آخر 10 مشاركات
أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          52 - عودة الغائب - شريف شوقي (الكاتـب : MooNy87 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          605-زوجة الأحلام -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          غيث أيلول -ج5 سلسلة عائلة ريتشي(121)غربية - للكاتبة:أميرة الحب - الفصل الــ 44*مميزة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ترافيس وايلد (120) للكاتبة: Sandra Marton [ج3 من سلسلة الأخوة وايلد] *كاملة بالرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 85 88.54%
جيد 11 11.46%
سيء 0 0%
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9707Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-05-23, 12:17 AM   #2511

مينو ويزي

? العضوٌ??? » 485366
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 45
?  نُقآطِيْ » مينو ويزي is on a distinguished road
افتراضي


❤️نحن في الانتظار نسرين الغالية❤️

مينو ويزي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-05-23, 01:16 AM   #2512

سماح نادين

? العضوٌ??? » 487383
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 426
?  نُقآطِيْ » سماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا بشعب لاجئ إجيت أزف ليكم بشرى انو الفصل بينزل الليلة
و هذا كلام عن لسان الكاتبة ❤️

(منقول)
مساء الخيرات...

الفصل طويل ومرهق وهو ما زال قيد الكتابة رغم تكثيف جهودي والوقت لم يكن لصالحي دائماً.....لذا قررت تقسيمه الى قسمين......الأول ينزل الليلة خلال أقل من ساعة ....والثاني غدا باذن الله.....

عذرا منكم❤️


سماح نادين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-05-23, 01:18 AM   #2513

سماح نادين

? العضوٌ??? » 487383
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 426
?  نُقآطِيْ » سماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond repute
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 32 ( الأعضاء 6 والزوار 26)
‏سماح نادين, ‏ألحان الربيع+, ‏Mmpm, ‏زهرة سودا, ‏Shmouk, ‏ايه عصام
أهلين فيكم الفصل بينزل الجزء الاول منه في أقل من ساعة ❤️


سماح نادين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-05-23, 02:18 AM   #2514

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
Flower2

السلام عليكم....

دقائق قليلة ويتم نشر الجزء الأول من الفصل 38 بإذن الله....


ألحان الربيع متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 31-05-23, 02:22 AM   #2515

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثامن والثلاثون (( عودة الفهد الأسود )) الجزء 1



أتيته بقلب تائب يجر ورائه العذر والرجاء
فما كان منه إلا أن استل خنجرا من كِبر وأخذ يطعن حتى سالت الدماء
أي حال يبقى عليه العاشقين من بعد وجفاء؟!
وقلب كل منهما يستجدي أين الوفاء؟!
في قانون الحب ممنوع الكبر والعناد والجفاء
فهل للمحبين غير الحب طريقا ومن العشق الا الارتواء؟!
ظمأ العاشقين يُروى بالهيام لا بالماء
فأمطر على حبيبك منك عشقا يصل به عنان السماء..!!
(( خاطرة من الرائعة رعد السما ))

×
×
×

كانت تنتظرني على أحر من الجمر .....لتسمع قراري وترى اختياري....جلسنا في غرفة المعيشة جوار بعضنا والتفتُ إليها فبدأت بالحديث متفائلة:
" اخبرني بنيّ ما هو قرارك؟؟"

كم هو صعبٌ اتخاذ القرار.....قرار يغير مجرى حياتنا.!!....نرسم أحلاماً كثيرة ونسعى لتحقيقها ...وفجأة تخرج لنا عقبة في طريقنا تجعلنا نسلك اتجاهاً آخراً كرهاً لا طوعاً.!!..... لقد أغلِقت السبل في وجهي وتعاقبت العراقيل أمامي لتهدم أحلام سنيني التي عشتها معها....مع من خانت خائني.!!.... فها أنا عدتُ من هروبي سالكاً ذاك الاتجاه مرغماً لأن لا خيار لديّ!!.. لقد وعدتها أني سأخبرها بما فكرت وقررت وعليها تقبّله مهما كان !!....لذا أدليتُ حاسماً الأمر ناظراً لعينيها بثبات هاتفاً دون تردد بما أملى عليّ قلبي وعقلي اللذان اجتمعا أخيراً بعد سنوات من صراع حاد أنهك عمري عبثاً :
" اتخذتُ قراري....لن أطلق... وسأتزوج!!.....وقد اخترتُ عروسي!.."

ارتسمت ابتسامة مترددة على محيّاها وهمست سائلة بتعجب:
" لن تطلق؟!..."

" أجل....لن اطلق!!.."

أجبتها ناظراً إليها فتلاشت ابتسامتها وطرقت رأسها إلى حجرها وتمتمت:
" لم أعد افهمك بني!..."

أرجعت وجهها صوبي وقالت مستنكرة:
" حقاً لم أعد افهمك ولا أفهم ما تريد...لن تطلق؟..هل بهذه السهولة ستظلمها؟!.!!"

تنهدت بأسى وأكملت سائلة بخيبة دون أدنى حماس:
" وأيّ عروس اخترت؟!..."

لذتُ بالصمت ناظراً إلى الفراغ سارحاً باختياري لثواني معدودة ثم أعدتُ حدقتيّ إليها مع ابتسامة مائلة وهمست قبل أن اقف مكاني:
" سأريكِ إياها بنفسي!!"

وتابعتُ بعد وقوفي أمامها خافضاً بصري لوجهها الذي كساه التساؤل:
" انتظريني!"

ظلّت مشدوهة لبرهة ثم أمسكت يدي بريب هامسة :
" إلى أين؟!."

تبسّمتُ وقلت:
" سآتي في الحال!.."

ثم غضنتُ جبيني بجدية هامساً رافعاً سبابتي بتأكيد قبل أن أوليها ظهري:
" لن أسمع أي اعتراض أماه.....ستتقبلين اختياري الذي ساقه الله لي !!.."

تركتها لدقائق قليلة بينما كان الفضول يتلاعب بها فتحدثت في سرها " يا ترى من التي اختارها ؟..ولمَ سأعترض وأنا التي ضغطتُ عليه ليتزوج ؟!.."

عدّلت جلستها قاطبة جبينها وأكملت في نفسها " أنا غير مرتاحة.....ابني الذي أعرفه لن يستسلم أو يقبل الارتباط بامرأة بسهولة وخاصة أنه عاشقاً لألمى مهما حاول التناسي!!.."

تأففت وتطلعت صوب باب غرفة المعيشة الواسع وتمتمت بصوت خفيض وهي تنتظرني:
" أم أنه بالفعل اختار عروساً ؟! ...ولكن من منهما؟... رفيف أم تسنيم ؟!...لم أتوقع الرضوخ منه لطلبي بهذه السهولة....أمره غريب..."

ولما رأتني دالفاً إليها ضيقت عينيها تركّز على ما أحمله بيدي لترفع بصرها بعدها إلى وجهي وملامح فضول واستنكار ظهرت عليها وهي تتململ لتقوم إلا أنني سبقتها واضعاً كفي على كتفها لأمنعها قائلاً:
" اسمعيني أمي...!!."

غضنت جبينها وسألت:
" لمَ أحضرتَ هذه ؟!...وما علاقتها بموضوعنا ؟!.."

أحكمت بإمساكها بكلتا يديّ ومددتها نحوها وهتفتُ واثقاً بقراري دون تراجع:
" معشوقتي..."

رفعتها إليّ وقبّلتها بحنيّة وأكملت:
" عهد هي التي اخترتها يا نبض الحياة........عروسي البندقية وعرسي سيكون الثورة ان شاء الله...أما قاعة الاحتفال في المعسكر....سأزفّ هناك على أنغام دباباتنا ورصاصاتنا....سنرقص فوق انتصارنا وأرجو من الله أن يهديني شهر العسل في الجنة بعد حصولي على تذكرة دخولي الثمينة.....وهي الشهادة!!.."

اتسعت عينيها بصدمة وارتجف قلبها وقالت:
" ما الذي تقوله بني؟!....ما هذا الكلام ؟!..."

اهديتها ابتسامتي العطوفة المحبة ثم جلست جانبها وأمسكتُ يدها بيديّ وقلت بهدوء راجياً رضاها:
" أمي.....أنا ذهبت لأفكر كيف سأجعلك ترضين عني دون ارتباط بأخرى.....لا أتحمل زعلك ولا استطيع مواجهة غضبك.....وبينما كنتُ حائراً هناك بكيفية خروجي من هذا المأزق وردني اتصال من السيد ماجد لأذهب للمعسكر بعد تجدد اشتباكات على الحدود وطلبوا مني رسم خطة محكمة ضد الأعداء.......حمدتُ الله الذي اختار لي الطريق وأخرجني من حيرتي معك .....لقد أرشدني لأجمل وأغلى عروس .....بندقيتي في ثورتي....!!....أنا سأستقر هناك الى ان يشاء الله ...سأذهب خلال هذا الاسبوع......"

اطرقت رأسها ليديّ الممسكتان بيدها وتنهّدت ثم همست بضياع:
" بنيّ...أنت كبرت في حب الوطن أجل....تدربت لتدافع عنه وتوهب روحك فداءً له لن انكر.... لكن هذا لا يوقف حياتك ....اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا....عليك الزواج وبناء عائلة !!"

قلت بشيء من العتاب وابتسامتي لم تفارقني وهي ما زالت على حالها:
" أمي....أنا لم اتوقع منكِ الاصرار على الزواج من أخرى وأنت أكثر من تعرفين حالي وأي ظلم سأوقعه عليها بزواجي.....ما الذي غيرك؟!..."



رفعت عينيها الدامعتين من فرط حنانها نحوي وهمست بقوة دفاعية:
"قلت لك طلقها ....لم أطلب منك الزواج عليها ....طلقها لمصلحتك ومصلحتها ما دام طريقكما مسدوداً كما جئت سابقاً وأقسمت...أي منذ حوالي ثلاثة أشهر ونيف....حررها منك لترى مستقبلها كما أنت عليك رؤية مستقبلك....ثم أنا أم يا هادي....أم.... تسيرها العواطف قبل العقل ....لا تلوم أم في حب ابنها...لا تلوم أم تبحث عن سعادة ابنها وإن كانت سعادته ستجلبها بنفسها من تحت القصف وفوق الأنقاض....أعلم أن طلبي كان به أنانية ربما عليها بالأكثر...لكن أنانيتي تقود لمصلحة كلاكما في النهاية مهما كان الشيء موجعاً ....!!....طلّقها بنيّ وتزوج.....أريد رؤية اولادك...أريد سماع ضحكاتك....أريد أن تغمر الفرحة أوقاتك...."

أمسكت يدها وقرّبتها لأثبتها على صدري فوق نابضي الخائن وقلت بنبرات عاشقة يكسوها السقم والألم:
"هذا القلب لم يعد من حقي ولا ملكي.....اكثر من عشر سنوات....كانت النغمة النابضة داخله هي ألمى ......انام ألمى...أصحو ألمى ....اشتاق ألمى ...أحب ألمى....أكره ألمى ....لم أجد نبضة متاحة يمكنني سرقتها لأعطيها لغيرها ........ تريديني أن أتزوج وأنت جربت العشق مثلي أماه؟ "

بمحاولات مستميتة تحاول اقناعي قالت:
" أعلم بني.....وأكثر من يعلم أنا....لكن قصتكما أنتما لا تشبه أي قصة عرفناها.....أنتما مثلتما العشق المستحيل .....تحملان حب كبير لبعضكما لكنكما تصلا لنقطة لا يستطيع أحدكما تجاوزها ليصل الآخر.....لا تنازل بقضيتكما.....أنت لن تتخلى أبداً عن قضيتك والجميع يعرف أن الحق معك.....وهي فتاة سيّرتها العواطف ولم تحكم عقلها لذا لن تسامحك أو تقتنع إلا بمعجزة يرسلها الله لها ينير بها قلبها......أفضل حل ورغم صعوبته وقسوته هو انفصالكما ليبحث كل منكما عن حياة جديدة تناسبه......حررها وتزوج ربما تأتي سعادتك باستقرارك ورؤية اولادا لك....."

بإيجاز وتأكيد هتفت:
" لا تتعبي نفسك...قلت لن أطلق..."

بقلة حيلة ونظرات حائرة قالت وهي تتخبط لإيجاد حلول ترضيني :
" لن تطلق.....إذاً تزوج.....ربما تعقل لاحقاً وتحررها براحة"

بعتاب خفيض يخرج من جب قلبي قلت:
" ناهيك أنني أرفض الفكرة....اخبريني كيف سأتزوج والزواج يربط قلبين قبل جسدين؟؟...ها؟......اخبريني أمي....!!..إن تخلينا عن الرباط الأول فسيكون الرباط الثاني أشبه بحياة الحيوانات........فأنا قلبي دمغ بحبها فقط وغير قابل للتعديل ولن يقبل بالبديل..."

آزر عقلي قلبي فأكملت:
" لو تزوجت امرأة أخرى فأنا سأظلم الجميع بداية أنت.......عندما ترينني بائسا بزواجي وهذا أكيد حينها ستزدادين حسرة وهمّاً وسأعلم كم ظلمتك .....وكذلك سأظلم التي سأتزوجها لأنني لا ولن اعطيها مشاعر صادقة مهما جاهدت لأكون عادلاً بتصرفاتي معها ....وهي ستشعر بذلك مؤكد ......"

رفعت كفي أمسد وجنتها برفق ناظرا باستعطاف لعينيها وتابعت:
" فكري بكمية القهر التي ستعانيها عندما تصل لذلك......فكري بدموع ستذرفها عند اكتشافها أن قلبي ليس من حقها .....ألا يكون هذا ظلما؟؟....."

عدّلت جلستي ناظرا للطاولة أمامي وأضفت والقلب ينبض بجنون العشق من أجلها:
"أما تلك البعيدة.....سأظلمها ايضاً بزواجي .....لأني اسرتها لنفسي وأبقيتها مكبّلة بزواجي لا تمتلك حرية الاختيار بينما أنا سأمارس زواجي بأخرى.."

أدرت وجهي نحوها متسائلا، رافضاً، موجوعاً وهاتفاً :
"لماذا؟....لماذا؟...قولي لي...هل فقط لأني ممسكاً بشيء تحت نطاق أن الشرع حلله لي كما يفعل الكثيرون......كتاب ٌ كامل لا خطأ فيه....قرأننا العظيم .....فيه نهج لحياة كريمة كاملة لدنيانا وآخرتنا.......مع الأسف جزء من الرجال لم يحفظوا منه إلا مثنى وثلاث ورباع بغض النظر أنهم لا يفقهون تفسيرها...........لا يمكنني أن اكون مثلهم أمي فقط لأن لدي الحق......أين العدل سيكون إن امتعتُ واحدة بجسدي وقلبي ملك للأخرى؟ ...أين العدل سيكون إن عرفت مالكة قلبي أن حضني الذي وهبتها لها بالكامل أخذته غيرها ؟؟...أي عذاب ستعيش؟؟...أين الرفق بها وهي ضلع قاصر؟؟.....لا يمكنني أن أتحداها بشيء يفوق طاقتها .....لا يمكنني أن انافسها بشيء لا تملكه.....العدل ان يكون الخصمين بنفس القوة لنرى من الرابح ......وإن ربحتُ أنا سأبقى الخاسر .....لا طعم لربح يكون خصمك فيه ضعيف ....الربح الحقيقي يكون عندما نحمل نفس الإمكانيات .....وشتّان بين امكانياتي وامكانياتها........كما أنني أظلم نفسي بزواجي بأخرى أكثر منكم جميعا.......أي صراع سأعيش ؟...كيف سألملم مشاعري ؟؟.....أحب تلك ويؤنبني ضميري لأني خنتها مع أخرى........وأرى هذه أنها عال عليّ فتشعر بذلك ثم يؤنبني ضميري بسببها.....أغضب مما آلت إليه حياتي ومن وجع قلبي فأخرج غضبي عليها......"

علا صوتي بقهر :
" ما ذنبها؟...ما ذنب الأخرى؟؟.....ما ذنبك؟.....ما ذنبي ؟....بل ما ذنب اولادي إن أتوا وأدركوا أن والدهم لا يحب أمهم؟؟.....أي نفسية سيحملونها؟...وأي حياة سأهديهم؟؟......"

تنهّدت فخرجت دمعة مع تنهداتها وهمست:
" لا أعلم ماذا أقول لك يا ولدي......وإن كنت محق بكلامك هذا ليس حل... ...لا يمكن الاستمرار بهذا العذاب ومثل هكذا قرار.."

حوطّت كفها بقبضتي ثم قرّبتها ألثمها بفمي وهمست واثقاً بمشاعري وقراري:
" لا يمكن لقلب هادي أن يكون لغير ألمى .....قلب كبر على حبها لن يخون وإن خانت.........وغضبي عليها لا يمسح ذرة من حبي .....الغضب هو ردة فعلي لموقف وهذا لا يعطي الحق بأن أبيع قلبي بيع خاسر وأن أدوس على قلبها بلا رحمة!!..........لذا كان أعدل خيار لكلينا حالياً.......أن نعيش بعيدين .....هي تمارس أفكارها التي لم تتخلّ عنها ....تعيش حب وغضب في تلك البلاد......وأنا أمارس افكاري التي لن اتخلى عنها وهي حماية الوطن والاهتمام به ولمّا أكون هناك في المعارك أعلم أنني لن أنساها وربما غضبي منها لن يزول لكني أثق أنني بمكان سيأتي يوم وسأعرف وهي ستعرف أنني لم أكن ظالماً مهما آلمتها بهجراني لها وسأنام مرتاح الضمير او سأرقد تحت الارض بسلام........أنا هجرتها فقط كونها امرأة ناشز...."

قاطعتني ثم استعاذت بالله قائلة:
"....{{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ..}}.....هذا هو الهجر في ديننا بني...."

قلت:
"....حاولتُ وعظها في السابق...وحتى بلقائي الأخير وإن كنتُ قاسيا....نشوزها لا يعدله الا الهجر علّها تتعلم.....أعلم أن هجراني لها ليس جميلاً بل أليماً.......لكنها ليست ببيتي ولم ترد البقاء معي...أنا أحاول تقويم نشوزها ولو من بعيد.......ولأنها ليست حاملا فلا حق لديها بسكن أو نفقة ....فهي التي تركت بيتها وزوجها ولم اطردها انا...غيابي عنها وإهمالها هو عقابها وسيكون لوقت حدده ديننا وهو أربعة أشهر وقد مضى منهم اكثر مما بقى! ...عليّ الآن الاهتمام بمعسكرنا والوطن وما إن أنتهي من تسوية بعض الأمور سأعود وأقابلها.....إن أصلحت نفسها فأهلا بها وإن تشبثت بغبائها وعنادها ورفضت مرافقتي لن أطلقها ولتركب أعلى خيلها أو ترفع قضية ضدي إن استطاعت...!!.......ثم لربما تتحرر مني دون مجهود يذكر"

اهتز قلبها بين أضلعها وكاد الخوف أن يقيّد لسانها فسألت بتثاقل:
" مـ...مـ...ماذا تقصد؟؟!"

" إن رزقني الله الشهادة.....بشروها حينها أن يوم حريتها قد أتى .....ولتفعل ما تشاء.."

وضعت باطن أناملها على شفتي معترضة وهمست بحزن وخيفة:
" لا تقول هذا......أسكت.....لا أريد أن أسمعك...ما لك تكرر هذا الكلام؟...."

قلت:
" أمي ....وهل نيل الشهادة يستحقها أيٍ كان؟...وهل تمنيها شيء يجب أن نسكت عنه ؟؟...."

قرصتها من وجنتها بمداعبة وسألت:
" متى ستقوّين قلبك يا أم هادي؟!..."

زمت شفتيها وعبست ملامحها ثم قالت:
" وأنت متى ستفهم أن الأم مهما كانت قوية لن تتغير عاطفتها ازاء اولادها وخاصة عند ذكر الموت.......الموت حق والشهادة فخر.....لكن سبحانه قاهر عباده بالموت ....أنت ترى الابتسامة على وجوه أمهات الشهداء وتسمع الزغاريد وترى كيف يشيعنهم بزفة وأجواء فرح.......لكن وحده الله من يعلم ما الذي تعيشه داخلها من قهر وألم ونزيف روح فمهما مهما ابتدعت قوتها ومهما كانت أكيده وسعيدة أن جنات النعيم مأواه إلا أنني لن أصدق أنها لا تعاني أشد الحزن في قلبها وهي تفقده من دنياها "

زفرتُ أنفاسا طويلة أخرج غصات تجثم على صدري ثم أرخيتُ ملامحي مبتسماً وبرقت عيناي وقلت وأنا أضع يدي فوق يدها المركونة على فخذها:
" حسناً ....ربما أنت محقة بهذا...أما الآن... أريد .....رضاكِ يا أمي....ارضي عني دون أن تعترضي على قراري ....ادعو لي من قلبك الجميل يا مهجة القلب والروح......أنت أردت السعادة لي وبرضاكِ تكون سعادتي....يا نبض الحياة ونعيمها.."

لاذت بالصمت لدقيقة ثم همست باسمة وهي تنقل حدقتيها على تقاسيم وجهي وتداعب ذقني بأناملها :
" رزقك الله سعادة الدارين.....الدنيا والآخرة"

وأحاطت وجهي بكفيها ثم ارتفعت قليلاً تمد جسدها لتقبّل جبيني مضيفة بصوتها الحنون:
" رضي الله عنك وأرضاك.."

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

" سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا أنت استغفرك وأتوب إليك "

دعاء اعتادت عليه بعد انتهائها من قراءة القرآن منذ أن سمعته من شيخها الوسيم على صفحته للتواصل الاجتماعي!!.....كم هي ممتنة منه....كم تحمد الله أنه وضع بطريقها شيخٌ شاب يستطيع التعامل مع هذا الجيل الضائع بكل محبة .....يلقي المواعظ بطريقة سلسة تخترق القلب وتسكن في العقل ....بأبسط الطرق يقدّم نصائحه لخوفه عليهم ويشرح مقتطفات عن دينه دون تعقيد ليصل الى كافة المستويات ....يحبونه ويقدرونه وأصبحت هي مثلهم تتابعه بكل شغف ...ما أجمله عندما يجمع بين الدين والدنيا فيسهل عليها التعايش والمضي بحياتها .....فها هي ختمت سورة البقرة من توها بعد أن سمعت وعرفت منه عن فضل قراءتها والبركة التي تأتي معها...بل تلك السكينة التي لطالما انتظرت أن تشعر بها تغلّف روحها ... سكينة احتاجتها بشدة لتستجمع أفكارها وقراراتها ........أغلقت المصحف ونهضت عن الاريكة في غرفتها لتعيده مكانه.......لقد قامت بأول خطوة.....جلب السكينة !!.....وضعت يدها على صدرها وسحبت نفساً عميقاً أمام مرآتها وهي تغمض عينيها ثم زفرته بتمهل وهمست بابتسامة عريضة :
" الحمد لله ...الآن يمكنني فعلها.."

أرخت جوارحها وكل خلاياها ثم اتجهت الى سريرها تجلس على طرفه وتناولت عن المنضدة هاتفها .....فتحته ولمعت عيناها بدهاء عندما وضعت الرقم السري لحسابها الجديد....[ الأسير ]...فبعد أن قام بحظرها منذ ما يقارب الثلاثة أشهر وأكثر انشأت حساباً آخرا باسم مستعار وطلبت الانضمام الى مجموعته الخاصة !!.....هل ظن أنه سيفلت منها بعد أن أصبح مصدر سعادتها بأيامها البائسة بل أملها للحياة وطاقتها الايجابية ؟؟!.....مخطئ شيخنا الوسيم.....إنها (ميار) الفتاة الطموحة التي تكون مستعدة لتحفر الأرض بيديها لتصل إلى غايتها !!.......حسناً ربما هو ليس من نصيبها لكنها لن تسمح له أن يقصيها من صفحته التي باتت تتربع على عرش أولوياتها ....فمن دون دروسه ستبقى الفتاة الضائعة في سراديب الحياة وفتنها وفقط معه تجد ضالتها!!......دخلت على صفحته من جديد لتراجع على الدرس الذي نشره الليلة الماضية عن الارادة والعزيمة....والذي كان عنوانه...

[ لا تستسلم للواقع..دائما يمكن تغييره...دائما يمكن تحسينه...دائما يمكن تجاوزه]((وليام فولنر))

عقدت النية وعزمت على المواجهة ...أجل ستواجه خوفها ...لن يثنيها شيء عن قرارها ....ستمضي والله معها....لن تستسلم وستحسن حياتها......من قال أنها عليها تقبل اختيارها الخاطئ وتحمل عواقبه؟؟......أجل اخطأت لكن آن وقت إصلاح ما جنت بيدها.....لن تحتاج لأحد من بعد الله ....فالسكينة هي أمانها والعزيمة هي وقودها ....لن تجلد ذاتها ....أمها تريد تكبيلها بترهات وأفكار لا صحة لها ....من قال أن والدها ضعيف القلب ولن يتحمل وهو الذي رباها على القوة والشجاعة والتصدي لأي شيء يعرقل طريقها ؟!.......ستحاول أن تخرج بأقل الخسائر لذا لم تشرك أيٍ من اسرتها واختصرت الطريق على نفسها ...لا تريد ادخال أي وسيط ليتحدث باسمها.....وحدها من ستواجه جدها وردود فعله....هيأت نفسها لأي قسوة ممكن أن تبدر منه.....ستكمل ولن تبالي!!.....لقد استطاعت خلال أشهر كشف شخصية خطيبها (تامر) وأدركت أنه ليس الرجل الذي يناسبها ويمكنه أن يشاطرها حياتها.....اختارت وقت يلتزم كل افراد القصر غرفهم وبما فيهم جدها الذي يصلي العشاء ويتصفح جرائده قبل الخلود الى النوم !!.....وضعت هاتفها جانبا ونهضت ترتب منامتها ثم وضعت حجاب بعشوائية لتغطي شعرها....تسللت نازلة السلالم دون اصدار أي صوت....توجهت الى المطبخ لتحضّر كأسين من الأعشاب التي يحبها جدها ...إنها فتاة اجتماعية ومشاكسة مرحة لديها سياسة وامكانيات وفن التعامل مع الغير...ربما تكسبه لصالحها...لا مانع بالقليل من الاهتمام..!!....بعد تحضيرهما أخذتهما واتجهت الى غرفته ...وصلت الى الباب ....وقفت لثواني ....شهيق وزفير يتبعهما بسملة ولن تنكر أن شيء من الرهبة سرى في منابعها رغماً عنها....فمن في الداخل هو رأس العائلة يهابه الكبير قبل الصغير ومع انه يحب احفاده ويهمه مصلحتهم الا انه رجل صارم نادراً ما يخلع ثوب القسوة والجمود .....طرقت الباب بخفة ولما أذن لها بالدخول دلفت وضحكة المرح تنير وجهها ليزداد بشاشة....ستضع الرسميات جانباً لتهدم الحواجز بينهما وستتصرف بعفويتها...يبقى جدها وليس مدير جامعتها !!....رفع حاجبه الأشيب مستغربا مجيئها فزلفت هاتفة:
" لا أشعر بالنعاس وأنا اعلم انك تسهر ...لذا رغبت بشرب كأس من أعشابك الشهيرة والدردشة معك...هل تسمح لي؟ .!!.."

رغم أنه تفاجأ من زيارتها وأحس بشيء من القلق إلا أنه ارخى ملامحه يستقبلها بمحبة مشيراً للأريكة وهاتفا:
" بالطبع ....اجلسي بنيتي ..."

كان يجلس على أريكة منفردة فوضعت له كأسه ثم جلست على الأخرى التي تقابله ....وضع صحيفته جانباً وارتشف رشفة من الكأس وقال بلذة:
" سلمت يداك....أتعلمين أنك تصنعينه مثل جدتك رحمها الله؟...."

تبسّمت وارتشفت من كأسها ثم أجابت:
" ها أنا أسمع منك....رحمها الله.....أتعلم أنني ما زلت أذكرها وأذكر طيبتها وحنانها رغم أننا فقدناها ونحن صغار؟؟..."

" من منا ينساها ؟!.....ذهبت وتركت بصمة غالية !!.."

قال جملته ثم تنهّد مضيفاً :
" لقد كانت تنحاز الى والدك دونا عن أعمامك....هل أخبرك والدك بهذا؟"

أجابت بنبرة اعتزاز:
" كلا....الآن فقط علمت !!.."

وضعت كأسها على الطاولة الصغيرة أمامها وأضافت بفخر:
" في الحقيقة لن استغرب ذلك....فأنتما ربيتما والدي بتفاني وأخرجتماه بأحسن صورة ليصبح ابناً باراً صالحاً مرضياً.....الجميع يشهد بأخلاقه التي لطالما امتاز بها ..."

تبسّم بمكر وهتف بعد ان غمزها:
" تقصدين بخلاف أعمامك؟"

توردت وجنتاها ووضعت قبضتها أمام فمها وتنحنحت مجيبة بارتباك..:
" عفواً جدي.....لم أقصد هذا!....أنتم لم تقصروا بتربية أيٍ منهم!!..."

ضحك وأسند ظهره للخلف بأريحية وقال :
"نحن لم نقصر ....لكن هم تمردوا في شبابهم ولا أعلم أكان عيباً منا أم منهم......على كل حال تغيروا مع الزمن وأصبحوا اكثر طاعة.....ربما عندما جربوا أن يكونوا آباء ......أما والدك كان شاذاً عن القاعدة فمنذ طفولته وهو يحافظ على تصرفاته ....حسبته أنا وجدتك رضا من الله علينا!!..."

بابتسامة عريضة صادقة مع لمعة عينين عطوفة همست:
" حبيبي أبي......نجح أن يكون ابناً يفتخر به....وزوج من خير الأزواج ....ووالد لا مثيل له.....لن انتهي حتى الصباح لو ذكرت عظمة الأدوار التي يقوم بها!!.. وبالطبع بعد فضل الله الفضل لك ولجدتي ...."

تبسّم بكبرياء ثم انحنى قليلاً يأخذ كأسه وقلب دفة الحديث لآخر قائلا:
" ممم......الآن اخبريني؟.....هل اعتدتِ على الحياة هنا؟.....وكيف تامر الشقي معك؟!.."

خفق قلبها نفوراً فشحب وجهها في الحال!...سيرته تزعجها حد الاختناق لكنها شاءت أم أبت هذا سيكون محور حديثها الآن والسبب في مواجهة جدها....!!.......لاحظ صمتها اليسير وتبدل لونها فتوجس خيفة وأردف:
" أهنالك شيء؟..."

ابتلعت ريقها ناظرة الى الفراغ ثم استجمعت قواها وتطلعت عليه لوهلة وهمست بتردد:
" في الحقيقة جئت لنتكلم بشأن هذا الموضوع"

رفع حاجبه وقست ملامح وجهه وقال:
" ماذا هناك؟!"

بالكاد سيطرت على الاضطراب الشديد الذي ألمّ بها في الحال وراحت تفكر كيف ترد ....هل تلقي ما في جعبتها وتفر هاربة ؟....أم تتريث بايصال رسالتها؟....الأولى جبن وهذه لن تكون صفتها والثانية حكمة وهذا سلاحها .....تنحنحت ثم ركّزت عينيها بتحدي دون تجاوز لحدود آدابها وردت بثقة ابتدعتها:
" جدي.....جئت إليك مباشرة وأنا أعلم أنك لا تحب اللف والدوران.....فكرتُ مليّا قبل قدومي.....هدمتُ أي حاجز بيننا....لم أود بأن تتواجه أنت وأبي ....لأني لا أريد أن أخسر أبي ولا أريد له أن يخسرك........نحن نعيش ونموت ونحن نتعلم من تجاربنا.....جميعنا نخطئ لكن لا يوجد مستحيل عند عقد نية الإصلاح إن كان الشيء نابع من داخلنا .....كلانا نعلم الطريقة التي ارتبطت بها فأنا لم أرفض أبداً احتراماً لك ولوالدي ...لكني أيقنت بعد هذه المدة أنني اخطأتُ بقراري.......ولأني أدرك أن ما هذه الا فترة خطوبة في قانون البشرية جمعاء هدفها التعارف بين الشريكين فإما أن تقربهما ليلتحما معاً وإما أن تبعدهما ليشق كلّ منهما طريقه.... لذا تجرأتُ وقدمت إليك وأنت سيد المتفهمين جدي!!.....صدقني لم أقوَ على اتخاذ مثل هكذا قرار دون أن أقلبه في دماغي لأيام أو استفتي قلبي!!..."

قاطعها هاتفاً باستنكار:
" أي قرار تقصدين؟!..."

ازدردت ريقها مجددا وهتفت تلقي ما لديها:
" أريد الانفصال عن تامر"

اتسعت عيناه بصدمة وقال بنبرة رافضة:
" ما الذي تقولينه؟!....باقي القليل على موعد زفافكما!!..."

أجابت بهدوء:
" أجل.....ولكن اخبرني جدي.....أيهما أفضل ؟....الانسحاب الآن تفاديا من اضرار أكبر أم بعد الزواج وربما بوجود أولاد ؟!.....أنا لم استطع تقبّله ماذا عساي أن أفعل؟!!..."

قال بجدية:
" ما به تامر؟....شاب جيد لا ينقصه شيء!..."

ردت بإيجاز:
" ينقصه الدين.....وهو كل شيء!..."

هتف مدافعاً:
" هو الآن شاب طائش هكذا كان والده ...لكن بعد الزواج سيستقر ويتغير.....أغلب الشباب يمرون بمثل هذه المرحلة!!..."

همست له:
" أعلم جدي أنك تخصه بالمحبة لأنه المدلل عند بكرك.....وأعلم أنك تتأمل الأفضل بشأنه......لكن صدقني الأفضل ليس عندي أنا...."

بنبرة هادئة محاولاً التأثير عليها هتف:
" ميار بنيتي.......اخترتك له لأنك مميزة بين بنات أعمامك بشخصيتك وعقلك....ربما تكونين أنت المفتاح لتغييره!!...أنت من يمكنك اصلاحه"

قالت معترضة بصوت راجي:
" جدي....أرجوك افهمني.....أنا أريد من يمسك يدي ويرشدني خوفا من الضياع.....أنا لست قوية كفاية كما تظن لأحدث تغييراً على شخص يأبى التغيير.......هو من عالم وأنا من آخر......تامر شاب يعيش حياته بالطول والعرض دون سائل أو مسؤول ....متأثر بشكل كبير بحياة أخواله الاسبان.......لا يمكنني العيش بهذا النمط.....أفضّل أن أبقى عزباء كل عمري ولا أن أكون زوجة لرجل حياته حياة أجانب ولم يأخذ من عروبتنا وديننا الا الاسم .....إما أن يكون زوجي بدماء عربية صافية وتقياً......أو لا.......ارجوك جدي...حررني منه....أنا لا أريده....سيجد من تتوافق معه وتسعده بعيدا عني..."

قال ممانعاً:
" لا تستبقي الأحداث وتقنعي نفسك بهذا الكلام......تامر ابن ابني ويبقى أصله عربي.....مهما ابتعد عن قيمنا ونهج حياتنا سيعود ..."


لم تتحدث عما تراه منه من قبل.....لم تخبر أحداً ماذا تعيش بعلاقتها معه ....كانت دوماً كتومة بشأنه وبشأن تصرفاته .....لا تحب أن تفضحه أو تقلل من قيمته بالعائلة .....لكن الآن عليها إشهار سلاحها إن كان لصالحها......هي لم تخلق لترضخ فقط ....هي لم ولن تسمح لأحد بهدم حياتها ......العيش واحد والعمر واحد.....من قال أنها مجبرة أن تفني دنياها فقط لإرضاء الغير؟؟.....شخصيتها ذاتها.....الفتاة المحبة للحياة ....فتاة لم يستطع التأثير عليها فكراً وقلبا ً سوى زلزال اجتاحها بالماضي وما زالت آثاره قائمة عليها......ليس ذنبها إن لم يستطع هذا الـ(تامر) محو آثاره والفوز بها ........لا ذنب لها إن كان كل يوم يكبر شيخها في عينها ويتضاءل الآخر حتى كادت لم تره ...قارنت بينهما رغما عنها......يا الله ما هذه الجاذبية التي يمتلكها ذاك البعيد؟....لمَ لا يفارق قلبها..؟...لمَ اصبحت ساعة الاستماع له من أجمل اوقاتها؟!.....أسرّت بنفسها " ربما لن اكون لك يا شيخي الوسيم..لكن الأكيد لا يمكنني أن اكون لذاك البغيض".....زفرت أنفاساً أثقلتها وهمست بقوة:
" لا أريده يا جدي .....تامر لا يهتم بي ....وقته مسخر لأصدقائه والسهر .......دائما يمدح زوجات اصدقائه وأناقتهن لأنه..... محدود النظر...يرى الأناقة بالتبرج والمظاهر لا بالعفة والستر.......لا يراني يا جدي ولا يهتم لرغباتي.....هو معي من أجلك أنت وعمي أنا متأكدة......ربما أنا بالنسبة له عقبة لا خطيبة لكنه يخشى مواجهتكم.....إن كان هو جباناً لا يستطيع الاعتراف بحقيقة ما يريد فأنا لا وألف لا وأدري تماما ما أريد.........إنه يحلل ما حرّم الله بسهولة .....أي اصلاح تتحدث عنه جدي اخبرني؟...... لا يغير الله بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم....وباختصار......تامر يرفض التغيير رفضاً قاطعاً...."

ضيقت عينيها بألم وتابعت بغصة:
" منذ أيام ذكرته بالصلاة لعل وعسى أن يلحق نفسه قبل فوات الأوان ....ذكرته بالحادث وأن الله اعطاه فرصة ليصلح من حاله.....ثم قمت لأصلي ....أتعلم ماذا قال لي؟!"

أمعن النظر إليها مع إصغاء تام فأكملت:
" قال لي ..لا تعيدي هذا الكلام ....أنا أقرر عن نفسي اصلي او لا.....لا شأن لك بي.....هذه حياتي ولا تتدخلي كما أنا لم اتدخل بك .....احمدي ربك أنني لم ارغمك على شيء وأقلها خلع الحجاب....لقد انصدمت عندما أتيتِ إلينا محجبة .....لم أتخيل يوماً أنني سأرتبط بفتاة تخفي جمالها وتشوه مظهرها بهذا الغطاء ........لقد قالها يا جدي دون أي ذرة ندم ...."

تبدّلت ملامحه للغضب على الفور وقاطعها قائلا:
" أنا سأتكلم معه ....لا تهتي لكلامه التافه......لن أسمح له بإهانتك مهما كان....سأقف خلفك ثقي بي وسأجعله يعتذر منك!...."

شعرت ببعض من الاحباط من جدها فأرسلت دموعاً صامتة لتربّت بحنان على خديها بينما نظرة انكسار وعجز احتلت عينيها لكنها قاومت لتقول:
" جدي....لا أريد اعتذار منه....أريد فقط انفصال!!..."

تلاعب بصوته ليصبح بين الخشونة والليونة وقال بحزم جازماً الأمر:
" ميار.....قلت سأتكلم معه بنفسي وعليك اعطائه فرصة.......لا أريد أي كلمة بعد كلمتي!!..."

استبدّ بها اليأس وزارها جواً من الكآبة.....لاذت بالصمت لبضع ثواني ثم فزّت من مكانها تجاهد لامساك نفسها عن بكاء مرير قاهر وهمست تستأذنه وخرجت مسرعة الخطى لتشكو بثها وحزنها الى خالقها في غرفتها.....!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

ثلاثة أيام بالتمام والكمال أصبحن من الماضي بعد حديثي مع والدتي ...اضطر الجميع لتقبل الأمر الواقع عليهم بأنني لا أريد لا الطلاق منها ولا الزواج بغيرها....حتى أن أخباري وصلت إلى عمتي (لبنى) والتي كان لها دور بإقناع أمي بالسعي من أجل زواجي ظناً أن هذا الأفضل لي وقد كانت ممن اقترحوا العروس (رفيف) أما صديقي وتوأم روحي سيادة اللواء هو من طرح فكرة ارتباطي بـ(تسنيم) شقيقة صديقه الضابط بعد ملاحظته جهود أمي للارتباط من أجل سعادتي .......مرت هذه الأيام وأنا منشغلا برسم خطط من أجل كتيبتنا ومعاركنا.....وردني اتصال من السيد (سليم الأسمر) يخبرني به بأن ابنة شقيقه المحامية (رفيف) تريد زيارتنا بشكل عاجل للاستفسار عن بعض الأمور المهمة تخص قضيتنا مع الوغد (عاصي رضا) فهو يعلم بأنني لست متفرغا للذهاب بنفسي للعاصمة!.....في المساء كنت جالساً مع والدتي وشقيقي (شادي) في حديقة منزلنا الجبليّ من أجل أخذ قسطاً من الراحة وتناول كأسا من الشاي بالنعناع من تحت يديّ نبض الحياة لأسترجع طاقتي وأتمكن من متابعة عملي......وصلت (رفيف) إلينا....كانت هذه المرة الأولى التي تتقابل بها مع والدتي وجها لوجه بعد سنوات فقامت لاستقبالها مبتهجة وبعد المصافحة والمجاملات دعتها لتنضم لجلستنا ولما اقتربت منا رفعت يدها وقالت بجرأتها المعتادة عليها:
" مساء الخير يا شباب...."

تبسّمت مجاملاً ورددت التحية باقتضاب:
" مساء الخير.."

أما شقيقي ظلّ يتأملها وهي واقفة من تحت لفوق فاقتربت منه تلاطفه تحت نطاق أنها أكبر منه وجلست جواره ثم هتفت ضاحكة :
" لا بد أنك شادي الجميل ..."

ومدّت يدها تصافحه متابعة:
" أنا رفيف .."

تطلّع على يدها الممدودة بالهواء لثواني ولم أكن أعلم ما يدور برأسه فأحسستُ بالحرج منه وتنحنحتُ لأنبهه كي يصافحها ففعل بتثاقل ....أكملت تشاكسه بالكلام مفتعلة حوار معه لم يستسغه....كان يرد عليها مرغماً أظن خوفاً من تأنيبي له .....ولما جلست أمي توجه لها بعض الكلمات وخلصته منها استغل انشغالها وتمتم بحنق:
" بالفعل فأرة كما توقعت...."

ثم أمال جذعه نحوي هامساً:
" ما بها تكلمني هذه الفأرة بهذه الطريقة وكأنني شقيقها الصغير ؟.....من الجيد أنك لم توافق عليها ....الفأرة الأخرى الآنسة تسنيم أفضل منها ....."

مسكتُ ضحكتي ورسمتُ ملامح جادة تصنعاً وهمست له:
" ششش......ستسمعك"

وتابعت موبخاً بهدوء:
" ثم تأدب يا ولد ...ما هذا الكلام فأرة وغيرها؟....من أين لك هذا التشبيه ؟.....أشعرتني أنني جالس في جحر فئران...."

شقت ثغره ابتسامة ماكرة وقال:
" اللقب خاص بالآنسة تسنيم لكني أرى أنه يناسب هذه تماماً....ثم قل لي هل تريد بالفعل أن تعرف من أين لي هذا ؟....."

بنبرة مرحة خفيضة وفضول هتفت:
"أجل أخبرني سيد شادي.....فنحن في بيتنا لم نشبه أحد سابقاً بالفئران .....أم أن سامي أعطاك دروسه عن الحيوانات؟..."

رفع حاجبيه بإشارة (كلا) وقال بخباثة:
" ألن تغضب؟!.."

قلت مؤكدا بنبرة خافتة:
" لن أغضب....اخبرني لأرى من أين تأخذ دروسك للاستهزاء بالناس...."

همس مجيباً:
" حسناً أنت أردت أن تعرف لا ذنب لي..."

ونهض عن كرسيه منتصباً ثم وقف ورائي منحنياً قرب أذني يوشوشني :
" من صديقتي.....يعني حبيبتك ألمى"

ولاذ بالفرار مختفياً عن الأنظار بينما حروف اسمها جعلت الخائن الساكن في صدري يرقص طرباً على ذكراها وشردتُ لوهلة اتذكر حركاتها وتصرفاتها لترتسم ابتسامة عشق على شفتيّ وقلت في سري..." إذاً فأرة أيتها القطة الغيورة.."...لأخرج من أفكاري على صوت ضيفتنا وهي تقول:
" ها سيد هادي ....أنا جاهزة ماذا عنك؟!.."

رمقتها بنظرة سريعة ثم اخفضتُ بصري وقمتُ من فوري موليها ظهري بقلة اهتمام وقلت بنبرة جامدة آمراً بكلمة واحدة:
" اتبعيني.."

تبسّمت أمي لها وهي محرجة بسبب تصرفي الجاف معها فاستأذنت منها تلك وتبعتني تحمل حقيبتها تنظر إليّ من الخلف وهي تتمتم دون أن يسمعها أحد:
" أمرك سيد هادي....سأتبعك لنرى !!.."

وصلنا غرفة الضيوف .....أشرت لها لتجلس على أريكة فردية وجلستُ أنا على الزوجية مقابلاً لها ......أخرجت أوراقها وفردتها على الطاولة وأخذت تستفسر مني بعض الأمور وتشرح عن أخرى وقد أخذنا الوقت دون أن نشعر ثم هتفت بالنهاية:
" يعني خلاصة الحديث......نهاية الشهر القادم سيصدر الحكم ان شاء الله .....لذا عليك جلب الأسماء التي أخبرني عنها عمي سليم بأسرع وقت ممكن للضغط على المجرم عاصي والبقية ...سنضرب الظالم بالظالم ....فلقد قال لي أن جميع اسمائهم مكتوبة كرموز مشفرة وموجودة بحوزتك كأمانة معك من والدك لتفكها عندما يحين وقت فضحهم اولئك الخونة.....والآن آن الأوان يا هادي......نحتاج تلك الأسماء دون تأخير ...."

ألصقت أنامل يمناي بيسراي متكئاً بمرفقيّ على فخذيّ ومفكراً ثم أجبت بعد برهة:
" حسناً.....امهليني بعض الوقت...يعني اسبوع أو اكثر قليلاً...."

هتفتْ بجدية:
" هذا كثير.....علينا العمل عليها بشكل عاجل.."

رمقتها بنظرة حادة رافعاً حاجبي وهتفت بخشونة:
" قلت أمهليني بعض الوقت ....الأمانة ببيتي في تلك البلاد وليست هنا.....عليّ تسوية بعض الأمور بالمعسكر أولاً ثم سأسافر لجلبها ..."

سرحتْ قليلاً ثم هتفتْ :
" لديّ حل ...."

ضيقتُ عينيّ منتظراً حلها فاستطردت:
"تكلّم مع أبيك ابراهيم .....يمكنني انا السفر لهناك....فليقابلني ويعطني إياها لجلبها لك اختصارا للوقت .....ما رأيك؟"

ارجعت ظهري للوراء بأريحية وهدوء وأجبتها :
" كلا.....أريد الذهاب بنفسي الى هناك....يوجد عمل خاص ناقص... عليّ إتمامه ولا يمكن لأحد غيري فعله...."

بنباهة فهمت عملي الخاص وبجرأة كادت تصل للوقاحة هتفت متحمسة:
" هل قررت طلاقها؟!..."

رددتُ بالحال مستنكراً قاطباً جبيني:
" عفوا؟!.."

بارتباك وتلعثم همست:
" أ...أقصد ....يعني لأني سمعت بعض الأقاويل أنك لم ترد تطليقها .....فظننت أنك غيرت رأيك الآن...!"

بقيتُ احدجها لثواني بملامح لا معنى لها ودون أي رد مني وهي تبادلني النظرات ثم رفعتُ بصري ناظراً نحو الباب عند دخول والدتي إلينا تحمل القهوة وبعد أن ضيّفتنا وأدبرت للخروج قلت:
"أمي..."

استدارت برأسها جانبا تتطلع عليّ والصينية الفارغة بيدها فأضفت:
" اجلسي من فضلك ...."

ألقت حدقتيها على الضيفة ثم أعادتهما إليّ وهتفت بمحبة:
" أريد تحضير العشاء من أجل ضيفتنا.....عليها تذوق أكلات مدينتنا الشهيرة....."

أوقفتها تلك هاتفة:
" لا تتعبي نفسك يا خالة ....سأنهي عملي وأتصل بسيارة أجرة تعيدني الى العاصمة.....إن كان لي نصيب سأتذوقه لاحقا ان شاء الله ."

وأردفت متحمسة:
" ربما بعد الحكم على المجرم عاصي...."

وأكملت ضاحكة وهي تحرك سبابتها بمزاح:
" لن أرضى إلا بحفلة شواء وهنا في بيتكم الجبليّ"


ثم رفعت يدها تنظر الى ساعتها التي تحيط معصمها فشهقت مصدومة بجدية:
" يا الله.......أخذنا الوقت ولم انتبه أنها التاسعة والنصف .....اعذروني عليّ ايجاد سيارة حالاً......الطريق طويل والله أعلم متى أصل..."

مدت أمي يدها أمامها توقفها بمروءة وهمست:
" مستحيل....لن أسمح لك بالذهاب والوقت متأخر ....أنت مثل ابنتي ولن أرضى بهذا...ستبقين عندنا......"

ثم وجهت كلامها إلي لأدعمها:
" أليس كذلك يا هادي؟!.."

انقبض قلبي ضائعاً بتصرف أمي...لم أفقه أكانت لها نوايا أخرى تصاحب شهامتها وحنانها أم ماذا ...!!؟

اما ضيفتنا سلّطت عيناها نحوي وكأنها تريد أن تستشف ردة فعلي واجابتي أكانت قبولا أو رفضا ولما لم أحرك ساكناً للحظات أحست بشيء من الخذلان ثم وقفت هاتفة :
" شكراً لك يا خالة ولكرمك.....عليّ الذهاب......"

أضجت سكوني اللحظيّ والدتي التي كررت سؤالها بحزم مغلف بابتسامة :
" أليس كذلك يا هادي ؟!.."

أجبتُ بتيه خارج عن ارادتي :
"ها...ماذا؟....أجل ...أجل....فلتبقى هنا...الوقت غير مناسب للعودة بتاتاً..."

انبسطت أسارير وجهها بعد سماعها اجابتي وهتفت مبتهجة وهي تنقل بصرها بيننا:
" حقاً شكرا لكم .....لا أدري ماذا أقول .....أتمنى أن لا اثقل عليكم...."

دنت منها امي تربّت أعلى ظهرها بحنو وهمست:
" البيت بيتك يا ابنتي ....خذي راحتك وتصرفي كما يحلو لك...."

آه يا أمي آه.....ماذا عن ابنك الحائط ؟ ....هل تريدين تكبيل حركتي؟.....لا يمكنني الذهاب لمكان ....فالأوراق مفرودة على مكتبتي في غرفتي ولا يمكنني أخذها لمكان آخر لأتابع مهمتي......ماذا عساي أن أفعل......صبرا يا الله.....بلطفك يا الله كن معي!.......ولما أنهيتُ عتاب نبض الحياة داخلي وصلني صوتها المنشرح تدلي اقتراحها:
" ما رأيك بنيّ أن نذهب لتناول وجبة العشاء بمطعم الشرق ؟! ..."

هذا ما ينقصني الآن.....تجوال وعشاء وماذا بعد؟!....أنا لستُ متفرغاً......ولستُ مرتاحاً......تبسمتُ أسايرها وقلت متملصاً:
" أمي.....منذ قليل كنتِ ستصنعين العشاء بيدك لتذيقيها أكلات مدينتنا الشهيرة أم أني مخطئاً؟!..."

اقتربت مني وضربت كتفي بمرح مجيبة:
" أجل كنت.....لكني فكرت جيدا.....تحضير الطعام سيأخذ وقت هذا اولا.....ثانيا مطعم الشرق يقدم أفضل أكلاتنا وثالثا بما أنه أعلى الجبل سيكون المنظر خاصته ساحر في هذا الوقت ....الجو صافي والقمر منير والنسمات لطيفة .....لنري رفيف جمال مدينتنا من فوق...."


حاولت التملص مجدداً هاتفا:
" أمي اعذريني..... العمل ينتظرني ......"

حسمت الأمر هاتفة :
" لا أريد أي اعتراض.....أنت لا تنام الليل يعني لديك الوقت لن تضرك ساعتان......هيا ....تجهز ولا تتكاسل....."

ضحكت غامزة وأضافت:
"دلل نفسك باستنشاق هواء نقي.... ودللنا معك...."

قلت مستسلماً:
" امري لله .....وتسألينني من أين آتي بالعناد؟!... "

ذهبنا الى تناول وجبة العشاء بالمطعم الذي اختارته أمي .....كنتُ أشغل نفسي بمشاكسة (شادي) أو بالهاتف.....شعرتُ باستياء لا أعلم سببه......استياء اوصلني حد الاختناق!!......لمَ يوسوس لي شيطاني وكأنني أخون تلك البعيدة؟!.....ما هذا تأنيب الضمير الذي يضغط على عاتقي؟!....لماذا هي حاضرة بكل شيء في حياتي كالقرين؟!......تنفستُ الصعداء عند وصولنا الى البيت.....فأنا اشتقت لوحدتي وعزلتي.....و....ذكرياتي الحلوة مع ألمتي!!......اشتقت.. .اشتقت بشدة لها ...لا أعلم كيف تحملت أن لا اسأل عنها او عن أي شيء يخصها !!....لكن غضبي الكريه المصاحب لكبريائي ما زال يتلاعب بي......عدتُ لانفصام مشاعري نحوها كما السابق....أحبها وأكرهها....أشتاق ولا أريدها .....دلّني يا الله ...أكرمني بحل وانت اكرم الأكرمين.......كنتُ مجبراً على الانقطاع كي اعاقبها دون أن أضعف....وربما لاختبر مدى صبري على بعدها ...أو لأتدرب على الفراق لو كان حتميّ لا قدر الله....كذبتُ على الجميع بقسوتي ولكن لم تقنع الكذبة خائني....رجعت لي معاناتي فيبدو أنها هي ضريبة عشقي لها.....هل ظننتُ أنني الآن مستقر في بلدي وبيتي وغرفتي بعد الهجر؟! ......يا لغبائي.....كيف لي أن أذوق لذة الاستقرار بينما القلب والروح والعيون بل كل جوارحي تعيش في شتات ....كيف؟....كيف استقر وأنا ما زلت وسأبقى اللاجئ في سمائها؟!....

جهزت والدتي غرفة الضيوف في الطابق السفلي والتي كانت خاصة لشقيقتي وزوجها وأعطتها منامة تابعة لـ(دنيا ) لونها كحلي وهلال أصفر يرسم على بلوزتها تحيطه نجوم بينما أنا استأذنتُ صاعداً لغرفتي .....بدلت ملابس الخروج لأخرى بيتية......بنطالاً أسوداً طويلاً وبلوزة بيضاء على صدرها شعار الماركة بالأسود تجسّد جسدي وتبرز عضلاتي!......عدتُ الى مكتبتي أصارع مخططاتي .....في الساعة الثانية بعد منتصف الليل شعرتُ بالعطش فنزلت السلالم متجهاً الى المطبخ وما إن دلفت إليه حتى وجدتُ ضيفتنا تشرب الماء والتي أجفلت عندما تنحنحت هاتفا:
" عفواً...لم أتوقع أنك هنا..."

شهقت مفزوعة من صوتي الذي تفاجأت به وأفلتت الكأس من يدها ليتحول الى شظايا على الأرض ثم انحنت على الفور لتلملم آثار جريمتها بارتباك وخجل هامسة:
" آسفة ....آسفة....تفاجأت بوجودك!!..."

تقدمتُ خطوتين باسطاً يداي الى الأمام قائلا بهدوء:
" توقفي...."

لم تتزحزح بل نظرت إلي بضعف ثم همست مرتجفة من شدة احراجها وهي تطرق رأسها لتنظف مكانها:
" يا الله كم أنا محرجة منك !....ما لي كالخرقاء ؟!.."

دنوتُ منها فأصبحتُ أكثر قربا وهمست لأهدئ من توترها:
"رفيف.....اتركي عنك هذا......أنا سأقوم بتنظيفه.....لا أريد أن تتأذي"

ثم قرفصت لألملم قطع الزجاج بينما هي لم تسمع كلامي وبقيت مكانها لتساعدني وهمست بنبرة رقيقة:
" حقاً أنا آسفة هادي.....لقد أشغلتك معي..!!"

من غير ادراك رفعت رأسي وقلت بلطافة :
" لا تهتمي.....حصل خير بإذن الله!.."

وبهذه اللحظة اكتشفتُ أنني قريب منها بشكل مبالغ وبضع سنتمترات فقط تحول بيننا لأمسك بها تتأملني من هذا القرب بعينيها السوداوين وبنظرات تشع اعجاباً جريئاً وجاذبية ظاهرة نحوي.....هذا ما أخبرتني به قرون استشعاراتي!!......أعلم أنني كنتُ لطيفاً لكن هذا أتى بطلبٍ من أمي التي رأت جفائي وجمودي بتعاملي معها....أرادت أن نكرمها بوجهٍ سموح ولسان لطيف!!..... ......خفق قلبي رفضاً والدماء ثارت في عروقي اعتراضاً الا أنني ظللتُ عدة ثواني ووجهي مصوب لوجهها بينما لم اكن اراها البتة إذ أن عقلي ذهب لعالم آخر بعيد.....بعيـــد...الى...... عالم الألمى من جديد.....ولم أهرب من ذاك العالم إلا لما همست وهي تغمض عينيها وتسحب أنفاسها تستنشقه بضياع وصفاقة:
" يا ويلي.....ما اسم هذا العطر؟!"

رباه....إلى ماذا ترجمت لطافتي حتى تكون بهذه الجسارة؟!...

قرع ناقوس الخطر في عقلي....وتمرّد الخائن خلف ضلوعي ....فتململتُ لأقوم من مكاني أشد على قبضتي منزعجاً منها ومن حالي ونسيتُ قطع الشظايا الصغيرة الموجودة بكف يدي !!....تأوهتُ بتلقائية فور انغرازها بي وانتصبتُ واقفاً بحرارية وقهر ففعلت مثلي وبألم معنوي لجرحي قطبت جبينها ثم بعفوية مدّت يدها تمسك يدي!!.....لوهلة لم استوعب ما فعلت ولكن التماس الكهربائي الذي أحرقني نفوراً جعلني أنفض يدها بغل صارخاً بها:
" ماذا تفعلين.!!؟"

لم تتأثر من صراخي بل أجابت بإقدام واثقة وهي تسلط عينيها بعينيّ:
" لماذا تصرخ؟....كنتُ أرى جرحك..."

وتطلعت ليدي مضيفة:
" انظر الدماء تنزف منك!!..."

ثم بكل جرأة استدارت تفتح الحنفية من خلفها لتعود وتمسك يدي وتشدها قائلة بذات الثقة:
" هيا غسّلها ....الحق عليّ.....أنا من تسبـ..."

ولم تكد تلبث أن تكمل جملتها حتى ارتدت بفزع تلصق جسدها بالخزانة والسطح الرخامي واضعة يدها على صدرها عندما صرخت بغلظة أكبر أرمقها بنظرة نارية بعد أن سحبت يدي من يدها بعدوانية:
" كيف تتجرئين على مسك يدي؟!.."

لهثت انفعالاً ثم حاولت اعادة ترتيب أنفاسها واستجمعت قواها وأجابت بحدة تتحداني:
" على مهلك أيها الغاضب.....على ماذا كل هذا؟!.....لقد أوقعت قلبي بصراخك......أشعرتني أنني ارتكبتُ جريمة "

قلت حانقاً مغتاظاً:
" أجل ارتكبتِ جريمة.....لا أحب أن تلمسني امرأة غريبة بغض النظر أن ديننا نهانا عن هذا........أستغفرك يا ربي"

أمالت فمها بابتسامة ساخرة ثم عاتبتني بلهجة غاضبة:
" لم اصافحك ولم ألمسك بنوايا مشبوهة سيد هادي.....تدخلتُ للمساعدة فقط!..."

بملامح قاسية وكشرة حادة رددت الزمها حدها:
"وإن كان..... لا تتدخلي ولا تعيدي هذه الحركة ....أتسمعين؟!"

انتصبت واثقة أكثر تمط جسدها نحوي وبذات جرأتها هتفت بينما كانت عيناها تشعان اعجاب جليّ مخدوش بالقهر والغيرة :
" لا أعرف حقا ...هل هذا التزاماً ..أم وفاءً لها؟؟!....ولا أعرف إلى متى ؟.."

بتّ متأكدا من نظرتها ونبرتها معي فقد غدتا مختلفتين لم تكونا كبداية لقاءنا....متأكد أنها تحمل شيئا بقلبها اتجاهي ...وهذا ما لا أريده ...لا هو لمصلحتي ولا لمصلحتها.....ساعدني يا ربي....صككتُ فكيّ والغيظ اعتصرني اكثر ثم نظرتُ إليها بتحدّي هاتفاً لأقطع عليها أي أمل تحمله اتجاهي:
" فكري كيفما تشائين.....لكني أقولها لك "

ورفعت يسراي ناصباً كفي محركاً بنصري الذي يحيطه خاتم زواجي الفضي العريض ذا النقوش وهتفت:
" التزاماً أم وفاءً لا تهمني ظنونك.....فقط انظري...انظري
..... انا متزوج وامرأة واحدة فقط يحق لها لمسي ....وهي... ألمى....ألمى زوجتي وحبيبتي وكل كياني....أتفهمين أم أكرر كلامي؟!...."

كلماتي نزلت كطعنة على قلبها لتنزف دمعتان من مقلتيها فتابعتُ وأنا أشهر سبابتي:
" من الغد ان شاء الله سيكون تواصلك مع صديقي سامي بكل ما يخص قضيتنا .....أنا سأقيم بالمعسكر ولا يمكنني متابعة كل شيء أولا بأول....فبالكاد استطيع سرقة دقيقة لأطمئن على عائلتي فقط!!......كثفي جهودك وقومي بوظيفتك على أكمل وجه لتنهي الأمر بسرعة ولك بعد ذلك كل ما تأمرين من المال مقابل عملك....يا حضرة المحامية الآنسة رفيف.....!! "

ثم وليتها ظهري مدبراً بعزم لتسمح بدمعاتٍ أخرى بالسقوط واسندت ظهرها للسطح الرخامي تقبض حافته بكفيها للوراء وهمست همسات مكلومة تبوح بما يجول بصدرها وودت لو سمعتها:
" ما ذنب قلبي إذا لم يعد يرى رجالاً من بعدك؟....ما ذنبي إن أوهموني وخاصة عمتك بأنني رشحت كعروس لك وبنيت آمالي ليتبدل الاعجاب داخلي الى حب؟....لماذا أنت وفيّاً لها لهذه الدرجة؟.....أي سحر ألقته عليك كي لا ترى غيرها؟!....ما الذي يميزها؟...فالجمال موجود الحمد لله كما لديها....بل هي ينقصها اشياء كثيرة......غير متمة لتعليمها!.....ساذجة وغبية....ولا نسب مشرف خلفها!....والأدهى هي ابنة قاتل أبيك.....أتعي؟....قاتل أبيك.....قل لي كيف حملت أسمى درجات العشق من أجلها أيها الشامي ؟!..."

ثم انزلقت بجسدها على الخزانة لتجلس على الأرض ومدت ساقيها للأمام محبطة، شاردة لبضع من الوقت قبل أن تتنهد بعمق تطرد غصاتها وهي تقف من جديد تعيد قوتها هامسة بصوت خفيض تلوم نفسها:
" تباً لي كم أنني غبية ....كيف فضحتُ نفسي أمامه؟!.."

نظرت للسقف بحالمية وتمتمت :
" لكنه مجرم ويجب أن تنزل عليه أقسى العقوبة بتهمة الفتك بقلوب بنات حواء بجاذبيته الرجولية ومع سبق الإصرار والترصد....."

وخرجت من المطبخ تجر معها أذيال خيبتها بعد فشلها بالتقرب مني وبعد أن الزمتها حدها....!!


~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

مرّت أيام قليلة بعد مواجهة جدها .... لم يعلم أحد من العائلة عمّا دار بينهما......كانت تدّعي القوة خوفاً من لفت الانتباه الا أن انقطاع شهيتها من القهر الذي تعانيه لوّث الصفاء في جمالها......كانوا عائلتها يظنون أن الحالة التي تمر بها بسبب امتحاناتها وكان هذا كأنه سترٌ متين بالفعل تخفي وراءه خيباتها وحزنها ....في هذه الأيام تكلم جدها مع خطيبها وقام الأخير بدوره بتأنيبها ولومها لأنها أدخلت جدها بعلاقتهما دون أن يعلم أنها أرادت الانفصال لا الاصلاح !!..حتى أنه لم يعتذر منها كما طلب منه جدهما......في صباح هذا اليوم أرسل لها (تامر) رسالة مفادها أنه يريد منها تجهيز نفسها من أجل احتفال خطوبة أحد أصدقائه بمطعم فاخر باطراف المدينة بعيدا عن مكان سكناهم.....لا يدري ما حجم المعاناة التي تعيشها من أجل التمثيل بهذه العلاقة الخاطئة.....لكنها ستتماشى معهم مسلّمة أمرها لله ....ستنتظر الفرج منه....هي واثقة سيأتيها الحل بأهون الأسباب.....فهذا ما سمعته من الشيخ (أحمد) عن حسن الظن بالله خلال أحد دروسه الالكترونية!!.....ولكنها لن تنسى السعي وراء غايتها وارادتها اضافة لحسن الظن بالله....عليها أن تجد حلول ولكنها ستهدأ هذه الفترة حتى يرشدها الله لحل لمعضلتها ثم إنها لا تريد خوض امتحاناتها بنفسية محطمة..!!.....جاء المساء وارتدت لباسها الشرعي الأنيق....فستان أسود طويل وعلى خصرها حزام أبيض ومثله الحجاب والحذاء.....ستسايرهم كيفما يريدون...قالت في سرها " هذا حالياً....لن أكون ميار ابنة كمال زيدان لو بقيتُ على ذمة شبيه الرجال".......ذهبت معه مثقلة ، مشمئزة،حانقة.....جلسا على طاولة كبيرة مستديرة مع مجموعة من اصدقائه المرتبطين بين المتزوج والخاطب......هي غريبة لا تشعر بالانتماء لهم....المكان ليس لها....الجو يخنقها....ليس هذا ما تريده....هي عاشت في أسرة محافظة الى حد كبير رغم حريتها وحتى عندما كانت متبرجة لم تذهب الى أماكن تفيض منكر....كانت تلزم حدودها ...هكذا تربت!.....من أين خرج لها هذا وخاصة بعد وضع خطواتها الاولى وسلكها طريق الهداية؟!......لن ترضا أن يكون هكذا اسلوب حياتها.....لكنها ستصبر وتنتظر .....الاحتفال في أوجه....اختلاط منفر في ساحة الرقص....تبرج وسفور فاق المعقول ....تقدم أحد أصحابه وسحبه ليرقص ثم طلب بجرأة منها لتشارك خطيبها بالرقص.....ردت بابتسامة مجاملة قاتلت شفتيها لترسمها وهي ترفع يدها برفض:
" عذرا......لا أحب الرقص!"

تركها خلفه وذهب مع صديقه بحماس ....كانت تراقبه باستحقار ليس بغيرة فالمشاعر نحوه تحت الصفر والغيرة خلقت على من نحبهم!!.. ....تتمايل الفتيات عليه بفجور ويقابلهن بالمثل....كان الاحتفال بآخره وضيافة الخمر لمثل هذا المجتمع يكون كرماً وتباهي ....لن يرفض تضييفاتهم ....يشرب ويرقص ويقهقه !!....شعرت أنها تريد التقيؤ من الروائح الكريهة التي يتسببها هذا مشروب الحرام مع الدخان وقد زاد من غثيانها المنظر أمامها وخاصة خطيبها الغير مبالي لوجودها وكانت متأكدة داخلها أنه نسي أنها معه أساساً......توجهت الى حمام المطعم تفرغ ما في بطنها وتغسل وجهها....ظلّت لدقائق بالداخل ....وجدت راحتها بهذا المكان بعيداً عن تلك الأجواء الدنيئة ....بعد ربع ساعة وصلها توقف الموسيقى فقررت الخروج.....عادت الى طاولتها وهي تنظر يمنة ويسرة تبحث عنه.....لم يبقَ الا القليل من الضيوف ....لكن أين هو؟؟.....ظنّت أنه ذهب للحمام.....جلست مكانها ومرّت دقائق أخرى ولم يظهر والناس من حولها يتناقصون......رأت أحد اصدقائه فتجرأت وقصدت مكانه لتسأله عنه ولما وصلته وقبل أن تفتح فمها هتف متعجباً:
" ااوه آنسة ميار.....ألم تذهبي مع تامر والاصدقاء لإكمال السهرة في بيت رسلان؟!"

ارتسمت بسمة مزيفة على محياها سائلة بتصنّع:
" هل حقاً ذهبوا؟!...."

قطب جبينه ورد:
" أجل....منذ قليل....مع نسائهم ...."



امتقع وجهها واجتاحها موج من الصقيع بعد شعورها بالامتهان والاستصغار من قِبَلِه.....قرأ صديقه ملامحها فحاول الترقيع وهو يخرج هاتفه:
" انتظري لحظة....سأتصل بهم...ربما ما زالوا في الموقف .."

حتى لو كادت عروقها تنفجر في جسدها إلا أنها لن تسمح بفضح نفسها أو إعطاء أحد طرف خيط للشماتة بها.....رفعت كف يدها ازاءه لتوقفه هامسة بصوت ثابت ظاهريا..مهزوز داخليا :
" توقف....لا تتصل....أنا من لا تريد الذهاب.....لدي امتحان غداً ولا استطيع السهر معهم ...أعلم أنهم ذهبوا لكني لم أتوقع بهذه السرعة....."

لم يطمئن لاجابتها ولم يصدقها فقال:
" لا تزعلي منه.....تامر طيب....لكنه كما رأيتِ ربما أثقل قليلا بالشرب لذا ضاع عقله ونسي أنك معه...."

أمالت فمها بابتسامة ساخرة وانتصبت بإباء هاتفة :
" أظن أنني قلت لك أنا من لم ترد الذهاب معهم ....لا حاجة لتبريرات وترقيعات......على كل حال شكرا لك وعن اذنك..."

واستدارت توليه ظهرها بينما عاصفة تحمل معها الغضب منه والقهر من اهانته لها والحزن على حالها تكاد تفتك بها!!.....عادت إلى الحمام قبل أن تنهار حصونها ...وضعت حقيبتها على السطح الرخامي بالحمام وصارت تتأمل الكم الهائل من الخيبات التي تخطها ملامحها ثم فتحت أصفاد مقلتيها لتحرر العبرات الجريحة منها ...جرحها كان كونها غير مرئية عنده.....اتكأت بمرفقيها على أطراف المغسلة وبدأ يهتز بدنها ونشيجها يعلو....فقدت السيطرة ولم تتمكن من ايقاف نزيف قلبها....رأت نفسها مهانة بأبشع الطرق.....خطيب باتت تجبر عليه ويا ليته يهتم بها....يا ليت فيه خصلة تتقبلها ......لو أحبها واهتم بها لربما لرضيت ولم تتزحزح عن قرارها.....أخرجت هاتفها من حقيبتها الصغيرة ونظرت الى الساعة ....إنها الحادية عشر ليلاً ......المطعم سيغلق بعد ساعة....هي في منطقة بعيدة....وضعت الهاتف جانباً وقررت أن ترمم حالتها.....فكت الحجاب عنها.....حملقت بوجهها بالمرآة تخاطب نفسها:
" ميار....أنت قوية"
" ميار....عليك أن تحسمي الأمر"
"ميار....لا تسمحي لأحد بأن يهدمك"
" هيا ميار....لم يبقَ أمامك إلا هذا الحل "

ثم فتحت الصنبور وصبّت على وجهها الماء البارد لتبرد هيجان روحها ......جففت نفسها ووضعت الحجاب من جديد.....حملت هاتفها مجدداً وقررت مشاركة شقيقها (قصي) بكل ما حصل معها والبوح بمشاعرها لأول مرة منذ ارتباطها....فهو اكثر من يفهمها ويتصدى للجميع من أجلها مهما كان......هي لم تشركه في السابق لأنها تعرف شجاعته بالمواجهة واصراره ولا تريد أن يوضع بمشاكل من تحت رأسها.....ضغطت على اسمه ولما أجاب قالت بصوتها الانثوي الواثق المعهود:
" قصي.....سأبعث لك مكان تواجدي برسالة....عليك القدوم لأخذي لأني احتاجك بموضوع مهم !!..."

انتابه القلق إلا أن قوة صوتها اشعره بشيء من الطمأنينة فأجابها بالحال:
" حسناً حبيبتي.....انتظر رسالتك لآتي حالاً.."

اغلقت المكالمة معه وقررت أن تمضي بعض الوقت مع تطبيقات هاتفها ريثما يصل.....دخلت إلى صفحة شيخها فوجدته ينشر منشور خفيف للنقاش محوره [ ماذا تعني لك كلمة رجل؟]......سرحت بذكرياتها الصغيرة من ماضيها البعيد القريب تقارن المواقف التي عاشتها بين الماضي والحاضر......خطيبها تركها بمكان غريب بينما هو تعارك مع الغرباء حماية لها.....خطيبها أهانها ولم يعتذر بينما هو زار بيتها حاملاً باقة من الورد ليقدم اعتذاره......خطيبها يسخر من حجابها ويريدها أن تعرض مفاتنها بينما هو خلع معطفه وسترها وبلفحته الرمادية غطى شعرها .....خطيبها لا يهتم لسمعتها ولا لاقتراب اصدقائه منها بينما هو ادعى انها خطيبته ليمنع ذهابها الى مركز الشرطة يوم حادثة (صلاح) خوفا من أن يدرج اسمها بالقضية......لفتات صغيرة منه ذات قيمة لا حدود لها .......عادت من شرودها تقرأ مجدداً كلمات منشوره [ ماذا تعني لك كلمة رجل؟].....رفرف الحب والاعجاب بقلبها فتمتم لسانها من فوره بانسياب:
" الرجل يعني أنت.....أنت يا أحمد ....كلمة تتجسد بك وحدك يا شيخي الوسيم "

ثم ضغطت على صورته الشخصية لتكبرها وشقت ثغرها ابتسامة تائهة بين الحب والندم ليتبع ابتسامتها دمعة نقية تسقط على وجهه وهمست وهي تضمه الى صدرها:
" سامحني....أنا من خنت معاهدة السلام بيننا"

×
×
×

بركان الغضب انفجر داخله ....كان قلبه يخفق جنوناً بعد ما سمعه منها وهما في طريقهما الى البيت ....عاتبها...لامها...صرخ بها من أجلها ....لمَ لم تخبره بكل هذا ولم تشاركه همومها.؟!...شعر أنه ناقص وشقيق لا يليق بها ما دام لم يستطع حمايتها ....دعس على الوقود مسرعاً بعد انفلات أعصابه....لو كان ذاك البغيض أمامه لمزقه إرباً......لكن الآن هدفه واحد ووحيد.....مواجهة جده ليحسموا الأمر ..إن كان برضا فهذا رائع وإن كان أي اعتراض لن يوقفه شيء ...سيأخذها ويذهب من هذه المدينة الصناعية ولن يرَى خطيبها شعرة منها ......وصلا الى قصر العائلة....كان ساكناً.....الوقت متأخر والجميع نيام.....عصره الغيظ يريد الحديث مع جده .....اقترب من باب غرفته يريد أن يوقظه من النوم فلحقت به بالحال تمسك ذراعه هامسة بضيق:
" قصي....أرجوك.....الصباح رباح.....الغضب لن يولد الا الغضب.....ربما خيراً لنا أنهم نائمون .....لنتصرف بحكمة ونفكر بتروي .....أنت تعلم طبع جدي....لو جئته بالعالي سيتمسك أكثر برأيه .....علينا الموازنة بين احترامه وايصال رسالتنا.....لا أريد أن نشتت العائلة والأهم أبي لا يستحق أن نضعه بمأزق ... "

تطلع عليها بوجهه المحمر وعروقه البارزة وقال وهو يجز على أسنانه:
" إلى متى سنعمل حساب للآخرين ؟؟!.....عليّ انهاء الموضوع حالاً......لقد تمادى كثيرا تامر......هل ظن أن ليس خلفك أحد؟!.."

استدارت تقابله وأمسكت كلتا يديه بيديها وهمست راجية والدموع تترقرق بعينيها البنيتين:
" يكفي أنني أعلم بأن الله وهبني أب وأشقاء يقفون كالجبل الصامد من خلفي ....لن يهمنا ما يفكر هو......أرجوك أخي......دعنا لا نفتعل مشكلة في آخر الليل وغداً بإذن الله سنضع النقاط على الحروف....خذ نفسك لترتاح واستعذ بالله من الشيطان...."

رفع يده ومسّد وجنتها ناظراً إليها بقهر وقال بغصة:
" آه شقيقتي.....لم يكن علينا أن نوافق على هذه الزيجة من الأساس.....أنت لا يليق بكِ إلا الأفضل يا عزيزتي..."

ثم سحبها تحت ذراعه يضمها لصدره وأغمض عينيه نافثاً أنفاسه المغتاظة وهتف:
" حسناً فلننتظر الغد ان شاء الله ولن يوقفني أحد.....أعدك"

في صباح اليوم التالي ذهب شقيقها الى عمله وهي الى جامعتها .... كان موعد عودتها عصراً......دخلت البيت وهي تفكر ماذا سيحدث؟!....فيفترض أن أخاها عاد بنفس وقتها .....صعدت الى غرفتها ....بدلت ملابسها وتوضأت وصلّت صلاة الظهر التي فاتتها وتبعتها بالعصر .....استغربت أنها لم تسمع أصوات من أحد......قالت في سرها " ما به قصيّ لم يأتِ إلي إلى الآن؟..."....جلست على مكتبتها تعبث بأوراقها بعشوائية فالقلق يتلبسها ولا تفكر بأي شيء سوى موضوعها .....طرقات على الباب ثم دخول لحبيب قلبها الذي جعل وجهها يشع نوراً.....إنه والدها الغالي ....اقترب منها بحنوٍ.....داعب شعرها وقبّل وجنتها فأمسكت يده وقبّلت ظهر كفه هامسة بمرح:
" أهلا بمن زارني وجلب لي البركة !"

تبسّم ضاحكاً وشاكسها ببضع كلمات ثم صمت قليلاً مما جعل الريب يدخل قلبها ....شعرت أن هنالك كلام عالق على لسانه لم تفهم ماهيته....غضنت جبينها تضيق عينيها وهمست وهي تقف أمامه :
" أهنالك شيء أبي؟!.."

أمسك يدها وسحبها إلى سريرها يجلسان جوار بعضهما ثم تهللت أساريره وقال:
" كم أنا فخور بك يا ابنتي .....لطالما قلت عنك الحكيمة!..."

لم تفهم مقصده وارتجت شفتها لا تعلم أتبتسم أم تسأل عما يعنيه لكنه أراحها مكملاً وهو يربت على كفها المركونة على حضنه:
" في الصباح أخبرني قصي كل شيء من البداية حتى منعك له بمواجهة جدك وهو غاضب.......خير ما فعلتِ حبيبتي"

انقبض قلبها خوفاً وشعرت بالاحراج وتمتمت بتلعثم هامسة والدموع تتكدس بعينيها:
" أ...أبي...أنا.....لم....لم ...."

قاطعها قائلا:
" ششش...اهدئي ميار...."

ثم رفع يمناها وبأطراف اصابعه سحب خاتم الخطوبة من بنصرها مضيفاً:
" مبارك ابنتي......لقد تحررتِ من تامر مبدئياً!!..."

جحظت عينيها مشدوهة وابتلعت لعابها لترطب حلقها وهمست متعجبة:
" كـ...كيف؟.....مـ....ماذا تقصد؟!..."

أجاب براحة وعيناه ترسل اشعاعات المحبة والحنان إليها:
" مثلما سمعتِ ميار......كلمت جدك ولم يعترض!.....وفي المساء سيأتي الشيخ ليطلقكما من بعضكما...."

ظلّت مذهولة فاغرة فيها لثواني قليلة ثم تحدثت قائلة باستغراب:
" هل وافق جدي بهذه السهولة؟!"

وضع يده على كتفها يداعبها بعطف وهتف:
" أجل.....لقد ذكرته بما حصل مع عمتك نجاة في الماضي وكيف تدمرت حياتها بسبب زواجها برجل شبيه لتامر لم ترغب به ...كم عانى جدك وقتها ...لكن يبدو أنه نسي ما عشنا سابقاً......أخبرته بكل شيء فعله معك وقد اخبرني به قصي....ثم قلت له أنا مستعد أن أحني رقبتي لك درجة لتدعس عليها كوني ابنك ....لكن عليّ القيام بدوري كأب ايضا لغاليتي .....فأنا لن أسمح لأحد بأن يهينها أو يدمر حياتها او يسلب سعادتها ولو فعلت المستحيل ........وفي كل الحالات أنا سآخذ عائلتي في القريب العاجل ونعود الى المدينة الساحلية وأرجو أن نذهب ومعنا رضاك .....فيبدو يا ابنتي أن الطريقة السلمية دون غضب مع وجود الحق معنا جعله يلين رغم محاولاته القليلة بالإقناع ....أعطاني الرضا وقال أن نبقيه بعيداً عن هذا الموضوع ونحل الأمر لوحدنا...وحتى قال لي ..هنيئاً لك بابنة مثل ميار....مطيعة...حكيمة.....فجدك كان متأثرا وراغباً بشدة لتكونا لبعضكما من شدة حبه لكما........ايقافك لغضب قصيّ جاء لمصلحة الجميع.....فكما قالوا....في التأني السلامة وفي العجلة الندامة........رضي الله عنك حبيبتي...."

ألقت نفسها في حضنه باكية بكاء الفرح وهي تكرر همساتها:
" حبيبي أبي ....لا حرمني الله منك....حبيبي...أحبك...أنت أفضل أب في الكون...."

وكانت تلك الليلة الأولى التي تنامها وهي بقمة الفرح والسرور في هذه المدينة الصناعية بعد أن تحررت منه رسمياً....!!.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

التوكل على الله ثم اتخاذ قرار لا رجعة فيه مع قليل من الإصرار يمكننا أن ننجز ونحقق اهدافنا....تركتُ الجميع خلفي عائداً إلى تلك البقعة الطاهرة حيث نمت أزهارها بشموخ على دماء شهدائنا كأنها تبعث رسائلها إلينا بأن نجدد فينا العزيمة من أجل الاستمرار على نهجنا الذي نشأنا عليه حاملين شعار أن الدين والوطن فوق الجميع وبأن الحياة لن تتوقف على أحد فبعد الظلام سينبلج الصباح وإن ماتت روح ستأتي غيرها أرواح ولتخبرنا أن هنالك أمل ....أمل بربيع يزهر أمانينا بعد شتاء عصف بنا ورياح ذرت مشاعرنا الى أراضي بعيدة ...!!
دخلتُ قاعة الاجتماعات السرية بإباء وكبرياء وقوة مضاعفة أحمل عهدي (البندقية) على كتفي وأوراقاً جمّة رسمتُ عليها خططي العسكرية بعد تأجج مناوشات عنيفة و قتال شرس حدث بين كتائبنا وبين بقايا النظام الفاسد والذين كان هدفهم زعزعة سكوننا من جديد للتشويش على الانتخابات الرسمية التي كانت ستقام في هذه الأيام وقد نجحوا بإلغائها فعلاً لنعود الى نقطة التقاء شديدة الحساسية معلنين حرباً إما أن نخرج منتصرين منها أو منتصرين لا خيار ثالث أمامنا فالإنجازات والتضحيات التي قمنا بها على مدار سنوات وخسرنا خلالها الكثير إن كان من حيوات أو اقتصادياً تجبرنا على التصدي بكل ما اوتينا من قوة منعاً من العودة الى الصفر كما كنا قبل أعوام .....ألقيتُ التحية بصوتٍ جهوري على من كانوا ينتظرونني ثم خلعتُ بندقيتي ووضعتها على الطاولة أمامي ومعها أوراقي التي كانت بمثابة خرائط من رموز مشفرة لا يمكن لغيري تفكيكها وفردتُ إحداها منحنياً فوقها وباشرت لأشرح مخططي دون مقدمات فاستوقفني السيد ( سليم الأسمر) هاتفاً:
" لقد وصلت من توك بنيّ .....استرح قليلاً وبعدها نبدأ بالاجتماع.."

ظللتُ على وضعي منحنياً واستدرتُ برأسي يميناً نحوه وقلت بنبرة جادة شبه جافة:
" لم اشكو تعبي لأحد سيد سليم .....أتيتُ هنا للإنجاز وليس لشرب القهوة وكل ثانية من بعد الآن ستهمني..!!.."

تبسّم مجاملاً ورفع ذراعه يربّت على كتفي وقال بنشوة:
" مبارك عليك العروس التي اخترتها!...فتبقى هي الأفضل لنا كي لا نخسرك..."

أملتُ فمي بابتسامة واثقة مغرورة بينما كنتُ استند بكفيّ على الطاولة واومأتُ برأسي ايجاباً ثم هتفت ناظراً لـ ( إياد):
" أين ضياء وباقي الأشبال؟!.."

أجاب:
" لقد أعلمتهم بطلبك سيدي!!..سيأتون.."

زفرتُ أنفاسي بشدة وقلت:
" اذهب وعجّل بهم نحن لسنا بفندق ....لمَ لم يلحقوا بي بالحال؟!.."

رفع يده لجبينه هاتفاً:
" أمرك سيدي!.."

ثم فرّ خارجاً من القاعة ليتطلع بعدها السيد (سليم) على السيد (ماجد) ينظر إليه بنظرات مبهمة فهتف الأخير :
" لكن القائد عز الدين لم يصل بعد لتشرح له المخطط!!.."

بكل برود انتصبتُ بقامتي مجيباً:
" أنا من سأقود المعركة..!!

اتسعت عيناه بصدمة وسأل مستنكراً :
" ماذا ؟!..."

ثم أرخى ملامحه مضيفاً بحزم:
" لا يمكنك ذلك!....يوجد من يقوم بقيادة الكتيبة نيابة عنك !!...أنت نحتاجك للمخططات هنا..!!.."

صفقتُ بظهر كفي فوق الخارطة وهتفت بصوت جهوري آمر:
" قلت أنا سأقود المعركة بإذن الله.....المخطط مخططي والتعب تعبي....الكتيبة كتيبتي وإن سالت دماء فلتكُن دمائي...!!.."

تنهّد بغير رضا ثم ألقى عينيه لصديقه السيد (سليم) الذي تزينت تقاسيم وجهه بالفخر والاعتزاز هاتفاً بحبور:
" هذا ما أريده تماماً.....هذه المعارك خُلقت لك!.."

واستقام واقفاً يسحبني من ذراعي ليحضنني بشوق وتباهي أبوي وهتف وهو يربّت بقوة على ظهري:
" أهلاً بعودة الفهد الأسود..!!."
×
×
×

تجمع أشبالي حولي وكان جل تركيزي على تدريبهم نظرياً وبإحكام على خطتي التي رسمت....مرت ساعتان دون أن نرتشف رشفة ماء.....بعد اختبارهم والتأكد من استيعابهم لها ألقيتُ جسدي على الكرسي خلفي خائر القوى إذ أنني استنزفت طاقتي بالشرح المكثف دون لقط نفسي بغض النظر عن قلة نومي وسهري للتخطيط ...نفثتُ أنفاسي براحة ثم رفعتُ يدي برخاوة مشيراً لهم:
" يمكنكم الانصراف الآن...!!."

السيد (سليم) والسيد (ماجد) كانا ضيفيّ الاجتماع.....الأول افتخر برجوعي وامساكي للمهمة بنفسي لكن الآخر لم يستسغ الأمر وبدا مزعوجاً من قراري ومن صديقه الذي ساندني!.....لم ألقي له بالاً رغم انتباهي لعبوسه واعتراضه ...بعد قليل نهضت قاصداً مطبخ المعسكر لأحضر شطيرة تسد جوعي مع كأس شاي.....عدتُ إلى الغرفة فوجدتهما يتحدثان وقد وصلني صوت الحانق يقول:
" المهمة كانت من مسؤولية القائد عز الدين....لمَ لتوافقه على فعلته التي لا معنى لها!.....سيُكسر الآن القائد عز وقد كان متحمساً..."

وصلتُ إليهم بخطى واثقة ثابتة ناصباً ظهري ووضعتُ الكأس على الطاولة ثم قلت ببرود مستهزئاً:
" ربما لأني شعرتُ بالضجر قليلاً فأحببتُ أن أتولى المهمة....أليس أنا ابنكم المدلل؟!...."

رمقني بنظرة جافة لأن كلامي لم يعجبه ثم أعاد عينيه لصديقه وأجابني بعدم اهتمام:
" بالفعل هذا دلال.....ماذا يعني أن تأخذ المهمة أنت بينما يستطيع غيرك فعلها بسهولة ايضاً؟!....."

وأكمل وهو يناظرني بحدة:
" ما المعنى من هذا وما هي نيتك حقاً لا أدري..!"

ارتشفتُ من كأسي وقلت مبتسماً ابتسامة مستفزة:
" لا بد أن لدي سبب!.....أليس كذلك؟!؟؟

هز رأسه يمنة ويسرة رافضاً وقال:
" لعرفناه قبل أن تأتي..."

بملامح باردة مرتاحة لا تفضح الثورة داخلي:
" ليس بالضروري أن تعرف كل شيء قبل أوانه.....فكّر مثلاً أن الأمر سري!.....وربما حينها ستعذر تصرفي وشدتي."

أمال رأسه السيد(سليم) مع رفعه لحاجبه متسائلا:
" يبدو أن هنالك سبب فعلاً لإصرارك بأن تقودها أنت....أخبرنا ما عندك!.."

شددتُ بغيظ على الكأس بقبضتي وكززت على أسناني سارحاً بالسبب قبل أن أقول بحرقة:
" لأن هناك شك كبير بوجود خيانة يا أفاضل.!!.."

" ماذاااا؟!"

بصوتٍ واحد أخرجا سؤالهما فرمقتهما بعينين اشتعلتا احمرارا من القهر وقلت وأنا أحني ظهري للأمام منفعلاً بعد أن ألقيت نظرة للباب للتأكد أن المكان فارغ:
" أحمد اثناء تواجده هنا شك بوجود خطب ما بين القائد عز الدين ومساعده الأيمن ....لم يصل الى دليل لكنه كان مرتاباً غير مرتاح.....أخبر بلال بالأمر والاخير قام بدوره بمراقبة هواتفهما.....حصل على مكالمة مشبوهة غير ظاهرة المعالم....أسمعني أنا وأحمد إياها فانقبض قلبي.....رغم أنني خفت أن أظلم لأن لا دليل قطعي إلا أنني لن أكون طيباً طبعاً وأقامر على أرواح أشبالي.....فاخترتُ قيادة المعركة بنفسي وإن كان الثمن دمائي...."

بخشونة وصوتٍ غاضب قال السيد(سليم):
" علينا مراقبتهما من الآن...."

أرجعت ظهري لظهر الكرسي بأريحية وأجبت:
" أساساً منذ أسبوع بدأنا بمراقبتهما.....ثق بنا....أرواحنا لن تكون لعبة بيد أي خائن بإذن الله..."

اتكأ بمرفقه على الكرسي يمسك جبينه مقهوراً مسلطاً عينيه أرضاً من كان حانقاً عليّ وتمتم:
" لا حول ولا قوة الا بالله.....لا حول ولا قوة الا بالله.....من أين خرجت لنا هذه المصيبة الآن؟!..."

ثم رنا نحوي محرجاً لسوء ظنه بي وهتف:
" اعذرني هادي.....لم اتوقع هذا ابداً....."

قلت لأخفف عليه من حرجه:
" أنت لست مخطئاً ولك الحق بظنك وأنا لست مخطئاً لأني أخفيت توخياً للحذر..."

ثم تابعت بغصة ضارباً على صدري:
" لا أعلم كم سيتحمل هذا القلب ليتحمل....طعنات لا ندري أتأتي من قريب او غريب.....لقد تمزق كلياً...."

وبشموخ ناصباً كتفي استطردت:
" سأهب نفسي وكل وقتي بعد الآن حماية لهذه الأرض بمشيئة الله....سأبني فوقها عريني ....عرين لا يأوي الا أشبالاً شرفاء..."


لقد تمزق القلب فما عدت اخشى الأوجاع ....أنا من اخترتُ هذا الدرب وعنه لن أميل....لقد أتيتُ لأجدد العهد واستجيب للنداء.....سأتصدى للعدو ولن اسأم الكفاح سأدك الجبال تحتي وأشهر السلاح ....لن التفت للوراء بل سأشمخ بهامتي للسماء فأنا الفارس في معركتي....سأكون أمام الظلم اعصاراً عتياً....عزيز النفس مجاهداً أبياً.....تخليتُ عن دنيا الهوان باحثاً عن سبل الفوز بالجنان.....جئت الى ارضنا المخضبة بالدماء الطاهرة المعطرة بالمسك والريحان.....جئت لأكون الطلقة للثورة....كلا ...لم أخلق لأهاب.....خلقت لأقاوم من تحت الأرض وفوق السحاب.....طوبا لي إن كنت الشهيد أو بطلاً مغواراً يحقق نصراً مجيد.....أنا القائد للقضية وأنا المدرسة للوطنية .....نحن رجال الحرب وأعلامها نحن الحصون للبلد وأسوارها .....الآن هو زماني وهنا مكاني....أنا الثائر رافع الجبين.... أنا الفهد الأسود حامي هذا العرين ... انا هادي الشامي ناصر الدين وربي هو الحق المبين ....!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

يتبع....


ألحان الربيع متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 31-05-23, 02:45 AM   #2516

سماح نادين

? العضوٌ??? » 487383
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 426
?  نُقآطِيْ » سماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond repute
افتراضي

ياه اشتقنا اخيرا نزل ❤️
ليا عودة لما اقراه اكيد كاتبتنا المبدعة ❤️


سماح نادين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-05-23, 08:28 AM   #2517

سناء يافي

? العضوٌ??? » 497803
?  التسِجيلٌ » Jan 2022
? مشَارَ?اتْي » 447
?  نُقآطِيْ » سناء يافي is on a distinguished road
افتراضي لاجى في سماءها

الحمدالله عا السلامة فصل راىع ميار قدرت تخلص من تامر
هادي ماشاءالله عليه حب لالمى ولبلده راىع تسلم ايدك


سناء يافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-05-23, 09:16 AM   #2518

بيبآا
 
الصورة الرمزية بيبآا

? العضوٌ??? » 409358
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 94
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » بيبآا has a reputation beyond reputeبيبآا has a reputation beyond reputeبيبآا has a reputation beyond reputeبيبآا has a reputation beyond reputeبيبآا has a reputation beyond reputeبيبآا has a reputation beyond reputeبيبآا has a reputation beyond reputeبيبآا has a reputation beyond reputeبيبآا has a reputation beyond reputeبيبآا has a reputation beyond reputeبيبآا has a reputation beyond repute
افتراضي

رواية مميزة
بالتوفيق


بيبآا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-05-23, 10:21 AM   #2519

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,559
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.صباح الجمال كله لحونتى القمر

اشرق الصبح بجمال طلتك حبيبتى
والجزء الاول من الفصل
والذى أثق أنه رائع
كروعة كاتبته

لى عودة بالتعليق بعد تمام القراءة ياقلبي
صباحك سكر
ولسموحةقلبي صباحك عسل


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-05-23, 03:38 PM   #2520

zeena abusamra

? العضوٌ??? » 470321
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 108
?  نُقآطِيْ » zeena abusamra is on a distinguished road
افتراضي

يعطيك الف عافية ع الفصل الجميلللللل ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️???????? ????????????واخيرا

zeena abusamra غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:23 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.