليه ويجلدوه بالسوط ليقر ويعترف عن مخابئ الثوار وعن زوجي وهو حقاً لا يعلم شيئاً عنهم..... لقد أوصلوه لهذا الحال تحت اجباره على النطق بشعاراتهم....لذا أصبح يكرر ما يسمع.....كانوا يضغطون عليه ليعيد كلامهم تمجيداً لرئيسهم وأن....أن.....استغفر الله...."

" أن ماذا؟!.."

سألتُ بخشونة فأجابت وهي تستغفر وتطأطئ رأسها لحجرها:
" كانوا يرغمونه ليشرك بالله إلا أنه بقوة ايمانه أبى وتمسّك بأن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله .....أعادوا علينا زمن الجاهلية وقريش بل هم أشد كفراً...."

" أوغاد لعنة الله عليهم..!!"

قلتها وأنا أجزُّ على أسناني وعروق يدي تكاد تنفجر من الشد على قبضتي فأضافت:
" عندما كان يجف حلقه ويطلب الماء كانوا يسقونه مجبراً من بولهم أكرمك الله .."

تلاحقت دمعاتها وتهدجت أنفاسها وبدأ صدرها يعلو ويهبط انفعالاً وهي تسترجع الموقف واردفت:
" عندما أخبروني بكل هذا ظننتُ أنهم يحدثوني عن أحد أفلام العصابات حتى جاء اليوم المشؤوم!..."

" أي يوم ؟!..."

حاولت استعادة رباطة جأشها ومسحت دمعاتها بأناملها ناظرة لفوق مبعدة حدقتيها عني وهي تضغط على شفتيها وكأنها تشهد الله على ما مرت به ثم تنهدت بقوة وأجابت:
" لقد عتقوه وأخذوني بدلاً عنه ليضغطوا على زوجي بتسليم نفسه !!..."

" ماذا ؟!.."

سألت مستنكراً وبركان الغضب يتفجر داخلي فقالت:
" أخذوني بعد اسبوع من تحرير عمي ....سحبوني من بين اولادي..."

أشارت للخارج مضيفة:
" كان حمزة ابن عامين وفي حضني....أخذوه عنوة ووضعوه أرضاً بقسوة دون أن يرف لهم جفن ولم يحرك انسانيتهم منظره وهو يرفع يديه نحوي باكيا بحرقة وينادي عليّ لأحمله...كان مريضاً وملتصقاً بي....طفل فرّقوني عنه وهو بأمسّ الحاجة لي!!.."

وأشارت لبطلنا وهي تكمل والعبرات تتسابق لتشهد على مصابها :
" أما شجاع....هجم يسحبني منهم فجرّوه بعنف وركلوه غير مهتمين لصغر سنه!!....ركلوه كأنهم يركلون كلباً ضالاً....أو كيساً مليئاً بالرمال....أخذوني وحبسوني في سجن انفرادي....منعوني من الصلاة لأيام وأنا داخله....في الوردية المسائية كان يأتي ضابط حقير يدخل إليّ في ساعة معينة ليتحرّش بي بنية الضغط عليّ لأعترف بما لا أعرفه!!....كانت الساعة التي تسبق زيارته أمضيها مبتهلة الى الله بأن يقبض روحي قبل أن يغتصبني !!....بعدها وضعوني في سجن مليء بالضحايا شبيهاتي.....تتراوح أعمارهن بين الثامنة عشر والخمسون....غرفة تتسع لعشرين يضعون بها أربعين امرأة......ولا واحدة كانت تعلم ما تهمتها!!....يحتجزوهن كطعم للضغط على من يخصهن...!!....أذكر....أذكر...."

علا نشيجها وأخفت عينيها بكفيها وهي تهز رأسها للجهتين عسى أن تطرد المنظر من أمامها !....شجعتها لتكمل رغم أني فقدتُ قدرتي على تحمل ما أسمع فأكملت بشق الأنفس وصوتٍ متحشرج:
" أسماء...!!....رحمها الله ....فتاة في التاسعة عشر من عمرها!....كانت ترتدي النقاب وتحفظ كتاب الله!....آية من السحر والجمال!....كانت تحمل أحلاماً تكفي لتعمّر الأرض ...فتاة طموحة متفائلة!...أتعلم أنها كانت هي من تحثّنا على الصبر؟....أتعلم أنها حتى معنا نحن النساء كانت حريصة على حجابها ونقابها وكأنها كانت مستعدة دوما لدخول مباغت لأحد أشباه الرجال!!.....وجاء اليوم الذي كشفوا به عن وجهها ففتنوا بها!!......كانت معتقلة حديثاً نسبياً ليضغطوا على شقيقها.....لا أعلم كم يوماً بالضبط فنحن هناك كنا نجهل الليل من النهار وغدت كل أوقاتنا متشابهة ....فكانت ساعاتنا الظلم والعذاب ودقائقنا القهر والإرتعاب أما الثواني هي دموعنا التي لم تجف وأملاً بحرية من سراب!!... تلك الفتاة أخذوها من بيننا الى احدى غرفهم المشبوهة وتناوب ثلاثة على اغتصابها بكل حقارة وشراسة....عادت إلينا بقايا روح بشعر مشعث وملابس ممزقة تمشي على مهلها نازفة!!...الدماء تنزف منها وقلوبنا تنزف معها.....منظر لم يبرح عن مخيلتي....لن أنساه ما حييت!!....حاولنا اسعافها واخراجها من حالتها وظننا أننا نجحنا وما كانت إلا أوهامنا!!....فعند الفجر استيقظنا لنجدها جثة هامدة بعد أن شنقت نفسها بحجاب احداهن كان متروكاً جانباً.....لتصبح أسماء ضحية أخرى لظلمهم وتجبرهم ...الضحية التي لا نحصي عددها.....رحمها الله.."

" إنا لله وإنا إليه راجعون.."

ماذا أعلّق وبماذا أعبّر؟!...من أين ابدأ وكيف أنتهي ؟!....ضاعت الحروف ونزفت المشاعر وشلّ اللسان!!.....لعنة الله تنزل على الظالمين....لعنة الله .!!....يا رب عجّل في عذابهم!!.... اكتفيت باسترجاعها الى الله وهذه كانت مقدرتي من هول ما سمعت فرغم اعتيادي على سماع القصص الأليمة الّا أنني بكل مرة أموت آلاف المرات معها!! ....استجمعتُ قواي الهاربة وقلت محافظاً على حبالي الصوتية مع أن الحزن الممزوج بالغضب نهش خلاياي:
" وأنتِ ماذا حصل لك؟!.."

" بعد شهر من اعتقالي وصل الخبر لزوجي فاضطر لتسليم نفسه ....لم يعجبهم أن يتركوني دون أن يحرقوا قلبه عليّ.....ربطوه على كرسي وسلّطوا نظره صوبي واغلقوا فمه بشريط لاصق كي لا يعبر عن غضبه...خلعوا عني حجابي ومزّقوا ملابسي أمامه رغم محاولاتي المستميتة لردعهم سواء بالدفاع أو بالتوسل !!....رجوتهم ليستروا عليّ.....لكن منذ متى الظالم يرق قلبه ؟!....تحرّشوا بي أمامه ثم أوصلوني بسيارتهم وألقوني عند بيتي على مرأى الجميع وسط النهار!!...ومن منظري ظنوا أنني تعرضت للاغتصاب فبدأوا يعايروني وأولادي.....شهران ولم نتحمل اضطهاد الناس لنا .....صاروا ينعتون أولادي بأولاد المغتصبة!.....فقررنا الهجرة وجئنا الى هنا بعد أن ضقنا ذرعا وذقنا مرارة الظلم !!....لم يكن الحال هنا يسرّ البال إلا أنه كان أسهل الصعبين!....سمّوني الغريبة فعمي بعقلٍ غير سويّ وأولادي يعتبرون صغار....لم يحفظوا اسمي وبلدي بل عرّفوني بالغريبة.....تعرضنا لمضايقات في بادئ الأمر وطعنوني بشرفي....اتهمونا أن أهل بلدنا من رمونا بسبب سمعتي!!....التزمتُ الصمت ولم أحكي قصتي الى يومنا هذا !!.."

توغّر صدري أكثر وأنّ قلبي وصباً على حالها ثم سألت:
" وزوجك ما أخباره؟!..."

" زوجي ما زال بالسجن ولا تهمة ثابتة عليه ....لكنهم عذّبوه بشتى الطرق فهم قانونهم عذّب أولا ثم باشر التحقيق!!...إن كنتَ منا فلا بد أنك تفقه مبادئهم!!......أصبح يعاني من فشل كلوي بسبب قسوة العذاب.....كحرمانه من الماء أو أبسط حقوقه الانسانية ...وهي التبوّل حتى صار يفعلها على نفسه!!....وضعوه بمكان مغلق ومظلم لينام على صوت نزول قطرات ماء يصله من سماعة مثبتة في الغرفة كإحدى الطرق من طرق العذاب..."

حكت عن زوجها بصمود وثبات وهي تبذل قصارى جهدها لتمد القوة والعزيمة لأطفالها فقلت:
" هل تزورونه ؟!.."

لاذت بالصمت لثواني وأمالت فمها بابتسامة مجروحة ثم أجابت:
" كنّا في البداية لكن الآن كيف سنزوره وهو في سجن الجنوب؟!.....مصروف المواصلات....أو الحصول على محامي يسهّل علينا زيارته !!....من أين سآتي بكل هذا ونحن بصعوبة نحصل على قوت يومنا ؟؟!......نتواصل من حين الى آخر هاتفياً مع أقربائنا في القرية فبالكاد تصلنا أخبار خفيفة عنه !!..."

" هل اعترف زوجك عن الثوار؟!.."


" أبي ليس خائناً ليبيع الشرفاء.....أبي مستعد أن يضعنا قرباناً فداءً للوطن "

صرخ بها (شجاع) فأهديته ابتسامة رضا وفخر وسألته:
" وأنت ؟...ماذا عنك؟....ما الذي يمكنك أن تقدمه لنصرة الحق وردع الظلم وفداءً للوطن؟.."

ضرب على صدره صوب قلبه وأجاب بشموخ:
" إن كان قلبي سيجعل تراب الوطن ينبض بالخير والسلام ...إن كان قلبي سيعلّي راية الحق والدين ....إن كان قلبي سيقضي على الظلم وينشر الأمن والاستقرار فأنا من هذه اللحظة مستعد أن أجتثه فداءً للوطن ليعيش شعبنا بسعادة وأمان...."


لم اخطئ في غايتي!!....حدسي أخبرني أن هذا الفتى سيكون له شأناً عظيماً.....من يواجه الظلم بجسارة يستحق أن يحمل الأوطان !!....بزيارتي هذه تعرّفت على عائلته ومعاناتهم .....ختمتُ لقائي حاملاً الوعود لهم بعد جهد بسبب عزة نفس (شجاع) .....اتفقتُ معهم أن ألحق الأولاد بالمدرسة أما بطلنا أقنعته ليلتحق بمدرستنا الثانوية العسكرية التي انشأناها منذ ثلاث سنوات ....سيقوم بالدراسة والتدريب معاً....لقد عزمت على تكفل هذه العائلة بكل احتياجاتها!!....وعدتهم باصطحابهم لزيارة قريبة لوالدهم بعد تسوية بعض الأمور ولنبحث عن قُرب ما يخص قضيته لعلّ وعسى ننجح في تحريره !!....وسيكون هذا بالطبع من مسؤولية توأم روحي (سامي).....أنا اثق بلوائنا الجديد!....من استطاع الحصول على ترقية من عقيد للواء بوقت وجيز بسبب نجاحه يمكنه فعل المستحيل لمساعدة المظلومين..!!

بعد أن وافق ذاك الفتى الشجاع على مساعداتي صرّح قائلاً:
" أوافق على هذا لكن بشرط...."

ضحكتُ مبتهجاً بحبور لثقته بنفسه وقلت:
" أسمعنا شرطك..!!.."

أردف ثابتاً على رأيه:
" أريد أن أعطيك المقابل لهذا....قل ما تريد أو نُبطِل اتفاقيتنا!!.."

ربّتُ على كتفه معتزاً به وأجبت راسماً ابتسامة على محيايّ:
" المقابل الذي أريده.....وعد.."

تطلّع لعينيّ بإمعان وكله آذان صاغية فاستطردت:
" وعد بأن تتكفل عائلة مستورة عندما تحقق أحلامك بدراسة جراحة القلب وتبدأ بالعمل!.. وعد بأن تعطي من مالك لطالب علم محتاج......وعد بأن تقف ضد الظلم وتساعد المستضعفين ....وعد بأن تجتث قلبك إن احتاجه وطنك! ولا تنسَ أخذَ وعدٍ مماثلٍ ممن كفلتهم لنستمر على هذه الطريق دون انقطاع......فبتدفق العطاء وحمل الشهامة نحيي أمةً كاملة وبالأخلاق النبيلة ونشر العلم نبني خير البلدان !!..."

غزت ثغري ابتسامة وقورة ثم غمزته بمشاكسة مضيفاً بتأكيد:
" باختصار.....كُن إنساناً..... بما تحمل الكلمة من معنى...... هكذا ترد الجميل إن رأيت أنني أقدم لكم الجميل...!!.."

[[..وأنت تعد فطورك، فكر بغيرك.. (لا تنس قوت الحمام)
وأنت تخوض حروبك، فكر بغيرك.. (لا تنس من يطلبون السلام)
وأنت تسدد فاتورة الماء، فكر بغيرك.. (من يرضعون الغمام)
وأنت تعود الي البيت، بيتك، فكر بغيرك.. (لا تنس شعب الخيام)
وأنت تنام وتحصي الكواكب، فكر بغيرك.. (ثمة من لم يجد حيزا للمنام)
وأنت تحرر نفسك بالاستعارات، فكر بغيرك.. (من فقدوا حقهم في الكلام)
وأنت تفكر بالآخرين البعيدين، فكر بنفسك..(قل:ليتني شمعة في الظلام(.]]
(( كلمات محمود درويش ))


أنهيتُ زيارتي متشبثاً بمبدئي منذ الصغر!!....بأن كل شر يأتينا وراءه خير لا نعلمه.....فيسوق الله لنا الأسباب بحكمته التي نجهلها!!...لقد أغضبتني خاطفة قلبي فوصل بي الحال أن أكون سبباً بانتشال عائلة كاملة من الضياع والهلاك !....
اسأل الله أن يكون مسعاي خالصاً لوجهه الكريم...!!

~~~~~~~~~


ساكنة مكانها على الأريكة كأنها تمثال حجريّ منحوت لا حياة فيه فروحها ظلّت حيث أُزهقت في تلك البقعة بأرض الوطن!!...هناك لفظت أنفاسها الاخيرة من اقرب اثنين إليها ...والدها الذي بثّ سمومه بدماغها وزوجها الذي أعطاها الضربة القاضية على قلبها!!......لقد وصلت الى بيت السيدة (سهيلة) منذ ساعة واستقبلتها (رهف) التي هالها منظرها الكئيب الشاحب لكنها لم تشأ أن تزعجها بأسئلتها لأنها قادمة من سفر ومرهقة...ستصبر عليها حتى ترتاح قليلاً وبعدها تستفسر منها عن كل ما حدث!!......في البداية كانتا لوحدهما في البيت فمربيتها ذهبت مع أحد أبناء أشقائها لإجراء فحص روتيني ولما عادت تهللت أساريرها لحظة ولوجها غرفة المعيشة ووقوع عينيها على ابنتها التي لم تلدها محنطة مكانها فقالت مبتهجة.:
" حمداً لله على سلامتك بنيتي!.....حللتِ أهلا ووطئتِ سهلا !.."

بحركة واهية ضعيفة حرّكت رأسها صوبها لتنظر إليها وردّت بصوت مبحوح:
" سلّمك الله خالتي..!!.."

أصابها القلق من نبرتها فسألت مرتابة:
" ما به صوتك تغير؟!....هل أثرت عليكِ الأجواء هناك؟!..."

فضّلت الصمت ولم تجبها....ماذا ستشرح لها ؟!...هل تخبرها أنها جاهدت نفسها لتتوقف عن البكاء عند اقترابها فقط من المدينة الساحلية لبلاد اللجوء ؟!....أتقول لها أنها أمضت ليلتها وصباحها غارقة بدموعها ؟!...هل تعترف لها بما حدث بيننا ثم توجهها بعد ذلك الى المشفى لتطمئن على من تحمله في رحمها بعد النغزات التي أحستها أسفل بطنها ؟!......آثرت السكوت فلا يوجد لديها ما تقوله وسرحت بكلام الطبيب الذي أوصاها مشددا على الاعتناء بصحتها وحملها لأن جسدها هزيل وينقصه فيتامينات وسوائل سببه طبعا اهمالها لنفسها كل هذه الفترة والذي زادها قلقاً على حالها عندما شرح لها عن احتمالية خسارة جنينها أو ربما تعرضها لولادة مبكرة إن استمرت بعدم الاهتمام بصحتها وتناول المغذيات اللازمة فترة الحمل ..!!.....عاشت كل هذا في دواخلها ولم تخرج من عالمها الا بعد أن نادت عليها الجالسة على كرسيها الخاص أمامها والوساوس تلعب بها:
" ألمى!....ما بك؟!...أين شردتِ"

عادت بحدقتيها اللتين ما زالتا تلمعان بعد رحلة شاقة من الدموع وتبسّمت مجبرة وهمست :
" لا شيء خالتي....أنا متعبة فقط من السفر وأريد أن أستحم وأرتاح!.."

جمّدت اسئلتها لا تريد أن تزيد عليها بينما قلبها كان مقبوضاً لوضعها الشبه مأساوي الذي لا يمكنها اخفاؤه مهما ألّفت من حجج وأقاويل وهمست لها بصوتها المحب الحنون :
" اذهبي الى الغرفة وارتاحي بنيتي....رهف ستتولّى أمر ترتيب أغراضك!..."

حثّت قدميها المثقلتين من التعب والخذلان للسير الى الغرفة المشتركة بينها وبين صديقتها الجديدة ولمّا اختفت عن أنظارهما تطلعت (رهف) إلى عمتها وهمست بصوت منخفض:
" ماذا جرى يا ترى ؟!...أيعقل أنها علمت شيئاً يخص الحكم على والدها ؟!.."

تنهّدت بأسى وأجابت بلوعة:
" ما زال الوقت باكراً للحكم....لا أظن ذلك!...لكن.!...لكن!.."

رفعت حاجبها بريب والتفتت خلفها لتتأكد أن ضيفتهما ليست بالقرب وسألت بفضول:
" لكن ماذا عمتي؟!...أخفتني!.."

مالت الى يمينها بجذعها هي الأخرى لتتأكد من خلو الممر خلف الواقفة ازاءها وردت هامسة:
" صحيح ما زال الحكم باكراً لكنه سيأتي في النهاية....وجلّ ما أخشاه هو انهيار المسكينة لحظة اعلان الحكم!.."

أكملت تسأل بفضولها:
" لمَ تقولي هكذا عمتي ؟!......كنتِ تطمئنيها وتعطيها الأمل بأنه سينال البراءة!...ماذا تغيّر الآن؟!.."

زادت من تنهداتها لتخفف من حمل موجود على عاتقها وهمست بحذر :
" كنتُ حيادية ولم اوهمها على براءته البتة....اخترتُ أن أكون في موضع التي تجهل الأمور والحقائق لأنني لم اشأ كسرها ...كان عليّ تصديقها لا ردعها عن أفكارها....هي حاربت الجميع من أجله...لو وقفتُ في صفهم عليها ستكرهني ايضاً وتتركنا!....وأنا لن أسمح بأن تضيع صغيرتي في متاهات الحياة ...عليّ أن احتويها واشعرها بالأمان وأني معها وما يأتينا من المستقبل نتركه على الله ..!!.."

" أتقصدين أن التهم ثابتة عليه وليست افتراءات وأكاذيب ؟!."

سألتها بعينين جاحظتين لأن هذه أول تلميحات تخرج منها فنكست رأسها الجالسة بحزن وهزت رأسها يمنة ويسرة رافضة كل ما يحدث ثم حوقلت لتتبع الحوقلة بالنظر إليها مجددا وهي تجيب:
" وما خفي أعظم بنيتي!.....هي تعلم فقط عن التهم السياسية والوطنية ولا تعلم سبب تعاون خالتها مع الثوار ولا تعلم عن حقارته حتى عندما كانت أمها على قيد الحياة!..."

بانكسار لحال صديقتها وسيدتهم الصغيرة عاتبتها بصوت خافت:
" لكنك يا عمتي اعطيتها الأمل دوماً....لمَ فعلتِ هذا إن كنتِ تدركين كل هذه الأمور وأن الحكم القاسي عليها آتٍ لا محالة ؟!..."

برضا وملامح كساها الاستبشار ناظرتها مجيبة:
" أعطيتها الأمل ولم أحدد لها أين موجود!!....ربما ما تظنه خير لها هو الشر بعينه والعكس صحيح.......والدها شخص فاق المعايير كلها بالسوء....أي خير وأي أمل ستجد به ؟!.....عليها برّه واحترامه لكن هذا لا يعني أن تسلّم حياتها له .....لقد حلّق عالياً لسنوات بأجنحة الجشع والخيانة والغرور وحان وقت سقوطه! ...لا أخفي أنه كان ودوداً معي خاصة ولكني أدرك جيداً السبب لهذا!!....فإن فعل الكافر عمل إنساني لمرة لا يصبح ملاكاً بفعله.... وهو كذلك!!...."

تنهدت وهي تهز رأسها توافقها على كلامها ثم التفتت للخلف لتتأكد من جديد أن ضيفتها المسكينة لم تسمع شيئا من حوارهما ثم عادت لتقول:
" أرجو أن ينير الله بصيرتها للحق....هذه الفتاة مدمرة نفسياً ....أنا أشفق عليها ....أنت محقة لا نستطيع الضغط عليها أو التلميح لها عن الحقائق لأننا سنخسرها لذا سنستمر متحفظتين بما يخص والدها بالذات ونتركها للأيام وأنا بتّ أجزم أن الظرف الخاص بخالتها فيه شيء من الحقائق وهي تأبى أن تفتحه ...رفضها الأول كان من غضبها على خالتها فلم تهتم به ورفضها الآن أكثر صلابة وصعوبة وصدقيني سببه خوفها من الوصول لشيء يجعلها أكثر ندماً وحسرة !!...اختارت الهروب و التناسي ولا أعلم الى متى حقاً؟!!.....أما بشأن زوجها ما زلنا نجهل ماذا حدث معها عند لقائه وسنفهم منها بعد أن تأخذ قسطا من الراحة ان شاء الله ...."

استقامت اكثر بوقفتها وبدّلت نبرة صوتها هاتفه بمرح:
" والآن عن اذنك عمتي....سأعود الى مطبخي لأتابع مغامرتي مع الطبخ .....يبدو أن غداءنا سيصبح عشاءً لليوم !!.."

أومأت ضاحكة لها وهمست بحنوّ:
" رضي الله عنك بنيتي.....اذنك معك ومغامرة موفقة....اما انا سأقرأ وردي ريثما يؤذن الظهر...!!.."
×
×
×

بعد أن استحمّت ارتدت منامتها بسكون شاردة ...كان سكون مخيفاً يسكن جنباتها.....تركت شعرها كما هو واكتفت بتجفيفه بالمنشفة ....لم تسرّحه ولم تهتم به كعادتها وخطت برخاوة نحو سرير (رهف) الذي أصبح سريرها الى حين ترميم بيتها الجديد الملاصق لبيت مربيتها!....لقد تكفّل شبّان الحيّ بترميمه لها لأنه غير آهل للسكن بسبب الرطوبة الشديدة والتصدعات الكثيرة بجدرانه ....كان بيتاً عبارة عن غرفة نوم وغرفة معيشة وحمام ومطبخ صغير....تصميمه يشبه غالبية بيوت الحيّ والآن أغراضها مركونة فيه !!.....كوّرت جسدها كالجنين وسرحت بالفراغ تسترجع كل ما مرت به اليومين السابقين ....لم تتحمل وانفجرت بالبكاء بعد شعور أليم اجتاحها سببه أن كل شيء خذلها ...حياتها مقيتة ...حظها ينافسها تعاسة.....دفنت وجهها بالمخدة وعلا نحيبها أكثر ...تمسك طرفيها بقوة وتحرك رأسها عليها .....تريد أن تطرد أفكارها السوداوية....لا تريد أن تتذكر وتعد خيباتها ....ترغب بأن تكون قوية من أجل ابنها ....قلبت نفسها لتصبح على ظهرها وتطلعت بالسقف المقشور ...حركت يمناها لتضعها على بطنها فأنّت بوجع شديد وهي تكمش تقاسيم وجهها ..الألم يصرّ على طرق بابها!!....رفعتها تنظر إليها والى الاسوارة التي تطوق معصمها....لم تكن من إكسسوار الزينة التي اعتادتها....إنها إسواره تتدرج باللونين الأزرق القاتم والأحمر!...ألوانها كانت من الوجع و الحسرة......
إنها بصمات يدي العنيفة عليها ....رفعت يدها الأخرى ومسّدت آلامها علّها تسكن قليلاً لكنها لم تستطع الوصول لتمسّد على جرحها النابض بين أضلعها !....ماذا سيسكنه ؟!...من سيشفيه ؟!....عادت لتكوّر نفسها وتضم ذراعيها لصدرها وهمست ببحة والدموع تتدفق كالسيول على وجنتيها:
" أكرهك هادي....أكرهك...لن أسمح بأن تعلم عن ابنك....سأربيه بعيداً عنك ......أنا للتسلية ودمائي نجسة ؟!....أنا من لن ترضى بأن يكون لك ابناءٌ منها ؟!.....كيف خدعني قلبي وأحبّك؟...هل أنت نفسك من اهديتني حضنك ؟!.....ما الذي غيرك ؟!....كيف غسلوا دماغك ؟!.....أنت أقسمت أنك لن تسمح لأحد بذكر سيرتي أمامك كأني نكرة أو نجسة وأنا أقسم أنني سأحمي ابني بروحي من كل شيء وأي شيء إن لزم الأمر... وأولهم أنت.."

وبعد فضفضة الكراهية والثورة التي حدثت بدمائها استكانت قليلاً وأنزلت يسراها لبطنها تحسس عليه وبهدوء مضاد لثورتها التي عاشتها قبل قليل همست بحنية ورقة:
" أحبك ولن أسمح بأن يطولك الأذى حتى من أقرب الناس إليك.....وأنت كذلك ساعدني لأتخلص من مصيبتي....أي عشقي لوالدك...يجب أن أتعافى من هذا الإدمان...المسمّى هادي..."

ظلّت لدقائق تداعبه بكلماتها العفوية البسيطة حتى ارتخى كل شيء فيها وراحت لنومٍ عميق دون أن تشعر..!!

~~~~~~~~

بعد ليلتي التي قضيتها مع بحري ويومي الذي خضتُ به مغامرة جديدة مع (شجاع) عدتُ الى بيتنا الجبليّ وكان الوقت يقترب من العصر.....دخلتُ وألقيتُ السلام على أمي وكان مزاجي معتدلاً.....اقتربتُ منها أقبّل رأسها هامساً بمداعبة:
" ماذا ستطعمني أم هادي ؟!.."

تبسّمت بحنوٍّ وهي تمسك يدي ناظرة إلي وأجابت:
" ألن تنام أولا؟!.."

ضحكتُ وقرصتها من خدّها منحنياً صوبها مكملاً بمداعبتي لها وقلت:
" لن يزورني النوم وأنا جائع ...."

استقمتُ بوقفتي وأردفت بجدّية:
" سأستحم وأنزل في الحال إن شاء الله.....أريدك بموضوع هام !!"

اومأت ايجاباً فهي هذا ما تنتظره منذ البارحة ....لم تنم جيداً قلقاً لأمرين....ذهابي الى البحر الذي تخشاه وكذلك أي سبب الذي أوصلني لتلك الحالة التي أوجعت قلبها ؟!....

خرجتُ من الحمام وارتديتُ ملابس بيتية خفيفة ...نظرتُ لنفسي بالمرآة ...تنهّدتُ بعمق عازماً على صك قانوني الجديد الخاص.....نزلتُ متجهاً إلى المطبخ حيث نبض الحياة....كان (شادي) يلعب بلعبته الإلكترونية فناديته مشتاقاً وكذلك ليسمع قانوني ..داعبته قليلاً وشاكسته...ثم تجمعنا ثلاثتنا حول طاولة المطبخ.....تناولتُ طعامي ولما أنتهيتُ أسندتُ ظهري للكرسي براحة حامداً الله وقلت جازماً:
" من الآن وصاعداً لا أريد سماع اسمين داخل هذا البيت..عاصي...وابنته!!....مهـم� �تـنـا انتهت بنجاح الحمد لله...ننتظر الحكم فقط.....لقد حان الوقت لنلتفت إلى حياتنا ونتقدّم....سننساهما ونحذفهما من حياتنا.....اخبروا دنيا بذلك....لن أتسامح أو اتساهل بهذا الموضوع."

رفعت حاجبها معترضة بريب وقالت:
" ما الذي غيّرك ونحن نعلم حقيقة علاقتك بها ؟!...."

تدخّل (شادي) ببراءة مشتاقاً:
" ألمى ليست ابنة الكلب عاصي....أنا انتظر متى تنصلح الأمور لتعود إلينا.....أفتقدها كثيراً ...كانت صديقتي الطيبة....وتمنيتُ أن تأتينا بمحيي الصغير أو أمل .....لمَ تقول ننساها؟!....أليست هي زوجتك؟!..."

نظرتُ لكليهما ثم ثبتّ بصري لشقيقي قائلاً بحزم وتشديد:
" ليست صديقتك.....ولا تنتظر عبثاً....لن تأتيك لا بمحيي ولا أمل......التفت لدراستك فقط ولا تبني أوهاماً.... وها أنا أقول ولن أعيد.....سيرتها لن تذكر بهذا البيت وخاصة أمامي..."

ثم عدتُ بنظري لأمي وبنبرة أكثر هدوءاً أردفت:
" أمي ....علاقتي بها انتهت هناك في مركز الشرطة.....لقد تمادت كثيراً ولن أسامحها على ما فعلت بي!.....هي اختارت أي طرف تكون!!...وأنا سأمسحها من حياتي....."

بفضول وقلبٍ ملتاع لحالنا قالت:
" ماذا فعلت لك حتى تصل لهذا القرار؟!."

شردتُ قليلاً مسترجعاً الموقف ثم عدتُ مسلطاً حدقتيّ عليها وقلت:
" لا يهم الفعل أمي.....المهم هو النتيجة!...."

ثم نهضتُ من مكاني هاتفاً ومؤكداً:
" لا حاجة لتفسير أي شيء ....هذا قراري وانا اتخذته أمي....."

" لكـ....لكن بنيّ...ألا أمل بإصلاح الحال؟....ألا يوجد خيط رفيع بينكما؟!...اخبرني لنجد الحل معاً.."

اتكأت بكفي للطاولة منحنياً أمامها وقلت:
" لا أمل ولا أي خيط يربطنا....قُطعت علاقتنا وانتهت قصتنا !!...وكلمتي الأخيرة......هذا البيت سيخلو من سيرتها ووالدها .....إلى هنا وصلنا....يكفي!"

وانتصبتُ واقفاً قاطباً الحاجبين هامساً بجدية:
" أنا أسعى لأنساها ورجاءً لا تحاولوا التأثير.... .وقد أقسمتُ إن أتيتم بسيرتها أمامي سأهاجر ولن أبقى بهذا البيت......لذا لا تضغطوا عليّ وإلا سأنفّذ قسمي!!......وهنا القرار لكم!..."

ثم استأذنتهما صاعداً إلى غرفتي لأذهب إلى عالم النومِ...!!


~~~~~~~~~

ودت لو تنام نومة أهل الكهف !!....الملاذ الوحيد للهروب من علقم الحياة وضنكها ....لكنها خجلة ممن كررتا المناداة عليها لتناول وجبة الغداء المتأخرة.....ألا يكفي أنها تملأ بطنها دون أن تقدّم مساعدة ....هل ستشغلهما بها ايضا؟؟......قامت من مكانها تتمطى ورتبت منامتها المبعثرة طويلة الكمين ....اقتربت من المرآة فانزعجت من مظهرها المهمل.....متى تركت شلالها الأسود دون أن تسرحه ليصبح بهذه الفوضى؟؟....حملت المشط لتهذب شعرها المشعث وما إن رفعت يدها حتى أصدرت أنّة متأوهة من شدة الألم بمعصمها الذي تضاعف بدلا من أن يزول!!!....تحاملت على نفسها وحاولت كتم أنينها بينما تلاحقت قطرات الماء الطاهرة على خديها وهي تحاول تسريحه بيسراها قدر استطاعتها......كانت تنظر الى حالها ولشحوب وجهها ومع كل حركة للمشط تنقم على حياتها !!....اكتفت بتركه مفروداً على ظهرها ووضعت طوق خاص لـ(رهف) لتبعد الخصلات عن عينيها ثم خرجت لتشارك عائلتها الجديدة الطعام ......اجتمعن ثلاثتهن على الطاولة الدائرية حيث صفّت ابنة شقيق مربيتها الأطباق البيضاء المنقوشة باللون الفضي والمملوءة بأكلات متنوعة صنع يدها.....فتاة ماهرة تمتلك ذوقاً خاصاً ليس فقط بالطعام الشهي الذي تحضره انما بتزيين الصحون كأنها تصنع لوحة فنية تبهج النظر وتفتح الشهية ....ذكية ومبدعة بإمكانها ابتكار وجبة كاملة من أبسط المكونات التي تكون بحوزتها......كان حلمها الحصول على شهادة (شيف) وفتح مطبخها الخاص لتلبي طلبيات الزبائن وتسترزق بمتعة!....لكن ظروفها المادية لم تسمح بكل هذا .......حاولت (ألمى) تلطيف الجو وما كان هذا الا هروباً من اسئلة تتجنّبها فسحبت انفاسها وهي تقترب من الأطباق تستنشق البخار وهمست مغمضة العينين بنشوة ابتدعتها:
" الله ما أطيب الرائحة.....يا لحظ زوجك بكِ"

ارتسمت ابتسامة على محياها ممتنة وقالت مازحة بعد أن غمزتها:
" هيا اذاً لا تضيعي الفرصة .....استغلي وجودي قبل أن أتزوج وتحرموا من طبيخي أنت وعمتي وصغيرنا .."

ردت تمازحها بالمثل:
" الشكر لله أن بيتك بنفس الحيّ!!.....يعني انتظرينا دوماً انا وصغيري على الغداء والعشاء رضيتِ أم لا..."

تبادلن الضحكات ثلاثتهن ولم يفتحن سيرة بما يخص سفرها وعند انتهائهن من الطعام حان وقت توضيب السفرة ونقل الأطباق الى المطبخ.....همّت من مكانها لتساعدها على الأقل برفع مخلفاتهن !!..فهي لم تعد ضيفة بل أصبحت مقيمة وعليها أن تشارك بكل شيء!......حملت بكلتا يديها طبقين فاهتزت يدها المصابة وتخلخل الطبق رغما عنها حتى سقط منها ليلقى حتفه ناثراً بقايا الطعام على السجادة والبلاط فأعادت الآخر مكانه وامسكت معصمها ثم اجهشت بالبكاء بعد انفلات اعصابها بسبب وجعها وشعورها بالإحراج منهما وكأنها طفلة لا تستطيع المساعدة بأبسط الأشياء مما فطر قلب الجالسة على كرسيها لتسألها من فورها والقلق يسود خلاياها:
" على مهلك بنيتي...ما بها يدك ؟!...."

كمشت تقاسيم وجهها تحاول كبح جماح نحيب أكبر يحارب ليخرج منها وأجابت بإيجاز:
" يدي تؤلمني.."

سمعتها القادمة لتتابع مهمتها بنقل ما على السفرة فقالت:
" من الممكن انك قمت بحركة خاطئة أو التهاب في العظم ...سأجلب لك مرهما يسكن هذه الأوجاع تستعمله عمتي....اجلسي ولا تهتمي بأي شيء......انتبهي لصحتك فقط!..."

اعتذرت منها بخجل وشكرتها وهي تطرق رأسها أرضاً فأردفت تلك:
" اخرجا الى الشرفة فشمس العصرية الدافئة وصلتها.....سأحضّر شاي بالنعناع وألحق بكما..."

حرّكت السيدة(سهيلة)كرسيها لتتجه الى الشرفة وهي تقول لـ(ألمى):
" تعالي بنيتي لنرى ما بك....قلبي غير مرتاح لحالك!..."

بعد وصولهما الى مقرهما الدافئ واستقرارهما افتتحت الحديث بفضول كأنها أمها الحقيقية وتريد الاطمئنان عليها:
" أجل أخبريني ما حصل برحلتك... و ماذا جرى بشأن قضية والدك ؟!"

اعتلت وجهها غمّة ضاعفت من شحوبه وردت بصوت خفيض:
" التقى به المحامي ليباشر العمل بالقضية وعلى حسب قوله من المحتمل أن تكون الجلسة الأولى بعد شهر من الآن!!.....يتملّكني احيانا هواجس وانقباضات في صدري خوفاً من فشل القضية واحيانا أخرى يزورني الأمل.....أما أبي منظره صهر قلبي....لم اره قط في حياتي بهذه الصورة وهذا الحال.....أعلم أنه قوي لا يستسلم بسهولة .....لكني أخشى عليه من تدهور نفسيته إن طالت القضية.!!.."

كانت تحكي بلوعة متألمة من أجله!!....قلبها ملتاع والروح سقيمة... شرعت تدعي على الظالمين ولم تدرِ أن هذه الدعوة في نهاية المطاف ستكون من نصيبه وحده....تعيش في عالم رسمته وصدّقته ...والدها المجرم بريء ومصيره أن يخرج لا محالة......حالها يثير الشفقة فهي لا ترحم نفسها ....ما زالت تأبى أن تقتنع بالحقائق قبل أن تصفعها صفعاً وترديها ارضا على غفلة دون أن تعطف عليها!!.....

" وماذا بشأن زوجك؟....هل أخبرته بحملك ؟!.."

نزل عليها السؤال الذي كانت تخشاه كالصاعقة...هربت بحدقتيها جانباً تحاول الفرار من الاجابة فكررت تلك سؤالها بتشكك ناظرة إليها بتدقيق:
" عزيزتي ألمى....أخبرته أم لا؟!.."

اكتفت برفع حاجبيها كإجابة مختصرة بـ (لا) فهتفت بعدم رضا مستاءة:
" لمَ بنيتي لمَ.!؟......كانت هذه فرصتك!!..."

انضمت (رهف) اليهما حاملة صينية الشاي وفهمت فحوى حديثهما بينما عمتها ظلت تضغط عليها تريد أن تعرف السبب وأي تبرير ستلقيه عليها فتعاقبت أنفاسها توتراً وتسارعت خفقاتها انفعالاً ثم كشفت عن معصمها وهي تمد ذراعها بعد اختيارها البدء بالمهاجمة على مبدأ سأتغذى به قبل أن يتعشى بي وصرخت بغيظ مختلط بالبكاء:
" انظرا....انظرا......هو من آلمني....سحق لي يدي بقبضته دون أن يرحمني!...."

واختفى صوتها الناعم بين عبراتها وهي تردف:
"انظري خالتي الى آثار أصابعه......كسرني خالتي....كسر قلبي.....لا أريده أن يعلم ......لا يستحق أن يعلم عن ابني!!"

تطلعتا بذهول على البقعة الموسومة على شكل إسواره بلونيها الازرق والاحمر فهمست (رهف)سائلة بشفقة عليها دون أن تبعد نظرها عن يدها:
" يا الهي!!....لم فعل هذا بك؟!"

وقبل أن تجيبها لحقت السيدة (سهيلة) سؤالها بسؤال آخر أكثر استفسارا:
" أفعلَ هذا بكِ من غير سبب أم استفززته بشيء؟..."

حدّقت (رهف) بعمتها التي تفهم كل حركات صغيرتها ثم التفتت للتي بشفافيتها وعفويتها لا تستطيع الانكار والتكتم وهي تجيب بتلكؤ وبصوتها العذب البريء محرجة من تصرفها بينما كانت تجول بعينيها على الأرض كأنها تبحث عن طوق نجاة ينشلها من عسر الموقف:
"لقد....لقد قمتُ بصفـ.....بصفعه....و...أمام.....ال� �نـاس"

شهقة واحدة صدرت من كليهما بصدمة تلتها حوقلة بعدم رضا من مربيتها التي قالت مستنكرة :
" ماذا فعلتِ يا مجنونة؟!.......لو كسر يدك او عنقك لن يلومه أحد.....أهذه حركة تفعلينها؟!.....أين عقلك؟!..."

ثم أشاحت وجهها عنها خافضة عينيها لحجرها لثواني تستمر بتكرار الحوقلة قبل أن تعيد النظر إليها للاستيضاح:
" ما السبب الذي جعلك تفعلين هذا وكان اتفاقنا أن تخبريه ؟!....ما الذي غيّر رأيك ؟!.."

أغلقت عينيها للحظات وصدى كلمات أبيها يرن في أذنيها ...هاج وماج النبض في قلبها مجدداً فأضحى جسمها ناراً تغمره حمى الخذلان ...كم كان عظيماً وصادماً ما سمعته ؟!...كم كان وقعه قاسياً على روحها ؟!....منذ كشف المسرحية كانت تلك المرة الأولى التي حاولت التنازل بها قليلاً عن غضبها وعنادها من أجل مصلحة ابنها....ذهبت حاملة الأمل الذي سكن عروقها وخلاياها فتبعثرت حروفه الجميلة لتكتب الألم ولا غير الألم الذي كان أشد وطأةً عليها هذه المرة !!....لملمت قواها المتفرقة كاشفة عن سماءيها وشرعت بسرد حكايتها المأساوية عليهما من البداية بصوتٍ متأثرٍ, مؤثر من عسر وفظاعة ما مرت به ثم تسلّحت بقوى دفاعية تنقل بصرها بينهما هاتفة عقب ادلائها بما اخبرها به أبوها :
" ماذا عساي أن أفعل بعد سماعي لهذا؟!...هل أذهب وأشكره؟!"

" معقول؟!."

لهجة استفهام نطقتها(رهف) مستغربة, مستنكرة فلحقتها الأخرى آيسة... قد طفح بها الكيل منها :
"وأنت صدّقتِ على الفور؟! لمَ لم تواجهيه وتتقصين عن الحقائق؟!...هل كل شيء يلقى على مسامعك تأخذينه دون بحث وتمحيص؟!"

لم يرق لها ما سمعته منها وقد اشتمت رائحة اتهام أو تكذيب لوالدها فحدّقت بها مشدوهة معاتبة:
" خالتي!!...هل أكذّب أبي؟!.... هذا ما أفهمه من كلامك !!.."

أجابتها بجدّية:
"والدك على العين والرأس بنيتي...لكنه يبقى انسان يخطئ ويصيب!....مثلاً ضعي احتمالية أنه كان مجرد سوء فهم منه!....ألا يمكن ذلك؟!"

ابتلعت ريقها وتابعت:
" لا تنسي أنهما الآن خصمان بينهما كراهية وانتقام ...فمثلما تتوقعين من زوجك القاء التهم على والدك عبثاً إذاً توقعي أن والدك سيفعل بالمثل وعليكِ أن تكوني هنا حكيمة ,منصفة لا ظالمة فبالتالي كل تصرفاتك ستعود آثارها عليكِ أنت وحدك سواء كانت ايجابية أو سلبية...أجل ألمى....واجبك احترام والدك وبرّه كما واجبك احترام زوجك وطاعته......لا اهانته!!.....تصرفك غير لائق أبداً بل قبيح ...لا تزعلي من كلامي..!!.."

تدخّلت الملتزمة بينهما قائلة:
" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا )).....معنى السجود هنا هو الاحترام والتقدير له ....يبيّن لنا الحديث عِظم حق الزوج على زوجته فإن كنتِ تقفين في صف والدك حبّاً له وطاعة لله عليكِ ايضاً الوقوف مع زوجك طاعة لله وحتى عندما تتزوج المرأة تصبح طاعة الزوج مقدّمة على طاعة الوالدين وهذا لا ينقص من حقهما واحترامهما شيئاً.....وأنت بنفسك أخبرتني عن زوجك وكرم أخلاقه والتزامه في دينه ....رجلٌ مثله كنتِ تهيمين بحنانه الفطري...رجلٌ دُمغ بقلبك حبه الحقيقي والقلب لا يخطئ هل تعتقدين أنه يمكنه أن يقتل روحاً بريئة؟!...وكيف إن كانت هذه الروح من صلبه وتحمل دمائه.؟!...مستحيل أن أصدّق بأن زوجك الذي ارتجف عليك وضمّك الى صدره بتمّلك فضح مشاعره وأنت تعتبرين ابنة عدوه يمكنه أذية ابنه!!...."

نفثت أنفاسها لتتابع بنبرة صادقة دافئة تفتح ذهنها بمحبة من أجلها:
" أنت أصبحتِ أختي وتهمني مصلحتك....لا تزعلي مني لكنك كنتِ أنانية بتصرفاتك....هذا ما استطعتُ فهمه من كلامك ......هو عاشق لك لكنك لم تحاولي ...أن تفهميه ...أن تصغي له بقلبك وعقلك معاً......أردتِ الحب منه وأخذتيه كنبعٍ دفّاق لكنك لم تقابليه بمثله...مسحتِ الحب واخترتِ أن تكتبي الكراهية.....ربما ما بينه وبين والدك أكبر من أن تدركيه أنتِ....لا اتهم والدك لا سمح الله ولكن لا أريدك أن تكوني ظالمة في حكمك ولا أنانية باختيارك!....لا تستسلمي لعاطفتك دون تفكير فالنتائج مهما كانت ...كلها ستعود إليك أنتِ وأنتِ فقط....وازني أمورك..."

هدوء نفسي وسكينة نزلا عليها بعد كلام تلك الطيبة التي تشع إيماناً ....في داخلها بصيص نور يشتعل عندما تجالسها لكنها ما زالت لم تعثر على مصدره.....تعترف بينها وبين نفسها أن هذه الفتاة لها تأثير خاص عليها....تستقبل كل ما يأتي منها بقبول حسن وحتى إن كانت ما زالت متمسكة بشتاتها وضياعها وإن لم تحاول الحذو نحو التغيير الجذري لأسلوب حياتها الخاطئ ....لكنها تسحرها ...حقاً تملك سحراً خاصاً يبث لها الطمأنينة في خضم ما تعاني من صراعات نفسية وتيه بالأفكار..!!....احتارت وتاهت...ضاعت وضلّت.....تخاف من المجازفة والإقدام لمحاولة أخرى فهي تعي إن كان كلام والدها هو الصحيح لن تقدر على منعي من فعل ما أريد بها.....ثم تعود لتشعل شمعة الأمل ...أمل يأتيها بحياة مستقرة آمنة بعيداً عن كل ما عانت من كوارث ومصائب وخاصة عندما يدق الذي يسكن بين أضلعها دقات لعشقٍ متين كان تاريخها وحاضرها!!...أرادت أن ترشداها وتساعداها باختيارها فتنهّدت تنهيدة ترخي بها أعصابها المتحفزة تبتغي قراراً صائباً يغيّر مجرى حياتها فهمست بقلة حيلة:
" ماذا أفعل إذاً؟!..."

بنظرات حانية وهمسات رؤوفة قالت لها:
" لا بد أنه سيتواجد في الجلسة الأولى بالمحاكمة ....عليكِ الامساك به وإخباره بنيتي...هذه فرصتك ....ربما الأخيرة....أنت بنفسك قلتِ لن تستطيعي زيارة الوطن والسفر متى شئتِ بسبب المصروف الكبير وأنك ستحاولين التواجد في جلسات المحكمة فقط.....وأن باقي تواصلك مع والدك سيكون هاتفياً...... "

رعشة وافتها أخافتها وهي تستحضر أمام عينيها صورتي وهمست متوجسة:
" تلك المرة الأولى التي لم أرَ لمعة الحب بعينيه....المرة الأولى التي أحسست بحسيس أنفاسه النافرة مني!....المرة الأولى التي بلغ بها من القسوة أقصاها !.....والمرة الأولى التي أعلن بها دون تردد عن انتهاء علاقتنا هناك....لا أظن أنه سيرضى بمقابلتي وقد أقسم قسماً حطّم به قلبي كما لم يفعلها من قبل!!....بل متأكدة أنه لن يعطيني فرصة ليسمعني!!.."

طأطأت رأسها الى حجرها تنظر ليديها اللتين تفركهما ببعضهما توتراً وأضافت:
" حتى صديقه قال لي.... * لن يثق بك مجدداً!.....خطؤك كان فادحاً وأظن في قاموس هادي لن يغتفر..*.."

" وإن كان!!....حاولي....بل قاتلي لتوصلي ما تريدين....إن نجحتِ فقد كسبتِ حياة ساكنة كريمة وعائلة عظيمة لك ولابنك ......وإن رفض الاستماع لك وأقصاكِ من حياته بقسوة واصرار دون رجوع لأنه رجل مثل باقي الرجال ...لصبره حدود وقد يكون نفذ صبره.....حينها سنتأكد أنكما لستما لبعضكما....بل كنتما مجرد حكاية كُتبت لهدف وانتهت مع الوصول لذلك الهدف....أي كان هذا هو قدركما ونصيبكما !!.."

ألقت الاحتمالات في وجهها ولمحت تجمّع غيوم من الخوف والوجع ...العجز والجزع ...تكوّنت بسماءيها..... فحاولت تغيير الموضوع بمواضيع أخرى لتخفف عنها وقد نجحت بتحسين مزاجها قليلاً بمساعدة (رهف) وبعد نصف ساعة أفرغت خلالها شحناتها السلبية قامت من مكانها تستأذنهما لبرهة ثم عادت إليهما تحمل رزمة من النقود استلمتها قبل سفرها عند بيعها لقطعة صغيرة من مجوهراتها الثمينة !!...اقتربت بحياء من الجالسة على كرسيها ثم جثت أمامها بتردد ناظرة لعينيها ومدّت ما بيدها هامسة برقة:
" تفضلي خالتي....هذا ليس من قيمتك....لكني أرغب بالمساهمة بمصروف البيت....!!.."

صدمة تبعتها خيبة رسمت الحزن على محيّاها ثم بعتاب ولوم هتفت لها:
" حاشى لله....حد الله ما بيني وبين هذا المال!....لن ألمس قرشاً واحداً....أنت تحتاجين كل فلس الآن لا تبعزقي أموالك هنا وهناك....وأنت مسؤوليتي أمام الله من أجل أفضال السيدة فاتن عليّ والسيد عاصي وقبلهما الغالية السيدة كريمة رحمها الله.....كيف تفعلين هذا بي؟!....أنت الأمانة التي اؤمن أنني سأسلمها لصاحبها يوماً ما....إما والدك أو زوجك ..أو آخر مجهول!!....الله أعلم أين مستقبلك ونصيبك!.....ستبقين مسؤوليتي بالكامل حتى تُرد الأمانات لأهلها بإذن الله !!.."

شدّت على النقود بيدها وما زالت تسلط عينيها الغائمتين عليها وهمست بامتنان للحظات لم ولن تنساها:
" مهما فعل لك كل هؤلاء..."

ثم وقفت بانكسار تقلب يمناها على ظهرها تتأمل آثار حروق الطفولة الباقية وبنغمة شجية أردفت بتشديد:
"مهما فعلوا...صدّقيني......لن يعطوك حقك بإنقاذي!.."

واستدارت لتصبح خلف كرسيها المتحرك تقبّل رأسها هامسة وهي تمرر أناملها على عنقها نزولا لظهرها بعاطفة جياشة وحنان فطري وُلد داخلها لها:
" وظهرك أكبر شاهد على التضحيات التي فعلتها من أجلي يا ثالث أغلى النساء في حياتي ...أنتن مثلّث الأمومة خاصتي والذي خصني به الله وحدي!!.."

رفعت يدها ترجعها للخلف لتسحب كف صغيرتها تقبّله لها ثم أدارتها لتعود تجثو ازاءها وهمست بحنوّ بينما الدمعات الوفيّة التي لامست الماضي فاضت من مقلتيها :
" ولو عاد بي الزمان ولو تكرر الموقف ...سأفعلها ...سأفعلها فداءً لألمى ....مالكة الروح النقية التي زيّنت لنا حياتنا !!.."

~~~~~~~
يتبع...



ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 09-05-23, 11:00 AM   #2409

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

~~~~~~~


ألقت العلبة الصغيرة التي تحملها بيدها على طاولة الزينة ساخطة على حالها ثم حررت حجابها الورديّ عنها وألحقته بالعلبة وفركت خدها بقوة حتى اكتسى بالحمرة لحظة دلوفها الى غرفتها في تلك المدينة الصناعية !!....هي من اختارت!...إذاً فلتتحمل نتيجة اختيارها ....ماذا ظنت؟!....أساسا هل فكرت وظنت؟!...كلا !!....هي وافقت لتكون المنقذ لوالدها حبيبها الغالي لكنها منذ متى كانت تجعل العاطفة تتحكم بها؟؟!...طوال سنين عمرها القليلة كانت تتميز برجاحة عقلها وحكمتها في موازنة الأمور وكانت تجد حلولا بديلة لمشاكل من هم حولها....كصديقاتها مثلا!!....هل تلبّسها الغباء عندما وصل الشيء إليها؟! ....ألم تكن تسمع من بعيد وهي بمدينتهم الساحلية عن تصرفاته ؟!.....متى يصبح ذيل الكلب مستقيما؟!...هل اعتقدت أن سنة كانت كفيلة بتغييره ؟!...مخطئة....بل مخطئة كثيراً !!....كم مضى على الحادث الذي تعرض له ونجى منه بأعجوبة؟!....ذاك الحادث الذي تبيّن بعد فحوصات وتحقيقات أنه كان ثملاً وليس هذا فقط بل وجدوا معه صديقين من فصيلته وفتاتين لا تحملان أبسط الاخلاق!!...تُمحى ذنوبه وتصرفاته المعيبة الدنيئة لأنه ببساطة (تامر) الحفيد المدلل لجدها!.....مرت أسابيع عديدة على عقد قرانهما وهي تعيش في دوامة!!....تلف حول نفسها لتعود لنفس النقطة....هي من وافقت!!....لا يمكنها لوم أي شخص غيرها ..." كتلة حماقة"...نعتت نفسها بسرها !!....في بادئ الأمر أعطت لكليهما فرصة للتعرف عن قرب ....فهم أبناء العم يقربهما الدم مهما فرّقتهما المسافات لانشقاق والدها عن أقربائهم هنا بسبب عمله في المدينة الساحلية !!......أول أسبوعين من الخطوبة استطاع أن يتقن دوره كعريس اتجاهها ....بعدها بدأ يقل اهتمامه مما زعزع قليلا من ثقتها بنفسها وكأن هنالك شيئاً يعيبها أو ينفره منها !!......نجحت بالسيطرة على مشاعرها غير سامحة لأي تأثير خارجي بخدش روحها !!....التمست له الأعذار لأنه درس في الخارج وبلاد الغرب وتحديدا في اسبانيا دولة والدته الأجنبية فلا بد أن طباعهم تغلّبت عليه !!.......كان اليوم هو ذكرى يوم ميلادها فخرجا معا لتناول وجبة العشاء في احدى المطاعم الفاخرة التي يرتادها ابناء عائلة (زيدان) المعروفة بتجارة وصناعة الأثاث والكماليات..... وبينما كانا غارقين في طعامهما أتاه اتصالاً من اصدقائه الطفيليين فضغط عليها لتنهي وجبتها سريعا ....إنه على عجلة من أمره لأنهم دعوه الى سهرة شبابية حماسية ككل سهراتهم ولا يريد أن يفوته شيئا ولما اوصلها الى قصر جدهما حيث تقيم مع عائلتها تذكّر أن يعطيها هديته بيدها والتي لم يكلّف نفسه لفتحها وقبل ترجّلها دنا منها ليقبلها من خدها....قبلة خاوية خالية من أي مشاعر....قبلة يقوم بها كأنها احدى طقوس ارتباطهما ليتقن مسرحيته التي أجبره عليها والده بطلب من جده خوفاً من حرمانهم من الميراث!!......
اتجهت الى حمام غرفتها وتأمّلت الخيبات المرسومة على ملامحها وفتحت صنبور الماء ثم بدأت تحمل كميات بكفيها تسكبها على وجهها لتغسله وتحديداً مكان قبلته التي اثارت اشمئزازها !!.....

" تباً لك أيها البغيض!....إلى متى سأبقى مجبورة على تحملك وتحمّل قبح تصرفاتك؟!..."...

تمتمت بخفوت!!.وظلّت لدقائق تفرك خدّها ثم توضأت وخرجت وارتدت أسدال الصلاة وفرشت السجادة خاصتها متخذة القبلة لتصلي العشاء!!......بعد أن أتمت صلاتها وتسبيحاتها أعادت كل شيء لمكانه واستلقت على سريرها المكسو بغطاء خلفيته بيضاء وتزيّنه أزهار الجوري الوردية والعنابية بعد أن أخذت هاتفها من حقيبتها ودخلت إلى احد مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً على صفحته الشخصية لمشاهدة جديده!!....استقامت من فورها بتأهب تثني ساقيْها تحتها عندما رأت مباركات عديدة موجهة إليه!!....اضطربت ملامحها وخفق قلبها بجنون.....هل خسرت شيخها الوسيم الى الأبد؟؟!.. أظنّت أنه سينتظر جبانة مثلها؟!...ما أكثر وما أتفه ظنونها!!.....ضاع الزلزال وهي من أضاعته بيدها!!...سيكون مِلْكاً لغيرها !!..عند هذه الفكرة اهتزت أوصالها ولم تتمكن من كبح دمعة فرّت من مقلتها رغماً عنها .....أرادت أن تفتح أحد المناشير لتتأكد من أكبر مخاوفها!!....استعدّت لتشييع روحها ورثاء قلبها!!... قرّبت اصبعها السبابة المرتجف الى الشاشة لتشجع نفسها للضغط وقراءة المزيد وهي من تحتاج الى المزيد من القوة والقدرة لفعلها.....!!....بسملت ولمست الشاشة ثم زفرت أنفاسها براحة وارتسمت ابتسامة واسعة أظهرت ثناياها لمعرفتها أن المباركات لم تكن سوى لوصول صفحته الى نصف مليون متابع .!!...اطمأن قلبها الذي أصيب بالوجل قبل برهة....

" اوف...حمدا لله....لم يخطب!..."

نطقت جملتها بعفوية وانفجرت ضاحكة على حالها وعلى الشعور السخيف الذي عاشته...لقطت أنفاسها بعد موجة الضحك وتطلعت على الهاتف بيدها وبدأ يوسوس لها الشيطان لتدخل الى المحادثات الخاصة......هل لشعورها بالفراغ؟!....أم لاشتياقها للزلزال الذي زلزل كيانها ؟!......فتحت نافذة لبدء محادثة وتسارعت نبضاتها وهي تراه متصلاً والصورة الجانبية القاتلة لوجهه الوسيم تحتل هاتفها!!.....

" وربي زلزال ثلاثي الأبعاد....آااه يا الله ماذا فعلت بنفسي وماذا خسرت بحماقتي !!.."

قالتها بلوعة تؤكد خيباتها وتجرأت مجازفة لتكتب [السلام عليكم]....فوقع نظرها على المحبس المزعج الذي يخنق بنصرها......
" ماذا تفعلين يا مجنونة ؟!....تخطئين ومع الشيخ أحمد الذي يبغض الحركات المشبوهة ؟!...."

بصحوة ضمير أنّبت نفسها وغشاها التوتر فحذفت الحروف واستغفرت في سرها لإدراكها أنها تسلك مسلكاً خاطئا يقودها الى الخطيئة.!!...تغضب به ربها....وتخسر سمعتها ثم تفقد به أملاً بعيد المدى يخص شيخها الوسيم !!...هل اعتقدت أنه سيجاريها بالحديث لو فعلتها؟!..أيمكن للشيخ الصارم الوسيم أن يربّت على قلبها؟!..لقد جنّت تماماً !!....ضغطت على اشارة التراجع على الشاشة ولم تدرك أن اصبعها لمس إعجاب على أحد منشوراته دون قصد منها.....ولأول مرة تثبت متابعتها له فاضحة نفسها !!......خرجت من صفحته ودخلت على صفحة الغائبة عنها !!....تأمّلت صورتها فتكدست عيناها بدموع الاشتياق لها والقلق عليها.!!.....صديقتها الحبيبة (ألمى) لم تفتح صفحتها منذ أكثر من شهرين .....تساءلت بحيرة ناظرة لصورة صاحبة العينين الزرقاوين وقلة حيلة تختلج صدرها:
" يا ترى أين أنت يا صديقتي؟!....اشتاق لكِ كثيرا!!...أشتاق فوق ما تتصورين!.....أيعقل أنك في بلاد زوجك؟!.....أرجوك يا الله طمئنّا عليها "
وبينما كانت سارحة في الشاشة تناجي صديقتها الغائبة ارتفع رنين هاتفها ليظهر أمامها اسم (تامر)...تعكّر صفوها ولوت فمها بازدراء ثم دون تردد حوّلت هاتفها لوضع الطيران !!...
" بغيض لا تطاق.."...
تمتمتها بازدراء.......لم تمر خمس دقائق فانفتح باب غرفتها لتزلف إليها والدتها حاملة هاتفها وهي تشير بأن خطيبها على الهاتف فأعطتها اشارة تطلب منها اخباره بأنها في الحمام ولما فعلت وأنهت المكالمة ناظرتها بتوجس وعدم راحة وهمست تستفسر منها:
" لماذا أحرجتني وجعلتني أكذب؟!"

أشاحت وجهها للفراغ أمامها وأجابت:
" لا شيء أمي.....لا مزاج لدي للحديث !!.."

جلست متطرفة على السرير جوارها ووضعت يدها على فخذ ابنتها وتابعت بقلق:
" ما بك ميار؟!....هل حصل شيءٌ بينكما؟!."

" كلا أمي....أنا مرهقة فقط!!.."

بدّلت ملامحها رغم عدم ارتياحها وسألت مبتسمة:
" أخبريني....ماذا أهداك تامر؟!..."

بغير اهتمام وملامح مرخية أشارت لطاولة الزينة وهتفت:
" هناك الهدية بعلبة لم أفتحها!....يعني برأيك ماذا ستكون ؟!....لا بد أنها كعادة آل زيدان قطعة من المجوهرات الباردة كبرودهم !!.....لا تعنيني شيئاً!!"

ضحكت ثم نهضت من مكانها وهي تنهرها بسخرية:
" اصمتي يا بنت.....لو سمعك جدك لألقى عليكِ محاضرات عن تاريخ عائلتهم العريقة حتى يوم يبعثون!!..."

تعالت ضحكاتها لتشارك والدتها بالسخرية ثم قررت مفاتحتها بما فكرت به !!..فيبدو أن مزاجها مناسب لتلقي عليها ما زاحم فكرها من قرارات!!.....ستجرّب حظها لا ضير!!....ربما تكسبها في صفّها!!.....استدارت وأنزلت قدميها أرضاً وأمسكت يد والدتها بقبضتيها وبثبات سلّطت حدقتيها لعينيّ الواقفة وهمست بنبرة خفيضة:
"أمي..."

" نعم حبيبتي!!..."

ازدردت ريقها وقالت بعد أن سحبت نَفَسها لتدفع نَفْسها.... تجازف على الادلاء بما يدور في ذهنها:
" أريد الانفصال عن تامر......أنا لا أحبه ولا اتقبله!.."

حررت يدها من بين قبضتيها وقطبت حاجبيها بغيظ لتقول بنبرة صارمة وحازمة :
" إياكِ أن تعيدي هذا الكلام يا ميار.....تحدد موعد زفافكما فلا تحولي العرس الى مأتم بعد أن تصيبي والدك بسكتة قلبية!....لا تكوني سبباً لفقدانه!!......الحب سيأتي مع العشرة وليس بليلة وضحاها...."

قالت ما عندها وأدبرت خارجة تاركة فلذة كبدها تنهار على سريرها باكية، تتلوى وجعاً من قلة حيلتها بما يخص مصيرها ...وندم قاتل يفتك بها سببه تهورها بقرارها المتسرع....!!...أساساً ماذا بإمكانها أن تفعل غير البكاء والاستسلام إن كان هذا قدرها ونصيبها .؟!!....فلتعش تعض على أناملها وتندب حظها....هي من خسرت زلزالاً ورجلاً حقيقياً أي فتاة عاقلة تتمنّى أن يكون لها .... وكله بحماقتها!!

×
×
×

في البلاد المجاورة وعلى أرض الوطن كان يستلقي على سريره هو الآخر يستعد للنوم.!!... و كروتينه اليومي يتصفح هاتفه قبل الشروع بأذكار النوم !!... ينتقل بين الأخبار العامة وصفحته الخاصة ليرد على اسئلة متابعينه بكل تواضع ووقار!! ....ولما وصله إشعار بتفاعل شخص جديد على أحد منشوراته دخل ليتفحصه.....خفقة مجنونة يتبعها خفقة أكثر جنوناً....
" مِمّن؟؟ ."
همسها بعفوية ولم يقدر على منع رفرفة الفؤاد السقيم من العشق المحظور عليه لحظة وقوع عينيه الفحميتين على اسمها الحبيب ( ميار زيدان) ....ابتسم ابتسامة مائلة رغماً عنه متأثرا بنبضات الحب المدفون التي تمرّدت عليه هذه الساعة وبرقت عيناه توقا لذات الوجه الخمريّ....لحظات....فقط لحظات نسي بها وعوده...أسدل جفنيه يتذكّرها .....بلقاء اخترق عطرها أنفاسه...سقوط تلقّاه بأحضانه.....لمسة رجفت كيانه ...صرخة عتاب تتلوها دمعة اخترقت حصونه....بشقاوتها زلزلت خلاياه الراكدة ثم بضحكتها خرّ القلب عاشقاً وأصبحت هي الملكة وسلطانه....
" ميار!!...الفتاة الشقية!!"
قال اسمها مبتسماً بحُب.... فجأة وهو هائمٌ بطيف ذكراها قرع ناقوس الواقع الأليم والحقيقة المرّة عندما عاد ليعمل عقله بشكل صحيح ليفتح له سجلّات وعده لنفسه!!.....لا حق له بها وأصبحت لغيره!!....لن يسمح بذلك وعليه تجميد مشاعره أو حتى حرقها أفضل..!!....ما به استسلم لشيطانه؟!....
" استغفر الله العظيم .....استغفر الله العظيم"

تمتم مستغفراً ليطرد فتنة حبها المحظور عليه....هي ليست له ...لم تختره ولسانها الطويل كان أقصى حدّه عليه فقط....لم تستخدمه لتدافع عن اتفاق ومعاهدة سلام حدثت بينهما ....إذاً فلتهنأ بقراراتها!....تلاشت ابتسامة العشق وعاد القلب ليدق برتابة ثم غضن جبينه كارهاً حاله وهمس شاتماً بعتاب:
" تباً لكِ......ماذا تفعلين بصفحتي؟؟..وكيف تتجرئين لوضع قلب لي وأنتِ على ذمة رجل آخر؟!...."

تنهّد وما كانت إلا تنهيدة وجع على حب وليد ما زال يقاومه....حب ذاق رشفة واحدة منه ثم حُرم عليه....!!.....وبحركة سريعة من سبابته ضغط على اسمها ثم بدمائه الحامية التي ساندته ليحظر حبها عنه حظر اسمها أيضاً عن صفحته الى الأبد...أجل الى الأبد ليحرمها متابعته ويحرم معها فؤاده المكوي ....من أن... ينبض نبضات العشق لها .....تلك الميار..... العابثة بإعدادات قلبه ومبادئه!!...لقد اتخذ القرار...عليه هو الآخر أن يلتفت إلى حياته......وسينتظر صابراً التي تستحق أن يهديها قلبه المسروق بعد أن يستعيده من تلك السارقة التي تخلّت عنه ...بل سيهدي لها كل حاله..!!.......لكن!....أين هي ؟!...


~~~~~

في تلك البناية العتيقة العريقة وفي الرواق العريض المليء بصور لنجاحاتهم وشعارات عن العدل والمساواة وميزان يزن بالقسط كانت تتهادى في مشيتها ...قدماها يتقدمان للأمام وقلبها يعود للخلف من رهبة هذا المكان!!....جسدها الصغير أصبح أكثر نحولاً وسماءيها بارزتان تتألقان ببريق نضر وبهيّ ....أما ليلها المجدول في ضفيرة ينساب جانباً على كتفها بنعومة...بنطالها من القماش الأسود يبدأ بضيق ثم ينزل باتساع وقميصها الأحمر فضفاض يخفي حدود جسدها!!..وكان يسير على جانبها , يسبقها قليلاً وهو يحمل ملفاته في حقيبته الجلدية البنية!! ...يخطو بقوة وثبات واثقاً بتحركاته...أنيقاً ببدلته الكحلية , حسن الهندام....يعلم الحقيقة وحب المال يعميه!....منظم في وقته.. تهمّه الثانية والدقيقة والدفاع عن الظالم يطربه ويغذّيه!!.....فها هو أخيراً بعد شهر ونصف مرّا بحلوهما ومرّهما جاء موعد الجلسة الأولى للقضية ؟!....أهي قضية ؟!....بل قضايا ...واحدة أهم من الثانية!!......بكل عنفوان وتباهٍ ولج المحامي الكبير المعروف بمحامي الشياطين ( نظير الشيخ ) الى القاعة الواسعة الشبه فارغة عند وصولهما إليها والتي تضم داخلها موظفين مكلفين باستقصاء الجرائم بمن فيهم المدعي العام المعيّن من قِبل الدولة ومساعديه ثم القاضي (اسماعيل) أحد أكبر قضاة محكمة أمن الدولة حاملاً أسمى صفات يجب أن يتحلّى بها القاضي الأمين وهي الحكمة بقراراته...العدل بحكمه....الشجاعة بمواجهة من يقف أمامه ....والثقة بنفسه ...!!....لحقت المدللة محاميهم ثم اتخذت مكانها على أحد المقاعد المصممة كمدرج يشبه حذوة الحصان لتواجه الجميع براحة وتصغي بسلاسة وربما.....لتتدخل بحماقة؟!!......كان على يمينها طاولة يجلس خلفها والدها وجاوره محامي الشياطين ليلتم الشمل وتكتمل الصورة!....أما على يسارها المدّعي العام الذي سيتولّى عرض حيثيات القضية واثبات كل التهم الموجهة لـ(عاصي رضا) فيما يخص شؤون وأمن الدولة من أكبرها لأصغرها....!!.....كانت تلقي نظرها على كل الزوايا تتعرف على الوجوه الجديدة عليها وما هي وظائفهم....انتهت من مهمتها التعارفية وجاءت المهمة الأهم!....مراقبة ذاك الباب الواسع بردفته المواربة ...تنتظر بتحدي وصفاقة خصمها اللدود.....فالآن هي موجودة بساحة قتال لن تسمح للحب أن يضعفها...هي قوية ولن تهزم.....هذه كذبة من كذباتها على نفسها....عروقها نافرة تحسّباً ودماؤها ثائرة حماساً ...أما قلبها له حكاية ونوايا أخرى ....كان يخوض معركة ضروساً....أكانت كُرهاً أم شوقاً؟!....لم تبرح عيناها عن ذاك الركن ...طال انتظارها وطال توقها المتسلل لنابضها بخباثة ..نابضها المغلّف بالكراهية العمياء التي استوردتها بأيامها الأخيرة!!....زمّت شفتيها الرقيقتين بعبوس قاطبة حاجبيها السوداوين بشدة وكتّفت ذراعيها....بعد قليل تأففت تزفر أنفاسها وهي تحرر يديها عن صدرها كأن الخمس دقائق التي مرت عليها هي خمس ساعات من هول ما عاشت من حرائق......دخان ونار....لهيب وشرار...منافسة محتدمة أبطالها الكُره بإصرار والعشق الغدّار....!!...
" يا الله أين هو ؟!.."

تمتمت تسأل الهواء المرافق لها وهي تنظر لساعة هاتفها القديم !!...عادت ترفع رأسها ترنو الى الباب عديم الاحساس....ما له لا يتحرّك؟!....هربت دقائق أخرى ولا علامة لقدوم أحدهم!....
انتظري يا ابنة (عاصي)....هل تظنينني تواقاً لرؤيتك ووالدك ؟!.....انتظري لأرى الى متى ستنتظرين؟!.....
فقدت الأمل بحضور خصمها المنتظر فشتمت بسرها.... " وغد جبان....حائط مغرور...أكرهك!..".....
تلاعبت بها الهرمونات وباغتتها حالة انفصام لحظيّ فرنت مرة أخرى بزرقاويها صوب الباب ورفعت طرفيّ حاجبيها الداخليين بيأس وتمتمت بخفوت للذي يسكن رحمها تصبّ التهمة عليه صبّاً.:
" أعلم أنك تريد رؤيته !..اصبر قليلاً...اصبر... ما بك كالملهوف ؟!.."

ثانيتان ومثيلاتهما لترخي جسدها وكل ملامحها القانطة وهمست له :
" لن يأتي!!.."

ثم ببرهة ادراك لواقعنا المرير والشرخ العميق لعلاقتنا ....وذكرى أليمة لموقفنا الأخير أردفت بعزة نفس وإباء تكلّم ابنها:
" هذا أفضل....لن تهمنا رؤيته!...حائط مغرور سينفّذ قسمه بعدم رؤيتي ونسياني!!...إن طبّق كلامه لن يحلم أبداً بأن أخبره عنك...."

قطعت الأمل وأسندت ظهرها للخلف تنتظر بدء الجلسة ثم دقيقتين لتعود متأهبة تسلّط حدقتيها الى نفس الاتجاه صوب الباب عندما تحرّك مُصدراً صريراً خافتاً اختفى وراء..... رنّة كعب..!!....اشرأبت بعنقها تلتقط الصورة بشكل اكبر وأوضح!!......لحظة!!....."..من تلك؟!.."...جملة فضول كانت في عقلها!!.....تابعت بنظراتها المتفحصة خطواتها التي انتهت بوصولها الى مكانها خلف الطاولة جوار المدّعي العام !!......لحظات قليلة وبدأت الجلسة كلٌّ يعرّف عن وظيفته وسبب تواجده أمام القاضي على مسمع الجميع لينتهي التعارف عند ذات الكعب الرنّان التي هتفت بثقة منتصبة بوقفتها ترتدي رداءها الأملس الليليّ الخاص بالمحامين والذي كان يغطي قميصها الثلجيّ الأنيق :
" رفيف سالم الأسمر....المحامية في قضية جريمة قتل القائد محيي الدين الشامي والد موكلي السيد هادي محيي الدين الشامي !!.."
×
×
×

الصبر سلاحي في الانتظار...أعلم أن اليوم هي جلسة دون قرار.... إنما يكفيني ايماني بأن بعد الظلام سيأتي النهار...وأننا في سبيل الحق سنقضي على كل ظالم جبّار.. وأن الطاغي مهما طغى سيقع وينهار.... وأن الوطن سيعمّر بعد الدمار....وأننا سنبنيه بالمحبة والعزيمة والإصرار....وسنرسم حدوده بالسلام والأزهار ....هذا أملي الذي أرجو وهدفي الذي إليه أصبو مستعيناً بربٍ قويٍ جبّار.....بإذنه سأحقق وعدي وسأزرع البسمة على وجه شعبي وإلا لن أكون الهادي قائد الثوّار..!!

*
ها أنا جالسٌ احتسي قهوتي في المقهى الضيق الموجود في بهو بناية المحكمة بعد أن تفرّقنا عن بعضنا أنا والمحامية (رفيف)....آه يا سيد (سليم) ...أي موقف وضعتني به؟!....لقد تعاقدنا مع مكتب محاماة يُعدّ من أكثر مكاتب المحاماة نجاحاً في العاصمة والذين ينافسون بقوة مكتب المحامي (نظير الشيخ) بخلاف أن الأول يسعى للحق والدفاع عن الضحايا والثاني وسيلة حماية للشياطين أمثال (عاصي رضا) وقد تبيّن أن تلك المحامية التي تكون ابنة شقيق السيد ( سليم الأسمر) هي من ستمسك قضيتنا رغم اعتراضي للأمر لأني لا أرغب بالتعامل أو التواصل مع كافة النساء إلا أنه أصرّ عليها مدعياً قوتها ونجاحاتها في هذا المجال بوقت وجيز إذ أنها كانت تعمل في السويد حيث ترعرعت ودرست هناك الدراسات العليا بالقانون مع عائلتها الذين هاجروا قبل حوالي خمسة عشر عاماً بسبب عمل والدها ليعودوا بعدها للاستقرار بالوطن منذ حوالي سنتين وقد استطاعت خلالهما أن تثبت نفسها بعد انضمامها لهذا المكتب المكلل بالنجاحات..!!....بالمناسبة....أ نا أعرف(رفيف) منذ الطفولة...كنا نلتقي اثناء زيارتنا لعمتي(لبنى) ونلعب معاً ....في الماضي كانت تميل للألعاب الصبيانية لذا كنتُ أتقبّلها أما الآن أصبحت أمامي فتاة أخرى ....انقلبت مئة وثمانون درجة....هي الآن ابنة الستة وعشرون ربيعاً.... تمتاز بعنادها المهني وشخصيتها الطموحة ....وجرأتها... متأثرة بالبيئة التي عاشتها في الخارج فهي لا تشبه تربية عمها الدينية لبناته إلا أنها تضع الحجاب ...ربما كعادة!!....فلباسها لا يتّسم باللباس الشرعي بتاتاً إنما تلاحق موضة اليوم لمحجبات كُثر..!!........في الحقيقة لا يستهويني التعامل مع هذا النوع ...امرأة جريئة.....و....جميلة!!.....حتى لو كان من أجل العمل ...لكنهم وضعوني في مأزق أمام الأمر الواقع الذي لا مفر منه!!....قابلتها قبل الجلسة الأولى ثلاث مرات من أجل قضيتنا وهذه تكون الرابعة....سنرى ماذا يخبئ لنا المستقبل!!...آمل أن نرى خيرها ان شاء الله..!!..
انتهى فنجاني القهوة وتبعته بآخرين غيره عسى أن أسكن توتري أثناء انتظاري لانتهاء الجلسة......فأنا قررت ألّا أتواجد في قاعة المحكمة.....ببساطة.... لا رغبة لي برؤية مجرم.....وغدارة!!.....دقائق رتيبة قليلة لم تتعدّى النصف ساعة مرّت عليّ وبالطبع الجلسة ما زالت في أوجها!!.....نهضت من مكاني لأشتري قارورة ماء بارد... لقد جفّ حلقي من مرارة القهوة ومرارة التفكير برهبة واضطراب بما سيحدث بالداخل وبينما كنت أمدّ يدي لأدفع ثمنها محتجباً بجزء من حاجز خشبيّ على شكل شبكة ...وصلني مع الاوكسجين رائحة أدمنها...أقصد أعرفها...أنفي لا يخطئها....والخائن لا ينساها ليلحق بالرائحة عند وصولها لطاولة الطلبيات والدفع ذاك الصوت العذب الذي يغزوني كترنيمة تطربني:
" عصير برتقال لو سمحت!.."

ارتجف قلبي وكذلك ارتجف قلبها عندما لمحتني أقف جوارها عند التفاتها ليمناها.... كان مترين يفصلانا ودقات عشق خائنة توصلانا .....تجلّدتُ بالبرود والجمود كأني لم أرها أما هي بهتت ملامحها وتوقفت حركتها لوقتٍ يسير قصير بينما ذاك الماكث خلف أضلعها يهدر , يهدر , يهدر بجنون دون توقف متفاجئاً مصدوماً ....ضائعاً حيراناً....مرتبكاً خائفاً والأهم فرِحاً وعاشقاً.....دقيقة عاشت بها كل مشاعرها المبعثرة ثم بجهد جهيد استطاعت تدارك نفسها لتردّ عليّ بالمثل بتجاهلي عند استيعابها مروري من جانبها بكل هدوء اجتازها عائداً الى طاولتي دون أن ألقي لها بالاً كأنها نكرة لا وجود لها فشتمتني في سرّها متحدّية..." ستبقى حائط مغرور كما عرفتك ....أنا ما زلتُ أحمل اسمك وواجبك دفع ثمن العصير عني يا قليل الذوق ولو تمثيلاً ككل مسرحياتك ....حسناً ...أعلم أنك ما زلت حاقداً ...ليكُن... يبدو أن حربي معاك لأكلمك ستكون صعبة .....غير مهم !!....تعرفني جيداً كيف أكون كالعلقة حتى يحدث ما أريد.. سألتصق بك وسترى يا ابن الشامي...لن أستسلم لعجرفتك وكبرياؤك اللعين..."

.جلستُ مكاني جانباً وبعد قليل لما عادت للظهور أمامي حدّثت نفسي..." أف...ظننتُ أنها ستعود الى القاعة ...ما بها تستقر هنا وما زالت الجلسة مستمرة ؟!!...غريب!.....يا رب خير...".

وبما أن المكان ضيق فقد كان من حظي السعـ...أقصد البغيض أن تكون بالقرب مني على الطاولة المجاورة....كان وجهي للباب وظهري لطاولة الطلبيات وهي جلست على عكسي ..بالطبع بقوة جبّارة تمكّنت من الثبوت على نيتي بألّا التفت ناحيتها وألّا تقع عيني على عينها......صحيح أنني بدأتُ بترويض خائني النابض بحبها كل هذه الفترة...لكنه لا يؤتَمن...الخائن يبقى خائناً ولا نعلم متى تأتينا الضربة منه...!!.!!....مرت دقائق فقيرة لا تتعدّى الربع ساعة ...الأجواء مشحونة بيننا تصطدم بها أقطابنا السلبية والايجابية ....قبول ونفور...سكون وضجيج....رضا وغضب....كُره وعشق وكلٌّ منا يعبث بهاتفه.....وصلتني رسالة وكانت من صديقي(سامي) يسألني عن الوضع ليطمئن فرجعتُ إليه باتصال وبعد السلام:
" ما زال الوقت باكراً أي أن الجلسة مستمرة ما بك تسأل من الآن؟!."

"..."

" أظن أن الأمور تسير على ما يرام لأن أحدهم خرج منذ البداية فمؤكد أن الوضع لم يعجبه أي أنه لصالحنا وليس لصالحه ....خشي الهزيمة فاختار الهروب!.."

فهمت المغزى من كلامي فاحتقن وجهها حنقاً إلا أنها أمسكت نفسها عن أي رد فعل غبي..!!

"..."

علّق صديقي بشيء فضحكتُ على كلامه بصوتٍ غير مكترث لوجودها ثم أكملتُ بجدّية:
" لا لم أدخل اطلاقاً.....أجلس في المقهى أنتظر رفيف لتطلعني بالتفصيل عن كل ما جرى بالداخل.."

" رفيف!!...تلك البغيضة المصطنعة شبيهة الفأرة المتملّقة ذات الكعب الرنّان....هكذا دون آنسة أو سيدة يا سيد هادي المحترم !!....من تكون لك لتدعوها باسمها حاف يا مغرور؟!..."...قالتها بسرّها وهي مندهشة من نفسها اكثر فأكثر كيف استطاعت التحكّم بأعصابها دون أن تخرج لسانها اللاذع وتفضح نفسها أمامي....تستحق جائزة أو شهادة تقديراً لثباتها !!....حاولت السيطرة على لسانها بينما كانت تكزّ على أسنانها مغتاظة ساخطة وتشدّ على قبضتيها من تحت الطاولة بانفعال رهيب وبعد أن انهيتُ مكالمتي حاولتْ أن تهدئ أنفاسها الهائجة رويداً رويداً كي لا أشمت بها ثم ضغطت على هاتفها تتصل بـ(رهف) لتلهي نفسها معها... وربما ترّقع عن أشياء مخفية لا أعلمها وبعد سؤال عن الأحوال همست بضجر :
" ممم....كلا ما زالت الجلسة مستمرة أما أنا خرجتُ...كان حديثهم ممل وخاصة أنه كله ادعاءات كاذبة ....لا تعجبني تلك العروض المسرحية .....صدقاً شعرتُ أنني أضيع وقتي مستمعة لمهزلة!!.."

"...."

" سيكون كل شيء على ما يرام....أنا أثق بالسيد نظير الشيخ وابنه صافي ذراعه اليمين.."

"..."

ردّت معترضة وهي تداعب بدلع خصلة لغرتها فرّت من ضفيرتها كأنها بحركتها تلقي سهامها على خائني لتضعفه :
" كلا ...كلا....لا يوجد حتى قضية واحدة فشلا بها !..إنهما ثنائي ناجح بامتياز......أدخلي للشبكة العنكبوتية واقرئي عنهما ....حقاً ستنبهرين من نجاحاتهما.."

" تمالك يا هادي...تريد أن تستفزك...ألا تعرف ألاعيب حواء ؟!...هذا واضح من نبرة صوتها المصطنعة!!....ستحاول اغاظتك بذاك المتملّق الكريه لتجبرك على فتح الحديث معها !...أنسيت أنها كالطفلة المدللة تحاول لفت الانتباه لها دائماً ؟!....اهدأ يا قلبي...اهدأ ولا تنفعل!....اثبت لها أنك غير مهتم بها...."...
بمشقة وعناء حاولتُ الثبات على هدوئي وخاصة بعد أن أنهت مكالمتها المملة التافهة !!....عادت للعبث بهاتفها وكانت تسترق النظر إلي من حين الى آخر....انشغلنا ببعضنا رغم ادعائنا تجاهل بعضنا لبعض حتى مرت دقائقنا المتكهربة دون أن نشعر!!....قمتُ من مكاني لأجلب فنجاناً من القهوة لا أعلم عدده...فتوتري تضاعف....أتلظّى بنارين....أفكر بما يجري بالقاعة البعيدة ....وأمسك نفسي ألا أضعف ازاء تلك القريبة !!....ارتشفتُ رشفتان بلذة ثم رفعتُ رأسي ناظراً نظرة سريعة للتي دخلت ورنّة كعبها تسبقها ولما وصلتني وضعت روبها الاسود الخاص بالمحاماة على ظهر الكرسي ثم حرّكته لتجلس مقابلة لي بخفة وهي تزفر أنفاسها ضاحكة واضعة حقيبتها التي تحوي على الملفات أرضاً وسلطت عينيها السوداوين عليّ هامسة بمرح:
"عدنا من جديد سيد هادي .. "

قلتُ باقتضاب ونبرة جادة:
" أهلاً..."

ثم عدّلتُ جلستي متحفزاً للاستماع لها دون تأخير وأردفتُ بنبرة ليّنة:
" ها طمئنيني ماذا حصل؟!.."

أسندت ظهرها للخلف بأريحية وضحكت هاتفة بجرأة تظن أننا ما زلنا بالماضي أطفالاً:
" يا رجل...دعني ألقط أنفاسي....ألن تقدّم لي فنجان قهوة على الأقل؟!؟؟"

غليان...ثوران...هيجان....تجاهد ...تكابد ألا تنفجر من غيرتها وهي تسمع حوارنا!!....بكل برود توقفتُ مكاني مرتخياً وسألتُ :
" كيف تشربينها ؟!.."

" مضاعفة ثقيلة....والأهم دون سكر أكيد!.."

" يع....ما هذا الذوق خاصتها ؟...كذوق الرجال!!.."...جملة مرّت من عقل سموّ الملكة الجالسة تراقب وبراكين من الغضب توشك على الانفجار باطنها..!!...

أملتُ زاوية فمي بابتسامة أقرب للسخرية هاتفاً:
" جيد!....لأول مرة أقابل امرأة تشرب مثل قهوتي تماماً.."
ردّت بسلاسة :
" لطالما تشابهنا بأشياء كثيرة....هل نسيت؟!.."

ابتسامة مجاملة أهديتها فقط ثم استدرتُ بجسدي وما إن مشيتُ متجهاً لطاولة الطلبيات حتى مدّت يدها بكل جسارة دون حدود لتسحب فنجاني لناحيتها لتشربه وهي تهمس في سرها.." ما دامت قهوتنا متشابهة إذا لا حرج بأن آخذ فنجانك لأني أحتاجها بشدة!!..فليبقى الجديد لك!..".... ولم تكن تلحظ وجود المدللة القريبة منها عند دلوفها للمقهى والتي انتهى عندها تاريخ صلاحية صبرها لتفزّ من مكانها تجرّ كرسياً عن طاولتها وتوجهه لطاولتنا جالسة بوقاحة ساحبة فنجاني من أمام (رفيف) هاتفة بضحكة مصطنعة:
" لا تؤاخذيني.....تأخرتُ عليكما....."

ومدّت يدها اليمنى برياء والشرر يتطاير من مقلتيها لتصافح المشدوهة من تواجدها ومن أين خرجت لها بينما كانت بيسراها تطوق فنجاني وأكملت بتصنّعها :
" أوه ....نسيت أن أعرفك على نفسي..."

حدّقت بها (رفيف) لثواني كأن الماثلة أمامها معتوهة أو مجنونة وعند وصولي إليهما مشيّداً حصوناً من الصبر اتجاهها بعد صدمتي بانضمامها بصفاقة إلينا رفعتْ حدقتيها مع ارتفاع رأسها نحوي وتابعت بدلع وثقة مزيفة:
" أنا ألمى.....زوجة هادي.."

ثم حررت يد المحامية من يدها وظلّت ممسكة بالفنجان خاصتي أما أنا جلستُ كأنها غير موجودة وقدّمتُ الفنجان الجديد لـ(رفيف) وقلت:
" تفضلي قهوتك.."

لم تعر المدللة أي اهتمام وأخذته مني شاكرة بابتسامة لترتشف رشفات بنعومة ثم تطلّعت عليّ بمعنى ماذا سنفعل بالجالسة وهمست:
" كيف سنتحدث؟!"

فأعطيتها الضوء الأخضر قائلاً بعدم اكتراث :
" تفضلي اسمعك....لا يوجد شيء يخبأ....واثق الخطى يمشي ملكاً.."

تقبّلت الوضع وشرعت بالحديث العام عن الجلسة بينما الوقحة لم تكن مهتمة لفحوى حديثنا بقدر اهتمامها بمراقبة نظراتنا ونبرات صوتنا ولمّا أرادت الخوض بالتفاصيل أكثر بما يخص قضيتنا قائلة:
" أدلتنا موثوقة الحمد لله..."

ردّت تلك:
" أدلتكم المزورة.."

نطقتها بهدوء يخالف أعاصير الغيرة التي تهب داخلها فأكملت (رفيف)متخطية مداخلتها:
" حدث جدال أقرب للسجال بين المدعي العام والسيد نظير الشيخ.....لكن لا تقلق طرفنا قويّ.."

" طبعاً... فأنتم مجموعة عصابة تكاتفت ضدنا سلاحكم الافتراء والاحتيال ....تتخذون أبخس الطرق لتكونوا بهذه القوة!...لكني أثق بمحامينا!!..."

سحبت نفسها تحاول الحفاظ على ثباتها الانفعالي بعد تعليق الحمقاء وكنتُ أنا كذلك أجاهد بشق الأنفس كي لا أنفجر بها مرتدياً قناع التجاهل سلاحي المعتاد الذي يقتلها ...فهي تكره تجاهلها وخاصة عندما يكون نابعاً مني يكون أشد فتكاً بها ثم أكملت الاولى حديثها لتلحقها تلك بتعليق ساخر آخر وهي ما زالت محتضنة فنجاني وهنا ثارت حفيظتها هادمة صبرها والتفتت نحوها هاتفة بحدة وثقة :
" ألم يكفِ طرد القاضي لكِ من قاعة المحكمة بسبب تعليقاتك الغبية السخيفة لي أثناء سير الجلسة....هل جئت الى هنا لتكملي عرضك الرذيل ؟؟....ما الذي تريدينه بالضبط ؟!.."

" ماذا؟!.."
سألتُ واضعاً قبضتي أمام فمي مانعاً انفلات ضحكة مني بعد سماعي أنها طُردت بسبب تدخلها الأحمق وهي التي كانت قبل ساعة تتبجح لصديقتها بأقاويل أخرى!!....هكذا إذاً....الحمقاء المغرورة مجرد مطرودة !!.....إذا عُرف السبب بطُل العجب!!....عادتها لن تستطع السكوت عمّا لا يعجبها ....

اشاحت وجهها نحوي لتجيبني بانزعاج من وجودها :
" طردها القاضي من البداية ....كانت كلما أقول ما عندي تعلّق معترضة بوقاحة غير آبهة للمكان المحترم المتواجدة به!!.."

اكتفيتُ بابتسامة للمحامية دون تعليق فصكت فكيها بغيظ وتعاقبت أنفاسها منفعلة ما بين الاحراج والاشتعال غيرة وفي عقلها تبسمل لتمسك نفسها عن الانقضاض عليها فعادت (رفيف) لتنهي حديثنا وهي تقترح عليّ هاتفة بضحكة مع غمزة بعفوية تشبه جرأتها التي ...أظن....لا نوايا خبيثة من خلفها إنما هذا طبعها :
" ما رأيك أن تأتي الى بيتنا ؟...منه توصلني ومنه تسلّم على أبي...سيسعد كثيرا بك.... ثم نكمل حديثنا هناك؟!.....لا بد أنك علمت من عمي سليم أننا نقيم بالعاصمة وليس بمدينتنا الغربية..!!.."

هل أنا مجبرٌ على هذا؟!....حسناً أنا ليّنٌ وأبذل جهدي لأكون متعاوناً قدر الإمكان ....أولاً لصالح قضيتنا وثانياً احتراماً للسيد (سليم الأسمر) كونها ابنة شقيقه...لكني لا أستطيع أن أتعامل بأريحية مع النساء...هذا ضد مبدئي دينياً أو ميولي....لستُ من مؤيدي هذا التقارب دون علاقة تربطنا!...ما بها تتصرف وكأنني (هادي ) الذي اعتادت عليه في الصغر ..ألا ترى رجلاً بحجم الحائط يجلس قبالتها؟!...
تنهدتُ بهدوء دون أن اشعرهما مستجمعاً أفكاري ثم تنحنحتُ لأجيبها بلباقة :
" هذا من دواعي سروري....في الحقيـ..."

لم أكد ألبث أن أكمل جملتي لتتسع عيناي من هوْل الموقف والكارثة التي تسببت بها ....زوجتي الحمقاء!...احترقت من حديثنا الشبه ودّي وبسبب نيرانها الهائلة من الغيرة شربت على نفسٍ واحدٍ فنجاني البارد الذي كانت تحاوطه بيدها بتملّك كي لا تأخذه غريمتها منها وهي التي تكره هذه القهوة المرة الثقيلة مما جعلها رغماً عنها تبصق كل ما شربته ليتناثر الرذاذ على الطاولة وعلى.....القميص الثلجيّ الأنيق لـ(رفيف) ولم تنسَ أن تضع لمساتها ببعض النقاط ....كالنمش... ليزيّن وجهها..!!...في الحقيقة سأعترف.....تصرّفها أحرجني بشدة ظاهرياً وعقلياً إلا أن هناك خيطاً خبيثاً كان شمتاناً لأنني كدتُ اختنق من جرأتها .....أظن ذاك الخيط أتى كجندي مجهول بعد أن اطلقه خائني النابض بحبها!!.......
أرجعت كرسيها للخلف ...محرجة خائفة ....ورجعت الأخرى بكرسيها للخلف محرجة غاضبة ....ثم صرخت بها:
" ماذا فعلتِ أيتها الحمقاء ؟!....ما هذه قلة التربية !!.."

ثم سحبت مناديل ورقية كانت على الطاولة وبدأت بتمسيح وجهها وقميصها بينما الأخرى تسلّحت بالقوة ولم تستطع منع رجفة قلة حيلة وقهر خالطت صوتها وهي تقف منحنية اتجاهها بوجهٍ واجمٍ :
" لستُ قليلة تربية بل أنت..!!...فنجانه بأي حق أخذتيه ...هل رغبتِ بأن تشربي وراءه ؟!...انظري لنفسك كيف تأكلينه بنظراتك بكل جرأة ووقاحة!!...."

اغرورقت عيناها بالدموع والتفتت ناحيتي مضيفة وهي تعود لتقف بانكسار بعد أن غلب عليها الامر:
" وأنت؟......هل أنت مبسوط الآن ؟!.....تمنعني من التعامل مع الرجال بينما أنت بكل راحة تجالس النساء !!....هل ما حُرّم عليّ حلالٌ لك ؟؟!.....هل تحاول اغاظتي بتلك الوقحة المتملّقة التي تحاول عرض نفسها عليك؟!....."

التهبت أعصابي حرجاً وغضباً فأنا بمكان عام أشعر أنني مكبّل بالأصفاد... مرّت لحظات الموقف متثاقلة ...الدم يغلي في عروقي وكاد أن يخرج من عينيّ المحمرّتين ليحرقها ....لمَ تزيد هموماً فوق همي؟!...لمَ تصرّ على ادخال نفسها في مجال رؤيتي؟!...ألم أقل أنني سأنساها ؟!...ألم أقل لها أننا انتهينا بذاك المكان المشؤوم وأنا الآن أخوض مرحلة تعافي من مرض يدعى.....عشق الألمى....مرّ علينا شهر ونصف لم اسأل عنها متعمداً ولم أسمح لأيٍ كان بذكر اسمها.....لقد أقسمتُ ولجأتُ لمرحلة العلاج.....فأنا إن وصلتُ لنقطة بألّا أفكر بها بين الثانية واختها وإن لم يحتفل الخائن برؤياها ....وإن لم تعد أرضي تنادي على سمائها سأكون حينها شفيت وتعافيت ...وبهذا يمكنني ...اطلاق سراحها!!....لكن لا أعلم متى فالصراع ما زال قائماً بين عقلي وقلبي....ولنرى لاحقاً أيهما سينتصر!...
أخرجني من تيه معركتي الداخلية بعد أن أحرجتني صوت التي قالت بنبرة واثقة خافتة مفتخرة يشوبها الغرور:
"هيـه أنتِ... الزمي أدبك واعلمي مع من تتحدثين...لقد تعدّيت حدودك!!.....أنا المحامية رفيف ابنة المناضل الحر سالم الأسمر وعمي سليم الأسمر والد ورئيس الثوّار الأبطال الذي يرتجف الرجال أمامه...ابنة أصل أباً عن جد!!..وتربيتُ أفضل تربية...أما أنتِ من تكونين ؟!....ها؟!...اخبريني لأرى !....حدّثيني عن أصلك وفصلك!..."

خاضت صراع سريع في عقلها......كيف تسألها من هي ؟!....هي ألمى عاصي رضا الوزير السابق ورجل الأعمال الشهير ....أم أنها تقصد.....بأنه المجرم الخائن القابع خلف القضبان ؟!.....هل أصابتها في مقتل.؟!...كلا ...لمَ لتصيبها وهي على يقين ببراءته...تُهم باطلة ألقوها عليه ... أتريد أن تعايرها بوالدها ؟!...لن تسمح لها ....لن تعطيها غايتها....اتكأت بكفيها على الطاولة منحنية بصورة حادة أكثر أمامها ناطقة من بين أسنانها بينما كانت عيناها تلمعان بوهج الغضب وملامحها كلها ازدراء ونفور منها :
" أما عن أصلي وفصلي فأنت تعرفينني جيداً وربما تحفظين تاريخ ميلادي.....فأنا بنت سيدك الوزير السابق والوزير القادم....عاصي رضا.....أما من أكون.....أنا زوجة الذي تحاولين لفت انتباهه بحركاتك وبطولاتك ....بل وقاحتك!....نحن نساء ونفهم على بعضنا!....إن كان هو غافل عن هذا فأنا لا ....لقد رأيتُ بريق الاعجاب بحدقتيك اتجاهه....رأيتُ حماسك بنبرة صوتك معه......ليس بريق أو حماس محامية لموكلها ......بل أكبر من ذلك....وقلبي دليلي!..."

فتحت فمها لتردّ عليها بقسوة بعد احمرار وجهها وانتفاخ اوداجها لأول مرة....وقد نجحت المدللة باستفزازها بسهولة إلّا أنني قطعت طريقها عندما وقفتُ بحزم طارقاً الطاولة بكفيّ هاتفاً بحدة ملقياً نظرات قاتلة لكلتيهما:
" كفاكما مهزلة ....إلى هنا نفذ خزّان صبري عليكما !!.."

وبحركة سريعة طوّقت معصم خاصتي ثم سحبتها خارجاً من المقهى متخذاً يسراي الى رواق فيه غرفة للعمال ومخزن ومطبخ وحمامات عامة وبأول غرفة فتحتُ الباب وسحبتها ثم أغلقته وحشرتها عليه وهي تنظر إليّ بوجل وملامح مبهمة بينما أنفاسها كانت لاهثة لتزداد ضراوة عندما انحنيت بجذعي ممسكاً كفيها مثبّتاً إياهما لفوق هامساً بكل هدوء وأنفاسي تلتطم بوجهها ورائحة عطري تخترق أنفها:
" ما الذي تريدينه يا قطة ؟!.."

أشاحت وجهها جانباً وابتلعت ريقها مجيبة بخفوت وتلعثم:
" لا..شـ...شيء...أقـ...أقصد أريد أن...أن أكلمك"

اقتربتُ أكثر بشفتيّ قرب أذنها وهمستُ همساً دافئاً:
" ومن قال أنني أريد أن اسمعك؟؟!.."

أعادت وجهها نحوي وثبّتت سماءيها على أرضي...تبادلنا النظرات وقلوبنا تعيث فساداً وخراباً داخلنا وهمست بإصرار وهي خائفة من الاستسلام لي من شدة قربي:
" ابـ...ابتعد عني!!..لنتكلم....وتسـ...وتسمــ� �عـنــي!!..."

"ألا تفهمين عربي؟!...أتريدين أن أكلمك بالإنجليزية يا ابنة كندا .؟ أقول لكِ لا اريد أن أسمعك!....هل صعب فهمها لهذه الدرجة؟!.."

قلتها بوضوح وتمهّل وتابعت هامساً بدفء أكبر وأنا ألصق شفتيّ أكثر بأذنها عابثاً بمشاعرها:
" لا...أريد....أن....أسمعك...يا....ح لوة.."

كاد همسي يذيبها... ...ابتعدتُ قليلاً تاركاً فجوة بيننا أعطي لها المجال لتتنفس وحررتُ كفيها قاطباً حاجبيّ وهاتفاً بنبرة صارمة محدّقاً بها بنفور جليّ لأستر به على خائني العاشق الغبيّ...فقربها أثارني كما قربي أثارها.:
" قلت لكِ سابقاً لقد انتهينا....بأي حقٍ تفعلين كل ما فعلته بالمقهى ؟!..."

ظلّت صامتة فطرقت الباب بكفي قرب رأسها رافعاً صوتي:
" قولي بأي حق تنضمين لنا وتفتعلين موقفاً دنيئاً مع المحامية رفيف ؟!.."

اهتزت مجفلة من طرقتي إلّا أنها استجمعت قوتها لتجيب:
" وأنت بأي حق تمنعني عن التواصل بالمحامي الشاب خاصتنا وتربطني بك بينما أنت تصول وتجول مع تلك الوقحة؟!.."

" لا شأن لكِ بهذا....قلت لك ستبقين معلّقة....لا متزوجة ولا مطلّقة واسمك سيبقى مقروناً باسمي وستصونين هذا الاسم جيداً.... أما أنا سأعيش حياتي كيفما يحلو لي....أظن أنني لن آخذ الإذن منك..!!.."

قلتها باحتقار يخالف مشاعري فهتفت منفعلة:
" ألأنك رجل يمكنك فعل ما تشاء ؟!.."

" كلا....سأفعلها كونك إبنة عاصي .....وزوجة عديمة تربية أهانت زوجها....من أجل هذا سأفعلها ولن أبالي !!.....انتهى عهد الرقة والحنان عندي...."

لذنا بالصمت برهة من الزمن ...وضعتُ يدي على جبيني مستديراً جانباً ثم عدتُ بوجهي متابعاً كلامي بعد تنهيدة خفيفة:
" الطريق التي تسيرين لن أسير خلفك عليها واذا رأيتني بالطريق غيري اتجاهك أفضل لكِ صدقيني!!.."

رفعت طرفي حاجبيها الداخليين وألصقت بطن كفيها بالباب جانبها تستمدّ منه القوة وقالت لتختبرني:
" اذا طلقني ما دمت وصلت لهذه الدرجة...لا تريد أن تسمعني ولا أن نتقابل بنفس الطريق!!...."

ثبتّ كفيّ جانب رأسها وانحنيتُ مجدداً بجذعي مقرّبا وجهي لوجهها وقلت بكل برود وأنا أحرر يمناي مشيراً لنفسي بسبابتي:
" أنا أقرر ذلك متى أريد أنا.... أنا...هل سمعت؟..."

" إذاً ما زلت تحبني!..."

قالتها واثقة بعد أن أنزلت عينيها أرضا فأجبتُ من فوري:
" متوهمة..!!...ما عدتِ تعنين لي شيئا...."

ازدردت ريقها وارتجفت حدقتيها بعد إعادتها لنظرها إلي عند سماعها جملتي وهمست بتردد:
" كـ...كاذب!....أنت ما زلت تحبني..."

" لنرى اذا ...."

اقتربتُ منها أكثر هامساً قرب أذنها وأنفاسي تلفحها ثم مسكتُ ضفيرتها وقرّبتها لأنفي استنشق منها عبق الأناناس كالمدمن وبعدها أفلتّه والتصقت أكثر بعنقها أمرر أنفي على عنقها اسرق عطرها بينما كنتُ بهذه اللحظة أشبك أناملي بأناملها وهي مستسلمة , خانعة , صاغرة.....بل عاشقة مشتاقة ....صدرها يعلو ويهبط انفعالاً بعد لمساتي ونفسي المثير ثم داعبتُ أنفي بأنفها وهي مسبلة العينين تنتظر القبلة الظمآنة لها وقبل أن ألصق شفتيّ لشفتيها التواقتان المستعدتان للغرق في بحر غرامنا فككتُ يديّ من يديها وابتعدتُ عنها محافظاً على شبرين بيننا ورفعتُ زاوية فمي بابتسامة هازئة واثقة وقلت بنبرة ساخرة:
" أرأيتِ..؟!...رغم هذا القرب منك لم تهتز شعرة واحدة لي اتجاهك... ولم يدق القلب دقة صغيرة في هواك.....يعني...لم تعودي تؤثرين عليّ كالسابق!!...أنا في طريقي للتعافي من هذا العشق المسموم الممنوع...."

جرح نزف من عمق روحها...تكدّست الدموع في عينيها وقاومت لتمنع بكاء مرير يشل أطرافها....ضغطت على شفتيها وأسدلت أهدابها بألم...وقلبها يخفق مخذولاً ...تصرفي أرهقها وعبثي بمشاعرها قتلها...ثواني بقيت على حالها....تحاول وتحاول ألا تريني وهنها وانكسارها وبعد ذلك زفرت أنفاسها ثم رفعت الحجاب عن سماءيها لتتحول لامرأة أخرى تود مداراة ضعف قلبها وجرح روحها وكل أوجاعها وهي تبتعد عن الباب لتقترب مني بجسارة ترفع يدها لتضعها على صدري قرب خائني الذي عهدته وفيّ لها كأنها تريد أن تتأكد من نغماته علّها تكون بلسماً شافياً لكدماتها وقروحها تزامناً مع همسة متحدية لي:
" علمتني مرة أن أضع يدي على صدرك لأنه يقول الحقيقة وأن نبضاته تشي بحبك لي...إذاً هيا لنرى صدق كلامك بأنك ما عدت تحبني!....."

كنتُ قد طوقتُ معصمها بيدي قبل أن تلمسني ولمّا أنهت جملتها شقت ثغري ابتسامة أبيّة عزيزة وقلت وأنا أحرك رأسي يمنة ويسرة:
" كلا يا قطة!!....... ليس من حقك لمسه.....إن كنتِ بالماضي تمتلكين نصفه فالآن هو بالكامل.... سيكون ملك لغيرك!...لغيرك أنتِ.....وأنا الاخلاص طبعي... لن أخون من سيعتني به دون غدر!..."

" ماذا تقصد؟...."

سؤال صدر منها مرتجفاً فأجبتها ببرود وعدم اهتمام:
"لا شأن لك بما أقصد.......لم نأتِ هنا لنتحاور ولا وقت لديّ لأضيعه معك......أضعتِ كل حقوقك عندي....."

بثقة وجسارة هشة تخفي خلفها انهيارات ومشاعر تحولت لركام في احشائها هتفت:
" ما زلتُ زوجتك ولي كل الحق بك!...."

" بالاسم فقط حتى اصدار قراري النهائي بما يخصنا للأبد!!...."

"أنت ظالم!...."

"أجل!...لأوازيك ووالدك بظلمكما.......جرّبنا أن نكون ودودين...ليّنين...متسامحين.... عاشقين مخلصين.!!.....ماذا جنينا غير غدر وإهانة ؟!...."

وانتصبت بوقفتي اكثر عائداً خطوة للخلف أقيّمها بنظراتي هاتفاً باشمئزاز اتقنته :
" يبدو أن الظالم يتلذذ وينمو على الشر فقط ....إذا لك هذا مني ....أرايتِ كيف أنني ما زلتُ كريماً معك؟!....."

وبسهولة وخفة أزحتها عن الباب واضعاً قبضتي على قبضته لأفتحه فهتفت:
"انتظر!....."

بنظرة ازدراء كسابقتها قلت :
" من أنتِ لانتظرك؟!....أنتِ لا شيء عندي!.....اذهبي وتابعي حيث وقفتِ....بغدرك...بحماقتك....بـ� �ـغــرورك....وبقلة دينك وإيمانك!!......."

رفعت يدي عن قبضة الباب واستدرتُ نحوها متابعاً بينما طعنات تغرز بها تكاد تزهق روحها من كل كلماتي ومعاملتي لها :
" خالتك التي كانت بمثابة أمك جعلت نفسها شمعة لتضيء حياتك وأفنت عمرها من أجلك لم ترحميها بقسوتك وعنادك...ظلمتيها بظنونك وحرمتيها من مسامحتك ....كل ما قدّمته لها البكاء ...هل حاولت تصديقها؟!....هل حاولت فعل شيء من أجلها ؟!...كلا ....لمَ؟...لأنك ألمى بنت عاصي رضا.....الفتاة المدللة الطائشة المغرورة......."

رفعتُ يدي مشيراً لها متابعاً بذات الازدراء مستنكراً:
" أنتِ حتى لنفسك لم تقدّمي خير!...هل سأنتظر الخير منك لي ؟!...أما بما يخص ربّك عن ماذا اتحدث؟!...هل ابدأ بتبرجك وعرض مفاتنك؟!....أم بتركك للصلاة ؟...صلاتك تلك التي واظبتِ عليها لأيام ثم حذفتيها من برنامجك لتعاقبيني.....لا تستوعبين أنها لله وأنك تعاقبين نفسك!!.....والعطر؟!...قصة أخرى.... كم مرة نبّهتك عليه وعن حرمته؟!...لا أعلم ....ها أنت ما زلتِ كما أنتِ....تظنين أنك تعاندين الجميع ولا تدركين أنك بكل هذا تلقين بنفسك الى الهلاك!.....على ماذا حصلتِ؟....لا شيء...معادلاتك فاشلة....وتجارتك خاسرة.....انظري لنفسك ولحياتك..."

نثرتُ الملح على جروحها وضاعفت ُ أكثر من آلامها وهي لا تدري أنني أفعل بالمثل لي....أعيش بعذاب ما بعده عذاب.....أنا الآن اخوض حرباً خاسرة .....كل ذرة بي تستغيث وجعاً وأحاسيسي تتخبط ضياعاً وأكملتُ متسلحاً بقوتي وقسوة قلبي :
" هل أنت سعيدة ؟!...كلا!!.....كاذبة إن قلت أجل!!...فوجهك يتشح بالبؤس وقلبك ينبض ألماً أما سمائك إن أمطرت لا تمطر إلا قهراً أو ندماً...أين موقعك بدنيا السعادة ؟!....دراستك بحماقة تركتيها.....خالتك بحقد خسرتيها....أما عن عشقنا...عشقنا الذي كان.... لن أتحدث ...لأنه أكبر من أن يستوعبه عقلك!! ....فاسمعيني للمرة الأخيرة فنحن لن نرى بعضنا...لأنني إن قررتُ يوماً الانفصال ستصل ورقة الطلاق إليك من المحامي...لن أريك وجهي ولن أرى وجهك....والآن إما أن تضربي كلامي بعرض الحائط .....ولن استغرب طبعاً ولن اتفاجأ......أو تأخذينه معك بسفرك وتقلّبينه بقلبك وعقلك معا لربما تنقذين نفسك.....سأهديك نصيحة لأني أشعر أن هذا آخر واجبٌ لي اتجاهك.!!... علّها تكون بمثابة نداء صحوة لك!!....لك حرية الخيار .....قلتُ لكِ معادلاتك بشأن حياتك فاشلة وتجارتك خاسرة ....أنت لا تدركين أن كل تجارة من دون الله هي تجارة خاسرة.....لقد قال لنا جلّ في علاه .."

واستعذت بالله تالياً بتجويد بصوت شجيّ خفيض يعطي السكينة والانشراح:
"...{{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ*وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ}}..."

هزّة أرجفت أغوارها لم تعرف مكنونها ...صوتي لامس مكاناً عميقاً داخلها......آثرت الصمت وعدم التعقيب ولم أفهم أكانت مصغية أم أنها ما زالت متـأثرة من كلماتي الجارحة التي فتكت بها وبقي أن تقع صريعة ؟!....

بكلمات قليلة بسيطة مختصرة حاولتُ تفسير معنى الآيات لها :
" تجارتنا في الدنيا فيها الربح وفيها الخسارة....يوماً تفرحين بها ويوماً تبكين منها .....لكن إن كانت تجارتك مع الله وحده.....سيكون ربحها دائم بل سيتضاعف.....وسترين نتائجها بالدنيا والآخرة.....التجارة مع الله تكون بالإيمان به .....وهي مكفرة للذنوب ...."

صامتة لا تتكلم....كدمية اصطناعية لا تتحرك....بالكاد استشعرتُ أنفاسها ...!!.......سحبتُ نفساً خرج عميقاً من جوفي وقلت بتشديد رغم فقداني الأمل منها:
" لتنجح تجارتك مع الله....عليك بالتوبة!!....سارعي الى التوبة النصوح....توبي وانتظري وشاهدي أي أبواب من الخير ستفتح أمامك....إن كانت بالدنيا أو بالآخرة....."

وبضحكة مبتورة متهكمة أضفت في الحال:
" الله وهبك العقل أرجو أن تستغليه للمكان الصحيح ....إلا إذا أخترتِ أن تثبتي أنك ابنة عاصي.....ابنة عاصي لا غير!!.."

أنهيتُ خطابي ووليتها ظهري فهمست بصوت مخنوق:
" ألن تسمعني ؟!.."

دون النظر إليها أجبتُ باختصار جازماً بحزم بينما كان خافقي يخفق خفقات شفوقة يحاول اضعافي :
" لن أسمعك!!.....لو احترمتِ وأطعتِ لأخذتِ.....أما بتمردك وعصيانك...حُرمتِ.....وأنا سأنفّذ قسمي"

" أي أنّك تخليت وأنت الذي قلت لن تتخلى عني ؟!..."

" لم أتخلَّ بل أنت نكثت العهود وتخطيت الحدود.....اخترتِ طرفك وطردتني من سماء اللجوء.....فاخترتُ طرفي!!..."


" أي طرف اخترت؟!.."

" سأهجرك هجراً.......أليماً.."

قلتها بثبات وأكملت بسري حيث أعيش ثورتي واهتزاز مشاعري.."...يا من كنتِ ألمى الروح وبقيتِ كل آلامي..."

وخرجتُ صافعاً الباب موصلاً قسوتي على قلبينا ذروتها دون أن أستودعها الله كما اعتاد خائني بينما هي من خلفي سمحت لانهيار حصونها متكئة بظهرها على الحائط لتنزلق على مهل حتى صارت أرضاً تحتضن ساقيها وشرعت بنحيب ارتجّ له قلبي الذي شعر بها من بعيد فاشتد به الجوى ليبكي نازفاً عليها ...!!....وهمست همسات واهية تمزق الكبد وهي تضع يدها على بطنها والعبرات تتسابق على وجنتيها:
" لقد كنّا يوماً ....والآن لا ولن نكون !!....انتهت قصتي يا صغيري...مع...الهادي والألمى وستبدأ قصة بطليها....أنا وأنت فقط....ولن نخبر الذين تخلّوا عنا بها !!...."
×
×
×
توجّهتُ إلى مدخل البناية بعد تركي لها وذهابي للقهوة باحثاً عن (رفيف) التي لم أجدها ولمّا وصلتُ الخارج وجدتها تقف عابسة بكبرياء فأشرتُ لها لنتابع سيرنا نحو الموقف وبينما كنتُ أسبقها قليلاً لأنها لم تستطع مجاراة خطواتي الواسعة وخاصة بكعبها الحاد هتفت مغتاظة :
" لا أعلم كيف كنتَ تتحمّل وقاحتها وحماقتها !!..أعانك الله..."

التزمت الصمت ولم أنطق ببنت كلمة فتابعت وهي تحاول اللحاق بي بسرعة أكبر:
" سمعت أن حسب تخطيطاتكم بعد انجاح المهمة ستطلقها ....برأيي هذا أفضل حل فهي لا تناسبك أبداً....لا ديناً ولا نسباً...!!"

شهقت مفزوعة متفاجئة عندما توقفتُ بغتةً مستديراً نحوها مشهراً سبابتي بوجهها ناظراً إليها نظرات نارية هاتفاً بجدية وجفاء :
" رفيف!!... ألم تلحظي أنك سمحتِ لنفسك بالتدخل بما لا يعنيك ؟!....لقد تماديتِ بالداخل وأنت تفتخرين بنسبك وتهينيها بنسبها وأصلها .....أنتِ كنتِ تكلمين زوجتي إن لم تدركي هذا .....ألمى زوجة هادي وعلى الجميع احترامها ولن أسمح لأحد بإهانتها.....هل فهمتِ؟!....لا أريد ان اسمع أي كلمة خارج نطاق قضيتنا....قومي بعملك وعملك فقط ولا تظني إن لعبنا هنا وهناك بالماضي ونحن أطفال فإذاً أصبح من حقك الخوض في حياتي الشخصية.... وقد أعذر من أنذر!!.."

وأدبرتُ عنها متجهاً لسيارة صديقي التي أتيتُ بها بعد أن أوقفتُ سيارة أجرة من أجلها فهمست من خلفي حانقة وهي تلحقني بنظراتها:
" ما زلتَ كما أنتَ...لم تتغير!!....هادي المغرور الذي يتحوّل عندما يمس شيئاً كرامته أو أحداً يخصه !!.."

وزفرت أنفاسها المشحونة واتجهت الى سيارة الأجرة وهي تتمتم:
" حاضر سيد هادي لن نقترب من سعادة السفيرة خاصتك ....ولنرى أين ستصل بعلاقتك الفاشلة معها !!..."

~~~~~~
وصلت الحيّ القديم وبيت مربيتها بوقتٍ ليس متأخر من الليل!....كان ميعاد طائرتها قبل المغرب من نفس يوم الجلسة الأولى لقضية والدها.....عادت تحمل هموماً أكبر لا تستطيع تحمّلها.....أغلِقت الأبواب بوجهها .....وحياتها تزداد قتامة .....هي ضالّة حائرة....لمَ لا تستطيع اتخاذ قرار صحيح لمرة بحياتها ؟!...هل هي بهذه الدرجة من السذاجة أم ماذا؟!....لمَ لا تهتدي لشيء.....ضغوط وضغوط تتراكم على كاهلها.....كالمرة السابقة لاحظت السيدة (سهيلة) و(رهف) شرودها وحزنها المرسوم على وجهها .....قلبيهما ينفطران لحالها.....إلى متى ستتحمل كل الكوارث التي تهلّ عليها ؟!...إلى متى ستتشبث بعنادها؟؟!.....لمَ هي بعيدة عن الله لهذه الدرجة ؟!....ألا تعلم أن بقربه مصدر سعادتها ؟!....ألا تعي أن بطاعته تفتح أقفالها ؟!.....ألا تدرك أن الزمن يجري والعمر يقل دون أن تقدّم شيئاً لحياتها الأبدية ؟؟!.....هل ظنّت ستكفيها طيبتها ونقاء قلبها للفوز إن في الدنيا أو الآخرة؟؟.....وماذا عن فرائض الله وشرائعه؟.....أين هذا في حياتها ؟!.......جلسن ثلاثتهن بصمت بينما ضجيج من الأفكار الشعواء يزعج كل واحدة منهن على حدة ولكنهن يشتركن بأنها جميعها تتركز عليها فقط ....ماذا ستفعل؟!...وجهها مكفهراً وحالتها يرثى لها ....الملامح ذابلة .....وعينيها تنذران بقدوم طوفان سيغرقها.....أما قلبها الصغير يجاهد ليبقيها على قيد الحياة بعد الضربات التي تلقاها...ضربة تلو ضربة دون رحمة برقتها ويتمها.......افتتحت الحديث كبيرة الجلسة بعد اخراج تنهيدة حارة:
" ها بنيتي ابشري ماذا حصل معك؟!!.."

ثواني أم دقائق....ظلّت تحدّق بهما تنقل نظرها بينهما دون إجابة...والضجيج يعلو ويعلو حتى كاد يزهق عقلها ...وبهبّةٍ سريعة منها قامت من مكانها متجهة الى طاولة التلفاز وأمسكت المصحف الموضوع عليها ثم عادت جاثية أمام مربيتها تمدّه إليها ناظرة بتوسل ورجاء لتنفجر بكاءً حاولت بكل قوتها حصاره وهي تقول:
" أنا اثق بكِ خالتي وبوعودك لي ....اوعدتني بأنك لن تخبري أحداً عن حملي لما طلبت منكِ....وقد نفذت وعدك والى الآن لم تخبري السيدة إيمان .....لكني الآن لا أريد وعداً....بل أريد قسماً.......بالله عليك خالتي اقسمي......اقسمي أنك ستحافظين على سري.....لن يعلم أحد بحملي....لا السيدة ايمان ولا غيرها .....لا أريد أي زلة منك تجعل ذاك القاسي يعلم أنني حامل بابنه ......أنا لا اتهمه بأنه سيؤذيه .....لكنه باع حبنا ولم يسامحني ...لم يسمعني..."

بهتت ملامحها وهي تسمع لكلماتها واعتصر الألم فؤادها ...كانت تريدها أن تكون أقوى وأشجع لتوصل خبرها فهي تعي جيدا أن حياتها وسعادتها الحقيقة في موطنها الأصلي وقرب زوجها وخاصة أن هنالك طفلٌ يربط الطرفين ....جالت بحدقتيها على وجه الجاثية أمامها بحيرة وذهول وهمست:
"لمَ لم تجعليه يستمع لك لو مجبراً؟؟"

عيناها ما زالتا متكدستين بالدموع وكان وجهها محمراً كأنه جمع كل الدماء من جسدها وبغصة مريرة وجروح عسيرة أجابت:
"كنتُ أريد اخباره.....قسما كنتُ متحمسة لإخباره... لكني رغبتُ بالأول استشعار حبه لي....وددت أن.... أن يهديني حضن صغير ....أو..أو همسة دافئة... حتى نظرة حب كانت ستكفيني....ستكفيني لأطمئن من ناحيته كما كنا وأقول له ما عندي ....رغم ما مررنا به كان هو أماني...كبرت على ذكراه...وعشت معه حتى لو كان باسم آخر أسعد أيامي .....حلمت أن كل شيء سيصبح على ما يرام.......أنا أحبه وقهري منه وخذلاني ذاك شيء آخر لن انكره ولن أنساه......كنتُ قد استجمعتُ أفكاري في الأيام السابقة.....فكرت أن ابننا أهم من أي شيء وسنعطيه حياة كريمة.....وأنا أدرك أنني لا استطيع وحدي حمل مسؤوليته......رهف ستتزوج...وأنتِ لا ينقصك هموماً ومسؤوليات......وأنا أضعف من أن أربي طفلاً لا أنقص من حاجياته شيئاً... والأهم أنا أكثر من تدرك شعور النقص القاتل عندما يفقد الطفل أحد والديه...لا أريد لابني أن يعيش حياته ناقصاً...أريده أن يكون في كنف والديه.....فكرت أن أفصل بين قضيتنا وعلاقتنا ....علاقتنا تبقى كما هي أما قضيتنا بعد الحكم نفتح المواجهة من جديد ....إن كان لصالحه مع اثباتات سأعتذر.....وإن كان لصالحي و لم يعتذر سأسعى لأخذ الاعتذار منه.....وكنت سأحارب من أجل هذا.....قررتُ أن لا افكر بالمجهول وسأعيش يومي بيومه.......انا عشت اسابيعي بصراعات لوحدي حتى اقرر وبفضل كلامكن الذي كان بمثابة تربيته على قلبي ...تسامحت رغم قسوته معي......وكله من أجل ابننا قبل حبنا .....ذهبتُ الى هناك ببصيص أمل متوقف على تعامله معي .....لكني صدمت....لقد قابلتُ شخصاً آخراً مصرّا على انهاء علاقتنا .....لا يرغب بي ومصمم على عيش حياته كما يريد......لم أجد أمامي هادي المتسامح الحنون.....أعلم كسرته وخذلته.....لكن مهما كان ذنبي ...عقابه كان أقسى....هو من أنهى بيده قصتنا ....إذاً أنا سأكتب قصة جديدة لي ولابني.....وستكون بعيدة عنه!!....."

وتحشرج صوتها أكثر وأضحى أكثر ضعفاً وهي تعيد وتكرر طلبها بإصرار:
" اقسمي خالتي....أن حملي هو سرنا ثلاثتنا مهما كان..."

آزرتاها بالدموع والبكاء المصغيتان لها ثم مدّت يديها تأخذ منها المصحف لتؤكد على وعدها لها بقسمٍ لا تراجع عنه ....فعلت هذا من أجلها ومن أجل اراحة بالها وهي واثقة أن الله سيتولّى ما يخفي المستقبل....وبعد أن استمعت لقسمها تنهدت براحة مبتسمة فهي حصلت على مبتغاها وكفكفت دموعها بكفيها وهي تنتصب واقفة ...لاذت بالصمت قليلاً وهدر قلبها بخوف لا تعلم مصدره ....تطلّعت على الجالسة لوهلة ثم وضعت يدها على بطنها ناظرة إليه وعادت بعينيها مرةً أخرى إليها وهمست بوجل وصوت خافت:
" خالتي....أريد أن أطلب منك طلب!!.."

" قولي بنيتي!...أسمعك.."

عادت تقرفص أمامها وأمسكت يديها وهمست :
" أنا أقسمتُ عليك أنني لا أريد أن يعلم أحد بحملي....لكن وصيتي لكِ الآن...إن...إن حصل لي شيئاً بعد ولادته !......سيكون هو أمانتك....أمانة عليكِ إيصالها للسيدة عائشة أم هادي لتربيه على حياة دافئة كريمة وأنا أثق من هي وكيف تكون تربيتها ...فهناك سيكون موطنه وبيته...ليعيش عيش رغيد ساكن دون شتات....أنا أعي ذلك....فبأيامي القليلة معهم ....علمتُ ماذا تعني أسرة وعائلة حقيقة محبة لبعضها.....ما حصل بيني وبين ابنهم لا ينقص من حقيقتهم شيئاً....هذا شيء وذاك شيء آخر !!....سلّمي لهم ابني ليضعوه بأعينهم.....إن لم أكن موجودة.."

انقبض قلبها وجلاً وغضنت جبينها تنهرها:
" ما هذا الكلام ألمى؟....أنتِ بإذن الله من ستربينه وستكونين أعظم أم "

تبسّمت بوجع وهمست:
" ربما نصيبه كما نصيبي في الحياة.....أن يفقد والدته.....لذا أحببتُ أن أحملك هذه الأمانة وأنا بصحة وعافية !!.."

×
×
×

ظلامٌ دامس والناس نيام ....كان الوقت بعد منتصف الليل من نفس اليوم.... واقفة تنظر من النافذة شاردة بالسماء تعيد شريط حياتها .....ومع كل ذكرى تزداد وجعاً واختناقاً....وصلت نهاية المطاف إلى كلامي الأخير الذي عاد يرن في أذنها فغرقت بوجع أكبر وضياع أصعب....حاولت ابعاد صوتي عنها ....لم تفلح!!....تململت (رهف) النائمة على الأريكة فبخفة اتخذت السرير تتصنّع النوم قبل أن ترى أرقها!!......قامت( رهف )تتمطّى واتجهت الى الحمام للوضوء ثم عادت وارتدت أسدالها البيضاء التي تعطيها هالة من نور فوق نور الإيمان الذي يضيء وجهها .....كانت (ألمى) تدثر نفسها تاركة فرجة تراقبها منها.....صلّت قيامها ورفعت كفيها متضرعة الى الله....لم تنسَ الدعاء لكل أحبائها بينما تلك تصغي لكل كلمة تصدر منها وتحاول كبت مشاعر غريبة داهمتها ترغب بالخروج منها رغماً عنها ولمّا وصلت (رهف) إلى:

" يا رب أنت تعلم أنني أحبها وأنها أصبحت لي صديقة وأخت لم تلدها أمي.....يا رب جئتك سائلةً وأنت الذي لا ترد عبداً طرق بابك "

" اللهم إني أسألك لصديقتي ألمى التي أحببتها فيك والتي لم تلدها أمي الهداية والرشاد والخير والسعادة الدائمة في الدنيا والآخرة"

" اللهم اصرف عنها الهم والغمّ والكرب، ربّي أخرجها من حلق الضيق إلى أوسع الطريق"

" يا رب غفرانا وتوبة نصوح لألمى التي أحب ولا أملك سبل الهداية لها"

" يا رب قلت وقولك الحق انك لا تهدي من أحببت ولكنك تهدي من يشاء"

" اللهم هي أمَةً ضالةً في عتمة الحياة فأنر بنورك طريقها وافتح لها بابـ..."

وقطعت دعائها عندما انقضت عليها أرضاً تحتضنها مجهشه بالبكاء تلازمها رعشة قوية وتشعر بصقيع رهيب يجتاح أوصالها ...تبكي وتبكي دون توقف والصقيع يزداد وتلك تشدد من احتضانها هامسة :
" ألمى حبيبتي انظري إليّ...ما بك."

لم تستمع لها ودفنت وجهها على صدرها أكثر مستمرة بنشيجها و(رهف) مستمرة بتهدئتها ...جسدها ما زال يرتجف وفكيها يصطكان ببعضهما ....غثيان مفاجئ أحلّ عليها...وتضغط بقبضتيها على ذراعيّ صديقتها تحاول اخفاء نفسها كأنها هاربة خائفة من شيء يلاحقها وهمست باختناق:
" رهف أنا أموت....اختنق اختنق....أكره حياتي....كل شيء ضدي.....لا سبيل لي يعطيني أملاً.....شيئاً يجثم على صدري.....أنا خائفة رهف...خائفة....كأنني أرى ملك الموت وخلفه جحيم....أرشديني رهف....ماذا أفعل؟...لا أريد أن اموت الآن....أنا لستُ مستعدة ...لستُ مستعدة...
...أنا سمعت دعاءك لي.....سمعت.....خائفة يا رهف ....انجديني....."

ابتسامة نقية زينت محيّاها صاحبتها دمعة تشبهها وهمست وهي تربّت على ظهرها:
" أتريدين أن تتنفسي براحة؟!"
بالكاد أخرجت همسة وهي على وضعها:
"أجل."

" الموت سيأتينا لا محالة ....لكن....أتريدين إن رأيت ملك الموت تضحكين بدلاً من أن تبكين؟؟"

حرّكت رأسها المدفون على صدرها ايجاباً دون همس فتابعت:
" هل تريدين أن تشعرين نفسك خفيفة كالفراشة وكأنك ولدتِ من جديد.....لا هموم....لا ذنوب.....لا عيوب ؟؟"

همست بين الرجاء والوجل:
" أجل.."


" إذاً هل ستستمعين لما سأطلبه منك؟"

ظلّت صامتة دون ردة فعل فأردفت تلك:
" الحل ليس لدي...لكني أعلم تماما أين مكانه هو.....فقط قولي من اعماق قلبك أنك تريدينه!!"

قالتها وكررت سؤالها السابق:
" ها ماذا قلت؟.... هل ستستمعين لما سأطلبه منك؟"

ما زالت قابضة على ذراعيها بخوف باحثة عن الأمان وببطء شديد رفعت رأسها المخنوق عن صدرها وكان شعرها ملتصقاً بوجهها من كثرة الدموع وحدّقت بها تلتمس منها الحلول وحدقتيها باهتتان ترتجيان الراحة والأمان....الفرح والانشراح.....كانت كأنها تحتضر وتريد أن ينشلها أحد من حافة الموت.....كانت نظراتها الضعيفة أعمق من أي كلام.....وضربات قلبها الملتاعة أصدق من أي عهود ....تريد....تريد أمل....تريد فرج....تريد نور وطمأنينة....أجل هي تريد......تريد أن تصرخ أجل دليني أين ذاك المكان لكن لسانها ثقيل...ثقيييل....مترددة خائفة.....ابتلعت ريقها علّها تساعده على النطق وأسدلت أهدابها ثم بشفتين مرتجفتين همست:
" أجل....اريده....قولي لي أين مكانه وماذا افعل؟؟!"

يا الله....يا الله....لم تصدق بأنها وافقتها على أول خطوة.....يكفيها أنها استمعت لها ونطقت أنها تريد لأول مرة.....كم مكثت من أسابيع عندهم وهي تلمح لها لعل وعسى تؤثر عليها لكن كل شيء كان مغلق عندها ومغشياً على بصيرتها......مسكتها من عند كتفيها وهمست وهي تتحرك لتنهضا سويا :
" هيا إذاً معي...."

تجاوبت معها بجسدها الضعيف .....وسارتا حتى وصلتا الحمام وقالت وهي تشير إليه:
" أولا عليك أن تكوني لائقة بذاك المكان.....لذا ادخلي واغتسلي وتوضئي..."

تبسمت ابتسامة مكلومة وعيناها غائمتان من شدة ما عانت واومأت ايجاباً ثم دلفت إليه لتغتسل وحضرت لها (رهف) ملابسها النظيفة ....بعد حوالي عشر دقائق خرجت ترتدي منامتها واتجهت إلى غرفتيهما .....ارتسمت ابتسامة فخر على وجه (رهف)وزلفت منها حاملة أسدال الصلاة البيضاء وناولتها إياها لترتديها.....استجابت لطلبها بكل خنوع....مستسلمة...شغوفة للبحث عن تلك السعادة .....أدارتها للمرآة لتنظر لنفسها وهمست باعتزاز ومحبة:
" بسم الله ما شاء الله ...اصبحت كالبدر الذي ينير الكون علينا.....حفظك الله من كل سوء"
راحت تتأمل وجهها .....منذ أسابيع كثيرة لم تره بهذا البهاء والجمال.....هي نفسها لاحظت كأن تغييرا طرأ عليها بالحال.....كانت دوما شاحبة......أما الحجاب الأبيض اضاء وجهها لتصبح كأنها حورية تسير على الأرض......استدارت لتقابل صديقتها وهمست بصوت أكثر صفاءً عن ذي قبل:
" ها....أين ذاك المكان؟!"

امسكتها من ذراعها واوصلتها لسجادتها الصلاة التي كانت تصلي عليها قبلها وأشارت هاتفة:
" هذا هو المكان.....لا داعي لتصعدي الجبال....ولا ان تدفعي المال.....كل مكان طاهر على الأرض يكون فيه الحل لضيقنا.....نجد عنده من يسمعنا ويلبي نداءنا......هنا تزال همومنا وتنشرح صدورنا.....هنا ستتهافت علينا الحلول دون عناء منا....."

التفتت إليها واضعة يدها على قلبها وأضافت:
"فقط اسجدي وناجي ربك......اسأليه أن يتوب عليك عن كل معصية فعلتها وكل تقصير كان منك اتجاهه....لقد قال الله سبحانه وتعالى..
{{ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب}}......اسجدي واقتربي من الله .....اسجدي يا ألمى وأفرغي ما في جوفك....اسأليه عن حاجتك .....والأهم اخلصي النية عندما تفعلين كل ذلك..."

رجفة هزّت قلبها....ورعشة سرت في بدنها وهي تستدير بمهابة وخشية لتتخذ قبلتها.....بتمهّل وارتعاش رفعت يديها لخالقها بينما لم تقوى على رفع عينيها....إنها خجلة منه...محرجة من التقصير بحقه ....لكن بطمأنينة زارت قلبها تيقنت أنه الوحيد الذي لن يخذلها....أنه بأي وقت سيفتح لها أبوابه....أنه الرحمن الرحيم الذي سيرحمها .....عندما أوصلتها للمكان الصحيح أدبرت عنها خارجة تاركة لها المجال لتخلو بنفسها مع ربها دون قيود أو حواجز واغلقت الباب خلفها......ما زالت رافعة يديها للسماء وما زالت خافضة حدقتيها للأرض....استحضرت النية الخالصة بأنها تريد وتجزم أنها تريد ولم تدرِ كيف انفكت عقدة لسانها لتلهج داعية بنبرة بين التذلل والاصرار:
" يااا رب...جئتك اعترف بذنوبي ولا يغفر الذنوب الا أنت .....يا الله سامحني وأعف عني...أنا قصّرت في حقك وأنت أكرم الأكرمين .....يا رب إني ظلمتُ نفسي ووحدك الرحيم بي .....أنت من تعلم بحالي فأسألك أن تبدله لأحسن حال ......يا الله انا فتاة ضائعة فدلني ...دلني يا كريم الى صراطك المستقيم....يا رب افرج همي ويسر أموري وارزقني اسباب السعادة وانشراح الصدر....يا الله لا لي سواك يا ....."

ولم تعد تتمالك نفسها بعد ثباتها اليسير داعية بأقل الكلمات التي تفقهها فخرّت ساجدة الى الأرض منهارة وكأن الأرض تزلزلت من تحتها فجعلتها تهتز وتهتز لتنفضها وتزيل عنها ذنوبها وهمومها ....وبرجاء وتذلل...وبضعف وتوسل....وبنية خالصة وعزيمة صادقة همست لربها وهي ساجدة :
"رباه.... اقبل توبتي يا رباه"

فارتفع نشيجها وزاد نحيبها وهي تكرر جملتها بإصرار لتنزل أول دمعة لا سابقة لها عندها.....هي دمعة التوبة!!

~~~~~~~~~~~
غزلت لنا الحياة أسابيع رتيبة فسجّلنا شهرين على لقائنا الأخير......لم أسمح قط لأحد بفتح سيرتها أمامي....وقد لبّوا طلبي.....لم يهمني احتراما أو خوفا من تنفيذ قسمي.....المهم شهرين لم اسمع اسمها....أما الخائن لن اشي عنه وعن ما يفعله بي ليلاً.....وخاصة إن وقعت أرضي على مشبك شعرها المنسي...أمانتي الثانية !!........كنت بهذه الأيام اشغل نفسي ما بين شركة أبي والمعسكر .....لم يكن حالي يسرّ البال وكانت نبض الحياة تتحسر على وضعنا.....أنا أعلم أنها ليست راضية عن قراري بحقنا....فهي لا تقبل بالظلم ولا تريدني أن اكون ظالماً...وبالنسبة لها قطع سيرة المدللة وعدم السؤال عنها هو أكبر ظلم بحقها.....لكني ما زلتُ اعاند وأكابر.....اريد فقط أن اشفى من حبها ....ثم لكل حادث حديث!!......في صباح هذا اليوم الربيعيّ وهو يوم الجمعة تناولنا الفطور معاً أنا وأمي و(شادي) ولمحت أن ذاك الكلام الذي كررته على مسامعي في الآونة الأخيرة آتٍ لا محالة....بإضافة صغيرة تكسر جزءاً من قانوني الجديد بحق تلك (الألمى).....تنحنحت وهمست بجدية فيها الحزم بعد إرتشافها رشفات من كأس الشاي:
" سأقول كلمة وستسمعها للنهاية.....وإياك أن تتخذ قسمك ذريعة"

فهمت قصدها فقلت:
" أمي!!.."

قاطعتني ترفع سبابتها قاطبة حاجبيها:
" قلت ستسمعني ....أنا لا أتغنّى بها أو احكي لك عنها قصة ألف ليلة وليلة....هي كلمة واحدة.."

زفرت انفاسي بضجر وارخيت جسدي هاتفاَ:
" ما هي؟؟!"

قالت:
" لا اريد لك أن تكون ظالم.....أنت قطعت حبال الوصال بينكما وقطعت الأمل أمامنا بما يخص لمّ شملكما........إذاً حررها منك لترى حياتها.......لا تكن ظالما وقاسي!!.."

بوجهٍ واجم وضيق أجبت:
" لستُ ظالم.....أنا أدرك تصرفاتي ....اريد أن أعاقبها واربيها .....رجاءً أمي....أنا أعلم ماذا أفعل ولا اريد اي تدخل......"

تبسمت ساخرة بقهر وهتفت:
" تكذب على نفسك.....أنت ما زلت تحبها لذا تستصعب الانفصال عنها ..اما بشأن عقابها وتربيتها هذه مجرد حجج واهية فلو كان كذلك لما منعت الجميع عن جلب سيرتها واخبارها...."

" أمي...لو سمحتِ لنغلق هذه السيرة.....لطفاً لا اريد أن اعكر مزاجي!!...."

عدّلت جلستها بتأهب وقالت:
" لن تنساها الا اذا اشغلت نفسك بأخرى وهكذا ستحررها منك بسهولة...."

قلت منزعجاً:
" أمي هل تريدين أن تصلي لنفس السيرة؟؟....قلت لن اتزوج!!"

ردت بصوت متحشرج متألمة واحتقنت عيناها بالدموع:
" اريد أن تعيش حياتك....اريد أن أرى اولادك....اريد ان تحررها منك لترى هي الاخرى حياتها....حرام ما تفعله بحقكما ......لم اطلب منك يوما شيئا ولم اجبرك على شيء......لكن عليك أن تتزوج .....لديك فتاتين من أفضل الفتيات.....نسب واخلاق وجمال.......أشرتُ لك بالسابق على رفيف ابنة شقيق السيد سليم.....وسامي اخبرك عن تسنيم شقيقة صديقه عبيدة ......اختار عروسك وامضي نحو المستقبل ...كفى...كفى.."

لوى (شادي) فمه بازدراء وتمتم بسره هازئاً:
" كنا بفأرة وأصبحنا بفأرتين.....لا حول ولا قوة الا بالله"

لم يعجبني الحديث الذي بات يتردد على مسامعي في اسبوعي الأخير فقمتُ من مكاني قائلاً:
" عن اذنك امي.....سأتجهز لصلاة الجمعة...."

اسندت ظهرها للخلف بإحباط وقالت بتصميم وهي ترسم ضحكة ساخرة:
" اهرب....لكن هذا الموضوع سينتهي واليوم!!"
×
×
×

عدتُ بعد العصر الى البيت فوجدتُ شقيقتي (دنيا) عندنا .....سررتُ بوجودها وانضممتُ لجلستهم الدافئة وبعد احاديث عامة عادت أمي لتفتح نفس الموضوع متخذة شقيقتي سنداً لها بمسعاها....ومن صد ورد بيننا بين الاصرار والتشبث على الرأي من قِبلِهن والرفض القاطع من قبلي هتفت أمي بحنق :
" إن لم تختر بنفسك ما ومن يخص مستقبلك ...سأختار أنا........لا تغضبني منك!!..."

لأول مرة تنطق نبض الحياة كلمة غضب أمامي.....قشعريرة خوف أصابتني....وانقباض بالقلب فتك بي......فعزمتُ على اتخاذ قرار ....هي ترغب برؤيتي سعيداً وابني مستقبلي.........استأذنتهم وصعدتُ الى غرفتي....حضّرتُ حقيبة صغيرة ونزلت الى مرآب بيتنا......أخرجت خيمتي وبندقية الصيد ووضعتها بسيارة الدفع الرباعية السوداء خاصتي والتي وصلت أخيراً من تلك البلاد ....عدتُ الى المطبخ وأخذت ما احتاج لتحضير الطعام ووضعت بعض الأطعمة الخفيفة بصندوق حافظ الطعام ....تفاجأت أمي عند دخولها المطبخ ورؤيتها لما أقوم به فهتفت سائلة باستغراب:
" الى أين ان شاء الله؟...أهو هروب؟..؟

ضحكت ودنوتُ منها مقبلاً رأسها وهمست:
" ليس هروبا أمي ....من أجلك قررت أن اعتزل وحدي في الغابة اعلى الجبل لاستجمع أفكاري واختار ما يخص مستقبلي .....وعند عودتي بإذن الله سأخبرك"

فركت كتفها بمداعبة وغمزتها هاتفاً قبل أن أحمل اغراضي:
" المهم رضاكِ عني أماه..."

ضحكت مستبشرة فأصبح وجهها نضراً وهمست:
" رضي الله عنك بنيّ......اسأل الله ان يختار لك ما هو خير لك.....ولا تنس موضوع الطلاق....."

اومأتُ مبتسماً ناظراً إليها بحنان وقلت قبل أن أخرج:
" إن شاء الله يا أم هادي.......استودعكم الله.."
×
×
×

وصلتُ أعلى الجبل بعيداً عن صخب الأحياء السكنية ونصبتُ خيمتي قرب الأشجار .....هذه الأجواء من أكثر ما أحب....ليل ...وسكون....قمر ونجوم.....ورائحة الطبيعة تلفحني ......اشعلتُ ناراً وسرحت بالسماء المظلمة يشق عتمتها القمر بلطافة.......امضيتُ ليلتي أفكر وأفكر......وبين الفكرة وأختها وجهها يزيّن الفضاء أمامي........حاولتُ طرد صورتها واسكات وجيب قلبي النابض بحبها....عليّ أن انساها واتعافى من حبها ....بعد وقت طويل أصابني النعاس فدخلتُ خيمتي لأنام وكنتُ أشعر بطيفها يلازمني....ومع كل خاطرة تكون هي فحواها والمصدر خائني يكون ايضاً العقل منافساً له يحثّني لأنساها والتفت الى مستقبلي......!!.......رحتُ بنومٍ عميق كعاشقٍ بائسٍ غريق وعند الفجر بعد صلاتي مارستُ احدى هواياتي صيد الطيور......وهكذا أمضيتُ يومي بين أحضان الطبيعة بسعادة لم تزرني من شهور !!......وعند المساء عدتُ حاملاً قراري النهائي......بشأن حياتي.....!!
×
×
×

كانت تنتظرني على أحر من الجمر .....لتسمع قراري وترى اختياري....جلسنا في غرفة المعيشة جوار بعضنا والتفتُ إليها فبدأت بالحديث متفائلة:
" اخبرني بنيّ ما هو قرارك؟؟"

كم هو صعبٌ اتخاذ القرار.....قرار يغير مجرى حياتنا.!!....نرسم أحلاماً كثيرة ونسعى لتحقيقها ...وفجأة تخرج لنا عقبة في طريقنا تجعلنا نسلك اتجاهاً آخراً كرهاً لا طوعاً.!!..... لقد أغلِقت السبل في وجهي وتعاقبت العراقيل أمامي لتهدم أحلام سنيني التي عشتها معها....مع من خانت خائني.!!.... فها أنا عدتُ من هروبي سالكاً ذاك الاتجاه مرغماً لأن لا خيار لديّ!!.. لقد وعدتها أني سأخبرها بما فكرت وقررت وعليها تقبّله مهما كان !!....لذا أدليتُ حاسماً الأمر ناظراً لعينيها بثبات هاتفاً دون تردد بما أملى عليّ قلبي وعقلي اللذان اجتمعا أخيراً بعد سنوات من صراع حاد أنهك عمري عبثاً :
" اتخذتُ قراري....لن أطلق... وسأتزوج!!.....وقد اخترتُ عروسي!.."

***********( انتهى الفصل السابع والثلاثون )**********


قراءة ممتعة...

لا اله الا الله محمد رسول الله.....


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 09-05-23, 02:57 PM   #2410

سماح نادين

? العضوٌ??? » 487383
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 426
?  نُقآطِيْ » سماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل 37 لاجئ في سمائها
بدأنا فصلنا مع حبيبي هادي يا قلبي عليه بعد هذاك الكف من ابنة النجز تنشل بايدها يا رب ????
اليوم قررت انو قول الي بقلبي و يا قاتل يا مقتول ????
تعالي لهون يا الحان ????
هادي يضرب و الكف و امام الناس ادعي عليك و على بطلتك بايه اه قولي ????
طبعا هلا بيجو يقولولي بتدعي على البطلة و فهمنا بس الكاتبة لا ما نسمحلك ????
ردي : انت و هي قفو على جنب انا اعمل فيها ما بدالي اخطفها و اشتمها و الفالح فيكم ينقذها من ايدي ????
هدي يا سامي يا اخويا امرك لله هذا نصيبك ترقع بعد المى والحان
اعذرو اصل هادي مش مستوعب لسا و لا هو يا عيني عليه اكيد ما كان بيقابل كلامك الي مثل العسل بالصمت بس نقول ايه قضاء ربنا سكتوه
المفتريين

يا نهار اسود طفشتو الولد حسبي الله و نعم الوكيل لا لهون و بس سامعة يا ست الحان خفي على الولد او انا بوقفلك هالمرة

شفتي يا حاجة ام هادي الولد طلع منور و فرحان رجعلك ما يعلم بحاله الا انا و انت و بعض الصديقات الي فاهمين علي مثل نزيهة و ام انوس

اه يا حاجة بتسالي وين رايح ما تساليش يا عيني عليه نار شاعلة جواه و الامواج العالية الي بتحكي عنها يا دوب تطفيها

ايوة معاك حق انت الفهد الاسود تجي وحدة قد الوزغة تعطيك بالقلم هي الدنيا فيها ايه يا جدعان حالها اتقلب كده ليه
قطع قميصك يا حبيبي يا دوب تبرد نارك

طريق السلامة توصل بسلامة يا حبيبي بس سوق بهداوة ما تخليش الي ما تنشك بعينها تكون سبب و نفقدك بحادثة لا قدر الله

حمدالله وصلت ايوة بقى هلا احلا رمية بالبحر و كل النيران ما يفضلش منها الا الدخان الاهي يروح يخنق المدللة الي على راسها ريشة

و حقولها كمان مرة معاك "سحقا " ما دام بتهديك ايوة اجبر نفسك على نسيانها و نحن نجبر الكاتبة تزوجك
على قولتك هو انت شفت منها غير العذاب و الاذية و كمان النكران دي بقى نسيتها معلش اذكرك لو نسيت
ايوة معاك حق كلنا حنطردها معاك
اخرجي اخرجي ايتها الحقودة ????

يا حبيبي حمدالله انو عظامك اتفتحكت و ارتخيت الاهي تنفك رقبتها قولو امين ????????

ايوة اجا الحزين يفرح ما لقلوش مطرح
هرب لا يريح اعصابه لقى نجس ثاني قدامه انت يا ولية يا الحان مش ناوية تريحي الولد ????????

خلينا ندخل العركة و نشوف ليها حل تعالو معايا ????????????????????
تعال لهون انت بتكلم الولد كده ليه اه لانو بيشبه ماضي هادي طبعا يا الحان حتى شبيه هادي ما سلم منك انت مستقصدة الولد ليه عاوزة افهم نازلة لطش فيهم يمين و شمال ما تكني شوي

يا ربي هالمشهد بينهم و هو بيقارنه بابنه حسيته بيناقش العنصرية ????

كنت حاسة الولد اعصابه فلتتت و تهور ارتحتي كده يا الحان ????
اهدى يا حبيبي هما مستقصدينك اه والله لانو نحن بصفك حابين يوجعو قلبنا عليك ????

هون راح اسكت و اقول لي عودة لمناقشة مشهد شجاع و الام لانو ما ينفعش هلا هالمشهد لازم ياخذ حقه و ما يستحق اسلوبي هذا ????????????????

كويس وصلت الحاجة سهيلة و رهف شيفتك يا المى و انت جامدة مكانك بعد عملتك المهببة بالف نيلة
ما تسلميش يا حاجة اصبري كده و اعرفي ايه الي عملاته
بس طبعا سكتتت هي ليها عين ترد دي هببت الدنيا خالص و الراجل تركته بالعافية لهدى حاله
اساليها اساليها ما هو مش معقول الحان بتقولك كلامي ????

روحي يا اختي ارتاحي بس اعتقدش ما هو بعد الي عملتيه يومك مهبب و ما لكيش عندي راحة

تعرفي يا حاجة معاك انك سكت لانو مستحيل لا تصدقك و لا تفهمك عبث اساليني انا دي ما صدقتش الغالي و لا خالتها شيطان ابوها قوي
انت كده ماشية صح ما نحن مش عاوزينها تروح تجري بالشوارع و تسيبك ده شرف ابننا

هو بس يطلقها صارحيها عادي ما فيش مانع

حلوة الهدية ست المى اهو هداك اسوارة بعد الكف خسارة فيك الزرقان الي في ايدك منه ده يحمل بصمتو
جرح ايه الي نابض الاهي ينفتح و يحرقك و يخليكي ما تنامي قولو امين جرح قلبها قال
يا الحان انت متعاطفة معاها بعد الكف ????

يا نهارك مش فايت و لسا بتقولي بتكرهيه روحي انخمدي اصلي مش طايقة حسك روحي يا بنت ????

اه يا ربي انا شو متحملة دي جنت بتقول الابنها ما اسمحش يطولك الاذى هلا هادي صار مؤذي يا ابنة النجس هادي الي وقت ما انت قرفانة من الاطفال هو انقذ امهم و اهتم باطفالها و خلاكي تخجلي من نفسك

الحمدالله يا رب رجع الغالي و طالب الاكل حضري يا ام هادي حضري ده يوم عيد غذيه يا ام الغالي

????????????????????????????????????????????????
يا روحي على الفخامة و الرجولة و هو بيقول ما تجيبوش سيرة اسمها و اسم النجس اهو قلت النجس و ما ذكرتش اسمه طبعا انا بسمع كلام حبيبي ????❤️

لازم منه يا شادي يا حبيبي انت صغير و مش فاهم حاجة التهي العب نحن مش ناقصينك
الحاجة و فهمنا بس انت كثير والله

ودت لو تنام نومة أهل الكهف !!....
???????????????????? والله بعد عملتك ده الي بنتمناه كلنا نامي يا حبيبتي نامي ????
بس يلا معلش روحي كلي ما هو نحن لازم نغذي ابن الغالي ????

????????????????
في مثل تونسي يقول ضربني و بكى سبقني و اشتكى
يا بنت اخجلي ???? مين ضرب الاول قولي ???????????? والله حاسة اني بشجار اطفال
انت ابتديت و هو رد ما تصدقهاش يا حاجة سهيلة دي بتفتري عليه

لقد....لقد قمتُ بصفـ.....بصفعه....و...أمام.....ال� �اس"



شهقة واحدة صدرت من كليهما بصدمة تلتها حوقلة بعدم رضا من مربيتها التي قالت مستنكرة :

" ماذا فعلتِ يا مجنونة؟!.......لو كسر يدك او عنقك لن يلومه أحد.....أهذه حركة تفعلينها؟!.....أين عقلك؟!..."

???????????????? ايوة و انا قلت كده والله يا حاجة مو لوحدك ????????????????????????

انا حرفيا اغرمت بالحاجة و رهف عرفوها غلطها و فهموها يا رب نطلع بنتيجة من ورا كلامهم يا رب ????

رعشة وافتها أخافتها وهي تستحضر أمام عينيها صورتي وهمست متوجسة:

" تلك المرة الأولى التي لم أرَ لمعة الحب بعينيه....المرة الأولى التي أحسست بحسيس أنفاسه النافرة مني!....المرة الأولى التي بلغ بها من القسوة أقصاها !.....والمرة الأولى التي أعلن بها دون تردد عن انتهاء علاقتنا هناك....لا أظن أنه سيرضى بمقابلتي وقد أقسم قسماً حطّم به قلبي كما لم يفعلها من قبل!!....بل متأكدة أنه لن يعطني فرصة ليسمعني!!.."
???????????? هو انت كنت منتظرة منه حب بعد الفضيحة ده كويس ما فرمكيش و دفنك ????????????????
ام انس اهي فعلا دي الي بتقولي عليها ولية مريبة عجيبة مو على الطالعة و النازلة تقوليها لينا
ايوة يا حاجة عجبتني نصيحتك هي تحاول و تجرب عشان ابننا ينتقم و يثأر لكبريائه ????????

ههههه عجبتني و هي خايفة من المحاولة انا جاية من المستقبل و بقولك معاك حق

لا اصيلة يا بنت انت فاكرة الحاجة حتاخذ فلوس عاصي النجس لا دي بتحب الحلال

شوفي يا حبية قلبي يا منار انا ما انكرش بحبك بحسك كده مش غبية مثل صديقتك و انت حبيت والدك يبر ابوه و معاك
بس الولد الجايبينه هو فين و الشيخ احمد فين
لازم تعرفيهم و تنفدي بريشك و نحن نكلملك الحان تخلي احمد يسامحك و لو غلبنا معها نخطفها ما تخافيش

خايفة ليه يا بنت ما انت تخطبتي هو عليك و مش عليه ما الحاجةام احمد عاوزة تفرح بيه و عمالة تزن عليه
هالمرة طلعت سلمات بس مش في كل مرة تسلم الجرة لو ما تحركتي و اتعدلتي لا انا حخلي الحان تزوجو و لو اطلقتي تروحي ضرة

بنت يا منار لما عاوزة تراقبي حد روحي في الجهة الي ما فيهاش علامة الاعجاب اسمعي مني لانك تفضحتي ????????

شاطرة يا ام منار اهو الي مثلك دول سبب جلطتي بالحياة و بعدين اقعدي عيطي عليها ????

???? حظر يا شيخ ليه هي عملت ايه ده اعجاب بريء و فيه مسافة بينكم
حرام عليك تقهرها ليه و هي عاوزة تطلق ????


المشهد الكبير المحاكمة الي بنتنا قاعدة تنتظر تشوف حبيب القلب يدخل عليها فيه تقولش قاعدة بجنينة منتظراته مو قدام قاضي و ابوها المدعي عليه و زوجها المدعي
استني يا روحي الي يستنى احسن من الي يتمنى بس في حالتك انت ما فيش امل
اصل الي حتدخل عليك ضرتك ان شاءالله بالمستقبل القريب

حبيبي الى واخذ قلبي ايوة كده و لا تعبرها ما هي حتطرد من غبائها و تجيلك بس اياك ما تحنش اتذكر اهانتك دي مش ساهلة خالص

متتتتت ???????????????? لا في دي معاها حق ادفع ثمن العصير يا هادي عيب يقولو عليك بخيل

هههههه المى العلقة انا ما قلتش هي قالت عن نفسها ????

جيت في وقتك يا سامي تعرف انك وحشتني هالفصل المهم هلا خلي حبيبنا يرمي شوية كلام عليها اعمل نفسك مش فاهم و لا اقولك انت عملت الي عليك و اتصلت اقفل و هو حيكمل تمثيله ????

ايوة يا المتي شبيهة الفارة اسمها رفيف و هي حتجي بعد شوية استعدي

ممم....كلا ما زالت الجلسة مستمرة أما أنا خرجتُ...كان حديثهم ممل وخاصة أنه كله ادعاءات كاذبة ....لا تعجبني تلك العروض المسرحية .....صدقاً شعرتُ أنني أضيع وقتي مستمعة لمهزلة!!.."

لا دي بتجلطني يا بنت انت اطردتي لانو القاضي نفسه شاف انك غبية و مش فاهمة و بتقاطعيهم على الفاضي اتهدي بقى عملت توتر حتى بالمحكمة

غليان...ثوران...هيجان....تجاهد ...تكابد ألا تنفجر من غيرتها وهي تسمع حوارنا!!..

تستاهلي جرب نار الغيرة يا المتي ????????????????????

???? يا بنت اقعدي ما تحرجيش نفسك الراجل مش شايفك رايحة ليه ???? و بتاخذي فنجان القهوة ليه ما تسبيها تشرب

أنا ألمى.....زوجة هادي.."
هلا تذكرتي انك زوجته ????

احترمي نفسك يا بنت اجيت اقعدي ساكته ممكن و انت بتسمعي تفهمي

ادلة ايه المزورة يا ابتلاء ربنا لهادي ????

ألم يكفِ طرد القاضي لكِ من قاعة المحكمة بسبب تعليقاتك الغبية السخيفة لي أثناء سير الجلسة....هل جئت الى هنا لتكملي عرضك الرذيل ؟؟....ما الذي تريدينه بالضبط ؟!.."

بتحطي نفسك بمواقف بايخة على قولة عادل امام ????????????
كنت بتتفشخري اهو انفضحتي عجبك كده
ما هو الي يوقع بايد الحان تفضحو اساليني عنها

ههههههه متتتتتت ما علش يا رفيف النمش هلا بيعملوه عمليات اهي المى وفرت عليك
يلا نقول ايه نار الغيرة ????????

القعدة تحولت لعركة نسوان و البنت المى تحولت لست بالحارة و هي بتقولها بتاكليه بعينيك يا بنت انت تربيت على ايدنا بمدارس غربية
????????????????????
اه بيحاول يغيضك عندك مانع حقو و بدو يتزوج عليك كمان و بنزغرط بعرسو ????????

انت انفضحت يا حبيبي هدي نفسك معلش غبية بس بتحبك مع شوية هرمونات ملخبطنها
اعذرها

هيـه أنتِ... الزمي أدبك واعلمي مع من تتحدثين...لقد تعدّيت حدودك!!.....أنا المحامية رفيف ابنة المناضل الحر سالم الأسمر وعمي سليم الأسمر والد ورئيس الثوّار الأبطال الذي يرتجف الرجال أمامه...ابنة أصل أباً عن جد!!..وتربيتُ أفضل تربية...أما أنتِ من تكونين ؟!....ها؟!...اخبريني لأرى !....حدّثيني عن أصلك وفصلك!..."

لااااااااااا كلو الا كده سكتنالك و اجينا على البنت انت بنت مناضل و هي زوجة هادي ابن الشهيد الي بيحبها من الطفولة ???????? غصبا على قلوبنا

ايوة كده وقفهم عند حدهم اجمد

هادي يا حبيبي بالهداوة خليها تحكي بهدلها بس بالراحة هو قلبي واجعني عليها ليه ????????
ما كلو من غبائك منك لله كان بحبك مبسوطة هلا

" لا شأن لكِ بهذا....قلت لك ستبقين معلّقة....لا متزوجة ولا مطلّقة واسمك سيبقى مقروناً باسمي وستصونين هذا الاسم جيداً.... أما أنا سأعيش حياتي كيفما يحلو لي....أظن أنني لن آخذ الإذن منك..!!.."

انت انتهيت يا المى الراجل قلب عليك بجد منك لله يا الحان ????

انتهى عهد الرقة و الحنان الي حاب اخرتنا منك يا المى ابتدا عهد القسوة

لا يا هادي ما حبيتها منك كلو الا تضربها بانوثتها حرام عليك بس هي تستاهل
والله ما عدت فاهمة نفسي معاهم معاهم عليهم عليهم

قلبي وجعني الراجل راح من ايدك حتى قلبو الي بيدق منعك تلمسيه
بس اهو نصحك يا رب تقبلي النصيحة لانها من ذهب ????????


خلاص يا حاجة اعذريها البنت موجوعة اعطيها وعد احسن ما تطفش غبائها و بنعرفو ????

يا حبيبتي انا حبيتك انت و رهف ايوة كده صلي ممكن الله يتوب عليك و ينزع شوية الغباء الي فيك و ينعدل حالك

انا بعيط ليه والله يا الحان انت خلتيني انبسط منها و هي سلمت امرها لله ????

يا فرحة ما دامت ليه تضغطي يا ام هادي اهو قالك حيتزوج و البنت تقعد متعلقة مبسوطة

حبيبتي الحان اسكتي ما تنطقيش لو نطقتي بتبوزي الدنيا ????????

يلا واضح الفصل الجاي نحضر لبسنا و نروح فرح الغالي معلش يا المى بحبك بس لازم افرحلو ما دام نكدتي عليه ????

shezo likes this.

سماح نادين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:05 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.